ندوة حول كتاب الدكتور طوني ساروفيم بعنوان

وظيفة الانتخابات النيابية في لبنان

كلمة الدكتور الياس كساب

 

 

نرحب بكم في الحركة الثقافية – انطلياس في هذه الأمسية ضمن ندوة حول كتاب الدكتور طوني ساروفيم بعنوان وظيفة الانتخابات النيابية في لبنان. حيث سيشارك معنا الليلة أصدقاء الحركة الدكتور طوني ساروفيم والدكتور شبيب دياب.

فمنذ الاستقلال واللبنانيون يبحثون عن مفهوم موحد لوظيفة الانتخابات النيابية والقانون الذي يرعاها وشروط تطبيقها في ظل نظام يريده الجميع ديمقراطيا، حيث ان للانتخابات مقاصد ووظائف، ويترتب عليها مجموعة من النتائج الفعلية التي تؤسس للمداورة في الحكم والسلطة ضمن معادلة الموالاة والمعارضة.

ولكن السؤال الذي يطرح دائما حول جدّية تطبيق ما يتفق عليه ويكتب من أنظمة وقوانين وتوفير المعايير اللآزمة من اجل ضمان النزاهة وحرية التعبير ضمن برامج سياسية وانمائية واضحة تسمح بالمحاسبة والمكافأة؟ أو اننا نشهد صراعا دائما حول نظام الاقتراع والتقسيمات الإدارية لما فيه خير كل طائفة وامراؤها؟

فالدكتور ساروفيم يحث في كتابه من ماهية الحياة الديمقراطية وفي المفاهيم، فإذا بهذه المفاهيم ترى الانتخابات فعل اندماج فعل ارتقاء ويسأل: هل تحقق شيئا حتى اليوم من هذه المفاهيم؟

 

الكلمة الأولى للدكتور طوني عطالله:

__________________________________________

كتاب انطوان ساروفيم بعنوان: "وظيفة الانتخابات النيابية في لبنان"

كتاب مرجعي لا غنى عنه لمشروع قانون انتخابي بحجم وطن

 

 

طوني عطاالله[*]

 

 

كتاب الدكتور انطوان ساروفيم حول "وظيفة الانتخابات النيابية في لبنان" ليس كتابه الأول ولا بحثه الأول. إنه آخر مولود بحثي له، ولن يكون الأخير، لكنه الأغنى والأكثر عمقًا والأمتع في القراءة. يتميز الكتاب بمزايا عدة في مقاربة مفاهيم الانتخابات وعلاقتها بالديمقراطية والإرادة الشعبية يمكن ان استخلص منها المبادئ المنهجية التي سيّرت عمل الباحث وهي:

1. بساطة التعابير وعمقها:ليس التعبير عند انطوان ساروفيم من النوع الذي يحتاج إلى فك طلاسمه. انه تعبير عفوي يتميز بالبساطة والعمق، ويكشف خبرة صاحبه وإلمامه بالمواضيع التي يعالجها. لا تستأذنك أفكاره للدخول إلى ذهنك وتكوين القناعة بصحتها والدروس المستفادة منها، لا بل تتسلل إلى القارئ لتعود به إلى أصالة المفاهيم ونقاوتها وسط التلوث الذي يصيبها في عالم اليوم.

2. الواقعية:لا يضلل الكاتب نفسه ولا يضلل القارئ، بل يتعامل مع المفاهيم بواقعية الناقد من دون أي وهم بالجمهورية الفاضلة أو المثلى. لا يبني أنطوان ساروفيم برجًا عاجيًا للديمقراطية، ولا ينسب إليها نعوتًا برّاقة، بل يشرحها بحكمة الكبار وبثورية الشباب. لقد أدرك ان مصطلح ديمقراطية بقدر ما يحمل من مبادئ سامية، بنفس القدر وأكثر يحمل مخاطر الاستغلال والتلاعب به. وقد وصف المؤلف حال التلاعب بالديمقراطية سواء في الغرب أو في الشرق حيث لكلٍ منهما طريقته. وتحدث عن "إنفصال الانتخابات عن مفهومها الصحيح" (ص 15). وإذ تُطل مقدمة الكتاب على تشخيص الواقع اللبناني بغناه وآلامه، فإنها تضع القارئ في أجواء الخيبات المريرة والاحباطات الكبرى الذي منيت بها الفئات الشعبية جراء السياسات المنتهجة حيث اللاعبون هم النخبة المتلاعِبة، وحيث الجسم الناخب هم المتلاعَبِ بهم. يقول ساروفيم: "الجماهير غير قادرة بحكم تركيبتها على فهم مصالحها، فهي تتوهم انها صانعة النخب، ولكنها مصنوعة من النخب عينها" (ص 28).

