كلمة الأستاذ حنا أبي حبيب – امين الداخلية في الحركة الثقافية – انطلياس

بمناسبة إدارة ندوة كتاب: "سعيد عقل اليوم اليوم" للأستاذ جورج سكاف

بتاريخ الخميس 2016/3/10 في الحركة الثقافية – انطلياس

 

        أيها الحفل الكريم،

اهلاً بكم في رحاب دير مار الياس – انطلياس – مركز حركتها الثقافية، وفي المهرجان اللبناني للكتاب – الدورة الخامسة والثلاثون – نلتقي معاً، هذه الأمسية حول كتابٍ جديد لم يجفّ حبر كلماته بعد، عنيْت: "سعيد عقل: اليوم اليوم" للأستاذ صاحب المعالي جورج سكاف.

        وحين نقول سعيد عقل يمتلكنا العز والنبل والحب، فهذا العظيم العظيم الذي غادرنا منذ نيّفٍ وسنة، ما زال غيابه يزيد حضورَهُ، ويزيدنا فخراً وألقاً إذا ما زدناه وفاءً، يظللنا شعره بأفيائه الوارفة، ويعجز البيانُ عن الإحاطة به، وهو عنوانه وأميره، فلا عجبَ انْ كتب عنه الكثير، وسوف يكتب عنه الكثير، فلقد فرض نفسه شاعراً للعصر بلا منازع، وملك القلوب والعقول، حتى الطيّبون من الذين لم يدخلوا معهداً او جامعة أخذوا بسحر شخصيته الفذّة، فقال فيه أحدهم:

أستاذ سعيد العقل يا ميزان                       القب عالعاتق يشيل الكفتين

معصّب بتاج الشعر والاوزان                     يهدم قلع يبني قلع بكلمتين

تأملوا معي أيها السادة، الكلمات الخمس الأخيرة: يُهدم قلع يبني قلع بكلمتين، وما تحمله من معانٍ وتصوير وايجاز. هكذا صور ذلك الأديب القروي عظمة سعيد عقل:

                        هادم القلاع وبانيها بكلمتين

سعيد عقل، أيتها القلعة الدهرية، ما كان أسعدنا لو بنينا لبناننا من صلابة ايمانك به، واعلينا عمارته من شواهق افكارك ومواقفك، وما كتاب معالي الأستاذ جورج سكاف الا توكيد لتراث سعيد عقل المتكامل شعراً ونثراً، لقد شئت يا صاحب المعالي، ان تجمع في دفتي كتابك مقالات الأستاذ سعيد التي سطرها على صفحات جريدة "الجريدة" خلال العامين 1970 و 1975 وهي بالمئات لتحفظها مجموعةً غير متناثرة، تلك المقالات التي لم يترك فيها كبيرنا موضوعاً إلا وتناوله، ادبٌ وفكر وعلمٌ وفن وسياسة ودين واقتصاد وحكامٌ وارقامٌ وتربية وتاريخ وفلسفة الى آخر الحكاية، كتبها السعيد الذكر بجرأة قلَّ نظيرها، عنوانها الحق والحرية وعينها ابداً على لبنان، ذاك هو سعيد عقل الصحافي الذي تطلع الى الصحافة بل قل الى السياسة العالية الجبين لا العاهرة ص 347 والى الحرية المربوطة بالحق، "فليست الحرية – والكلام له – بأن تكون طليقَ القلمِ تكتب على هواك، وانما بأن تكون مربوط القلم بالحق فلا تكتب الا بوحي الحق (ص 325)

أجل، لقد استعدت في خاتمة الكتاب ذكرياتٍ غوالٍ كانت لك معه على مدى عقودٍ ستة كما ذكرت، فلا عجب، وانت ربيبه، والشيء من معدنه لا يُستغرب، فقد رافقته تلميذاً وصديقاً ورفيقاً كما أشرت، وها انت تردُّ له بعضاً من فضلٍ، وتلبسُ وفاءً ضاع لدى كثيرين إلا قلةً تحمل مجد زحلة ولبنان وجمالَ "كرمنا في عِلّين".

