مئة عام على اتفاقية سايكس – بيكو

كلمة الأستاذ منير سلامة

2016/3/12

        أيها السيدات والسادة،

        مئة عام على اتفاقية سايكس – بيكو (بدأت المفاوضات في سان بترسبورغ في منتصف آذار سنة 1916 – وتمّ التوقيع عليها في أيار سنة 1916) التي قسمت المناطق العربية في شرقي المتوسط والتي كانت تشكّل جزءًا واسعاً من الدولة العثمانية، بين بريطانيا وفرنسا. اما روسيا الشريك الثالث في هذه الاتفاقية، فكانت حصتها خارج المناطق العربية (القسطنطينية ومناطق على جانبي البوسفور ومناطق واسعة في شرق الاناضول).

        تشكّل هذه الاتفاقية قمة الاطماع الاستعمارية لبريطانيا وفرنسا في هذه المنطقة من العالم دون أخذ بعين الاعتبار رغبات شعوبها وتاريخها. كمار داست على أحلام هذه الشعوب وبخاصة بريطانيا التي وعدت العرب ثم نقضت وعودها.

        لم يكن يهمّ بريطانيا سوى مصالح الإمبراطورية وبخاصة حكومة الهند، وتأمين مواصلاتها عبر المناطق البرية والبحرية بخاصة شمالي قناة السويس وفي منطقة الخليج، اما فرنسا فكانت تحلم بلبنان وبسوريا بوابة آسيا. اما فلسطين فقد تمّ اخضاعها لإدارة دولية نظراً لمصالح هذه الدول ولوجود المراكز الدينية فيها.

        لكن خروج روسيا من الحرب العالمية الأولى بعد سقوط نظام القياصرة وانتصار الشيوعية فيها، سمح للإنكليز وللفرنسيين بإعادة ترتيب اتفاقية سايكس – بيكو في اتفاق لويد جورج – كليمنصو، مستغلّين هذا الخروج وكذلك انسحاب الولايات المتحدة من مؤتمر الصلح. وقد أمّنوا لهذا الاتفاق غطاءً دولياً في مؤتمر سان ريمو بفرض الانتداب من قبل مجلس عصبة الأمم، مما اعطى لاحتلالهم العسكري شرعية دولية.

 

 

        أيها السادة،

        إذا كان تطبيق سايكس – بيكو قد شكّلت نهاية المرحلة العثمانية في هذه المنطقة، فان مفاعيل هذا التطبيق اوجدت حالةً لا بل حالات أعطت للمسألة الشرقية ابعاداً جديدة. وأبرز هذه الحالات إقامة دولة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني وارضه وامانيه القومية، كما شكلّت تحدياً عسكرياً واقتصادياً وسياسياً ومجتمعياً للبلدان العربية التي انكشف عجزها في الحروب ضد إسرائيل والتي عانى بعضها من الانقلابات العسكرية التي أوصلت أنظمة استبدادية قضت على الحريات (تحت شعار لا صوت يعلو فوق صوت البندقية) واكملت العجز والفشل في مواجهة إسرائيل.

        اما التطور الأهم الذي فتح باب المسألة الشرقية على مصراعيه في مطلع القرن الواحد والعشرين، فكان مع الاحتلال الاميركي للعراق وتطوراته وانعكاساته، وعصف الاحداث المذهبية والقومية التي أطاحت بالتكوين السياسي للدولة العراقية وبخاصة بعد الانسحاب الأميركي وفشل محاولة بناء الدولة الديمقراطية التي تحفظ حقوق مكوناتها الشعبية، وباندفاع العامل الإيراني المشارك في تعزيز الصراع المذهبي رغم تعدّد الشعارات.

