ندوة بعنــوان:

الاستقلال وتحدّيات المرحلة الراهنة

 

مداخلة د. عصام خليفة في ندوة "الاستقلال وتحديات المرحلة"

الحركة الثقافية – انطلياس 2017/11/20

         

          في الأول من كانون الأول عام 1918 أي منذ مئة عام تقريباً ورد في نداء أطلقه اباء القضية اللبنانية في مصر، الى الشعب اللبناني ما يلي:

"ما تركنا باباً إلا قرعناه، ولا أهملنا وسيلة مشروعة إلا اتخذناها لإثبات حقنا باستقلالنا مطلقاً من كل سيادة... سعَينا سعْيَنا الى نيل الاستقلال، ونحن عالمون ان هذه الأمنية امنية كل لبنان حرّ... قمنا نطالب باسمنا وباسمكم باستقلالنا تاماً كاملاً مكفولاً من تلك الدول العظمى بمعاهدة دولية تضمن لنا حيادنا فنكون أصدقاء الجميع وبضمانة الجميع...

ويضيف النداء:

"فانهض أيها الشعب اللبناني الكريم نهضة الرجل الواحد واطلب من الدول العظمى بلسان كل فرد منك– فكل فرد اليوم مسموع الكلمة – اطلب حريتك كاملة واستقلالك مطلقاً، حتى إذا ما أصبحت بلادك حرة مستقلة بضمانة الدول المؤيّدة لحرية الشعوب واستقلال الأمم، تنصرف بكليتك الى اصلاح شؤونك الداخلية وتنظيم امورك الاقتصادية فيجد ابناؤك في ارضك راحتهم وحاجتهم ونعيمهم وحريتهم.

لا تجعل أيها الشعب الحرّ فارقاُ ولا مميزاً في الاعراب عن ايمانك بين الطوائف والمذاهب، ولا بين الأقاليم والأحزاب، بل كن لساناً واحداً في الطلب ويداً واحدة في العمل. فالاستقلال التام يوحّد جميع الوطنيين ويؤاخي بين جميع السكان فتسود المساواة بين الجميع: مساواة في الحقوق ومساواة في الواجبات..."

ويخلص النداء: "فليرتفع هذا الصوت بطلب الاستقلال من القرى والمزارع، من غابات الأرز والصنوبر، من صدور الاحياء وقبور الأموات: ليحيا الاستقلال بضمانة الدول! وليحيا لبنان مستقلاً، قوته لنفسه وخيره لبنيه سيداً لا مسوداً وحراً لا عبداً. وليعيش بضمانة جميع الدول المتمدنة فيكون صديق الجميع يكفله الجميع، فلا يدخل في عراك ولا يكون غرض العدوان، بل يكون بتلك الضمانة الدولية "سويسرة الشرق" تظلله الراحلة ويخيم عليه النعيم، فيرسل من قنن جباله نور الحضارة والمدينة..."

وإذا حللنا مضمون هذا النداء الذي اعتبره –بحكم اختصاصي في هذه المرحلة- من اهم البيانات السياسية في تاريخ لبنان المعاصر، وذلك في ضوء الاحداث الخطيرة الحاصلة في المرحلة الراهنة، لأمكننا التوقف عند النقاط التالية:

1-    الاستقلال يكون مطلقاً عن كل سيادة اجنبية. والدولة المستقلة لا ترضخ لاية وصاية خارجية.

2-    هذا الاستقلال يدافع عنه المواطنون اللبنانيون الاحرار

3-    الاستقلال يجب ان يدعم من الدول الكبرى الصديقة

4-    ومصلحة الدولة اللبنانية ان تكون محايدة، لا تدخل في عراك، بل تدافع عن مصالح شعبها وراحتهم ضد كل من يعتدي عليها.

5-    على الشعب اللبناني ان يتوحد وان لا يتقسّم طوائف ومذاهب ومناطق وأحزاب

6-    على الشعب اللبناني ان ينكب على اصلاح شؤونه الداخلية وتنظيم اموره الاقتصادية وغيرها

7-    لا راحة لهذا الشعب الا على ارض الوطن ينعم فوقها بالحرية والرفاه

8-    المساواة في الحقوق والواجبات هي قاعدة الاستقرار والمواطنية هي سبيل مجتمعنا الى التقدم والوحدة.

