ندوة حول كتاب الإنسان والأرض

2007/5/8

كلمة الدكتور معين حداد

كلمة الدكتور سليم ديب

كلمة الدكتور جوزف اليان

كلمة الدكتور جورج الفرِنّ

 

كلمة الدكتور معين حداد

يتقدم الياس خوري، نبيه كنعان عطالله، عبد الامير دكروب وسهيل عواد بمؤلف في الجغرافيا تحت عنوان "الانسان والارض" موزع على جزئين. الجزء الأول في الجغرافيا العامة الطبيعية بينما يتهيأ الجزء الثاني للصدور (على ما ورد في مقدمة الجزء الأول) وهو خاص بالجغرافيا البشرية والاقتصادية.

جمع المؤلفون في الجزء الاول معارف استقوها من علوم الارض صاغوا بعضها على شكل مفاهيم اساسية باسلوب تبسيطي وسهل يساعد الطلاب على فهم بعض الظواهر الطبيعية التي تثير اهتمامهم. هذا وتحظى نصوص ورسوم الجزء الأول بنصيب وافر من الشروط التي تجعل القارئ يجد في الكتاب ما هو مفيد وما هو ممتع في الوقت نفسه.

لكن موقع الكتاب من قضية الجغرافيا يثير مشكلات عديدة نكتفي هنا بايراد بعض منها على النحو التالي:

أولاً: لم يعد جائزاً اليوم الفصل في اطار الجغرافيا العامة بين ما هو طبيعي من جهة وما هو بشري واقتصادي من جهة اخرى. اذ ان الجغرافيين تخطوا هذه الازداوجية منذ زمن بعيد هي ازداوجية تسببت فيما مضى بأزمة عميقة كادت تقضي على الجغرافيا وقد استفضتنا في شرح هذه الازمة في كتابنا "الجغرافيا على المحك" الصادر عام 2004 عن شركة المطبوعات والنشر.

ثانياً: لم يأخذ المؤلفون بالتحولات والمستجدات الابستمولوجية في الجغرافيا مما افقدهم امتلاك رؤية او تصور واضح ومحدد عن الجغرافيا والاشكاليات التي تطرحها والاهداف التي تتوخاها فأوقعهم في عملية تقضي بجمع المعلومات من هنا وهناك على نحو عشوائي وزجها في تراكيب تذكر بما كان يقوله جمال حمدان "من كل بستان زهرة".

ثالثاً: تبدت النتيجة الحتمية لذلك في اسقاط واغفال ما هو اساسي احياناً مقابل استعراض امور مختلفة احياناً اخرى تقع خارج المحور الجغرافي واستهدافاته. على سبيل المثال لا الحصر ايراد ما يتعلق بالتعرية من دون الافتتاح بالمورفولوجيا البنائية بما هي اساس اشكال سطح الأرض. وكما غابت المورفولوجيا البنائية غابت ايضاً المورفولوجيا المناخية واللائحة تطول... في حين امتلأت نصوص عديدة بمعلومة من هنا ومعلومات من هناك تنتمي الى الفلكيات والفيزيائيات وما شابه او تنبئ عن اكتشافات وغيره مما هو غير قابل للتوظيف في اشكاليات جغرافية مميزة ومستقلة عن اشكاليات الحقول المعرفية الأخرى.

رابعاً: يتموضع العديد من نصوص الكتاب في تلك الجغرافيا القديمة التي لم تكن تميز على سبيل المثال فيما خص الدورة الجوية ونتائجها بين ما يجري في الاعالي وما يجري على سطح الأرض، او تلك الجغرافيا التي كانت تتحدث عن شيخوخة الوادي النهري وما الى ذلك مما بات خارج التداول في العالم المتقدم منذ ستينيات القرن العشرين.

خامساً: تفتقد نصوص عديدة الدقة العلمية في التعبير (شأنها شأن الكثير مما نجده في كتب الجغرافيا) اذ يختلط الفلكي بالمناخي كما في مسائل الفصول والقطب بالمناطق القطبية... ومفاهيم البيئة بمفاهيم الخصوبة فيما خص التربة...

ملاحظة: يبين الكتاب عدة مفاهيم اساسية صاغها جغرافيون لبنانيون غابت اسماؤهم لأسباب لم نفهمها في حين ذكرت اسماء الاجانب في المتن والهامش والفهرس.

