ملخص الندوة التي أقامتها الحركة الثقافية، أنطلياس، بتاريخ 30 /11/ 2021

في إطار الأنشطة التي تقوم بها الحركة الثقافية، أنطلياس في دورتها لهذا العام، نظّمت ندوة حول "جهاز المناعة وسلامة الغذاء"، تحدّث فيها خيرة من الباحثين الذين عُرفوا بمصداقيتهم، وسُموّ أخلاقهم المهنية، وتجرّدهم العلمي.

افتتحت اللقاء الأمينة العامة د.نايلة أبي نادر مرحّبة بالجميع، وقدّمت للموضوع من خلال الإشارة إلى أهمية الصحة في بناء سعادة الإنسان، وإلى المخاطر المحدقة بجهاز المناعة التي تهاجم الإنسان في صحنه اليومي، كما في كوب الماء، وفي التربة والهواء. إذ "بات إنسان القرن الواحد والعشرين يعيش في واقع مفتوح على احتمالات التعثّر والسقوط في أي لحظة إن لم يكن مجهّزاً بالوعي، ومدجّجاً بسلاح المناعة الطبيعية". وأضافت أنه في وسط هذا الوضع المأزوم علينا، كلٌ من موقعه، "أن نعمل على حماية أنفسنا، وكل من هم على مسؤوليتنا، لتفادي الدخول إلى المستشفى، والوقوع في أيدي تجار الدواء، والحاجة إلى العمليات الجراحية".

بدأ الدكتور حسّان مخلوف، المهندس الزراعي، والأخصّائي في علوم النبات والتربة، بالحديث عن الأثر السلبي للأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية على صحة الإنسان بعامة، وعلى جهاز المناعة بخاصة. فسّر للحاضرين بلغة عفوية وأسلوب سهل مخاطر استخدام الأسمدة الكيميائية، وأدوية مكافحة الحشرات والفطريات، كما السماد الطبيعي على التربة والنباتات في آن معاً. سلّط الضوء على عدم احترام القسم الأكبر من المزارعين في لبنان لضوابط تحدّ من مخاطر الاستخدام العشوائي للنيترات وأدوية الرش التي تسمّم التربة وتهلك البكتيريا الجيّدة التي تقوم بدور إغناء النبات وتزويده بالأزوت الذي يحتاج إليه للنمو. أشار إلى تزايد عدد المصابين بالسرطان بسبب احتواء الخضار والحبوب والفاكهة على نِسَبٍ تفوق بكثير ما هو مسموح به عالمياً، وما يمكن لجسم الإنسان تحمّله، والتمكّن من التخلّص من رواسبه.

كما قام في القسم الثاني من المحاضرة بعرض أحدث ما توصّل إليه، مع فريقه البحثي في الجامعة اللبنانية، من حلول طبيعية، تعمل على معالجة التربة من خلال تقوية مناعة جذور النبات عن طريق تطوير مركّب بكتيري يحفّز تكاثر البكتيرية الجيّدة التي تُسهم في ضخ كميّة الأزوت الكافية، وذلك من أجل تأمين النمو الضروري، والإكثار من محصول الثمار. ركّز على عدم حراثة الأرض، وعلى كيفية تعزيز البيئة الحاضنة للبكتيريا الصديقة لصحة التربة والنبات معاً. انتقد الكثير من الممارسات التي يقوم بها عادة المزارعون من دون أن يدركوا تداعياتها السلبية. شدّد على  ضرورة التحوّل إلى " الزراعة المتجدّدة" في لبنان، وهي زراعة حديثة، لم تنتشر كفاية بعد حتى في أوروبا.

