تكريم الدكتور خطّار بو دياب

الحركة الثقافيَّة - انطلياس/ المهرجان اللبناني للكتاب/السنة الواحدة والأربعون 2024.

كلمة الدكتور ناصيف قزّي في تكريم الدكتور خطّار أبو دياب

وإعلانه علماً من أعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي.

الأحد في 3 آذار/ مارس 2024

*

الحركة الثقافيّة - انطلياس... أيضاً وأيضاً

تموج في ذهْنيَ الأفكار وتتلاطم… بَعْضُها يَسْقط في الحال، وبَعْضُها الآخر يبحث عن حجّةٍ تَقيْهِ شرّ السقوط…

هي "حروب الآلهة" تؤرقني… وسْطَ "صمت الأنبياء"...!؟

الثوابت لم تَعُد على حالها، وقد تاهَت كلّ القناعات

العالم يهوي والبشر في حال هذيان...

الكائنات تلازم جحورَها والسماء مثقوبةٌ حتى انقطاع الأنفاس...

ترى، هل سيكون بإمكان مريم، بعد اليوم، أن تَنْجُوَ بالطفل الإلهيّ عبر جَحيمِ غزّةَ...فتَسْلَمُ البِشارَةُ ويَخْلُصُ البشر...!؟

باختصار، ثمة من يسير بالمكان والزمان في انحدارٍ مريب… فيُزَعْزِعُ عند الناس الثوابتَ والقناعات، يلوّثُ العقولَ، يَقْلِب المعايير ويفكّكُ المجتمعات...

*

أيها الأصدقاء،

أرحّب بكم في هذا الصرح الأنطوني العريق، دير مار الياس - انطلياس، وفي رحاب الحركةِ الثقافيّة... الحركةُ/ النهضة التي انْطَلَقَتْ قبل نيّف وأربعة عقود، في ذاك الزمن المبعوج، يوم كان لبنان في اللهب؛

انْطَلَقَتْ برهطٍ من المنذورين للدفاع عن الإرث والمكان وحرية الإنسان، وفي يدهم سراج المعرفة؛ أنطلقت مستلهمةً تلك العاميّة المباركة، عاميّة 1840... لتكشف بها معالمَ الطريق نحو بناء وطنٍ موحّدٍ ومستقرٍّ، ودولةٍ قادرةٍ وعادلة، وإنسانٍ سليمٍ ومعافى...

وقد غَدَتْ هذه الحركة، ولا سيما في أزمنة الإنكسار والدمار والإنهيار، حارسةَ الثقافةِ الوطنيّةِ البنّاءة والقيمِ الإنسانيّة العامّة ومبادئ الديمقراطيّة، لجهة المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات... وبوصلةَ ترويجها... وما تزال.

*

أيها الأصدقاء،

قد لا أُخْفي عنكم، أنّه، وقبيل انعقاد "مؤتمر بيت الدين عام 1988... المؤتمر الذي دعا إليه معالي الأستاذ وليد جنبلاط لإطلاق عودة المهجرّين المسيحيّين إلى الجبل، ساهمنا في تأسيس" اتحاد مهجرّي الجبل" مع نخبةٍ من أبناء هذا الجبل "المبعدين"، آنذاك، والذين كان في مقدّمهم المغفور لهما: الأستاذ خليل خيرالله والمحامي أمين الخوري وآخرين... لم نذهب بعيداً في تحرّكنا، بل اتّخذنا لنا، هنا، من "قاعة العاميّة" في الدير العتيق مقراً لنا... وما أدراكم ما كانت تشكّل تلك العاميّة في وجداننا من دلالاتٍ وتوجّهات...

اسْتَذْكَرنا معاً، يومذاك، وفي عزّ محنتنا، زمنَ بناءِ الأديارِ والكنائسِ في الجبل... زمنَ انتقالِ مقرّ البطريركيّة المارونيّة إلى مجد المعوش في القرن السابع عشر، مع البطريرك يوحنا مخلوف [1608 - 1633] الذي خَلَفَه سلسلة من البطاركة، كان من بينهم بطريرك مكرّم اليوم على طريق القداسة، هو اسطفان الدويهي [1670 - 1704] صاحب كتاب "تاريخ الأزمنة"...

استذكرنا كلّ المحطات المضيئة التي أسّست لتشكّل لبنان الحديث والمعاصر.