 

 كلمة الدكتور سليم ديب

أيها الحفل الكريم،

قيل لي، ستكون أحد المشاركين في مناقشة كتاب صدر بعنوان الإنسان والأرض، وممنوع عليك الاعتذار. قبلت، لأن الموضوع يشغل أبرز اهتماماتي وتطلعاتي العلمية. ثم جال نظري على اسماء المؤلفين، فوجدت نفسي في موقف حرج، وأدركت عندها عبارة "ممنوع عليك الاعتذار". أناقش أي كتاب؟ كتاب أستاذنا جميعاً الدكتور نبيه عطالله، أم الدكتور عبد الامير دكروب الذي امتلك محبة وتقدير طلابه وزملائه وكل من عرفه أو الياس الخوري رفيق مرحلة الشباب ومسيرة العلم الطويلة او تلميذنا المبدع المهندس الزراعي سهيل عواد الأستاذ الجامعي الواعد وصاحب الخيال الواسع في تجسيد الرسوم الواضحة والمعبرة.

الاعتذار ممنوع، لذلك تصفحت الكتاب، وبدأت من الصفحة الأخيرة، الفهرس العام، فوجدته كتاباً جمع مجمل القضايا التي تشكل صراعاً مستمراً بين جبروت الطبيعة وكفاح الانسان، انه أول كتاب باللغة العربية يتناول علاقة الإنسان بالأرض ويعالج جميع المواضيع التي شغلت اهتمام البشرية منذ فجر التاريخ وحتى يومنا الحاضر.

ثم رجعت الى الصفحة الأولى وبدأت القراءة، لفتني الأسلوب السهل والجملة القصيرة المترابطة المعاني، تقرأ ولا تضجر، وكلما غصت في تقليب الصفحات تجد احساساً يشدك الى نهل المعرفة والثقافة والى الغوص في مجال العلوم الطبيعية بهدف إدراك  غموضها وكشف مكنوناتها.

تناول الكتاب المواضيع الجغرافية المتنوعة والمعقدة عن الفلك وجوف الأرض وسطحها والمناخ والمياه... وتطرق الى العوامل المؤثرة او المتداخلة في كل علم او قانون او نظرية ونجد هذه الأفكار تنساب في الكتاب بسهولة مطلقة وبترابط محكم ويدرك القارئ في نهاية المطاف انه اكتسب المعلومات التي كان يجدها مجردة وصعبة المنال ويستخلص بانها خالية من التعقيدات ومن الأمور المبهمة.

تقرأ وتتزود بالمعرفة وتشعر بإحساس غريب يشدك الى طلب المزيد من الثقافة والعلم وتقلب الصفحة فتجد نفسك امام مقطع جديد تحت عنوان " معلومات عامة"، تستغرب الأمر؟ وتسأل عن  سبب هذا التغيير؟ تتابع القراءة، فتجد نفسك في خضم معلومات كانت تخطر في بالك كل يوم أحياناً أو تسأل عنها في المناسبات، ولا تجد من يشرحها لك ثم تغض الطرف عنها لأنها لا تؤثر على مجرى حياتك. عند قراءة هذه المقاطع في الكتاب، تجد نفسك مشدوداً الى كل كلمة، وتتابع المعاني بحذر شديد، وتخاف ان تغض الطرف عن كلمة خوفاً من ضياع المعرفة التي كنت تفتش عنها. مثلاً بعد شرح دورة الأرض حول نفسها وحول الشمس ودورة القمر... تطالعك معلومات عامة تشرح لك مجمل انواع التقويم، وسبب الخلاف حولها، وتستنتج موعد تحديد الأعياد وسبب التباين في موعد عيد الفصح عند المسيحيين والعلاقة القائمة بين التقويم الهجري والتقويم الميلادي. فمن منا لا ينشد معرفة هذه الأمور؟ هذه المقاطع تريح القارئ وتعطيه الحماس لمتابعة تصفح الكتاب.

ندرك من خلال الكتاب، ليس الإلمام العميق للمؤلفين بالمعلومات فقط وانما ايضاً باطلاعهم الواسع على جميع التعابير التي أطلقت على المصطلحات العلمية في مختلف المصادر الأكاديمية وخاصة العربية منها. واتبعت جميع هذه التعابير التي وردت في الكتاب بالمفردات الفرنسية لكي يسهل معرفتها.

