ندوة حول كتابي

"علامات اسكاتولوجية في شعر ريمون شبلي"، للأب مارون الحايك

" ريمون شبلي شاعرا بين الاشارة والعلامة والعبارة"للسيد ميشال سعادة

كلمة بريجيت كساب

1-    بين الكاتب او الشاعر والقارىء كتاب يحضن بين صفحتي غلافه كلمات تحمل في طيّاتها وبين أحرفها بطاقة سفر توصله الى مكان اختاره الكاتب او الشاعرفيحمّل القارئ رسالته السامية وربما السماويّة، ليكون قد نفّذ مهمّة أوكِلت اليه بفعل الموهبة أو بفعل التبشير. المهم ان تصل هذه الرسالة بكمالها وبحسب قصد كاتبها. وهنا تكمن اهميّة دور الناقد المتجرّد والمتعمّق في آن واحد، ليظهر لنا العلامات العميقة المعمّقة والمتجسّدة في كلمات هذا الكتاب النابعة من نفس الكاتب ونابضة بكل احاسيسه ومشاعره فتعكس لنا الصورة الحقيقية لافكاره ومعتقداته وايمانه. فهو يغوص فيها، هي التي انتظمت في سطور ليقرأ لنا هذه العلامات الايمانية والاشارات والعبارات التي يملؤها التصوّف والجمال، فيستنبط المعاني الصحيحة ونفهم عندئذ الرسالة التبشيرية التي يحملها او الحلم والابداع بحثا عن الذات الانسانية.

ان ندوتنا اليوم المتمحورة حول كتابين لكاتبين وناقدين هما الاب مارون الحايك الانطوني والسيد ميشال سعادة، يبحثان عن العلامات في مؤلفات وشعر ريمون شبلي، هي غنية بالتحليل والتعليق والبحث بين السطور والاحرف من اصحاب الاختصاص في الشعر والايمان والاعلام والتذوّق الادبي. ترحب الحركة الثقافية انطلياس بالمشاركين في هذه الندوة فردا فردا، ونحن اذ  نفتخر بوجودهم بيننا وعلى منبر حركتنا حيث تضيق كلمات التعريف بهم لان هالة الفكر والمعرفة والثقافة تحيط بهم وتخبر عنهم اينما حلّوا. وأيضا تشكر الحاضرين معنا الذين حضروا اليوم للتأكيد على استمرار حمل راية الثقافة عاليا مهما كبرت الصعوبات وقست على مجتمعنا من اي نوع كانت.

نبدأ بالكتاب الاول "علامات اسكاتولوجية في شعر ريمون شبلي"حيث يكشف المؤلف عما تحمل كلمات الشاعر موضوع الكتاب من معاني سامية تتخطى الواقع الى الحياة الابدية حيث يمتد ايمانه من المحدود الى اللامحدود.

عرف المؤلف هذا الواقع وفهم جيدا مكنونات قلب ونفس ريمون شبلي وايمانه العميق بالحياة الابدية، فرأى ان ينقل الينا هذا الفكر حتى نقرأ بشكل مختلف ومثير للانتباه  كلمات هذا الشاعر في مؤلفاته الغنية. يتميز هذا الكتاب بفرادته من  ناحية موضوع البحث حيث لا يتجرأ الكثيرون على خوض هذه التجربة، كأن يبحث عن الله واسرار الخلق والوجود والايمان ويجدها  في شعر ريمون شبلي ليكون المادة الدسمة في التبشير. ان  الاب مارون الحايك  هو مجاز  في الفلسفة واللاهوت من جامعة توما الاكويني في روما، وايضا مجاز في اللغة العربية وآدابها من جامعة القديس يوسف. له عشرات المؤلفات في الادب والتاريخ والسير الذاتية والروحانيات. كما له عدة مقالات في عدد من المجلات وايضا له ترجمات من الفرنسية والايطالية. سوف يتكلم عن هذا الكتاب رئيس الحركة الثقافية الاب الدكتور جوزف بورعد والشاعرة ايناس مخايل.  

