في إطار المؤتمر الذي تنظمه الحركة الثقافية – انطلياس تحت عنوان:
التنمية في لبنان: خطوات إصلاحية للنهوض بالوطن
يشرّفها أن تدعوكم إلى ندوة حول
                التنمية في الزراعة: تشخيص وضع الزراعة وتحصين الأمن الغذائي.

المشاركان 
د. رياض سعادة               تشخيص وضع الزراعة اللبنانية في ضوء الأزمة الاقتصادية الراهنة:
                                   حلول فورية ورؤية مستقبلية.
د. حسّان مخلوف             خطة من أجل دعم الاقتصاد الوطني وتحصين الأمن الغذائي.

 

في إطار المؤتمر الذي تنظمه الحركة الثقافية – انطلياس

التنمية في لبنان: خطوات إصلاحية للنهوض بالوطن

 

ملخص مداخلة د. رياض سعادة

تشخيص وضع الزراعة اللبنانية في ضوء الأزمة الاقتصادية الراهنة:

 حلول فورية ورؤية مستقبلية

الأربعاء 2 آذار 2022

 

         تدعو الدراسة إلى اعتبار الزراعة دعامة أساسية للأزمة الاقتصادية، رغم وضعها المتردّي خصوصاً في السنوات الأخيرة، بتأمين الأمن الغذائي، وصون المجتمع الريفي والبيئة. وتعتبر السلسلة الزراعية وحدة متكاملة بين المزارع والمستهلك، مروراً بكل مراحلها. وتعرض الدراسة تقييماً للقطاع الاقتصادي إنطلاقاً من تطور اجمالي الناتج المحلي، وتبيّن تحسّنه منذ العام 1962، حتى احتضاره في السنوات الثلاث الماضية.

         ويعرض د. رياض سعادة مقارنة بين لبنان ودول أخرى كالاتحاد الاوروبي واليابان والولايات المتحدة، تظهر مدى هشاشة، بل انهيار القطاع الزراعي اللبناني. ويشير إلى أهم أسباب التدهور، التي تقع في الكثير منها على سوء ادارة الدولة إذ على الرغم المساعدات والمشاريع، لم يظهر أي انعكاس لها على نمو الناتج خلال سنوات إعادة الإعمار،مبدياً تخوفاً كبيراً من المستقبل، في ظل الوضع الراهن، وغياب كامل للدولة التي وضعت برنامجاً غريباً عام 2020 يتعلق بدعم استيراد مستلزمات الانتاج النباتي والحيواني، وهو يؤدي، وفق الدراسة، إلى خسائر يتكبدّها المزارع، ويبيّن كيف بدأ تهريب البضائع المدعومة الى سورية، حيث تباع باضعاف سعرها اللبناني.

وانتقد بشدّة غياب الخبراء الحقيقيين اللبنانيين في هذا المجال، على رغم المساعدات المكثفة من المؤسسات الدولية ودول بحد ذاتها، ليجري استخدامها بشكل عشوائي افقدها قيمتها المهمة، إذ هناك 263 مشروعاً تم تنفيذها منذ 1992، تجاور قيمتهامليار دولار، لم يُستفد منها كما يجب.

وأدى غياب هيئة تنسيق وطنية تدمج المشاريع والمساعدات كافة ضمن خطة متكاملة، خصوصاً المشاريع المقدمة من المنظمات الاجنبية غير الحكومية، وساهم في ذلك الاجراءات الادارية المعقدة.

ورأى د. سعادة، أن القطاع الخاص في شركاته التي تسوّق المدخلات الزراعية، تسلّم زمام الأمور منذ العام 1975، وأدى الأمر في الكثير من الأحيان الى الغش الذي أصبح شائعاً، والتهريب للمستلزمات المحظورة. وافتقر القطاع الى تماسك ضروري، لينهار مع بدء الأزمة المالية عالم 2019، والتي قضت على التسليف الزراعي. ما اضطر المزارعين الى الاستدانة بفوائد مرتفعة، فاقمت ديونهم. وكانت أزمة الليرة في مقابل الدولار، عملة الاستيراد، القشة التي قصبت ظهر البعير. أضف الى ذلك التدمير الكبير لفعالية التسويق ، التي تعتبر مصدراً رئيساً للعملات الاجنبية.