فعلى سبيل المثال ورد في الكتاب جميع العبارات التي دلت على التيارات الحرارية التي تنطلق من جوف الأرض وتسبب الزلازل والبراكين وحتى عبارة التيارات المحدودية التي أطلقها أستاذ لا يهدأ حتى يجد العبارة المناسبة وهو الدكتور معين حداد وردت في هذا الكتاب عبارات أخرى لم أكن أعرفها وتزودت بمعرفتها.

والواضح في هذا الكتاب هو اقتران النصوص العلمية بالصور المعبرة عن الأفكار الواردة في النص والمختارة من مصادرها الرئيسية والقادرة على شرح الظاهرة الجغرافية بكل وضوح. ومن ناحية أخرى نفذت الرسوم بتقنية حديثة وبمفهوم مبسط يستطيع القارئ ملاحقة الفكرة الرئيسية عبر الرسم بسهولة تامة وتحليل العلاقة الكامنة بين المؤشرات الظاهرة في الرسم والتي تخدم فكرة النص وتساعد على فهمها. والجديد واللافت في هذا الكتاب هو تبويب جميع المخاطر الطبيعية، القديمة منها والحديثة، والتي أصيب بها الإنسان من زلازل وبراكين، وتسونامي وأعاصير... هذه المخاطر ألحقت بتقدير الأضرار البالغة التي أحدثتها وتعداد الأرواح التي زهقت. وبعد ذلك انكب المؤلفون على تفسير الظاهرات الجغرافية وأوردوا التدابير الآيلة الى تفادي أخطارها.

لم يقتصر هذا الكتاب على معالجة المخاطر الطبيعية التي اصابت البشرية فقط وإنما أعطى حيزاً واسعاً لتدخل الإنسان في القوانين الطبيعية فارتدت عليه وبالاً وبؤساً ومخاطر يصعب تفاديها كثقب الأوزون، والتلوث، وانحسار الغابات...

باختصار نجد كتاب الانسان والارض، موجه الى كل متعلّم ينشد الثقافة والمعرفة، والاطلاع على الاكتشافات الحديثة التي توصل اليها الانسان بهدف معرفة القوانين الطبيعية ومخاطرها وطرق مواجهتها، والسبل الآيلة الى درء المخاطر التي سببتها الصناعات الحديثة المتطورة التي اوجدها الانسان بهدف تأمين راحته ورفاهيته.

 

كلمة الدكتور جوزف اليان

يطيب لي في هذه الأمسية أن أحاول الاضاءة على عمل الزملاء،الذي وان جاء متأخرا بالنسبة لي، فأنا على قاب قوسين وأقل من ذهابي الى التقاعد!!  الا أنه حاجة كانت وستبقى ملحّة بأن يكون في المكتبة الجغرافية العربية أكثر من كتاب ومرجع للطلاب في الجغرافية العامة أو في حقول الاختصاص الجغرافية المتنوعة.

مذ كنا طلابا في سنوات الاجازة والنقاش دائر حول ضرورة تناول المواضيع الجغرافية بلغتنا الأم، دون التخلي عن اللغات الأجنبية، وعلى الأقل دراسة جغرافية لبنان أو البلدان العربية بهذه اللغة.  كانت الأوضاع حينها لا تسمح بذلك، فأغلبية الأساتذة كانوا من الفرنسيين : أذكر بعضهم :Besançon, Sanlaville, Bourgey, Dalongville, Mme.Villaret, Mme.Bouriot,.....  حتى الخريجين الأوائل وأذكر بعضهم أيضا : أساتذتنا وزملاؤنا : نبيه كنعان، معين حداد، هيفا سلمان ، بهزاد الحكيم، ليلى نور الدين، و"الداعي لكم بطول العمر".....  أي اللذين تابعوا تحضير الدراسات العليا والدكتوراه في فرنسا، فقد تابعوا مسيرة التعليم والبحث باللغة الفرنسية، وحتى اليوم لا يزال بعضنا يحاول الابقاء على هذا التقليد، أي التدريس باللغة الفرنسية أو الانكليزية، بحجة أن الجغرافية، الطبيعية منها على وجه الخصوص، تصعب دراستها باللغة العربية  ويبدو مستحيلا تدريسها باللغة العربية!

