ندوة حول كتاب أ.عيد بو راشد

كنيسة المختارة بين الكرسي والدارة

صفحات من تاريخ الدروز والموارنة

المحاضران:  

أ. أنيس يحيى

د.جان نخول

إدارة:       د.ناصيف قزّي

 

يمكنكم مشاهدة ندوة حول كتاب أ.عيد بو راشد على هذا الرابط ... (انقر هنا)

مداخلة الدكتور ناصيف قزّي

حولكتاب كنيسة المختارة بين الكرسي والدارة/ صفحات من تاريخ الدروز والموارنة، للخوري عيد بوراشد، الصادر حديثاً عن دار سائر المشرق، بيروت، 2021؛

خلال الندوة التي عقدتهاالحركة الثقافيَّة انطلياسفي 13 كانون الأول/ ديسمبر 2021.

وقد شارك فيها، إلىقزّي، كل منالأستاذ أنيس يحيى والدكتور جان نخول.

*

كتابٌ في سياق شَعائِر اﻟ Mea culpaالجنبلاطيّة...!؟

أنْ نَتَحَدّث عن كنيسة سيّدة الدُرّ، كنيسة بلدة المخْتارَة، مَسْقِط آل جنبلاط؛ وعن دور هؤلاء التاريخي في الجبل، وعلاقتهم بالموارنة، منذ القرن الثامن عشر حتى يومنا؛

أنْ نَتَحَدّث عن تاريخ الدروز والمسيحيّين على مدى قرونٍ طِوال، وعن التآخي و"العيش معاً"... وتقاسم الأراضي وبناء الأديرة وأماكن العبادة، وما إلى ذلك من إيجابيّاتٍ وحسنات؛

أن نتحدَّث عن الكنيسة المارونيَّة وتحالف الإقطاع... وعن العامة من المسترزقين؛

وأن نَتَحَدّث عن الجبل، والفِتَن والنكبات... من أحداث القرن التاسع عشر المؤلمة [1840 و1845 و1860] والإشكالات والإلتباسات… إلى "حرب الجبل" [1983- 1985]... والمراجعات… والمصالحات، مروراً بأحداث العشرينات، وما كان للست نظيرة (جنبلاط) والمطران أغسطين (البستاني) من دور محوريٍّ في حَقْن الدماء ووَقْف البلاء؛

أن نتحدَّث عن مصالح الدول وتدخّلاتها والنزاعات... والأطماع؛ وعن دخول ابراهيم باشا إلى جبل لبنان وخروج العثمانيّين منه... وتأجيج الفتن والصدامات؛

أن نتحدَّث عن إمارةٍ تخاصمتمع ذاتها غير مرَّةٍ... لتُمْسي إمارةً من وجع؛

وأن نستقدم، لذلك، كماً لا يستهان به من الوثائق والرسائل والشهادات، التي لا يعرفها سوى أصحابُها، وربما بعض المدوِّنين والمؤرخين؛ وألّا نستثتني مصدراً أو مرجعاً مفيداً لم نذكره في بحثنا؛

فهذا يعني أنَّنا، ونحن نَفْعَل ذلك في الزمن الوطنيّ الصعب، زمن القطيعة والإنهيار والتعثّر والوباء؛ هذا يعني، وبدون أدنى شكّ، أنّنا، وبكَشْفِنا هذه الحقائق في كتاب مرجعيٍّ شامل، قد نُضَمّدُ جراحاً، ونَمْسَحُ دموعاً، ونَفْتَحُ قلوباً على غدٍ، نخشى أن تَخُطّ معالِمَه بَهلوانيّاتُ المرحلة الكارثيّة التي نعيش،في خضم السياسات الإقليميَّة والدوليَّة الجائرة… فلا يبقى لبنان…!؟ طبعاً، دون أن نَنْتَقِص من قيمة الكتاب العلميَّة [بالرغم من أن لنا ملاحظات كثيرة على الدراسة، لجهة المنهجيَّة المتّبعة، والشكل، وطريقة استعمال الوثائق والمستندات... والتكرار إلخ...]، الذي قد يكون، في الأساس، وعلى ما يبدو لنا، رسالةً جامعيَّة، بل دراسةً أكاديميَّة... وبهذه الصفة، قد يأخذ، لدينا، قيمة مضافة... إنه موسوعةٌ وثائقيَّة لحقبة من الزمن حافلة بالأحداث والتحولات.  

