الأزمة المالية والنقدية والاقتصادية وسبل الخروج منها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                                   كلمة مدير الجلسة الدكتور الياس كسّاب

 

 

أيها الحضور الكريم،

هواجس كثيرة تطرح وأفكار عديدة تدور حول الوضع المالي والنقدي والاقتصادي الذي يمر به لبنان في هذه الفترة الدقيقة والحساسة من تاريخه، فتكثر التحليلات والتوقعات. البعض من الخبراء (وهنا أتحفظ على هذا اللقب ومن يمنحه)، يدرس ويحلل الأرقام ويسدي النصائح ويطرح الحلول، والبعض الآخر من خارج العلم المالي والنقدي يبحث عن من يعطيه جواباً او تطميناً حول إمكانية المحافظة على ما أدخره طوال سنوات عمله، فيكون بديلاً عن نظام الشيخوخة وضمانة لآخرة كريمة والذي انتظره طويلاً وحلم به، ويكون هذا القرش الأبيض للزمن الأسود، فكم كان مسروراً وممنوناً من المصارف التي تمنحه إيرادات وفوائد مرتفعة على حساباته المجمدة بالعملة التي يختارها، كسباً جيداً دون تعب او مخاطر العمل عن عدم تحصيل استثماراته في سوق العمل والإنتاج، حتى أتت تلك الدولارات الست لتكشف المستور من خبايا وخفايا ما كان يخطط له في غرفة مجلس الوزراء، ضرائب جديدة إضافية تفرض في وقت شحت فيه إيرادات الدولة وكثرت الأعباء فأضحت آفة الفساد من اصغر موظف في الدولة الى اعلاها انتشاراً ، وشُرّعت الصفقات والسمسرات والسرقات وسادت شريعة كل من إيدو إلو.

          17 تشرين الأول محطة اعتراض وغضب والتقاء لكل من شعر بخيانة حكام اولاهم ثقته على مدى من أكثر من ثلاثة عقود فراحوا يرمون مطالبهم المتراكمة في الشارع والتي هي حق لهم ، هدرت على ايدي من كان يجب ان يحافظ عليها. فمنذ أوائل التسعينات والحكومات المتعاقبة تعمل وفق موازنات عامة لا تستند الى الإجراءات القانونية اللازمة. والمشكلة الرئيسية في العجز المالي وارتفاع الدين الحكومي لا تكمن فيهما انما في كونهما استخدموا لتمويل النفقات الجارية بدلاً من النفقات الاستثمارية، فبين عامي 1993 و 2018 بلغت قيمة النفقات الحكومية نحو 244 مليار دولار لم يذهب منها لتمويل النفقات الاستثمارية سوى 8% بينما ذهب اكثر من ثلثيهما وبالتساوي الى تسديد الفائدة على الدين العام والأجور.

في موازاة ذلك، شهد القطاع العام انتفاخاً في عدد موظفيه نتيجة التعينات السياسية والحزبية، ففي العام 1975 كانت نسبة العمالة في القطاع العام 10% من اجمال العمالة في لبنان وارتفعت في التسعينات الى 12% ، اما اليوم فقد تجاوزت 25% وهو مستوى قياسي ، يقابله ترهل نظام الخدمات العامة وعدم اعتماد التكنولوجيا الحديثة لتحسينه وتحصينه ، عبر تجاهل الكفاآت العلمية المميزة لشبابه  . 

          فالدين العام الذي لامس عتبة 87 مليار دولار والذي يتألف من 30 ملياراً بالدولار و 54 ملياراً بالليرة اللبنانية و 7 مليارات للخارج، يقابه احتياطي نقد اجنبي بحدود 38.5 مليار دولار أي عجز بحدود 35 ملياراً مع احتساب الذهب، بينما كان فائضاً بحدود 8.3 مليار سنة 2015 . لذلك ينبغي العمل جدياً وسريعاً على أيقاف هذا التدحرج المخيف لهذا الدين ، اعطي مثلاً عبر التوجه الى المصارف والبنك المركزي لإيداع بعض الأموال الخاصة للمساهمين (Equity)، وقد ظهر ذلك جلياً عبر الطلب من المصارف رفع قيمه رأس المال الى حدود 4 مليارات دولار على سنتين وكلام وزير المال الذي عاد ونفاه حول البحث على إعادة جدولة الديون وسداد الاستحقاقات وايضاً وايضاً العمل على ضخ أموال جديدة (Fresh money) بحوالي 10 مليارات في السوق اللبناني.