        وجاء الانفجار السوري وتداعياته المستمرة منذ خمس سنوات، ليدفع بالمسألة الشرقية الى منعطفات خطيرة جداً... فقد تجمّعت في سوريا جميع العناصر التي فجّرت الأوضاع في الداخل، وافسحت المجال واسعاً للأبعاد الإقليمية المستفيدة سلباً وايجاباً من هذه الحرب والمشاركة فيها بشكل او بآخر مما سمح للقوى الدولية بأن تعيد رسم مناطق نفوذها وفقاً للتحولات الجارية في المنطقة، منها ان الدولة الروسية تعود لأخذ حصة وازنة في المعادلة السورية وكأن الحكام الروس يستعيدون الدور القيصري ويحاولون التعويض عمّا فاتهم منذ قرن من الزمن. فيما القوة العظمى التي هي الولايات المتحدة تراقب تورّط الجميع اقليمياً ودولياً (السعودية ودول الخليج ومعهم تركيا من جهة، وايران وحلفائها اللبنانيين والعراقيين والافغان وغيرهم) ومن ثم روسيا.

        وتعتبر ان الأوان لم يحن بعد لحلّ نهائي في سوريا والمنطقة وهي ترسل، كما شريكتها روسيا، إشارات بما يمكن ان تكون السيناريوهات التي يعدّان لها. (خوف كيري على وحدة سوريا ثم اشارته الى ان التقسيم هو ما سيكون – وكذلك إشارة الخارجية الروسية).

        أيها السادة،

        هل تكون الهدنة التي توصّل اليها لافروف وكيري، وقف اطلاق نار قد يكون او يقصر وفقاً لتطور تقدّم مشاريع الحلول. وأيّ افقٍ لهذه المأساة التي تعيشها سوريا والشغب السوري.

        أي حلول ستطرح للمسألة الشرقية الحديثة، هل تبقى حدود دول سايكس – بيكو ويُعمل على إعادة التشكيل الداخلي للأنظمة وفقاً لمصالح مكوناتها كافة (نوع من الفيدراليات) ام ترسم حدود جديدة شبيهة بحدود تقسيمات غورو للدول المذهبية في سوريا، ويضاف اليها دخول الواقع العراقي المفكك على مساحة المتغيّرات ضمن الأطر المذهبية والعرقية عينها.

        وما مصير لبنان الكبير، واذا بقيت حدوده موحدة كيف يعاد رسم الحدود السياسية والإدارية بين مكوناته؟

        أسئلة كثيرة تطرح على المستوى النظري وتتعدد السيناريوهات وبين أيدينا خرائط متخيّلة. ولكن في ارض الواقع يستمر غرق هذا الجزء من العالم في دوائره المذهبية والعرقية المغلقة، ويرفض واحدها الآخر، فيما ثروات المنطقة بددت او تكاد على تغذية حروب الاخوة والاشقاء.

        إسرائيل وحدها تضحك في هذه المنطقة لأن قبائل العرب تثبّت نظريتها وتجعل وجودها آمناً ومستقراً.

        أخيراً أيها السادة،

اذا كانت سايكس – بيكو خطاً في الرمال، وقد ندم مارك سايكس فيما بعد على ما فعله، فان ما بعدها هو خطٌ يوغل في دماء شعوب هذه المنطقة ليرسم حلولاً وهمية.

                                                                                منير سلامة


 

أسئلة على هامش الندوة

هل من افق سياسي وحلول لهذه المأساة التي تعيشها سوريا والشعب السوري؟

ما هو مصير الملايين الأربعة المهجرين في دول الجوار ومنها في لبنان؟

اين سيستقر الملايين الستة المهجّرة في الداخل؟

هل صحيح ان النظام سينعم بسوريا المفيدة؟

كيف سيكون عليه الشريط الكردي على الحدود التركية؟

ما مصير القوى المتحاربة في سوريا؟

داعش الى متى؟

هل سيعاد بناء ما تهدّم وكيف؟

أي مستقبل لمن شكّل سابقاً المجتمع السوري، أي تعليم، أي اقتصاد واية دولة؟ وما مدى انعكاس كل ذلك على لبنان ونظامه وصيغته وتعايش أبنائه؟


 

أستاذ جامعي على مدى أربعة عقودٍ ونيّف في فرنسا ولبنان، مؤرخ له مؤلفات قيّمة منها ما يتناول أوضاع العرب والدولة العثمانية في مراحلها الأخيرة ومواقف الدولة العظمى.

ويشرف على سلسلة التاريخ بالوثائق، مرجعٌ في مرحلة الانتداب الفرنسي على لبنان.

