كلمة الدكتور انيس مسلّم

         تأمُّلٌ في"دموعِ الياسمين"لنوال البرازي

ألقيت في الحركة الثقافيَّةِ، أنطلياس

18 كانون الثاني 2006.

هذا قَلمٌ مُحبٌ، صادِقٌ، وهذه روايةٌ تشهَدُ له بحرارةِ الحُبِّ والصدقِ في مُقاربةِ المُعاناة.

" دموع الياسمين " روايةٌ مُغريةٌ، تثيرُ مشاعرَ مُتباينةً فيضيعُ في أرجائها القارئ ما بينَ الحكايةِ والسيرةِ والتأريخِ. تروي الكاتبةُ سيرةَ فتاةٍ ( حنان ) مُنْذُ أنْ حبلت بها أمُّها ( لطيفة ) [ تركيَّةُ الأصلِ تزوَّجَ عليها زوجُها وما عادَ ساكنها، بل لازمَ زوجته الثانية ]، إلى أن ضاعت في مجاهلِ بيروت، مرورًا بزواجِها الأوَّلِ العلني، الفاشلِ ب ( أحمد )، فطلاقِها منه وزواجها الثاني غير المُعْلن ب ( يوسف ) وما رافقه من خيباتٍ وآلامٍ وفجائع، [ خفَّفت وطأةَ بعضِها صديقةُ أمِّها ( أفتاليا )]، أرغمتها على اللجوءِ إلى الأديرةِ تلوذُ بالراهباتِ، تعتصمُ بحنانهنَّ وتستنيرُ بصلواتهنَّ، في النبطيَّةِ وزحلة وبيروت، بهمَّةِ الأب ميخائيل معوَّض، ومن ثَمَّ المونسنيور يوحنَّا مارون، الذي تركت محبَّتُهُ أثرًا عميقًا في نفسِ (حنان ) تجلَّى في خفرِها الرَّهيفِ وتصرُّفاتِها النبيلةِ.

تساءلتُ وأنا أقرأ الروايةَ: هل تُنسجُ الأبديَّةُ من لحظاتِ السعادةِ، كي نوليها هذا القدر من الأهميَّةِ، ونَسكبَ في سبيلها هذا الغمرَ من دموعِ الياسمين؟ أم أنَّ اللحظاتِ السعيدةَ تبقى مُجرَّدَ وَمْضِ هناءٍ، قد لا تُدركها العيونُ، وَسْطَ هذا الخِضَمِّ الهائل من العذابِ والمآسي؟

      فحنان بطلةُ الروايةِ، على الرُّغمِ من حسرتها وعُمْقِ تعاستها، ظلَّت مسكونَةً بهذه الحاجةِ الحارِقَةِ إلى المُطلقِ.لم تفقد إيمانها بالله، ولا صمَّت أذُنيها عن سماعِ صوته. إيمانُها الذي زرعته أمُّها في قلبها، بقي كَنْزَها والمصباحَ الذي به استضاءت، على مدى لياليها، وبفضله لم تغضَبْ ولم تَحْقِدْ بل ظلَّت تَهْتَدي بالرَّجاءِ إلى من هو الرَّجاء.

لقد أعانتها الصلاةُ في التغلُّبِ على مآسيها. صحيحٌ أنَّها كانت تموتُ كلَّ يومٍ، وأحيانًا، كل ساعة، ولكنَّها، كانت تعودُ إلى إيمانها وكأنَّها تولدُ لحياةٍ أبديَّةٍ. الولادَةُ للحياةِ الأبديَّةِ موجعة أساسًا، بيدَ أنَّها كانت، بالنسبةِ إلى حنان، أوجعَ واشدَّ ألمًا، لأنَّ ثمَّةَ من كان يعيدُ فتحَ جراحها كُلَّما بدأت تلتئمُ.