انطلاقاً من هذه الثوابت التي حددها اباء القضية اللبنانية نواجه التحديات المطروحة على استقلال دولتنا اللبنانية في المرحلة الراهنة:

1-    ان استقلالنا مهدد، حالياً، من الدولة العبرية التي تطمع بالأرض والمياه. كما هو مهدد من المشروع الإيراني الخميني الساعي الى التمدد على كامل المنطقة والعامل من خلال التمويل والسلاح لتعزيز مناطق نفوذه الإقليمية. وقديماً قيل qui donne ordonne. وهو مهدد من النزق الوهابي الذي يتعامل مع رئيس وزراء دولتنا باستخفاف واذلال ويهدد ويتوعد كأنه قوة كبرى دون مراعاة الأصول والاتفاقيات العربية والدولية. وقبل كل شيء ان استقلالنا مهدد بتيارات الإرهاب على تنوع طبعاتها. وهو مهدد بالفساد وبضعف قياداتنا المدنية والروحية القائمة.

2-    باستثناء الالتزام بالموقف العربي الموحد من إسرائيل، على لبنان ان يكون محايداً بين المحاور الإقليمية والمحاور العربية، وكذلك المحاور الدولية وهذا الحياد منصوص عليه في مختلف مواثيقنا الوطنية.

3-    ان الانقسام الحاد على قاعدة المذاهب والمناطق والأحزاب يضعف الدولة والمجتمع. والحل يكمن في استراتيجية شاملة تحقق علمنة الدولة والمجتمع والتربية والثقافة، وهذا التوجه لا يتم الا في حلبة الصراع اليومي التربوي والثقافي والإعلامي والسياسي والاجتماعي وترسيخ الوحدة الوطنية واعتبار مصالح الوطن قبل مصالح الافراد والجماعات مهما كان لونها.

4-    الإصلاح الاقتصادي مسألة مركزية، والخطوة – المدخل تكمن في القضاء على الفساد المستشري في مفاصل القطاعين العام والخاص، ان استغلال ثرواتنا الطبيعية (مياه، نفط، غاز...) وتقوية القطاعات الإنتاجية (الزراعة والصناعة)، وتوطين العلم في المجتمع هو سبيل للتنمية ولمجتمع الرفاه والمساواة.

5-    لا رفاه فوق ارض الوطن في ظل تفاقم أزمات جمع النفايات وتشويه البيئة من خلال فوضى المقالع والكسارات وعدم احترام قوانين التنظيم المدني واهمال ثرواتنا الحرجية. ولا امن لأرض الوطن في ظل بيع الأراضي لجهات خارجية مشبوهة، ولا استقرار في ظل فوضى الانتشار للمهجرين السوريين وقبلهم الفلسطينيين وغيرهم من حملة الجنسيات المتعددة وعددهم بحسب دراسة الدكتور العميد علي فاعور فوق 3.7 مليون نسمة وكذلك استشراء هجرة شبابنا الى الخارج بأعداد خطيرة!!.

أيها الحفل الكريم،

          جرت العادة ان يتم الاحتفال بالاستقلال انطلاقاً من المعركة التي انتصر فيها الشعب اللبناني موحداً عام 1943 ضد الانتداب الفرنسي، وبحسب رأيي ان الخطوة الأولى في الاستقلال هي قيام الدولة اللبنانية وقد حصل ذلك عام 1920. والدولة بحسب رأي أحد كبار علماء القانون الدستوري – هي "جماعة من البشر، قائمة في إقليم يخصها، تتمتع بتنظيم، تنجم عنه، لمصلحة هذه المجموعة وبعلاقاتها مع أعضائها، قوة عليا للعمل والاكراه". والحال ان معركة 1943 حصلت لاستقلال السلطة التي "إذا كانت مرتبطة بشيء من التبعية إزاء دولة اجنبية، فلا تكون متمتعة بسلطان سيّد في الداخل".

