يوم المرأة العالمي

كلمة الدكتورة جوليات الراسي في إدارة ندوة "تكريم ليلى عازوري جمهوري"

في 2017/8/3

في الحركة الثقافية – انطلياس

أيها الحفل الكريم

أيها الأصدقاء

"إن النهوض بأوضاع المرأة من الناحية القانونية، وإن كان مسألة حقوقية في الأساس، إلاّ أنه أيضاً قضيّة ثقافيّة بامتياز، ذلك أنّ العلاقة وثيقة بين الترقية للمرأة والسياق الاجتماعي والثقافي السائد في المجتمع. فلا يكفي الاقتناع بضرورة النهوض بالمرأة، بل يجب معالجة المعوّقات والصعوبات التي ما زالت تعترض    سبيلها. هذا فضلاً عن أنّ تدنّي مستوى الوعي القانوني لدى بعض النساء يشكّل هو أيضاً عائقاً أمام تمتعهنّ بحقوقهنّ، ويسهم في أن يتفاوت تطبيق التشريعات النافذة على أرض الواقع..."

(ليلى عازوري جمهوري، تقرير إقليمي عن الدراسات المسحيّة للبرامج والمشروعات والأنشطة للنهوض بالمرأة العربية في المجال القانوني، منظّمة المرأة العربية، ط2، 2011، 152 صفحة، ص 17)

فماذا عن الدستور اللبناني وموقفه من حقوق المرأة؟

ومتى نالت المرأة اللبنانية حقّها في الاقتراع؟

وما نسبة مشاركتها في الحياة السياسية اليوم؟

وهل هي قادرة فعلاً على تحمّل تلك المسؤوليات؟

وما هي المعوّقات والصعوبات التي تبعدها عن مركز القرار؟

وما هي السبل والحلول لمشاركتها السياسية الفعلية؟

          قبل الإجابة على هذه الأسئلة (أو على قسم منها) لا بد من نبذة تاريخية مختصرة عن بداية حصول المرأة على حقوقها، بخاصة حقّها في الاقتراع عالمياً ومن ثمّ اقليمياً ومحلياً.

 

نبذة تاريخية عن حقّ المرأة بالتصويت والترشح:

-         بالنسبة إلى حق التصويت والترشح للمرأة، فكانت نيوزيلندا قد منحت ذلك للمرأة في عام 1893.

-         وفي عام 1906، كانت فنلندا أول دولة في العالم دعت إيلاء الاهتمام الكامل في حق الاقتراع (حق التصويت والترشّح لمنصب الرئاسة) لجميع المواطنين، بمن فيهم النساء.

-         على ان النساء الاميركيات هنّ أول من تحركن للمطالبة بحقّ التصويت، وقد نجحن في ذلك في ولاية نيوجرسي (عام 1776)، ولكن لفترة مؤقتة (حتى عام 1807). ولم يتمّ تفعيل حقّ المرأة في التصويت على المستوى القومي إلاّ بحلول عام 1920.

أما على صعيد العالم العربي، فقد مُنح هذا الحق للمرأة في سوريا سنة 1949، وفي قطر سنة 1998 وفي البحرين سنة 2002، وفي عُمان سنة 2003، وفي السعودية سنة 2011، لكنّ أول مشاركة فعلية لحقّ المرأة السعودية بالتصويت والترشّح فقد سجّلت عام 2015.  