ولطالما كانت الحركة الثقافيّة انطلياس… الحركة/ الشُعْلة… المتّقِدَة رَغْمَ الأعاصير… والمتلألأة في رحاب هذا الدير المعْلَم، دير مار الياس، هيكلِ عاميّة 1840... العاميَّة المنْتَصِرة أبداً على كلّ الرهانات القاتلة؛ لطالما كانت حركتُنا هذه، سبَّاقةً في التقاط كلِّ ما من شأنه أن يَخْدم حقيقة لبنان التاريخيَّة، ويُعْلي من مكانَة الثقافة الوطنيَّة الملتزمة ومنظومة القيم العامَّة، وفي طليعتها، إلى ثلاثيَّة الحق والخير والجمال، ثلاثيَّةُ الحرية... والعدالة... والمساواة... لبناء الإنسان الإنسانيّ، المتصالح مع ذاته، في سبيل قيام مجتمع معافى من أدران الطائفيَّة، والزبائنيَّة، والتسلّط، والنكران... وعبادة الذات...!؟  

*

كنيسة المختارة بين الكرسي والدارة/ صفحاتٌ من تاريخ الدروز والموارنة، كتاب توثيقي للخوري عيد بوراشد في أربعةِ أقسام، بل مراحلَ تاريخيَّة، تمتد من العام 1730 حتى يومنا. قدَّم له وليد جنبلاط.

يَخْرج هذا الكتاب عن عنوانه الأول ليَتَحوّل، وفي سياق تاريخيٍّ دقيق، إلى مصنَّف يروي تاريخ العلاقات بين الدروز والموارنة بحلوها ومرِّها... من خلال وثائق استقدمها الكاتب من مصادر عدّة، وبصورة خاصة من أرشيف أبرشيَّة صيدا ودير القمر المارونيَّة... وأحبارها وكهنتها الذين ربطتهم علاقات مميّزة بدارة آل جنبلاط في المختارة.

في المرحلة الأولى [1730- 1860]يروي الكاتب كيفيَّة "توطّن الموارنة في المختارة وحتى نهاية الأحداث الطائفيَّة"... الأحداث الدمويَّة التي عصفت بالجبل بين 1840 و1860، والتي خلَّفَت أضراراً كبيرة في الأروح والممتلكات... ناهيك بإسقاطها مفهوم "العيش معاً". وكان ذلك قد حدث بعد الخلاف الذي نشب بين الأمير بشير الشهابي وبشير جنبلاط... والذي أودى بهذا الأخير... ما أحدث زلزالاً في أوساط الدروز سرعان ما تحول إلى نقمة على المسيحيّين.

في المرحلة الثانية [1920 - 1948] يُعالج الكاتب طبيعة العلاقة بين الكنيسة المارونية وآل جنبلاط... منوهاً بدور الست نظيرة وعملها المتواصل لإعادة الثقة إلى أهل الجبل... كما بدور المطران أغسطين البستاني، صديق العائلة الجنبلاطيَّة، وراعيها بعد اغتيال فؤاد جنبلاط.

في المرحلة الثالثة [1949 - 1999]يَبْرُز كمال جنبلاطبحضوره وفكره وعمله الدؤوب للحفاظ على وحدة الجبل. لكن هذه المرحلة اتَّسمت بعودة الفتنة، ولاسيما مع اغتيال كمال جنبلاط عام 1977... الفتنة التي استحالت حرباً بين عامي 1983و 1985 أدَّت إلى تهجير المسيحيّين عن بكرة أبيهم [لم يلحظ الكاتب الدور الإسرائيلي المشبوه في تأجيج حرب الجبل؟؟؟]. وبالرغم من النكبة التي حلَّت بالمسيحيّين، لم تنقطع العلاقات بين الكنيسة المارونية والمختارة... وكما بين المختارة والكرسي الرسولي.

برز في هذه المرحلة المطران ابراهيم الحلو، ومعه الخورأسقف يوحنا الحلو، في تفعيل مساعي العودة، التي كان وليد جنبلاط قد دعى إليها في "مؤتمر بيت الدين لعودة المهجَّرين" عام 1989.

المرحلة الرابعة [2000 - 2020]اتسمت بالمصالحة التاريخيَّة التي حصلت عام 2001مع زيارة البطريرك صفير للمختارة. وكانت عودة المهجَّرين قد بدأت في بداية التسعينات من القرن الماضي.