2-    الكتاب الثاني في هذه الندوة وهو "ريمون شبلي شاعرا بين الاشارة والعلامة والعبارة" للسيد ميشال سعادة الناقد والشاعر. فهو يقارب رسالة شبلي موضوع الكتاب المؤتمن عليها من زاوية مختلفة، حيث وجد الاشارة والعلامة والعبارة بين الكلمات والسطور لينقل لنا هذه النتيجة المذهلة، فنعود لنقرأ شعر ريمون شبلي بعين وعقل ميشال سعادة الذي يرى اهمية هذه الميزات وهي جديرة بنقلها الى القارئ بشكل افضل واوضح، فيدلّنا عليها ويشرحها لنا بالتفصيل . يبحث المؤلف ليس فقط في المعاني الما ورائية بين السطور ، انما يبدي رايه في متانة اللغة التي يعتبرها "الوسيلة الوحيدة التي من خلالها نتعرّف الاشياء" والكلام لميشال سعادة. ويضيف انه "لا واقع بدون لغة تعطيه  مسوغات الوجود ودلائل الحضور" ايضا الكلام لميشال سعادة. لا يكتفي المؤلف بعرض شامل لشعر ريمون شبلي انما يغوص في الشعر او النص ويشرحه بتقنيّة عالية وحرفيّة مشهود لها وموضوعيّة متجرّدة. فينتقل من الشكل الى المضمون ذاكرا اهمية  كلتا الحالتين، بانطلاقه  من العنوان الى اللغة فالمعنى يرى الاشارات فيها ليقرأ لنا العلامات ثم يشير الى العبر. انها خارطة طريق كاملة سار عليها وبموجبها الكاتب ليصل في نهاية المطاف الى اكتشاف اسرار الحياة وتفاعلات الشاعر من خلال كتبه. يقدم سعادة شعر ريمون شبلي بشكل علمي وادبي في ان واحد ليبدأ بتظهير الصورة من جسد القصيدة وكيانها الى روحها.

اخذ سعادة قصائد وكتابات ريمون شبلي وفكفك كلماتها وتعابيرها ليلتقط منها المادة والشعور والاحاسيس والاحلام اللامادّية فيلتقطها كي لا تفلت من بين اصابعه ويدلّنا عليها واحدة واحدة في كل بيت من ابيات شعر شبلي. شعر بالحلم فرآه، أحسّ بالايمان فلمسه، سمع الحب فشاهده يرقص على الكلمات العابقة بالمشاعر والمعاني والعبارات.

نجد ميشال سعادة في كتابه هذا الناقد العلمي والاديب المفكر والشاعر العالم بمكنونات الابداع ومزاياه، حيث فتّش في كتابات ريمون شبلي عنها كلها. فلولا معرفته الواسعة العلمية والادبية والثقافية لما حمل الينا هذا الكم من الدلالات والعبر والاشارات والعلامات التي يمكن للقارىء الا يراها او يلمسها كلها بهذه الصورة.

ننقل اليكم من هذا العمل المبدع كيف حلّل عدد الحروف ونوعها ودلالات تكرارها في مقطع من شعر شبلي في ديوانه "أشدو وأشتاق"  ص. 18 ونقرأ

" ثمانٍ وعشرون / وبعدُ المكان/ رياحٌ تلفُ رياح/ وبعد الزمان/ رماح تشكُ رماح/ تفتِّح في كل جيل جراح/ ويهدر نهر ٌ من القهر/ من الجمر/ ويكبر/ يكسِّر حلمَ الورود/ برقصِ الحمام وشوق الوجودِ لدفء النهار/ يبعثر غيمَ الظلام. حيث وردت النون (8مرات) الحاء(8 مرات) الراء (15 مرّة) الميم(9 مرات) ما يعني (والكلام لسعادة) أن دلالة النون تكوين مستمر لحركة مستقرة مكانا وزمانا. دلالة الحاء نماء متعاظم في داخل الحركة. دلالة الراء تكرار للحركة بشكل منظم يستنبط المحاذير. اما دلالة الميم فهي توفير النواقص لاتمام العمل والحركة. انتهى القول.

