ندوة بعنوان:" لبنان بين النزوح واللجوء، المخاطر الكيانية والسياسات الوقائية"

كلمة المحامي روي نقاش في ندوة لبنان ين النزوح واللجوء 

ندوة 7 آذار 2024

نجتمع اليوم لمقاربة موضوع شائك ومصيري على مستقبل وطننا ألا  وهو النزوح السوري واللجوء الفلسطيني مخاطرهما الكيانية والسياسات الوقائية المرجوة مع شخصيتين وطنيتين مشهود لهما بالموضوعية والدقة وعمق التحليل واسمحوا لي بداية أن استعرض معكم  نبذة موجزة  عن جذور مفهوم اللجوء والنزوح عبر التاريخ.

  

عرفت البشرية اللجوء منذ القرون الأولى للميلاد وتصاعدت خاصة في القرن الرابع حيث كانت الكنائس مقصد اللاجئين وملجأهم وملاذهم طلباً للحماية من الأمبراطورية الرومانية.

وكذلك كانت في الشريعة الإسلامية أحكام خاصة لمفهوم الأمان والجوار وهي صفة تمنح لغير المسلمين تسمح لهم بموجبها دخول دولة الإسلام وضمان أمنهم ما داموا فيها.

 

إذاً حق اللجوء صفة قانونية قوامها حماية تمنح لشخص غادر وطنه خوفاً من الإضطهاد أو التنكيل او القتل بسبب مواقفه أو آرائه السياسية او بسبب دينه ومعتقداته.

 

وبعد نكبة 1948 شرد الشعب الفلسطيني بسبب مجازر الإحتلال الإسرائيلي وإضطر لسلوك دروب اللجوء إلى دول الجوار ومنها لبنان.

 

هذا ويوفر القانون الدولي الحماية لللاجئين وتتحمل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المسؤولية في ذلك مع ضمان حصولهم على حقوقهم وتلقي المساعدات من أغدية ومأوى ورعاية طبية.

 ناهيك عن مجموعة من الإتفاقيات الدولية والإقليمية التي تحدد المعايير الدولية للاجئين لتمكينهم من الإستفادة منها.

 

اما النزوح فهو الآخر ظاهرة قديمة قد شهدها العالم بشكل متزايد في القرن الأخير ويعرف النازحون بأنهم الأشخاص أو مجموعة من الأشخاص الذين أجبروا على هجر ديارهم أو أماكن إقامتهم المعتادة فجأة بسبب صراع مسلح أو نزاع داخلي أو إنتهاكات منتظمة لحقوق الإنسان.

مثال حي على ذلك،

أزمة نزوح واسعة يعيشها الشعب السوري إذ تطال حوالي ثلث عدد سكان سوريا ولا توجد منظمة دولية مكلفة بحماية النازحين إنما تم توسيع تفويض مفوضية شؤون اللاجئين لتمكينها من الإشراف على المساعدات في مخيمات النازحين المنتشرين في جميع أنحاء لبنان ويتولى مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة منذ العام 1997 تنسيق المساعدات المقدمة للنازحين.

مع الإشارة إلى أن لبنان ليس موقعاً على الإتفاق الدولي المتعلق  باللجوء عام 1951 بما معناه أن وجود النازحين واللاجئين في لبنان هو غير شرعي وفقاً للتعريف الدولي.

 

السيدات  والسادة  الحضور الكريم،

منذ نكبة 1948 يوجد في لبنان نحو نصف مليون لاجئ فلسطيني وفقاً لسجلات الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين) ويعيش 250 الف منهم داخل 12 مخيماً موزعين في مختلف أنحاء لبنان ويعد المخيم محل الإقامة الإلزامي وليس الإختياري ولا يحملون أي جنسية بل يحملون وثائق سفر خاصة للاجئين الفلسطينين في لبنان، وعددهم  يشكل عبئاً كبيراً على ديمغرافية لبنان، وشبح توطينهم موجود دائماً ويشكل تحدياً  وإزدادت هذه المخاوف بشكل بارز في الفترة الأخيرة  بعد قرار وقف تمويل الوكالة الأممية (الأونروا) بسبب تعليق الولايات المتحدة والمانيا وبريطانيا تمويلها لها إستجابة لمزاعم إسرائيلية حول مشاركة 12 من موظفي الوكالة في فلسطين المحتلة في أحداث 7 أكتوبر الماضي مما يعني عملياً إزياد سوء أوضاعهم الحياتية.

 

وفي هذا السياق ومع إشتداد الخناق على الأنروا التي تمثل شريان حياة للاجئين ومع الحديث الدولي عن إقامة دولتين ، نتساءل، هل أصبحت عودة اللاجئين الفلسطينين من لبنان مستحيلة وأمر دمجهم و توطينهم حتمياً؟؟! مما سيؤدي حكماً إلى تغيير ديمغرافي كبير في لبنان وتغيير هويته ونسيجه الإجتماعي، كل ذلك مرهون بتطورات الحرب في غزة ونتائجها والمفاوضات الجارية في الإقليم

 

 اما النازحون السوريون في لبنان فأنه وفقاً للإحصاءات الأمنية فقد اضحى عددهم يقارب الثلاثة مليون نازح أي أكثر من نصف الشعب اللبناني ودونأي رقابة أو إنظباط حيث يسجل في صفوفهم إرتفاع مضطرد في معدلات الجريمة علماً ان عدد النازحين السوريين الموجودين في السجون اللبنانية بلغ ثلث عدد مجموع السجناء في لبنان، وقد أصبحت بلدات بأكملها في الشمال والبقاع والجنوب في حكم الواقعة في قبضتهم.

 

وللنزوح خصوصية على المكونات الطائفية، ففي المناطق ذات الأكثرية السنية يظهر حضوره واهميته ودلالاته ويتحكم النازحون بالإقتصاد في تلك المناطق وبالأسواق التجارية والصناعية وفي القطاع الزراعي، أما في المناطق ذات الأكثرية الشيعية فالوجود السوري لا يتمتع بالنفوذ ذاته لا بل هو أكثر إنضباطاً وإن شهد بعض الصدامات بحكم سيطرة الثنائي الشيعي على الأرض، بينما في المناطق المسيحية فهناك نوعان من النزوح: ففي المناطق التي رفضت إقامة مخيمات للنازحين على أراضيها يظل الإتكال نسبياً على الجيش في لجم إيقاع النزوح، أما النوع الآخر فيكاد يرزح تحت الضغط الأمني والإجتماعي للنازحين كما هو الحال في بلدات البقاع الأوسط والغربي وكذلك تعاني المشكلة نفسها البلدات ذات الغالبية الدرزية.

 

هذا ومع التذكير بأنه ما زالت اعداد النازحين بالمئات تدخل لبنان بصورة غير شرعية يومياً مما يهدد بإنفجار هذه القنبلة الموقوتة في وقت يطرح التساؤل إلى متى ستبقى السلطات اللبنانية عاجزة ومتراخية عن معالجة هذا الخطر المتنامي الذي يمس حياة ومصير اللبنانيين يومياً؟

 

وإلى متى الإستمرار في مجاراة المجتمع الدولي ولاسيما الإتحاد الأوروبي الآيل إلى دعم النازحين السوريين بشكل مطلق  فقط لمنعهم من الهجرة من لبنان إلى دوله  حماية لحدوده ضارباً بالقوانين الإنسانية وحقوق الإنسان ومتجاهلاً عمداً محدودية وضعف إمكانيات الدولة اللبنانية والمجتمع اللبناني في إستيعاب هذا الحد الهائل من النازحين، وعدم طرحه حلولاً عملية أكثر عدالة ًوملائمة وقبولاً كخيار إعادة ترحيلهم إلى بلد ثالث قادر على إستيعابهم أو إعداد خطة لتشجيع العودة إلى الأماكن الكثيرة الآمنة في سوريا من أجل حماية لبنان؟

السيدات والسادة

هذا هو واقع اللجوء والنزوح في لبنان. وللإضاءة على هذا الموضوع وإحاطته بكل جوانبه لاسيما لناحية تداعياته وإنعكاساته على الكيان اللبناني ولطرح الحلول المرجوة لمجابهته، يشرفني أن استضيف في إطار المهرجان اللبناني للكتاب الحادي والأربعون التي تنظمه الحركة الثقافية في أنطلياس كل من الدكتور علي فاعور والأستاذ زياد الصايغ.

 

سوف نبدأ ندوتنا مع الدكتور فاعور وهو رائدٌ في علم الديمغرافيا والنمو السكاني  ومن أبرز الملمين بشؤون النزوح في لبنان:

وبإيجاز عن سيرته الذاتية الغنية نقول:

هو الدكتور علي فاعور عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية سابقاً في الجامعة اللبنانية المهتم بالأسرة والمجتمع والنمو الديمغرافي  على الصعيدين المحلي والعالمي

حامل دبلوم دراسات عليا في الجغرافية وصاحب دراسات عديدة دولية وعربية، له مؤلَفات عديدة وأبحاث علميَّة منشورة  ................. منها آفاق التحضر العربي وأطلس لبنان والعالم.

عضو مشارك في جمعية دراسات الشرق الأوسط MER، في جامعةبنسيلفانيا وهو عضو الهيئة الدوليَّة لجغرافية السكان،

 

وعمل مستشارًا وخبيرًا في هيئة الأمم المتحدة ومع جامعة الدول العربية.

 

نبدأ ندوتنا  معه فلنرحب به.  .