أدركنا مدى تطور العلاقات الإيجابيّة بين أبناء الجبل عبر التاريخ، على اختلاف مذاهبهم... إلى حدٍّ دَفَعَ بروما، ذات يوم، للطلب من أحد أبرز زعماء الجبل في القرن الثامن عشر "التوسّط بين الموارنة لحلّ خلافاتهم"...!؟

وكم أفَدْنا من لقاءاتٍ وندواتٍ أقمناها على منبر الحركة، تصبّ جميعها في إعادة ربط أواصر الصداقة بين أبناء الجبل... هذا الجبل الذي كان لي شخصياً، مع صديقي الدكتور ناصر زيدان، وبتوجيه من قادة نُجباء؛ كان لي شخصياً شرفُ المساهمة في تضميد آخر الجراح فيه...!؟

هذا، أيها الكرام، غيضٌ من فيضِ ما يمكن أن نقوله، نحن الذين قرأنا التاريخ جيداً وحفظنا الود "أباً عن جد"... و"مشاركة الشلش"...!؟

الحمد لله أن الجبل بات بخير... ودعاؤنا أن يبقى بخير...!؟

*

وبعد،

أيها الأصدقاء،

اليوم هو يوم الدكتور خطّار أبو دياب في انطلياس...

من هو خطّار أبو دياب الذي تزفّه الحركة الثقافيَّة - انطلياس علماً من أعلام الثقافة في لبنان...!؟

خطار أبو دياب هو إبن هذا الجبل، ولد في قرية الجاهليّة، قضاء الشوف، عام 1956.

تلقى دروسه الإبتدائيّة والتكميليّة في مدرسة القرية، ثم في مدرستي كفرحيم ودير القمر الرسميّتين.

أنهى دراسته الثانويّة في ثانويّة الشيّاح الرسميَّة عام 1974.

التحق بعدها بكليّة العلوم في الجامعة اللبنانيّة، ثم في كليّة الحقوق والعلوم السياسيَّة حيث نال إجازة في العلوم السياسيّة والإداريَّة بدرجة ممتاز عام 1982... ليحصل على منحة تخصّص من الحكومة الفرنسيّة.

تابع دراساته العليا في جامعة باريس الثانية حيث حصل عام 1984 على ديبلوم دراسات معمّقة على رسالته بعنوان: "دور القوّة المتعدّدة الجنسيّات في لبنان"...   

نال شهادة الدكتوراه في العلوم السياسيّة على أطروحته:"السياسات العربيَّة حيال لبنان" عام 1987.

حائز على الجنسيّة الفرنسيّة منذ العام 1991.

متزوج من السيّدة أسامة أسد المهتار... وله ولدان رامي وكارول.

*

درّس خطّار أبو دياب العلاقات السياسيّة والدوليّة في المعهد العالي للصحافة في باريس... كما في جامعات أخرى من بينها جامعة الحكمة في بيروت.

هو مستشار ومحلّل سياسي في راديو مونتي كارلو الدوليّة... كما في France 24و ...RFI...

له مداخلات إعلاميّة منتظمة ومقالات في مجلات محكّمة...

كاتب سياسي في مجلّة المجلّة/ لندن.

له مساهمات كتابيّة عدّة لدى منشورات Bayardتحت أشراف Les Cahiers de l’Orient، حول "الشرق الأوسط" و"الإسلام" (geopolitique de l’Islamisme)، كما عن "القوة المتعدّدة الجنسيّات في لبنان بين عامي 1982 و 1984" لدى PUF... وعن "النزاع الإيراني العراقي" مع Paul Baltaفي منشورات ال Documentation Francaise. كما له مساهمات أخرى في كتب متعددة المؤلفين.

*

كتب خطّار أبو دياب في مدوّنة أَعْلام الثقافة في لبنان والعالم العربي بعنوان: "دروسٌ من الحياة"؛ كتب ما يلي:

"علّمتني الحياة دروساً مفيدة لم أجدها في بطون الكتب وفي العصف الفكري وعلى مقاعد الدراسة وكلِّ المنابر... تعلّمت أن الأهم هو تحقيق إنسانيّة الإنسان".