وينهى الكاتب عمله بخلاصة شاملة بعد أن ينّوه بأبرشية صيدا المارونيَّة، مستعرضاً أحبارها ودورهم في تثبيت وحدة الجبل وتحصين الوفاق بين أهله.

*

وبعد،

أن نتذكَّر يعني أن نأخذ العِبَر...!؟

ليس كتاب عيد بوراشد،كاهن رعيَّة المختارة،إفشاءاً لسرّ اعترافٍ لم يحصل؛ إنه، وحسب ظنّنا، فِعل تماهٍ مع شعائر ال Mea culpaالجنبلاطيّة... بل المراجعة التي طالما تفوّه بها وليد جنبلاط جهارةً، والتي لم يسبِقْه عليها أحد - وربما لم يعقِبْه أحد - من أمراء الحرب وسلامهم المقطوع... وقد تكرَّر ذلك على لسانه، وفي مناسبات عديدة، منذ "مؤتمر بيت الدين لعودة المهجَّرين" عام 1987، وصولاً إلى يومنا، مروراً ﺑ"مصالحة الجبل" عام 2001. وهذا أمرٌ يُحْسَب لزعيم المختارة، فيقدّمُه على سواه من أهل الحل والربط، ولا سيما منهم ممتهني نكء الجراح ونبش القبور...!؟

كتاب كاهن رعيَّة المختارة يُنعش الذاكرة... لكنّ ذاكرة الجبل، وأبناء الجبل، كلُّ أبناء الجبل، موشومةٌ بالجراح... والوَشْمُ علامةٌ لا تمحى...!؟

طبعاً، لا بد من التعرُّف إلى الماضي وأحداثه. لكن لا بد من وضع هذه الأحداث في إطارها الصحيح... تماماً كما فعل الكاتب... لفهمها على حقيقتها... قبل محاكمتها والإسراف في الإجتهاد والتأويل.وهذه مهمةٌ، يُفترض أن يقوم بها "كِتاب التاريخ" المدرسي، الكتاب الموعود... ليَقُصّ علينا "أحداث الجبل" في القرنين الماضيين، مبرزاً حقيقة العلاقة المتفجِّرة بين البشيرين: بشير جنبلاط وبشير الشهابي، والتي تحمَّلنا تبعاتها، نحن أبناء الجبل، ولا نزال حتى الساعة... وكأنَّ كلَّ الأحداث اللاحقة قد توالدت من تلك اللحظة... لحظة محاكمة بشير جنبلاط وإعدامه... وحكاية قدوم ابراهيم باشا إلى لبنان، وتحالفه مع الأمير بشير الثاني في وجه العثمانيّين. طبعاً دون أن ننسى دور بريطانيا وفرنسا وحاضرة الفاتيكان، عاصمة الكثلكة... ودون أن نُعَرِّج على "سيّدة الجبل" الأخرى (طبعاً بين مزدوجين)، آنذاك، السيدة الملتبسة، الليدي ستناهوب... المرأة التي قَدِمَتْ إلينا في تلك الفترة من سبط، رئيس وزراء بريطانيا، وعَشْعَشَتْ بلدة جون، لتزرع الألغام في مجتمعنا، مع باشوات الدولة العثمانيَّة، أمام ناپوليون القادم إلينا من بلاد النيل... [تماماً كما فعل جيش الإحتلال الإسرائيلي لتأجيج حرب الجبل عام 1983... والأميركيّون في التشويش على أجهزة الجيش لإسقاط اللواء الرابع عام 1984... وترك المسيحيّين لقَدَرهم في إقليم الخروب وشرق صيدا عام 1985، بعد انسحاب "القوات اللبنانيَّة" من الجبل/ هي جملة أسئلة لم تلقَ من مسؤولي تلك المرحلة أي جواب].

*

إنَّ طموحنا في هذا الزمن الأپوكاليپتي، ألّا تبقى أجيالنا أسيرة قناعات مبنيَّة على مغالطات وأوهام، تدفعنا، كل ما دق الكوز بالجرَّة، إلى جَلْدِ أنفسنا حَسْب اتجاه الريح.