 

ننتقل الآن إلى كلمة الأستاذ زياد الصايغ، وبإيجاز أيضاً عن سيرته الذاتية الغنية نقول:

هو الخبير في السياسات العامَّة والمُدير التنفيذي لملتقى التأثير المدني.  باحث وخبير في قضايا اللاجئين الفلسطنيين ومفاوضات السلام في الشرق الأوسط والنازحين اللاجئين من سوريا وسياسات العمل والحماية الاجتماعية.

 

عضو استشاري للهيئة التنفيذية للجنة التنسيق اللبنانية الأميركية LACCمنذ العام 2021. ولجنة التنسيق اللبنانية الفرنسية CCLF

له دراسات متخصصة في قضية اللاجئين الفلسطينين والسوريين وينشر دورياً مقالات ىمتخصصة في جريدة النهار وموقع هنا لبنان ici Beyrouth

الكلمة لك .

 

أمين الشؤون الداخلية في الحركة الثقافية

المحامي روي النقاش

_______________________________________

كلمة دأ.زياد الصّائغ في ندوة لبنان بين النزوح واللجوء7-3-2024

الحركة الثقافيّة – أنطلياس

المهرجان اللّبناني للكتاب

السّنة الحادية والأربعون 2024

"لبنان بين النّزوح واللّجوء

المخاطر الكيانيّة والسياسات الوقائيّة"

ندوة حواريّة 07/03/2024

دير مار الياس أنطلياس / مسرح الأخوين رحباني

 

 

 

لبنان بين لجوء ونزوح

سورياليّة، شعبويّة، ديماغوجيا وارتِجال

أين السّياسات العامّة؟

 

 

 

زياد الصّائغ (*)

 

 

 

________________________________________________

(*) المدير التّنفيذي لملتقى التأثير المدني – باحث في السياسات العامّة وشؤون اللّجوء والهجرة

 

 

تصدير

  لا بدَّ لي بدايةً من شُكْرِ القيّمات والقيّمين على الحركة الثّقافيّة – أنطلياس، وعلى جهودهم المستدامة التي لا تتعب في خدمة القضيَّة اللّبنانيّة، من خلال الفِكْر الحُرّ النيّر الجريء المسؤول. هُو لبنان الحريّة في المواطنة المحتضنة للتنوّع ينبُض بالحياة رَغْم ما يُواجهه من تحدّياتٍ وجوديّة إلى حدِّ استثقاف الموت نهجًا.

  ما نحن بصدده في هذه النّدوة الحِواريّة من مُقاربة المخاطر الكيانيّة التي يُعايشها لبنان جرَّاء أزمة النّزوح واللّجوء، عنينا النّزوح السّوري واللّجوء الفلسطيني، واستِشراف السياسات الوقائيّة، باتَ يُثْقِل فكري شخصيًّا بعد تجارب مريرة مع منظومة تحالُف المافيا-الميليشيا، والتي نتحمّل كثيرًا من مسؤوليّة تعويمها حتَّى الآن.

  في أيّ حال، محاولتي في هذه العشيَّة تأتي ضمن سياق عُصارة مواكبتي هاتين المسألتين منذ حوالي العشرين عامًا، وهي محاولة تحتمِلُ النّقد، وقد تُقارب الفشل بقَدْر ما تستدعي في ثوابِتها اقتِراح الحُلول، فسامحوني على فجاجتي.

 

مقدِّمة

لم يسمح السياسيّون للبنان، حتى السّاعة، بأن يدير بشكلٍ سليمٍ أزمتين تاريخيّتين، أي أزمة اللاجئين الفلسطينيّين وأزمة "النازحين" السوريّين. فقد شهدت هاتين الأزمتين تعقيدات بنيويّة على المستوى الوطني (منها الطائفيّة – المذهبيّة)، ويشكّل الأداء السياسي اللّامسؤول، غير العلمي، وغير المحترِف، والشعبويّ، والمبني على الشعارات، والتهويلات، والاتهامات، السبب الرئيسي في هذا الفشل على مستوى ادارة هاتين الازمتين، أضِف إلى ذلك الكثير من القُصور الإقليمي والدّولي، إلى حدّ التواطؤ الكارثيّ.

ليست القضية غياب البراهين، إذا هناك كمْ من الدراسات الأكاديمية، والأبحاث الاستقصائية المستندة على وقائع وأرقام، وكذلك أوراق السياسات العامة التي تناولت هاتين الأزمتين وعالجت أبعادها الدّستوريّة، والإنسانيّة، والسياديّة والديبلوماسيّة، وهي متَّسِقة مع الدّستور اللّبناني والقانونين الإنساني والدّولي، والتزام لبنان بخيارات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربيّة، وهو العضو المؤسِّس فيهما، ما يضمن سيادة الدولة وكرامة الإنسان في لبنان مواطِناً ووافِداً. وقد أوصت بعض هذه الدراسات بانتهاج ديبلوماسيّةٍ فاعِلة تقترح حلولًا لمسبِّبات أزمتَي اللّجوء والنزوح بعيدًا عن الاسترسال في رفع منسوب التوتّر حول نتائجها الكارثية على اللاجئين والنازحين، والمجتمعات المضيفة، على حدٍّ سواء. ولكنَّ هذه الدراسات والأبحاث هُمِّشَت لصالح انتاج مسار الاشتباك السياسي في الداخل والخارج بغرض مكاسب سياسية داخلية، ما يدعونا طرح تساؤلاتٍ حول مسؤولية الفشل المتراكَم في إدارة هاتين الأزمتين، ما يسمح بالتَّالي بمحاسبة مسؤولة للمعنيين بتبنّي منطق التهويل، والتخوين، والتمييع، والاستقطابات التّسييسيّة لتحقيق غاياتٍ لا علاقة لها بجوهر الأزمتين وحلهما.

 

في هذا السّياق دعوني أؤكّد أنّ لبنان قبل 7 أكتوبر 2023 وبعده هُوَ هُوَ في ما يُمكن أن يواجهه لحلّ هاتَين الأزمتَين.

 

  1. لبنان واللاّجئون الفلسطينيّون: البؤس واللاسيادة والتسطيح

تشكّل مخيّمات اللاجئين الفلسطينييّن بؤر بؤس وفَقر، وتخضع لسطوة سلاح أمسى خارج صلاحية "النضال"، بينما لم تحرز الديبلوماسية اللبنانية أي تقدم لإبقاء حقّ العودة كأساس لحل هذه القضية المركزية في العالم العربي، خاصة بوجود مخطط لمحو هذا الحق. ولا يُخفى على أحد التعقيدات التي حَكمت العلاقات اللبنانيّة – الفلسطينيّة إبّان حرب لبنان، أما بعد الحرب فقد مُنِع لبنان من إدارة هذه العلاقات، ليُطلّ العام 2006 ويتمّ التوافقٌ على تحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين من خلال إطلاق ورشة عمل تنمويّة في المخيّمات وضعتها لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني في رئاسة مجلس الوزراء (2006 – 2009)، على أن يتولّى المجتمع الدولي التمويل من خلال الأونروا، إلا أن أحداث مخيّم نهر البارد أعاقت تنفيذها، وكان قد تمّ التوافق أيضًا على بسط سيادة الدولة داخل المخيّمات وإنهاء حالة السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات، بالإضافة، مع دعم حقّ العودة من خلال مقاربة دبلوماسيّة رصينة ومتكامِلة، تستندُ إلى ملفّ تفاوضيّ متكامل.

لم يتحقق من هذه الخطة إلا إصدار وثيقة جامعة تحت عنوان "رؤية لبنانيّة موحَّدة تجاه قضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان"، عمِلت عليها لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني بدقّة، وأطلقتها برعاية رئيس مجلس الوزراء في حزيران 2018، وقدَّمتها الى رئيس الجمهوريّة، لكن حتى الآن لم تُدرَج على جدول أعمال مجلس الوزراء لإقرارِها.

ويشكّل عدم إقرار وتنفيذ هذه الوثيقة، التي صيغت على نحو سياسة عامة، برهانًا على الازدواجيّة لدى بعض القِوى السياسية اللبنانية في تعاطيها مع هذه الأزمة المستمرة منذ 76 عاماً. وكان من الأجدى في مواجهة أيّ صفقات سابقة ومحتملة، وعِوَض التموضع خلف شعاراتٍ استنفاريّة، العمل بموجب ما ورد في هذه الوثيقة، مما يحقق حماية حقوق لبنان واللاجئين معاً خصوصًا حقّهم في العَوْدَة.

في هذا السّياق أستعيد، ومع التحوّلات الجيو-سياسيّة الهائلة منذ 7 أكتوبر 2023، أستعيد كتاب «لن يكون هناك دولة فلسطينية» لزياد كلو، الفرنسي من أصل فلسطيني، والمستشار القانوني لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي شارك في مفاوضات إعلان دولة فلسطين في نهاية عام 2008، إذ هو ينعى إمكانية قيام دولة فلسطينية وينظر لقيام دولة واحدة ثنائية القومية يسميها «إسرائيلطين»، (صدر بالفرنسية عن دار ماكس ميلو في باريس 2010).

