غابات الأرز في لبنان بين المعروف منها والمجهول

محاضرة في الحركة الثقافية للنقيب عارف قديح في 2008/11/13
 

          بدأ اللقاء بكلمة للزميلة الدكتورة نايلة أبي نادر، أمينة شؤون البيئة في الحركة الثقافية - انطلياس تضمنت تعريفاً بالنقيب المتقاعد وتكريسه القسم الأكبر من عمره في الاهتمام بموضوع البيئة اللبنانية والدعوة بحملات واسعة الى المحافظة عليها وبعد عرض الإطار العام لواقع الغابات في لبنان، ودور الإنسان في تحسين وضعها، او القضاء على ما تبقّى من هدية الطبيعة للبنانيين، لفتت د. نايلة إلى أن "موقع لبنان مميّز جداً على الخريطة الجغرافية كما التاريخية، يجذب اليه بفعل تصارع التيارات المناخية كما السياسية، الكثير من الأحداث والتطورات الملائمة وغير الملائمة لتفتّح الحياة وتحقيق النمو والمحافظة على الاستمرارية والازدهار الدائم.

غريبٌ أمر هذه البقعة الصغيرة التي تكاد تتفرّد بأكثر من خطوة، ان على صعيد المناخ، أو المياه، أو الأزهار، أو الشجر، أو الطيور...! تاريخها السياسي كما الاجتماعي مميّز بخضات وهزّات لا بل زلازل تغيّر ملامحها وتقلب معادلاتها وتعيد صياغة أسسها.

أُتخمت صفحات الكتب والموسوعات بالكم الهائل من العبارات التي تتغنّى بلبنان الأخضر، وموطن الأرز، واحة الصحراء، بلد الأربعة فصول حيث الطبيعة الغنّاء والمياه الوفيرة والتنوّع البيولوجي...

بلدٌ وصل اليوم مع تراكم الإهمال فيه والعبثية والجشع الى مفترق حاسم وخطير. اما نحن أبناء هذه الأرض فبتنا نواجه حلاً من إثنين: بإمكاننا ان نبقى نتغنّى بأمجاد ماضٍ أخضر قد عَبَر، وبصور التقطت منذ زمن تحكي عن مدٍ ربيعي دائم يبعث الحياة في النفوس، او نقف لنندب ونتأوّه على ما قد فقدناه ولن يعود قريباً.

          كما بإمكاننا - اذا شئنا - ان نفتح بصائرنا على واقع مشطوب بختم اسود يروي قصة نيرانٍ التهمت، وأبنية تمددت، ومشاريع توسعت على حساب ثروة ثمنها عمر أجيال وصحة افراد وسلامة شعب لنقرر سوياً القيام بأي جهد من شأنه درء الخطر المحتوم وردّ اليد التي تنكل بالغالي والأغلى، والحدّ من الجهل المستشري الذي يحول دون التنبّه لما يجري من حولنا.

واحد من بلادي قرّر ان يقول كلمته على اكثر من منبر ويمشي. رفع الصوت عالياً في كل اتجاه وعلى اعلى المستويات كما لم يوفّر ندوةً او لقاءً دُعي اليه لينشر حبّه لأرضه بزهورها وأشجارها وأعشابها. قال كلمته ومشى في الأودية، كما تسلّق الوعر شمالاً جنوباً وفي اكثر من اتجاه برفقة كل من تعمّد باسم التراب والعشق والحياة. مفطور منذ الصغر على حبّ الأرض والسير في جبالها ووديانها للتعرف اليها والتأمل فيها والابتهاج بها. رفض كل الجرائم المرتكبة بحقّ القبيّات بلدته العزيزة منذ بداية تفتّح وعيه.

          مناضل بالأخضر العريض، بعد ان دخل سلاح الطيران اللبناني سنة 1949 وخدم ثلاثين سنة، تابع دوراتٍ دراسية في فرنسا وايطاليا وانكلترا بهدف التعمّق في علم النبات. انجز خريطة تحدد موقع واحدة وثلاثين غابة ارز في لبنان. مثّل لبنان في اجتماع الأرض عام 2001 في جنوب افريقيا. حائز على جائزة عالمية في مجال البيئة من على منبر منظمة الامم المتحدة في نيويورك حيث احتفل بعرس البيئة في لبنان.

تحدّث النقيب قديح بشغف كبير وحماس ملفت عن موقع لبنان وثروته الحرجية مستنداً الى الصور والخرائط التي تمّ عرضها ثم فتح الحوار وأجاب عن أسئلة الحضور المهتم بالكارثة التي لحقت بغاباتنا جرّاء الكسارات والحرائق.

أبرز ما ورد في محاضرته الشفهية نلخصه بسطور:

  • - تميّز لبنان من خلال موقعه الجغرافي على الخريطة العالمية ببعده عن خط الاستواء شرقي البحر الابيض المتوسط في المنطقة المعتدلة ذات الفصول الأربعة. هذا وفَّر له التنوّع البيولوجي وسحر طبيعة خلابة تضمّ في ربوعها 24 غابة أرز و 6 غابات لزّاب، وغابتَي عِذِر.

نجد في لبنان حوالي 45 نوعاً من الأشجار و 2600 نوع من الأزهار البرية. من الجدير ذكره انه حسب ما يذكر الدكتور جورج طعمه، هناك 100 نوع من الأزهار البرية المتوافرة فقط في لبنان ولا نجدها في الخارج، مثل الزنبقة الصوفرية التي تفتح اوراقها في 15 أيار في منطقة أرز بشري. كذلك يمكن ان نحصي 30 نوعاً من الشجيرات.