________________________________
 

كلمة ادمـــون رزق

     فــــي كـتـــاب

"سعيد عقل: اليومَ اليوم"

  للوزير جورج سكاف

 

كتاب الأزمنة الثلاثة

 

       الى أزمنةٍ ثلاثة يحملنا هذا الكتاب:

-       زمن سعيد عقل، "صاحبِ القرن العشرين"، ملأه أدباً وفكراً، شعراً ونثراً، ومَهَرَه إبداعاً، استشرف الحاديَ والعشرينَ قبل أن يُكمِلَ فيه مئويته والأربعَ السنينَ، متوسِّداً جِذْعَ أرزةٍ دهريّة !

-       زمن "الجريدة"، التي شكّل صدورُها اوائل خمسينات القرن الماضي، حَدَثاً اعلامياً ثقافياً، في مسار نهضةِ الصِحافة اللبنانية، كما فعلت رصيفتُها "الحديث"، أواسطَ الثلاثينات. أطلّت مع كوكبةِ مخضرمينَ ثقاةٍ، وشبابٍ موهوبين، تحلّقوا حول جورج نقّاش، رائدِ الصِحافة الفرنسية، ونصري المعلوف، ألمَعيِّ المحاماةِ، زينِ "النداء القومي"، يتـقدّمُهم صاحبُ "مختصر مفيد"، الآتي من "صوتِ الأحرار"، شاعرِ "اول الربيع"، المتدفّقِ عطاءً ودماثةَ خُلُقٍ، رشدي المعلوف؛ وكبارٌ من أصحابِ صُحُفٍ ورؤساءِ تحرير، أهلُ حِرفةٍ، أغْنَوا الأسرةَ الميمونة: حنا غصن، توفيق وهبه، جبران حايك، انطون نبتي... الى عِصاميين طَلاّعين، دانت لهم المحابرُ وهَفَتْ اليهم الخواطر، حسبُنا أن نذكر منهم: رفيق المعلوف، باسم الجسر، وسيم تقيّ الدين، وذلك الزحليَّ الآتي من "كرمِه في عِلّين": جورج سكاف مصحوباً بجميل ألوف، وقد تُــوِّجَ الاعلانُ عن تلك الكوكبة، مع تألّقِ صائغِ "المفكرة الريفية"، مدوّنِ "دفتر الغزل" ورافع "ذات العِماد"، أمين نخله، في أولى افتتاحياتها...

 

تلك الأيام، لا أعرف بين الأترابِ مَن لم يَتَمَنَّ، مِثلي، أن تظهرَ صورتُه ويَرِدَ اسمُه، بين اولئك الممَيَّزين، في إعلانٍ عن صدورِ "الجريدة"، ألقَتْه، لأوّلِ مرّةٍ، طائرةٌ محوِّمةٌ في سماءِ لبنان، فانهَمَرَ ضياءً، وزهَتْ به واجهاتُ المكتبات، ايذاناً بفجرٍ صِحافيٍّ جديد !

*                *               *

منذ بداياته، أطلَّ جورج سكاف، قلماً بحّاثاً، خبيراً بمعالجةِ الموضوعاتِ ومقاربةِ القضايا، ما أكسبَه صداقاتٍ وأحلَّه صَداراتٍ، متأهِّلاً لدورٍ قياديّ، استجمعَ مقوّماتِه أناةً واحتلّه جدارةً: فما أزِفَ موعدُ تأمينِ الاستمرار، حتى كان قد أصبحَ الوريثَ المختار، واذا بسميِّه، المؤسِّسِ الحريصِ على الوديعة، يصطفيهِ لتَسَلُّمِ أمانتِها. هكذا آلتِ "الجريدة" من جورج نقّاش ونصري المعلوف الى جورج سكاف، جامعِ الصِفات والخِصال !.. وقد ثَبُتَ أن العامِلَ الشخصيَّ، أي الثقةَ، والركونَ الى الكفاءةِ والاستقامة، هو الذي حسمَ خِيار جورج نقّاش، لضمانِ القيمةِ المعنوية، في عِهدةِ جورج سكاف. وسيثــبُتُ في ما بعد، ان هذا اللبنانيَّ المتجذِّرَ، الأصيلَ المتحدِّر، الملتزمَ مِهْنِيّاً وخُلُقياً، على انفتاحٍ، رحابةٍ ورصانة، فضَّلَ وقفَ صدورِ "الجريدة"، فتبقى روحاً موحياً، على أن تَصدُرَ شَقْعاتِ ورقٍ وحبرٍ، مأجورةً مرتَهَنةً، بلا قضيّةٍ أو رسالة !