هل أصبحنا أكثر قبولا لتدريس الجغرافية، الطبيعية خصوصا باللغة العربية؟

ربما كانت الأمور تجري سابقا دون الكثير من العثرات  بالنظر لأعداد الطلاب في قسم الجغرافيا والتي لم تتجاوز الا فيما ندر عدد أصابع اليدين! مما كان يسمح بتفاعل مستمر بين الطلاب والأساتذة، وبالتالي كانت اللغة الفرنسية "تنساب" بسهولة مقبولة بيننا. بالاضافة الى تمتع قسم الجغرافية حينها بمكتبة خاصة تتغذى باستمرار بالاصدارات الجديدة التي تحصل في فرنسا خصوصا، وبعملية التبادل مع مجلات عالمية بواسطة مجلة حنّون، بالاضافة الى معرفة الطلاب مسبقا لما ينتظرهم على صعيد اللغة، فقد كان رئيس القسم ( Besançon) يجري مقابلة مع كل طالب يود متابعة أختصاص الجغرافيا، يطلعه فيها على "مخاطر" الانخراط في هذا الاختصاص.

أما اليوم فلا ريب أن التدريس باللغة الفرنسية الى أنحسار، أو أن التدريس يتم بلغة هجينة، نظرا لتفاوت مستويات الطلاب . 

من أين أتت الجرأة على كتابة الجغرافيا الطبيعية باللغة العربية ؟

يمكنني أن أفترض التالي دون الكثير من التردد : لقد كانت تجربة وضع المناهج لمراحل التعليم الاساسي  والثانوي في الورشة التي اطلقها المركز التربوي للبحوث والانماء في نهاية القرن الماضي،  ومن ثم ورش التعديل المستمرة للمناهج في الجامعة والتي ربما انتهت هذه السنة! مناسبة للعديد من الزملاء  لاكتشاف امكانية كتابة الجغرافيا باللغة العربية . لم يعد يستغرب العديد من الزملاء بعض التعابير العربية مثلا : الحلمأة    -   التميوء  -  التمعدن !!!

الجرأة على النشر !!

مقارنة بأساتذة الادب  والتاريخ وعلم النفس وسواها من العلوم "الانسانية"  يبدو وكأن الجغرافيين هم الأكثر ترددا  ان لم نقل حذرا في نشر ما يكتبون، أكان ذلك "أمالياً"(Cours) والتي تصبح كتبا عند بعضهم تحسب في رصيدهم العلمي كأبحاث منشورة!! أو كتبا تغطي حقبة زمنية تنسجم الى حد بعيد مع مفردات المنهج الرسمي المعتمد في الجامعة. كان ولا يزال التحذير المتبادل بين الجغرافيين قائما :

 أياكم وتحويل " الأمالي" الى كتب!!

ربما كان الحذر من صفات الجغرافيين عموما منذ بدء مسيرتهم! فبالرغم من صيت عميدهم أراتوستين( Eratostène) وطول باعه في مختلف علوم عصره وتدبيره المدهش لمكتبة الأسكندرية،   بقي في مرتبة "بتّا" ولم يحصل على "الألفا" التي هي مرتبة المتعاطين بالعلوم الصحيحةles Sciences Exactes)). وبالرغم من اعتماد الجغرافيا على هذه العلوم ( أعني الرياضيات خصوصا) واستخدام العديد من المعادلات الرياضية، واطلالات الجغرافية المتنوعة  والدائمة على الفيزياء والكيمياء، تبقى الجغرافيا مصنّفة بين العلوم الانسانية وليست من العلوم الصحيحة.

لا بأس ،

هل يبرر ذلك كل هذا الحذر ؟؟؟

ربما كانت مجلة حنون متنفسا لنشر بعض الأبحاث في الجغرافية الطبيعية خصوصا، وبالتالي وجد بعض المؤلفين  والباحثين ما يلبي بعض طموحهم خصوصا وأن عملية تأليف الكتب ذات الطابع العام غير مجدية على الصعيد المادي، وهو صعيد هام ومفصلي كما نعلم!

قد يشذ عن هذا السياق بعض الاساتذة، وبحسب معرفتي المحدودة، كانت أولى المحاولات للصديق الدكتور معين حداد في كتابه الأول باللغة الفرنسية:

milieu physique et peuplement Le Liban

ويمكننا تصنيف هذا الكتاب في خانة الجغرافية الاقليمية . ومن ثم أطل علينا الدكتور حداد باصدارات متتالية في الجغرافية السياسية أثارت بعض النقاشات، ولاقت أهتماما مقبولا من الأوساط السياسية والأكاديمية. أما على الصعيد المادي فقد وجد الدكتور حداد من ينشر له .