3. الأسلوب التصويري في الكتابة:يفتح الأسلوب الكتابي المستعمل في صياغة الكتاب، يفتح المخيلة على صور ومشاهد من الانتخابات- المسرحية. ينطلق الفصل الأول من عبارة مأثورة لـ إميل دو سانت سانتوري يقول فيها: "يضع الآخرون ورقة الاقتراع في يدي، وأُقتاد صاغرًا إلى صندوقة الاقتراع، فأُدلي بصوتهم. وأنا لا صوت لي..." (ص 17). لا تقتصر صورة الوصف هنا على الغباء الفطري وسذاجة "الرعايا" بالمعنى النقيض للوعي المواطني، بل يفتح الوصف إياه على صور وإيحاءات ومشاهد مما يحصل في انتخاباتنا اللبنانية حيث يستقبل مندوبو اللوائح الناخبين ولاسيما كبار السن، يواكبوهم داخل أقلام الاقتراع، يفتشونهم ويسحبون منهم اللوائح التي كانوا وضعوها في حوزتهم، فيتم استبدالها بلوائح أولياء نعمة المندوبين، وكل ذلك على مرأى من القوى الأمنية، ومن دون ان تحرّك ساكن.

4. كتاب القيمة المضافة:لا يكتفي انطوان ساروفيم في الكتاب باستعراض آراء المفكرين والفلاسفة وعلماء الاجتماع في التعريفات التي اعطوها للعديد من المفاهيم اللصيقة مثل الانتخاب والسلوك الانتخابي والمشاركة والارادة الشعبية والتمثيل النيابي والنظام السياسي... والتطور الذي طرأ عليها منذ قيام النظام الفردي مرورًا بدولة الرعاية ووصولاً إلى عصر العولمة، لكنه في ختام العرض ينطلق بالتحليل والاستنتاج من اجل استنباض تعريفه الذاتي وأدواته المفاهيمية المتضمنة قيمة علمية مضافة. ويعتبر ان "الانتخاب خرج من نطاقه التاريخي وأصبح مجرّد سلوك يقوم بوظيفة كانت في الماضي وظيفته. وهكذا صار المواطنون يذهبون إلى صناديق الاقتراع مدفوعين، هذه المرة، بمؤثرات إعلامية خارقة، قائمة على خلق "عدو وهمي"، فيُنتخب رجالات صُنعوا في الخارج، يمكن للحكومات العالمية ان تبقيهم أو تعزلهم وفق نزاوتها، أو ان تقبل ادوارهم وفق رغباتها هي" (ص 59).

5. الدور المحوري للمال والرعاية الخارجية: يُسلط الفصل الثاني على دور المال والنفوذ الخارجي في الانتخابات اللبنانية منذ أيام الانتداب الفرنسي حتى يومنا هذا. يورد الكتاب قولاً مترجمًا من صحيفة Le Figaroوفيه العبارة الساخرة الآتية: "فرنسا تشتري الولاء لها عبر بيعها النيابة والكراسي لمن تريد. كم هي رخصية هذه الحفنة من الرجال..." (عدد 13 تشرين الأول 1925). ثم يشرح الكاتب كيف ان اللبنانيين، بإتجاهاتهم السياسية والطائفية كافةً، وقعوا خلال مرحلة أفول النفوذ العثماني عن بلادهم، أسرى التجاذبات السياسية بين الدول الكبرى لاسيما فرنسا وبريطانيا، وبدل ان يستقلوا تعبيرًا عن الإرادة الوطنية الشعبية، دخلوا عهد الانتداب الفرنسي. وعبّرت جريدة "الأهرام" عما آل إليه الوضع اللبناني وكتبت: "يحكم الفرنسيون لبنان من خلال صراعات اللبنانيين".  وعلى مدى عقدين ونيّف، لم ينفخ الانتداب في البنية اللبنانية السياسية والمجتمعية سمات الديمقراطية التي عرفتها فرنسا.