ويطيب لي هنا أن أكرِّر ما نقله الكاتب عن كمال جنبلاط ودعوته "للتحرر من آلام الماضي... وأخذ العبر من التاريخ". قال جنبلاط:"معظم اللبنانيّين يجهلون التاريخ أو يتجاهلون تاريخ بلادهم: إما لأنهم لم يتعلّموه في المدارس، وإما لأنهم تلقوه على غير حقيقته ففقد روعته وجوهر اتجاهاته... وإما لأنهم لا تعلق في ذهنهم المكتئب إلا هذه المرحلة من سيرتنا التي تُعنبر في الحقيقة نكسةً عابرة أو مؤامرة على البلاد سافرة" [ص. 315]. 

وهذا الكلام يلاقي ما قاله البطريرك صفير خلال "لقاء المصالحة" من "أن الوطن لا يمكنه أن يستعيد عافيته إلا بتضافر جهود أبنائه، الذين عليهم أن يتصارحوا ويجاهروا بالحقيقة التي وحدها تنقذ" [ص. 362].

شكراً للخوري عيد بوراشد على كتابه هذا... وشكراً لسائر المشرق و"بطركها" أنطوان سعد... وشكراً لكم على إصغائكم...

 

انطلياس في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2021.

_______________________________________

سلام وتقدير... انيس يحيى

 

يستحسن ان نذكر في البداية ان الجماعتين الدروز والموارنة استهلكتا التاريخ بما يكفي..اتكأ الموارنة عندما هاجروا الى الشوف.. بلاد الدروز آنذاك .. على الدروز. وتتالت الأدوار وتتالت بالتالي مناكدة التاريخ حيناً والمصالحة حينا اخر الى ان هاجر الموارنة مرغمين عام ١٩٨٣.. ذبلت واحدة من المجموعتين عندما اصبحت المجموعة الثانية لا تدوَّن الا في اسفل صفحة التاريخ.. وبهذا يجب الإقرار بانتهاء صلاحية العلاج بالتاريخ عند كل من الموارنة والدروز.

ان التقاءالموارنة والدروز منذ القرن السادس عشر وفر لكلتا المجموعتين فرص إبراز الخصوصية والتميز.. والا لكان موارنة لبنان ودروزه لا يختلفون في الفعالية عن موارنة مدينة حلب او دمشق او عن دروز هاتين المدينتين.

لا يتفق المؤرخون على بداية هجرة الموارنة من جبالهم الشمالية.. او من اماكن اخرى من سوريا .. الى بلاد الدروز او ما اصبح يعرف في ذاك الزمن بجبل ابن معن.. ولكن العقود الاخيرة من القرن السادس عشر وبداية السابع عشر كشفت عن وجود موارنة في الموطن الجديد خاصة بعد الخسائر البشرية والمادية التي تكبدها الدروز جراء حملة ابراهيم باشا عام ١٥٨٥ والتي قدرها البعض  بستين ألفا وبذلك فرغت بيوت وأحياء كثيرة وربما قرى واصبحت مهيأة لاستقبال الساكنين الجدد. والموارنة في ذاك الزمن كانوا شديدي الحاجة الى موطن اخر يهاجرون اليه فهم ومنذ خروج الصليبيين من الساحل اللبناني في نهاية القرن الثالث عشر.. معرّضون للإنتقام من السلطة المسلمة وكانت في ذاك الزمن.. المماليك.. وذلك بسبب تعاطف الموارنة وتعاونهم مع الصليبيين. اتخذ الموارنة من جزيرة قبرص مكانا لهجرتهم على مدى قرنين او اكثر.. لكن سيطرة العثمانيين على هذه الجزيرة عام ١٥٧٠ أوقف تلك الهجرة.