وفي نعي كلو، بعض من أحقية، بسبب التجربة الكارثية للمفاوضات، أكان لجهة التعنت الإسرائيلي، أو لجهة الانحياز الأميركي والغربي الفاضح لهذا التعنّت، في هذا النعي لدولة فلسطينية محتملة، إما بتواطؤ مع نظرية دولة ثنائية القومية، لن تقبل بها إسرائيل حتماً، بسبب حسمها التلمودي لـ «يهوديتها»، والتواطؤ المفترض ليس سلبياً، فقد يساهم في الإنهاء التدريجي لعنصرية إجرامية تستمر بالقتل والترانسفير حتى اليوم. لكنه تواطؤ-الوهم، إذ إن إسرائيل، وعلى رغم حركية يهودية هادئة صاعدة، تمثلت بقيام مجموعة «ج- ستريت» في الولايات المتحدة الأميركية، و «ج- كول» في فرنسا، قلب أوروبا، وتظاهرات النخب الإسرائيلية في القدس لإعادة إطلاق عملية السلام، لا تبشر بأي إمكان تغيير في سياساتها. فمن لم يقبل حتى الآن بقيام دولة فلسطين مستقلة على حدود 1967، ضارباً عرض الحائط بتعهداته منذ القرار 181، فاتفاقيات أوسلو، ومدريد، وكامب دايفيد، وواي بلانتايشن، وطابا، لن يقبل أبداً بـ "إسرائيلطين".

في أي حال، لم يقصُر كلو مقاربته على نعي إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة فقط، بل تعداها، وفي أزمة كيانيَّة مشروعة، إلى التساؤل عن مستقبل اللاجئين الفلسطينيين، ما يعني عودته المباشرة إلى إشكالية القرار 194، والذي أتى في تأكيده على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين متلازماً والقرار 181، القاضي بقيام دولة فلسطين، على أنَّ قبول إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة، كان شرطه القانوني الأساس، توقيعها على القرارين الآنفين معاً، ما يعني إلزامية التزامها بمضامينهما.

في أي حال، ثمة حاجة ملحة، إلى تحرير القضيّة الفلسطينيّة، وعلى عكس ما ذهب إليه كلو في تشاؤمه من إمكان إحداث خرق لتحقيق القرارين 181 و 194، كما الإفادة من جو دولي عام، بات يعي، أن لا استقرار عالمياً، وعربيًّا، وشرق أوسطياً، دون الشروع في إنفاذ حل عادل مستدام للقضية الفلسطينية على قاعدة قرارات الشرعية الدولية، ومرجعية مؤتمر مدريد، والمبادرة العربية للسلام.

وإذا ما كان الاعتراف بدولة فلسطينية عضو مراقب في 2011، سلك طريقه بهدوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، مستنداً إلى ثورة أطلقتها بعض دول أميركا اللاتينية بهذا الاعتراف، إلى استعداد أوروبي لخطوة مماثلة، مهد له رفع إنكلترا وفرنسا وألمانيا الشخصية المعنوية لممثليات منظمة التحرير الفلسطينية لديها إلى مستوى البعثات الديبلوماسية، فإنه وبالخط الموازي، على المجموعة العربية، أن تتنبه وتعمل لتفادي منطلقات ثلاثة، قد تسعى إسرائيل، وفي لوبيينغ متماسك إلى تكريسها، عنيت أولاً الفصل بين القرارين 181 و 194، وثانياً تسويق الحل الإقليمي على حساب الحل الدولي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وثالثاً إنهاء دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). ولكل من ما سبق محاذير قاتلة لجوهر القضية الفلسطينية تحت شعار «أفضل الممكن»، أوردها في ما يلي.

 

  1. الـ 181 و 194 مترابطان

دولة فلسطين قائمة بقوة القانون الدولي في القرار 181. وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين والتعويض عليهم قائم بقوة القانون الدولي في القرار 194. والقرار 194، مرتبط بالقرار (3236) القاضي بحق الشعوب في تقرير مصيرها داعماً تأسيسياً. وقد أورد القانوني الدولي أنطونيو كاسيس أنَّ في هذا الارتباط جوهر الكباش مع نظريات «خيارية العودة»، إذ إن هذا القرار، ودائماً وفق كاسيس، نقل العودة من حيز الفردية إلى حيز الجماعية، ولاقاه في ذلك القانوني الدولي ليكس تاكنبرغ الذي أكد الحق بالعودة إلى أراضي الدولة الفلسطينية ذات السيادة، مشدداً في مؤلّفه حول «وضع اللاجئين الفلسطينيين في القانون الدولي» على أن «حق العودة مشتق من لا شرعية الطرد نفسه، فمن المعترف به أن لا دولة قادرة شرعاً على طرد سكان تحت سيطرتها، وعليه، فالذين طردوا لهم الحق في أن يعودوا إلى وطنهم». الكباش القانوني مع إسرائيل في هذا السياق، إطاره توجه لاجئين فلسطينيين إلى محكمة العدل الدولية، في سابقة رفع دعوى شخصية وجماعية عليها، لمنعها إياهم من العودة، مع محامين من مختلف أنحاء العالم. إنه وقت المبادرة.

 

ب.حذار الحل الإقليمي للاجئين

ثمة من يراهن على نقل المسؤولية الدولية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين الى مسؤولية إقليمية، ولا يتوانى عن القول: «إنها مسؤولية عربية». من الواضح أن لا مكان لقبول تنصل المجتمع الدولي من هذه المسؤولية. وفي مرور استنتاجي على كل التوجه الرسمي اللبناني الدولي، والحزبي، والروحي، والنخبوي الثقافي، والاقتصادي، والإعلامي، يظهر ومن دون أي التباس أن المجتمع الدولي مدعو الى القيام بواجبه تجاه اللاجئين الفلسطينيين بمعنى توفير الموارد لتأمين حياة كريمة لهم حتى عودتهم بحسب قرارات الأمم المتحدة التي أكدتها المبادرة العربية للسلام. أكدتها، وما كانت أبداً بديلاً منها أو رديفاً. والرهان على حل إقليمي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، فيه من النفس الإسرائيلي بعض أصداء، إذ أن أولئك المنظرين الأكاديميين لهذا الرهان يعلمون أن إسرائيل تواجه مسألة اللجوء القسري والعدواني للفلسطينيين بالقول: «ويهود الدول العربية لجأوا إلى قسراً بفعل خوفهم من الاعتداءات الممكن ان تطاولهم»، وهي تطالب أيضاً بإنشاء صندوق تعويضات لهم على غرار التعويضات التي يستحقها اللاجئون الفلسطينيون من دون ان يمس ذلك حقهم بالعودة وفق ما ورد في القرار 194. فهل هو بريء ضخ منطِق «الحل الإقليمي» في الأبحاث والدراسات وورشات عمل أكاديمية؟

أما استناد هؤلاء أيضاً إلى أنّ المجتمع الدولي منخرط في تسريع الحل الإقليمي، فالرد عليه أتى دقيقاً أيضاً على لسان المفوضية العامة لـ «الاونروا» كارين ابي زيد في حديث صحافي عام 2010، قالت فيه: «أي حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين سيلحظ مغادرتهم لبنان. الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كما الرئيس محمود عباس يؤيدان ذلك. والوعد الذي قطعته الأسرة الدولية بأن لا تسوية في هذا السياق على حساب لبنان سنحترمه على أن يكون خيار مغادرة اللاجئين في الوجهة وفق ما هم يرتأونه الأفضل لكل منهم». وأكد ذلك المفوض العام السّابق للأونروا فيليبو غراندي، إذ صرح بعد لقائه في العام 2011 قائلًا: "الانتفاضات العربية دعم للشعب الفلسطيني بحقه بإقامة دولته وعودة لاجئيه". ويبقى السّؤال من اغتال الانتِفاضات العربيَّة؟

 

ج. "الأونروا" شاهدة عدالة

لم يكن تشكيل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول (ديسمبر) 1949، وبناء على القرار (302) وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم «الأونروا»، من المتوقع أن يستمر على مدى 76 عاماً. وما لم يكن متوقعاً أيضاً أن تبقى معالجة القضية الفلسطينية على مدى 76 عاماً محط أنظار العالم أجمع. ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي ما كانت منذها في هيكليتها المترامية الإدارات والاهتمامات الإغاثية والتنموية والخدماتية، تستمر الشاهد الأبرز على حق اللاجئين الفسطينيّين، أينما وجدوا، بالحياة الكريمة حتى عودتهم، وفق قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام. حتماً إحياء الذكرى الـ 96 للأونروا عام 2024، أتى لتبيان استمرار مأساة كتلة إنسانية اغتصبت أرضها، وانتهكت حرمة هويتها، وليرتب مسؤوليات جساماً على الوكالة التي أنيط بها، ولم يزل، الإبقاء على جاهزية، عالية للاستجابة لمتطلبات آنية ومرحلية واستراتيجية فرضها واقع التشتيت المنهجي والحصار غير الإنساني الذي ما انفكت إسرائيل، تمارسه وبعربدة استبدادية على مرأى من المجتمع الدولي الذي يوفر في الوقت عينه للأونروا مقومات الصمود. لا سيما أن الأونروا، والتي بدأت الاضطلاع بمهماتها في الأول من أيار (مايو) 1950، هي تستجيب احتياجات 4.67 مليون لاجئ، ويتجاوز عدد الموظفين العاملين فيها 30 ألف موظف، ما يضعها بإزاء تحديات كبيرة على المستويين الإداري والمالي من ناحية، وأيضاً على مستوى الرؤية المستقبلية لدورها من خلال علاقتها مع الدول المانحة والمضيفة. فهل سيقتصر هذا الدور، وبسبب من تردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي للاجئين الفلسطينيين كما انعكاسات الأزمة المالية العالمية على الدول المانحة، هل سيقتصر دورها على السعي لسد عجزها في الموازنة العامة كما في موازنة «الأقاليم» وفق المصطلح الذي تستخدمه الدول المضيفة، أم هي مدعوة الى إعادة هيكلة فاعلة ليس فقط في السياق الإداري بقدر ما هي مدعوَّة إلى إعادة صوغ هوية تواصلها مع كل من الأطراف المعنية باستمرارها، بما يؤكد شهادة المجتمع الدولي على إحدى أبشع جرائم العصر؟

 

  1. لبنان والنازحون من سوريا: التورّط والخبث واللّامنهجيّة

منذ العام 2011 إستقبل لبنان وافدين من سوريا قسراً هرباً من ظلم عُنفي وإرهاب دمويّ. بعض القوى اللبنانية ساهموا في دفع هؤلاء لترك مدنهم وبلداتهم وقراهم، مما يشكل خرقًا لاتفاق القِوى السياسية على "النأي بالنفس". مما يستأهل سياقاً تحليليّاً موازياً لأزمة اللجوء السوري (النازحون في التعريف الرسمي اللبناني)، خصوصًا وأن ما نعيشه اليوم مرتبط بهذا الخَرق، كون عشرات الالاف من اللّاجئين السوريين بإمكانهم العودة فوراً الى مناطق القلمون، والقلمون الغربي، والزبداني والقصير إلا أن هناك قوى امر واقع في سوريا تعطِّل هذه العودة.