          ولكن اين نحن من هذه القرارات الجريئة والتدابير الملحة بظل سلطة غائبة يمكن ان تصوب المسار الانحداري نحو هاوية لا يريد احد منا مجرد التفكير بنتائجها الكارثية على الفرد والعائلة ككل.

-         فهل هو صحيح ما ذكرته التقارير الغربية و بنك اوف اميركا تحديدا بأننا سوف نواجه افلاسا محتم ومصير ضبابي اذا لم نقم بالمعالجة السريعة؟

-         هل يكون الحل عبر اقتطاع بعض أموال المودعين تعويضا عن الافلاس السياسي وغياب الرؤية الاقتصادية لسياسيين حكموا لبنان على العقود السابقة؟

-         هل أموال المودعين تساوي قيمتها الفعلية للسوق وليس دفترياً رقمياً؟

-         هل التبدل سلباً في سعر صرف العملة الوطنيةبمقابل القيمة الشرائية المتدنية نتيجة غلاء اسعار المواد الاساسية هو الصورة المخفية للاقتطاع النقدي لأموال المودعين ؟ وبالتالي تخفيض مقنّع للديون بالليرة اللبنانية التي تشكل النسبة الكبرى من أجمالي ديون القطاع العام؟

 

          أيها الحضور الكريم،

          نجدد ترحيبنا بكم في هذا الصرح الثقافي، الحركة الثقافية – انطلياس لنصغي ونحاور بمسؤولية وطنية، رجل علم واختصاص وأكاديمي متمكن، صاحب سيرة ذاتية مميزة وذاخرة بالابحاث والكتابات والمحاضرات والندوات، ليطلعنا على رؤيته للحلول الممكنة لمعالجة هذا الخلل المالي والنقدي والاقتصادي الكبير.

          الدكتور إبراهيم مارون ابن بلدة كفرصغاب مند عام 1950

-         حائز على الدكتوراه من جامعة رينيه ديكارت – باريس 5 – السوربون عام 1978 بعنوان:

Les structurs socio-économique du Liban et le processus du developpement

-         حائز على دكتوراه دولة في الآداب والعلوم النسانية من جامعة رينيه ديكارت – باريس 5 – السوربون عام 1984 بعنوان:

Etude socio-economique du developpement dans un pays petrolier : IRAK

-         يشغل مناصب اكاديمية عالية في عدة جامعات لبنانية ولكن بشكل خاص في الجامعة اللبنانية حيث يشرف على اطروحات الدكتوراه ودراسات علياM2  .

-         أستاذ السياسة الاقتصادية وعلم الاجتماع الدولي من معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية منذ العام 1979 وعلى Master2الاقتصاد الدولي في معهد الدكتوراه للحقوق والعلوم السياسية والإدارية والاقتصادية وكلية الاقتصاد والإدارة في الجامعة اللبنانية.

-         حائز على عدة جوائز واوسمة من الجامعة اللبنانية 1990 والشارة الفخرية لكلية الفلسفة الإنسانية في جامعة الكلسيك 2016. والسعفة الاكاديمية للجمهورية الفرنسية 2004.

-         له العديد من المؤلفات 17 كتاباً و 11 مقالاً في لبنان وأوروبا و 6 أبحاث غير منشورة حتى الآن.

-         حاضر في عدة جامعات في لبنان وأوروبا كذلك عدة مؤتمرات وندوات.

 

____________________________

 

من أجل حل الأزمة المالية والنقدية والاقتصادية

في إطار مواكبة انتفاضة شابات وشباب لبنان (العامية الكبرى) تعقد الحركة الثقافية – انطلياس سلسلة من الندوات حول هذا الحدث المفصلي في تاريخ لبنان المعاصر.

وبتاريخ 4 كانون الثاني الجاري ألقى د. إبراهيم مارون محاضرة بعنوان "الأزمة المالية والنقدية والاقتصادية في لبنان وسبل الخروج منها". نقتطف منها بعض الأجزاء لأهميتها الاستثنائية، ولأنها تتضمن حلولاً عملية يمكن ان يعتمدها أي مسؤول يسعى لتحقيق المصلحة العامة من خلال موقعه السياسي.