 

بين يديهِ، حُفِظتِ "الجريدة"، ملتزمةً رسالةَ الإِعلام الراقي، النظيف، مستحقّةً الاحترام. لم تَبِعْ ولاءً ولم تُبايعْ استرضاءً. ظلّت منيعةَ الوِجدانِ، نظيفةَ الكفِّ، ناصعة الجبين، وقد شاقَنا أن استضافَتنا على صفحاتها، وفسحَتْ لنا صدرها، وكانت خيرَ ظَهيرةٍ في معتركنا.

لقد أنشأ جورج سكاف صداقاتٍ، جمعَ محبّين، قراءً ومُعجَبين، أسّس نَدوةَ بحثٍ ورأي، وكان أبرزَ البارزين على صفحات "الجريدة": استاذُه وصديقُه، جارُه ورفيقُه، الإِعجازيُّ الإلهامِ، البهيُّ قلماً والساحرُ أداءً: سعيد عقل !..

 

*                *               *

لكي نعرفَ مدى محبّةِ سعيد عقل لجورج سكاف، وثقتِه "بالجريدة"، يكفي أن نفتحَ هذا الكتاب: "اليومَ اليوم"... فبين دفّتَيه من مقالاتِه ما يفوقُ مجموعَ ما كتبَ في سائرِ الصُحفِ والمجلاّت، مع التوقُّفِ عند خصوصيّةٍ فريدةٍ في التعامل، تُشكِّلُ استئناءً لقاعدةٍ "مبدئية" وضعها، بالنسبة الى سائر وسائل الاعلام، التي رفدَها بشَذَراتِه، وهي أَنَّها الوحيدةُ التي قدّمها الشاعرُ "مجاناً"، حتى لَتُــشَكِّلَ إرثاً جامعاً منوَّعاً، يُمكِنُ اعتمادُه لتقويمِ نثرِه الصِحافي، أُسلوباً ومضموناً.

*                   *                  *

لقد تابعتُ مُعظمَ هذه المقالاتِ، عند نشرِها في "الجريدة"، حيثُ كان القراءُ ينتظرونها، لاطِّلاعٍ ومواكَبَةٍ، فسعيد عقل رؤيويٌ، متبصّر، عالِمٌ وفنّان، مدمنُ معرفةٍ وعاشقُ تبليغ، استاذُ سياسةٍ وكياسة، مراقبٌ مُدَقّق، ساطعُ النور، يُسَلِّطُه على الخَبايا، بارعُ الإِخراج، يستقي المعلومةَ من مظانِّها، وينشرُها أنيقةً مُترَفة، تحمِلُ دلالةً مزدوجة: على شَغَفِ المعرفةِ وهَوى التعريف. لأن المعرفةَ هي، وحدها، القيمةُ التي تتكاثرُ ما وُزِّعت، وتَضْؤلُ ما أُقفِلَ عليها.

قال الربُّ المتجسِّد: "الويلُ لكم أيها الكتبةُ والفريسيون، أمسكتُم مفاتيحَ المعرفة فما دخلتم ولا تركتم الناس يدخلون" !..

 

*                   *                  *

مدى عقودٍ طويلة، فتحَ سعيد عقل قلبَه محبةً، شرّعَ أبوابَه، عمّمَ فكرَه، أباحَ المحظور، أظهرَ المغمورَ، وهمُّه رِفعةُ المواطنِ الانسان، على رتبةِ لبنان.