منذ العام 2011، إنقسمت القوى السياسية حول إدارة أزمة النزوح السوري، ولم يتم وضع سياسة عامة لإدارة هذا الملف بالرغم من عدّة مسوِّدات اصطدمت بتعنُّتٍ أو عناد، وجهلٍ أو تجاهل، وبقِي اللبنانيّون أسرى شعاراتٍ تتصاعد وتيرتها حين الحاجة. النتيجة: وضعُ النازحين بائِس، ووضع المجتمعات المضيفة منهك، وحلّ الأزمة في سوريا أمام أفقٍ مسدودٍ. المبادرة الروسيّة لعودة السوريين الى ديارهم تعثّرت. لكن ما يعنينا هو ما قامت به القِوى السياسية اللبنانية في إدارة الأزمة وغياب اي مقاربة ديبلوماسية جدية، عربيًّا ودوليًّا، تقارب موضوع العودة إلى سوريا بطرق ممنهجة خاصة في موضوع تمنع السلطات السورية من إعطاء ضمانات قانونيّة وأمنيّة جدية لتسهيل العودة ضمن عملية مصالحة حقيقية في سوريا.  وفي موازاة قُصور الحكومة اللبنانية عن إنجاز سياسة عامة تقارب الموضوع بين الإنساني والسيادي والديبلوماسي تجاه النازحين، يتخاذل المجتمع الدَولي في إنهاء الأزمة في سوريا، كما هناك تراجع في تقديم المساعدات للنازحين والمجتمعات المضيفة جرّاء تعب الدول المانحة. انّ هذه العوامل لا تواجه باستنفار الغرائز وتسعير التوتّرات، بل بقيادة سياسية مسؤولة تبلور سيناريوهات مبنية على كرامة الإنسان وتطبيق القانون واحترام لبنان لتعهداته كعضو فاعل في الامم المتحدة وجامعة الدّول العربيَّة، وكذلك معالجة الهواجس لدى النازحين واللبنانيين معاً.

 

ماذا عن سيناريوهات الحلّ لقضيّة اللّاجئين السوريّين؟

 

 

  1. اللّاجئون السوريّون

السيناريو الأفضل: عودة شاملة وفوريَّة

العودة الشاملة والفورية للنَّازحين إلى سوريا هو السيناريو الأفضل، الذي يعيدُ إلى سوريا أهلها ويستعيدون في عودتهم معها عافية مجتمعهم وحيويّته.

بطبيعة الحال هذه العودة الشَّاملة والفوريَّة من المفرض أن تواكبها ضماناتٌ ثلاثة:

الضمانات القانونيَّة والأمنيَّة والاقتصاديةَّ- الاجتماعيَّة للعائدين. القانونيَّة بمعنى حفاظِهم على حقّهم بالعودة إلى موطنهم الأصلي واستعادة أملاكهم ولو مُدّمَّرة. والأمنيَّة بمعنى تجنيب العائدين أي اعتقالاتٍ، أوتصفياتٍ أو إخفاءَات، كما إعفاءَهُم من واجب الخدمة العسكريَّة الإلزاميَّة خصوصاً إذا كان ثمَّة من نيَّة حقيقيَّة لإعادة ترميم المجتمع المدنيّ السُّوريّ عِوَض ديمومة عسكرتِه، فالسَّام لا ي ُكن أن يقُوم بالتعبئة المعسكرة.

والاقتصاديةَّ- الاجتماعيَّة بمعنى انتقال المساعدات الي تُعطى للنَّازحين في الدُّول المضيفة

إلى من يُصمِّم على العودة مع محفِّزات.

كُلُّ هذه الضمانات لا تستقيم إنْ لم يُنجَز حلٌّ سياسيٌّ في سوريا، خصوصاً أن أيّ عودة لا بدّ أن يوازيها إعادة إعمار وستبقى هذه العملية مؤجلَّة في ظلِّ تعثُّر الحلِّ السِّياسيّ. لكنْ بالأَولى اعتمادُ المحفِزات الي ذكرنا، وهي غرُ عصيَّةٍ إن كانت الإرادة السِّياسيَّة لمن ي ُسك بزمام المبادرة الميدانيَّة في سوريا نقيَّة وصافية، وهذا افراضٌ على ما يبدو بعيدٌ عن الحقيقة.

 

  1. اللّاجئون السوريّون

السيناريو الأَسوأ: لا عَودة وتفتيتٌ لمجتمعين

بقاءُ النَّازحين في لبنان هُو السيناريو الأسوأ، الذي يفتِّت مجتمعين. مجتمعهم والمجتمعات اللُّبنانيَّة المضيفة.

بطبيعة الحال بقاءُ النَّازحين في لُبنان سيُعيد إنتاج ذاكرة لبنانيَّة – سوريَّة معبَّأة ومشحونة بالذكريات الأليمة. وهذا الإنتاج المستعاد بفِعل ثلاثين عاماً من الاحتلال- الوصاية السُّوريَّة على لبنان، فضاً عن آلافٍ من القتلى والمخطوفين والمسجونين والمفقودين اللُّبنانيّين في سوريا، تجاوزه اللُّبنانيّون جميعاً حن استضافتهم للنَّازحين الهاربين من حربِ النِّظام السُّوري والإرهاب عليهم على حدٍّ سواء، دون تناسي أنَّ فريقاً لبنانيَّاً سَاهم في تهجر هؤلاء من مدنهم وبلداتهم وقراهم، وهو ما زال يحتلُّ أجزاء من سُوريا.

وإلى جانب الذّاكرة اللُّبنانيَّة- السُّوريَّة المشحونة بوقائع مُدمَّاة، سيَطْرحُ بقاءُ النَّازحين على لُبنان عدا التَّحدي الكيانيّ، أعباء اقتصاديةَّ – اجتماعيَّة تتمظهر منذ بداية الأزمة في المنافسة على فُرص العمل، إضافة إلى الهجرة المتزايدة للُّبنانيّن، خُلوصاً إلى تعب الدُّول المانحة من تقديم المساعدات للنَّازحين واللُّبنانيّين معاً. لكنَّ الأخطر من كُلِّ ذلك سيُحتِّم بقاءُ النَّازحين تشكُّلاً ديموغرافيَّاً- ودينوغرافيَّاً جديداً على لبنان وسوريا، وليس

حتميَّاً إمكان تجنيب أوروبا والعالم العربي موجات لجوءٍ إليها بفِعل هذا الواقع الأليم، أضِف إلى ذلك أنَّ تراجُع الاحتِضان التربويّ وعدم توفُّر فرص العمل سوف يؤدي إلى تطرُّف وتطرُّفٍ مضاد، ليس أساسُه المعطى الطَّائفي أبداً، بقدْرِ ما هو المعطى الاقتصادي- الاجتماعيّ.

اللاّعودة، المؤقتة أقلَّه، هي سيناريو افتراضيّ في ظل تأكيد المجتمع الدَّولي من الولايات المتّحدة الأميركيَّة والاتّحاد الأوروبي والأمم المتّحدة إلى روسيا بأنَّ مستقبل النَّازحين هو في سوريا وليس أبداً في الدُّول المضيفة لهمُ. لكنْ يجبُ عدم استبعاد هذا السيناريو الافتراضي والاستعداد أقلَّه لبقاءٍ طويل الأمد للنَّازحين – وليس اَّائم – وصوغ خارطة طريق للتَّعامُل معه بما يقينا انفجاراً لبنانيَّاً – سوريَّاً على غرار ذاك اللُّبناني – الفلسطيني.

 

  1. اللّاجئون السوريّون

السيناريو الأكثر ترجيحاً: بقاء مؤقَّت وعودة تدريجية

من المرجح أن تبقى أزمة النَّازحين من سوريا تحدياً طويل الأمد بالنسبة إلى لبنان، إذ من غير المحتمل أن تنتهي الحرب السورية قريباً، وعندما تنتهي من المستحيل أن يعود النَّازحون السوريون فوراً إلى بلدٍ غير مستقرٍ ودون أيّ ضمانات توفّر لهم الأمن والسامة. لذا، فإن بقاء النَّازحين المؤقَّت في لبنان مع عودة تدريجية استُهلَّت رمزياًّ منذ العام 2017، هو السيناريو الأكثر ترجيحاً.