أولاً: بعض مزاريب الهدر في مشروع موازنة 2020:

1-    حوالي 1500 مليار ل.ل. نفقات على 79 مؤسسة عامة تقوم بنفس الاعمال التي تقوم بها الإدارات العامة، او لا تقوم بأي عمل، منها مجلس الجنوب، مجلس الانماء والاعمار، صندوق المهجرين، مؤسسة اليسار.

2-    930 مليار و 186 مليون ل.ل. مواد وخدمات استهلاكية أي قرطاسية وكهرباء، وايجارات وما شابه.

3-    1402 مليار و 776 مليون اكتساب أصول ثابتة، أي شراء أراضي وابنية واستملاكات.

4-    تعويضات عن اعمال إضافية ومكافآت: 25 مليار و 667 مليون ل.ل.

5-    مساهمات لهيئات لا تتوخى الربح: 304 مليار و 98 مليون ل.ل.

6-    عطاءات لجهات خاصة: 40 مليار و 41 مليون

7-    احتياطي للعطاءات: 135 مليار

8-    نفقات سرية: 40 مليار و 834 مليون ل.ل.

9-    وفود ومؤتمرات: 10 مليار و 362 مليون ل.ل. بعدما وصل هذا المبلغ الى  121 مليار سنة 2018.

10-                       التنظيم والامن العام 1517 مليار ل.ل.

11-                       تلفزيون وإذاعة ونشر ووزارة اعلام 86 مليار و 44 مليون ل.ل.

12-                       مصلحة سكك الحديد 15 مليار و 5 مليون ل.ل.

13-                       مدفوعات للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي: صفر مدفوعات.

ثانياً: ما هي الإجراءات التي يجب ان تقوم بها الحكومة الجديدة فوراً للخروج من هذه الأزمة المالية؟ هناك ما لا يقل عن 21 اجراء وهي:

1-    استرداد موازنة الـ 2020 من المجلس النيابي وتنظيفها من الـ 34 مزراب هدر التي ذكرنا بعضها.

2-    اقفال المؤسسات العامة الـ 79 التي ذكرت، والتي هي غير مجدية لانها رديفة لوزارات وادارات عامة، وإعادة توزيع العاملين المثبتين فيها على الإدارات العامة حسب اختصاصهم، وإعطاء تعويضات صرف للمتعاقدين من بينهم.

3-    الصرف من الخدمة لل 5013 شخص الذين وظفوا قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، واعطاؤهم تعويضات صرف من الخدمة، وملاحقة من وظفوهم على أموالهم الخاصة.

4-    البيع بالمزاد العلني لمئات السيارات الموضوعة بتصرف افراد في الإدارات العامة والأجهزة العسكرية.

5-    اقفال مراكز الإدارات والمؤسسات العامة التي فتحت في مختلف المناطق، بدون أي قرار من مجلس الوزراء

6-    تطهير إدارة الجمارك من الفاسدين فيها، المسؤولين عن تهرب جمركي يتراوح بين مليار ونصف ومليارين دولار سنوياً.

7-    الامتناع عن أي انفاق استثماري، باستثناء الانفاق على انشاء معامل لتوليد الكهرباء، والانفاق على صيانة المعدات والبنى التحتية.

8-    تخفيض الفوائد على سندات الخزينة، الأمر الذي يوفر على الخزينة مليار و 500 مليون دولار، في حال خفضت هذه الفوائد بمعدل 2% فقط.

9-    تخفيض رواتب ومخصصات الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين 50%، وهذا ما اتفقت عليه الأحزاب المشاركة بالحكومة المستقيلة في اطار ما سمي "الورقة الإصلاحية"

10-                       تخفيض رواتب ومخصصات الرؤساء والوزراء والنواب السابقين الى 30% مما هي عليه حالياً، وتخفيضها خلال السنوات الثلاث المقبلة بمعدل 10% سنوياً لتصبح في السنة الرابعة ملغاة نهائياً.

11-                       تحديد 8 مليون ليرة كسقف شهري للرواتب والأجور ومعاشات التقاعد في القطاع العام، وتخفيض كل ما يتجاوز هذا السقف، الى هذا السقف.

