المجد لـ الشعر

جوزف أبي ضاهر

كلمة باحتفال صدور

 كتاب: امرأة متعددة

لـ انطوان مالك طوق

الحركة الثقافية انطلياس

 24 نيسان 2012

مدّ ايدو،ع السَّكت،

وبـ الصبيع الـ صارو حلوين، كِتْر ما داقو الجمال، عَصَر العنقود.

عَصَرو بـ الكاس الـ بلّشو شفافو يتشقّقو من كِتْر ما نطرو.

خيّ.تنهّد الشعر. لَمَح وجّا طَلّ.

بـ الكاد طَلّ.

قميص النعس انزاح عن صدرا، فرك الصبح عينيه:

ـ ألله شو بتشبها السما.

  ألله شو بيشبهو الأنبيا الشعرا.

***

عَصَر العنقود بـ الكاس تمرّو العينين بـ الخمر.

داقو الشفاف أوّل وجّ، وتاني وجّ، وتالت ورابع وجّ... وما عادو عدّو كم وجّ لـ مرا وحده. ولا وجّ بيشبه التاني.

مرقو الغُرَبا ع فتحة الكتاب.

سألو أوّل أربع شعرا اجتمعو بفيّة أربع قصايد:

ـ ولا واحد عَصَر عنقود بهـ الكاس غيرو؟

مْبلى، ردّو الشعرا الأربعه بـ صوت واحد:

ـ كتار اللي عَصَرو. بس برّات الكاس.

ومرّات، ومرّات العناقيد ما يكونو استوو.

ومرّات، داقن العصفور قبلن.

داقن، ما عادت الشمس التفتت فين.

وبـ الكاد بيستاهلو يكونو خَلّ.

***

ع مَهِلْ قَرَّبتْ،

الـ صارت الكلّ بـ وجوه ما بتنعدّ.

غَمَرتو.بـ الايدتين غمرتو، بـ اللهفه.

تلوّن الحبر.

لون الدّم؟

مش هيك لون الدّم.

خبز الامان ما بيكفيه. اتبسّمت.

بدّو المطارح إلو.

بدّو الزمان إلو. طمّيع.

ويعاند، وتعاند،

ودّا حروف القصايد مراسيل.

لمع بـ بالها شوق البيادر.

***

المجد لـ الحبّ.

المجد لـ الحبّ.

قَدَر الشاعر العشْق.

وقَدَر المعشوقه تختصر الحبيبات، تْصيرُن،

ولو بأكتر من وج.

ـ بيلوموه؟ يلوموه.

العمر من دون حبّ غربه. الغربه موحشه.

الطير الـ ما بيلبسو جناحيه الريش،

كيف بدّو يطير؟

كيف بدّو يصيّر الدني وِسْع قلبو، وسع الحبّ؟

***

صحيح كلّ ما خَلَص الكاس،

بينعصر عنقود، تنين، تلاته،

والكَرِم يا مين يَعرفْ يقطفو.

بس العمر، العمر إذا خَلَص، بيفلّ.

وبيفلّ معو: الحبّ والشعر.

***

مش أوّل المرّات الـ توّجا أميرة الأميرات،

... وبتنسى، بتنسى، ولو للحظه،

وما بيخطر بـ بالا.

وهوّي؟

وهوّي الـ قدّس عينيا بـ ميرون العشق.

وصيّر الأرض لـ العشّاق ممالك.

... ويتغاوى الفرح: يا حظ الـ بيعرف يحبّ.

يا حظ الـ بيعرف يصير هوّي الحبّ.

***

مَسَحتْ الحكي عن شفافي.

صارو صبيعي عينين، يركضو بين الحروف،

بين القصايد، بـ الكتاب الـ من أوّلو لـ آخرو...

لأ. بعد في.

آخر قصيده ما في بآخرا نقطه.

بعد في. ولو تسكّر الكتاب،

ما بيقدر الشاعر يوقّف هون.

رجعت أقرا من الأول.

اقرا الشاعر الـ بعرفو من الأول ما بيشبه إلا حالو.

... وانتبهت كيف فتت ع الأول، أوّل مرّه، وما سَلّمت ع أهلو.

