تكريم الفنّان الأستاذ رفعت طربيه

شهادات  : أ. طلال حيدر- الفنان مرسيل خليفة- أ. شوقي شمعون- أ. ميشال معيكي.

إدارة     د.عصام خليفة.

مداخلة الدكتور عصام خليفة في يوم تكريم المسرحي رفعت طربيه

في الحركة الثقافية أنطلياس

01-03-2024

أيها الحفل الكريم،

باسم الحركة الثقاّفية – أنطلياس نعتبر يوم تكريم الصديق المسرحي رفعت طربيه هو تكريماً لفن المسرح – بالمعنى الواسع للكلمة – فالمسرح هو شكل من اشكال التعبير عن المشاعر والأفكار والأحاسيس البشريّة، ووسيلته في ذلك "فن"  الكلام "وفن الحركة" مع الإستعانة ببعض المؤثرات الأخرى المساعدة. لقد كُتب الكثير عن هذا الفن في كل اللغات ولكن ليس هناك تعريف واحد متفق عليه من الجميع حوله. وهذا التنوع دليل على غنى وثراء ظاهرة المسرح،  وعلى تعقد هذه الظاهرة وتعدّد جوانبها في الوقت ذاته.

إن الفن المسرحي هو الفن الذي تلتقي عنده جميع الفنون أو أنه الفن الذي تستضيء فيه الحياة الإنسانيّة بالنور الروحي. وإذا كان للنص الأدبي الكثير من الأهميّة في بعض الاحيان، فإن التأثير القوي الفعّال على جمهور النظارة يأتي من التمثيل ومن الأداء الذي يقوم به الممثل، وهذا الممثل يجسّد كل ما في الإنسانيّة من قوّة وسمو وضعف وتخاذل.(1)

عَلمُنا الثقافي المكرّم اليوم رفعت طربيه هو الإبن ما قبل الأخير من 14 شقيق و3 شقيقات للشيخ أسعد كنعان طربيه. أوّل معرفتي المباشرة بأبناء الشيخ أسعد كانت مع الشيخ الأستاذعبّاس الذي علمني اللغة الفرنسية في السنة الأولى  في قسم التاريخ – كليّة التربية (الجامعة اللبنانيّة).

ثم كان التعاون والعمل الرفاقي في إطار حركة الوعي مع الصديق بشارة، أوائل السبعينات في كليّة الحقوق في نفس الجامعة. وهو الشقيق  الأصغر لرفعت . ولا أزال أذكر دبلوماسيته العالية وقدرته وصبره على التفاوض مع القوى الطلابية الأخرى.

مع انطلاق الحركة الثقافيّة – انطلياس، بعد العام 1978، تعرّفت على الصديق المكرّم رفعت. وكان من بين الاعضاء المؤسسين لهذه الحركة. وكانت اولى انطلاقة مواهبه، في هذه الأثناء، بطولته لمسرحية شربل مع ريمون جبارة. وقد كان التحضير والتدريب، على هذه المسرحية، في دير مار الياس على ما أذكر. وقد برع رفعت في ذاك الدور وفرض حضوره المتفوّق على الخشبة.

ومنذ ذلك التاريخ أكنّ لهذا المسرحي المميزّ الإحترام العميق والتقدير الشامل. واعتبره – مع المسرحي المرحوم أنطوان كرباج – من أهم الممثلين اللبناييّن الذين فرضوا احترامهم ومحبتهم على كل مستمع ومشاهد.

أكثر أعماله المسرحيّة تندرج تحت عنوان المسرح الإختباري وهذه الاعمال كانت من توقيع منير أبو دبس، ريمون جبارة، لطيفة وأنطوان ملتقى، برج فازليان، جيرار أفيديسيان، جواد الأسدي. وثمّة ثلاثة أعمال موقّعة من إخراجه الشخصي.

وفي المسرح السياسي تعاون مع جلال خوري.

وفي المسرح الغنائي مثّل في مسرح منصور الرحباني وتعاون مع زياد الرحباني.

