يوم المعلّم

كلمة الأستاذ منير سلامه

الاربعاء 9 آذار 2016

        أيها الأصدقاء،

        يشكّل هذا العام، وككل سنة، مناسبةً نجتمع فيها أصدقاء وزملاء لتكريم زميلين عزيزين من الأساتذة الذين خطّوا مساراً طويلاً في حركة النهوض التربوي والتعليمي والنقابي في لبنان منذ ما يقارب نصف قرن...

        إن الحركة الثقافية – انطلياس، باختيارها هذه السنة، السيدة سناء البواب العيد والأستاذ مفيد سكاف، فإنها تختار كلّ زميلةٍ وزميلٍ من هذه الوجوه التي أعطت التعليم في لبنان وبخاصة التعليم الثانوي الرسمي عمرها وجهدها، وما يزال بعضها يواصل عطاءاته وتضحياته. وليس سنُّ التقاعد القانوني ليقف حائلاً امام هذه الخبرات المتجددة باستمرار.

        أصدقائي،

        ماذا أقول عن سناء البواب الأستاذة والمديرة والنقابية، انها طاقة عطاء واندفاع وجرأة، في التعليم وفي الإدارة وفي الدفاع عن حقوق الأساتذة.

        ان الكلام على السيدة سناء متروك للصديق الأستاذ حافظ الشمعة، ولكن حسبي ان اشير الى سنوات التضحية والمواقف الشجاعة التي وقفناها مع السيدة سناء والاساتذة حافظ الشمعة وحنا غريب وجوزف هيدموس وحنا ابي حبيب وغيرهم في انشاء رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي. وفي صياغة نظامها الداخلي وفي وضع برامج عملها ومطالبها التي ما زالت تتكرر لأن لا رؤية لأصحاب شبكات المصالح والمنظمات الطائفية والمذهبية، لتطوير التعليم الرسمي بخاصة والتعليم عموماً في ظلّ هذا التداعي المتسارع لمعظم مؤسسات الدولة.

        سناء البواب اسم سيظلّ يتردّد في فضاءات التعليم الثانوي الرسمي.

        أيها الزملاء،

اما الكلام على الصديق العزيز الأستاذ مفيد سكاف، فقد يعتبره البعض اطراءً ومديحاً ولكنّه يبقى اقلّ مما يستحقه. حاول ان يتملّص هو والسيدة سناء أيضاً من التكريم، لكننا في الحركة الثقافية كنا مصرّين.

ان تطوير تعليم مادة الرياضيات ومناهجها وامتحاناتها بعد سنوات الحرب في لبنان، مدين في جزء كبير للأستاذ مفيد ولمجموعة من الأصدقاء من أساتذة المادة تحلّقوا حوله وساهموا في تحويل الامتحانات الرسمية الى ورشة مستمرة. وكان الأستاذ مفيد موجوداً في جميع اللجان وعاملاً على تنسيق العمل فيما بينها وساهراً على نجاح الامتحانات وعلى تعزيز أسس تصحيحها وتدريب المصححين. هذا عدا عن دوره في تدريب الأساتذة لسنوات طويلة من خلال عمله في مديرية الارشاد والتوجيه.

اتوقف هنا تاركاً للأستاذ طلال نادر الاستفاضة.

 في الإضاءة على مسيرة المربية السيدة سناء البواب العيد، الكلام متروك لعلم بارزٍ في التربية والتعليم العمل النقابي، لصديق كبير كان لنا شرف تكريمه من على هذا المنبر منذ سنوات. الكلام لمن شكّل تاريخاً نقابياً طويلاً، لمن هو غنيّ عن التعريف، الكلام للأستاذ حافظ الشمعة.

اما في الكلام على الأستاذ مفيد، من أدرى من توأمه الروحي في كل هذا النضال التعليمي والتربوي الممتد على ما يقارب نصف قرن. انه الخط الآخر المتقاطع لا المتوازي مع مكرّمنا، انه رفيق العمر والعمل للأستاذ مفيد. من علاماته انه الى جانب تفوقه في عالم الرياضيات يبرع في اختيار كلماته، انه العزيز الأستاذ طلال نادر والكلمة له. 

________________________________

كلمة حافظ الشمعة في حفل تكريم سناء البواب
 

    

 ايها السادة .  

 

لا بد لي في البداية من شكر الحركة الثقافية في انطلياس على تكريسها هذا التقليد السنوي بمناسبة عيد المعلم ، اقصد ، 

تكريم كوكبة من الزملاء الذين افنوا عمرهم في خدمة التربية و التعليم ، و في النضال النقابي المطلبي لتطوير قطاع التعليم 

و رفع مستوى العاملين فيه و يشرفني في هذه المناسبة تقديم و التعريف بالزميلة المناضلة السيدة سناء البواب ، حيث ترافقنا 

حوالي ثلاثين سنة في الدفاع عن التعليم الرسمي و عن قضايا و مطالب الاساتذة و المعلمين .

الزميلة سناء ابنة المربي الكبير المرحوم محي الدين البواب مدير اول ثانوية رسمية في لبنان ، و زوجة الموحوم الاستاذ حكمت العيد المناضل اليساري المعروف . كانت و منذ بدايات شبابها منخرطة في النضال الوطني عبر العمل السياسي و الحزبي ، و في النضال النقابي و المطلبي عبر الهيءات و اللجان المنتخبة في قطاع التعليم ، ملتزمة بكل صدق و اخلاص بالموجبات المترتبة عن هذا الانخراط دون تقاعص او تردد .

والسيدة سناء كانت من البداية عضوا بارزا وموءثرا ضمن مجموعة من الزملاء المميزين ببعد النظر ، و الطموح ، و الارادة القوية 

و الصلابة الوطنية ، والذين استطاعوا رغم ظروف تلك الفترة ، استطاعوا استنهاض قطاع التعليم الرسمي ، و تنظيمه و وقيادته،

وتحقيق القسم الكبير من مطالبه و بشكل خاص في قطاع التعليم الثانوي الذي ننتمي اليه وظيفيا و مجال تحركنا النقابي .