أعود الى الكتاب. أشعر ببعض الفرح والكثيرمن "جبر الخاطر" وأنا اتصفح هذا الكتاب، فهو من كلاسيكيات الجغرافيا، مع محاولة لجعلها محققة لأهدافها:

فبحسب معرفتي المتواضعة في العلوم الجغرافية، يلبّي هذا الكتاب الى حد بعيد بعض أهداف العلوم الجغرافية والتي يمكن وضع اطار عام لها كالتالي :

الجغرافية حقل معارف لفهم العالم .

 وليست فقط "رسم الأرض" (Géo   graphie)

وهذا لعمري أمر بالغ الأهمية، أن نفهم العالم هو النقيض الواضح والصريح  للجهل .

يكفي الجغرافيا فخرا بأنها تساعدنا على فهم العالم،  وكم نحن بحاجة الى ذلك !!.

 فهم وادراك الظاهرات الطبيعية، البشرية، الاقتصادية ...

موقع الكتاب في مكتبة الجغرافيا

يبدو أن هناك انسجاما شبه تام بين مواضيع وأبواب الكتاب والمواضيع التي يتطرق اليها التعليم في المرحلة الثانوية والجامعية، فهو من ناحية يمكنه أن يشكل مرجعا ضروريا لأساتذة التعليم العام في المرحلتين التكميلية والثانوية، ويمكنه أن يشكل عنصرا مساعدا لطلاب الاجازة دون أن يوفر كامل الشروط المطلوبة على مستوى الاجازة، كما يمكن أن يوفر لطالبي الثقافة العامة مصدرا ومرتكزا أساسيا في اكتسابهم المعرفي.

بنية الكتاب تنسجم مع النسق الجغرافي الكلاسيكي دون محاولات تجميلية ، وهذه ايجابية تحسب له وليست عليه.

عرض المواضيع كان غالبا بالشكل البسيط الأولي دون تعقيدات تجعل من المكتسب تائها بين المعطيات المتداخلة.

هذا الكتاب  يبغي أن يكون عمليا مستجيبا للعملية التعليمية في المواضيع الجغرافية.

أما اضافة عنوان " معلومات عامة" في نهاية كل فصل من الفصول، فقد كان موفقا لجهة الاضاءة على بعض الظاهرات.

 أخيرا لي بضع ملاحظات أتقدّم بها بكل محبة للزملاء، خصوصا وأنهم بصدد اصدار الجزء الثاني :

-  تم اثبات أكثرية التعابير والمصطلحات الجغرافية وما يقابلها باللغة الفرنسية، كان المجال فسيحا والأمر مستحبا لو أضيف ما يقابل ذلك باللغة الانكليزية أيضاً.

- أثبتت في موضوع الكارتوغرافيا الرموز التي أعتمدت من قبل لجنة الظواهر الكارستية التابعة للمجلس الوطني للجغرافيا - باريس، وهذا جيد انما أذكر أن للزميل الدكتور بهزاد الحكيم مساهمة مهمة في هذا المجال نشرت في مجلة حنون وباللغة العربية ، كان من الحري الاشارة اليها واستثمارها .

- ضرورة الانتباه الى موضوع الألوان عند تحضير المادة للطباعة فبعض الصور والرسوم يغلب عليها "الجو" القاتم.

واذ أرجو للمؤلفين الاصدقاء: الدكاترة:  نبيه كنعان عطالله، الياس الخوري وعبد الأمير دكروب والمهندس سهيل عواد، وللعائلة الجغرافية مزيدا من الانتاج العلمي والانتشار ان في الوطن أوعلى مدى العالم العربي.

 أتمنى الا أكون قد أطلت . 

شكري الخالص للزملاء على دعوتهم لي للمشاركة في هذا اللقاء، الشكر لمنسق هذه الجلسة الدكتور معين حداد، والشكر والتقدير للحركة الثقافية - انطلياس، هذه الجمانة المتألقة بلبنانيتها والمشعة بحضورها الثقافي في سماء العالم العربي، ولرئيسها الحالي الصديق الصدوق الدكتور عصام خليفة.

كلمة الدكتور جورج الفرِنّ

بدايةً، اسمحوا لي أيها السيدات والسادة، أن اتقدم بالشكر الجزيل، إلى  المسؤولين عن الحركة الثقافية في انطلياس، على المجهودات العلمية التي يبذلونها، والنشاطات المعرفية التي يقومون بها، في سبيل توعية المواطن اللبناني وتثقيفه.