يمكن هنّي كمان أهلي الـ بحبّن وبعرفن.

بعرف وجوهن، صواتن،

بعرف شِعرن عن الغايب.

ـ وكانو علامه فارقه؟

اي، كانو علامه فارقه، وبَعْدن.

ومش غريب يتقرّب أنطوان مالك طوق فين.

هوّي الرابي ع القمح الـ ما فيه زوان. قطف العنقود عن إمّو قبل ما يحبحبو الدوري، أو أي غريب مارق. ما غمّض عينيه إلا ع حِلم.

المراكب فيه مشدودي صواريها، وقادره توصل ع كل شطوط البحور.

وسبق الصبح، وعى تيغسل وجّو بـ النور البعد ما طالتو الأرض.

دفاترو، قلامو، محبرتو، أبجديتو... كلهن ما فارقوه، من دون ما يمنعوه يتطلع ع المدى، ويقرا الجديد بـ دفاتر الـ مرقو من زمان.

... وبعدو الزمان فالش زوّادتن وعم ياكل منا.

بين الجديد والـ عم يتجدّد في مفرق واحد، يا بيوصّل ع نبع، يا بيوصّل ع ساقيه.

الساقيه مش مضمون مين نزل فيها، ومين شرب منّا.

النبع أفضل. بس النبع طريقو صعبه أكتر.

أنطوان طوق ابن الجرد، ما بيخاف الطرقات الصعبه، وما بيزيح عينيه عن البحر، الـ مع كلّ فقشة موج في حركه بتجدد الحياة معا.

من دونا ما بتنبض بشرايين الـ قلام كلمه.

***

 ع السكت مدّ إيدو ع العنقود.

فَتَحت كفّي كاس. شربِت

أنطوان مالك طوق... كاسك.

 

كلمة الإعلاميّة جويل فضّول في تقديم الشاعرين أنطوان مالك طوق وقزحيا ساسين

 

(افتتاح اللقاء)

 

   أعرفهما صديقَيْن حميمَيْن في وسَطٍ أدبيّ لا يكادُ يوجدُ بين أهلِه سوى صداقات ٍ لدودة .

   قرأتُهما وأستطيبُ العسلَ يقطُرُ من قوافيهما عسلاً حلالاً ينتسبُ إلى النحلِ الذي يقصِدُ زهرةَ الجمالِ الفريدة .

   الشاعران أنطوان مالك طوق وقزحيّا ساسين أفخَرُ أنّني مُتَّهمةٌ بالإنحيازِ إليهما ... وهل يُحرَجُ جائعٌ من انحيازٍ إلى رغيف ، أو تُحرَجُ نسمةٌ من انحيازٍ  إلى غصنِ أرز؟

 

   أيّها الأصدقاء

   أعترف لكم أنّني من مُطارِدي الكلمةِ الموشومةِ ـ في آنٍ معاً ـ بعطرِ الأصالةِ والجِدَّةِ والغرابة، وبأنّ قصيدةَ أنطوان وقصيدةَ قزحيّا هما عندي ذهَبُ هذه الأيّامِ البخيلةِ ، غير أنّني أشربُ النبيذَ متذوِّقةً ولست من الخبراءِ في صناعتِه ، وأحبّ الثلجَ كثيراً لكنّني لا أعرفُ حكايتَه من البحرِ إلى رَحِمِ الغيمةِ إلى كفِّ العاصفة . لذلك أتركُ الكلامَ عن المسافةِ اللذيذةِ بين البحرِ والغيمِ والثلجِ ، وبين العنبِ والنبيذِ والكأسِ للخبيرَيْن العتيقَيْن الشاعرين زاهي وهبه وجوزيف أبي ضاهر ... ومَنْ بالشعرِ كالشعراءِ يفهم ؟؟

   لكنّني ـ وقبلَ أن يأخذا الكلامَ ـ أريدُ أن أقولَ لأنطوان وقزحيّا : إنْ ضربْتُما خيمةَ الشعرِ في بشرّي أو حدشيت أو إنطلياس أو المرّيخ ... ستَجِدانِ أنّي أوّلُ الواصلينَ إليها .