كان الموارنة في بداية هجرتهم الى بلاد الدروز عندما انتقل البطريرك يوحنا مخلوق عام ١٦٠٩ الى قرية مجدل المعوش الشوفية.. وهي البلدة التي قدمها له الامير فخر الدين المعني ليجعلها البطريرك مقرا.. ومنذ ذلك التاريخ والموارنة يعززون انتماءهم الى الارض الجديدة التي لاقوا من اهلها الدروز كافة اشكال الترحيب.. وذلك لشدة حاجة الدروز الى جماعة ماهرة في العمل الزراعي وفي كافة المهن.. وشديدة البأس في الحروب.. ولا بشكل وجودها حرجاً دينيا يجبر الدروز على ممارسة التقية كما هي الحالة مع السنة او الشيعة. وهذا ما حدا بالمؤرخ كمال صليبي ان يشير بمؤلفه بيت بمنازل كثيرة ص ١٧٥ " لم يكن بروز الكيان اللبناني الا نتيجة للقاء الذي تم بين المسيرة التاريخية المارونية والمسيرة التاريخية الدرزية.. اصبح تدفق الموارنة كبيرا في عهد الامير فخر الدين الذي اطمأن الى ولاء الموارنة فجعل منهم المستشارين واصبحوا في عداد جيشه.. وذكر البطريرك اسطفان الدويهي في تاريخ الأزمنة ص ٥٠٥ " وفي دولة الامير فخر الدين ارتفع رأس النصارى.. فصاروا يركبون الخيول بسروج.. ويحملون البندق.. وفي أيامه تعمرت الكنائس ".. حتى ان الامير وبشدة ثقته بالموارنة.. كان يقيم ما يشبه المستوطنات المسيحية في مناطق بعيدة عن الشوف كمناطق مرجعيون عكار والبقاع.. وكان بواسطة هؤلا يضمن السيطرة ودوامها على تلك المناطق.. ولهذا يمكن القول ان الانتشار الفاعل للمسيحيين خارج الجبال الشمالية من لبنان.. حصل في زمن الأمراء المعنيين. وقد تجدر الاشارة الى ان الاضطهادات والاحتياجات المتكررة لبلاد الموارنة في جبل لبنان قد حالت دون نمو زعامات سياسية قادرة على قيادة الموارنة.. وهذا ما جعل الكنيسة بما تمثله من انتشار وتنظيم تتولى قيادتهم.. غير ان المعنيين والشهابيين من بعده نجحوا في دفع غير مارونيو الى الوجاهة والزعامة كأل خازن وحبيش والسعد وباز وغيرها.

ويتخذ اللقاء الماروني الدرزي بعد معركة عيندارة ١٧١١ التي تعد مفصلا تاريخية عند الدروز بحيث يصح القول.. الدروز قبل معركة عيندارة والدروز بعدها... فقد أسفرت هذه المعركة عن هجرة اعداد وازنة قاربت النصف الى بلاد حوران.. وهم اصحاب الغرضية اليمنية. كان من ابرز اسباب انتصار القيسيين هو بالمشاركة الكبيرة من مسيحيين بلاد المتن تحت قيادة المقدمين أل ابي اللمع. اما الفراغات السكانية فقد ملئت ليس من الموارنة وحدهم بل من كثير من المسيحيين السوريين ايضا رغم ان غالبية هؤلاء من الارثوذكس.. كما كانت معركة عيندارة مفصلا في تاريخ الدروز.. فهي ايضا مفصلا في تاريخ الموارنة.. اذ لم تمض عقود معدودة حتى اصبح الدروز في بلادهم اقل عددا من المسيحيين المتواجدين فيها.

 

انتهت زعامة الدروز على الكيان الذي لا يصح نعته ب" اللبناني" حتى ذلك الوقت عام ١٨٢٥ وهو بداية الصدام الدامي بين المسيرتين المارونية والدرزية.

كان الشيخ بشير جنبلاط الذي قتل عام ١٨٢٥ عقبة امام الموارنة في تحويلهم الأمارة التي كان رأسها الامير بشير الشهابي.. الى إمارة مسيحية.. وهو ما كانت تسعى اليه فرنسا... وبمقتله تراجعت ثقة الدروز بأنفسهم خاصة وقصور المختارة وجميع المباني العائدة للجنبلاطيين هدمت بقصد ازالة هذه الزعامة.

ليس من المبالغة القول ان معركة البشيرين الشهابي والجنبلاطي هي معركة بين الامير الماروني المدعوم من الكنيسة وبين الشيخ بشير المؤيد من غالبية الدروز.. أسفرت المعركة عن هزيمة الدروز وتفرد الموارنة بالسلطة مع ما رافق ذلك من هجرة كبيرة الدروز الى اماكن متفرقة خارج الأمارة.. وابرزها حوران مما أدى الى مصادرة البيوت والاملاك.. قد تفيد الاشارة هنا الى ان اسباب التباعد ومن ثم المواجهة بين الدروز والموارنة.. كان وصول القائد الفرنسي بونابرت الى الشرق ومحاصرة جنوده لمدينة عكا عام ١٧٩٩ حيث سارع الموارنة في تأيده والضغط على الامير بشير لمساندة بونابرت في حصاره لعكا.. هنا سارع الدروز بزعامة الشيخ بشير جنبلاط الى لقاء قياداتهم في ابرز معلم ديني لدى الدروز.. مقام الامير جمال الدين عبدالله في عبيه وإعلان معارضتهم لبونابرت وتأييدهم للدولة العثمانية. ردت الكنيسة الماروني على هذا الاجتماع بنداء الى أبنائها بان هذا الاجتماع يهدف الى اخضاع المسيحيين للدروز حسب المؤرخ إيليا حريق في كتابه " التحول السياسي في تاريخ لبنان الحديث " ص ١٦٢