ومنذ دخولها التعليم الثانوي في العام ٧٠/٦٩ كانت مندوبة عن ثانويتها وتابعت تحركات الاساتذة الثانويين من هذا التاريخ ،

علما ان قطاع التعليم الثانوي عرف تحركا مطلبيا يتيما في العام ٦٥/٦٤ حيث تحقق مطلب مهم ( التعويض مقابل زيادة 

 ساعات العمل ) و هذه الصيغة في القرار اعتمدناها فيما بعد معتبرينها ( زيادة في الراتب و ليس تعويضا لانها مقابل زيادة 

في الدوام ) حيث جعلنا هذا الامرمبررا لمطلب ادخال التعويض في صلب الراتب و في احتساب التقاعد و تعويض نهاية الخدمة 

كما كان مبررا لمطلب ( التناقص ) .

ففي بداية العام الدراسي ( ٧٠/٦٩ ) و بمبادرة من بعض الزملاء تشكلت لجنة من عدد من المندوبيين عن الثانويات الذين تابعوا 

لقاءات متعددة في مقهى ابو غوش قرب وزارة التربية عرفت هذه اللجنة ب ( لجنة ابو غوش ) و كانت تمثل جميع الثانويات في 

لبنان و ذلك قبل ان تسوء اوضاع البلاد . و تمت صياغة ورقة مطلبية على راسها مطلب تشريع العمل النقابي في القطاع العام 

وإنشاء رابطة لاساتذة التعليم الثانوي الرسمي ، و جملة من المطالب الاخرى لتحسين اوضاع الاساتذة .

و ال بد لي هنا من ايراد لمحة تاريخية سريعة لرسم صورة عن حركة الاساتذة الثانويين في الفترة الممتدة من العام ( ١٩٧٠ ) 

و حتى قيام الرابطة في العام ( ١٩٩٢ ) .

ففي العام ( ١٩٧٢ ) تم قيام اللجنة التحضيرية لرابطة اساتذة التعليم الثانوي الرسمي ، و بدعوة من الوزارة لانتخاب مندوبي 

الثانويات الذين انتخبوا بدورهم اللجنة التحضيرية ( اول كيان شرعي رسمي للاساتذة ) و كان هدف اللجنة الاساسي الوصول 

إلى قيام الرابطة و طبعا مع الاستمرار في النضال المطلبي .

غير ان الاحداث التي عصفت بالبلد حالت دون انجاز هذه المهمة ، و في العام ( ١٩٨٠ ) كانت اللجنة التحضيرية قد تشتت شمل 

اعضاءيها و فقد النصاب مما اضطر مندوبو لجان الاتصال في المناطق ان انتخبوا لجنة لمتابعة التحرك و النضال و عرفت  ب 

( لجنة الاتصال العليا ) وفي نفس الوقت شكل الزملاء فيما عرف بالمنطقة الشرقية و بعض المناطق الاخرى لجنة عرفت ب ( اللجنة

التنفيذية ) . هذا الواقع التقسيمي المستجد زاد من صعوبة النضال النقابي السليم و القى على كاهل اللجان الوليدة مهاما خاصة 

غير ان بعض الزملاء الطليعيين و الوحدويين و الوطنيين في اللجنتين تصدوا لهذا الواقع و اعادوا توحيد القطاع ، فكانت ( اللجنة الموحدة )  ، التي اعادت صياغة ورقة مطلبية موحدة و قادت نضالا موحدا ، وانجزة النظام الداخلي للرابطة ، بقيت هذه اللجنة تقود النضال حتى انتخاب الرابطة العام ( ١٩٩٢ ) و بقرار من وزارة التربية .

وفي كل هذه المحطات لعبت الزميلة سناء البواب دورا رياديا و مميزا ، و كانت من اعلام هذه المرحلة .

إلى جانب ذلك اهتمت لجان التعليم الثانوي بعد توحيد القطاع بالعمل على ثلاثة محاور مهمة الاول مكتب المعلمين و توحيد قطاع 

التعليم في لبنان الرسمي و الخاص ثانيا لجنة التنسيق المشتركة للعاملين في القطاع العام اي التعليم الرسمي و موظفي الدولة ،ثالثا لجنة التنسيق النقابية و الموءتمر النقابي العام و هيءة المتابعة النقابية مع الاتحاد العمالي العام و الجامعة اللبنانية و الهيءات الاهلية المنتخبة في المجتمع المدني .

لقد كانت هذه المرحلة وطنية بإمتياز في مواجهة الواقع الانقسامي في البلاد . و كانت التضاهرة الشعبية العارمة في السادس من 

 تشرين الثاني العام ( ١٩٨٦ ) .

وإذ استعرض هذه الامور لا انسى درج وزارة الصحة عند خط التماس حيث تكرس مكانا لاجتماع مكتب المعلمين ، كما لا انسى اجتماع عين الرمانة ليلا حيث كانت مخاطرة قمنا بها انا و سناء البواب ومحمد قاسم بإختراق خط التماس للاجتماع مع الزملاء 

في اللجنة التنفيذية ، وهذا الاجتماع اسس لتوحيد التعليم الثانوي .

و ايضا و ايضا كانت سناء البواب عضوا فاعلا و متقدما ضمن المجموعة التي قادت هذه التحركات و كانت نموذجا يحتذى في 

متابعة المطالب ، و الاخلاص في العمل و التضحية و تحمل الصعوبات مع كونها كسيدة متزوجة تتحمل مسوءولية عاءيلية خاصة 

 إن المناضلة سناء البواب تمتلك ميزات نضالية و قيادية خبرتها بنفسي من خلال تجربتي الشخصية هذه الميزات تقتضي مني ايرادها ولو بشكل موجز لإعطاء هذه الشخصية حقها علينا تقديرا و تكريما .