في النهاية لا بد من التعريف عن كاتب هذا الكتاب:

ميشال سعادة هو ناقد وشاعر حائز على شهادة الكفاءة في اللغة العربية وادابها من كلية التربية في الجامعة اللبنانية. هو استاذ الادب العربي في الثانويات الرسمية والخاصة. هو استاذ جامعي محاضر في العلوم اللسانية والتأوّلية. عضو مؤسس في المجالس الثقافي البتروني وامين سره. رئيس قسم شؤون دبلوم الدراسات العليا في كلية التربية . له مقالات ادبية وشعرية. شارك في عدة مؤتمرات وله مؤلفات عديدة في النقد والشعر. لقد اعتذر الرئيس الدكتور غالب غانم عن الحضور لاسباب صحية منعته من المشاركة معنا الليلة. وسوف يتكلم عن هذا الكتاب الاعلامية نادين الاسعد.

 

 

_____________________________________________

 

كلمة إيناس مخايل في كتاب "علامات إسكاتولوجية في شعر ريمون شبلي"

للأب مارون الحايك الأنطوني

 

الجمعة في 17/3/2017

 

مجد الكلمة

 

    "فنحن لسنا كالكثيرين الذين يتجِرون بكلمةِ الله، بل إنّا بإخلاص، ومن قبلِ الله، وفي نظرِ الله نتكلّمُ في المسيح" من رسالة بولس الثانية لأهل كورنثوس فصل 2، آية 17.

 

    أردتُ البداية من هنا في التحدثِ عن كتاب الأب "مارون الحايك الأنطوني" "علامات إسكاتولوجيّة في شعرِ "ريمون شبلي"، لتأكيد حاجتِنا الماسة في هذا الوقت إلى الإيمان بالكلمةِ المتجسّدة، وبالكلمةِ الصادقة، ولا سيّما أن من حولِنا تكثرُ الادعاءات ويعلو صوتُ الغشِ والتنكّرِ والخداع، يُسخّرون الأقلام والنفوس وينسون أن الشاعر هو رسولُ الإحساس. وهو إن لم يعِش كلمته ويكونُ منبعُها داخلهُ فهو مجردُ طبل يضجّ، وسطلٍ يبجُّ.

 

    طبعًا لن أكرّر كلامًا دقيقًا وردَ في مقدمةِ الكتاب عن الإسكاتولوجية ومعناها. ولن أعيدَ مقاطع جديرةً بالاهتمام في الخاتمة التي كتبها تستأهلُ العودة إليها بإمعانٍ نظرًا إلى ما تحويهِ من صدقٍ في التعبير وخِبرةٍ روحية ولاهوتية وإيمانية، كما الكتابُ بمجملِه.

 

    إن الأب "مارون الحايك" ركّز على مفرداتٍ وألفاظ خَدَمَتْ الناحية الشكلية في موضوعِهِ أكثر منها الناحية العقائدية أو الفلسفية المعقّدة، فكان أسلوبُهُ سهلاً وبسيطًا مراعاة للقارئ العادي.

 

    من هنا أسمحُ لنفسي في الغوصِ بعضِ الشيء في رموزٍ إسكاتولوجية محددة عبرَ هذا الكتاب. ولن أتناول هذه الإشارات الإسكاتولوجية باستعراضٍ شامل سريع كما فعل. لكني سأختارُ بعض النقاط التي لفتتْ انتباهي معالجتُها عندَه وعند الشاعر "ريمون شبلي" لعلي في ذلك أعطي بعضًا من الوقت إلى مفاهيم إسكاتولوجية لأن هدفنا جميعًا إيصالُ الرسالة فنحن أبناءُ الله، أبناءُ الرسالة.

 

    إيمانًا من الأب مارون ومني بأن ما قاله بولس الرسول في رسالتِهِ الثانية إلى أهل كورنثوس فصل 3 الآية 6: "فهو الذي جعلنا قادرين على خدمةِ العهدِ الجديد، عهدِ الروح لاعهد الحرف، لأن الحرف يميت والروح يحيي".

