يوم المرأة العالمي

تكريم السيدة زويا جريديني روحانا

كلمة دكتورة هدى رزق حنا

تكريم السيدة زويا روحانا في 8 آذار 2024

في مقام مهرجان الكتاب اللبناني أنطلياس ونظرا إلى تكريم أعلام الثقافة والإحتفال السنوي بيوم المرأة تسنى لي سابقا تقديم إعلامية معروفة وعميدة كلية علوم سياسية كفؤة واستاذتين جامعيتين متألقتين. أما اليوم فمهمتي مختلفة ولها أبعاد شائقة ومحفذة لكون المكرمة مناضلة أصيلة ذات عزيمة لا تتعب، تنشط في ميادين الواقع، ساعية لتغيير مجتمعي كياني من خلال توحيد قانون الأحوال الشخصية وتسليط الضوء على القضايا النسوية وبخاصة الدفاع عن المرأة المهمشة والمعنّفة في لبنان والمحيط.

أذهلتني طبيعة القضايا التي تناقشها وتعالجهاوتبحث لها عن حلول ممكنة، تعزي المواطن بعد أن أرهقته أزمنةالجهل والفساد. وتكمن شجاعتها في عدم السكوت بأزاء الباطل وفي إقدامها على جبه الجهات الدينية والسياسية حماية للنساء والأطفال والعائلات والمقهورين في عالم قاس فقد القلب والقيم وهيمنت عليه الأنانيات وعبادات الذات.

علمت أنها ناضلت وتناضل ضد تزويج القاصرات وتعمل على إحداث تحولات إيجابية في قوانين الأحوال الشخصية. لم يمنعها اهتمامها بشؤون المرأة اللبنانية من الدفاع عن قضايا وطنية محقة وملحة كالحفاظ على أموال المودعين وضرورة استرجاعها، وتأمين العدالة للمظلومين من شهداء مرفأ بيروت والتوكل القانوني المجاني عن أهالي الضحايا. وفي إطار انشغالها بحقوق المرأة العربية تعاطفت وناصرت نساء غزة وذكرت التجارب القاسية المفروضة عليهن ما بين النزوح والقتل والجوع والعطش والقلق المستمر بشأن سلامتهن وسلامة وصحة أولادهن.

كما تطرقت لحقوق الطفل وبخاصة حقه بالحماية من كافة أشكال العنف أو الأذى أو الإساءة البدنية أو العقلية.

السيدة زويا جريديني روحانا من مواليد الشويفات حازت بكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة الأميركية في بيروت وقد استهلت مسيرتها الفكرية بإنجاز أبحاث اجتماعية إقتصادية في مؤسسة البحوث والإستشارات وهي عضو في اللجنة التنفيذية لحقوق المرأة اللبنانية ثم أصبحت مسؤولة عن شؤون المرأة في النجدة الشعبية اللبنانية.

زد على ذلك أنها عضو مؤسس في محكمة النساء العربية وفي الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة. كما أنها عضو مؤسس في منظمة "كفى عنفا واستغلالا" تديرها بحكمتها ونفسها المديد منذ سنة 2005. وبما أنها تريد رفع شأن المرأة اللبنانية ولأنها تؤمن أن تغيير القوانين المجحفة بحقها مرتبط بتغيير المفاهيم،  قررت خوض الإنتخابات النيابية عن المقعد الأرثوذكسي ضمن لائحة "توحدنا للتغيير" في عاليه عام 2018. إني أدع تفاصيل إنجازاتها ورؤيتها المستقبلية في وطن يعاني للأستاذة ليلى عواضة المحامية والناشطة النسوية التي شرفتنا بحضورها في هذه المناسبة.

سيدة ليلى هي عضو منسق في عدة لجان قانونية أنشأتها منظمة كفى لصياغة اقتراحات القوانين التي تقدمت بها منها اقتراح تجريم العنف الأسري الذي أقر سنة 2014  وتم تعديله سنة 2020 وإقتراح قانون موحد للأحوال الشخصية. كما أنها مسؤولة عن برنامج تدريب عناصر قوى الأمن الداخلي على كيفية التدخل مع الضحايا في جرائم العنف الأسري.