فهي صاحبة النفس الطويل في ممارسة النضال و قد تجلى ذلك في متابعتها العمل المتواصل و دون انقطاع خلال المرحلة التي 

ذكرتها، فلم تتاخر يوما عن القيام بما توجب من اتصالات، و متابعات ، واجتماعات ، و لقاءات ، الخ ، دون كلل فهي تعرف ان 

لا شيء يتحقق ببساطة . إذ ان دون ذلك الجهد و التضحية و المثابرة .

إلى جانب ذلك فهي توءكد على ضرورة اعتماد النهج المستقل في النضال النقابي ، و هذا من اهم الشروط للانتصار في المعارك

المطلبية ، حيث ان استقلالية الحركة النقابية تشكل حماية لها من التدخلات الانتهازية المتربصة دوما باي حراك شعبي و اخذه 

في سياقات تخدم طروحات بعيدة عن اهداف التحرك ، الاستقلالية للتحرك المطلبي تقوي و حدة المطالبين و تسقط التهم الجاهزة 

في وجههم . وكم كانت السيدة سناء حيصة على هذا التوجه و كم وقفت بقوة في وجه من كان يحاول المس بإستقلالية تحركنا المطلبي ، كما كانت واسعة الاحاطة باللاءيحة المطلبية ، و هذا ما يساعد على الدفاع المدروس عن المطالب و إقناع المسووءلين 

و الرآي العام بها فلا يكفي ان تطرح مطلبا و تمشي ، المطلوب التمتع بالمقدرة على تبريره و شرح اهميته و احقيته ، وهذا يحتاج 

إلى سعة الاطلاع و معرفة الانظمة و القوانين ، فالدولة لديها حججها للرد على المطالب ، انها مسآلة صراع تحتاج إلى الخبرة 

و الثقافة و الصمود وهي صفاة تتحلى بها السيدة سناء البواب ، و تمثلها اصدق تمثيل .

كما يتطلب ذلك القراءة السليمة للاوضاع و العلاقات الساءيدة على الساحة خلال التحرك المطلبي ، فلا يمكن الدخول في معركة

مطلبية دون ترفير شروط نجاحها ، إن دراسة الواقع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي هي امور على النقابي الاحاطة التامة

بها ، و كم كنا نعتمد على التقارير و الدراسات التي كانت تقدمها السيدة سناء عند كل تحرك او عندما نطلب منها ذلك ، فهي 

صاحبة قلم سيال في كتابة المقالات و الخطابات و الابحاث حيث كانت جاهزة داءيما للرد بواسطة الكتابة لتحصين التحرك 

و تقويته و هي لا تكفي بإسلوب الكتابة للتواصل مع المسووءلين بل لديها ما يكفي من الشجاعة الادبية التي هي احدى صفاتها 

الاساسية و الجرآة اللازمة و الضرورية لمواجهة لا مبالاة المسووءلين ، لقد كان صدقها و صراحتها مع نبراتها القوية كافية للفت

نظر المسووءل و توسيع سمعه ، كلكم يعرف العطب اللاحق بحاستي النظر و السمع لدى الكثير من المسووءلين .

اما الكفاءة القيادية وهي من الصفات الهامة التي تمتعت بها السيدة سناء و المتمثلة بمعرفة الوقت المناسب للتقدم و الهجوم 

و الوقت المناسب للتراجع و المهادنة . 

و كانت اثناء الاجتماعات تعمل المستحيل للاخذ برايها ولو بلغ النقاش درجة كبيرة من الحدة ، و لكن في نهاية الامر تتقيد بالموقف

الذي تتوصل إليه الاكثرية و تلتزم بالقرار الموحد . و لقد ساهمت السيدة سناء مساهمة لا ينكرها احد في نضالها التوحيدي بمواجهة الوضع الانقسامي الذي كان ساءيدا مستندة الى نهج وطني صادق قولا و فعلا تجلى خلال نشاطها العام في كل الاوقات . ومما سمح لها بمواكبة الحركة النضالية المستمرة ، هي تلك القدرة على تحمل الصعوبات و تذليل الموانع و الارادة الصلبة 

فليس سهلا ابدا الانتقال تحت الخطر في بعض الحالات او عدم التغيب عن اجتماعات درج وزارة الصحة عند خط التماس و عند عدم التمكن من اللقاء فكانت المقاهي او منازل الزملاء الملاءيمة تحل الموضوع ، و هي لم تقصر يوما في ذلك . 

و بعد هذا التاريخ الطويل من النضال النقابي تسلمت السيدة سناء البواب ادارة ثانوية عمر فروخ الرسمية للبنات ، وهنا و كونها 

لا ترى في الحياة إلا دربا للنضال فنقلت كل قدراتها وإمكانياتها ، و وضعتها بتصرف دورها الجديد في العمل التربوي من موقع 

الادارة ، و كما نجحت في السابق كرست هذا النجاح في ادارة الثانوية التي اصبحت في عهدتها نموذجا يحتذى فتحسن 

المسترى وازدادت نسبة النجاح و ترسع النشاط اللاصفي المتنوع .

وفي نهاية كلمتي هذه اتمنى للسيدة سناء البواب السعادة و الصحة و متابعة حياتها براحة البال راجيا لها تحقيق كل ما تتمناه .

كما ارجو ان اكون قد وفيت قسطا من حقها علي في تقدير ما كانت عليه هذه السيدة المناضلة و المحترمة سناء البواب .