6. الكتاب يروي ويُحلل محطات هامة في تاريخ لبنان السياسي:ليس فقط خلال عهد الانتداب، وإنما خلال مرحلة الاستقلال وما بعده. ويصف انتخابات 1947 الشهيرة في التزوير والغش الانتخابي بأنها "مزّقت بكارة العفّة الديمقراطية اللبنانية" وخسر اللبنانيون معها رهانهم على الديمقراطية. ويصل الفصل الرابع إلى انتخابات الوصاية السورية التي يصفها المؤلف بدقة بأنها مرحلة: "قضم منظم، ومنظِّم قاضم" حيث تعامل السوريون مع لبنان "بمثابة مشروع استثماري يستغلون ثرواته، ويهزأون من نظامه. يريدونه سوقًا حرة، لنظام مجرّد من الحرية. وكاد الوطن الصغير ان يقع". ويحلل الكاتب مختلف المراحل الانتخابية في لبنان بطريقة شيّقة، يتوقف عند القوانين المسخ وتعيين النواب والنتائج المعروفة سلفًا وسقوط الديمقراطية عامةً، فيأخذ الكاتب من كل مرحلة زبدة الزبدة من العبر والخلاصات المفيدة بما يجعل الكتاب مرجعًا لا غنى عنه لكل المهتمين بالشؤون اللبنانية الوطنية والسياسية والانتخابية والتاريخية والاحتماعية وغيرهم.

 

كتاب أنطوان ساروفيم رغم اني اعتبره بأنه يحمل مسحة تشاؤمية حول تلمس الديمقراطية طريقها في معارج لبنان الصعبة، إلا انه يشكّل شهادة حية اليمة، ولكنها ترسم طريق الخلاص. إنه شهادة قد تكون فاعلة آنيًا ومستقبليًا، إذا أُحسنت قراءاته من النخبة الحاكمة والإفادة منه. والكتاب حتماً واعد للمستقبل. انه المشروع الأول للبيان الوزراي: انتخابات حرة ونزيهة تعيد للسياسة في لبنان رونقها وحيويتها، وتعيد للوطن دوره ورسالته لارساء قواعد خلقية وبراغماتية في إدارة الشأن العام من زاوية المواطن الفاعل، المشارك، المعني والمسؤول. وكل سياسة لا تطرح القضايا – كل القضايا – وتعالجها من زاوية المواطن هي علاقات نفوذ وتشكّل خطراً عاماً. ولقد حان الوقت لوقف تشويه المفهوم الانتخابي الذي ضرب مبدأ المواطنة، وحان الوقت لتعزيز ثقة المواطن بقدراته وارادته الحرة.
 

[*] عميد المعهد العالي للدكتوراه في الحقوق والعلوم السياسية والإدارية والاقتصادية في الجامعة اللبنانية.

 

________________________________________

 

كلمة د.شبيب دياب

وظيفة الانتخابات النيابية في لبنان

  للمؤلف  الصديق الدكتور انطوان ساروفيم

يقع هذا الكتاب في 269 صفحة يتالف من  خمسة فصول 

الحضور الكريم

لا يمكن لاي قارئ لمقدمة هذا المؤلَّف العلمي الرصين الا ان يتوقف امام اللغة والاستعارات الادبية التي اقتطفها المؤلف منمدينة الشعر والخمر، من جارة الوادي منبت العديد من الادباء والشعراء  كفوزي وشفيق وامين المعلوف، وعملاق الشعر العربي الشاعر الكبير سعيد عقل وغيرهم كثير .

بداية أعترف اني استفدت كثيرا من الفصل الاول لهذا الكتاب، حيث  عرض الكاتب لاحدث  النظريات  في سوسيولوجيا  الانتخابات. خاصة وأني انصرفت مؤخرا عن علم الاجتماع السياسي الى مواضيع التنمية، فعوّضت في قراءته عما فاتني من الدراسات والنظريات الجديدة في سوسيولوجيا الانتخاب ، بعد التحولات الكبرى التي عرفها العالم سواء في عولمة وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، او في عولمة الاقتصاد و إطباق المؤسسات المالية الدولية  على اقتصاد العالم بكامله تقريبا.  