        كما أشكر مؤلفي كتاب "الإنسان والأرض" ، على اتحافهم القارئ اللبناني والقارئ العربي، بكتاب فريد ومميز،  سيحتل، بدون أدنى شك، مكانة مرموقة بين الكتب العلمية  العربية.

وإنني إذ أقدم قراءة موجزة لهذا الكتاب، لا أدعي لنفسي الإحاطة الكاملة بمضامينه كافةًً، ولا بما يحتويه من حقائق علمية لا تدخل كلُها ضمن اختصاصي الشخصي. إنها فقط محاولة متواضعة، لإظهار أهمية الكتاب، لناحية غناه بالمعلومات القيمة، والمستندات المعبرة، ولكونه مقدماً بطريقة جديدة، تفتقر إليها معظم الكتب الجغرافية العربية الأخرى.

ويكتسب هذا الكتاب تميزه الأكبر أساساً، ليس فقط من الحقائق العلمية التي يقدمها باحثون متخصصون في علم الجغرافيا، بل بما يثيره أيضاً من مفاهيم جديدة دخلت هذا العلم منذ زمن ليس ببعيد، ومن مصطلحات معربة أو مترجمة، كانت للمؤلفين الشجاعة الكافية لتقديمها لأول مرة إلى القارئ العربي، دون خوف من ملامة أو من انتقاد. وقد سعى المؤلفون إلى بلورة نظرة شمولية وواضحة للظواهر الطبيعية التي تحصل على سطح الأرض وحولها، وهدفهم في ذلك، ليس فقط إشباع رغبة طلاب الجغرافيا وأساتذتِها، وإنما أيضاً الإجابة عن الأسئلة الكثيرة التي يمكن أن يطرحها الإنسان العادي، والتي لا يلقى دائماً تفسيراً مقنعاً لها.

يقع الكتاب في ثلاثماية وخمسين صفحة من الحجم الوسط، ويحتوي على مقدمة وسبعة عشر فصلاً وأربعة ملاحق. وقد تطرق المؤلفون، في المقدمة التمهيدية، إلى المفهومين، الحديث والمعاصر لعلم الجغرافيا، آخذين بعين الاعتبار ثورة المواصلات والاتصالات التي جعلت من العالم كله، مجالاً جغرافياً واحدا،ً والتي سمحت باطلاق مصطلحات جديدة، بدأ باستخدامها الجغرافيون وغير الجغرافيين، كمصطلح "القرية العالمية"  ومصطلح "العولمة". وقد أشار المؤلفون أيضاً في مقدمتهم، إلى الأسباب التي دفعتهم لإصدار الكتاب، وبالتالي إلى الدور الذي يجب أن يؤديه، لجهة تفسير الظواهر الطبيعية المختلفة، وجعلها في متناول معظم الناس.

في الفصل الأول من الكتاب، قدم المؤلفون، لمحة موجزة، لكن كافية، عن الكون الذي يحيط بنا، فشرحوا كيفية نشأته والعناصر التي يتألف منها، وتطرقوا إلى الشمس والمجموعة الشمسية، فدرسوا ماهيتها وخصائصها، مركزين على إبراز آخر المعلومات المتوفرة عنها، وبخاصة ما يتصل بكوكب بلوتون القزم والجسمين السماويين: سيدنا (Sedna)، و313 يو بي 2003  (ub 313 2003).

في الفصل الثاني من الكتاب، يستعرض المؤلفون جملة من المعلومات المهمة والأساسية المرتبطة بالأرض، شارحين الخصائص المميزة لها، دارسين دورتَها حول نفسها ودورتَها حول الشمس، ومحللين النتائج الناجمة عن ذلك.

في الفصل الثالث، يتناول الكتاب جرم القمر كجسم سماوي تابع للأرض، فيستعرض خصائصه المميزة، وذلك بشكل جديد ومن خلال إضافات جديدة، إذ لم يسبق أن قُدمت على هذا النحو (بحسب علمنا)، في أي من الكتب العربية ذات المضمون المماثل.

في الفصول التالية (من الفصل الرابع إلى الفصل الأخير)، يعود الكتاب إلى دراسة  كوكب الأرض من زوايا أخرى، فيفسر كيفية رسم الخرائط الجغرافية، ويدرس بنية الأرض وهندسة قشرتها وخصائص الصخور المكوِّنة لها وظاهرات التجوية والتعرية وأنواع التربة والغلاف الجوي والمناخ والتيارات البحرية والأقاليم المناخية والمياه.