___________________________________

ملخص الكلمة

بتكريمها في الحركة الثقافية بإنطلياس في 2016/3/9

سناء البواب:

فَشلَ نظامُنا التربوي بتحصين الوطن،

والحل بالتربية على الديمقراطية و نبذ العنف كأولوية في مدارسنا

**********

نجتمع اليوم لنكرم العطاء و النجاح. ونُكرَّم اليوم لأننا ساهمنا بتحقيق بعض الإنجازات.فما هي توصياتنا بهذا المجال؟ الهدف تقويم المسيرة و تصويب المسار.

من تحت زخات خراطيم المياه للقوى الأمنية ومن تحت ضربات أعقاب بنادقها لتفريق المظاهرات الطلابية في منتصف الستينات انطلقت مسيرتي النضالية.من العمل النقابي الطلابي دفاعاً عن ديمقراطية التعليم و تعزيز الجامعة اللبنانية دخلت إلى العمل السياسي،إيماناً بضرورة الإصلاح السياسي والوطني، ونبذ الطائفية وتحقيق العدالة الإجتماعية . ومن التزامي الحزبي عزّزت موقعي القيادي النقابي .و استمريت بموقعي النقابي القيادي حتى بعد تركي العمل الحزبي في العام 1987، بناءً على رصيدي النضالي النقابي المتراكم.تجربتي الحزبية شكلت بالنسبة لي مدرسة هامة في فهم المشكلات و المعضلات التي يعاني منها وطننا المأزوم غالباً.و تجربتي النقابية لها بتواضع تاريخٌ مشرِّف، وهي مصدر فخر و اعتزاز لي،أولاً لمساهمتي مع بعض الزملاء بتأسيس الهيئات النقابيه التي رفعت من شأن التعليم الرسمي،وذلك في أصعب الظروف إبان إحتدام الحرب الأهلية و الإنقسام، إن دل ذلك على شيئ فعلى إيماني العميق بضرورة التمييز بين العمل الحزبي و العمل النقابي،وهي محل فخر و اعتزاز لي ثانياً لمساهمتي البارزة في تمكين المعلمين من نيل بعض حقوقهم المشروعة الهامة. تميزت بعملي النقابي بثبات النهج و الخط ، بالتمسك بالوحدة النقابية و التشبث باستقلالية الحركة النقابية عن التجاذبات السياسية،مع الحرص الكبير على تفادي وقوع التحركات بالفشل و المآزق و الطريق المسدود، باجتراح الحلول والمخارج،وبالتمييز بين الممكن و المستحيل. و أنا إذا كنت قد حققت النجاحات البارزة في التعليم وفي إدارتي المدرسية فقد يكون السبب الأول في ذلك بأني كنتُ القائدَ المدير و ليس المُدار.لا شك بأن البيئة الحاضنة التي توفرت لي قد ساعدتني كثيراً في هذه الميادين، فأنا إبنة المربي الكبير محي الدين البواب ، و أنا زوجة المناضل و القائد المعروف حكمت العيد الذي كان قائدي و ملهمي.

في العمل النقابي:كانت لي صولات و جولات، نجاحات و إخفاقات،و مواقف مميزة و جريئة.كان يسعدني جداً وصفي بالدينامو في داخل هذه الهيئات.في العام 1995 استقلت من الهيئة الإدارية لرابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي بعد إضراب طويل بمقاطعة التصحيح في الإمتحانات الرسمية لأني رفضت ضرب وحدة المعلمين وشق مكتب المعلمين،حين رفضتُ التفرُّد باستمرار الإضراب من قبل رابطة الثانوي من دون طائل، بعد خروج التعليم الخاص و التعليم الإبتدائي الرسمي منه، بعدما وصل إلى المأزق، و رفضاً لتسييس أي تحرك بتجييره لهذا الزعيم أو ذاك.واستقلت في العام الماضي من الهيئة الإدارية لرابطة الأساتذة المتقاعدين عندما أيقنت أن وجودي مهمَّشة أو في مواقع هامشية لا يفيد قضية المتقاعدين.كنت أرفض تجزئة الحقوق بين القطاعات التعليمية فطالبت بإنصاف المعلمين في التعليم الإبتدائي أسوةً بالثانوي لذلك دُعيتُ بضمير المعلمين.كنت و ما زلت مع السلسلة الموحَّدة لرواتب القطاع التعليمي- من ضمنها الجامعيون- على قواعد وأسس عادلة.و أرفض بشدة بدعةً خطيرة و هي إعطاء الدرجات خارج السلسلة لأن هدفها الوحيد حرمان المتقاعدين من الزيادة المشروعة لهم.كنت دائماً مع تعزيز الديمقراطية في البنى التنظيمية الداخلية،كتداول الرئاسة و عدم تأبيدها في شخص أو حزب، أسوةً بنقابات المهن الحرة.ولم يكن في أي يوم من الأيام وجودي في الهيئات القيادية طمعاً بموقع بل رغبة بوضع كل إمكاناتي لتفعيل الهيئات و المساهمة بنجاحها..

 العمل النقابي بالنسبة لي هو إلتزام و مسؤولية و تضحية وأيضاً أخلاق.إن العمل النقابي يمر في هذه الفترة بأزمة عميقة،بسبب الوضع المازوم في البلاد،و نتيجة التسييس أيضاً و الإنقسام بين مختلف القطاعات العمالية و التعليمية وغياب الرؤية الموحَّدة لهم، وتغليب الأنانية و الفئوية، و ضعف الحكمة و العقلانية لدى بعض القيادات. برأيي من دون الديمقراطية لا وجود للوحدة النقابية،من دون الإستقلالية لا وجود للوحدة النقابية، ومن دون الوحدة النقابية لا نجاح للحركة النقابية.و ندائي إلى النقابيين ياعمال لبنان يا معلمي لبنان و أساتذته إتحدووا لأجل إنقاذ الوطن ،كفانا شرذمة كفانا إنقسام.