    ولعل هذا ما حاول الأب تبيانه بكلِّ صدقٍ مع الذات وبكلِّ عفويةٍ في تشريحِهِ نتاج "ريمون شبلي" جاءَ في مقدمتِه: "إنَّ ما نحاول دراستَه عند الشاعر "ريمون شبلي" هو أنه كيف حاولَ أن يفهمَ الإسكاتولوجية ربما لم يعرفْها ولكنه عاشها في مسيرةِ حياتِهِ". وكم منا أصدقائي يعيشُ في مجدِ الكلمة من دونِ أن يعرف.

 

    إن الكلمة مع "ريمون شبلي" هي كائنةٌ بمحاورها الثلاثة الإيمان والمحبة والرجاء، وهذه باختصار هي الإسكاتولوجية. يكفي أن نعي كيف نحب ونقدّمُهُ إلى الحبيب حتى نكونَ معه، مع الله في ملكوتِهِ الذي يشرقُ من داخلنا ويضيءُ لكل الذين في الخارج. هذا ما فعله الأب "مارون الحايك" الإضاءة على معانٍ تحملُنا إلى عالم الحياة وتُنسينا يومياتنا المؤلمة والمؤذية، قام بذلك بكثير من الحب والمعرفة كونَهُ من المشبعين علمًا وتقوًا وإدراكًا وفهمًا.

 

    يقولُ الفيلسوف الفرنسي “Teilhard de Chardin”"فأبدعُ مصيري. لستُ أنقضُ أحكامَ الطبيعةِ والعقل. فأعطِني أن أكتنهَ معانيَ اتجاهِ الديمومة في الزمنِ والمكان اتجاهًا يعتنقُ الروحَ والمادةَ في وحدةِ حياة فلا يعزلُ الروح في مثاليةِ غموض ولا المادة في إلحادٍ يخالفُ طبيعتها. فعندئذٍ أراكَ على الصليب تنتشلُني معك في الخلاص الحياة".

    وأذكرُ ما يقوله ريمون في هذا الصدد. "كلّما جئنا الصليب/ فاحَ طيب/ طابَ عيد/ ورجا فينا جديد".

    يقول القديس أغناطيوس الانطاكي: "الآن أنا صوتٌ وأما بعدُ فسأكونُ كلمةً من كلام الله".

في هذا المجال قولان: أحدهما لـ"خليل رامز سركيس" في كتابه "مصير". أنا الإنسان المغامرة الكبرى وجه المصير". والآخر لـ "جان جاك روسو" عندما قال: "أما هل أحسنتْ الطبيعةُ أم أساءتْ إذ حطمتْ القالب الذي سكبتني فيه؟ فذلك لا يستطاعُ الحكمُ بهِ إلاّ بعدَ قراءةِ ما كتبت".

بمفهوم آخر الكلمة حياة والحياة قبلَ الموتِ وبعدَه. وهنا عنصرٌ من عناصر الإسكاتولوجية الديمومة الاستمرارية التي أشار إليها الأب مارون في التركيز على إيمان الشاعر بأن والدَه حي وسراجَه لا يزالُ مضيئًا.

    من ريمون: "أغنّيك يا مَن تسافرُ في الملكوت يضمُّك ضوءُ الزمان وتنصهران".

    ملكوتُ الله في داخلنا هو هذا النور الذي يميّزُ أبناءَ الله بهالة ليست بفعل بشر بل بفعلِ النعمة وليس أبدعَ من كلام بولس الرسول في رسالته إلى أفسس 2 الآية 19 – والآية 22: "فلستم بعد غرباء ولا نزلاء، بل أنتم مواطنو القديسين وأهل بيتِ الله".

"تندمجون أنتم في البناء لتصيروا مسكنًا لله، في الروح".