تظهر أهمية هذه الفصول من كونها تعالج مواضيع آنية ملحة تسمح للقارئ، ليس فقط بأن يكوِّن لنفسه ثقافة علمية عامة، بل بأن يفهم طريقة حصول الظاهرات الطبيعية والمشكلات الناجمة عنها، وبخاصة تلك التي تتسبب بها أعمالُ الإنسان ونشاطاتُه، كترقق طبقة الأوزون، والتلوث البيئي، وتدهور التربة، والنقص في المياه، وغير ذلك...

إننا على قناعة تامة بأن مؤلفي هذا الكتاب مدركون جيداً بأن مصير كوكب الأرض يقع على عاتق الإنسان، كل إنسان. فالبشرية تمر بأزمة حادة، حاول الكتاب أن يظهر بعض أبعادها، وأن يلفت الأنظار إلى أن هذه الأزمة سوف تشتد على نحوٍ مضطرد، إذا لم نسارع إلى إيجاد الحلول المناسبة لها.

وعلى العموم،  نرى أن المؤلفين قد استوفوا الموضوع معظم حقه، وبخاصة لناحية استقصاء المعلومات وتنسيقها وترتيبها،  وتقديمها بلغة سهلة وسلسة، فجاءت واضحة، معبرة وكافية إلى حد كبير، حتى من  دون الغوص في التفاصيل العلمية الدقيقة، التي هي من شأن المتخصصين في  العلوم المساعدة للجغرافيا.

كما أن عرض هذه المعلومات كان ممنهجاً وميسراً ويدل على أن المؤلفين استندوا إلى دراسات اختبارية حديثة ومعمقة.  كذلك إن هذه المعلومات تقرب القارئ وتشده إلى الموضوع المدروس، وهي بمجملها أساسية للطالب الجامعي وتشكل مفاتيح مهمة له، كما أنها وافية للطالب الثانوي وتلبي حاجة ثقافية وعلمية لكل المهتمين الآخرين.

وإذا أردنا أن نوجز بجملة قصيرة ما ارتجاه المؤلفون من كتابهم، نقول بأنهم حاولوا جعل الجغرافيا الطبيعية في متناول معظم الناس، شأنُهم في ذلك شأنُ العديد من الشعراء والأدباء، الذين تغنوا بعظمة الطبيعة وجمالها، والذين جسّدوا في كتاباتهم تضاريس الجبال ورمال الشواطئ وأشجار الغابات وجريان الأنهر ... وجعلوها تشاركهم أفراحهم وأتراحهم، وكأني بهم يريدون التعبير بصدق، عن شغفهم بالعلم الذي اختاروه لتخصصهم.

ولكن، وعلى الرغم من الإيجابيات الكثيرة  للكتاب، اسمحوا لي أن أبدي بعض الملاحظات، التي أتمنى أن يتسع لها صدر أعزائي المؤلفين.

أولاً: هناك رأي  يتعلق بعنوان الكتاب. فعبارة "الإنسان والأرض"  هي، في حد ذاتها، عبارة جميلة وموفقة، أما العنوان الفرعي "في الجغرافيا العامة الطبيعية" فهو عنوان غير دقيق وغير موفق، لأن مفهوم الجغرافيا العامة يتضمن قسميها الأساسيين معاً أي: الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا البشرية.  لذلك لا نستطيع القول "الجغرافيا العامة الطبيعية" بل "الجغرافيا العامة " فقط. بعد ذلك يمكن ذكر عبارة "الجزء الأول" وبين هلالين  عبارة "الجغرافيا الطبيعية".

ثانياً: جاء تعريف المجال الجغرافي مختصراً جداً في المقدمة. وقد كان من الأجدى توضيحه من خلال الأمثلة الواقعية،  وذلك لإيصال معناه الحقيقي إلى جميع المهتمين. كذلك كان من المفروض التمييز بشكل دقيق ومفصل، بين المفهوم الحديث للجغرافيا، الذي تم تحديده، بإيجازِ شديد، في المقطع الأول من مقدمة الكتاب، وبين المفهوم المعاصر الذي يعتبر الجغرافيا علماً هدفه دراسة نشاط الإنسان المتمثل في انتاج المجال وتنظيمه.

ثالثاً: جاءت بعض الفصول سريعة وموجزة نوعاً ما، ونعتقد أنه كان من الأفضل  إعطاؤها المزيد من الاهتمام والتعمق. مثال على ذلك: الفصل الثاني (كوكب الأرض)، الفصل السادس (بنية الأرض وتوازن قشرتها)،  والفصل التاسع (التجوية والتعرية).

