كلمة الكاتب عماد مالك طوق 

سيداتي، سادتي، أيها الحضور الكريم:

أودُّ، بدايةً، أن أوجِّه شكراً من القلب إلى رودي رحمة – الذي تربطني به علاقة صداقة ومحبّة تعود إلى ما يقارب الأربعين عاماً – على القصيدة المرهفة: "رودي، لو كنت أعلم أن هذا العمل يستأهل كل هذه الشاعرية والشفافية، لكنت حاولت أن أنفِّذَه قبل اليوم بكثير".

أشكركم فرداً فردً ومجتمعين على مجيئكم – وهو أمر بالغ الصعوبة لوجيستياً هذه الأيام – وأشكر دعمكم وتشجيعكم. كما أشكر الحركة الثقافية – أنطلياس، وهي حاضنة طليعية لكلّ ما هو حضاري، على الدعوة إلى هذا الحدث ورعايته واستقباله، وأخصّ بالذكر الرئيس الأستاذ جورج أبي صالح، والدكتور عصام خليفة والدكتور أنطوان سيف، اللذين يعرفانني منذ كنت ولداً (وبشكلٍ ما، لا زلت)، وأخيراً وليس آخراً، أشكر الأب جوزيف الزين طوق الذي هو، في الأساس، بمثابة "محرِّك الدفع النفّاث" لمشروع هذا الكتاب، لا بليت يداه.

حين كنت أحضِّر كلمتي لما نحن بصدده اليوم، تذكّرت حكايتين قصيرتين أظنّهما تليقان بالمناسبة:

-       أولى الحكايتين تقول أن شخصاً كان بصدد إلقاء محاضرة في موضوع يبدو أنّه شائك ومتشعِّب، فباشر بالتوجّه إلى الحضور قائلاً ما معناه أن "الموضوع واسع ومعقّد، ولست أدري من أين أبدأ". فهمس أحد الحضور "لا بأس، إبدأ من عبارة ‘وفي الختام’".

-       ثانية الحكايتين تقول أن شخصاً يافع السنّ، متواضع الخبرة في مجال إعطاء المحاضرات، قصد أحد معارفه، وهو أستاذ مخضرم متمرّس، وطلب منه بعض النصائح والإضاءات حول ما يجب فعله حتى تكون المحاضرة ناجحة ومثمرة. أجابه الأستاذ بأن عليه أن ينتبه لجوانب مختلفة تتعلّق بمضمون الكلام وصياغته وإلقائه وغير ذلك، ثم انتقل ليلفت انتباه السائل إلى مسألة الوقت، قائلاً له ما معناه أنّه "يجب عليك ألاّ تطيل في الكلام لأن لدى الحضور مقدار محدّد من الطاقة على التركيز، يجب ألاّ يُستهلك، ماذا وإلاّ!... مثال على ذلك، ستلاحظ، وأنت تلقي محاضرتك، أن بعض الحضور ينظر إلى ساعته من وقت إلى آخر. ماذا تفهم من هذا الأمر؟"

فسارع اليافع إلى الإجابة أن تلك إشارة إلى وجوب المباشرة في اختتام الكلام. وهنا قاطعه المخضرم قائلاً أن تلك إشارة، لا بأس، لكنّها غير كافية للحثِّ على البدء باختتام الكلام! أما الإشارة التي قد يمكن الأخد بها فهي حين يبدأ الناظر إلى ساعة يده يروح يهزُّها بجانب أذنه للتأكُّد من أنها تعمل!"

فيما يخصّ هذه المناسبة، أحب أن أُطَمْئِن الجميع أن لا خوف من حصول ما سبق وصفه. الكتاب الذي اجتمعنا اليوم في فيء أوراقه هو كتاب صور فوتوغرافية، تراثية لبنانية، وموضوع التراث واسع ومعقّد، ولست أدري من أين أبدأ في الكلام. لذلك سوف أعمل بالنصيحة التي وردت في الحكاية الأولى، وأبدأ من عبارة "وفي الختام" لأشير إلى أنّني، حين كنت ألتقط صور هذا الكتاب، لم أكن بصدد عمل مطالعات فلسفية عن أحجية الكون وكنه الأشياء ودوران الملكوت وعلاقة اللاحق بالسابق. بالعودة إلى الوراء 25-30 سنة، كنت لا أزال غرّاً يافعاً كصاحب الإستفسار في الحكاية الثانية، وجلُّ ما كنت أحاول فعله هو استبقاء تذكار (إفتراضي) لمشاهد ووجوه وتفاصيل ستمحوها – لا محالة – "محّاية" الزمن.

في هذا الإطار، إن كون موجودات هذا الكتاب تعود إلى ما يناهز الثلاثين عاماً هو أمرٌ يعمل لصالح الكتاب وليس ضدَّه، بمعنى أنه كلّما اتسعت المسافة بين تاريخي التصوير والنشر، كلّما طاب مذاق الموضوع أكثر. أراني هنا أتذكّر مغارة "جعيتا" – مع حفظ الأحجام والمقامات، لا شكّ.

بناءً على ما سبق، وبعد 11 عاماً من تاريخ أولى الحشرجات والمحاولات لوضع شيء بين أيدي العامّة، هاكم هذا الكتاب الذي هو، كما هو مُشار إليه على الغلاف، الجزء الأوّل ممّا آمل له أن يكونَ سلسلة من ثلاثة أجزاء... والله وليّ التوفيق.

بالمناسبة، أتمنّى عليكم أن تزوروا معرض الصوَر خاصتي في الصالة المجاورة، حيث تعرض حوالي 70 لوحة فوتوغرافية لا علاقة لأيّة منها بصوَر الكتاب. والواقع هو أن القاسمين المشتركين الوحيدين، عملياً، بين صور المعرض وصوَر الكتاب هما: هذا الإصبع وهذه العين، و"على عيني" كلُّ واحد منكم، وشكراً.