مستمرٌ في العطاء، باحثٌ لا يهدأ.

انه الدكتور أنطوان حكيّم – فالكلمة له في اتفاقية سايكس – بيكو والمفاوضات التي أدّت اليها.

 

 

 

أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة اللبنانية، ورئيس الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم.

له مؤلفات عديدة منها مطالب جبل عامل بين 190 و 1936 منشورات 1987 والصراع الإيطالي – الفرنسي على المشرق العربي.

كما شارك مع زملاء له في نشر كتب متنوعة منها تاريخ لبنان من الاحلال الى الجلاء (سنة 1990) والمجتمع العربي الحديث والمعاصر (سنة 1998)

يراقب تطورات الاحداث في منطقتنا العربية ويقارن مواقف الدولة الكبرى منها وفي مقاربته يحاول ان يرسم ملامح المنطقة في خضّم هذه التطورات.

الكلمة للدكتور علي شعيب.

__________________________________________

 

بعد قرن على سايكس – بيكو هل ثمة تغيير للحدود في الشرق الأوسط؟

كلمة د. علي شعيب

يمر هذا العام قرن على إتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 التي مهدت لخريطة الشرق الأوسط الحالية عندما سيطرت أوروبا على هذه المنطقة بدل السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. ومع حلول هذه الذكرى تشير الدلائل والوقائع اليوم أن تغير خريطة العالم سياسياً ودولياً وتقنياً وإقتصادياً لا ينجز إلا في أعقاب أحداث كبرى كارثية يقوم فيها المنتصر بوضع خرائط جديدة تعكس وضعية دولية محددة تتحكم فيها مصالح الأقوى بين المنتصرين على غرار ما جرى في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية وفي أعقاب إنهيار الإتحاد السوفياتي.

إتفاقية سايكس – بيكو وموازين القوى بين المنتصرين

إن ترسيم خطوط وألوان مناطق السيطرة والنفوذ الأجنبي في الشرق العربي مر بمرحلة في مسار طويل ومعقد من المناقشات والمداولات بين القوى المنتصرة في الحرب الأولى. إن التشدد على ظروف ولادة إتفاقية سايكس – بيكو، الصيغة الدولية الحاسمة في تقرير مصير بلاد الشام بين فرنسا وبريطانيا، تلخص فعلاً الخريطة الجغرافية- السياسية التي إستقر عليها التوازن بين الحلفاء في هذه المنطقة، ويطرح على الرغم من أهميته وصحته، تساؤلات عن مدى تعبير الإتفاقية عن مصالح وتطلعات القوى الفاعلة داخل الدول التي إشتركت في صوغ هذه الإتفاقية.

إن فرنسا التي كانت تتطلع إلى السيطرة الكاملة على "سوريا الطبيعية" بما فيها الموصل، إضطرت وفقاً لحجم مشاركتها في الحرب الأولى بالجبهة الشرقية إلى التنازل الدبلوماسي نزولاً عند حسابات حليفتها بريطانيا حيال المنطقة العربية، وبما يتناقض مع حجم الطموحات التي حملتها الدبلوماسية الفرنسية قبل هذا الوقت. إذ كانت أحلام المؤسسات الفرنسية الإقتصادية والثقافية والدينية المؤيدة من الرأي العام الفرنسي، طالما راهنت على إقتسام تركة "الرجل المريض" وفقاً لما تدعيه "الحق التاريخي" الفرنسي في كامل بلاد الشام. ولذلك تصرفت فرنسا وفقاً للضرورات الدبلوماسية التي أملتها أوضاعها الإستراتيجية وموقعها بين حلفائها. لذلك تحكم في مضمون الإتفاقية أساساً بريطانيا وتحالفاتها السرية والضمنية.