وعن لبنان... ختم قائلاً:"[اعلموا الحق والحق يحرركم]... من وصايا السيد المسيح، وهذا ما نعوزه اليوم من اجل إنقاذ لبنان قبل فوات الاوان مهما مرّ من احتلالات ومهما مرّ من مظالم وعذابات. سيبقى لبنان عصيّاً، وسيبقى هذا الجبل، انطلاقا من ذكرى عامّية انطلياس، روحَه وعنفوانَه، بالرغم من كلّ المعاناة... لبنان لن يموت"...

وإذا كان لي أن أبدي رأياً في مقالاته الدوريّة من خلال ما تسنىلي قراءتُه منها، ولا سيما مقالتُه الصادرة في 28 كانون الثاني يناير الماضي في مجلّة "المجلّة" بعنوان: "العالم القديم يحتضر... والجديد يتأخر في التبلور" ؛ أقول ما يلي: مقالته شاملة، منهجيّة السبْك، تترابط فيها المعلومات وتتكامل، لتكون في شبه مشهديّةٍ لواقع الحال في عالمنا لجهة إبرازه البُؤر الساخنة والنزاعات وربطه فيما بينها... مضيفاً إليها توقعاتَه... وكأن في جعبته مهمّة توثيقيّةٌ تكتسب من الدقة والموضوعيّة ما يجعلها بمستوى أرقى المقالات التي نصادفها في الصحافة المحليّة والدوليّة.   

_________________________________________________

كلمة الدكتور فارس سعيد

في تكريم الدكتور خطار بو دياب

 

  • لم يُغادِر أصالته الجبلية في باريس، حيثُ احتفظَ بالثّمين من مَوْروثِ الأصالةِ اللبنانية الذي لا يحتاجُ إى تحديث، حتّى في عاصمةِ الحداثة.

 

  • فالأصيلُ قديمٌ بالطبع، ولكنّه ليس مُتَقَادِماً (Démodé)كي يحتاجَ إلى تعديلٍ أو تغيير، بل إنَّ الحداثةَ الحقَّة تَشْهَدُ وتُؤَمِّنَ على حقَّانِيّتِه..

وقبلَ أكثر من قرن، ذهبَ أحدُ أعلامِ النهضةِ العربية التنويرية (رِفاعَة رافِع الطّهطاوي) من القاهرة إلى باريس، في عِدادِ بِعثةِ دراسية عليا، وبصفَةِ إمامِ صلاة باعتباره شيخاً أزهرياً، فرأى ما رأى، ثم كتب: "جِئنا إلى "باريزَ" المحروسة (بالزين) فوجَدْنا إسلاماً ولَم نجِدْ مسلمين، ثم رجعنا إلى القاهرةِ المحروسة فوَجدنا مسلمينَ ولم نجِدْ إسلاماً" – أو كما قال.

خطار بو دياب أراهُ هكذا، شاهداً على المعنى، مُتَخَفِّفاً منَ الشكْلِيّاتِ والنَّثريّات.. ومَنْ كان كذلك لا تَخَفْ عليه في غيرِ بيئتِه، ولا تَخّفْ منه بطبيعةِ الحال!

 

  • وهو إلى ذلك: مِضْيافٌ بلا بَهْوَرَة – أنيقٌ شكلاً ومضموناً بلا تَأنُّق – مُتحَدّثٌ جيّد ومستمعٌ أجْوَد، فليس مِمَّن لا يُجيدونَ الإرسال من جانبٍ واحد – مثقَّفٌ بلا ادّعاء، وعارِفٌ يعرفُ كيفُ يقولُ: لا أعرف! – وإذا قال لك رأيَه في أيّةِ مسألة، فلا تُجْهِدْ نفسَك في البحثِ عمّا أو عمَّنْ وراءَ الكلام: إنه يًصْدُرُ عن قناعاتِه – وإذا صَمَتَ، فقَدِّرْ أنّ تَهْذيبَهُ لا يسمحُ له بالكلام!..

 

  • عرفتُه في الحركة الطّلابية مُنتَصَفَ السبعينيات قبل اندلاع الحرب، إلى جانب شوقي شيّا وأنور الفطايري ويوسف نويهض وغيرهم من طلائع الشباب التقدّمي، فرأيتُه يحمل قضيَّتَه بعقلانيّةِ العارفِ وشجاعته؛ إذْ كان ذلك في ثانوية شفيق سعيد وسط عين الرمانة، حيث معقِلُ الكتائب والوطنيين الاحرار.. وفي هذه البيئة الشبابية المختلطة أَظْهَرَ قدرةً مميزة على الوصل مع الآخر المختلف، في زَمَنٍ لم يكنْ يخلو من خُشونَةٍ وعنف.

