نظّمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" ندوة حول كتاب الدكتورة ماري تراز صعيدي le Liban et la Syrie au miroir Français-1946-1991، شاركت فيها كل من الدكتورة كارلا إده والدكتورة زهيدة جبور وأدارتها الدكتورة هدى رزق حنّا.

استهلّت مديرة الندوة الحوار قائلة، عندما تمضي حياتك مترنّحًا بين عالمين، عندما تتقن منذ نعومة أظافرك لغتين، عندما ترتكز إلى معياريّ قيم، وعندما يتزاوج تاريخك بتاريخ البلد المجاور، لن يمرّ كتاب "لبنان وسوريا بالمنظور الفرنسي1946-1991"Le Liban et la Syrie au miroir Français-1946-1991   مرور الكرام في ذاكرتك. يكتسب هذا الكتاب الذي يندرج ضمن مجموعة "فهم الشرق الأوسط" أهمية كبرى لأنّه يجيب على أسئلة لطالما طرحها الجيل اللبناني الذي عايش مأساة الحرب اللبنانية منها: لماذا وافق الغرب ولاسيما فرنسا على الوصاية السورية على لبنان؟ كيف غيّرت الحرب اللبنانية نظرة فرنسا إلى كلّ من لبنان وسوريا؟ ولماذا يشعر الأوروبيون عامة، والفرنسيون على وجه الخصوص، بالتهديد عندما تطالب الشعوب العربية باستقلالها الذاتي، وبحقوق الشعب الفلسطيني؟

وعلى غرار المقالات السياسية والدراسات التاريخية تتوجه الأعمال الروائية والأدبية الصادرة باللغة الفرنسية في تلك الحقبة إلى الفرنسيين واللبنانيين على حد سواء. وتعتمد الأدواتالثقافية المشتركة للتحدث عن واقع اجتماعي وسياسي ينقله ويعلّق عليه راوي شهد الأحداث المتعاقبة . وهكذا تندمج الرؤية الأدبية مع الحقيقة السائدة في الحقبة. فيكون لها وقع مهمّ على بناء نظرة الفرنسيين للشرق الأوسط العربي وللبنان بشكل خاص. فيهدف هذا الكتاب إلى الاستماع إلى "لبنان" و"سوريا" وفهمهما بغية توطيد العلاقات لا هدمها. ولفتت الدكتورة "هدى" إلا أنّ الدكتورة "صعيدي" تحمل دكتوراه في الآداب والعلوم الانسانية وعلّمت اللغة الفرنسية في جامعة القديس يوسف كما أنّها عملت في السلك الدبلوماسي، كملحقة ثقافية للسفارة الفرنسية في تركيا والقاهرة ومونتريال.

     وتركت الكلام للدكتورة "كارلا إدّه"، أستاذة التاريخ في جامعة القديس يوسف، التي اعتبرت أنّ هذا الكتاب مثير  للاهتمام نظرًا لكمّ الكتب والمراجع التي يذكرها وإشكاليته والمقاربة التي يطرحها. فهو يهدف إلى إلقاء الضوء على الصورة التي كوّنتها "فرنسا" عن "لبنان" و"سوريا". وقالت إنّ رجل التاريخ قد ينزعج من هذه المراجع المختلطة ولكن سيُسرّ بالمعلومات المتاحة على الرغم من بعض المغالطات. ولفتت إلى أنّ هذا الكتاب يدرس روايات وقصص تندرج ضمن الأدب الملتزم مع تحفظها على التعبير. وتساءلت إن كان الأدب كفيل بإنقاذ التاريخ عند التطرّق إلى أمور مأساوية وصعبة، فيصبح الأدب تاريخًا عندما يكون التاريخ مثقلاً بالمآسي والأحداث. واعتبرت أن الكتاب يُغني الثّقافة والتاريخ، نظرًا للعمق والبعد الذي يعطيه للأحداث، ويتكامل مع النظرة التاريخية الجافة العلمية التي لا تترك المجال للمشاعر التي لا بدّ أن تظهر. وخلصت قائلة إنّ الكتاب يكشف لنا لماذا خسر العرب معركة الصورة في "فرنسا" فكان النصر لاسرائيل على الأرض.