في "دموعِ الياسمين" ثمَّةَ ما هو أبعدُ وأخطرُ من قصَّةِ حنان؛ إنَّها حالةُ المُجتمعِ العربي، المريضِ، الهزيلِ؛ مُجتمعِ الذكورِ الأعرجِ الذي يُهملُ المرأةَ، بل يُنكِّلُ بها ويريدُ في الآن عينه، أن يمشي وأن يلحقَ بركبِ المدنيَّةِ التي تجاوزته، فيما يقفُ يجترُّ أمجادَهُ الغابرَةَ مُتمسِّكًا بتقاليدِهِ البالية، مُهمِلاً الجهودَ الضروريةَ التي دونها لن يلحَقَِ بالركبِ الحضاري.

إنَّ الاستهتارَ بالمرأةِ ظاهرةٌ عامَّةٌ وشاملةٌ، " فالأَنموذَجُ البشريُّ المُطلقُ هو الرَّجُلُ "، تقولُ سيمون ده بوفوار "  فإذا أرادت امرأةٌ أن تُحدِّدَ ذاتها تقولُ: " أنا امرأة "، أمَّا الرجُلُ فلا يحتاجُ إلى تعريفٍ بأنَّه رجل "  ( سيمون ده بوفوار، الجنس الآخر، غاليمار، 1949 ).

لقد لاحظَ دونالدسون، [وهوَ أحدُ أبرَزِ مؤرِّخي المرأة]، أنَّ الرجُلَ رفضَ، على مدى تاريخه، أيَّ تحديدٍ يساويه بالمرأةِ، لهذا بترَ التحديد العلميَّ القائل: "الرجُلُ كائنٌ بشريٌّ ذكرٌ، والمرأةُ كائن بشريٌّ أُنثى " لينجوَ من التعادُلِ والتكافؤ، فصار التحديدُ بعدَ البترِ: "الرجلُ كائنٌ بشريٌّ والمرأةُ أنثى"، هوَ الأساسُ وهيَ المُكمِّلُ. وبتَعْبيرٍ آخر: " المرأةُ رجُلٌ ناقصٌ ".

من هذه الزاويةِ، تُحاولُ نوال البرازي، ببساطةٍ متناهية، وضعَ إصبعها على الجرحِ النازفِ؛ من خلالِ ما عانته حنان وأمُّها، بعد طلاقها من أبيها وزواجهِ بامرأةٍ أذاقتهما، معًا، جميعَ أنواعِ الذلِّ. لنسمعها تُردِّدُ على مسمعِ أبيها ومرآه: [ هذه الفاسقة التي فشلت أمُّها في تربيتها، جعلتنا أضحوكة بين الناسِ، ولوثت سمعتنا ] ( صفحة 52 ).

إنَّ حنان، التي أسرَفَت عليها المِحَنُ، عاشت تقتسِمُ غرفتها معَ القلقِ والخوفِ والأسى، فصارت تشبه، إلى حدٍّ ما، كاملةحكايتي شرحٌ يطولُ " فهيَ مثلها حُرمت من العلمِ وعانت تزمُّتَ المُجتمعِ العربي، وجورَ الرجالِ على النساءِ، وسوءَ  ظَنِّهم المتَصاعِدَ بهنَّ، الأمرُ الذي كانَ يؤدِّي بهم، غالبًا، إلى التصلُّبِ والتسلُّطِ والأنانيَّةِ التي لا تعرِفُ حدودًا. بطلة قصَّة حنان الشيخ "