 

  • ثم بدأت الحرب وافترقنا، ولكنّي تابعتُ سيرتَه الباريسيّةَ الرائعة في التعليم الجامعي والكتابة السياسية.. وعندما التقيْتُه مجدّداً، رسَمتْ شخصيتُه بدقّة ما كتبه أمين معلوف عن الهويَّةِ المركّبَة والهويات القاتلة – أعني الهويّةَ المُعافاة مقابلَ الهوياتِ القاتلة المُغلَقة.

 

  • خطار بو دياب من أولئك الذين جسَّدوا الهويةَ اللبنانيةَ المركّبة، والمؤلّفَةَ من دوائرِ انتماءٍ متعدّدة، مركزُها الشخصُ ذاتُه الذي يعرف كيف يوائمُ ما بينها، ويَبقَى مشدوداً إلى الأُفُقِ الأرحب! وبذلك يعيشُ متصالحاً مع نفسه ومع الآخر المختَلف.. وهكذا كان خطّار ابنَ عائلة ومنطقة وطائفة ووطن.. وهو في الوقت نفسه عربيٌّ وفرنسيٌّ وأوروبيٌّ وإنسانيٌّ معاً وجميعاً.

 

  • هل نحنُ أمامَ ظاهرةٍ فريدة لا تتكرّر؟.. ألمْ نعرفْ لبنانيين كانوا من مؤسّسي شِرعَةِ حقوق الانسان (شارل مالك) أو شرعة منظمة الأونيسكو (حميد فرنجية) أو غيرِ ذلك؟.. ألم نسمعْ بلبنانِيَّيْن يجلسانِ الآن وهنا على رأسِ الأكاديمية الفرنسية ومحكمةِ العدل الدوليّة؟.. ولا أجرؤ على الإحصاء حتى لا أقَعَ في النِّسيانِ والفَوَات.

 

  • خلاصةُ القول أنّ هذه النماذج تَلْفِتُ انتباهَنا إلى أننا – على قول الأب ميشال الحايك – "أعتَقُ ما في هذا الشرق وأحدَثُ ما في ذاك الغرب"، ولسنا في حاجةٍ إلى "فَحصِ دمّ" في مختبرٍ أقامَهُ مَنْ يعيشُ في هويةٍ قاتلة.

 

  • أخيراً: خطار، يا صديقي القديمَ الدائم، حتّى لو ارتديتَ زيّا افرنجياً، ستبقى خطار بسروالكَ الجبليّ الأصيل، الذي أطلَّ بجدارة على الـsorbonne  في مدينة الأنوار، والذي بإمكانه أن يُنَبِّهَ هذه المدينة الرائعة إلى أن المسألة ليست مسألةَ "حجابٍ" أو قُبّعة، ولا لونَ بَشَرةٍ وعينَين..

*

__________________________________________

كلمة الدكتور خطار أبو دياب - انطلياس

٣ آذار / مارس ٢.٢٤

 

حضرات ممثلي الفعاليات الرسمية والهيئات الدينية ، السيدات والسادة ، أيها  الحفل الكريم ، 

 

تغمرني اليوم مشاعر الامتنان لوجودي بينكم ويطيب لي أن أتقدم من الحركة الثقافية - انطلياس بخالص التقدير والشكر على مبادراتها المتنوعة ونشاطها الفكري والوطني العارم والتفاتتها  صوبي شخصياً . 

 

  من هذا المكان ، ومن دير مار الياس كُتبت في صيف ١٨٤٠ صفحة من تاريخ لبنان الموحد والغني والمضطرب على حد سواء . وفي سنة ١٩٧٨ في نفس هذا المكان نشأت الحركة الثقافية للقطيعة مع زمن الحرب والانقسام والالتزام بالاستقلال وسيادة لبنان ووحدة الدولة اللبنانية .