    يتناول المؤلف وظيفة الانتخابات النيابية في لبنان، واهميةُ علم الاجتماع  انه لايأخذ  بالنصوص ويعالجها فقط ، وانما  يأخذ بالاسباب التي ادت الى وضع النصوص ، والى اي مدى يتم احترامها ، ومدى تطبيق مضامينها وفقا لروحية النص والاهداف النبيلة المرجوة من وضعه.

وعندما نتحدث عن الوظيفة فانا نستخدم المنهج الوظيفي في قراءة الظاهرة، والمنهج كما هو مغروف هو  مجموعة  العمليات  الذهنية  التي  بواسطتها يحاول العلم ان يصل إلى "الحقائق"، ان يبرهنها،  او ان يتحقق  من فرضية ما.  والمنهج الوظيفي هو الطريقة  التي تَعتمد بالأساس على الوظيفة كآلية لتفسير الظواهر ، وهو مأخوذ عن العلوم البيولوجية، الذي يشبَّه المجتمع بجسم الانسان ، حيث لكل عضو في الجسم  وظيفتة او وظائفه   التي تتكامل مع بقية وظائف الاعضاء كالقلب والكبد والعين ..  وفي المجتمع  ظواهر وعادات وتقاليد لكل منها وظيفته التي تساهم في عمل الكل اي المجتمع ، والمجتمع يخلق بنفسه الاعضاء اي المؤسسات التي يحتاجها لحماية نفسه، او لتأمين حسن اشتغاله ؛ ،كاجهزة الدولة : البرلمان للتشريع، والحكومة للتنفيذ، اوالقوانين والاعراف..الخ. والمنهج الوظيفي يقوم على دراسة وظائف هذه المسؤسسات، ويمكن للمؤسسة او الظاهرة ان تتغير عبر الزمن  فتتغير وظيفتها ، كما هو حال القوانين، كما يمكن ان تفقد  االظاهرة وظيفتها فتتعدل او تلغى ، واحيانا يتم المحافظة عليها شكلا، لتصبح بعضا من المخزون الثقافي للشعوب .

وظيفةالانتخابات:

  تتجلى  الدمقراطية بالنظام التمثيلي، والانتخابات هي الطريقة التي يختار الشعب  بواسطتها ممثيلين عنه لتحمل المسؤوليات العامة وادارة شؤون المجتمع، والانتخابات تضفي الشرعية على السلطة التي تحتكر حق استخدام القوة، وفق القوانين ، وتُجدَّد  هذه الشرعية دورياً منالشعب بواسطة الانتخابات  . والانتخاب هو حق للمواطن، وواجب تفرضه قوانين بعض الدول باعتباره مسؤولية وطنية، والانتخابات هي المناسبة التي يستطيع فيها الناخب ان يحاسب النخبة الحاكمة بواسطة صندوقة الاقتراع، كما يتم في الزمن الانتخابي  التواصل بين الناخب ونظامه السياسي، وفي زمن الانتخاب يشعر الفرد بالقوة، ويحظى بشئ من الاحترام، اذ ان هنالك من يحتاج الى صوته، إنه اعتراف بالوجود "انا انتخب فانا موجود".

اذا كانت هذه وظائف الانتخابات الاساسية ، فهل تَتَحققُ هذه الوظائف او بعضها في بلاد الارز؟ هذا ما سعى المؤلف للإجابة عليه في اربعة فصول لاربع فترات زمنية انتخابية متمايزة هي: فترة الانتداب، فترة الاستقلال وحتى مؤتمر الطائف، ثم فترة ما بعد الطائف وحتى مؤتمر الدوحة او فترة الوصاية السورية، والرابعة هي فترة ما بعد مؤتمر الدوحة.

 الفترة الانتخابية الأولى كانت في عهد الانتداب الذي بدأ بتعيين النواب تعيينا ، ثم تعيين البعض منهم، وانتخاب البعض الآخر مع ممارسة كل الضغوط والوسائل لايصال مؤيدي الانتداب الفرنسي الى الندوة النيابية،ويرى الكاتب ان الفرنسيين قد كرَّسوا مفهوم العداء بين الطوائف اللبنانية، ثم بين المذاهب مرورا بتأجيج الصراعات السياسية بين الزعامات الللبنانية.وهنا تلبنن الفرنسيون  فاخذوا  بما لا يُأخذ به في بلدهم ، كالطائفية والعشائرية والرشوة والنفي...الخ،  واستخدموا كل الوسائل لإيصال مؤيديهم خدمةً للمصالح العليا للدولة الفرنسية.