وحنان على مثالِ كاملة تعشقُ السينما [ فقد كان لها شَغَفٌ كبيرٌ بمشاهدةِ الأفلامِ السينمائيَّةِ، لدرجةٍ أصبحَ معها الذَّهاب إلى السينما هاجسها]  ( ص 52 ). وترى فيها مسربًا إلى عالمها الوهميّ المُحبَّبِِ، ومثلها تتقمَّصُ شخصيَّةَ البطلةِ [ شاهدت تقريبًا كُلَّ أفلام فاتن حمامة، وهي تقومُ بتمثيلِ دورِ "البنت الغلبانة" التي لا حولَ لها ولا قوَّة أمامَ ظلمِ المُجتمعِ ] ( ص34 ). كاملة، بطلة حنان الشيخ، كانت تواجه ظلمَ المُجتمعِ وتعسُّفَه بحبِّها لمُحمَّد وتشفق على النساءِ اللواتي لم يذُقْنَ طعمَ الحبِّ مثلها. أمَّا حنان بطلة نوال البرازي، المحرومةُ من نعمةِ الحُبِّ، فتقاومُ بالقراءةِ جورَ المُجتمعِ وتخلي أبيها عنها، وبالصبرِ تُواجِهُ حقدَ زوجتِه عليها، وخِسَّةَ زوجِها السابقِ أحمد، وانصياعَهُ الأعمى لرغبات والدتِهِ، وتبعيَّتَهِ الشائِنَةَ لأخيه: [ فكُلَّما تيسَّرَ لها مبلغٌ من المالِ، كانت تُسرع لشراءِكتاب ] ( ص 41 ).

لقد حاولت نوال البرازي أن تحضنَ عصرَها، على نحوِ ما دعا إليه جان بول سارتر، ( الأزمنةِ الحديثةِ، العدد الأوَّل 1949 ) فتحدَّثت عن الأشخاصِ ( الشيخ بيار الجميِّل، كميل أبو صوَّان، البطريرك المعوشي، الدكتور جوزف زعرور، أنطوان سعد، سامي الخطيب، فؤاد نجَّار، رضا وحيد، مصطفى النصولي، سليم الحص، فؤاد صرُّوف، وسواهم؛ كما تحدَّثت عن المدن ( دمشق، بيروت، عمَّان، صيدنايا، زحلة، النبطيَّة ) وعن الأمكنةِ كما كانت في النصفِ الثاني من القرن الماضي: [ حملت الصديقتان نذورًا، عبارة عن زيتٍ وشموعٍ ابتاعتاها من سوق النوريَّةِ... وتوجَّهتا إلى ديرِ صيدنايا، الذي يبعدُ عن دمشق بضعة كيلومترات ]  (ص 15). وأيضًا حيّ [ " سوق ساروجة " في دمشق القديمة ويطلقُ عليه اسم " إسطنبول الصغيرة " لأنَّ مُعظمَ العائلاتِ التركيَّةِ العريقةِ كانت تسكنه ] ( ص 25 ). [ وقد صنَّفت الأونسكو هذا الحيَّ تراثًا  عالميًّا ] ( ص 27 ). وهيَ في وصفها الحوادثَ لا تُهملُ تحديدَ مواقعها والإشارةَ إليها بأسمائها، حتى نكاد بفضلها نعرِفُ، في آنٍ معًا، خريطةَ دمشقَ ونفهمُ عاداتِ أهلِها وتقاليدَهُم [ لم تكد حنان تتخطَّى الرابعَةَ عَشْرَةَ حتَّى كَثُرَ الراغبون في الزواجِ بها... زوجةُ أبيها لم تكن تُخفي فرحَها بالعروس الذي يحملُ معه الفرج ] ( ص 43-44 )؛ [ من جسرِ فكتوريا إلى محلَّةِ كيوان ( موقع فندق شيراتون اليوم) ] ( ص 55 ) [ كانت تقيمُ في منطقة تدعى " مقبرة الفرنسيين في أوَّل شارع أبو رمَّانة حيثُ فندق ميريديان الآن ] ( ص 57 ) [قصدا مطعم الحاج داوود(..)  من سوق الطويلة توجَّهوا إلى مطعم العجمي ] ( ص71 و72 ) [ وزارت أنطلياس وكانت مكتظَّةً بأشجارِ الليمون، وعبق زَهْرِها يملأ الأجواء ] ( ص 73 ) [ توجَّها بسيَّارته البويك السوداء إلى عمَّان ونزلا في فندق فيلادلفيا ] ( ص 96 ).