وتعرض الدراسة رسوماً بيانية، تظهر تدهور القطاع الخطير عام 2020، مقارنة بعامي 2019 و 2015، أهمّه في المحاصيل الزراعية الحقلية، والفاكهة، والزيتون والتبغ، والخضار، ثم الحيوانية من الحليب ومشتقاته واللحوم والاسماك، وتربية النحل، باستثناء قطاع الدواجن الذي يشهد صلابة، مشيرة الى خطر توقف عدد كبير من المزارعين عن الانتاج.

حلول:

تشخيص صحيح، وهو الأهم، ثم وضع خطة عمل واقعية مبنية على الوسائل المتاحة مع جدول زمني واضح، تتجسد في خطة طوارئ فورية لإنقاذ الموسم الحالي. وأخرى متوسطة وطويلة الأمد، تعنى أولاً بالمجتمع الريفي. وهو ما لم يقم به المسؤولون، بل قاموا بعكس ذلك، مع غياب خطة قابلة للتنفيذ، وتفشي شريعة الغاب. فتدعو الدراسة الى قرار سياسي لإلغاء عشرات المشاريع العقيمة التي كان هدفها تمرير مصالح خاصة.

لذلك لا بد من:

  • إنشاء غرفة عمليات من أهل الاختصاص الميداني بعيداً عن الانتماءات السياسية، ومشهود لهم بالنزاهة.
  • تجييش المهارات في القطاع العام، والاستعانة بمهارات القطاع الخاص. وعملياً:
  • تأمين مستلزمات الانتاج الزراعي وتسهيل وصولها الى المزارعين.
  • تفعيل فوري لقنوات تسويق المنتجات الزراعية ومراقبتها.
  • وقف هدر انفاق الهبات والقروض، هذا في الضرورات الفورية. أما على الأجلين المتوسط والطويل، فتذكر الخطة بمهام الزراعة اللبنانية، على أربعة أصعدة: المجتمع اللبناني، الاقتصاد الوطني، الأمن الغذائي، والبيئة. لذلك، وجب الاتفاق على الخيارات الاجتماعية للأرياف وماهيتها، ما يدعو إلى:
  • رسم خيارات اقتصادية واقعيةفعّالة، وبناء عليها،
  • توضع خطة تنموية متوسطة الأجل مع مشاريع متكاملة وفق جدول زمني يحميه "قانون زراعي".
  • ثم تُرسم سياسة زراعية تكون القاعدة التوجيهية للإدارات والوزارات المتعاقبة.

 

لكن لا يمكن انجاز كل ذلك، من دون قرار سياسي مدعوم من كل مكونات الوطن، وفق دراسات موثوقة، وصحوة معرفية، تساهم كلها في إعادة بناء الثقة. عندها، المساعدات من المغتربين وغيرهم لن تتأخر في دعم القطاع.

_________________________________________

 

ندوة "التنمية في الزراعة": تشخيص وضع القطاع وتحسين الأمن الغذا ئي

كلمة مدير الندوة الأستاذ جورج أسطفان

 أمين سر الحركة الثقافية- أنطلياس

 

كانت الزراعة في مخيلتي، منذ الطفولة وما زالت، حلماً جميلاً على رغم انخراطي فيها اليوم حتى الثمالة، بالإمكانات المتاحة وبعض منها بدائي وبالفطرة، الموروثة عن الأجداد، أهل القرى وأنا واحد منهم، مع أنني لم أكن يوماً، حتى اليوم، مزارعاً حقيقياً رغم محاولات لم تتوقف.