من هذا المنطلق منذ نشأة حركتنا (عام 1978) نحتفل كل سنة بالاستقلال وقد عقدنا المؤتمرات واصدرنا الكتب والملفات عن اليوبيل الماسي للبنان الكبير، واليوبيل الذهبي للاستقلال والجلاء، وفي ظل مشاريع هندسة الشعوب وتعديل الخرائط في المنطقة، وفي ظل تفاقم تيارات الإرهاب نستمر في ابراز قيم الاستقلال والوحدة الوطنية وترسيخ مجتمعنا ودولتنا على شرعة حقوق الانسان وملحقاتها.

وفي المرحلة الراهنة يواجه استقلال دولتنا اللبنانية تحديات خطيرة على الأصعدة كافة. كما يواجه المشرق العربي كارثة كبرى. وتوقفنا هذه العشية امام بعض هذه التحديات، هو نداء لنخب شعبنا ولكل مواطن للتفكير فيها والعمل على مواجهة اخطارها والعزم لتخطيها باتجاه انتصار الوطن والمواطن. فلا خلاص لدولتنا ولمجتمعنا الا بالعودة الى أسس الميثاق الوطني الذي قام عليه لبنان وتحقيق الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي والبيئي. ولا تقدم الا من خلال العدالة الاجتماعية والانماء المستدام وتحقيق الرفاه والمسكن والعمل والصحة والتعليم لكل مواطن. ولا تقدم ايضاً مع وجود مظاهر الفساد على المستويات كافة ولا حماية للاستقلال الا بعودة التجنيد الاجباري وتقوية جيشنا عدة وعدداً وتعزيز كافة قوانا الأمنية، ووضع سياسة دفاعية واقعية تضع حداً للخلل الكبير الحاصل بما ينافي وحدة السلطة ودولة القانون والمؤسسات.

ورغم كل شيء ستستمر في الاحتفال بذكرى الاستقلال، وسنبقى أوفياء للقضية اللبنانية التي رسخها الآباء الكبار. ورغم تجاهل المسؤولين لهم نحن نضع على قبورهم وروداً بيضاء تعبيراً عن حبنا لهم وعربون تقدير والتزام بالقيم الكبرى والأسس الراسخة التي حددوا مسارها منذ مطالع القرن الماضي. ومهما اشتدت حلكة الليل لا بد للصبح ان ينجلي.

 

                                                                                                د. عصام خليفة

___________________________________________________________________

 