لُغةُ نوال البرازي سرديَّةٌ، بسيطةٌ في مُتناولِ عامَّةِ القرَّاءِ؛ بيدَ أنَّها، في الآنِ عينه، وصفية على كثيرٍ من الدقَّةِ والبراعةِ[بيوت هذا الحيِّ متعة للناظرين،تقولُكما لو أنَّ السماءَ تُمطرُ نجومًا صغيرةً(..) يجد الداخل إليها نفسه وَسَطَ فسحةٍ صغيرةٍ، ينسكبُ من على جدارها، المقُابلِ للباب، شلال ماءٍ صغيرٍ يصبُّ في بركةٍ. ] ( ص 27 ).

لا تخلو روايةُ " دموعُ الياسَمين " رُغم جوِّها العام المأساويِّ، من الغمزِ اللطيفِ والظَرْفِ وحتَّى الفكاهةِ، أحيانًا، [ حين تغضب أفتاليا، تُضْحِكُ مَنْ حولها وهيَ تُؤنِّثُ المُذكَّرَ وتُذكِّرُ المؤنَّثَ ( ص 13 ) [ له عينا صقرٍ صغيرتانِ تلتقطانِ ظلَّ أيِّ امرأةٍ يخطرُ في الطريقِ ]_ تقصِدُ والدها_( ص 23 ). [ للقمرِ مكانتُهُ الخاصَّةُ عندَ الدمشقيين، يسهرون برفقته حتَّى بزوغِ الفجرِ ] ( ص 32 )، [ ملأت رأسها على طريقة يوسف وهبي من أنَّ شرفَ البنتِ زي عود الكبريت ما يولِّعش إلاَّ مرَّة واحدة ]( ص 39 ) [ كثيرًا ما حاولت تقليد الروائيين (..) فكانت النتيجة تأتي دومًا مضحكة ] ( ص 41 ).

اللافتُ، في الروايةِ، هو الصورةُ العامَّةُ التي رسمتها الكاتبةُ للرجُلِ، فإمَّا أنَّه أنانيٌّ لا يعرِفُ الواجبَ ولا مكان للرحمةِ ولا للغيريَّةِ في قلبه ( والدها )، وإمَّا ضعيفُ الشخصيَّةِ، بسيطٌ إلى حَدِّ "الهبل"ِ ( زوجها الأوَّل أحمد ) وإمَّا نَذْلٌ، ساقطٌ وفاجر ( شقيق زوجها عدنان ) وإمَّا مُعقَّدٌ، مُستبدٌّ وظالمٌ، على كبرياءٍ بغيض ( يوسف ) الذي ظنَّت أنَّها أحبته. وَحْدَهُ المونسنيور يوحنَّا مارون، كان يختزنُ في داخلهِ قيمًا إنسانيَّةً نادرةً، عوَّضها ما فقدته في حياتها، فوجدت فيه الأبَ الذي سرقته منها امرأةٌ أخرى، فأغدقَ عليها من العطفِ والاهتمامِ ما لم تَلْمِسْهُ من أبيها الحقيقي ( ص 168 و169 ).

أتكونُ هذه الروايةُ من أدبِ الذاكرة، على اعتبار أنَّها سردٌ متراصٌّ لأحداثٍ مُتلاصقة تلاحقت على مدى سنوات؟ أم منَ الأدبِ الوجوديِّ؟ أم من الأدبِ الرومانسي؟ أم من أدبِ الشهادة؟ لعلَّ هذه التساؤلات تشيرُ إلى إبداعِ الكاتبةِ؛ فالإبداعُ الأدبيُّ يتجلَّى آنَ يعجزُ القارئُ عنِ التمييزِ بينَ الوقائعِ والخيالِ، بين الحقائقِ والأوهام. هذا معَ العلمِ أنَّ حنان، بطلةَ الروايةِ، ما كادت تتفتَّحُ حتَّى وجدت نفسها وجهًا لوجهٍ أمامَ مُجتمعٍ ذكريٍّ شديدِ التزَّمُت، جاهلٍ، قاسٍ، مُتردٍّ ومُدَّعٍ في آنٍ معًا. هذا المُجتمعُ المتصلِّبُ يصبُّ غضبه على فتاةٍ رخصةٍ، ضعيفةٍ، صامتة، وغالبًا، عاجزة ثقافيًّا ووجدانيًا عن المواجهة، وليسَ لها في الدنيا من معين غير أمِّها الفقيرةِ، المُطلَّقة.