_________________________________

كلمة المحامية ليلى عواضة في حفل تكريم زويا روحانا:

يصعب القول في زويا روحانا، وأي قول؟ وهي التي تمتهن لغة الأفعال لا الأقوال .

 

إنها كالساعة تسير دائماً الى الأمام، ليس في قاموسها كلمة صعب أو بعيد المنال، منها تعلم  ت تطبيق وممارسة النسوية فعلياً بعيداً عن نظريات الكتب. ن  فسها طويل، وأهدافها شغفها.

تجمع بين الحلم والعزم، بين قوة المواجهة  وهدوء الحكمة، وبين الص ارمة والصبر في آن. 

 

صوت الم أرة وحليفتها،  ومهما حوربت من قبل المجتمع الذكور ي الذي نعيش فيه،لا تقبل التنازل او المساومة في كل ما يتعلق بحقوق الم أر ة.  ويستفزها التعامل معها كملكية للرجل وفرض الطاعة عليها.

لذا إن القضاء على التمييز ضد الم أرة ومناهضة العنف الذي تتعرض له يحتل أولى اولوياتها .

 

حماسها مع د  بشكل كبير، وكذل ك إيمانها بالقضية.

تعرفتً عليها أواخر العام 1998وبداية العام 1999، وكانت يومها من المؤسسين لاول جمعية تعنى بمناهضة العنف ضد المرأ ة . وكنت محامية متطوعة في تلك الجمعية لمساندة النساء أمام المحاكم .بعدها، كان بمقدورها تأسيس جمعية "كفى" دون شراكة احد، مستندة الى خبرتها وصيتها المعروف، ولكن لأنها وفية مع الأوفياء، أصرت أن تجمع حولها كل من دعم موقفها، وجعلتنا شركاء لها في تأسيس "كفى."

 

وسواء في "كفى" او ما قبلها، لا تعتبر زويا روحانا المنصب شرفاً، بل يمكنها التخلى عنه إذا تعارض مع رؤيتها وقضيتها .مديرة جمعية؟ ولكنها لا تحتكر الظهور، ولا تحب الاضواء، وغالباً ما تدفع بزملاء لها للظهور في الاعلام والتحدث باسم "كفى". فالأهم بالنسبة اليها هو ايصال الموقف وخدمة الهدف .. لا اكثر. 

 

ولعل ابرز ما يميز مسيرة زويا هو:

اولا: شجاعتها، فهي لا تتراجع ولا تخاف التهديد،  وتقف دائماً في خطوط المواجهة الأمامية.

وخير دليل على ذلك هو تع  رضها للخطر اكثر من مرة، من مثل تهديدها بالسلاح،  وتجول المعنف وعائلته حول منزلها ومراقبته، وكذلك تلقيها تهديدات من قبل اهل زوج احدى النساء، ومع ذلك أصرت على عقد مؤتمر صحافي يومها في مكتب "كفى ."

 

ثانيا: مساندتها لفريق عملها في حياتهم العملية والخاصة، ولسان حالها يقول:" نحنا منساند النساء يلي بالمجتمع، أقل شي نساند الصبايا يلي معنا".

 

ثالثا: إيمانها بأن العمل الإجتماعي لا ينفصل عن العمل السياسي، وذلك لحث الدولة على تغيير سياساتها وقوانينها المعارضة لمبادئ حقوق الإنسان، تكريساً لمبدأ العدالة الإجتماعية .

لذلك كانت موجودة دائماً في ساحات النضال السياسي،  وكنا جنباً  الى جنب في ساحات ثورة

17تشرين، حيث كان يخجلك نشاطها وحماسها وتواجدها اليومي في الساحات بكل أمل . 

 

كذلك، عندما ترشحت للانتخابات النيابية الأخيرة، خرجت ببرنامج إنتخابي نابض  بالقضايا التي تحملها، فكان عنوانه المساواة والعدالة الإجتماعية، وأصرت على تضمينه القانون الإلزامي للأحوال الشخصية رغم كل التحذيرات من حساسية هذا الموضوع وتأثيرة على أصوات الناخبين، لكنها أصرت، لأنها رأت أنه من خلال لقاءاتها الإنتخابية يمكن أن تمارس نوعاً من التوعية على هكذا قضايا، بغض النظر عن نتيجة الإنتخابات.  