وتحدّثت تالياً الدكتورة زينة ضاهر، أستاذة الكيمياء الحيوية وبيولوجيا الخلية في كلية الصحة في الجامعة اللبنانية عن قواعد سلامة الغذاء، وأسس النظافة وحماية الأطعمة داخل المنزل، وفق ما تصدره منظمة الصحة العالمية من إرشادات. فسّرت بوضوح في العرض الالكتروني الذي قدّمته مفهوم "سلامة الغذاء"، والفرق بينه وبين مفهوم "الأمن الغذائي"، مشدّدة على الشروط التي يجب توفّرها. كما توقّفت عند نسبة التلوّث العالية في حليب البقر من خلال دراسة علمية أسهمت بها مع فريق بحثي علمي. أشارت إلى المضار الخطيرة التي تسبّبها كمية المضادات الحيوية المرتفعة الموجودة في الحليب، وأثرها في ضرب مناعة الإنسان، ومقاومته للمضادات الحيوية التي يمكن أن يضطر إلى تناولها لاحقاً. ذكرت أن هناك نسباً عالية من الحليب الذي يُباع في لبنان غير مطابقة للمواصفات الصحية. تحدّثت أيضاً عن كيفية حفظ اللحوم والأسماك والخضار والفاكهة في المنزل، وعن ضرورة التبريد لمنع تكاثر البكتيريا.

أما الدكتور رالف عيراني فقد اراد ان يسلّط الضوء على ما ينفع جهاز المناعة وما يضرّه بشكل واضح وعملي وبسيط. بدأ بإبراز دور جهاز المناعة في خلق خلايا جديدة، وفي تاخير العجز، وظهور التجاعيد. أشار إلى ان جهاز المناعة يشيخ بسبب عدّة عوامل الأمر الذي يفقده القدرة الدفاعية، فيتحوّل إلى عدو يهاجم الإنسان. إنه بمثابة جيش مؤلف من فرق عديدة. أشار إلى مخاطر الالتهابات التي يتعرّض لها الجسم، وهي تضعف المناعة وتجعل الجسد عرضة للأمراض.

عدّد الأسباب التي تضعف المناعة مبتدئاً بالضغط العصبي الذي نعيشه في مجتمعنا الحالي، وتوقّف عند ذكر تداعياته السلبية والمدمّرة للصحة. أشار إلى أهمية الكولسترول والدور الذي يلعبه في تدعيم المناعة وحفظ صحة الإنسان. كما لفت الانتباه إلى دور البروبيوتيك في محاربة الالتهابات ورفع المناعة، معدّداً أبرز ما يجب تناوله، مثل الرمان، وبذوره، وعصيره، ثم ورق الزيتون، والزبيب.

توقّف عند مشكلة ارتشاح الإمعاء وأثرها السلبي على جهاز المناعة، مشدّداً على ضرورة معالجة هذه الحالة من خلال مصل اللبن والثوم المهروس مع زيت الزيتون والبقدونس. كما ركّز على الدور الإيجابي للقرنبيط والبروكولي والفجل والكايل وعصير الملفوف في دعم المناعة، كذلك الفيتامين E، والبندورة المشوية، والرياضة الخفيفة. تحدّث عن منافع حساء الدجاج والمقادم.

أما أكثر ما يؤذي المناعة ويدمّر قواها فهو السكر بكل مشتقّاته، إنه يطرد الزك والفيتامينات إلى خارج الجسم. كذلك لزيت القلي أثارٌ سلبية، فنصح باستخدام زيت الزيتون، وزيت الأفوكا، وزيت جوز الهند. نبّه إلى مخاطر الشواء الذي ينتج مواداً مسرطنة.

بعد الانتهاء مما عرضه المحاضرون الثلاثة، فُتح باب النقاش، وطرحُ الأسئلة التي أحيت اجواء التواصل، وأسهمت في المزيد من إيضاح النقاط العالقة. أجاب المحاضرون، بدقّة واحترام، على كل الأسئلة التي وُجّهت اليهم. مرّ اكثر من ثلاث ساعات من دون أن يشعر الحاضرون بالملل، وهذا دليلٌ على تعطّش الناس إلى المعرفة، ورغبتهم بالاهتمام بصحتهم، بخاصة في هذه الأيام المأزومة التي يمرّ بها لبنان على اكثر من صعيد.