قد تُمثِّلُُ " دموعُ الياسمين " بأمانةٍ لافتةٍ واقعَ المرأةِ الخارجيَّ في سوريَّا، في مُنتصفِ القرنِ الماضي، على أنَّ الكاتبةَ تُهْمِلُ أو تغضُّ الطرفَ عن حقيقةِ المرأةِ الداخليَّةِ، أي ما يعتَمِلُ في نفسها من تَمَلْمُلٍ وثورَةٍ وتوقٍ حادٍّ إلى التحرُّرِ، لهذا رُبَّما لازمَ الهربُ حياةَ حنان بدلَ الرَّفضِ والثورة، فغابَ التحليلُ والحوارُ عن الروايةِ، وخضعَ العاملُ الداخليُّ للحوادثِ الخارجيَّةِ. إنَّ الاستغناءَ عن التحليلِ، هوّ بمثابةِ إدارة الظهرِ للتقدُّمِ، تقولُ الناقدةُ ناتالي سارُّوت  ( 1900-1985 )، وهذه مسألةٌ بالغةُ الأهميَّة، أعارتها اهتمامًا لافتًا نُخبةٌ من أديبتنا، في طليعتهنَّ أملي نصرالله وهدى بركات وحنان الشيخ.

يتراءى لي أنَّ نوال البرازي تنطلقُ من تجربتِها الشخصيَّةِ مع الرجُلِ، لتركِّزَ فيها دعائمَ روايتها، فتبدو الروايةُ أقربَ إلى السيرةِ الذاتيَّةِ منها إلى الروايةِِ. فكأنَّ نوال هيَ حنان التي تروي حكايتها؛ على أنَّ تَوَارِيَ الكاتِبَةِ وراءَ البطلةِ، وإن عرَّضَ الروايةَ إلى فقدانِِ صفتين أساسيَّتين: الموضوعيَّةِ و سِرِّ السردِ، فقد قرَّبَ البطلةَ من قلوبِ القرَّاءِ وجعلهم أشدَّ شغفًا بها، وسعيًا إليها، وحَدْبًا عليها، يُلاحقونَ حتى الجزئيَّات في مصيرِها.

لم تكن حنان مُهيَّأةً للرجالِ، فكأنَّها أُعدَّت للحنان فقط؛ لهذا يُستدلُّ من سيرتها المرويَّةِ، أنَّ الصورةَ التي ارتسمت في رأسها عنِ الرجُلِ لم تكن صحيحةً ولا سليمةً، بل كانت، إلى حدٍّ ما، مثاليَّةً. من هنا بَدَت خيبتُها عظيمةً، ثُمَّ جاءت الأحداثُ تُضاعفُ هذه الخيبة.

هذه الروايةُ، على قسوتِها ومُناخِها المشحونِ بالحزنِ، تذهبُ بالشأنِ الروائيِّ إلى ما هوَ أبعدُ مِنَ الروايةِ؛ إلى الدخولِ في عُمْقِ قضيَّتين جوهريَّتين: القضيَّةِ الروحيَّةِ عمومًا، وقضيَّةِ المرأةِ العربيَّةِ بخاصَّة؛ فتصفُ المُجتمعَ الدمشقيَّ، في منتصفِ القرنِ الماضي، وتكشِفُ عوراتِهِ وتُسلِّطُ الضوءَ على مخازيه، مُبيِّنةً أنَّ تحريرَ المرأةِ كان يعني، حتى بالنسبةِ إلى العائلاتِ المتنوِّرةِ، إفسادَها. لهذا حملت الكاتبةُ أعباءَ وجدانٍ كادت وطأةُ الأحداثِ الرهيبةِ تُدَمِّرُهُ، فإذا بالديرِ، مكانًا هادِئًا وبيئةً حميمَةً ومُناخًا خاشعًا وراهباتٍ، يعيدُ إلى اللاجئةِ ثقةً فقدَتْها بالإنسانِ، رجلاً وامرأةً، وكادت تفقدها بالخالق، فتسترجع أمانًا اغتُصِبَ منها حتى في بيتها الوالديِّ.