12-                       اخضاع القيمة الزائدة (plus-value) أي أرباح العمليات العقارية وعمليات القطع، للضريبة على الدخل

13-                       توسيع صحن الضريبة على القيمة المضافة، لتشمل تجارة الأحجار الكريمة، تجارة المنازل الفخمة واليخوت.

14-                       استحداث ضريبة دخل مقطوعة على العاملين الأجانب كما هو الحال في جميع دول العالم.

15-                       عدم صرف مستحقات البلديات من الصندوق البلدي، قبل التدقيق المالي لحساباتها، باشراف ديوان المحاسبة.

16-                       رفع مستوى الجباية الضريبية وملاحقة المتهربين.

17-                       استرداد المال العام المنهوب من خلال محاكمات سريعة للفاسدين، بعد اجراء تشكيلات قضائية جديدة لتطهير القضاء من الفاسدين فيه، واجراء مباراة سريعة لزيادة عدد القضاة الجدد، وبعد منح القضاء الاستقلالية التامة. (تطبيق القانون 99/154)

18-                       التفاوض مع أصحاب الأبنية التي تشغلها الوزارات والإدارات العامة والجامعة اللبنانية، والتي تعود ملكيتها بمعظمها لنافذين سياسيين او الى مدعومين سياسياً، من اجل تخفيض ايجاراتها التي تبلغ حوالي 150 مليون دولار سنوياً.

19-                       فرض ضريبة على الأملاك البحرية والنهرية، التي من شأنها ان توفر 325 مليون دولار سنوياً للخزينة، بأقل تعديل (نصف بالمئة على 65 مليار دولار).

20-                       شراء النفط حصراً من قبل الدولة، الامر الذي يوفر على الخزينة 220 مليون دولار سنوياً.

21-                       من هذا الوفر الذي تحققه هذه الإجراءات المالية يمكن تخصيص الف مليار لشبكة الأمان الاجتماعي يتوزع على ثلاثة اقسام:

·        قسم يعطى على شكل مساعدات نقدية شهرية لل 50.000 اسرة الأشد فقراً في لبنان، على أساس 400 الف ل.ل. بالشهر لكل اسرة، أي ما مجموعه 240 مليار ل.ل. سنوياً.

·        قسم ثاني 500 مليار يعطى للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتغطية جميع الاعمال الطبية من استشارة طبيب وادوية وفحوصات، للذين ليس لهم ضمان صحي في لبنان ويستثنى من هذه التغطية الاستشفاء الذي هو على عاتق وزارة الصحة.

·        القسم الثالث 260 مليار ل.ل. يضاف الى موازنة وزارة الصحة، ليخصص من هذا المبلغ 200 مليار لزيادة القدرة الاستيعابية للمستشفيات الحكومية، و 60 مليار للنفقات الجارية لهذه المستشفيات.

ثالثاً: ما هي الإجراءات الاقتصادية المفروض بالحكومة الجديدة اتخاذها للخروج من هذه الأزمة؟

هناك 6 إجراءات:

1-    السعي فوراً لدى الدول الممولة لبرنامج "سيدر"، للحصول على الأموال التي رصدتها لهذا البرنامج في نيسان 2018، والبالغة 11 مليار و 6 مليون دولار، منها: 10 مليار و 200 مليون دولار على شكل قروض بفائدة واحد ونصف بالمئة، و 860 مليون على شكل مساعدات. وهذه الأموال مخصصة لمشاريع في قطاع النقل والمياه ومعالجة المياه المبتذلة، والكهرباء والمواصلات ومعالجة النفايات والثقافة والسياحة وخلق منطقة صناعية.

2-    بما ان هذه المشاريع التي يلحظها برنامج "سيدر" هي شبيهة جداً بمشاريع إعادة الاعمار في التسعينات، التي كان دورها في الدفع للنمو الاقتصادي يكاد لا يذكر، على الحكومة الجديدة التفاوض مع الدول الممولة لهذا البرنامج، حول تغيير وجهة استعمال الأموال المخصصة لهذا البرنامج، بما يعزز الاستثمار والنمو الاقتصادي، من خلال اقراض 5 مليارات دولار من هذه الأموال، بفائدة ثلاثة ونصف بالمئة للقطاع الخاص، على الشكل التالي:

-         2 مليار دولار للقطاع الصناعي

-         مليار دولار للقطاع الزراعي

-         مليار دولار لقطاع البناء

-         مليار دولار للقطاعات الاقتصادية الأخرى، باستثناء قطاعات المصارف والتأمين والتجارة.