 

جويل فضّول

 

قزحيا ساسين شفيع الحبر والحبّ

إرتجل الشاعر زاهي وهبي مداخلة طويلة حول كتاب "تياب عريانِه" موسِّعاً عشرات العناوين التي استوقفته في جديد ساسين، وممّا جاء في كلامه:

قزحيا ساسين شفيع الحبر والحبّ، كتب الإنسان بأبعادٍ له كثيرة، شاهراً لغة تميل إلى الإختصار على تكثيف لا يتقنه إلاّ من يقطّر العَرَق والعطر. وهو نحّات يصطاد برأس القلم – الإزميل من صدور مفرداته زَبَداً للمعنى جديداً.

على مهل، صنع قزحيا قفير لغته في "تياب عريانه" وتعدّدت مواضيعه تعدُّد هموم الحبر على بساط وجعه، ومدَّ عَيْنَه بعيداً، إلى ما وراء الموجود، مؤنسناً ما نجعله نحن منتمياً إلى الشيئيّة فـ: الكرسي اللي قاعد عْلَيا العتم، أو الضو، أو الغبره، مش كرسي فاضيه. الكرسي الفاضيه، هيّه اللي قاعد عْلَيا حدا... مَنّو حدا.

إقتحاميّ هو قزحيا، يأخذنا ممّا هو أمامنا إلى مشهد يحضر فيه البُعد الإنساني: "الغراب: قدّيش بدَّك تا تصير أسود متلي؟/ التلج: أنا بدوب، تا ما صير مِتْلَك". والطبيعة تقيم وفصولها في قلم ساسين: "الشلاّل، مَيِّه بتموت إزا بتبطّل تنتحر"، ولا تقول نفْسَها إلاّ لتقول الإنسان الذي يريده قزحيا...

والمرأة في "تياب عريانه" كائن يظلِّل بخصوبته الحياة، فهي مسوَّرة بالارتفاع، ومغتسلة بكلّ ما في الضوء من حرّيّة، ويستعين صديقي قزحيا بعاطفتها ليكسر سمّ علامات الاستفهام الفلسفيّة، الموشومة بالوجع الوجوديّ: "ألله خَلَق الدجاجه قبل البيضه لأنّو ما بيخلق صوص بَلا أمّ". و"كنت بآمن بالتقمّص لولا ما بخاف إخلَق من مرا تانيه غير أمّي". ويمرّ قزحيا ساسين بالتاريخ، يُطلّ برأسه من فوق سوره العالي. ويقول: التاريخ خيّاط رجّالي". نعم، أيّها الأصدقاء، كسر الله يَدَي هذا التاريخ الرافع رايات الذكورة على أبراجه. ولله مع ساسين حكاية تُرْوَى بالكلمات الشُّجاعة وكأنّها مُساءلات طفوليّة، فقزحيا مؤمن، لكنّه مَدين للضوء الذي يجود به قنديل الشكّ: "جرَّبت كلّ القناديل، وَلا واحد مِنُن بيضوِّي قدّ قنديل الشكّ". يسعى ساسين إلى سماء حُرَّة متسلِّقاً سُلَّم لغته التي لا ترتاح لليقين الساذج، إنّما تعتمد الأسئلة الجريئة: "عم فكِّر، شو بيعملو السوّار إزا طلعو عالسما"، وتدلّ بإصبعها محتجّة على لغات الناس الذين يصنعون بإيمانهم الخائف آلهة تلتهي بنموّها الدائم عن الذين يسلّمونها مصائرهم: "عا قدّ ما ألله كبير، بخاف أمرق حدّو وما ينتبهلي"... يصرّ قزحيا ساسين على أنّ كتابه نثر، غير أنّني أما هذه اللغة المقطّرة على كثافة خصبة  لا أستطيع أن أقرأ قزحيا إلاّ شاعراً بعيداً من كلّ مقاربة للشعر وللنثر.

"تياب عريانه" كتاب تحليق بمراكب ضوئيّة. كتاب جديد لا يذكّر إلاّ بصاحبه. شكراً صديقي قزحيا، لقد منحتني نشوة الطيران عالياً، في هذا الزمن ذي السماء المنخفضة، وشكراً لأنّك نَشَرْتَ على حبال صوتي "تيابك العريانِه".

 

زاهي وهبي