الحلم اذاّ، لأنني ابن الأرض والطبيعة، ضعفي الأبدي الذي رأيت فيه دائماً علاقة مع السماء، والكون والوجود والذي أثمر انتماء اليها في كل الأمكنة وتحت كل سماء، مع فارق قد لا يكون ضمن اهتمامات كثر ممن عرفوا سماءات أخرى، هو ان سماء قريتي وحقولها ووهادها ووديانها وينابيعها، ولهيبها في أيام الصيف،  وامتداداً الى قرى أخرى في الوطن المباح،  تعبق لوحدها بالنسبة لي، بعطر الفرح المنشود ومواسم مباركة وجمالات الماضي وخيرات الأقدمين، ولو تخيٌلاً، من حين الى حين. ومن هذا المنطلق، لم أعد أحسد سهول الذُرة في الولايات المتحدة، والرز في الصين...، وبخاصة القمح في أوكرانيا وروسيا، التي دفع السعي الى النأي بالنفس والحياد المنشود، بعض مسؤولينا، الى موقف لا يحسدون عليه، حتى ولو كان فيهم من يرتدي كما يقول، دروعاً حامية، لكنها لا تحمي الا من إيجابيات التصرف المدروس السليم.

على امتداد العقود الماضية كنت مبهوراً، وهي صور سجلتها الذاكرة، وأصبحت  تبهرني اليوم أكثر، بمزارعين يفتّون الصخر، بوسائلهم البدائية، ويحفرون الوعر والمنحدرات، حيث أمكن، لكسب بضعة أمتار مربعة يغرسون فيها "نصبة"  زيتون أو جذع كرمة، يدعموها بحائط اقتلعوا حجارته من الأرض ذاتها، ولم أكن أرى على وجوههم أي علامات تذمّر، بل بسمة رضى وتمتماتِ شكر للسماء. مساحات صغيرة زيّنت الجرود وأعطت من خيرات أيديهم، مواسم كانت تكفيهم في غياب المساعدات الحكومية (ما أشبه الأمس باليوم) وما زالت في زمننا الحاضر، تزرع الوعر المتوحش حيث وُجد، وتحيْيه.

الوسائل هذه لم تتطور كثيراً حتى دخول الجرارات الزراعية والحفارات، لتحل محل المحراث تجره الثيران، والمعول تحمله السواعد المفتولة. وبقيت المساحات الزراعية محدودة رغم توسّع، الا في السهول الكبرى حيث الزراعة أخرى. وعلى رغم الوسائل القليلة الأولى، أذكر ان بهو الدار الخلفي في بيتنا الجبلي القديم، كان عامراً بأكياس القمح والذرة، يأتي بها الفلاحون من أرضنا التي زرعوها بالشراكة، يأخذون منها حصتهم ، والبسمة وعلامات الرضى لا تفارق المحيّا.

 

لا أخفي أني أتمنى أحياناً ان تختفي الحفارات والجرارات، ونعود الى أيام المعول والسكة والنير، خصوصاً عندما أرى ما فعلته هذه الآلات المتوحشة في طبيعة الأرض ولا من يراقب او ينظم أو يردع. دائماً نلحق بالتطور من ذنَبه. دائماً يفتّش كثرٌ عن ربح سهل غير آبهين بالضرر الذي يصعب إصلاحه، يستقوون بمسؤول هنا ورجُل مافيا هناك. وآخر ما شاهدت، بين قرية كفرفالوس وقريتي "برتي"، هبوطاً من طريق جزين العام الى وادي برتي ونهر "شماس"، مشروعاً ظننا لوهلة أنه لاستصلاح الأرض وزرعها، شقَّ طريقاً الى مشارف النهر ثم توقف، بعدما سد مجرى النهر بالصخور، وخرّب البيئة وصولاً الى مطاحن تراثية، ووعد أصحابه انهم سيصلحون ما اقترفت أيديهم ولم يفعلوا، لنعلم أخيراً ان الأرض معروضة للبيع بسعر مربح.

أذكر ان الفلاحين في الأيام الغابرة، كانوا يغدون الى الحقول لرعي المواشي، التي كانت تقضي على مساحات من الأعشاب التي نجهد اليوم في القضاء عليها بوسائل أكثرها ضار للبيئة وخصوصاً للمزروعات والمياه الجوفية، لأنها تستخدم عشوائياً ومن دون ارشاد. كما ان الفلاح كان يحرث الأرض مرات عدة في السنة، فيقضي على الأعشاب الضارة بدلاً من رشها بمبيدات أصبح جزء كبير منها ممنوعاً في البلدان المتحضرة. أضف الى ذلك الأسمدة التي تستخدم بكميات غير مدروسة ومن دون أي فحص للتربة للوقوف على حاجاتها، ما يرتب أضراراً على البيئة والإنتاج في آن. وألاحظ، انا المراقب الجاهد لتطور القطاع، الضرر الذي لحق به منذ بدء هذا التصرف اللامسؤول ولامسؤولية المسؤولين، خصوصاً في الأرياف والقرى. وبينما من المفترض ان يظهر تحسن كبير بين انتاج الأمس واليوم، مع دخول الوسائل الجديدة، لا يظهر الا فارق بسيط بعيد كل البعد عن الهدف منها.