على أن المرأة اللبنانية كانت سبّاقة في هذا المجال، إذ مُنحت حق الترشيح والتصويت عام 1953. ولكن هذا الحق الذي نالته المرأة اللبنانية هل غيّر فعلاً واقعها في لبنان؟ ذلك "أن إقرار هذا الحقّ قانونياً لا يُعتبر اكتساباً للمرأة إذا لم تتمكن من ممارسته بصورة فعلية وإدارية ذاتية..." ووصول المرأة إلى مواقع القرار يتطلّب خطة شاملة يشارك فيها المجتمع ككل إلى جانب الجمعيات الأهلية (البيان، العدد 85، في 6/3/2017 [الصفحة الرئيسية])

أولاً: في الدستور اللبناني الصادر عام 1926، ليس هناك من "نصّ تمييزي بحقّ المرأة، بل يكرّس مساواة جميع المواطنين أمام القانون (فالمادة 7) تكرّس المساواة في الحقوق المدنية والسياسية، (والمادة 12) المساواة في تولّي الوظائف العامة، (والمادة 21) المساواة في الأهلية الانتخابية..." (المرجع نفسه، ص 27)

-         اما على صعيد الأحكام الدولية، فقد أبرم لبنان منذ عام 1972، "العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والثاني بالحقوق المدنية والسياسية..."، بالإضافة الى اتفاقيات أخرى... أما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فقد صدّق عليها لبنان بموجب القانون رقم 572 (عام 1996) مع تسجيل بعض التحفظات

ثانياً:

-         نالت المرأة اللبنانية حقّها بالترشّح والتصويت عام 1953، واعتبرت كما سبق وأشرنا سبّاقة بين الدول العربية، لكنها لم تدخل البرلمان فعلياً. فقد كانت أول امرأة دخلت البرلماني هي ميرنا البستاني سنة 1963، بعد وفاة والدها. وقد دخلت المرأة اللبنانية البرلمان بعد ذلك عام 1991 (بالتعيين) بعد عشرات السنوات على صدور القرار المتعلق بحقّها بالترشح والتصويت.

-         وما يزال لبنان حتى الآن يشهد غياب التطبيق الفعلي للقانون، وغياباً للمرأة عن تمثيل سياسي حقيقي، فنسبة مشاركة المرأة اللبنانية في البرلمان لا تتعدى 3 أو 4% وهذا أمرٌ مستغرب في بلدٍ يزخر بالكفاءات العلمية والثقافية.

-         أما في جزر القُمر، فقد منحت المرأة حق التصويت والترشّح عام 1956، وسُجّل دخول المرأة إلى البرلمان في العالم 1993. وهي حالياً تشغل 20% من المناصب الوزارية، كما تشغل 3% فقط من مقاعد مجلس النواب.

-         والمرأة اللبنانية بيّنت عن مقدرتها في شتّى المجالات علمية او ثقافية أو غيرها، وهي قادرة بالطبع على تحمّل المسؤولية السياسية وترقي مواقع القرار، لكن هناك مجموعة معوقات منعتها حتى اليوم من أن تكون فاعلة أكثر في المجال السياسي. ومشاركتها السياسية ضرورة ملحّة.

ثالثاً:

-         المعوقات والصعوبات التي تبعدها عن مركز القرار متعددة ومتنوعة. أن العائلة والطائفة والدولة ضد مشاركة المرأة في الشأن العام، إذ "أن التمييز على أساس النوع الاجتماعي اليوم، والذي ينبع من هذه البنى الذكورية الثلاث، يطغي على مشاركة المرأة العامة الكاملة والمتساوية ويضعها في مكانة متدنيّة جداً كنقطة انطلاق في السياسة.

فالتركيبة الذكورية للعائلة بشكل خاص، يمتدّ الى الثقافة السياسية اللبنانية عموماً (والتي تعرّف بالأسريّة السياسية).

وهذا أدى إلى خلق نظام سياسي وانتخابي معاد للنساء والشباب والمواطنين خارج الطبقة السياسية الحاكمة... [كما] أعاق الاضطراب السياسي المستمر المترافق بسبات تشريعي كلّ تطور على صعيد إصلاحات التمييز على أساس النوع الاجتماعي او الإصلاحات الانتخابية والسياسية.