هذا السيناريو يقتضي وضع خارطة طريق مركبَّة الأبعاد، أوَّلُا تصنيف النَّازحين بين اقتصاديّن (عُمَّال) أو هاربين من النِّظام وحلفائه أو طالبي لجوءٍ في بلد ثالث، أو منتظرين محفِّزات ماليَّة – اقتصاديَّة – اجتماعيَّة للعودة. هذا التَّصنيف إن تمّ يُنهي مخاطر كيانيَّة تَقُضُّ مضجع اللُّبنانيّين، على رأسها إمكانيَّة توطن النَّازحين نهائيَّاً على أرض وطنهم فيما هُم يُعانون أساساً من التَّوطن المقنَّع للاّجئين الفلسطينيّين منذ 71 عاماً.

ويساعد التَّصنيف أيضاً في الدَّفع باتجاه رفع مستوى التَّعاون مع روسيا ضمن مبادرتها لعودة النَّازحين، وحىّ مع الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي وتركيا لمواكبة عوداتٍ تدريجية ضمن منهجيَّة تشاركيَّة تضغط على النِّظام وتموِّل برامج للأمم المتّحدة داخِل سوريا، وفي ذلك محاولة للتَّمهيد لحلٍّ سياسي متكامل يُطلق عملية إعادة الإعمار، وبالتَّالي يستقطب مجمل النَّازحين للعودة ليُشاركوا في هذه العملية.وثاني هذه الأبعاد حَصْرُ مساعدات الأمم المتّحدة وهيئات المجتمع المدني الدَّوليَّة والمحليَّة بمن تنطبق عليهم صفة النازح الهارب من ظُلمٍ أو حرب أو إرهاب، ما يُعزِّز فرضيَّة عودة من لا يندرجوا في خانة هذه الصِّفة. وثالثُ هذه الأبعاد تطبيق قانون العمل اللُّبناني على العُمَّال السُّوريّين بما يوفِّر أفضليَّة للعامل اللُّبناني من ناحية، لكن يؤمِّن لهؤلاء

معاير العمل اللاّئق بضماناتِه القانونيَّة بعيداً عن الاستغلال من ناحيةٍ أخرى. ورابع هذه الأبعاد إنجاز جدول ثلاثيّ يحدِّد من أين أتى النَّازحون وما هي العوائق المستمرَّة لعودتهم من حيثُ أتوا، وكيفيَّة مُتابعة تذليلها على كُلِّ المستويات بما فيها المصالحات وتعزيز شبكات الأمان. وخامس هذه الأبعاد إستمرار الخدماتِ التربويَّة والتمكينيَّة للنَّازحين من ضمن تحديد وجهة عودتهم، مع اهتمام استثنائي بتنمية المجتمعات المضيفة

ما ي ُنِّ المناعة تجاه إمكان نشوءِ توتُّرات.

هذا السيناريو المتمثِّل بالبقاء المؤقَّت والعودة التدريجيَّة يقوم على الاستناد إلى علم إدارة الأزمات، وحىَّ تحويل بعض مكامنها إلى فُرص بنَّاءة، وقد بدأ لبنان خطواتٍ، ولو خجولة في ذلك مع ما طرحه في منصَّة سيدر، هذه المنصَّة الدَّوليَّة بمبادرة فرنسيَّة والي سهلَّت إنشاء تكامُل ذكيّ بن التدخُّل الإغاثي والتدخُّل التنموي بمعنى التلفُّت لحاجات المجتمعات المضيفة دون إغفال حاجاتِ النَّازحين الأساسيَّة حتّى عودتهم.

السؤال الأكثر إحراجاً في هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً هو هل من إمكانيَّة لبقاءٍ دائم لبعض النَّازحين في لبنان لأسباب أمنية؟ الإجابة عن سؤال مماثِل لا تستقيم إلاّ بعد الانتهاء من التَّصنيف الذي اقترحنا لفئات هؤلاء بهدف تحديد من يعتر منهم مستهدفاً بسبب موقعه السياسي.

 

خاتمة

الذاكرة اللبنانية – الفلسطينية ما زالت متوجِّسة ويائسة، والذاكرة اللبنانية – السورية تعاني أيضاً تصدّعاتٍ هائلة، فيما المعنيّون منحازون لسورياليّة وشعبويّة وغلّو سياسي تعمِّق الجراح، فمتى نستعيد مسار بناء السياسات العامة تفادياً لانهياراتٍ عظيمة وإعادة هندسات ديموغرافيّة تُطيح بالهُويّات الحضاريّة؟

 

________________________________

كلمة د. علي فاعور في ندوة لبنان بين النزوح واللجوء

 

العوائق التي تمنع عودة النازحين الى سوريا

معارضة المجتمع الدولي، وتوقعات العودة بعيدة جداً.[1]

 

د. علي فاعور: أستاذ الجغرافيا في الجامعة اللبنانية، وعضو المجلس الوطني للبحوث العلمية

 

   مقدمة    

        السؤال الذي يطرح نفسة اليوم في لبنان، وبعد مرور 13 سنة على بداية الأزمة السورية،وعلى ضوء الازمات التي يعانيها لبنان.... هل سيعود اللاجئون الى سوريا؟ وكيف يمكن إعادتهم الى ديارهم؟

  

     وبينما تعمل منظمات المجتمع الدولي على إدماج النازحين في لبنان، بالتعاون مع الهيئات والجمعيات المحلية... يتبيّن أن المجتمعات المُضيفة والفقيرة، قد فقدت القدرة على الاستيعاب والتحمّل، مما بات يستدعي البحث عن وسائل وحلول عاجلة، فإما اعادة النازحين الى سوريا، أو اعادة توطينهم في بلد ثالث على قاعدة تقاسم المسؤولية الدولية.. وذلك لحماية لبنان وتفادي حدوث الانفجار الاجتماعي القادم.

 

اولا- النزوح الطويل الأمد.. لماذا تتأخر عودة النازحين ؟

 

1- عودة اللاجئين مرتبطة باعمار المدن

    صدر تقرير عن البنك الدولي حول سوريا عام 2016،  يؤكد أن "السلام وإعادة الإعمار وجهان لعملة واحدة"[2]، كما أعلنالرئيس السوري بشار الأسد حزيران 2023، أن "العودة مرتبطة بتوفير متطلبات إعمار البنى المتضررة في القرى والمدن وتأهيل المرافق الخدمية"..

   بالمقابل فقد أظهرت تقديرات الأمم المتحدة "ان تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا تصل إلى 400 مليار دولار، بينما بحسب تقديرات الجامعة العربية، فان "عملية إعادة اعمار المدن المدمرة في سوريا تُقدر بحوالي 900 مليار دولار"..

    وهى تُعتبر الفاتورة الأكبر في التاريخ الحديث لإعادة اعمار دولة مدمرة..

2- عودة اللاجئين مرتبطة بالحل السياسي  في سوريا

       قبل انعقاد مؤتمر بروكسيل عام 2017، أعلن الاتحاد الاوروبي عن خطة لإعادة إعمار سوريا، لكنه ربط ذلك بعملية  "انتقال سياسي حقيقي"،  ثم صدر قرار تصويت البرلمان الاوروبي  (في 12 تموز 2023)، بعدم الموافقة على عودة النازحين السوريين الى بلدهم، والمطالبة بحمايتهم في لبنان..

      وهذا ما أكد عليه الموقفالاميركي (منتصف شباط 2024)،  من خلال  تجديد الحصار  على سوريا، واصدار قانون "مناهضة التطبيع مع نظام الأسد لعام 2023"، وهذا التوجه لا يتطابق مع الموقف القُبرصي الأخير، حول "اقتراح تعيين سوريا أو أجزاء منها مناطق آمنة، ما يسمح بإعادة السوريين إلى هناك"... بحيث يمكن وقف موجات الهجرة غير الشرعية عبر القوارب في البحر الى قبرص.

3- تراجع الدعم المالي للمانحين

     خلال المؤتمر الدولي السابع "مؤتمر المانحين الدوليين لسوريا" (حزيران 2023)، والذي انعقد في بروكسيل،  فقد اشتكى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الإغاثة في حالات الطوارئ ومفوضية شؤون اللاجئين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي من تراجع الدعم المالي والنقص في الأموال المخصصة للاجئين والدول المضيفة لهم، بحيث أنخطة المساعدات لسوريا والبالغة (5 مليار يورو)، كانت مموّلة بنسبة 11 في المائة فقط، أما الخطة المقترحة لمساعدة  الدول المستقبلة للاجئين، والتي تبلغ 5.3 مليار يورو فمموّلة بنسبة 10 في المائة فقط.

        كما واجه لبنان في المؤتمر السنوي للأمم المتحدة في نيويورك (ايلول 2023)، معارضة المجتمع الدولي وعدم الموافقة على عودة النازحين قبل الحل السياسي.

     لا بد من الاشارة أيضاً، الى أن أموال القروض والهبات التي كان حصل عليها لبنان من الدول المانحة، ومنها "أموال سيدر" عام 2018، كانت مشروطة بالتزام الانفاق على النزوح السوري..

      وفي نهاية آذار2021، وخلال انعقاد مؤتمر “بروكسيل الافتراضي الخامس”، أعلن رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب ان لبنان قد  تحمّل كلفة قاربت 46.5 مليار دولار من جراء أزمة اللاجئين السوريين، وهي قد تجاوزت اليوم ال 50 مليار دولار...وهي تكاليف ضخمة توازي أكثر من عشرة أضعاف المساعدات الدولية..