لم يكن الدروز قادرين بمفردهم على اعادة التوازن السياسي والوجودي مع الموارنة.. ولكن القوى الخارجية المؤثرة آنذاك أجبرت ابراهيم باشا المصري على الانسحاب وجيشه من كامل بلاد سوريا ونفت حليفه الامير بشير عام ١٨٤٠ الى جزيرة مالطا.

ان العرقلة والتسويف التي مارسها اخر الأمراء الشهابيين.. بشير الثالث في اعادة الأملاك المصادر الى الدروز.. أدت الى أولى المواجهات العسكرية بين الموارنة والدروز اقتصرت على عاصمة الامارة.. دير القمر وجوارها.. اسفر الصراع عام ١٨٤١ الى تقسيم الأمارة الى فيدراليتين.. واحدة للموارنة والثانية للدروز.. وهو ما عرف بالقاءمقامبتين بعد إنهاء حكم الأمراء الشهابيين.

تظهر إحصاءات السكان في القاءمقامية الدرزية ان عدد المسيحيين فيها اكثر عددا من الدروز... ٣٧٠٠٠ مسيحي مقابل ٣٤٠٠٠ دروز حسب ما ورد في كتاب " لبنان في السياسات الدولية ص ٤٦ الدكتور منير اسماعيل.

ولما كانت العوامل المؤدية الى فشل النظام الجديد ( القاءمقاميتين )  كثيرة وقعت مواجهة عسكرية ثانية عام ١٨٤٥ وكذلك كانت محدودة النتائج رغم العوامل الخارجية وخاصة الأوروبية التي اصبحت مؤثرة على مجرى الاحداث.. وقد برز في هذه الفترة احتضان بعض الدول الأوروبية لبعض الطوائف.. الا ان أبرزها كانت رعاية انكليزية للدروز واخرى فرنسية للموارنة.ولما كانت مصالح هاتين الدولتين بشكل خاص .. متعاكسة ومتصادمة.. وصلت المجموعتان المارونية والدرزية الى الصدام العسكري الكبير عام ١٨٦٠...

سالت دماء كثيرة في هذه المواجهة خاصة في حاصبيا ودير القمر حيث كانت فرق الجيش العثماني.. تكبد الموارنة خسائر كبيرة حيث قتل الكثيرون ونزح الاحياء الى خارج الشوف.. اقتصرت مواقف الدول الأوروبية في البداية على الاستنكار معتبرة الحرب بين الدروز والموارنة حربا أهلية اذ ان الفريقين يحملان السلاح.. لكن وقوع الخسائر البشرية المؤلمة بين مسيحيين الشام حيث هاجمت مجموعات من المسلمين الاحياء السكنية المسيحية فقتلت واعتدت على الاطفال والنساء ونهبت ودمرت.. هذا جعل الدول الاوروبية تسارع الى الاستنكار ومن ثم التدخل فارسلت فرنسا غرقت عسكرية وانتشرت في قرى الشوف..

كان يمكن الدروز الإستفادة السياسية من انتصاراتهم العسكرية على الموارنة... غير ان احداث الشام حرمتهم هذه الإستفادة حين سارعت الدول الأوروبية الى أقامة منطقة أمنة للمسيحيين في الشرق فكانت متصرفية جبل لبنان

______________________________________________

كلمة الدكتور جان نخول

ندوة حولكتاب الأب عيد بو راشد

كنيسة المختارة بين الكرسي والدارة/ صفحات من تاريخ الدروز والموارنة،

الاثنين 13 كانون الأول/ ديسمبر 2021.

 

في البداية نشكر الحركة الثقافية – انطلياس، دير مار الياس، على استضافتها هذا اللقاء الثقافي الجامع، وقد عودتنا على هكذا لقاءات ثقافية، في شتّى المواضيع، كما نشكر الأب عيد أبو راشد، الذي بفضل كتابه، جمعنا في أمسية ثقافية قلّ نظيرها في هذه الأيام العجاف.