ومع الاستقلاللم يغب الخارج  عن الانتخابات فالصراع  بات فرنسيا  بريطانيا، اخذ شكل الكتلوي الدستوري)،واصبح التدخل بالانتخابات النيابية سافرا، وعن انتخابات 1947  كتبت جريدة الاهرام القريبة من بريطانيا  آنذاك : كانت تلك الانتخابات اشبه بغزوة او عملية سطو من راس السلطة  على السلطة ، وتعززت الانقسامات الطائفية في انتخابات 1951   التي ادارها السلطان سليم، وتدخل فيها رجال الدين بشكل سافر ومباشر، وذهب بشارة الخوري، واجرى بعده الرئيس الجديد كميل شمعون  انتخابات بعد ان اعاد  تقسيم الدوائر الانتخابية بما يخدم مؤيديه، وقدم لهم كل الدعم، و استطاع ان يطيح تباعا بأهم الزعامات اللبنانية  المعارضة له، ولما كان الرئيس  قريبا من الغرب توجه المعارضون  نحو الخارج العربي هذه المرة، وكسلفه انتهت ولايته بما سميت ثورة  1958 وتفاهم غربي عربي هذه المرة.

في عهد الرئيس شهابجرت الانتخابات بافق سياسي مختلف ، اذ عمل الرئيس الامير على كسر احتكار الزعامات التقليدية للسلطة دون القضاء عليها، فرفع عدد اعضاء مجلس النواب، واطلق يد المكتب الثاني (مخابرات الجيش اللبناني)   بقوة في الانتخابات، وأتذكر هنا نصا للعالم الفرنسي موريس ديفرجية  جاء فيه: حارب فؤاد  شهاب  الاقطاع  وانما بوسائل شبه اقطاعية . ومهما يكن فان الشهابية  مضت مع نهاية عهد شارل حلو(الرئيس الراهب)، لتعود الزعامات التقليدية الى السلطة من بابها الواسع، على حساب النخب الجديدة التي زرعتها وغذتها الشهابية، وخاصة في المناطق الطرفية. وبدءا من العام 1972   استمرت النخبة "المنتخبة" تمديدا حتى 1992 لنبدأ في عهد جديد تلا مؤتمر الطائف، سمي عهد الوصاية السورية ، والذي بدأ بتعيين النواب كما الانتداب الفرنسي، بمباركة عربية ودولية.

  في عهد الوصاية هذا عرف لبنان عدة قوانين انتخابية، تفتقر الى ابسط قواعد العدالة والمساواة بين المواطنين ، وخاصة في تقسيم الدوائر الانتخابية ، فلكل دورة دوائرها الانتخابية، ولكل زعامة  حماها المحمي، والكل يجب ان يؤيد سلطة الوصاية السورية كما في الانتداب الفرنسي، ونتائج الانخابات معروفة  مسبقا، مطبخها عنجر، كما  كان  في قصر الصنوبر ايام الانتداب الفرنسي، وانتهى هذا العهد كما هو معروف باستشهاد الرئيس الحريري وخروج القوات السورية من لبنان، وكانت العودة الى قانون الستين للانتخابات، بموجب اتفاق الدوحة، برعاية عربية ودولية، وبعدها دخلنا في ازمات الحكم المتلاحقة على مستوى تشكيل السلطة والحكم  ، واليوم وبعد ان حوّلت النخبة السياسية الجماهير الطائفية الى متاريس تحمي مصالحها، اصبح موضع الخلاف  قانون الانتخاب العتيد، الذي تأجل وضعه مرات عديدة، ولعله بحاجة لوصاية جديدة حتى يبصر النور.