فقد أثر التوريث السياسي بطريقة مشاركة المرأة في السياسة كناخبة وكمرشّحة. كزملائهنّ الذكور كان التوريث السياسي الطريقة الرئيسية لدخول المرأة اللبنانية الى البرلمان، فمنذ 1953 خدمت في البرلمان اللبناني 17 امرأة فقط، وكان العدد الأقصى لعضوات البرلمان في دورة نيابية واحدة سنة من أصل 128 مقعداً (في انتخابات 2005) وفي عام 2004، عَينت حكومة كرامي امرأتين في منصب وزيرة للمرّة الأولى...

"وهؤلاء النساء هنّ الاستثناء وليست القاعدة. لم يقم السياسيون اللبنانيون الرجال فقط بمنع أيّ مسودة قانون يهدف الى المساواة الجندرية في قانون الأحوال الشخصية فحسب، بل كانوا عدائيين تجاه تعزيز مشاركة المرأة السياسية، وغالباً ما يظهرون كرهاً كامناً للنساء..."

"... العملية برمّتها لا ترحّب بالنساء ومعظم المواطنين العاديين الذين لا ينتمون الى أسر سياسية تقليدية... وهناك عائق آخر من نظام الانتخابات الطائفي في لبنان [وهو أيضاً مصدر للتمييز بين النساء]، إذ لا تواجه النساء صعوبات ليتمّ اختيارهنّ كمرّشحات فقط، بل ان فرضَهُنّ تكاد تكون معدومة إن كنّ ينتمين الى طائفة لديها مقاعد قليلة في البرلمان".

كما أن غياب الوعي والمبادة هما العدو الرئيسي للمرأة اللبنانية. إذ نجح القادة السياسيون في صدّ جهود المجتمع المدني، وذلك بشكل كبير تسبب غياب الضغط الكافي من قاعدتهم الشعبية..."

رابعاً: السبل والحلول لمشاركتها السياسية الفعلية:

لا بدّ من تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وتعزيز المساواة بين الجنسين، وذلك يتطلّب إجراءات جذرية تتعدى إقامة نشاط محدود أو مؤتمر وبرنامج تلفزيوني "فالحماية الأسمى للمرأة والعائلة تقضي بوضع خطّة شاملة لبناء المجتمع والوطن، بعيداً عن القيود الطائفية والأفكار الذكورية البالية، وذلك لكي يتثبّت العمود الفقري في المجتمع اللبناني وتتوحد دعائمه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية استناداً الى ركيزتين هما المرأة والرجل".

ولعل الأحزاب السياسية هي طريق رئيسية امام النساء، وذلك لأن الطريق التشريعي والتنفيذي مسدود. فان ضغطاً منظماً وواضحاً من الأعضاء النساء في الأحزاب السياسية اللبنانية الرئيسية قد يكون الطريق الوحيد في الوقت الراهن لتمرير قوانين تحرّر النساء من التمييز القانوني على أساس الجندر في حياتهنّ الخاصة، وتدعم تمثيلهنّ السياسي العام. فالأعضاء الشابات وخصوصاً أولئك اللواتي كنّ او ما زلن منخرطات بشكل كبير في السياسة في الجامعات، وبالتالي شحن مهاراتهنّ السياسية، قد يكنّ الأجدر وفي المكان الأنسب لقيادة مبادرة من هذا النوع، الذي يتطلّب اصلاحاً حزبياً داخلياً، كما يتطلب عدداً من العضوات لديهنّ الإرادة والتصميم... وهذا يعني ان تصبح المشاركة السياسية للمرأة مسألة عامة وليست حكراً على مجموعات المجتمع المدني وهيئات المرأة..."

 

سيرة ذاتية موجزة

د. ليلى عازوري جمهوري

 

-         دكتوراه دولة في الحقوق من جامعة ليون في فرنسا.

حالياً:

-         عضو المكتب التنفيذي، ورئيسة لجنة سيداو، في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية.