 

ثانيا-  الأسس والقوانين التي تضمن حق السيادة الوطنية للدولة

       أمام هذا الواقع الصعب، لا بد للحكومة المسارعة قبل انفجار الأزمة، لوضع خطة متكاملة لرفع الحصار الجائر المفروض على لبنان واللبنانيين، وذلك باعتماد القوانين الدولية، والتي تكفل الحق السيادي للدول في ادارة الهجرة، وفق الآتي:

1. الاتفاقية الخاصة باللاجئين 1951، وحق السيادة الوطنية للدولة.

      حول ترحيل  الذين يدخلون بطرق غير شرعية: يلاحظ أنه "ليس في أي من أحكام هذه الاتفاقية ما يمنع دولة متعاقدة، في زمن الحرب أو في غيره من الظروف الخطيرة والاستثنائية، من أن تتخذ مؤقتا من التدابير، بحق شخص معين، ما تعتبره أساسياً لأمنها القومي"..

2.  قانون تنظيم الدخول والاقامة في لبنان لعام 1962.

      الذي نصّ "على صلاحية المدير العام للأمن العام بإصدار قرارات بترحيل الأجانب في حالات استثنائية حيث يشكل الأجنبي خطراً على السلامة والأمن العام"...كذلك بالنسبة لمعاقبة الأجانب الذين يدخلون الأراضي اللبنانية بطرق غير قانونية بعقوبة الحبس من شهر إلى ثلاث سنوات والغرامة والإخراج من لبنان"

3.  مذكرة التفاهم التي صدرت عام 2003بين المفوضية ووزارة الداخلية والامن العام

          وفق "مذكرة التفاهم" لا يمكن اعتبار السوريين في لبنان كلاجئين، ذلك أن لبنان لم يوقع على اتفاقية اللاجئين العالمية في العام 1951، وبروتوكول العام 1967 التابع لها؛ ، كما ورد فيها أن عبارة "طالب لجوء" تعني طالب لجوء إلى بلد آخر غير لبنان"..

4. قرارالمجلس الأعلى للدفاع 2019

اتخذ المجلس بتاريخ 15/4/2019، عدداً من القرارات تشمل "ترحيل السوريين الداخلين إلى لبنان عبر ممرات التهريب، ودون المرور بالمعابر الرسمية"

      أن القوانين التي تضمن حق السيادة الوطنية للدولة، موجودة وشاملة، يبقى أن المشكلة تكمن في الانقسامات الداخلية القائمة وعدم المقدرة على تطبيق القوانين... وهذا ما أكده رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي (20/6/2022) خلال: إطلاق "خطة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2022 – 2023، حيث طالب المجتمع الدولي بالتعاون مع لبنان لإعادة النازحين السوريين الى بلدهم والا فسوف يعمل لبنان على "إخراج السوريين بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم"...

 

ثالثا- المجتمع الدولي يضغط  لدمج النازحين و"تجنيسهم" في لبنان

      بعد قرار الحكومة اللبنانية وقف استقبال النازحين السوريين على الاراضي اللبنانية عام 2014، والطلب الى المفوضية العليا للاجئين، بوقف تسجيل الوافدين الجدد، وطوال السنوات العشر الماضية، فقد استمرت الضغوط الدولية بتعطيل كافة المحاولات التي اعتمدتها السلطة الحاكمة، لتنظيم اعادة النازحين السوريين الى ديارهم، وذلك وفق الآتي:

1- مؤتمر برلين 2014: محاولة إرغام لبنان على توقيع اتفاقية اللاجئين

         عقد المؤتمر بمشاركة ممثلي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن، والمانيا والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية، حيث أكد لبنان أنه فقد القدرة على الاستيعاب،  وبات على حافة الانفجار...   لكن البارز خلال المؤتمر هو تزايد الضغط على لبنان من أجل التوقيع على اتفاقية جنيف المتعلقة باللاجئين، والتي من شأنها أن تجعله "بلد لجوء"، بحيث يتم إصدار وثيقة ملزمة دولياً، على أن تصدر لاحقاً ببيان رئاسي عن مجلس الأمن الدولي...

     لكن لبنان أكد موقفه الرافض أنه  لم يوقع... ولن يوقّع على اتفاقية اللاجئين....

2- اجتماعالأمم المتحدة (الدورة 71) في نيويورك عام 2016

       قبل الاجتماع السنوي للأمم المتحدة، فقد زار أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون بيروت عام 2016، (أثناء الفراغ الرئاسي في لبنان)، يرافقه رئيس البنك الدولي ورئيس البنك الإسلامي للتنمية، حيث طالب بدمج النازحين وتجنيسهم، كما تضمن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي  مون المطالبة بدمج اللاجئين في البلدان المضيفة، و"منحهمِ وضعاً قانونيّاً يُتيح لهم الفرصةَ ليُصبِحوا مواطنين بالتجنُّس"، على أن تتم مساعدة لبنان.. كذلك فقد تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن تسهيل دمج اللاجئين وتوطينهم في البلدان المضيفة...

      ولمواجهة الضغوط الدولية، فقد اجتمعت الحكومة اللبنانية في ايار  2016، وأصدر مجلس الوزراء ولأول مرة  بياناً بالإجماع، يؤكد رفض توطين النازحين...

3- اجتماعالأمم المتحدة في نيويورك عام 2017 ..وخطاب الرئيس الأمريكيترامب:

      ورد في خطاب الرئيس الميركي، قوله «ندعم إعادة توطين اللاجئين في أقرب مكان من بلادهم».

حيث صدرت على الفور توصية اتخذها المجلس النيابي في جلسته التشريعية (20 أيلول 2017)،  تؤكد ما ورد في مقدمة الدستور اللبناني لجهة رفض التوطين.  

كما تضمّنت كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أنه "لا توطين للاجئ أو النازح، مهما كان الثمن، والقرار في هذا الشأن يعود لنا.. وليس لغيرنا".

4- مؤتمرات "دعم مستقبل سوريا والمنطقة»

      لقد تم تجميعالنازحين داخل سوريا وفي الدول المجاورةلحماية أوروبا، حيث انعقدت عدة مؤتمرات: الكويت (2013-2015)، لندن (2016)، برلين..

كما انعقدت سلسلة مؤتمرات في بروكسيل منذ 2017،حول دعم مستقبل سوريا،حتى المؤتمر الدولي السابع 2023.. ،حيث كان يتم التركيز على دمج النازحين "توطين مقنّع"، ، والربط  بين العودة والحل السياسي واعادة الاعمار، كما حصل عام 2018، ما أدى رفض رئيس الجمهورية والمجلس النيابي، ووزير خارجية لبنان.

      لقد تم تنفيذ مشروع الإدارة المتكاملة للحدود لمحاصرةاللاجئين في لبنان، ومنعهم من عبور البحر المتوسط نحو أوروبا.. وذلك بحسب ما أعلنه رئيس الخبراء في المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة " فيل جونسون" عام 2016، ان: "الاتحاد الأوروبي يعتبر لبنان خط دفاع، ويمكننا القول إنّ حدوده قد تكون بداية حدود الاتحاد الأوروبي".

5- متابعة ملف النازحين في مجلس النواب

اجتمعت لجنة الإدارة والعدل في المجلس النيابي في 19أيلول 2023، ناقشت خلالها موضوع النازحين السوريين..ولكن دون التوصل الى نتيجة لتضارب المواقف..

كما عقد اجتماعلجنة الشؤون الخارجية والمغتربين 10 كانون الثاني 2024،لدراسة مشروع قانون “تنظيم الإقامة المؤقتة وترحيل النازحين السوريّين في لبنان». ثم سافر وفد اللجنة الى الخارجلمقابلة مسؤولين في الاتحاد الاوروبي..

وقد اجتمعت لجنة الشؤون الخارجية النيابية مع مديرة منظمة الأونروا في لبنان (شباط 2024)، لمناقشة مسألة توقف الدعم  من الدول المانحة للاجئين الفلسطينيين، حيث تبيّن أن نحو 19 دولة تدرس مسالة وقف الدعم..الذي يُقدم للمخيّمات الفلسطينية في لبنان (الدعم المالي المخصص لمساعدة 12 مخيّم فلسطيني في لبنان يبلغ 160 مليون دولار سنوياً)..

     وبحسب نتائج كافة الاجتماعات التي حصلت في مجلس النواب، فقد تبيّن.(بحسب محاضر مجلس النواب تاريخ 19/9/2023)، أنه "منذ العام 2011 لم يتم التقدم في معالجة هذا الملف مما يدعو الى التشاؤم، فالانقسام السياسي في البلد حول هذا الملف أدى تفاقم الازمة، ولا حل الا بموقف وطني جامع بعيد عن الحسابات الفئوية، فنحن بحاجة الى موقف وطني جامع تجاه المجتمع الدولي ومؤسساته وكيفية التعاطي مع الحكومة السورية".

       وهذا ما عبر عنه غبطة البطريرك الماروني بشارة الراعي في أحد الفصح الأخير (عام 2023)، حيث قال بصراحة كلية: "المجتمع الدولي يحمي اللاجئين السوريين على حساب لبنان لأسباب سياسية ظاهرة وخفية"...   ثم كلام وزير خارجية الفاتيكان، أمام الوفد البرلماني اللبناني الذي زاره  في 2018، حيث قال: أنّ «المجتمع الدولي» برّمته ضدّ عودة النازحين السوريين إلى وطنهم..".