اما الستة مليارات المتبقية، فتوزع على القطاع العام على الشكل التالي:

-         3 مليار دولار لزيادة انتاج الطاقة الكهربائية

-         مليار دولار للموارد المائية

-         مليار دولار لحل المشاكل البيئية من معالجة النفايات والمياه المبتذلة وما شابه.

-         500 مليون دولار لانشاء مجمعات للجامعة اللبنانية (تطبيق المرسوم الصادر في 5/5/2008)

-         506 مليون دولار لصيانة البنية التحتية.

اما أهمية هذا التوزيع الجديد لاموال "سيدر" فتكمن في:

1-    ضخ ما لا يقل عن 8 مليار دولار في الاقتصاد اللبناني، الامر الذي يدفع للاستثمار والنمو الاقتصادي.

2-    هذا الضخ لـ 8 مليار دولار يرفر ما لا يقل عن 160000 فرصة عمل خلال السنتين القادمتين، على أساس كل 50.000 دولار تستثمر في لبنان تخلق فرصة عمل واحدة.

3-    تحويل 49% من الدين المترتب على الدولة من جراء هذه القروض، الى دين على القطاع الخاص.

4-    الفائدة المترتبة على هذه القروض، أي على العشرة مليار و 200 مليون دولار، يدفعها القطاع الخاص بكاملها.

هذا بما يتعلق ب"سيدر"

3-    اما الاجراء الاقتصادي الثالث الذي يجب ان تعتمده الحكومة الجديدة، فهو إعادة رفع الرسوم الجمركية الى ما كانت عليه قبل تخفيضها في العام 2000، ولكن فقط على السلع المستوردة المماثلة للسلع التي ينتجها لبنان، الامر الذي يوفر حداً ادنى من الحماية للإنتاج الوطني، مما يشجع على الاستثمار في لبنان. أضف الى ذلك رفع الرسم الجمركي الى 34% على الكماليات المستوردة، نظراً لمساهمتها في استنزاف الاحتياط الوطني بالعملات الصعبة.

4-    الاقفال التام للمعابر غير الشرعية على الحدود مع سوريا، اقلّه من خلال هدم الطرقات الآتية من هذه المعابر، او حتى زرعها بالألغام، من اجل حماية الإنتاج الوطني من جهة، وزيادة الواردات الجمركية من جهة أخرى.

5-    التفاوض مع سوريا لتخفيض الرسوم على الشاحنات اللبنانية المتجهة الى الخليج عبر العراق والأردن. وفي حال رفضت سوريا هذا التخفيض، يجب معاملتها بالمثل برفع الرسوم الجمركية على الصادرات السورية الى لبنان واستعمال الزيادة في هذه الرسوم لدعم الصادرات اللبنانية عبر النقل البحري.

6-    الطلب من حاكم مصرف لبنان التفاوض مع جمعية المصارف حول تخفيض معدلات الفوائد المصرفية الى النصف، لأنه في ظل تراجع الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، بسبب القيود المفروضة على السحب والتحويل والقطع، لم تعد المعدلات العالية للفائدة قادرة في الوضع الراهن على استقطاب الودائع، لا من الداخل ولا من الخارج. فهذا التخفيض للفائدة من شأنه إعطاء دفع للاستثمار في لبنان. (هذا الامر حصل جزئياً)

رابعاً: الإجراءات النقدية المفروض اتخاذها من قبل الحكومة الجديدة بالتنسيق مع حاكمية مصرف لبنان، للخروج من هذه الأزمة النقدية:

1-    الإبقاء على القيود التي وضعها مصرف لبنان على السحوبات والقطع والتحويلات الى الخارج حتى تشكيل حكومة يرضى عنها الشعب اللبناني المتظاهر. وعن هذا الامر أقول رغم كل الانتقادات التي لا أزال اوجهها منذ العام 1993 حتى الآن الى السياسة النقدية لمصرف لبنان، والتي هي منشورة بمجلات جامعية واعمال مؤتمرات: لولا هذه القيود، التي ينتقدها عدد من اللبنانيين عن معرفة او غير معرفة، يمكن ان يتعرض الوضع النقدي للتدهور: احتياط مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، الذي تراجع من 42 مليار دولار نهاية ال 2017 الى 34 مليار و 500 مليون دولار في 19 تشرين الثاني 2019، كان سيتراجع الى 26 مليار و 600 مليون دولار في كانون الثاني 2020، والى 12 مليار و 500 مليون دولار في نيسان 2020 والى 3 مليار و 400 مليون دولار في حزيران 2020 حسب ميريل لينش وحدة الأبحاث في Bank of America. وهذا يعني ان مصرف لبنان سيفقد اهم سلاح عنده لمواجهة المضاربات ضد الليرة اللبنانية والله اعلم ما كان سيصبح عليه سعر صرف الدولار بالنسبة لليرة اللبنانية بالاشهر القادمة.

اما الآن، فبفضل هذه القيود، مصرف لبنان يستطيع ان يصمد بين سنة وسنة ونصف، في حال لم تشكل حكومة تحظى بثقة الشعب اللبناني المتظاهر، وبثقة الخارج.

2-    هذا النوع من الحكومة سيسمح للبنان الحصول على أموال "سيدر" البالغة 11 مليار و 200 مليون دولار، الامر الذي سيؤدي الى إعادة تكوين وتعزيز الاحتياط اللبناني بالعملات الأجنبية ويبدأ لبنان بالخروج من ازمته النقدية. ايضاً مع هذا النوع من الحكومة، من المحتمل أن يحصل لبنان على وديعة خليجية تدعم احتياطه بالعملات الصعبة، في حال اتسمت سياسته الخارجية بالحيادية. وفي هذه المرحلة يجب على مصرف لبنان ان يبدأ تدريجياً بتخفيف القيود على السحوبات والقطع والتحويل الى الخارج لتعود الحركة الاقتصادية الى طبيعتها. وهذا ما سيعيد الى القطاع المصرفي حوالي 4 مليار دولار سحبها المودعون اللبنانيون، ويحتفظون بها في منازلهم.

3-    حظر التداول بأي عملة غير الليرة اللبنانية على الأراضي اللبنانية، عملاً بالمواد 11 و 192 و 225 من قانون النقد والتسليف، الصادر في اول آب من عام 1963، ومعاقبة المخالف لهذا الحظر وفقاً للمادة 319 من قانون العقوبات مع الإشارة الى ان هذه المواد لا تمنع شراء عملات اجنبية او ايداعها بالمصارف. فبفضل هذا الاجراء، سيضطر المدخرون بالعملات الأجنبية، من افراد ومؤسسات، التحويل الى الليرة اللبنانية من اجل مشترياتهم، أو دفع أجور وايجارات، وما الى ذلك من أنواع التداول. وهذا ما سيرفع الطلب على الليرة اللبنانية ويعزز سعر صرفها تجاه العملات الأجنبية التي سيتراجع سعر صرفها. عندئذٍ، يغتنم مصرف لبنان الفرصة لشراء العملات الأجنبية من اجل تعزيز احتياطه الرسمي. وهكذا نكون قد خرجنا من أزمتنا النقدية.

وختم د. إبراهيم مارون محاضرته على الشكل الآتي:

-         اذا تمكن القطاع المصرفي اللبناني تجاوز هذه الأزمة بنجاح، سيصبح بنظر أصحاب الرساميل في العالم، من امتن القطاعات المصرفية، وأكثرها مناعةً في وجه الأزمات على أنواعها. وهذا ما سيجعل من هذا القطاع ملجأ للرساميل الهاربة من الازمات الاقتصادية والمالية والنقدية في العالم.

-         ان تطبيق هذه الإجراءات المالية والاقتصادية والنقدية الملحّة التي عرضتها عليكم، تفترض تشكيل حكومة من رجال ونساء دولة بكل معنى الكلمة، عندهم طموحات لبلدهم كل منهم في وزارته، ويتمتعون بروح المسؤولية تجاه شعبهم، وبالشجاعة الكافية لصد ضغوطات أصحاب المصالح التي ستمارس عليهم، ولديهم الاستعداد للتضحية بكل شيء في سبيل وطنهم، على مثال التضحيات التي يقدمها شعبهم في الساحات وعلى الطرقات، من 49 يوماً.