إننا نكرّم اليوم كمربين،فعلى ماذا نكرّم؟ إننا كمربين نشعر بالخجل و بالفشل الذريع و بخيبة الأمل ونحن نشهد ما آلت إليه الأوضاع في بلدنا الحبيب الذي ينهشه العنف و الفساد و انتشار الجريمة و تفشي الموبقات و اضمحلال الأخلاق. و نشعر شعوراً عميقاً بهذه الإخفاقات. و نتساءل أفلا نتحمل نحن كمربين مسؤوليةً ما في الوصول إلى هذا الوضع المأزوم؟ بعض أهل التربية و الإجتماع حسم جوابه قائلاً: إبحثواعن هزائمنا كشعوب في برامجنا و في أنظمتنا التربوية و التعليمية،و مدى ملاءمتها لصنع إنسان حر يتحكم عنده العقل المنفتح بالعاطفة و الغريزة. أوَ ليس من الأهداف العامة للمناهج و البرامج الواردة في خطة النهوض التربوي و التي وُضعت في أوائل التسعينات هي تأهيل المتعلم لأخذ المواقف السليمة و حل المشكلات . فلماذا إذن نغرق ببحر من المشكلات؟وعن أية مفاهيم و قيم نتكلم إذ نصطدم بالعديد من المفاهيم المتعارضة،و نختلف على تفسير القوانين و الدستور فلا نميز بين الصح و الخطأ.

بالتأكيد إنها مسؤولية الدولة قبل أي طرف آخر.ولكن السؤال اليوم أين موقع الدولة الذي يتلاشى يوماً بعد يوم.لقد أصبحت التربية اليوم من صنع القوى السياسية المتناحرة و من صنع الإعلام الخاص و الإعلان ووسائل التواصل الإجتماعي  (وهذا طبيعي في مجتمع حر ديمقراطي)لكن المشكلة تكمن في أننا كمربين رسميين نقف عاجزين عن طرح البديل السليم . باختصار فشل نظامنا التربوي بتحصين الوطن.

لن أنضم إلى جوقة الندب و كورس البكاء، بل أسعى إلى تلمس الحلول الناجعة. مشكلتنا في البيت اللبناني ليست بتعدد الآراء و ليست بتعددية الطوائف، بل المشكلة تكمن بالتعصب و الأنانية،وباستخدام العنف الفكري و الجسدي لحل النزاعات،و مشكلتنا تكمن بتغييب استخدام الأدوات السلمية لحسم الإختلاف والخلاف لأخذ القرارات، بتحكيم الديمقراطية و الحرية. وللديمقراطية أصولها و للحرية ضوابطها. من هنا نقول بأن التربية على الديمقراطية و نبذ العنف لحل النزاعات يجب أن تكون أولوية في مدارسنا،لنغرس في نفوس أجيالنا منذ الصغر هذه القيم و المفاهيم .إن التربية على الديمقراطية و السلام وعلى احترام الحريات والقوانين لاتكون فقط بالوعظ و كتابة النصوص في كتب التربية المدنية و الوطنية بل بوضع المشاريع و الأنشطة التطبيقية العديدة و الجدية،كما باتخاذ القرارات و الإجراءات الرسمية الجريئة الكفيلة بتعزيز التقارب والإنفتاح و الوحدة الوطنية. سؤال آخر يطرح إلى أي حد اهل التربية و التعليم يمكنهم الفصل بين ميولهم السياسية الخاصة و بين الدور الوطني الموحِّد المطلوب منهم؟ لابد من تنظيم دورات تأهيلية لجميع الأساتذة و المعلمين على هذه التربية، و إعدادهم في كلية التربية لذلك ،لتنمية قيم التهذيب والاحترام لاسيما احترام القوانين و الدستورفي نفوس أولادنا، والتمسك المتين بالثوابت الوطنية والمطلوب تحديدها بوضوح و بشكل لا تقبل الإجتهاد أو التأويل أو ازدواجية التفسير.وأن تكون هذه التربية على رأس إهتماماتنا الملحة مسؤولين و هيئات نقابية.

لقد عملنا لهذه القيم بصدق كبير في الثانوية التي توليت إدارتها (ثانوية عمر فروخ الرسمية للبنات)منذ2001 حتى أواخر2009 ،وكانت البوصلة التي توجهنا دائماً، وقد كنا في قلب العاصفة ( بين الضاحية والطريق الجديدة)و أنا فخورة بما حققته ثانويتنا وأعتز بكلمة الزميل حنا غريب في أحد إحتفالات الثانوية حيث قال بوصفنا:"مدرستكم مشروع وطني تربوي جامع و رافض لكل أشكال التفرقة المذهبية والطائفية بين اللبنانيين مدرستكم مشروع التمسك بالسلم الأهلي ورفض الحرب والإ قتتال،مدرستكم مشروع حوار و تلاقٍ إنها مشروع حلٍ لإنقاذ لبنان و مساعدته.قد نغار منكم لأنكم تمثلون روح التعليم الرسمي المتنور.."و أنا فخورة بما حققته ثانويتنا حتى صارت في طليعة الثانويات الرسمية و الخاصة بتفوقها العلمي و بأنشطتها اللا صفية المتنوعةالمبدعة. نجحنا لأننا لم ننظر الى التربية والتعليم وظيفةً بل هماً وطنياً و مشروع إبداع .نجحنا لأننا قبل أي شيئ آخر إنطلقنا من رؤية و رسالة وضعنا لها أهداف و غايات و  آليات و خرائط عمل.نجحنا لأننا آمنا بان قيمة الإنسان الحقة ليست فيما يأخذ بل فيما يعطي. و أنا فخورة بما أنجزناه. أما بعض الثغرات و الإخفاقات البسيطة فلا بد منها لمن يعمل كثيراً.