-         رئيسة اللجنة المكلّفة إعداد تقارير لبنان الرسمية حول اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، وعلى هذا الأساس ترأست الوفد اللبناني الى الدورة 33 (في نيويورك، تموز 2005) والدورة 40 (في جنيف، كانون الثاني 2008) من اعمال اللجنة الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة.

-         عضو لجنة خبراء منظمة العمل الدولية المكلّفة بمراقبة ومتابعة اتفاقيات وتوصيات العمل الدولية وإعداد التقارير ذات الصلة.

-         عضو لجنة الاستشاريين المختارة من المكتب الإقليمي لمنظمة العمل الدولية للبحث بوضع العمال المهاجرين في الدول المعنيّة.

-         المنسّقة الرئيسية لأكثر من مشروع لدة منظمة المرأة العربية.

-         على الصعيد الأكاديمي، أستاذة مشرفة على رسائل دكتوراه في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية، واستاذة محاضرة في كلية الحقوق في جامعة الحكمة.

-         لها العديد من الدراسات والأبحاث والمساهمات الاكاديمية، لاسيما في مجال القانون الاجتماعي ومجال حقوق الانسان ومنها حقوق المرأة في لبنان وفي الدول العربية.

سابقاً:

-         أستاذة القانون الاجتماعي في كلية الحقوق وفي المعد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية.

-         مديرة كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية لثلاث دورات:

من 1983 الى 1986

ومن 1993 الى 1999

 

نبذة عن الدكتور إيلي داغر:


 

أسماء الذين سيقدون شهادات عن الدكتورة ليلى عازوري جمهوري:

 

1-    القاضي الرئيس الدكتور رودن يضو

2-    المحامي الأستاذ فادي كرم، أمين سر الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية.

3-    الدكتورة ليلى سعادة، عميدة المعهد العالي للدكتوراه في الشرق الأوسط.

4-    الدكتورة عزّه شرارة بيضون، باحثة وعضو لجنة سيداو في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية.

_____________________________________________

ليلى عازوري جمهوري

أشكر الحركة الثقافية- انطلياسعلى مبادرتها التي أتاحت لي فرصةبلوغِ هذه اللحظة التي، وإن عبرت، لن تكون لحظة عابرة في حياتي.

وإذ أقدّرُ للحركة الثقافية حفاوة المناسبة ودقة التنظيم، أُعربُ لها عن عميق امتناني لكون هذا التكريم يتوجّه أولاً "للمرأة" التي أمثّل، وهذا إن دلّ على شيء، فهو أن الحركة الثقافية- انطلياس ثابتةٌ على الاضطلاع بدورها الريادي في نشر الثقافة، وأولها ثقافة حقوق الإنسان والمرأة جزء لا يتجزأ منها.  إنما للمفارقة، وليس من قبيل المُزاح، فإن هذه المرأة التي تكرّمون، مشكورين، هذا المساء، عندما أرادت، قبل سنوات، أن تفتح حساب توفير مصرفي لابنتها القاصر في ذلك الوقت، لم يشفع لها كلُ ما قيل فيها قبل قليل، ورُدّ طلبُها، لا لشيء إلا للزوم أن يأتيَ الطلب من الأب وليس من الأم.

أشكر الدكتورة جوليات الراسي على الجهود التي بذلتها في التنسيق والمتابعة، كما أشكرها لحضورها  وحسن إدارتها لهذا اللقاء.

والشكر، كل الشكر للأخ والصديق العزيز الدكتور ايلي داغر للتقديم الذي تكرّم به عليّ، وقد ضمّنه شهاداتٍ أعتزً بها ولطالما اعتبرتُها سنداً ثميناً للمثابرة والمتابعة. أضاء على الايجابيات، وأخفى عنكم الإخفاقات، وما أكثرها.  لكن الإناءَ ينضحُ بما فيه، ومن يعرف دكتور داغر يعترف له بنقاء الفكر، وصدق الموقف، وشجاعة الرأي، وثراء التجربة على الصعد كافة، أكاديمياً، وإدارياً، ونقابياً، والأجمل إنسانياً.  شكراً جزيلاً، صديقي العزيز، لما بذَلتَه من ذاتِك في سبيل هذه المناسبة، وأدعو لك بدوام النجاح والتألق.