اخيرا يستنتج المؤلف ان  الانتخابات لا تجدِّدُ النخبَ الحاكمة كما يُفترض ، بل تجدِدُ للنخبة الحاكمة عينها منذ ما قبل الاستقلال وحتى اليوم، ويكفي ان نلقي نظرة على اسماء اعضاء المجالس النيابية المتعاقبة حتى نرى التوارث الحاصل في المقاعد . اما الناخبون فقد اصبحوا ساحة نزاع تتجاذبها النخبة ودمى يحركها اهل الحل والربط ، اذ استولت النخبة على قدرات الناخب، وجعلت منه مطية استثمارية لا حدود لها، ووراء النخبة هذه هنالك المؤسسسات المالية   التي تدير السلطة السياسية ، هذه المؤسسات  اصبحت القوة الطاغية على الحياة السياسية، حتى بتنا عندما نودع اصواتنا صناديق الاقتراع فاننا نودع ارادتنا المسلوبة في ايدي الطغمة المالية على حد قول المؤلف. ومن فوق يد النخب والمؤسسات المالية هذه، هنالك المؤسسات الدولية العابرة للحدود، والتي اصبحت سلطة سياسية عليا، اقتحمت الداخل الوطني وحولت سياسيي الحكومة المحلية الى مساهمين في المؤسسات الدولية، وهكذا فرضت ايقاعها السياسي على كافة البلدان، مما اضعف السلطة المحلية او الوطنية  وحولها الى مجرد وكيل للمؤسسات الدولية.

 كسرت العولمة قوة العقيدة  لتحلَّ محلها علاقات ميكيافيللية في خدمة النظام العالمي الجديد، وبعد ان تسبب الخارج بتصدع النسيج الاجتماعي الوطني،  فرض مشروعه على الداخل، واختار له الاصدقاء كما حدّد الاعداء. وتم افراغ القوى الوطنية من قواها المادية والمعنوية.

وهكذا التهمت العولمة عالم السياسة، وتحولت الانتخابات بعد عصر الايديولوجيا من الخيارات السياسية العليا، الى خيارات على مستوى العشيرة والدين او المذهب، واصبحت الانتخابات النيابية مجرد تدبير اداري ينتهي عند اقفال صناديق الاقتراع.

يقول الكاتب:

لقد سقط مفهوم الانتخاب كحافظٍ لقوة الفرد، او قوة الجماعة، وانتفى مفهوم المشاركة  كوسيلة لانتقاء النخبة واستطرادا النظام، وتبدل دور الدولة لتصبح وسيطا بين  الحكومة العالمية والمواطنين.

عام 1953كتب غسان تويني : "في لبنان  ينتظر النواب كلمة السر من الخارج وفق مصالح الخارج، ولا احد يأبه لمصالح اللبنانيين ونظامهم السياسي،" ووبعد اكثر من نصف قرن ما زال النواب ينتظرون كلمة السر من الخارج غير آبهين الا  بالمصالح الشخصية او الفئوية.

  بعد كل هذا الا يجوز لنا التساؤل عن وهمٍ اسمُه الديمقراطية؟ ما دام الخارج هو الاقوى  على النظام، وما دام الداخل قد طوِّع  وبات يُعيدُ التجديد للنخبة بملء ارادته ؟ فهل اصبح النظام االسياسي عصيا على التطوير أوالتغيير؟ ام انه لايزال هنالك من فرصة؟

    نأمل ان تعود النخبة الحاكمة الى رشدها وتطبّق البنود المنسية من اتفاق الطائف، وفي مقدمها انشاء مجلس للشيوخ، واقرار قانون عصري للانتخاب خارج القيد الطائفي ، ويعتمد نظام النسبية، في اكبر دائرة  انتخابية ممكنة، قانون انتخاب عادل يساوي بين المواطنين ويؤمن صحة التمثيل لمختلف فئات المجتمع.

               انطلياس في 12/12/2016                                 د.شبيب دياب

 

_______________________________________

د. طوني ساروفيم

الانتخاب هو فعل اعتراض، انه تتويج لشمائل حقوقية حصل عليها الانسان، ضماناً لانسانيته في الحرية والعدالة والمساواة.

جعل هذا الحق الانسان – الناخب في مصاف السلطة، انه ليس مصدر السلطة فحسب، بل انه السلطة في حدّ ذاتها.

لم يمن القوي على الضعيف بهذه المنمة، انها استرداد لحق مسلوب طال انتظاره على مدار التاريخ.