في الختام:أنا من جماعة " أن تضيئ شمعة ً خيرٌ من أن تلعن الظلام"،أؤمن بأن لبنان المشتت يتوحد بثقافة الوحدة وثقافة الإنتماء إليه أولاً و الولاء إليه أولاً و أخيراً.أؤمن بأن المواطنية لا تكون بدون دولة قوية موحدة.أؤمن بأن الوطن ليس مشاعاً للطوائف و الطائفيين. أؤمن بأن الحرية يحميها مواطنون أحرار مستقلون،و بان الديمقراطية يبنيها الديمقراطيون الحقيقيون، أؤمن بأن الاستقلال يصان بالديمقراطية و نبذ العنف. أؤمن بأن بالتربية نبني، و بان التربية على الديمقراطية و نبذ العنف يجب أن تكون أولوية في مدارسنا اللبنانية،و يجب أن تكون على رأس اهتماماتنا الملحة. على أمل أن يتحقق بحياتنا حلمُنا بوجود وطن موحد حر مستقل لا طائفي مزدهرتسوده الديمقراطية الحقيقية و ينعم بالحرية و الأمان و الإستقرار.لقد إخترنا ان نكون مربين و نقابيين فكان لنا ماضٍ من النضال و الكفاح.ونحن نمضي بفرح العطاء و راحة الضمير.

شكراً للحركة الثقافية بإنطلياس التي جمعتنا في هذه الأمسية السعيدة و كرمتني.

______________________________________

 

 

كلمة الاستاذ مفيد سكاف في تكريمه    9-3- 2016

مساء الخير

السيدات والسادة  أيها الحضور الكريم

اتوجه بداية  بتحية  للحركة الرائدة في عملها الثقافي والتربوي والوطني، للحركة الثقافية – أنطلياس  المنارة الدائمة  في ليل الوطن الطويل. مع الشكر لأمينها العام  ولجميع أعضائها على مبادرتهم اللطيفة.

شكرا للصديق العزيزالاستاذ منيرسلامةعلى ادارتهالمميزة لهذا الحفل وعلى كلمته الأنيقة.

شكرًا لأخي وصديقي الدائم الاستاذ طلال نادر  رفيق الدرب العائلي والمهني (منذ57 سنة) على تقديمه لي  وعلى ما غمرني به من محبة.

التحية والشكرإلى زملائي وأصدقائي  وعائلتي   الحاضرين في هذه القاعة.

ان رحلتي التربوية مرت بمحطات رئيسية   امضيت فيها فترات من العمل والتعلم المستمر واسعدني ما حظيت به من اصدقاء وما اكتسبته من خبرات من العمل مع مسؤولين متنورين.

   ففي ثانوية فرن الشباك للبنات  اكتسبت خبرتي الاساسية في التعليم والتنسيق  بإدارة وإشراف مديرة استثنائية لا تتكررالمرحومة السيدة ناديا عون  وكان التعليم الثانوي في عصره الذهبي  وقاطرته ثانوية مدام عون         إذ كان التهافت للإلتحاق بها  من قبَل تلميذات المدارس الخاصة لا يوصف.  بينما في هذه الايام  يعتبرون ازدياد الاعداد في المدرسة الرسمية  مؤشراً لأرتفاع  معدل الفقر.

       .ثم  في مديرية ا لارشاد والتوجيه  حيث كان عملي مع زملائي   مساعدة  اساتذة الرياضيات              وخاصة في تطبيق المناهج الجديدة. وهنا اتوجه بالتحية  الى  مدير الارشاد والتوجيه في حينه ومؤسسه          الاستاذ نقولا الجمّال فهو كان وما يزال رائداً ومثالا  في العمل التربوي والأرشادي كما اتمنى الشفاء والصحة  لخلفه الصديق جان حايك.

اما في المركز التربوي  للبحوث والانماء  فكان العمل  مع الزملاء في العديد من المشاريع والانشطة  بأشراف رئيستِه  الدكتورة ليلى مليحة فياض  التي تمكنت بحكمتها    وأَدائها الاداري والتربوي المميز من إنجاح هذه المشاريع والانشطة   بالرغم من الشغور والنقص  في الاقسام الاكاديمية  ناهيك عن الشح الدائم في الموازنة .

      اما في التعليم الخاص فقد كانت تجربة  التفاعل بين جناحي التعليم الرسمي والخاص  في  ثانوية سيدة اللويزة- ذوق مصبح ومعهد القديس يوسف-عينطورة  ومنذ العام 1976 و حتى الآنمنسقاُ للرياضيات في ثانوية راهبات المحبة- الأىشرفية، التي تديرها حاليا رائدة الإنجازات المتلاحقة  الأخت لطيفة فياض.

  ويبقى بعض الكلام عن الامتحانات الرسمية  حيث كنت نائب مُقرٍر لجنة الرياضيات  في الشهادة الثانوية -البكالوريا  ثم مُقرٍرا لها ومشاركا في مشاريع لمواكبة إجراء الامتحانات وفقا للمناهج الجديدة ( في حينه) وتطويرها.

  وهنا اسمحوا لي،  واعتقد ان الجميع يشاركني، بتوجيه تحية الى روح الصديق العزيزحسان ملك.

أود أن نتشارك، وانتم من اهل التربية، في بعض الافكار المتعلقة بالنظام التربوي والذي هو سلسلة متكاملة  من الحلقات ،أولُها السياسة التربوية العامة للدولة التي تحدد مَلامح المواطن تليها الاهداف العامة  التي تضعها الادارة التربوية ( أي وزارة التربية واداراتها) ثم المناهج – الادارة المدرسية – المدرسة– المعلم  – التلميذ- الكتاب – طرائق التعليم- التقييم ....إن نجاح النظام التربوي رهن بنجاح جميع حلقاته  والمعلم هو الحلْقة الأساسية.

إننا نعيش في عصرٍ عنوانه التغيير السريع والمستمروخاصة في ميادين المعرفة والتكنولوجيا  وهذا ما دفع المسؤولين في الدول المتقدمة  الى إعادة النظر المستمرة  في انظمتهم التربوية  لتصبح قادرة على مواكبة التغيير والتجديد في زمن العولمة.