 

ما سبق ليس تشاؤماً، ولا تحليلاً معمقاً لمشاكل الزراعة في لبنان والحلول، ولا توقاً رومانسياً فقط الى جمالات الماضي وعذاباته المحببة. انه غوص في ما يراه المواطن العادي الذي يحب الأرض وما تنتج، خصوصاً ان الأزمة الحالية شجعت كثراً على خوض هذه التجربة ربما للمرة الأولى، هرباً من جشع التجار واستهتار المسؤولين. مع العلم ان المساحات المزروعة او التي كانت تزرع في الأرياف ما زالت غير كافية، مقارنة بتلك القابلة للزرع لكن غير المستصلحة. وفي الكثير من الأحيان، تستصلح هذه الأخيرة لأهداف أخرى تبغي الربح السريع، خصوصاً في البناء العشوائي في ظل المحسوبيات القائمة واستنسابية المحاسبة. فغياب الدولة الفاضح عن هذا القطاع، ليس فقط في السنوات الأخيرة، انما منذ عقود، وعدم إيلائه الاهتمام اللازم، خارج دعمه مادياً وبطرق بعيدة كل البعد عن المطلوب لإحيائه، وكل ما يحيط به من ندوات توعية ورقابة وتسهيل التصدير خصوصاً لكبار المزارعين، والإرشاد والتوجيه لاختيار المزروعات المناسبة، وتحسين التربة مع الحفاظ على البيئة، غياب الدولة اذاً أفضى الى فوضى عارمة في القطاع، خصوصاً مع الانتقال من الوسائل البدائية الى تلك الأكثر حداثة والتي يُساء استعمالها.

طبعاً في لبنان قطاع زراعي واعد. وللمفارقة، هناك منظمات غير حكومية، معظمها أجنبي، تحل محل الدولة في دعم القطاع، بتقديم المساعدات العينية وغيرها الى المزارعين، من طريق جمعيات وتعاونيات زراعية، وتساعدهم على تصريف منتجاتهم، وتنظم لقاءات ومنتديات توعية، والدولة في مكان آخر، خصوصاً عندما نكون في أمس الحاجة اليها، كمثل وضعنا الحالي وما يحصل من حولنا، القريب والبعيد، وانعكاس هذه الأزمات على أوضاعنا المعيشية وربما الحياتية والساسية والسيادية.

أيها الأصدقاء

نحن اليوم في أمسّ الحاجة الى دولة تثبت وجودها في كل المجالات، ليشعر المواطن انه ليس متروكاً لمصيره الغامض، في ظل أوضاع مصيرية متأزمة. وفي مجال لقائنا، تنظمُ القطاع وتدعمه وتراقبه بوسائل علمية حديثة، وتضع له خططاً حالية ومستقبلية مدروسة، وتجند له اختصاصيين بعيداً من الاعتباطية والمحسوبيات. لحكومة تضع تشخيصاً لأزمته، وعلى ضوئه تعرض الحلول.

ان هدف ندوة اليوم توعوي بامتياز وواضح، من خلال تشخيص وضع الزراعة في لبنان وتحصين الأمن الغذائي، وعرض خطط قابلة للتطبيق وحلول ممكنة وضرورية  تخرج القطاع من ضياعه وتشرذمه، في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. وللخوض في معترك هذه المواضيع، نبدأ مع:

*د. حسان مخلوف

دكتور في علوم النبات والتربة، استاذ محاضر في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، ممثل الجامعة اللبنانية في البرنامج الوطني لحماية التنوع الحيوي والحفاظ على الحياة البرية، خبير في المحاصيل البديلة والتنمية المستدامةن عمل على تطبيقها خلال 3 عقود في منطقة بعلبك الهرمل، وهو مؤلف لكتابين بالفرنسية عن المخدرات وجوانبها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في لبنان، نشرتهما احدى أهم دور النشر في فرنسا، ولن استطرد. يعرض خطة من أجل دعم الاقتصاد الوطني وتحصين الأمن الغذائي.