والشكر سلفاً للصديقات والأصدقاء الذين لبوا دعوتي للإدلاء بشهادتهم وهم من المشهود لهم، كلٌ في مجاله، بالمناقبية والشفافية والاستقلالية وعمق الالتزام بالحق والحقيقة.

كما أشكر عميق الشكر جميع الحاضرين فرداً، فرد، وأقدِّرُ لهم عالياً مشاركَتَهُم.

أما بعد، اسمحوا لي أن أهدي هذا التكريم إلى روح والدي اللذين لم يَبخُلا يوماً علينا، شقيقي وشقيقاتي وأنا، لا بالغالي ولا بالرخيص، وبخاصةٍ الرضا والدعاء. كما أود في هذه المناسبة، ونحن في اليوم العالمي للمرأة، أن أوجّه تحيةً خاصة، هي تحيةُ محبة وتقدير وعرفانٍ بالجميل للمرأة التي كانت لنا، أشقائي وأنا، بمثابة الأم الثانية ومثال التضحية بالذات. عمتي، شكراً لك، وأطال الله عمرَكِ، وعمرَ السامعين.

هذا على الصعيد الخاص، أما على الصعيد العام، فإن تحيتي الأكبر تتوجه إلى الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، للثقة غير المحدودة التي منحتني إياها وللإنجازات الكثيرة التي حققتها غالباً بصمت، إنما دائماً بجودة وفعالية عالية. فلتكن مشكورة وأتمنى لها دوام النجاح.

وإذا كان لا بد من كلمة في المناسبة، تحاكي الموضوع، أقول ما يلي:

علّمتني دراسةُ الحقوق ومن بعدها، شرفُ تدريس هذه المادة النبيلة، كما يصفُها، عن حق، صديقٌ عزيز، أن الموضوعية والمنطقوالقراءة المعمّقة للنصوص القانونية هي شروط لازمة لمقاربة أي مسألة مقاربةً صحيحة. 

كما علمتني دراستي، ومن بعدها وُسع الآفاق التي يأخُذك إليها هذا الاختصاص، أن حقوقاً تسمو وتعلو على غيرها من الحقوق، بحيث أن افتقادَ الأولى يُفقِدُ الثانية مبرِّرَ وجودِها. وقد تعلمت، في هذا السياق، في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية أن التعاطي بقضايا المرأة ليس نزهةً أو ترفاً، إنما هو طريقٌ طويل وشاق، وأكاد أقول وعِر، تعتري التقدّمَ فيه، حتى ببطء، معوّقاتٌ كثيرة.

إنما تعلمتُ أيضاً أن الوفاء بالالتزامات ليس واجباً قانونياً فحسب، بل هو أيضاً واجب أخلاقي.

وتعلمتُ خاصةً، أنه عندما يتبيّن للمشرّع، أن مساواةً  في النص لا تُترجم هكذا على أرض الواقع، ذلك أن اعتباراتٍ مختلفة، اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية وغيرها، قد تحول دون تحقيق المساواة الفعلية، فإن من واجب المشرّع أن يتدخل ويتّخذ ما يلزم من التدابير لمعالجة الخلل الحاصل وضمان تحقيق المساواة الحقيقية.

تحت هذا العنوان تحديداً، تندرج، في مجال الحقوق السياسية للمرأة، مطالبةُ النساء بمقاعد محفوظة لهنّ في المجلس النيابي، ولبنان ملتزم بالاستجابة لهذا المطلَب، على الأقل منذ أن صادق على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، أي منذ عشرين سنة. لكن لبنان لم يفعل بعد، لذلك تراوحُ المشاركة السياسية للمرأة اللبنانية مكانها، حتى حيث لا حاجةٍ لاستصدار قانون لتفعيلها، عنيتُ تشكيل الحكومات الذي يتم بمراسيم ليس إلاَ.