لقد عمدت هذه الدول الى تطوير واصلاح انظمتها التربوية  في جميع حلقاتها وذلك في إطارخطط  واضحة المعالم والاهداف. هذه الخطط تدعمها ارادة سياسية  من الدولة كلها   ( وليس من وزارة التربية فقط)  إضافة الى دعم ومشاركة جميع قطاعات المجتمع حتى أن الاحزاب والسياسيين  جعلوها بندا رئيسيا  في الحملات الأنتخابية.

ولا بد هنا من  الكلام ولو قليلا  عن البعض من هذه الدول

-  فنلندا : تحولت فنلندا من بلد اقتصاده زراعي  يعتمد على خشب الاشجار في السبعينات  إلى بلد   ذي اقتصاد معرفي متقدم ،  وكان التعليم أهم ركيزة في هذا التحول  واصبح النظام التعليمي الفنلندي نموذجا فريدا في العالم،       وعن أسباب تفوقهم يقولون: إنّها الإرادة السياسية والرغبة الملحّة في النمو والتقدم،  إنّه الاستثمار في التعليم.

 

- سنغافورة:   يُعتبَر نظامُ التعليم في سنغافورة واحدا من أفضل أنظمة التعليم في العالم. لا تملك سنغافورة أية موارد طبيعية  تساعدها على تحقيق نموّ اقتصادي فاختارت أن تركز على رأس المال الذي تملكه وهو الانسان، وخصصت للتعليم ما بين 15و20بالمئة  من موازنة الدولة سنويا.

. لقد نجح الطلاب السنغافوريون في بلوغ مراكز متقدمة في مسابقات الرياضيات العالمية، فقد فازوا بمسابقات (TIMSS) في العديد من الدورات  وهذا ما دفع دولا عديدة  لدراسة أسرار تفوقهم في الرياضيات.

1-                          - اليابان: حققت اليابان  بعد ان خرجت مُدَمَرة ومشلولة من الحرب العالمية الثانية مُعجزة اقتصادية  واصبحت في طليعة الدول الصناعية والتكنولوجية.

       سُئل رئيس وزراء اليابان  عن سر التطور التكنولوجي في بلاده فأجاب:

       "أعطينا المعلم راتب وزير  وحصانة ديبلوماسي وإجلال الامبراطورفنجحنا".

- الدول المتطورة :أكتفي بما أكده  مجلس التعليم الأمريكي: "إن نوعية أي أمة   تعتمد على نوعية مواطنيها،           وإن نوعية مواطنيها  تعتمد على نوعية تعليمِهم، وإن نوعية تعليمِهم، تعتمد على نوعية معلميهم  أكثر مما تعتمد على أي عامل آخر بمفرده".

ماذا اقول عن وضعنا في لبنان؟

لقد ترددت كثيرا قبل أن أتطرق الى هذا الموضوع إذ يكفي ما نقرأ في الصحف وما نشاهد على شاشات التلفزيون  من مناظرات ومداخلات  لندرك أن نظامنا التربوي يعاني الكثيرالكثيرمن الخلل والضعف والإشكالات.

ولكنني قررت  ان اكتفي ببعض التساؤلات وتوصيف واقع الحال

1-     هل لدى السلطات السياسية المتعاقبة  استراتيجيات واضحة وفعالة  لتطوير نظامنا التربوي ؟

2-     هل يعرف المسؤولون أن الاستثمار في التربية والتعليم والتمويل اللازم لتعليم جيد ومتطور  يُقلِص لاحقا     الانفاق في المجالات الصحية والاجتماعية والامنية.....؟

3-      هل تهتم المدرسة بالنربية  (وهنا لا أقصد كتاب التربية المدنية)  بل إعداد التلميذ سلوكيا واخلاقيا    ووطنيا أم انها تخلت عن دورِها  وهو التريبة من خلال التعليم علما ان الوزارة المعنية  تدعى وزارة التربية؟  

 في الواقع ليس لدى الدولة رؤية  شاملة متكاملة  واستراتيجية واضحة لتطوير النطام التربوي إنما محاولات اصلاح في بعض حلقاته  من خلال مشاريع وخطط اطلقها وزراء التربية المتعاقبون   والمسؤولون في الادارات التربوية، وصل القليل القليل منها الى التنفيذ النهائيوالباقي  نُفذَ جزئيا  أو انتهى بمؤتمر صحفي  أو احتفال او وُضِعَ في الادراج عند تغييرالوزير أو المسؤول.  أَليس هذا هو حال معظم الوزارات والادارت اللبنانية؟

 

أود هنا أن أتكلم عن بعض النماذج   من  المشاريع التي شاركتفي لجانها. 

1-       مشروع التربية من اجل  التنمية المستدامة(في المركز التربوي) الذي بدأ بوضع رُزَم   تتضمن أنشطة بيئية   تنسجم مع المواد الأكاديميّة،  وتهدف إلى توعية التلامذة بيئياٌ  وإكسابهم المهارات المرتبطة بالتنمية المستدامة       وبدأ العمل بتحضير خطة لادماج التربية من اجل التنمية المستدامة  في المناهج  والمواد التّعليمية......وفجأة توقف هذا المشروع مع  اطلالة حكومة جديدة

،وكم نحن بحاجة لهذه التربية  خاصة في ازماتنا البيئية الحالية.

2-    بنك الأسئلة: لقد تم تحضير بنك الأسئلة في عامي 2006- 2007 ، وتم استخدامُه لاصدارالمسابقات  في دورة 2007 الاستثنائية واستمر ذلك الى الآن ولكن لم تستكمل مستلزماتُه  وخاصة ما طالبنا به دائما  بتكليف لجنة دائمة مهمتها تطوير وتحديث محتويات البنك وتغذينه  بأ ستمرار بالمسابقات  الجديدة والمستندات والصور والخرائط  كي لا ينضَب ويهرَم ، وهذا ما حصل،  فقد أصبحَ عمره 10 سنوات.