*المهندس الزراعي والدكتور في الاقتصاد رياض سعادة . استاذ جامعي منذ العام 1965 في الاقتصاد الزراعي والغذائي وتجهيز الأراضي وترتيبها وإعدادها Amenagement du territoire ، في جامعات لبنان وفرنسا. باحث ومؤسس للمركز اللبناني للبحوث والدراسات الزراعية Creal، وعضو في الأكاديمية الزراعية الفرنسية منذ العام 1985. هو القنصل الفخري لجمهورية تشيلي منذ 1971 . يعرض تشخيصاً لوضع الزراعة اللبنانية في ضوء الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية، مع حلول فورية ورؤية مستقبلية.

_________________________________________

الخطة الزراعية في لبنان

من أجل دعم الأقتصاد الوطني وتحصين الأمن الغذائي

 

 

 

 

أستاذ دكتور مهندس حسّـان مخلوف

أستاذ علم التربة وحيوياتها في كلية العلوم - الجامعة اللبنانية

منسق ماستر إدارة وحفظ الموارد الطبيعية

خبير في نظم الزراعة الحيوية

 

 

 

 

18 شباط 2022

 

الخطة الزراعية في لبنان لحماية الأمن الغذائي ودعم الأقتصاد الوطني

 

 

نظراً لتردي الوضع الأقتصادي والأنهيار المالي في لبنان والذي أدّى إلى تراجع  قدرة البلد على أستيراد المواد الغذائية الأساسية التي تضمن الأمن الغذائي للشعب اللبناني، وبعد تراجع الأمدادات الغذائية حول العالم وأرتفاع أسعارها بسبب جائحة كورونا والتوترات الجيوسياسية، سيطر هاجس المجاعة على اللبنانيين خاصة في ظل غياب أي حلول واقعية وقريبة الأجل للأزمة المالية والأقتصادية. لذلك، أصبح من الضروري جداً أعداد خطة مواجهة وطنية تهدف إلى منع المجاعة عن اللبنانيين وتحقيق نهضة زراعية شاملة في لبنان بحلول 2030 من خلال رفع المساحات المزروعة إلى 350 ألف هكتار، إعادة تأهيل التربة الملوثة لأستعادة خصوبتها، تطوير المكننة الزراعية، تنفيذ مشاريع الري وإدارة الموارد المائية، أختيار الزراعات الموائمة للشروط البيئية من تربة ومناخ وتوفر الموارد المائية، السعي نحو أحترام المعايير المتعلقة بالنوعية لكي يسهل تصدير المنتجات الزراعية نحو الأسواق الخارجية والعمل على تأمين مدخلات زراعية من إنتاج وطني لضمان تخفيض كلفة الإنتاج الزراعي وإنشاء مصرف تسليف زراعي جديد لتأمين الموارد المالية الضرورية لمواكبة عملية تطوير القطاع الزراعي.

على هذه الخطة التركيز أيضاً على عنصر الأبتكار في المجال الزراعي وفي مجال البيوتكنولوجيا تحديداً وعلى نشر المعرفة حول ترشيد الأستثمار الزراعي في سبيل تأمين نمو مستدام وتأمين الحد الأدنى من الأمن الغذائي من خلال رفع كمية الإنتاج الزراعي اللبناني من المواد الأساسية وذلك عبر زيادة المساحات المزروعة لإبعاد شبح المجاعة عن اللبنانيين. ومن الأهداف الأستراتيجية أيضاً لهذه الخطة هو العمل على توسيع الزراعات التي تتمتع بقيمة مادية عالية وخاصة تلك المعدة للتصدير بهدف تصحيح جزء من العجز الحاصل في الميزان التجاري ولرفع مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الأجمالي من 3% حالياً إلى 11.4 % على أساس ناتج محلي أجمالي مقدر ب 70 مليار دولار في 2030 (في حال استطاع لبنان من وضع خطة نهوض سريعة مبنية على تطوير القطاعات المنتجة وعلى رأسها الزراعة والصناعة التحويلية).