... وكم شَرَّفَـني وأسعدَني أن قد حَظيتُ منه بلَفَتاتٍ وخَصَّني بإِشاداتٍ، كان لها بالغُ الأثرِ في نفسي، طوّقَتني مكارمُه وزادتني ثــقــتُـــهُ مسؤوليةً وائتماناً !

 

*                   *                  *

أخيراً، عزيزي جورج، يا نسيبَ الميرونِ المقدّس، أبا الفليونين الحبيبَين الغاليين، إدي ومَكرَم، مثلُك مَن يُعلي المعالي، يُعِزُّ الصداقاتِ. أيُّها المتواضعُ الخَلوقُ، الوفيُّ الأنوف، الصِحافيُّ الشريف، الوزيرُ العفيف والمحدِّثُ الرهيف... سَلِمَتْ يداك ما قدّمْت من إرثِ المعلّم !.. فلجامعةِ السيّدةِ، الرَحبةِ السخيّةِ، تحيّةٌ مُستَدامةٌ، وللحركةِ الثَـــقافيّةِ في انطلياس، مَجدُ الرِيادةِ والإِمامة !

 

الحركة الثقافية انطلياس،  ادمــــــون رزق

  الخميس، 2016/3/10  


________________________________

 

نحو السّلسلةِ السَّعقليّة

جورج مغامس 

         في ما جمعه جورج سكاف من كتابات سعيد عقل

          في «الجريدة» بعنوان «اليومَ اليومَ»

الحركة الثّقافيّة- أنطلياس، 2016/3/10

الصّحافةُ!

وهل كانتِ الصّحافةُ إلّا الرّسولةَ بشأوِها البعيدِ مِرآةً مَنارةً ومَرقاة؟!

وهل إلّا كشّافةُ التّفكيرِ والتّعبيرِ، أهلُ الحدْسِ البصيرِ، مَن أجّجَ نارَها وعمّمَ أنوارَها وأشاعَ في البريّةِ من نُسغِها روحا؟

ومَن كالصُّفوةِ من الأدباءِ الشّعراءِ العلماءِ قادةِ الرّأيِ، شقَّ لها الدّروبَ إلى النّاسِ، جَمهرَهم حول مجاريها وفي السّاحاتِ، أعلى لهم على القمّاتِ مِثالاتٍ وأعلاما؟

الصّحافةُ هذه،

هذا الوليدُ العجيبُ الّذي قَطبَ القُطبَ بالقُطبِ، وكتبَ في تاريخِ الأرضِ تاريخًا جديدًا.. تَعجّلَ التّاريخَ،

هذه الصّحافةُ هي الّتي بَذرَت قمحَ الأزمنةِ الحديثةِ، وصارت ملحَ مجتمعاتِها والأوطانِ. وإنّ العارفَ يعرِفُ أنّ باعثي النّهضاتِ، في مغاربِها والمشارقِ، كانوا النُّجُمَ الزُّهرَ في فضاءاتِها!

ومِن نافلِ الذِّكرِ تذكّرُنا والتّذكيرُ، عفوًا وتمثيلاً، بالقيادمةِ منّا: بالشّدياقِ واليازجيَّينِ، بالبساتنةِ، بمَن أَمّوا مصرَ وأمّوا في نواديها، بالمهجريّين اللآلي، بمَن تابعوا المسيرةَ في المجلّةِ الفينيقيّةِ ورايةٍ ومعرِضٍ وبيرقٍ ومكشوفٍ فلسانِ حالٍ وأنوارٍ ونهار...، بالسِّوى البارعينَ شادوا على حجارةِ الزّوايا أبراجَهم وفي الصّداراتِ الميادينَ.. بسَطوا على المنابرِ والمحابرِ صَدحَهم والجَناحَ!!

***

أمّا جورج سكاف أَلعِلِّيُّ،

ألعِلِّيُّ الجاءَ من «كَرْمِه في عَلِّين» نَشَقَ الشّمسَ والنّهرَ الّذي بالسّيفِ بالضّيفِ بحبرِ الملهَمينَ عَبقَ، وتحت إبطِه «حقائقُ لبنانيّةٌ» «نحو لبنانَ أفضلَ» «لبنانِنا الجديدِ»،

فيدُه اليدُ.. على المحراثِ أقامت أمانتَها، وجَدّتْ مناقبَ ومناكبَ، حتّى صارتِ «الجريدةَ»، يتبارى فرسانُ الكلامِ، في شعابِها، بجرائدِ الضّوءِ والذّهبِ..