3- مكننة الامتحانات الرسمية: لقد تم تحضير نظام المكننة  في عامي 2006-2007    والذي يتكون من عدة اقسام: ادارية – مالية- احصائية - تسجيل العلامات ومقارنتها- اصدار النتائج  والشهادات......وتمت تجربته في الدورة الاولى 2009 في شهادة العلوم العامة  .فتم  ادخال الكتروني لعلامات التصحيح الاول والتصحيح الثانيومن ثم علامات التصحيح الثالث      (دون أن يعرف أي احد العلاماتين السابقتين) وصدرت النتائج في لحظات  دون تشكيل لجان لقراءة وتسجيل العلامات... لقد تم ايضا اصدار نتائج هذه الدورة  بالطريقة التقليدية المتبعةوبعد مقارنة النتيجتين ظهرت أخطاء  في تسجيل او قراءة بعض العلامات   في الطريقة التقليدية.

لم يُستكمل العمل في نظام المكننة بحجة ان هناك بعض التعقيدات في بعض اقسامه!!

    لو تمّ تطوير ومتابعة جدية لنظام المكننة،  على الاقل في ما يتعلق بالعلامات والنتائج لتجنبنا ما يدور اليوم  من مناظرات وتوصيفات للامتحانات الرسمية التي يعتبرها كل من عمل  فيها بجدية واندفاع  أمانة غالية  يجب تحصينَها وتطويرجميع مكوناتها  فهي ضابط الايقاع للتعليم في لبنان  ففي ضعفها او عدم وجودها  "يفتح كل على حسابه" كما يقال.

ولتوصيف واقع الحال سأكتفي ببعض من كلام لوزبر التربية السابق البرفسور حسان دياب  في لقاء مع مديري مدارس وثانويات رسمية عام 2011 عن اسبابمشاكل القطاع التربوي:

 :" أولاً: أسباب تشريعية وتنظيمية

1-    قِدَم النصوص التشريعية والتنظيمية  وعدم ملاءمتها للواقع  ولمقتضيات التطور والتطوير..

2-      التنازع وعدم الاتساق في المسؤوليات.

ثانياً: أسباب إدارية

1-   ارتكاز ادارات الدولة على انظمة ادارية ووظيفية  لا تلبي احتياجات الوزارة لكوادر بشرية مختصة في الشؤون التربوية.

2-  حصر سلطة القرار على نحوٍ مركزي، او بفئة قليلة من كبار الموظفين.

ثالثاً : أسباب تتعلق بالكوادر البشرية

1-    ضعف المؤهِلات في مادة الاختصاص  لدى العديد من افراد الهيئة التعليمية.

2- ضعف المؤهِلات التربوية وعدم إلمام الكثيرين من افراد الهيئة التعليمية  بفنون وطرائق

 التدريس واساليب التقييم.

     3-عدم الزامية التعليم المستمر للقائمين بخدمات التدريس.

4- الارتكازعلى التعاقد بالساعة.

رابعاً : أسباب أخرى

1- عدم اعتبار التعليم مهنة تتطلب  اعداداً اساسياً معرفياً وتربوياً مختصاً عند الكثيرين من اهل السياسة  واهل الحل  والعقد وتحويل التعليم  “مهنة كل من لا مهنة له   من حملة الاجازة (وسابقاً من حملة البكالوريا)”.

 

2-    التداخل القوي بين التربية  والواقع السياسي، وامساك اصحاب النفوذ  والرأي  بمفاصلكثيرة من الشأن الاداري ،      كمثل:   التعاقد،   المناقلات،   التعيينات،   الايجارات   الخ…" 

 

     ليسمح معالي الوزيرباضافة احد الاسباب وهو هُزال الرواتب  الذي حوًل اهتمامات المعلمين،  لفترة طويلة ومستمرة،  من تربوية  الى مطالب معيشية  كما دفع  الكفاءات الى  مهن واختصاصات اخرى .  

      والسؤال البديهي :  هل ما زلنا في الوضع الذي وصَّفه الوزير ام لا؟

 

ولكن اود ان اشير انه بالرغم من الواقع التربوي  وأزماته المتلاحقة  مازال في لبنان عددٌ من المؤسسات الخاصة  وبعض الثانوبات الرسمية  تسعى بجهد خاص  من مسؤوليها وأساتذنها  الى إستخدام أساليب وطرائق جديدة ومتطورة  في التعليم و الاستئناس بمناهج وتكنولوجيا الدول المتقدمة  وهذا ما سمح،  إضافة الى التعليم باللغات الثلات، للعديد من الطلاب اللبنانيين أن ينجحوا ويتفوقوا في دراستهم الجامعية في لبنان والخارج.

 

أن إصلاح التعليم لن يتم من خلال رؤيةٍ  جزئيةٍ وحلولٍ ترقيعيةٍ بل  هو ثمرة  حلول شاملة ومتكاملة،  لجميع حلقات النظام التربوي  ضمن استراتيجية تربوية واضحة المعالم.   

     هذه الاستراتيجية تحتاج الى  سُلطة سياسية  راقية  واعية  وراعية  وهكذا سُلطة  بحاجة الى طبقة سياسية  راقية  واعية  وراعية  ثم الى دعم من القطاعات الاقتصادية والاهلية  ومتابعة مستمرة من وزارة التربية واداراتها.

وهذا ليس بالمستحيل على بلد مثل لبنان لما يتمتع به من طاقات بشرية  وانفتاح على العالم. 

وفي الختام

 أهنيئ الزميلة  الاستاذة سناء البواب

          وأتمنى للحركة الثقافية- انطلياس دوام التألق                                                                           

               كما أشكر حضوركم  الكريم.