مع الاحتفال بالمئوية الثالثة للوجود الأنطوني في انطلياس بموازاة النسخة الحادية والاربعين من المهرجان اللبناني للكتاب ، يبرز هذا التفاعل بين الصرح الديني والحركة العلمانية   وهذا دليل إضافي على غنى التنوع اللبناني 

 

يسرني اليوم أن آتي نحوكم من الشوف إلى المتن ، من بلدة ليست مجهولة ولو كان اسمها الجاهلية ، مزروعة وسط ذلك الوادي الأخضر الهلال ، ليس ببعيد عن بعقلين ودير القمر ، في تلك البقعة التي نشأت فيها الفكرة اللبنانية وبدأ فيها الصراع من أجل استقلال  الجبل ولبنان مع المعني الكبير .

يسعدني اليوم أن يقدمني الدكتور ناصيف قزي الشوفي العريق وان يتحدث عني الصديق التاريخي الدكتور فارس سعيد ابن قرطبة  وبلاد حبيل وسعادة النائب الدكتور غسان سكاف ابن البقاع وأحد أساطين الطب وكذلك الصديقين العزيزين الدكتور وليد خطار وصلاح تقي الدين ومن الأهل الكرام استاذي بشير ابو دياب والشيخ غسان ابو دياب . 

 

نتواجد اليوم على مسرح الاخرين رحباني ، ليس بعيدا من هنا بدأ مشوارهما مع فيروز وكم كان العطاء كبيرا لأجل لبنان . من الصعب ان نكون في خضم هذه الأحداث والتحولات من دون التطرق الى المصير الوطني ، لأن لبنان هو الذي يجمعنا ولأن دروس التاريخ تعلمنا وتحفزنا على اهمية الدفاع عن لبنان الفكرة والرسالة والدولة .

لن أقدم لكم اليوم مداخلة إعلامية أو تحليلا أو تحليلا او عرضا اكاديميا او خطبة سياسية بل سأتحدث اليكم من القلب ومن العقل الى العقل . 

لم تغيرني أربعة عقود من الغربة ومن العيش في وطن ثانٍ أفتخر ببيئته الحرة التي قدمت لي الكثير . لم أتغير وأبقى ملتصقا بأرض الآباء والأجداد وقضية الإنسان في لبنان .

هناك عدة سرديات تاريخية عن لبنان المتنوع والمتعدد لكن هناك النواة المتينة والصلبة من كل تركيبة وطنية . لبنان ليس قرارا صدر من الخارج ، ولا تحكمه عواصف التاريخ ولعنة الجغرافيا . لبنان ليس تعداد سنوات من مئوية الى اخرى ، لقد أصبح نمط عيش وواحة فكر وحرية . 

لم تعد التجربة اللبنانية او المغامرة اللبنانية ملك ابناء جبل لبنان موئل التأسيس بل هي ملك ابناء جبل عامل وسهل عكار وطرابلس الفيحاء ، ووادي التيم والبقاع العامر وصيدا وصور وبيروت الأم وكل دسكرة  وذرة تراب من أرض الوطن .

لا تقاس الخصوصية اللبنانية او فرادة لبنان بعدد طوائفه وسرديات تاريخه ، وليس هذا بالمكان المناسب لمحاكمة تاريخ لبنان . والمطلوب هو التمتع بذاكرة طويلة .

من ابرز الخلاصات :

         ⁃       العيش المشترك هو القاعدة والتناحر الأهلي هو الاستثناء ( لا يحمي اللبناني الا اللبناني ) 

         ⁃       الغلبة غير واردة لأي طرف او طائفة ، وحدها التسوية المتجددة هي الضمانة للبقاء والإصلاح . 

         ⁃       التحول التدريجي من بلد الطوائف الى بلد المواطنة على ان يكون الركن الآخر للإنقاذ الابتعاد عن الصراعات الخارجية وعن المحاور اقتداء بالتجربة الشهابية الرائدة في التوازن والحياد الإيجابي.

         ⁃       عدم بقاء لبنان ساحة او مسرح صراعات واعادة اكتساب وظيفته الجيوسياسية بلدا عربيا وسيطا مع السيطرة على قراره السيادي . 

         ⁃       تبقى الدولة هي الاساس والوحدة الانسانية للشعب هي المعيار . 

نتابع بألم موت الإنسانية في غزة وقضية فلسطين العادلة تهمنا  ولقد تم التضحية بالشعب الفلسطيني قربانا على مذبح لعبة الامم . والاهم اليوم ألاّ يدفع لبنان الثمن لأنه قدّم الكثر منذ عام ١٩٦٩. وتليق به استمرارية البقاء والنهوض