رابعاً: ورد في الصفحة 16 من الكتاب أن مدة دورة الأرض المحورية حول نفسها هي: 23ساعة و56دقيقة و4ثوان، وجاء في الصفحة 24 أن هذه المدة هي 24 ساعة. هناك إذاً اختلاف واضح بين الرقمين، ومن البديهي أن يصار إلى تحليل السبب الفلكي الذي يقف وراء هذا الاختلاف، وذلك توخياً للدقة والوضوح.

خامساًً: حاول المؤلفون  تعريب بعض المصطلحات، وقد نجحوا في ذلك، كمصطلح "اللترتة" ومصطلح "الجودزة" ومصطلح "الهاشور"  وغيرها... وهنا نتساءل لماذا لم يقوموا بتعريب مصطلحات أخرى، وتبنوا فقط ترجمتها إلى العربية، علماً أن تعريبها يُعتبر أكثر يسراً. مثلاً: لماذا لم يستخدموا مصطلح "البارومتر" بدل "مقياس الضغط الجوي"، ومصطلح "الترموميتر" بدل "مقياس الحرارة"، ومصطلح "الجيت ستريم" بدل "التيار النفاث" ومصطلح "الدولين" بدل "الجورة" ومصطلح "البوليه" بدل "الدارة" ومصطلح "الأيسبيرغ" بدل "جبل الجليد العائم" الخ...؟  تماماً كما استخدموا المصطلحات المعربة الأخرى، كالترموسفير، والسيسموغراف، والتسونامي، والتشيرنوزيوم، والبودزول، والنينيو، والفوهن، وغيرها... يضاف إلى ذلك أن المؤلفين قد اكتفوا، في أماكن أخرى، بذكر المصطلح الأجنبي، كما هو، دون أن يتحملوا عناء ترجمته أو حتى تعريبه. مثلاً: ورد في الصفحة 322 مصطلح (eutrophisation) باللغة الأجنبية، بدون ترجمة أو تعريب؛ ونحن نسأل: لماذا لم يتم تعريب هذا المصطلح بــ"الأترفة" كما تم تعريب مصطلح (latérisation) بـ "اللترتة؟ وبمناسبة الكلام عن المصطلحات، نشير هنا إلى أن مصطلح "التعرية الهوائية" هو مصطلح غير دقيق، ونقترح بدلاً منه مصطلح "التعرية الريحية"، لا لسبب إلا  لأن كلمة "الريح" تعني الهواء المتحرك.

سادساً: في الفهرس العام للكتاب، اكتفى المؤلفون بذكر عناوين الفصول فقط دون إضافة العناوين الثانوية التابعة لها. وهذه الإضافة ضرورية باعتقادنا لأن للقارئ الحق بأن يطلع بسرعة  وبسهولة  على المضمون  الكامل للكتاب قبل المباشرة بقراءته.

سابعاً: بالنسبة للفهارس الأخرى الواردة في الصفحات الأخيرة من الكتاب، نعتقد بأنها  مجتزأة جداً لأنها لا تتضمن فهرس الأمكنة و فهرس أسماء العلم و فهرس المصطلحات العلمية المستخدمة. يضاف إلى ذلك أن الكتاب يشكو من وجود قاموس يفسر هذه المصطلحات ويتضمن أصلها الأجنبي (Lexique).

على أن هذه الملاحظات لا تقلل من القيمة العلمية للكتاب الذي عكس بوضوح تام أفكار مؤلفيه وسعة اطلاعهم، وأظهر بشكل لا يقبل الشك، خلفيتهم الجغرافية الراسخة.  ونعتقد أن هذا الكتاب لا غنىً عنه لجميع طلاب الجغرافيا الذين سيكتشفون أن مؤلفيه قد ساروا بخطىً ثابتة في دراسة موضوع قديم، وذلك وفق منهجية جديدة وأسلوب شيق، مبرزين الصلة الوثيقة بين الطبيعة والإنسان، ومبينين أن فهم الظاهرات الطبيعية هو خطوة أولى لفهم نتائجها، ومقدمة لا بد منها لمواكبة تلك النتائج والتعامل معها. من هنا تظهر قيمة الكتاب كرافد من روافد المعرفة، التي تلقي الضوء على ظاهرات كثيرة،  كانت ولا تزال وستبقى محور اهتمام الإنسان وتساؤلاته.