والشكر الكبير للزعيم وليد بك جنبلاط، الذي فتح ارشيفه الخاص للكاهن الغيور، كما نسعد بإشراف ومراجعة الأستاذ نايل أبو شقرا، الصديق الصادق، الذي يقدّم لطلاب العِلم والمعرفة، ما يختزنه من وثائق وسجلات غير منشورة.

يتألف الكتاب من 438 صفحة، وهو صادر عن دار سائر المشرق، 2021. يبدأ الكتاب، بكلمة للمطران مارون العمّار، راعي أبرشية صيدا المارونية، ثم كلمة للأستاذ وليد جنبلاط، يليها كلمة للمؤلف.

تمّ تقسيم الكتاب الى أربع مراحل تاريخية، المرحلة الأولى 1730-1860، المرحلة الثانية 1920-1948، المرحلة الثالثة 1949-1999 والمرحلة الرابعة والأخيرة 2000-2020.

ينتهي الكتاب بخاتمة وبملحق للوثائق.

 

أيها المثقفون،

في كل كتاب، هناك نقاط قوة ونقاط ضعف، أحياناً تتفوق الأولى على الثانية، والعكس صحيح أيضاً.

انطلق الكاتب من صفته الأساسية، وهي خدمته الكهنوتية، في كنيسة سيدة المختارة، والتي يعود الفضل في بنائها إلى دار المختارة في العام 1820.

اعتمد الكاتب على مصادر أولية في بحثه، منها: أرشيف البطريركية المارونية في بكركي، وأرشيف مطرانية صيدا المارونية، وأرشيف الدار التقدمية للطباعة والنشر والترجمة والتوزيع وأرشيف المكتبة الوطنية في بعقلين وغيرها من الأرشيفات الخاصة والعامة، كما اعتمد على عشرات الكتب العربية والأجنبية. أظهر الكاتب، العلاقة الجيدة، على امتداد القرن الثامن عشر، بين اغلبية العائلات المسيحية ودار المختارة، لاسيما خلال التحالف والتعاون ما بين الشيخ بشير جنبلاط والأمير بشير الشهابي.

تحدث أيضاً عن كاهن الرعية، الخوري مخايل مرهج، ودوره في إرساء علاقة جيدة مع آل جنبلاط، كما كان للمطارنة بطرس البستاني وبولس بصبوص الدور المهم في توطيد هذه العلاقة.

في عهد المطران اغوسطين البستاني، توثقت العلاقة جيداً ما بين هذا الأسقف وآل جنبلاط، بخاصة مع السيدة نظيرة جنبلاط، وولدها كمال. واستمر هذا التعاون في عهدي الانتداب والاستقلال، مع المطارنة انطونيوس خريش وإبراهيم الحلو وطانيوس الخوري، والياس نصّار وأخيراً المطران مارون العمّار.

تطرّق المؤلف إلى الأحداث الطائفية البغيضة بين الأعوام 1841 و 1860. وأيضاً الى أحداث الجبل المؤلمة 1983. وما جرى من اعمال لتضميدها بخاصة مع البطريرك نصرالله صفير و وليد بك جنبلاط، في مصالحة الجبل في العام 2001.

أنهى الأب عيد كتابه، بزيارة البطريرك الراعي الى المختارة في 16 آب 2016 ليلتقي مع وليد بك جنبلاط بعد تدشين كنيسة السيدة المرممة في المختارة. لينتهي في العام 2020 بمناسبة مرور 200 سنة على بناء هذه الكنيسة المارونية.

يحمل هذا الكتاب وظيفتين، حسب قول المؤلف، فهو أولاً تأريخ لحقبة زمنية تتجاوز القرنين والنصف، من بعض تاريخ جبل لبنان، مؤسسة على مئات الوثائق الأصلية التي تنشر للمرة الأولى. والتي أضاءت على العلاقات المتوترة بين الدروز والموارنة والاحداث الدموية بين أبناء الطائفتين. اما الوظيفة الثانية، فهي إلقاء الضوء على المساحات النيّرة من تاريخ الجبل، فهذا التاريخ ليس كلّه توترات وتشنجات وصدامات، بل إن وجهه الآخر هو صافٍ كصفاء ينابيعه. وقد تكون الصورة الأبهى لهذه العلاقات، تلك التي جسدها الرباعي النادر على صعيد الجبل، أي المطران اغوسطين البستاني وشيخا عقل الموحدين الدروز والست نظيرة جنبلاط. هذه العلاقة الفريدة في أبعادها الوطنية، حوّلت جبل لبنان الى واحة لتلاقي أبنائه.