 

    إن الأب مارون بيّن في تجواله على قصائد ريمون كيف أن الإشراقاتِ الداخلية آتية من جمالِ الربِ المثال وهذه الإشراقات هي مرآةٌ يرى فيها الذي لا يرى. ما أروعَ هذا يا (أبونا) نقلتَنا بتحليلِك إلى ملكوتِ الضياء والنقاء والطهارة. عندما نكتبْ الحق ويكونُ هو زرعنا وبذارُنا نكون نتكلّمُ عن الله الذي سكن فينا وبيننا حتى يكونَ هو الكل في الكل. ونعاينُ مجدَ ملكوتِهِ الأبدي. وكم يلزمُنا نحن الخطأة من النعمةِ والصلاة حتى نبلغَ هذا الجمال، وهذا السمو، وهذا الاتحاد؛ في جو يضغطُ علينا ببشاعتِهِ وشرّه، روحُ هذا العصر بعيدةٌ عن كلمةِ الحقِ، الحقِ الذي إن عرفناه بالكلمة المتجسِدة حررنا من العبوديةِ. "تعرفون الحقَ والحقُ يحررُكم". وقال القديس أوغسطينوس "لقد خلقتنا يا رب لنكون لك ولذا لن تجد قلوبُنا راحةً إلاّ فيك". يطرقُ كلام ريمون شبلي بتحقيق الملكوت على الأرض عندما يقول:

"لوَّنتَ أفقي بما آمنتَ أنتَ به،

دفءُ المحبة ظلُ الله في الأرض

وآيةُ الحق إيمانٌ ومعتقدُ.

والنفسُ في راحةِ القدوسِ تسترضي."

 

    وما أجملَ أن يكونَ الشعرُ صلاة.

    قال: "ربَنا، اقبله صديقًا في خلود الملكوت".

 

    هنا يُبرزُ الأب مارون الحايك بأن المثاليةَ ممكنةُ التحقيق في الواقع اليوم بوجودِ مثالٍ حي يعيشُ القيَّم والمبادئ بفعل المحبة والنعمة بيننا وإلاّ انقرضت هذه القيّمُ والمبادئ وأسمى هذه القيّم الصلاةُ. والصلاةُ هي لقاءٌ حي بين النفسِ والله. هي ذكرُ الله الدائم في كل الظروف والحالات. والصلاة هي فعل شكر، وفعل اعتراف وفعل تمجيد وفعل طلب وعلينا تجسيدُ الصلاة بأن نصبحَ الصلاة وما أعظم ذلك. فإن عقائد الإيمان تؤثر في الخِبرة الروحية. ومَن أكثر من الرهبان معرفةً بهذه الحقيقة. فالأب مارون من خلال خِبرته الروحية يعرف أنه يسيرُ دائمًا في الاتجاه عينِه. وكلُّ أعمالِه وتصرفاتِه لها غايةٌ واحدةٌ أي التكرسُ لما هو لخدمةِ الربِ وهو من الذين يجاهدون روحيًّا كلَّ يومٍ في سبيلِ تحقيقِ سبلِ الرب. ونَلْمُسُ هذه الحقيقة باختيارِه الشهادات في شعر ريمون فالأب مارون عارفٌ ومتيقنُ الوصول إلى الهدف. مثلاً من ريمون:

"ما دمتُ معك/ فكلامي شوق/ وحنان يشتعلان/ وصلاة ...

ما دمتُ معكَ/ ما من شيء أخشاه يا الله".

 

    في هذا الكتاب نجد الأب مارون ينجح في التحرر من كل هم خارجي أو داخلي يعيقُ الإنسان من أن يكونَ غيرَ منقسم بل موحدًا في كيانه كلّه. نعم إن كان ريمون قد كتبَ فالأب مارون قرأ بعمقٍ وببساطةٍ وشرحَ لنا كيف نحن في الإسكاتولوجية من دون أن ندري بفعلِ إيماننا وصلاتنا وحبنا.

    يقول أفغاريوس: "يصلي من يقدّمُ بواكيرَ كلِّ أفكارِهِ ذبيحةً لله". ومن الدلائل التي أشار إليها الأب مارون عندما قال: "يبتهلُ الشاعر بصيغةِ الجمع، فتتدخل السماءُ في شؤونِ الأرض، فيتجدّدُ المكانُ ويشتعلُ الزمان شوقًا إلى السماء أي يقصرُ الزمانُ للقاء الأبدي".