وفي المسرح الراقص مثّل مع عبد الحليم كركلّا.

ومع لينا أبيض ولينا خوري وريمون جبارة ومنير أبو دبس تعاون مكَّرمُنا في ما يسمّى المسرح الشعري.

وفي مسرح الأطفال مثّل رفعت مع شكيب خوري، جيرار افيديسيان، ريمون جبارة، وله عشرات الامسيات الشعرية، غالبيتها كانت لشعراء مجلة شعر وبعض النصوص المترجمة.

بينهم أنسي الحاج خالدة سعيد، أدونيس، يوسف الخال.

 بالنسبة للمؤلفين أو الذين اقتبسوا مسرحيّات كان بطلها مكرّمنا، يمكن أن نذكر ريمون جبارة، ادوار أمين البستاني، يعقوب الشدراوي، عصام محفوظ، عصام أبو خالد، رفيق علي أحمد، كميل سلامة، أنطوان غندور، فؤاد يمين. وننوّه بدور أمين زيدان في الترجمة، وكذلك أنطوان كرباج اللامع والمتفوق على صعيدي الترجمة والتمثيل. وثمّة كتاب بالفرنسيّة بينهم جورج شحادة وجدي معوّض وألكسندر نجّار.

أيها الحفل الكريم،

في معاركي النقابيّة والوطنيّة والثقافيّة كنت أتلقّى الإتصالات الهاتفيّة من الصديق رفعت. كان يشجّعني ويمحضني ثقته. ولا أخفي عليكم أن ذلك الامر كان يقوّي عزيمتي ويعزّر ثقتي بصوابيّة موقفي في تلك المعارك.

فتحيّة إكبار لك أيها الصديق رفعت على كل ما فعلت من أجل نهضة المسرح، رغم أنّك أسرّيت إلي أن راتبك المالي الزهيد تأخذه من شقيقك المحامي بشارة، في ظل غياب الدولة والمسؤولين فيها عن شؤون الثقافة ونسيانهم تعزيز الفنانين والأدباء  والعلماء عموماً ودعمهم مادياً ومعنوياً، وبخاصة تأمين الضمان الصحّي لهم على الأقل. وبعكس هذا الهدف النبيل ثمّة إمعان في سرقة المدّخرات المتواضعة برعاية مافيات المصارف والبنك المركزي وأهل السياسة المعروفين بفسادهم العميم والإمعان في فرض الضرائب على الفقراء وتسيّب الحدود وانهيار الإدارة العامة.

 

أيها الحفل الكريم،

تتشرّف حركتنا الثقافيّة، في هذا المهرجان اللبناني للكتاب، بوجود كوكبة من الكبار معنا على المنصّة، الذين هم أيضاً أعلام ثقافة منهم من كرّمتهم الحركة كالفنان المبدع مارسيل خليفة (الرعيل 22 العام 2007) . ومنهم من هو على لائحة التكريم في المستقبل القريب كالرسام اللامع شوقي شمعون ، والشاعر طلال إبن الدوحة الحيدريّة.

والآن أعطي الكلام للصديق ميشال معيكي، رائد الإعلام الثقافي، ليقوم بمهمّة متابعة حفلة التكريم . وهذا الإجراء لم يحصل قبل الآن مع أي من الذين كرّمتهم حركتنا، وهذا يؤكّد على أن رفعت، شيخ التمثيل، يمون علينا كثيراً. 

________________________________________

كلمة الفنان مرسيل خليفة في تكريم الفنان رفعت طربيه

مساء الخير

سألت " رفعت طربيه " كيف بدأت تتعاطى المسرح ؟

لم يقل بأنه رضعه مع الحليب ، وحلم به وهو في بطن أمه 

قال : إنّ نفسه مليئةً بالحالات الجميلة ، ولإحساس حاد إلى حدّ البرق وبتوتّر روحيّ لا يعرف أين كان يلقي متنفّسّه قبل أن يعثر عليه في المسرح .