التحديات الجيوسياسية المحيطة بلبنان

د. نواف كبارة

الحركة الثقافية بانطلياس

20\11\2017

اذا ما نظرنا الى الواقع السياسي اللبناني والواقع السياسي للجغرافيا المحيطة بلبنان، يمكننا القول ان لبنان امام تحديات جوهرية ومفصلية تفرض عليه اتخاذ اجراءات جذرية اذا ما اراد هذا البلد الاستمرار كوطن ودولة.  التحدي الاول يتعلق بتركيبة لبنان الجالبة للتدخلات الخارجية والداعية اليها نتيجة تصرف كل ن الطوائف الرئيسية المكونة للبلد كدويلة مستقلة هدفها تحسين واقعها السياسي والاقتصادي في البلد ضمن اطار لعبة السلطة والمصالح مع باقي الطوائف والقيام بما يتطلبه هذا الامر من السعي الى الحصول على الحماية الخارجية لتحسين الموقع الداخلي والحماية من فقدان الدور والموقع.  التحدي الثاني هو انهيار منظومة الدول المحيطة بلبنان وخصوصاً سوريا والعراق وما نتج عنه من انتشار الفوضى و تنامي الصراعات بين القوى الاقليمية والدولية على الساحتين العراقية والسورية.  وكما هو معلوم فان تنظيمان سياسيان لبنانيان على الاقل قد انخرطا في هذا الصراع الاول بشكل عسكري مباشر هو حزب الله والثاني مادياً وسياسياً هو تيار المستقبل ونظراً لطبيعة القاعدة الشعبية لهذين التنظيمين فهذا انخراط للطائفتين السنية والشيعية في الحروب السورية.  وبالتالي يكون اللبنانيون قد نقلوا صراعاتهم الداخلية الى سوريا وذلك بالتحالف مع هذا الطرف او ذاك بين النظام والقوى المعارضة.  ان النتيجة الطبيعية لهذا الانغماس هو نقل التشنج السياسي الى داخل لبنان وشل قدرة الدولة على العمل والانتاج.  التحدي الثالث هوفي واقع الصراع العربي الاسرائيلي حيث ان حل هذا الصراع سلمياً سينتج عنه تصادمٌ في لبنان مع القوى الرافضة للحل بما يعنيه هذا الامر من تورط الطوائف في هذا الصراع ضمن اطار حركة التنافس بينها على المواقع والسلطة. واذا ما استمرت القضية الفلسطينية دون حل فهذا يعني استمرار لبنان كنقطة توتر دائم مع اسرائيل وما ينتج عن هذا التوتر من حروب وصدامات. التحدي الرابع هو في مشروع اسلمة المشرق العربي تحت مظلة ولاية الفقيه في ايران وما يعني ذلك من حيث كيفية تعامل الكتلة السنية سياسياً مع هذا المشروع والكتلة المسيحية فكرياً ووجودياً معه وانعكاس ذلك على وجود لبنان كدولة ومجتمع. التحدي الخامس هو بعد انكسار الدولة الاسلامية وسقوط مشروع الدولة الاسلامية السنية الراديكالية (على الاقل الان) بداية ظهور مشروع الاسلام السني المنفتح والمعتدل وهو يطل رأسه في كل من القاهرة والرياض بتحالفٍ ضمني مع اسرائيل وبدعم امريكي.  ان ما نشهده اليوم هو تحول السعودية من موقع الدفاع الى موقع الهجوم فكرياً وسياسياً (وحتى عسكرياً) في تعاطيها مع المشروع الايراني وانعكاسات ذلك على الداخل اللبناني اول غيثه استقالة الرئيس سعد الحريري وما سيليه من ازدياد حجم التشنج والمجابهة في الداخل اللبناني.  الا انه سيكون للصراع طعم جديد الا وهو المجابهة الفكرية بين اسلام ليبرالي وآخر اصولي.  التحدي الاخير ان كل هذه الامور تحدث في وقت يتحضر فيها العالم للدخول في الثورة التكنولوجية الرابعة وهي الثورة الرقمية القائمة على الذكاء االاصطناعي، عالم الروبوتات، السيارات الكهربائية ذاتية القيادة, الادوات الذكية، الطب الجيني، الطابعات الثلاثية الابعاد وما تعني هذه الثورة من تحولات جذرية في تركيبة الاقتصاد العالمي والوطني.  تجري هذه الثورة ولبنان لم يزل يدير اموره على اساس الثورة التكنولوجية الاولى مما يعني ان نصف لبنان سيصبح عاطلا عن العمل اذا ما  سعينا لفهم هذه التحولات والدخول في صناعتها. 

امام هذه التحديات ارى ان الحل الوحيد الممكن للبنان هو في اغلاق الباب الرئيسي الذي تنفذ منه كل هذه الصراعات الا وهو الباب الطائفي.  الحل في الهرولة نحو المواطنة لاغلاق هذه الثغرة التي تجلب اليها كل آفات وصراعات المنطقة.  الا ان هذه التوجه يتطلب ايضا ث ورة فكرية وسياسية بامتياز. 

___________________________________________________

 

الاستقلال وتحدّيات المرحلة الراهنة

ندوة للحركة الثقافية – انطلياس

انطلياس، في 20 تشرين الثاني 2017

 

التحدّيات الاقتصادية

 الدكتور توفيق كسبار

 

 

1-               مراجعة سريعة لأداء الاقتصاد اللبناني منذ الاستقلال تبيّن التالي:

 

خلال الفترة 1948-1974، كان النمو حوالي 6% سنوياً، وهذا نمو قوي سوى أن تقريباً كل الدول النامية كانت تنمو بهذه النسبة. ونمو الاقتصاد اللبناني يُعتبر ضعيفاً نظراً للفوائض المالية في الموازنة وخصوصاً في ميزان المدفوعات التي عرفها خلال تلك الفترة. في المقابل، لم ينتج الاقتصاد فرص عمل كافية وازدادت حدة التفاوت في توزيع الدخل والثروة. نجح لبنان مالياً آنذاك إنما فشل اقتصادياً.