نجح الكاتب، في الهدف الذي عمل عليه، فباستعماله وثائق جديدة، تنشر للمرة الأولى، أضاء على صفحات مظلمة من تاريخ الجبل، كما سعى الى إبراز الدور الإيجابي لتلاقي الدروز والموارنة في هذه البقعة من لبنان.

هناك بعض الملاحظات التاريخية، تتلخص بما يلي:

1-    جاء في الصفحة 36، السطر الأول ما يلي "سنة 1809 انتخب المطران يوحنا الحلو بطريركاً، بعد وفاة البطريرك يوسف اسطفان"

في الواقع، بعد البطريرك اسطفان، انتخب البطريرك ميخائيل فاضل (1793-1795) وبعده فيلبّس الجميّل (1795-1796) وبعده يوسف التيّان (1796-1808) ليستلم الكنيسة المارونية يوحنا الحلو.

2-    جاء في الصفحة 56، حاشية 123، ان البطريرك بولس مسعد، أرسل رسالة الى المطران بطرس البستاني بتاريخ 19 أيلول سنة 1897. في الواقع البطريرك مسعد توفي بتاريخ 18 نيسان 1890.

3-    ورد في الصفحة 65، حاشية 136، بأن زوجة الأمير بشير الثاني، وهبت البطريرك يوحنا الحلو، قطعة أرض في بيت الدين، ليبني فيها كنيسة صغيرة للموارنة، "فأتمّ البطريرك يوحنا هذا العمل سنة 1829". توفي البطريرك الحلو في 12 أيار 1823.

4-    ورد في الصفحة 332، حاشية 608، أن رسالة الرهبانية الحلبية المارونية "كانت قد بدأت نشاطها الروحي في دير القمر سنة 1745". في الواقع بدأت هذه الرهبنة نشاطها في العام 1752.

هذه الملاحظات التاريخية، وغيرها من الملاحظات المنهجية في كتابة التاريخ، لا تؤثر على جوهر الموضوع المطروح، ألا وهو إبراز الوجه الجميل من العلاقة التاريخية بين اهل الجبل، إنما لوضع الأمور في نصابها الصحيح.

نشير أيضاً إلى ان الأخطاء المطبعية هي نادرة كذلك الأخطاء اللغوية. خلال عملنا في أرشيف بكركي، وقعنا على معلومة تساعد، ولو بصورة جزئية، على معرفة ان الخوري بطرس المختارة "قد نال ورقة تصريف ثانية، من البطريرك يوسف الخازن، بتاريخ 12 نيسان سنة 1853".

كما وقعنا على اسم ناذرٍ في الرهبانية اللبنانية الماروني، من بلدة المختارة، هو جرجس، الذي نذر بتاريخ 2 شباط 1826 في دير الناعمة، وذلك عبر كتاب الأب مارون كرم، رهبان ضيعتنا، الكسليك، 1975، ص 177.

الواقع ان تاريخ الريف اللبناني وحده، من بين الأرياف الشامية، هو التاريخ القابل للرواية بشكل متسلسل متكامل بالنسبة الى ذلك الزمن. ويعود الفضل في ذلك الى اهتمام بعض الدروز والموارنة آنذاك، كل فريق من ناحيته، بتدوين الوقائع المختصة بطائفته من هذا التاريخ. وهذا ما لم يفعله غير الدروز والموارنة من بين أبناء الأرياف الشامية، سواء في العصور الوسطى او الأزمنة اللاحقة.

يقول الدكتور كمال الصليبي في كتابه منطلق تاريخ لبنان، بيروت، 1979، ص 175، "ولم يكن بروز الكيان التاريخي اللبناني خلال الفترة العثمانية، إلاّ نتيجة للقاء الذي تمّ بين المسيرة التاريخية المارونية... والمسيرة التاريخية الدرزية من الناحية الثانية، وذلك في بداية القرن السابع عشر... فجاء تاريخ هذا الكيان، انطلاقاً من ذلك اللقاء، استمراراً للأحداث والتطوّرات السابقة. وهل التاريخ في نهاية الأمر الاّ الاستمرار؟"

.

 

*