إنَّ " دموع الياسَمين " بحثٌ حارٌّ، حارقٌ، وغالبًا غيُر واعٍ، عنِ الخلاصِ، عنِ الجوهريِّ؛ حتى ليغدو الديرُ، في نظرِ، الباحثةِ، أكثرَ من ملجأ، و أسمى من مَحَجٍّ، و أثمنَ من دارِ سلام؛ يصيرُ الفانوسَ السحريَّ الذي يُحقِّقُ الأماني بما فيها تلكَ المُستحيلة.

وبعدُ، إنَّ قراءةَ " دموع الياسمين " يُمكن أن تكونَ صحيَّةً، بل شافيةً لمن يُقارِبُها بمحبَّةِ القلمِ الذي صاغها، خصوصًا، بالنسبةِ لمن يُعاني آلامَ المظالِمِ الاجتماعيَّةِ، ويودُّ أن يرى أوضحَ وأبعدَ من جراحِهِ.

كلمة الدكتورة كلوديا ابي نادر

نوال البرازي لم تؤلف كتاباً، إذ إن مادته استمدت من كيانها وكل المآسي التي جلجلتها رفعت صليبها كي تُبقي على معنى الفداء. رواية "دموع الياسمين" ليست من نسيج الخيال بل نابعة من رحم الواقع لكأن الكاتبة أرادت استعراض الماضي عله يستحيل استعراضاً وحسب، فيهوي التنكر ويبقى الإنسان! ها سيرة نوال البرازي الذاتية تحبك سيرة البشر. إلا إن السرد القصصي أصبح مهداً لاقتناعات الكاتبة وعلى الصعيدين الاجتماعي والإنساني. وفي كلمة الشاعر هنري زغيب الآتي:

"أليست باكورة هذه الباكورة، كأنها مكتوبة غير مرّة وهذه كتابتها الأخيرة كأن كاتبتها نسجتها على مراحل، ثم راحت تعيد نسجها في بالها وقلبها وذاكرتها حتى إذا حان مخاضها ولدتها على الورق فجاءت مكتملة البنية مكملة شهرها التاسع. "دموع الياسمين" لنوال البرازي حكاية مضمخة بالتجربة الإنسانية صاغتها الكاتبة.

على صفحات الرواية تهيمن صورة المونسنيور يوحنا مارون بما له على  الكاتبة من فضل ورعاية يجعلها حتى كتابة هذه الرواية (وقد تكون هذه بكاملها) وفاء لتلك الابوّة الروحية العالية.

 

كلمة نوال برازي

مساء الخير يا أحبائي...

اسمحوا لي اولاً ان اشكر الذين تناولوا روايتي واضاؤوا عليها بأسلوبهم الرائع... فأين أنا وكتاباتي المتواضعة من هؤلاء المرموقين؟...

من رئيسة مجلس الفكر والأستاذة الجامعية وصاحبة القلم النسويّ العطر - الدكتورة كلوديا ابي نادر...

ومن الشاعر الانيق والانسان الديناميكي شاعرنا المعروف الاستاذ هنري زغيب، والذي تكرّم وكتب لي مقدمة هذا الكتاب.

ومن صاحب الفكر الاديب والروائي الدكتور أنيس مسلّم وكتبه الرائعة...