 

أما منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي لغاية الآن، فقد تميّز الاقتصاد اللبناني بضعف مالي واقتصادي. بقيت نسب النمو ضعيفة والإنتاجية الاقتصادية أدنى مما كانت عليه قبل عام 1975. وأدت الممارسات الحكومية إلى حجم دين حكومي أصبح نسبة لحجم الاقتصاد من الأعلى في العالم. ومشكلة هذا الدين الحكومي تكمن في أنه حصيلة نفقات جارية وليس نفقات استثمارية التي كانت حوالي 8% فقط من مجمل النفقات منذ عام 1993.

 

2-               أصبحت انتاجية الاقتصاد اللبناني بنيوياً ضعيفة. فمنذ عقود، يطبع الواقع الاقتصادي اللبناني حالة هجرة مهارات لبنانية، غالبيتها من الشباب الجامعي، يصاحبها في المقابل دخول عمالة من دون مهارات. النتيجة الحتمية هي ضعف بنيوي في الانتاجية الاقتصادية، وركود اقتصادي.

 

3-               إن التحديات الاقتصادية التي تواجه لبنان حالياً هي في جوهرها تحدّيات سياسية. فمنذ اتفاق القاهرة عام 1969، ولحوالي نصف قرن تقريباً، لبنان فاقد لحرية قراره السياسي والعسكري. وأي نمو، وأي تطور، وأي ازدهار هو ممكن في ظل فقدان الاستقلال والسيادة لصالح دول ومجموعات لها أهدافها وسياساتها الخاصة؟

 

فقدان السيادة يعني غياب محاسبة السياسات المالية والنقدية، والتوسّع الكبير للعمالة في القطاع العام لمنافع سياسية شخصية، واستبدال العمالة اللبنانية بعمالة أجنبية بشكل غير اعتيادي.

 

لذلك، فكل تحدّياتنا الاقتصادية الكبيرة هي فعلاً تحديات سياسية.

 

_______________________________________________

 

 

لبنان في مواجهة التحديات الديموغرافية

الوضع كارثي ... تخيّلوا ماذا سيحدث بعد عشر سنوات؟

العميد الدكتور علي فاعور

 

  في الذكرى الرابعة والسبعبن لإستقلال لبنان، وبعد مضي 100 سنة على إعلان دولة لبنان الكبير، يواجه لبنان اليوم تحديات ديموغرافية غير مسبوقة، يمكن تقسيمها في مجموعتين:

·                     الأولى: تتعلق بتراجع النمو الطبيعي للسكان وتناقص عدد اللبنانيين وشيخوخة السكان.

·                     الثانية: نتيجة الإنفجار السكاني الحاصل، حيث تحوّل لبنان إلى مخيّم كبير يضم نحو ثمانية ملايين ساكن.

الإجابات كلها موجودة في الخرائط

المشكلة الأساسية تكمن في الجغرافية، والإجابات كلها موجودة في الخرائط، لقد أهملت السلطة السياسية تنظيم الجغرافية، فقد تم إهمال تنظيم الأراضي في الداخل، وكذلك بالنسبة لتنظيم حدود لبنان البرية والبحرية لحماية الأراضي، ولم نترك شيئاً لأولادنا الذين هاجروا للبحث عن وطن.. وإذا نظرنا في الماضي والحاضر نجد أن حدود لبنان البرية قد شكلت دائماً خطوط ضعف وتصدع في الخريطة السياسية من الجنوب والشرق والشمال، وهي لم تتمكن من حماية الأراضي اللبنانية  في مواجهة النكبات التي حلّت في المنطقة منذ عام 1948 تاريخ النكبة الفلسطينية، وحتى تاريخ بدء الأزمة السورية  منتصف آذارعام 2011، حيث يواجه لبنان اليوم أكبر ازمة في التاريخ الحديث.

وخلال سنوات فقد تم تخريب الطبيعة الجبلية الفريدة، وتحوّل لبنان عن الزراعة والإنتاج إلى تصدير الموارد البشرية والعقول والمهارات..مياه لبنان الى البحروالأنهار اللبنانية باتت ملوّثة والجبال العالية تأكلها الكسارت، لقد تحولت الأراضي إلى بيئة متصحّرة بعد قطع الغابات وإنتشار التصحّر، مما أدى إلى حركة نزوح داخلي ضخمة حيث يعيش في الساحل قرابة ثلثي سكان لبنان، ولا يزال الإنماء المتوازن يصطدم بالمناطقية والحصص الطائفية، حتى تحوّلت الجغرافية بجبالها وأنهارها ومُناحها من نعمة إلى نقمة وحلّت لعنة الجغرافية على لبنان.