    ألم يأتِ في الكتاب المقدس "ألف سنة في عينيك يا رب كأمسِ الذي عبر".

    أنتقل إلى الصوفية في شعر ريمون ومن عقيدةٍ ثابتةٍ في كنيستِنا وأرددُ نحن أبناء الله. أبناءُ رجاء وقيامة. نحن غلبنا الموت في المسيح ونستطيعُ الاتحادَ به، نحن في مرحلةٍ جديدةٍ، نحن نسكن في الإله المتجسّد ويدُنا بيد كل مَن حملَ سيفَ الروح الذي هو كلمةُ الله وعاشها في عقله وقلبه ولسانه.

    انتقى الأب مارون هذه القصيدة:

"أصلي/ يسوع/  حبيبي/ إلى لا انتهاء/ وما لي سواهُ رجاء!/ أصلّي وقلبي اشتياقٌ إليه/ إلى بيته المشتهى،/ أصلّي أرى وجهَهُ في البعيد القريب/ ينيرُ لي الدرب .../ أصلّي، أرى يدَهُ في يدي/ وأدخلُ فردوسَّهُ الأبدي."

 

    هنا يضيء على الخبرة الصوفية التي هي الاتصالُ المباشر بالإله الحي. هذا ما قرأناهُ عند مار افرام، لقد اتبعَ الأسلوبَ الشعريَ بتعابيرَ سهلةٍ وبسيطةٍ يقولُ: "يا للعجبِ لقد تنازلَ اللهُ إلى التراب". وفي ثلاثية الجسد والنفس والروح كتب ما افرام في "أناشيد الفردوس" أنه في العالم الآتي يرفعُ الجسد إلى مستوى النفسِ وترقى النفسُ إلى مستوى الروح، والروحُ إلى مستوى العظمةِ الإلهية".

الصوفية هي درجات وقد نصل إلى الكمال بقوة النعمة والاتحاد الكلي بالآب. هي ارتقاءٌ وسمو، فيها الحلولية، التماهي المطلق الذوبان بالله. الإنسان لا يتخلص من شهواته إلاّ بالموت فالموتُ خلاص. يقول "ميخائيل نعيمة": "الإنسان إله لا يزالُ في القُمُط ولا يبلغُ الدرجةَ العليا إلاّ إذا تطهرَ من كل شَهوةٍ ودنسٍ ولن يبلغَ".

 

    نعم هكذا نحن على هذه الأرض في صراع دائم بين ما تصبو إليه النفس وما يريده هذا الجسد الجشع الذي لا يشبعُ ولا يهدأُ إلى أن يموتَ. ومن هنا أقف في صف الرومانسيين لنقول جميعًا ما أشهاك يا موت لأن بك الخلاص. تعالوا نحملُ الصليب تحقيقًا لكلمةِ المسيح لتلاميذه "من أرادَ أن يتبعني فليكفرْ بنفسِهِ ويحمُلْ صليبَه ويتبعني". إذ نحن معهُ على رجاء القيامة.

 

وشكرًا.

 

إيناس مخايل

__________________________________________________

أبيات شُكْر للأب مارون الحايك 

 

يدومُ الشعرُ، ما دامَ الزمانُ

                                          أُهَيْلَ الفكرِ، في نَفْسي امتنانُ

وفي روحي علاماتٌ تُغنِّي

                                          يُرى فيها اخضرارٌ وافتِتـــــــــــــانُ

وفي حُبِّي احترامٌ واقتــــــــــــدارٌ

                                          لِمَـنْ لاهوتُـهُ فــــِــــــــــــــــيَّ اختزانُ

وفي بالي وفاءٌ واعتبـــــــــــــــــارٌ

                                        لِمَنْ تَشدو كما يشدو الكمانُ

أيا صرحَ الثقافةِ دُمْتَ نهجًا

                                          تَفي لبنانَ، ما دام الزمـــــــانُ

________________________________________________

(1): الحضور الكريم

(2): الشاعر ريمون شبلي

(3): الأب جوزف بو رعد

(4): الشاعرة إيناس مخايل

(5): الحركة الثقافية – أنطلياس