ولا بد لي هنا من ذكر من شجعتني وتعاونت معي على كتابة هذه الرواية... اقصد الشاعرة والفنانة التشكيلية السيدة باسمة بطولي، فلها كل الامتنان...

كما اشكر الاستاذين هنري زغيب وجان كميد اللذين اشرفا على انجاز هذا الكتاب بصيغته النهائية

والشكر الكبير من كل قلبي لمن تكرموا بتلبية دعوتي فرداً فرداً...

فبالتفاتكم هذا الجميل حولي... بهذه المناسبة الهامة جداً بالنسبة الي... أشعرتموني كم لديّ من اصدقاء... واحسد نفسي على هذا... خاصة من حضر من مكان بعيد...

فشكراً شكراً يا اصدقائي واحبائي لهذا الحضور الرائع..

وارجو من الله ان تحوز روايتي المتواضعة اعجابكم...

مداخلة مُديْر النَّدوة : الأسْـتاذ ايلي الحَجَل .

أدارَ الـنَّـدوةَ أمـيْـنُ شـؤون حُـقُـوق الإنـسَـان ، فـي الـحَـركـةِ ، الـزَّمـيْـلُ الأسْـتـاذُ : " ايـلـي الـحَـجَـل " ، فـتـنـاولَ بـالـتَّـقـيـيْـم نـصَّ الـرِّوايـةِ ، وسَـلّـط الـضَّـوءَ عَـلـى جَـوانـبَ عَـديْـدةٍ مِـنَ الـفـضـاءِ الـرِّوائـيِّ : مُـتـكـلِّـمًـا عَـلـى شـخـصـيَّـاتِ الـرِّوايـةِ ، وأسْـلُـوبِـهِـا ، ولـغـتِـهَـا الـسَّـرديَّـةِ ... طـارِحًـا بَـعْـضَ الـمُـلاحَـظـاتِ ... مُـقـارِنـاً بَـيْـنَ مُـؤلِّـفـةِ الـرِّوايـةِ ، وروائـيِّـيـنَ لُـبْـنـانـيِّـيـنَ وعَـربٍ ...

وكـانَ " الـحَـجَـل " قـدْ مَـهَّـدَ لـمُـداخـلـتِـهِ بـالـحَـديْـثِ عَـنْ مَـفْـهُـوم الـرِّوايــةِ ، كـمَــا حَـدَّدهُ " لـطـيْـف زيْـتُـونـي " ، فـي كــتــابِــهِ : " مُـعْـجَـم مُـصْـطـلـحَـات نـقْـد الـرِّوايـة " ... ثـمَّ ، تـطـرّق إلـى مَــاهـيَّـةِ : عِـلْـم الـسَّـرْد ( أو : الـسَّـرديَّـة ) ، وإلـى مَـفْـهُـوم الـمُـتـتـالـيَـة الـسَّـرديَّـة الـعُـلـيَــا ، بـمَــراحِــلِــهَــا الـخـمْـس الأسَــاســيَّــة ، بـالإضــافــةِ إلـى نـظـريَّــة 

" غـريْـمَـاس " حَـول : الـنَّـمُـوذج الـعَـامِـلِـيِّ ، أو : تـرسـيْـمَـة الـعَـوامـل الـسِّـتَّـة ...

وبـذلـك ، قـدَّم : ايـلـي الـحَـجَـل قـراءتـهُ الـنَّـقْـديَّـةَ ، ومُـقـاربـتـهُ الـخـاصَّـة ، لـهَـذا الـرِّوائـيِّ ، مُـؤكِّـدًا أنَّ ثـمَّـة قـراءاتٍ مُـتـعَـدِّدةً لـلـنَّـصِّ الـواحـد ،  وأنَّ الـنَّـصَّ لا تـحْـتـكـرهُ قـراءةٌ واحـدةٌ ، بَـلْ هُـوَ قـابِـلٌ لـلـتَّـأويْـل ، ومَـفْـتُـوحٌ  عَـلـيْـه ، بـلا حُـدُودٍ ... !