يعتبر لبنان من أغنى دول المتوسط من حيث المساحة النسبية بالثروة النباتية والحرجية.

عدّد النقيب قديح اصناف الأشجار النادرة التي نجدها في لبنان، نذكر بعضها: الشربين اللبناني والبِرْوِة (الموجودة فقط في سير الضنية) والأرز واللزاب والصنوبر البرّي والعِذر.

تحدّث عن ثلاث فصائل من الأشجار:

1- الاوبريات او المضخمات: اوراقها كالإبر وتحتوي على نوع من الصمغ (résine)، يستخرج منها الزيت القادي l'huile de Cade. تعيش حتى علو 2600 م، منها اللزاب والقوقلاني.

2- السنديان

هناك أربعة انواع من السنديان:

- الشمبوق :   chêne cocciné

- العذر: chêne chevelu

- العفص: chêne agale

- الملّول: chêne egilos

3- الوريقات:

مثل الدلب والحور والقطلب والبطم والشجرق والصفصاف وغيرها.

كما تحدث عن أربعة انواع من الأزهار البرية:

1- الاعشاب الطبية: كالزوفي والقصعين وغيرهما.
2- الاعشاب المصنّفة ضد الالتهاب: كالطيون والبابونج وغيرهما.
3- الاعشاب المنشطة التي تزيد الحيوية: كالـ astragale التي تستخدم أيام البرد بخاصة في تشرين الثاني، عندما كان الأجداد يطعمونها للبقر والعجول لكي تسهّل عملية الفلاحة، وهي تعرف في لبنان باسم شلش الزلُّوع.
4- الازهار الجميلة المصنّفة انطلاقاً من منظرها او عطرها.

تجدر الاشارة الى ان هناك في كل نوع عشبة ذكَر وأخرى أنثى.

عرض النقيب بعد ذاك على الخريطة موقع أبرز غابات لبنان، وهو كان قد انجز مسحاً شاملاً لهذه الغابات محدداً موقعها على خريطة خاصة.

          غابات الأرز في لبنان موزعة في غالبيتها على السلسلة الغربية.
- هناك في الشوف حوالي 3 ملايين أرزة موزعة بين الباروك والمعاصر وبمهريه ونيحا.
- حرج تنورين يضمّ خمس غابات تحتوي على خمسة ملايين أرزة تقريباً.
- حرج أرز بشري يضمّ 300 أرزة، معمّرة و 200 أرزة صغيرة.
- حرج أرز جاج يضمّ 200 أرزة وفيه كنيسة قديمة متروكة للاهمال.
- حرج ارز اهدن وهو مكتمل بيئياً ويعدّ من اغنى المناطق الخضراء في المتوسط.
- قضاء الضنية: تضمّ غابة كرم المهر 3000 أرزة.
- غابة جرد النجاص في الضنية تضم 3000 أرزة وهي غابة مكتملة فيها ملايين الاشجار.

نجد في لبنان أيضاً غابتي عذر المعروف بالخشب الحديدي في منطقة خراج فنيدق قضاء الضنية وفي القبيات. للأسف بدأت جريمة قطع الأشجار في فنيدق بسبب اعمال البناء.
- غابة القموُّعة في قضاء عكار، وهي متعة للنظر.
- غابة الوادي الاسود تفصل بين عكار العتيقة والقبيَّات.
- غابة وادي جهنم، تفصل بين قضاءَي عكار والضنية.
- غابة القِلّة موقعها في أعلى نقطة من حيث الارتفاع 2400م، نجد فيها الأرز واللزاب والشوح والكوكلين.
- غابة وادي جهنم في عكار تتميّز بانحدارها القوي وجمالها الاخاذ الساحر.
- غابة سهلات القموعة يعتبرها النقيب قديح محور الجمال في منطقة الشرق الاوسط.

- وهناك خمس غابات لزّاب في منطقة البقاع:
1- غابة جرد عيناتا
2- غابة جرد دير الاحمر
3- غابة وادي الديشار
4- غابة السويسة
5- وادي فقرا

تجدر الاشارة الى ان اللزاب يستخرج منه مشروب الـ Gin  

- الغابة السادسة:
- غابة كرم شباط في القبيات.
أخيراً، ختم النقيب قديح عرضه بالتوقف عند كيفية التصّدي لما يعتري غابات لبنان من تنكيل وتهشيم وإحراق.

قدّم في هذا المجال اقتراحات عدّة نذكر أبرزها:
- التقدم بمشروع قانون لحماية الغابات وبخاصة غابات الأرز ووضعها جميعها تحت حماية الجيش اللبناني وفي عهدته.
- على كل بلدية تضمّ في اراضيها أي غابة، ان تحميها من الحرائق من خلال شق طرقات للحد من النيران والوصول بسهولة لاطفاء الحرائق.
- محاربة العشوائية في فتح الكسارات، يجب العمل على تنظيمها من خلال الردم والتجليل والزرع.
- قبل ان يفتح الحوار مع الجمهور الحاضر، توقّف المحاضر عند رمزية وادي قنوبين وجماليته، بخاصة في هذه الفترة من السنة حيث يرتدي هذا الوادي حلّته الذهبية.