صحيح أن تقدّماً سُجّل مؤخراً باستحداث وزارة دولة لشؤون المرأة، وهو تقدّم ملحوظ حتماً، إلا أنه لا يختصر بحدّ ذاته مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار، وإن كان يشي باستعدادٍ لدى الدولة للنظر بجدية بقضايا المرأة، المتداولُ منها وغير المتداول، مثال ذلك، يُفاجِئُك، على صعيد الانتخابات البلدية، أنه إذا فازت امرأة عازبة بعضوية المجلس البلدي في بلدتها أو مدينتها، فإن هذه المرأة سوف تكون محكومةً بألا تتزوج برجل من خارج بلدتها أو مدينتها، على الأقل طيلة مدة ولاية المجلس، لأن خلاف ذلك سوف يؤدي إلى إسقاط عضويتها من المجلس البلدي!

وكلما اقتربنا أكثر من الأحوال الشخصية، يصبحُ وقعُ التهميش والتمييز أكثرَ قسوة على المرأة، لاسيما عندما يتعلّقُ الأمرُ بالأولاد القاصرين وبالولايةِ عليهم إلى حد  تزويجِهم. فمن جهة، لا قانون في لبنان يمنع  زواج القاصرين، ومن جهةٍ أخرى، لا سلطة للأم للحيلولة دون زواج القاصر من أولادها، ذلك أن معظم قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في لبنان، لا تشترط موافقة الأم على زواج ولدها القاصر، ذكراً كان أو أنثى. وهكذا... بحيث تبدو مسألةُ الحساب المصرفي، على رمزيتها، تافهةً أمام القضايا الأخرى، وما أكثرها.

ومُرُّ الختام هذه القصة:

جاءتني يوماً سيدة تعرُضُ مشكلةً لديها، علّني أساعد، على الأقل بالرأي والنصح.

حكت، انفعلت، تمالكت، وأنهت كلامَها بسؤالٍ: هل هذا صحيح؟ وما العمل في هذه الحالة؟

والحال أن هذه السيدة كانت قد تزوجت من رجل غير لبناني وأنجبا ولدين. إلا أن الطلاقَ وقع بينهما، فعاد الرجل إلى بلاده تاركاً الولدين بعهدة الأم وعلى نفقتها، وذلك بالرغم من ضيق حالها.

عمِلت، ربت، علّمت، حتى أن ساعاتِ عملِها كانت أحياناً كثيرة تصل إلى اثنتي عشرة ساعة في اليوم، لكنها كانت راضية بحالها، لاسيما أنه أُتيحَ لها أن تمتلك المسكن المتواضع الذي كانت تُقيمُ فيه مع ولديها.

إلا أنه جاء من قال لها: ماذا فعلتِ؟ ألا تعلمين أنه إذا أصابك مكروه لن يكون هذا المسكن لولديك بل لورثة آخرين؟.

فكان هذا هو موضوعُ سؤالها، وسببُه أن ولديها لم يكونا لبنانيين.

وأنا أسأل وبكل تجرّد: ألا تكفي تِسعون سنة ونيّف من التمييز بين الأب والأم في قانون الجنسية؟ أعتقد صادقة أن الجواب واضحٌ، لذا فإن المسؤولين عن هذا الملف مدعوون إلى عدم إطالة الانتظار أكثر وتعديل قانون الجنسية بما لا يخالف الدستور طبعاً، إنما أيضاً بما يُتيحُ للأم اللبنانية، إكسابَ جنسيتها لأولادها.

ففي آخر المطاف، كُلنا يعلم أنه لا يمكن لأي وطنٍ في العالم أن يكون بخير وحقوق المواطَنة فيه ليست بخير.

وشكراً.