6- دور المفوضية العليا للاجئين وعدم تطبيق القوانين الدولية

     على امتداد السنوات الماضية منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، فقدتم تطبيق عمليات دمج متكامل في المجتمعات المضيفة،تضمنت عمليات الدمج كافة المدارس الرسمية والخاصة، والعديد من المُستشفيات التي تعاقدت معها المفوضية،  (راجع خريطة توزيع التلامذة السوريين في المدارس الرسمية في مناطق: بيروت، جبل لبنان، البقاع وعكار...)،  وكذلك بالنسبة لأماكن السكن واستئجار المساكن، وتأسيس المراكز التجارية والمؤسسات، ثم أيضاً استئجار الأراضي الزراعية ومحلاّت بيع الخضار عند مداخل العاصمة وفي كافة الأحياء الفقيرة...

     حيث بدأت تبرز التوترات الأمنية نتيجة المنافسة في سوق العمل، وتزايدت المخاوف بين اللبنانيين نتيجة الخلل الديموغرافي القائم، وبخاصة في مناطق البقاع التي تعتبر المحطة الاولى لتدفقات النازحين عبر الممرات الجبلية عند الحدود البرية، حيث تتكوّن "العشوائيات الكبرى" في بلدات البقاع الاوسط  والبقاع الغربي، والتي تحوّلت بمرور الزمن الى أبنية من قب الياس الى بر الياس، ومجدل عنجر.. حيث تُقدم المفوضية  واليونيسيف مع غيرها من الجهات المانحة،الدعم والمساعدات النقدية للأساتذة ولمديري المدارس،  وللعديد من رؤساء البلديات وبمساهمة جمعيات أهلية محلية تعمل مع النازحين وتتلقى الدعم  لتسهيل عمليات استئجار الأراضي والقيام بمشاريع مائية وكهربائية وصحية لتحسين اوضاع النازحين.. ‏

والبارز أنّالأموالالتيتدفعهاالجهاتالمانحةإلىمستحقيها في المدارس والمستشفيات ومراكز الرعاية الاجتماعية،تُحوّل مباشرة الى مستحقيها،وذلك دون أيةرقابة أو تدقيقمنوزارةالمالوالجهات الحكومية..

 

      نذكر أيضاً ظاهرة انتشار النزوح السوري في بلاد البترون، على امتداد:  كفر حلدا، بيت شلالا وبستان العصي.. حتى بلدة تنورين،  وغيرها من البلدات الواقعة في حوض نهر الجوز، في بلاد البترون حيث بدأت محاولة جماعية من الأهالي لإخلاء المباني السكنية من الوجود غير المنظّم وغير القانوني للنازحين السوريين الذين بدأت تتزايد اعدادهم بأضعاف عدد السكان المحليين..

        امام هذا الواقع وفي نهاية ايلول 2023، فقد حذر وزير الداخلية  في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، من أن ملف النازحين "يهدد ديمغرافية لبنان وهويته"، وقال: " لم يعد مقبولاً من مفوضية اللاجئين أن تبقى تعمل بمعزل عن أي اعتبار لوجود الدولة اللبنانية ولقوانين لبنان، وخصوصاً فيما يتعلق بتسليم قاعدة البيانات الخاصة بالنازحين السوريين إلى الأمن العام"..

      الدولة تبدو غائبة عن مواجهة ظاهرة انتشار  ودمج النازحين من قبل المنظمات الدولية التي تنفذ مخطط الدمج الواسع من خلال منح افادات سكن واقامات وكفالات عشوائية، مقابل استفادة بعض المالكين من تأجير الاراضي والمساكن،  بينما هي تعتمدالسياسة الانتقائية في التعامل مع اللاجئين الأفارقة (من الصومال ومالي وإريتريا وإثيوبيا) في لبنان، وذلكفي غياب السلطة اللبنانية ورغم قرارات وزارة الداخلية، حيث يتم ترحيل غير اللبنانيين، ما ادى الى مغادرة العديد من أسر النازحين الى بلدات أخرى في عكار وطرابلس، وبخاصة الى البقاع ...

في هذا السياق يمكن الاشارة الى بعض المواقف:

  • لا تطبق المفوضية الاتفاقية الدولية للاجئين 1951 ،لجهة التمييز بين اللاجئين والمهاجرين للعمل، وتصنيف النازحين بين طالب اللجوء والمهاجر الاقتصادي...
  •  في مؤتمر برلين عام 2014، فقد رفض لبنان أن يخضع لازدواجية المعايير المطبّقة على الاراضي اللبنانية، لجهة عدم تقيّد المفوضية العليا للاجئين بالقوانين الدولية، وعدم التنسيق في تطبيقها مع لبنان، وبحسب وزارة الخارجية في لبنان.. لماذا لا يتم التمييز بين اللاجئ والمهاجر  لطلب العمل: "كيف يحدث أن يحمل «نازح» سوريّ بطاقة نزوح وهو مزوّد في الوقت ذاته بإقامة للعمل؟"..
  • أكد وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق رشيد درباس قبل عشر سنوات (نهاية عام 2014):"ان قرارات المفوضية العليا لا تتوافق مع المعايير التي حددتها الحكومة..  ان المفوّضية العليا المتواجدة على الأرض اللبنانية لا تحترم السياسة التي تعتمدها الدولة اللبنانيةثم يتابع: " ...أنا اخشى ليس التوطين وحسب، ولكن أيضاً الانفجار العام".
  • كشف المدير العام للأمن العام اللواء بيسري عن وجود "لوائح موازية لتسجيل اللاجئين السوريين"، بهدف تقديم المساعدات اللازمة لهم، حيث تبيّن مؤخراّ أن المفوضية تخرّق القوانين اللبنانية وتخالف الاتفاق الموقع مع وزارة الداخلية عام 2003، لجهة اعطاء افادات سكنية للاجئين السوريين 
  • كما كشف وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم، في تصريح من السراي الحكومي (نيسان 2023)، عن "37 ألف سوري دخلوا سوريا خلال فترة عيد الفطر، ثم عادوا إلى لبنان بعد انقضاء عطلة الأعياد، بما ينفي عنهم صفة النازح" ...

 

رابعاً- عوائق تمنع عودة النازحين السوريين
أجرت المفوضية دراسات استقصائية دوريةمنذ عام 2017، حول تصورات اللاجئين السوريين ورغبتهم في العودة الى سوريا.. حيث تبيّن أن:

  • المساعدات النقدية  تمنع عودة النازحين

      تأتي في المقدمة، فهي تقدم بواسطة برنامج الأغذية العالمي واليونيسف والمفوضية والاتحاد النقدي اللبناني... وتشمل كافة أفراد الأسرة لتأمين أكلاف المعيشة، وهي تعنبر الشريان الحيوي لبقاء اللاجئين في لبنان. وبحسب المفوضية، "ستساعد البطاقة المشتركة أيضاً على تسهيل التواصل مع أكثر من مليون لاجئ سوري يتوزعون حالياً على 2,000 بلدة ومحلّة في لبنان".

  • كما تشمل المساعدات: الحصول على التعليم، وتقديم الرعاية الصحية، ومساعدة الأطفال، مع دعم الأشخاص ذوي الاعاقة وكبار السن، ودعم المأوى..
  • تنظيم برامج اعادة التوطين، واعداد لوائح للراغبين باللجوء الى دولة ثالثة بهدف الاقامة الدائمة. ثم تقديم المشورة والاعانة  من خلال المساعدة القانونية، ثم توفير كافة أشكال الحماية من خلال الابلاغ عن الاستغلال والاعتداء الجنسي، وأيضاً الابلاغ عن التعرّض للاحتيال، ولا سيّما التحذير من مخاطر الهجرة غير النظامية في المراكب عبر البحر...
  •       كل هذه المساعدات يفتقر اليها اللبناني في وطنه اليوم، وهو يواجه أزمة وجودية، ويهاجر للبحث عن الرزق خارج لبنان،
  • الامم المتحدة توفر  الدعم المالي[3]والصحي والتعليمي والغذائي

        ان قرار الحماية الدولية والمساعدات المالية النقدية المخصّصة لعائلات النازحين في لبنان، هي التي تحول دون عودتهم الى ديارهم، كما أنها هي التي تشكل اليوم عوامل جذب أدت الى تدفقات جديدة من المهاجرين السوريين، بدأت تعبر الحدود للحصول على المأوى والمساعدات الموعودة...

وبحسب الإحصاءات التي أوردها وزير الشؤون الاجتماعية ، بان البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً يفيد منه نحو 70 ألف عائلة لبنانية فقط في مقابل 230 ألف عائلة سورية.

         كما كشف محافظ بعلبك الهرمل،  أن: "عدد النازحين السوريين في بعلبك – الهرمل وحدها بلغ 315 ألفاً، وهو أكثر بكثير من عدد اللبنانيّين القاطنين في المحافظة، والذي يبلغ حوالى 250 ألفاً". وان "هناك 450 ألف ربطة خبز مدعومة تُستهلك يومياً من قبل النازحين السوريين".. وباننا "بحاجة لوقف تدفق النازحين السوريين عبر الحدود

  • مواقف النازحين حول الرغبة بالعودة

         منذ العام 2017 ، فقد أجرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين،  دراسات استقصائية دورية وقد نُفذت الدراسة الأخيرة  بداية عام 2023، حول "تصورات اللاجئين السوريين ورغبتهم في العودة الى سوريا"..   حيث طُرح السؤال التالي: "هل تأمل في العودة إلى سوريا يومًا ما؟" ، وقد جاءت النتيجة أن 56 في المائة يرغبون العودة، مقابل 32 في المائة  لا يرغبون بالعودة، و11 في المائة لم يقرروا بعد..