لخريطة الديموغرافية الجديدة ومخاطر التوطين

 يعيش في لبنان اليوم نحو ثمانية ملايين ساكن، بحيث أن نحو نصف المقيمن على الأراضي اللبنانية هم من غير اللبنانيين، فهو بمثابة مخيّم كبير يضم النازحين السوريين وعددهم يزيد على 2,5 مليون نسمة (يشمل العدد المسجلين وغير المسجلين بطرق غير شرعية)، بالإضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين وعددهم نحو 500 ألف لاجئ (مع اللاجئين من سوريا)، والعراقيين، وغيرهم من العمال العرب والأجانب، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من عديمي الجنسية والمكتومين والأطفال من أمهات لبنانيات بدون جنسية (حوالي 300 ألف حالة).. وهذا ما يجعل عدد الموجودين غير اللبنانيين في لبنان يتراوح بين ثلاثة ملايين وسبعماية ألف وأربعة ملايين عربي وأجنبي.

كما تتناول الورقة مخاطر سياسة الإندماج والتوطين التي كانت معتمدة منذ عام 1949 لتوطين اللاجئين الفلسطينيين وإلغاء حق العودة، والتي تعتمدها المفوضية العليا للاجئين والمنظمات المشاركة اليوم، حيث يتوزع النازحين في أكثر من 2500 محلية وعشوائية على إمتداد الأراضي اللبنانية، كما جرت عدة محاولات لإرغام لبنان على إعطاء وثائق وتجنيس النازحين مما يمهد لعملية التوطين، وذلك في مؤتمري برلين وجنيف (عام 2014)، ثم تكررت محاولات التوطين في مؤتمر نيويورك عام 2016، وبعدها أيضاً بطلب من الرئيس الأمريكي ترامب في مؤتمر نيويورك 2017، لكن خطاب الرئيس اللبناني ميشال عون في الجمعية العامة للأمم المتحدة أكد على رفض توطين النازح واللاجئ.

الوضع كارثي... تخيلوا ماذا سيحدث بعد عشر سنوات؟

وكحالة فريدة في العالم، فقد تم تحويل لبنان إلى خزان بشري ضخم يضم عدة ملايين من اللاجئين والنازحين والمكتومين والمهاجرين غير الشرعيين من مختلف الجنسيات،  لقد أصبح الوضع كارثي بعد مضي ست سنوات ونصف على الأزمة، أما اليوم وبعد إنشاء مناطق آمنة في سوريا، فقد بات واجب الحكومة وضع خطة وإعتماد سياسة موحدة لتأمين عودة النازحين على مراحل، بحيث أن كافة التقديرات تبيّن أن خطة إعمار سوريا تحتاج إلى فترة تتراوح بين خمس وعشر سنوات.

فقط تخيلوا كيف ستكون الصورة، وكيف ستصبح الأرقام بعد عشر سنوات؟ أو ماذا سيحدث عندما ينفجر هذا الخزان، وكيف سيؤثر هذا الحدث على لبنان؟ سيؤدي هذا إلى إغراق لبنان بالفوضى بالكامل، ناهيك عن التداعيات الاقتصادية والأمنية بالغة التعقيد التي ستنجم عن ذلك والتي سوف تطال آثارها أوروبا والعالم.
ولا شك أن هناك سيناريوهات للتوطين تتم دراستها ضمن مشروع خارطة الشرق الأوسط الجديد، وهي أكثر رعبا كونها تهدف إلى توتير الداخل  لتغيير التوازن الديموغرافي في لبنان، بحيث أن الأولوية اليوم هي لمعالجة ملف النازحين كما يحصل في غالبية البلدان الأوروبية وبخاصة في المانيا، بحيث أن طريق العودة قد باتت سالكة وهي بحاجة إلى توافق داخلي وقرار سياسي موحد، وذلك على قاعدة أن "إنشاء مناطق آمنة في سورية وبرعاية دولية كما يجري اليوم، تقابها عودة آمنة للنازحين في لبنان" .