وكان...

***

وكانَ أَنْ كانَ «السّعيدُ»، في مَزاياهُ في عَطاياهُ رَكْمَ جمالٍ على الجُلَلِ، واحدَهم الأَجلى: شَجِرًا شَجِعًا فَرّاسًا، يَزِنُ بمثاقيلِ القرائنِ والأرقامِ يَجتهدُ يَترأّى للمعالي للغوالي يَبذلُ الرّؤى رأيًا وموقفًا.. لا يُعلي على الخُلُقِ خَلّةً، على الحقِّ صَبوةً، على الحقيقةِ وُجهةً، على الحبِّ رُتبةً، على الجمالِ خَدينًا، على الوطنِ بديلاً، على الإنسانِ قيمةً، على الخالقِ مخلوقًا..

يصيرُ المعلّمَ!

وإنّه اليومَ اليومَ يموتُ فوق موتِه موتًا..

يموتُ من طارئين طُرآنيِّين طَرّاقينَ بألسنةٍ عُوجٍ ونفوسٍ هُوجٍ، هذا يَقيقُ وذاك يَقيءُ؛ وكلُّهم، بأَفْكِهم بقَذْعِهم بلَغْوِهم، مدى الشّاشاتِ والورقِ، بلا حَدٍّ بلا عدٍّ قَتلاهُمُ والشُّرّدُ!

***

يموتُ بلى.

ونحن الّذين على دِينِه نموتُ..

ففي ساستِنا سُوسٌ وآكلةٌ، وكثيرُهم نصفانِ مَسعورٌ ومأجورٌ

وما نَسمعُ ونقرأُ مَفسودٌ بطُغمةِ المالِ الأسودِ، بطُغمةِ الغرفِ السّودِ، تُنزِلُ بساحتِه الضّعيفَ اليُقاوي والقصيرَ اليُطاولُ

فالحرّيّةُ إذًا في خطرٍ، وفي البأساءِ كراماتٌ وحقوقٌ، وحدودُ السّيادةِ بَصرةُ نومٍ في الليلِ وخَطرةُ بالٍ في النّهارِ،..

وكلٌّ يقولُ ما لُقِّنَه كما تقولُ البَبّغا!!

بل نحن الّذين شَرُفنا على العالَمِينَ بعربيّةٍ تَضمّختْ بشهقةِ الجبالِ، بالنّورِ على الرّبى، بعَندلةِ الأجراسِ بضَوعِ البَخورِ، بالماءِ يجري بحُضنِ النّهرِ في وادٍ وفي السَّهلِ.. يجري بالشّراعِ السّاجي احتفَّ بدارةِ الشّمسِ بهالةِ القمرِ..

نحن أُولاءِ الّذين اغتسلتِ العربيّةُ بزُوفانا فطَهُرتْ وابيضّتْ أكثرَ من الثّلجِ،

تُرى تُرانا

ما الّذي دهانا فكِدنا نتنكّرُ لتراثِنا فيها، نُنكِرُ عليها أفئدةً منّا وتيجانا؟!

أَبَعْدُ هل في مَنصّاتِ الكلمةِ قاماتٌ كالّتي اختطّتِ السّبلَ مناهجَ مباهجَ مَزاهرَ شُهبا؟

أَبَعْدُ هل فيها الحصيفُ الحصينُ الّذي يُقيمُ ويُقعِدُ، والآخرُ الّذي يُجيدُ ويُبهِرُ، وسادنٌ على اللغةِ يَسهرُ يحولُ دونَ غِيلةِ المغتالِ؟

وأين الّذي يَقينا من حِطّةٍ فاشيةٍ، تعنكبُ فيها هُجنةٌ عُجمةٌ دسيسةٌ وشحناءٌ.. ملائكةٌ سُودٌ كليلِنا الطّويلِ الأسودِ؟!

