تحية المهرجان اللبناني للكتاب (دورة المطران غريغوار حدّاد)

في الحركة الثقافية – انطلياس

للأستاذ جورج طرابيشي

2016/3/20

          مع رحيل الأستاذ جورج طرابيشي يخسر الفكر العربي المعاصر واحداً من كبار رموزه. الّف هذا المثقف الاستثنائي في الفلسفة، والنقد الأدبي، والبحث المعرفي في التراث العربي الإسلامي، وغيرها من الموضوعات. تنقل بين الالتزام بالقومية العربية والماركسية ثم الى التحليل النفسي الفرويدي والتعمق في تفاصيل التراث العربي – الإسلامي. تبحّر في مواضيع العلمانية والإسلام السياسي والنهضة العربية والحداثة والعقلانية واخطار الرّدة. مارس التدريس، والعمل الإذاعي ورئاسة تحرير (دراسات عربية) ثم (الوحدة) وبعدها تفرغ في باريس للكتابة والترجمة (ترجم أكثر من مئة كتاب). هدفه المركزي كان باستمرار البحث عن مكونات الثقافة العربية المعاصرة والعوامل التي يمكن ان تساهم في تحوّلها نحو الحداثة. انتقل من موطنه بالولادة (سوريا) الى موطنه بالإرادة (لبنان) – كما كان يقول – وقد احبه وما زادته آلامه الا حباً به بعد ان اقام فيه اثني عشر عاماً. ومنه هاجر الى باريس– وقد اتعبته حربه المركبة– عام 1984. في عاصمة الثقافة العالمية ساهم مع الراحلين محمد اركون ونصر حامد أبو زيد في انشاء المؤسسة العربية للتحديث الفكري، وشغل منصب الأمين العام لرابطة العقلانيين العرب.

          لقد كان طرابيشي واحداً من كبار رواد العقلانية والعلمانية في الفكر العربي المعاصر، وكان صلباً وشجاعاً في الدفاع عن القيم الكبرى التي كانت في أساس تقدم الإنسانية.

          توقف عن الكتابة منذ بدء الزلزال الكبير الذي بدأ في العالم العربي والذي وصل الى سوريا. وقد هاله ما أصاب سوريا– شعبا وراضاً وعمراناً وتراثاً ومؤسسات من خراب ودمار – لكنه لم يتراجع عن قناعاته الفكرية وايمانه الصلب بالعلمانية كسبيل لنهضة شعوبنا العربية.

          وباسم فعاليات المهرجان اللبناني للكتاب – دورة المطران غريغوار حدّاد، وباسم الحركة الثقافية – انطلياس التي كان لها شرف تكريمه في الدورة 30 (6 آذار 2011) كعلم للثقافة في لبنان والعالم العربي، نتقدم من اهل الفقيد ومن محبيه بأعمق مشاعر التعزية، ونحن على يقين من ان الفكر العلماني الديمقراطي الذي كان جورج طرابيشي من كبار رواده سينتصر على قوى التخلف والتعصب والجهل، وان الجهد الثقافي والارث الذي تركه سيكون منارة تهتدي بها الأجيال العربية الطالعة.

                                                                   امانة الاعلام في الحركة الثقافية - انطلياس