مسرحيّ ، كل مظاهر حياته اليوميّة تتوقّف عند عتبة المسرح فلا يتبقّى الخشبة منه إلاّ العريّ .

مسرحيّ طالع من النعاس بحيويّة الحلم السارح في النوم .

مسرحيّ يشّف ، يضيء ، يلّح كالهاجس .

لقد وجد" رفعت في المسرح خلاصاً له ، وأقام حواراً بينه وبين الوجدان العام .

هل من مكان اليوم بعد لرفعت طربيه ؟!

وماذا يهمّنا من المسرح ؟

هل من مكان اليوم بعد لرفعت طربيه يقول  " الأنا " ؟

أقول نعم . كل المكان ل " أناك " يا صديقي ، وفي هذا الزمن الاجرامي السافل . تكبر بتمثيلك وبعمرك  وتدخلنا الى جحيم خطاياك الفاتنة ، مكابراً مغويّاً  كالعاشقين .

يكبُرُ رفعت طربيه ويعجز العمر عن احداث وهن في مسرحيته ولا في عواطفه وشهداته . وذلك يدفعنا الى التأمل في علاقة المسرحيّ بالزمن .

رفعت طربيه هشّ ، تخنقه الوحشة ويجرحه الحنين مبحوحاً من الحزن  فاحش وبرّي .

رفعت طربيه يطلب المستحيل ، يسكنه ، يعذبه ويهوّل عليه وغالباً ما يفترسه ، ولكن لا يقدر رفعت أن ينفصل عن طلب المستحيل .

إنه قدره بفرح الوجود وبتغيير العالم والحياة نحو السعادة والجمال والنشوة ، وتوليد الضوء في هذا العالم المظلم والذي مهما أُضيء ، يظل مطفأً ، ومهما تقدم يظل مخنوقاً من دون المسرح .

المسرح هو تلك المرأة الشهيّة الدافئة ، الواقفة هناك خارج حدود الخيبة ، تنتظر أن تنام في سرير واحد مع الكون بأسره . لم يصل اليها بعد ، لأنها دائماً تبدو كالسراب . ولكن سيصل ، لأن السراب سيتوقّف في مكانه ، وقد أعياه الهرب وسيتفجّر المسرح كالشهادة ، كالماء والنار .

رفعت يحيا في فناء متواصل ، يحيا في حياة مكانها مكان آخر ، في الغوص في اعماق الظلمة حتى القاع لأن النور لا يخرج إلاّ في الظلمة .

رفعت ، يكفيك ان تكتب كتابك عن الحياة والمسرح حتى تنقذ لحظة إنسانيّة حارة من الضياع في زحمة اليوميّ . لحظة مختلسة في ملكوت الحياة .

ما كتابك إلاّ انت وقد أفلتت أناك من عقالك .

ما كتابك الاّ جمرة المعاني المتقدّة تحت رماد الخشبة ، لهفة عاشق عابر للاّ محدود وما لا يفيض عن الحدود .

رفعت طربيه دفع الكلفة من حياته كي يظفر بما يبتغي ، وكان يبدأ كل يوم من حيث انتهى في الأمس لكي لا ينتهي . تلك سبيله الى المسرح والى عصفة الريح التي يشتهي .

رفعت ، ناظر الوجود في وجوده كما يناظر الفراغ الامتلاء في التحيّز والمكانيّة . أدواره كالحياة والبياض الأبديّ . أمكنة ، وازمنة ، وكينونتنا : لا شيء يتحدّد تماماً هي كالنقص يحدّد نقيضه ويعلن قيامه ويدلّ عليه تلك جدليّة الأشياء ، وشغف أثير لا ينتهي .

المسرح شرف المعرفة كما يعرفّه رفعت ، ويزيد بأنه مهنة الخارجين عن النظام ، مطيّة الوجدان الى الاعلى . لا يقين يصنعه المسرح سوى يقينه ، لا باب يفتحه المسرح سوى اللا نهائي .