ولتحقيق الأهداف الأقتصادية للخطة علينا الدفع في إتجاه استفادة لبنان من الأتفاقات الدولية التي جاءت في السابق لغير مصلحته نظراً لغياب الخطط الإنتاجية الصحيحة، كما يجب تدعيم القدرات الإنتاجية لدى المزارعين ومربي الماشية والدواجن والنحل كافة، وصغارهم بشكل خاص، وذلك من أجل خلق فرص عمل حقيقية ومستدامة لتعزيز الأمن الأجتماعي.

يجب مرافقة هذه الخطة بأطر تشريعية تتعلق بالإدارات الرسمية المعنية بالعملية الزراعية  وبالأستثمار الزراعي بشكل عام حيث يجب إعادة هيكلة هذه الإدارات الرسمية لمرافقة التطلعات الجديدة نحو زراعة 2030 وخاصة فيما يتعلق بتطوير النظم الزراعية المتبعة. على هذا المستوى، يجب أن يدفع التشريع إلى التحول نحو نظم الزراعة المستدامة والحيوية التي تحترم البيئة وتحافظ على الموارد الطبيعية وتعمل على تجدد الترب الزراعية وزيادة خصوبتها وإنتاجيتها والتي تشكل رأس المال الأساس في العملية الإنتاجية.

كما أن أحد أهم المحاور التي يجب أن يلقى الكثير من الأهتمام في المجال التشريعي هو أيجاد الأطر القانونية التي تحفّز المزارعين والمربين الذين يتجهون نحو النظم الزراعية المستدامة التي تحترم البيئة وتحافظ على الموارد الطبيعية. كما يجب تطوير الأطر التشريعية لحماية الأراضي الزراعية من خلال تصنيفها ومنع التمدد العمراني العشوائي اليها وأنشاء أطر قانونية تسهّل عمليات التلسيف المصرفي للقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني.

 

تتوزع الأراضي الزراعة في لبنان على الشكل التالي:

  • مجمل مساحة الأراضي القابلة للزراعة                           658000 هكتار
  • المساحة المستثمرة حاليا                                            200000 هكتار
  • المساحة المروية                                                        120000 هكتار
  • المساحة الغير مروية المستثمرة سنويا                           28000   هكتار
  • الأراضي المتروكة بور                                         60000   هكتار

 

على الخطة رفع المساحة المستثمرة سنويا في المرحلة الأولى (5 سنوات) إلى مساحة 300 ألف هكتار وذلك بهدف إنتاج المحاصيل التي تدخل في تغطية الحاجات الغذائية الملحة للشعب اللبناني.

في الجزء الأول من المرحلة الأولى أي خلال سنتين، ترفع المساحة المزروعة لتغطي كامل ال 260 ألف هكتار ومن ثم نصل إلى 300 ألف هكتار في الجزء الثاني من المرحلة الأولى أي ثلاث سنوات.

فيما بعد، يتوجب العمل على توسيع الأستثمار الزراعي ليشمل القسم الأكبر من المساحة الزراعية في لبنان والوصول إلى 350 ألف هكتار بعد عشر سنوات. سيتم تحقيق هذا الهدف من خلال عمليات الأستصلاح وتنفيذ مشاريع الري وحسن إدارة الموارد المائية مع التشديد على أهمية أنشاء البرك المائية لتجميع مياه الأمطار والثلوج في فصل الشتاء كونها اثبتت نجاعتها في الكثير من المناطق اللبنانية.

على الخطة الزراعية الأخذ بعين الأعتبار في عملية توزيع الزراعات على المناطق المعطيات البيئية والموارد الطبيعية المتاحة لكي يتم أختيار ما يتناسب مع كل منطقة ومع الخطة الإنتاجية العامة وخاصة فيما تعلق، بالتربة، بالدورة الإنتاجية في الأراضي المروية وفي الأراضي البعلية التي تزرع دون ري حيث يتم أختيار المحاصيل، البذور والتقنيات التي تسمح بالحصول على إنتاج جيد في هذه الأراضي.