     ولاحظت الدكتورة "جبّور" أنّ الكتاب يثير اهتمام القارئ اللبناني والفرنسي لأنّه يسعى إلى إلقاء الضوء على منطقة في العالم غالبًا ما تُشوَّه صورتها، فتحاول الكاتبة أن توضح علاقات التبادل المعقّدة بين "فرنسا" و"لبنان" و"سوريا". وينطوي الكتاب على مراجع تتراوح بين كتب التاريخ والاجتماع والسياسة والكتابات الصحفية والمحاولات الأدبية والسير الذاتية والروايات والقصائد. ولا يمسّ هذا التنوّع اتّساق الكتاب ككل لأنّ هدف الكاتبة هو واحد: توضيح الآليات الثقافية السياسية الاجتماعية التي تسبق تصوّر الآخر، هذا الآخر هنا "لبنان" و"سوريا" بالمنظور الفرنسي. وينقسم الكتاب إلى جزئين و15 فصلاً ويتّسم بموضوعيّته العلمية. ولفتت أنّ الكاتبة لاحظت التغيرات في النظرة الفرنسية وذلك عبر حقبات مختلفة في تاريخ "لبنان" و"سوريا" الحديث منذ نشأة الدولتين المستقلتين وقيام دولة اسرائيل ، حتى التسعينات من القرن المنصرم. وتعرض الحروب كافة التي مزّقت المنطقة، ابتداءً من حرب 1948 واحتلال فلسطين إلى الحرب اللبنانية...تلجأ إلى التاريخ لتكتشف العوامل المختلفة التي ترسم ملامح هذه النظرة. وهي تكتفي أحيانًا بعرض شامل للمعلومات وأحيانًا أخرى تتوقف عند بعض الكتاب أو القصائد أو المواضيع. وتساءلت الدكتور "جبّور" لماذا لجأت الكاتبة إلى كتاب ومراجع فرانكوفونية إن كانت تبغى استقاء نظرة الفرنسيين؟ ألا يطرح هذا إشكاليّة حول الهوّية؟ هل اللغة وحدها تُحدّد الهوّية؟ ولم تنف أن الكتاب مهمّ لأنه ينبثق عن مقاربة متعددة النواحي لأحداث معقدة ومتداخلة.

        ورأت الكاتبة "ماري تراز صعيدي" أنّ الكتاب يتمحوّر حول اشكالية الصورة التي يكوّنها الغرب عن بلد ما. وتساءلت لماذا تزخر فرنسا بكتب عن لبنان لا عن سوريا؟ وكيف تتكوّن الصورة؟ تتكون الصورة من مجموعة عوامل متضافرة ترتبط أحيانًا بالحقل الفرنسي وأحيانًا أخرى بالحقل الشرقيّ. وقد يولّد هذا التعاطف أو الكراهية. فمثلاً حرب 1975 غيّرت النظرة إلى "لبنان" لعشرين سنة. فظهرت على الساحة اللبنانية مجموعات وأحزاب جديدة من القناصين والميليشيات والسيارات المفخخة. ولوضع هذا الكتاب ذكرت أنّها اعتمدت منهجية تخلط بين الأدب والتاريخ. فهي تعتبر أنّ التاريخ عنصر أساسي للتطرق إلى الأحداث المعقدة بكل دقة. ولا تستطيع أن تنفي أثر الأدب الفرانكوفوني اللبناني في تكوين صورة كل من لبنان وسوريا. وخلصت قائلة إنّ الصورة لا  تنفكّ تتغيّر لأنّ تحالفات جديدة وأحداث مختلفة تظهر إلى العيان. فأيّ صورة ستعكسها المظاهرات الجديدة وإعمار بيروت والربيع اللبناني والسوري؟