ألا لقد ذهبتِ السّطوحُ بالأعماقِ، وذهبَ بالعالِمِ مَيِّلٌ واطأهُ غِرٌّ كافلَه السّفيهُ حالفَهُ الجَهولُ!

إنّ النّبوّةَ هجرتنا، فلا نُبلٌ في سلوكِنا لا أريحيّةٌ بأيدينا.. وعاثت برسالتِنا أنانيّاتٌ عصبيّاتٌ وحشيّةٌ جارفة.. صرنا العُراةَ ودونَنا كلُّ أثوابِ الحبِّ الرّحيمِ..

فيا ويلَ أمّةٍ أُسقِطَ في يدِها، تاهت، باتتِ الكوكبَ الضَّلولَ!!

***

جورج سكاف،

أيّها الأديبُ الصّحافيُّ الوزيرُ نديمَ النُّجُمِ والقُطُبِ، وفي كلِّ حالٍ عنوانَ البشاشةِ والدّماثةِ والوداعةِ والشّجاعةِ والكرامةِ وعفّةِ القلمِ واليدِ،

لقد أتحفتنا، ليس بصبرِك ووفائك في ما جمعتَ لسعيد عقل من كتاباتٍ في «الجريدة»، بل وأيضًا بما قدّمتَ لها، ثمّ أتبعتَها من ذكرياتٍ معه، تلميذًا وعشيرًا، في نحوِ أربعينَ صفحةً رحبةً قشيبةَ الثّوبِ عميمةَ الدّلالاتِ.

أمّا الكتاباتُ، ما خلا ما وافقَ أوانَها من إسمٍ ومن ظَرفٍ، فإنّها كأنّها من يومِنا هذا ليومِنا هذا..

أو قلْ هي نَبوءاتٌ..

وقلْ إداناتٌ لمن حَكموا وسَادوا ومَن أَسلسوا القيادَ

وزدْ مناراتٌ لمريدي التّقدّمِ والتّرقّي وسُكنى الضّياءِ...

في هذه الكتاباتِ الّتي فضلُ جامعِها كفضلِ كاتبِها- وللنّاشرِ الفضلانِ،

يتبدّى لنا سعيد عقل صِحافيًّا حقًّا، عَرضًا وجوهرًا، يُعطي ما للصِّحافةِ للصِّحافةِ: يتسقّطُ الخبرَ والحدثَ، يُسقِطُ عليهما من لَدُنْهِ بواكيرَ الرّأيِ الخميرِ حيثيّةً خلفيّةً وبُعدا، يُحدِثُ التّسآلَ والجدلَ، يتشكّلُ العلامةَ الفارقة.. مزارًا يُزارُ!

وإذ هو ينوّهُ يُكبِرُ يهنّئُ يقوّي يشجّعُ.. يدقّقُ يكشِفُ يكاشفُ يصوّبُ.. يَقرَفُ يَغضَبُ يبكّتُ يَفضحُ..،

هو لا يسِفُّ ولا يتبذّلُ، لا يتملّقُ، لا يُخفِضُ صوتًا طَرْفًا أو عنقا، يسلسلُ فيضَ روحِه حبرًا ماتعا..

يظلُّ كما الأعمدةُ، قدموسيَّ النّزعةِ والنّزالِ، يؤهِّبُ في موانئنا رسالاتٍ نحو شرقٍ وغرب!

إنّها كتاباتٌ إضافاتٌ إلى المنشورِ في الكتبِ..

ويا مَن يرودُ المـَجانيَ الأُخَرَ، يوالي المسيرةَ، فتبصرَ الأجيالُ برجَ التّراثِ العظيمِ..

يُحقَّقُ ويُدرَسُ..

تَتظهّرُ، إلى سلسلتَينا الشّرقيّةِ والغربيّةِ، ثالثةٌ ذهبيّةٌ: هي السّلسلةُ السَّعَقليّة!!

***

لبنانُنا،

هل كانَ ليكونَ هذا الّذي هو اليومَ،

لو كانَ أَنْ كانَ ما شاءَ له كبارُنا أن يكونَ؟!