      كما سُجّل تراجع في الأمل بعودة اللاجئين الى سوريا خلال الاتني عشر (12) شهراً القادمة،فقد تبيّن بحسب نتائج الاستقصاء أن 94 في المائة من اللاجئين السوريين في لبنان "ذكروا صراحةً بأنهم لا يرغبون بالعودة إلى سوريا خلال الإثني عشر شهرًا التالية (كانت هذه النسبة 73 في المائة 2017، ثم 85 في المائة عام 2018)، وذلك في مقابل 1,1 في المائة فقط  أجابوا بنعم،  وخمسة في المائة بأنهم لم يقرروا بعد..

     توصلت الدراسة الى وجود اتّجاه تنازليّ في الرغبة بالعودة، حيث يتراجع الأمل في العودة،

  • مواقف النازحين حول العقبات التي تعترض طريق العودة

        بحسب نتائج الدراسة الاستقصائية التي أجرتها المفوضية في سوريا لعام 2023، يتبيّن ان العقبات التي تعترض طريق العودة، تتوزع بحسب الأولوية  وفق الأتي:

  • الافتقار إلى فرص سبل العيش والعمل في سوريا، وهي تأتي في المقدمة كعقبة أساسية في طريق العودة، وكان هذا العامل هو الاكثر ذْكراً بين النازحين..
  • الحاجة الى الأمن والامان في سوريا:  ما زالت الامور الأمنية تؤثر بصورة كبيرة على اتخاذ قرار العودة، وهي تشمل:  النزاع القائم في بعض المناطق، ووجود الاطراف الفاعلة المسلحة، والافتقار إلى إنفاذ القانون.
  • الافتقار إلى الخدمات الأساسية، مثل: الصحة، المياه، والكهرباء ولا سيّما المسكن،  وهي تصنّف أيضاً من بين أهم العقبات التي تواجه العودة الى سوريا..

   5- سياسة الحكومة  لتنظيم  عودة النازحين

     في عام 2014، قرر مجلس الوزراء وقف تسجيل النازحين لدى المفوضية العليا للاجئين، مع المباشرة بتنظيم احصاء شامل لأعداد النازحين وتوزيعاتهم بحسب المناطق اللبنانية، ثم وضع خطة عمل لتنظيم عودة النازحين الى سوريا.

  • كما عقد مجلس الوزراء جلسة لمناقشة ملف النزوح السوري (11 ايلول 2023)، حيث اتخذ عدة قرارات، حيث طلب من وزارة الداخلية العمل على  "إجراء مسح فوري للنازحين السوريين القاطنين في النطاق البلدي وتكوين قاعدة بيانات عنهم...ثم إزالة التعديات والمخالفات كافة على البُنى التحتية (كهرباء، ماء، صرف صحيّ، ..) الموجودة في أماكن إقامة النازحين، كما والتشدد بتطبيق قانون السير".
  • ثم عقد مجلس الوزراء جلسه ثانية بتاريخ 12 تشرين اول 2023، حيث شكل وفداً برئاسة وزير الخارجية اللبناني، الذي زار سوريا بتاريخ 23 تشرين اول 2023، بعد فترة من التردد والمراوحة، والتقى وزير الخارجية والمغتربين في سوريا، وتم الاتفاق على عقد اجتماعات تنسيقية لاحقة
  • وخلال الجلسة  التي عقدها مجلس الوزراء (10/2/2024)، فقد تم اعادة تكليف وزير المهجرين شرف الدين بإعادة تفعيل ملف النازحين السوريين، لجهة التنسيق مع الجانب السوري..

 عودة النازحينالسوريينبعيدة جداً
     

كما حصل في ملف اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948، فقد تحوّل لبنانالى مخيّم كبير للنزوح السوري الطويل الأمد..

 وبعد ثلاث سنوات على بداية الأزمة السورية،فقد أجرى البنك الدولي بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، تقييمعاجللتداعياتالأزمةالسوريةعلىالوضعالإقتصاديوالإجتماعيفيلبنانخلالالفترةالزمنيةالممتدةبين 2012-2014..

      وقد جاءت نتائج الدراسة صادمة للجميع، اذ تبيّن ان دولة لبنان تتكبد " ثمناً فادحاً وباهظاً نتيجة لكرمها وتسامحها وما اتبعته من سياسة الحدود المفتوحة التي قامت على الروابط التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين البلدين..

 

خلاصة عامة

       كل هذا الجمود و"الفراغ السياسي الطويل"، وانتشار الفساد... يؤكد أن لبنان دولة هشّة، محاصرة في دائرة التوازنات الاقليمية والدولية، وبحسب المعطيات التي ذكرناها، فان عودة النازحين السوريين تبدو بعيدة جداً.. وبالتالي فقد بات لبنان اليوم أمام الخيارات الصعبة لصياغة مبادرة شاملة ترتكز الى مبادئ القانون الدولي الانساني، وتؤمن السيادة الوطنية، وتطبيق القوانين التي تحمي أرضه وحدوده، والخروج من دائرة  الحصار المفروض عليه، وتجاوز مرحلة الجمود والانقسامات الداخلية،  وذلك بالتنسيق الكامل مع الأمم المتحدة والدول العربية المجاورة، لتنظيم عمل كافة المنظمات العاملة على الاراضي اللبنانية،

     كما ان الخطوة الاولى في ملف اعادة النازحين تتطلب اعادة التواصل والتنسيق المباشر مع سوريا لوضع معالم خارطة طريق مشتركة  لتسريع خطوات العودة، وتنفيذها على مراحل للعمل على اعادة النازحين واللاجئين الى ديارهم،  والتخفيف من اعباء النزوح، وتطبيق القوانين التي تضمن سيادة البلدين..

لعنة الجغرافية.. والسنوات العشر القادمة سوف تغيّر وجه لبنان
        في النهاية أرقام مخيفة في الخرائط التي تنشرها المفوضية... لبنان يتغيّر .. ينهار... بينما أهله يهاجرون، وأبناؤه يبحثون عن وطن بديل..

      منذ إعلان دولة لبنان الكبير، وطوال نحو 100 عام،  فقد فشل النظام السياسي في تنظيم جغرافية لبنان في حدودها الحالية، وبينما شكلت الجغرافية عناصر قوة في طبيعة لبنان الجبلية من جبل لبنان إلى جبل عامل، وبدل أن يتحول الموقع الجغرافي إلى نعمة للبنان، فقد حلّت لعنة الجغرافية على اللبنانيين بفعل الإنقسامات الداخلية وأطماع الدول الكبرى والنزاعات في الشرق الأوسط..

     

      لبنان "حقل تجارب" للتدخلات الخارجية، ولديه قيادة  عاجزة مُنقسمة على الحصص. حيث يتم تأجيج الصراعات الداخلية واستغلال حاجة القيادات اللبنانية الى غطاء دولي يحميها...

    لقد أنشأت المفوضية مع المنظمات الدولية التابعة لها، على امتداد السنوات ال 13 الماضية، وعلى انقاض الدولة المتصدعة "مخيّم كبير" لرعاية اللاجئين، لا مثيل له في العالم منذ انشاء المفوضية عام 1951، فهي تتولى مهام الدولة لجهة اعطاء افادات سكنية لتسجيل اللاجئين.. ما ادى الى تكاثر أعدادهم، مع المهاجرين غير الشرعيين؛ والمكتومين، وغير المجنسين،وحتى لا ننسى مراسيم التجنيس (وبخاصة عام 1994) التي بدأت تتزايد خلال العهود الرئاسية الأخيرة في لبنان... وهي تشكل مجتمعة قنبلة ديموغرافية  زمنية..

     ولا شك أن هناك سيناريوهات للتوطين تتم دراستها ضمن مشروع خارطة الشرق الأوسط الجديد، وهي أكثر رعباً كونها تهدف إلى توتير الداخل  لتغيير التوازن الديموغرافي في لبنان... وتعديل الصيغة اللبنانية المتنوّعة القائمة بين الطوائف.. بحيث بات الوجود المسيحي في خطر...

 والسنوات العشر القادمة سوف تغيّر وجه لبنان.

 

 


[1]دراسة قًدمت في ندوة المهرجان اللبناني للكتاب، التي نظمتها «الحركة الثقافية - أنطلياس"،  حول:

 "لبنان بين النزوح واللجوء: المخاطر الكيانية والسياسات الوقائية"، وذلك نهار الخميس في 7 آذار 2024 في مسرح الاخوين رحباني دير مار الياس - انطلياس.

 

[2] تقرير البنك الدولي عام 2016 "نظرة مستقبلية اقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، يدعو التقرير المنظمات التنموية إلى تبني خطة إعادة إعمار شاملة وجامعة، حيث لا يمكن أن تكون إعادة إعمار  مرتبطة بمشاريع البنية التحتية وحدها؛ بل يجب العمل لتخفيف التوترات الأمنية  المتزايدة في المخيّمات واماكن انتشار النازحين..

 

[3] لم يحصل لبنان على الدعم المالي من الهيئات الدولية والجهات المانحة، التي فضلت التعامل والتنسيق مع الهيئات الحكومية المحلية، بما في ذلك وزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة الصحة، ووزارة التربية، الى جانب الهيئة العليا للإغاثة، التي كانت تنسق في تسجيل النازحين الوافدين الى لبنان.