لتحقيق أهداف خطة زراعة 2030 فيما يتعلق بزيادة المساحة المزروعة إلى 350 ألف هكتار خلال عشر سنوات، يجب العمل أستصلاح الأراضي الغير مكلفة في المرحلة الأولى خلال خطة عشرية تقوم على أستصلاح 10000 هكتار سنوياً. هذا الأمر يشكل تحد كبير على كافة المستويات إلا أن الأمر يستحق العناء نظراً لإنعكاساته الإيجابية على القطاع الزراعي وعلى الأقتصاد الوطني.

 

جدول رقم 1: برنامج أستصلاح الأراضي

السنة

المساحة/هكتار

الكلفة للهكتار/$*

الأجمالي

2021

10000

4000

40000000

2022

10000

5000

50000000

2023

10000

6000

60000000

2024

10000

7000

70000000

2025

10000

8000

80000000

2026

10000

9000

90000000

2027

10000

10000

100000000

2028

10000

10000

100000000

2029

10000

10000

100000000

2030

10000

10000

100000000

المجموع

 

790000000

 

*  إن الكلفة تتغير بحسب طبيعة الأرض فهناك حولي 50 ألف هكتار لا تتطلب الكثير من الأستصلاح لتصبح جاهزة للزراعة وبالتالي فإن كلفة أستصلاحها متدنية. والمساحة المتبقية هي أراضي متوسطة التصنيف وكلفة استصلاحها أكبر وقد تصل إلى 10000 دولا للهكتار.

 

يبدو من هذا الجدول بأن تنفيذ خطة أستصلاح لما مساحته 100 ألف هكتار يكلف مبلغ 790 مليون دولار على عشر سنوات. من الممكن بأن تزرع هذه الأراضي المستصلحة بعدد متنوع من الزراعات وخاصة الحبوب والبقوليات في المرحلة الأولى لتأمين انتاج ما يحتاجه البلد لمنع المجاعة ولكن فيما بعد يجب تخصيصها للزراعات الأستراتيجية المعدة للتصنيع كالفستق الحلبي Pistacia vera  والجوجوبا Simmondsia chinensis  والسماق Rhus coriaraوالأفوكا Persia americanaوالقشطة  Anona squamosalوبعض الزراعات التحويلية الأخرى فإن هذه المساحة قد تدخل أكثر من 2 مليار دولار سنويا والأصناف الثلاثة الأولى لا تحتاج إلى الكثير من مياه الري وبالتالي فإن إعتمادها لا يؤثر على الزراعات الأخرى من حيث الضغط على مصادر مياه الري.

تبلغ قيمة الإنتاج الزراعي حالياً 2.1 مليار دولار وقيمة الصادرات 700 مليون دولار. على الخطة رفع قيمة الإنتاج الزراعي إلى 5 مليار دولار في المرحلة الأولى (2025) وإلى 8 مليار دولار في المرحلة الثانية اي بعد عشر سنوات (2030) ورفع الصادرات الزراعية أو المحولة من الزراعة إلى 4 مليار دولار سنوياً.

تتحقق هذه الأهداف من خلال ما يلي:

  • رفع المساحة المستثمرة الى 300 ألف هكتار خلال خمس سنوات ومن ثم إلى 350 ألف هكتار خلال 10 سنوات وهذا يؤدي إلى زيادة كمية الإنتاج  بحوالي 75 % مع أختيار الزراعات التي تهدف إلى تأمين الأمن الغذائي في حالات الضرورة؛
  • تنفيذ مشاريع ري ترتكز على أنشاء عدد كبير من البرك المائية في الكثير من المناطق الجبلية وربطها بقنوات لأستجرار مياه الري نحو الأراضي الزراعية؛
  • رفع الإنتاجية في المساحة عبر برنامج وطني لإعادة تأهيل التربة لإستعادة خصوبتها وهذا يرفع الإنتاج بحده الأدنى حوالي 25 % أيضاً؛
  • تحسين نوعية الإنتاج من خلال تطبيق نظم الزراعة المجددة من خلال التقنيات الحيوية وهي تقنيات مصنعة في لبنان ولا تستوجب أي مستوردات لتصنيعها. هذا الأمر يجعل من المنتجات اللبنانية قابلة للتصدير مما يزيد من قيمتها المادية بحدود 25 %؛
  • تطوير عدد من المدخلات الزراعية المحلية التي تكون أسعارها أرخص من المواد المستوردة وقد استطاعت بعض المختبرات من تطوير تقنيات عالية وفعّالة في هذا المجال يجب الأستفادة منها بشكل واسع؛
  • تطوير المكننة الزراعية وتعميمها وخاصة بما يتعلق بجني المحاصيل كالزيتون والبطاطا وذلك من أجل توفير اليد العاملة وبالتالي المساهمة في تخفيض كلفة الإنتاج؛
  • تطوير المعرفة لدى المزارعين من خلال برامج تثقيفية حقيقة؛
  • الأستثمار في البيوتكنولجيا الزراعية للتطوير إنتاج بعض المنتجات الغالية الثمن كالزعفران والجوجوبا والكمأ الأسود وأختيار زراعات تحويلية تدخل في التصنيع الغذائي والحيوي لرفع قيمة الإنتاج الزراعي بشكل عام؛
  • تطوير المختبرات والمصالح البحثية العامة والخاصة التي تعمل في مجال إنتاج أصول الغراس التي تتوافق مع الترب الزراعية والمناخ في لبنان وأنتاج البذور والدرنيات وخاصة البطاطا وذلك سعياً لتأمين الجزء الأكبر من البذور المؤصلة  للمحاصيل التي تزرع في لبنان؛
  • تطوير المختبرات ومصالح الأبحاث التي تتعلق بالثروة الحيوانية وتربية الدواجن والنحل للمساهمة في تطوير هذا القطاع بما يتوافق مع حاجة البلد والشروط البئية التي تتحكم بوجود المراعي الطبيعية والموارد التي تدخل في عملية إنتاج الأعلاف؛
  • سن وتطوير القوانين المتعلقة بالحيازات الزراعية والأستثمار والتمويل الزراعي والبحث العلمي لخدمة أهداف الخطة؛
  • تشريع قوانين تحفّز الأستثمار الزراعي وخاصة لرأس المال الأجنبي الذي نحن بحاجة اليه في ظل الظروف الحالية لإطلاق القطاعات الإنتاجية وعلى رأسها الزراعة والصناعة التحويلية؛
  • تشريع القوانين التي تلغي الرسوم على حصر الأرث ونقل الملكية وإزالة الشيوع والفرز والضم في الأراضي الزراعية وذلك لمدة عشر سنوات من أجل إعادة هيكلة الحيازات الزراعية من أجل تسهيل وتحفيز الأستثمار الزراعي على أنواعه؛
  • تشجيع المشرّعين وخاصة الذين يشكلون اللجان المولجة دراسة وتشريع القوانين المتعلقة بالزراعة والبيئة وبالموارد الطبيعية على أتّباع دورات علمية-تثقيفية متخصصة وذلك بهدف مساعدتهم على سن القوانين المناسبة من أجل تطوير القطاع الزراعي بشكل ناجح أقتصادياً ومتوافق مع المعايير البيئية التي تهدف إلى بناء مجتمع زراعي مستدام ومساهم أساسي في بناء الأقتصاد الوطني؛
  • وضع وتنفيذ سياسات فعّالة منسقة لمكافحة الفساد ولتعزّيز الحوكمة الرشيدة والشفافية  وتجسّيد مبادئ سيادة القانون وحسن إدارة الشؤون والممتلكات العامة والنزاهة والشـفافية والمسائلة وذلك لتشجيع رؤوس الأموال الوطنية الأجنبية للأستثمار في القطاع الزراعي اللبناني.

 

إن التطبيق الصحيح لهذه المقترحات والأفكار هو الضمانة الأكيدة لنجاح خطة تطوير القطاع الزراعي وتحصين الأمن الغذائي للشعب اللبناني في السنوات الصعبة القادمة ولرفع قيمة الإنتاج الزراعي اللبناني إلى أكثر من 8 مليار دولار خلال عشر سنوات.