 

.. زويا روحانا هي روح القضية ونبضها،  ونصيرة الانسانية.. نصيرة المرأة الإنسان، تحميها بصدرها، وتنتزع لها حقوقها بعقلها وجوارحها.. ولعل افضل مكافئة لها في الحياة هو في وصول نضالاتها الى مبتغاها.

.. عزيزتي زويا ، وجود ك بيننا في "كفى" تشريف، ووجود ك في حياتنا كنساء بحد ذاته تكريم ..

وتكريمك اليوم هو فعل تكريم لنا جميعاً.. فشكًرا للحركة الثقافية على هذا التكريم. 

 

                                                                                                                                   المحامية ليلى عواضة 

__________________________________

 

كلمة زويا في حفل تكريمها

 

أود بالبداية أن أعبّّر عن شكري العميق لكل من وقف وراء فكرة تكريمي في هذا اليوم الخاص ،كما أريد أن أشكر الفريق الذي عمل على هذا التحضير لاسيما الدكتورة هدى رزق حنّا من الحركة الثقافية انطلياس، وفريق العمل في منظمة كفى .

وقبل أن أبدا بكلمتي أود أن أشير إلى أن اليوم العالمي للمرأة بالنسبة لي ليس مناسبة للاحتفال بها، بل هي مناسبة للتذكير بالتحديات التي تواجه المرأة في الدول العربية والمجتمعات الأخرى حول العالم ولاسيما في لبنان. 

 إنه يوم لتجديد الوعد باكمال العمل والنضال نحو تحقيق المساواة والعدالة الجندرية ،وتوفير الفرص المتساوية ل لنساء دون تمييز. 

في العام 1995، وأثناء التحضير لمؤتمر بيجينغ الدولي، ساهمت في التحضير لأول جلسة استماع علنية عربية حول موضوع العنف المسلط على النساء، عقدت في بيروت وقدمّت فيها شهادات حيّة على لسان نساء ضحايا العنف من مختلف الدول العربية. تلك كانت نقطة الانطلاق التي جعلتني أتبنى قضية مناهضة العنف ضد المرأة. 

فلقد أحدثت تلك الشهادات الأثر العميق لدى جميع من شارك في تلك الجلسة وساهمت في إحداث صحوة جعلتنا نعي بمدى انتشار ظاهرة العنف في المجتمعات المختلفة، وأيقظت لدي حالة التمرد التي رافقتني في طفولتي على المجتمع الذكوري المحيط بي والذي كان على سيبل المثال ،يصاب بحالة كآبة عند ولادة الفتاة ويقيم الاحتفالات عند ولادة الصبي. من هنا جاء إصراري على متابعة قضية العنف ،فهي تشكل شكلا متقدما من أشكال التمييز ضد النساء ، وذلك من خلال العمل على مأسسة عمل مشترك على الصعيد العربي فكان أن أنشئت "محكمة النساء العربية" التي شكلت حافزا لنا ولغيرنا من منظمات نسوية عربية للعمل على كشف ظاهرة العنف الممارس على النساء  بعد أن كان مستترا لعقود خلت خلف أسوار الخصوصيات العائلية وأقبية المحرّمات الاجتماعي ة

وعلى الصعيد اللبناني، وفي الوقت الذي كنا في لبنان نتغنىّ بمظاهر التمدنّ والانفتاح على الدول الغربية بدأت تتكشف معاناة النساء حالما ساهمت في تأسيس أول مركز استماع وإرشاد لهن ووضع خط ساخن في الخدمة وكان ذلك عام 1997،  وبدأنا نتلقى اتصالات الاستغاثة لنساء إما تعرضّن للعنف الجسدي او لنساء حرمن من أولادهن أو طردن من منزلهن الزوجي أو نساء مهددات بالقتل...فتكشّف لنا المستور من أوجه العنف المسكوت عنه في مجتمعنا وفي قوانيننا وأعرافنا وثقافتنا. 