المسرح حرفة رفعت المتسوّل على أبواب الحقيقة .

هكذا كان متصوفاً وزوبعة جنون مفتون في قبلة  او نَصْ ، شظيّة تحرق او تدوّي ، وممثل يحمله البرق الى خاطرة شريدة .

رفعت أرهقه المسرح ولا يرضى ان يستريح منحه القبلة والمحنة .

والمسرح حب لا بدّ منه ولا بدّ من ان تَحميَ  عاداتك في الليل كلما هبّت رياح الصبابة وأوقدت في الفراغ ملح الجنون .

ولا بدّ ممّا ليس منه بدّ  : من الرغبة والحسرة والشهوة ،والقسوة والثورة والنداء والهباء والكلام والصمت  والتذكّر والنسيان والبداوة والحضارة والصريخ والصهيل والحب والبغض والغيرة والحيرة . ولا بدّ من الزراعة في اعالي جرود تنورين كي تضع الارض أحمالها .

لا بدّ من المسرح كي تضع الارض اوزارها . ولا بدّ من شجاعتك يا صديقي كي يخرج من جوف خوفنا الاعتراف . في كل مسرحيّة مغامرة ويغرق رفعت في جوعه الأبديّ حتى

الاختناق . يجنّ جنونه  ببساطة الاولاد والانبياء .

أيها الصديق الجميل لا تستسلم . لا تترهّل . بالمسرح الرجاء . لا احتمال للحياة خارج المسرح ، ولا جمال للحياة خارج الخُرافة . ولا حياة خارج هذا الشيء القليل او الكثير او التام من الجنون الذي هو المسرح .

أحيّيك يا رفعت الجميل لأنك بقيت في جهة المسرح .

 

شكراً لك مع كثير من الحب

____________________________________

كلمة الأستاذ شوقي شمعون في تكريم الفنان رفعت طربيه

                                          رفعت: هذا الجبين المضيء

هل يصلك كما يصلني

هذا الجبين المضيء 

المتشبع بالنور

المشّع بالحب والذكاء 

الناضح بغنى العفوية

المتوهج بالجدية

هذا الصادق ببراءة الموهبة

بعمق تجربته المسرحية

وابعادها الإنسانية

بوضوح فكره 

وبشغفه المطلق بفنه

هذا الخفيف الظل والروح

 

 وهل تصلكم كما تصلني

هذه القامة الممشوقة

الاتية دوماً من المسرح

والمسرح آتٍ معها

 

وهذا الصوت العاشق للكلمة

هذا السحر الحقيقي 

والواقعي

الشاعري 

والخيالي

هذا الصوت هذا الكل

الأصالة فيه تحاكيك

يضحكك يسليك

يعلمك ويبكيك

 

يعرف رفعت صوته جيداً

 بعمقه وشفافيته

وكل تدرجاته

 وكلنا يعرف صوته

موسيقى من نوع اخر

طبقاتٌ مصنوعةٌ له

يلعبُها بسحرٍ

 

ساحرٌ هذا الطفل الكبير

يطل عليك في مجالسه.

ومن على خشبة مسرحه 

يلاعبك

يرضيك 

يفرحك 

وينتصر عليك

 

الزمن الجميل زمنه

هو مرصود على النجاح في كل زمن

نجاحاته تسبقه اليك.

 

ما هم كم ابعدتنا ازمنة الحرب

وأيام ما بعد بعد الحرب

 وكم شحت اللقآت 

 

انا غني بما شاهدته فيه 

وعرفته عنه

هو حالة 

متحوّل

هومبدعٌ

متألق

جريءٌ

مقنعٌ

وأنيق 

جدّاً انيق

 

هذا الرفعت

يلتزم القمم 

تنتظره

ودائماً ورغم المحن

ينهض هذا المصطفى

يحلم ويُهدي 

 وصعودا صعوداً، صعوداً يسير            

 

 

 

                                                                               شوقي شمعون