في المفهوم الانتخابي، يجسّد المنتخب، مجتمع الناخبين، انه حصيلة حية لواقعهم، وآمالهم، واحلامهم، ومستقبلهم، وهم في الانتخاب، لم يتنازلوا عن حق، ولا عن سلطة. فالوكالة ليست تنازلاً، انها عملية ادارية فحسب.

جاء حق الانتخاب، ليطلق الفرد من اسر لم يرتضيه يوماً. من هنا يبدو انه فعل تمرّد. لم تكن الانتخابات يوماً فعل مبايعة. وكان الانسان يرفض طوعاً أن يتحرّر، فحرية الانسان تتخطى مشيئته، كحقه في الحياة.

        جاء مفهوم الانتخاب ليؤكد، انه من خلال هذا الحق يتخلى الفرد عن فرديته، عن حقه بأن يأخذ حقوقه بالقوة، ان قوة الانسان، هي حقوق المجتمع، كل المجتمع.

        ومن خلال هذا المفهوم يندمج الفرد مع الآخرين، يتآلف معهم، بعيداً عن اصوله العرفية، او الدينية، أو الطبقية، ولعل هذا التآلف الاندماجي لا يمنع التعددية، ولكنه على نقيض من ذلك، يحترمها، ويقدسها، ويعمل بمضمونها.

        وانطلاقاً من لحمة المجتمع، في الرؤى، والطموح، والأمل بمستقبل زاهر، تصبح النخب تعبيراً عن الجماعة، فالنخب الآتية من الجماعة، لا يجب أن تنسلخ عنها، لتكون عالماً فريداً من نوعه، وكأنها من طينة اخرى.

        والانتخاب، هو فعل ارتقاء، انه كشف للذات، لمضمون الذات، انا انتخب، فأنا اعبر عن ذاتي، عن مكنوناتي، عن هواجسي، عن حقوقي، عن قلقي، عن وجودي.

        تصبح عملية الانتخاب اسقاطاً للذات في الذات، نختار لمجرد الاختيار، فكل اختيار ركن من اركان الذات، ومسؤولية جسيمة بحق الذات، وبحق الآخرين، والآخر ليس جحيماً، انه الوطن.

        في مسارنا السياسي، حولتنا الانتخابات الى دمى متحركة، زادتنا انقساماً وتفسخاً، وعمّقت فينا احقارنا، وآلامنا، واتعابنا، اصبح الآخر هو العدو، واصبحت أنا، في ذاتي ألد أعدائي. وكأن النخبة مؤسسة تجارية تبغي الربح، وعن رأسمالها، زادت الهوة ما بيننا وبينها، وعلى أجيج اطماعها، انبرت خارج الهوية، لتكون هوية مستقلة عنا.

        الم تدرك النخب السياسية اليوم انها تسعى لتكديس ثرواتها ونفوذها، على حساب، ثرواتنا ونفوذنا، وكأن هذا الطلاق أصبح مبنياً على قدرتها في تسلق وجودنا للوصول الى مجدها.

        لقد تحوّل الناخب عندنا، الى رقم، يضاف الى ارقام كثيرة، والرقم قد يحذف، وقد يسقط، وقد يستعمل في أي رصيد في عمليتي البيع والشراء.

        أن الورقة التي يسقطها الناخب في صندوقة الاقتراع، ليست إلا الناخب نفسه، لقد تحوّل الى ورقة، انها ورقة تحمل ورقة، لا تستعمل إلا مرّة واحدة، كتلك التي نستعملها عندما نحضر فيلماً سينمائياً، أو عند ركوب قطار، ومن بعدها تتمزّق الأوراق.

        على مدار تاريخنا السياسي، كان الناخب وقوداً لصراعات النخب، فاذا به يحترق، ويدفن، ويهاجر، ويقلق، ويستعبد، في زمن يفترض ان يعيش المفاهيم، على مختلف جوانبها.

        منذ فجر تاريخنا الانتخابي، ونحن ندور في دائرة مقفلة، فما زال الفساد سارياً، ويزداد سرياناً، وما زال العنف مستشرياً، ويهدّد السلام والأمان، وما زال اللبناني يحلم بحاكم حاكم، يعمل للناس، ومن أجل الناس، بعد ان طال عمل الحكام لأنفسهم.