جرى اتهامنا بالعمالة واستيراد الأفكار الغربية الهداّمة للأسر وتحريض النساء على الرجال وغيرها من الاتهامات التي لم يكن الدافع وراءها إلا محاولة الحفاظ على النظام الأبوي القامع للنساء والمكرّس للسلطة شبه المطلقة للرجال عليهن، خاصة في قوانين الأحوال الشخصية. 

استمرّت مواجهتنا للنظام وأركانه على مدى السنوات الماضية،وقد تمكنّا خلالها من نقل العنف الممارس على النساء من الشأن الخاص إلى الشأن العام وطرحه قضية اجتماعية على الدولة تحمّل مسؤولية مواجهتها، وقد نجحنا مع غيرنا من الجمعيات، وبعد نضال استمر لسبع سنوات، في انتزاع قانون يحمي النساء )وكافة أفراد الأسرة( من العنف الأسري عام 2014

صحيح أننا تمكنا من إحداث خرق في النظام البطريركي الطائفي الذي يحكمنا عن طريق توفيرحماية مؤقتة للنساء المعرضات للعنف أو القتل، إلا أننا على يقين أنه لا يمكن رفع الظلم اللاحق بالنساء إلا  بإرساء نظام مدني يحقق شروط المواطنة والمساواة الكاملة ، عن طريق إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية ووضع سياسات اجتماعية واقتصادية تسعى للمزيد من العدالة والمساواة على جميع الأصعدة كي تطلق طاقات النساء وتؤدي إلى مشاركتهن الفاعلة على كافة المستويات.

لذلك عملنا لسنوات وما زلنا نعمل حتىّ اليوم بكل الوسائل المتاحة أمامنا من أجل اقرار قانون مدني للأحوال الشخصية ،فلم نوفر أي فرصة من أجل الدفع والضغط بهذا الاتجاه ولعل انتفاضة 17تشرين كانت هي المحطّة الاقرب والأبرز على هذا الصعيد تلاها خطوة توقيع القانون من قبل 9نواب وتسجيله في المجلس النيابي. 

أعلم بأن الطريق لا يزال طويلا لكنني سأكملها بنفس الزخم الذي بدأت به، خاصة وأننا بدأنا نشهد في الآونة الأخيرة حملة مرتدة على الجمعيات النسائية، ومن بينها بعض الجهات الدينية، وهذه لا بد من مواجهتها إذا ما أردنا بالفعل أن نحافظ على المكتسبات التي تحققت لغاية الآن، وأن نسعى إلى تحقيق المزيد للوصول إلى مجتمع يفصل الدين عن الدولة على جميع المستويات .

أما التهديد الأخطر الذي نشهده حاليا فهو يطال شرعة حقوق الإنسان بما فيها الحقوق الإنسانية للمرأة والتي لطالما كانت الوجهة التي تمحورت حولها كل مبادئنا وأنشطتنا.فأمام ما نشهده اليوم من ازدواجية في المعايير وصمت العديد من الدول تجاه المجازر التي ترتكبها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وتجاه الانتهاك الفظيع للقانون الإنساني الدولي ،بتنا نتساءل اليوم، هل سقطت منظومة حقوق الإنسان على يد مشرّعيها؟ نحن لا يسعنا إلا أن نتمسك بهذه الشرعة ، فمهما كان تجاهل الأنظمة التي يبدو أنها مستعدةّ للتخليّ عما حققته البشرية على الصعيد الإنساني من أجل مصالحها المادية، فالشعوب التي خرجت إلى الشوارع في البلدان المختلفة تطالب بوقف العدوان على غزة ووقف حرب الإبادة هي التي تعطينا بارقة أمل في وقف هذا الإنحدار الذي نعيشه اليوم

 

وفي الختام، وبهذه المناسبة، أي يوم الثامن من آذار يوم المرأة العالمي، ورغم كل الظروف المحيطة وما تعانيه النساء في مناطق النزاع، خاصة نساء غزة ونساء السودان اللواتي يتعرّضن لشتى أنواع الانتهاكات في ظل صمت دولي شبه مطبق، سنبقى متمسكات بمبادئ حقوق الإنسان والحقوق الإنسانية للمرأة ،سنستمر بالنضال من أجل تحقيق المساواة وتوفير الفرص المتساوية للنساء دون أي تمييز. 

 

  زويا جريديني روحان ا