أرست دينامية سايكس – بيكو العميقة والمديدة طبيعة العلاقات بين الشرق الأوسط والنظام العالمي. وأنتجت كيانات سياسية: سوريا -لبنان – العراق – الأردن – إسرائيل. وبإستثناء الأخيرة ركبت هذه الكيانات على البنى السائدة القبلية والعشائرية والطائفية. وأخذت في الإعتبار الأدوار التي تعطي لكل كيان في سياق خطة السيطرة الإمبريالية على المنطقة العربية. وهكذا ولدت كيانات بمعظمها يحوي ألغاماً بنيوية قابلة للتفجير في كل لحظة، مما وسم هذه الدول بطابع الضعف في مواجهة مكونات ما قبل الدولة، أي العجز عن التكون على حساب هذه البنى بخلاف ما عرفته نشوء البلدان الحديثة.

نفذت إتفاقية سايكس – بيكو بموجب مقررات سان ريمو عام 1920 وبالتأكيد لم ترسم الحدود السياسية الجديدة في الشرق الأوسط نتيجة تطبيق حق تقرير المصير، وهذه سنة قديمة في العلاقات الدولية. إنها سياسة القوة في هذه العلاقات. فالقوة هي التي تنشئ الدول بمعزل عن الحقائق الإجتماعية والتاريخية، ومن دون إحترام مشيئة الشعوب الضعيفة والمستضعفة. إن الحدود السياسية المرسومة لم تراع الإعتبارات القومية وإرادات هذه الشعوب. وعبر هندسة عرقية ودينية ومذهبية متعمدة لغم الفرنسيون والبريطانيون المنطقة إلى الأبد. ما يمكن ملاحظته أن الإستعمار في العالم العربي أقام دولاً فيه ورسم حدودها، لكن لم تكن محض هندسة وتشكيل أوروبيين، إنما إعتمد على قابلية محلية أيضاً. كان ثمة أجنة ""دول"" في سوريا واليمن وبلاد الجزيرة العربية.بناءً عليه مثلت الحرب العالمية الأولى المحرك الرئيسي لتاريخ المنطقة، إذ حررتها من سكونية تاريخية ثقيلة، ولكنها أبقتها مدولة، مخترقة وعلى هامش النظام العالمي.

من دولة الوحدة إلى دولة التنازع على الشرعية

نجح الأوروبيون في إدارة الغضب الغربي المناهض لمعاهدة سايكس – بيكو وفرضوا الحدود في الشرق الأوسط سواء عبر وضع زعماء محليين أو عبر القوة العسكرية. بالمقابل عمد تيار عروبي إستقلالي من كل الطوائف والعرقيات في الشرق العربي على تقبل الدول والحدود كأمر واقع وليس الإعتراف به وبالتكوينات أو بالأوضاع المستجدة. وتمثل الأمر في المحافظة على التكوينات الناشئة وإعدادها لما يشبه الدولة ريثما يكون الإعلان ممكناً ومطلوباً لتغير الأوضاع نحو الوحدة العربية الشاملة وتأمين العدالة الإجتماعية.

لا يبدو أن ثمة جديداً في سردية المنطقة، نظام هيمنة وإختراق بعد الآخر، وإذ لم يكن إستعماراً خارجياً أو الهيمنة خارجية، فإنهما يكونان داخليين. فقد قامت أو أقيمت "دول" إحتار الباحثون في توصيفها: قطرية – قومية، عادلة، فاشلة، فدرالية... إلخ. كما برزت هيمنة ومراكز وأطراف داخل الكيانات السياسية التي أنشأتها معاهدة سايكس – بيكو مما هدد النسيج الإجتماعي الموحد نسبياً فيها وأصبحت مع هذه الحالة هذه الكيانات أمراً واقعاً يصعب تغيره. وطالما قبل حكام تلك الكيانات الحدود وإلتزموا بها وأبقوا عليها، وأتخذوا منها مرجعيات في تسوية خلافاتهم الحدودية، وحتى رافضوا الحدود من الوحدويين العرب رفعوها إلى المقام المقدس.

تطور الأمر بظاهرة الدولة التي شهدتها المنطقة العربية من خلال ديناميات شتى – من دولة "إنتداب مفروضة إلى دولة "وطنية" ثم تطورت إلى دولة تسلطية مع بداية الخمسينيات من القرن الماضي بعدما إنهارت سطوت الدول الأوروبية عن المنطقة وإنبثق من الفراغ جيل من الدكتاتوريات العسكرية القومية سيطرت على المنطقة الممتدة من ليبيا إلى العراق. وبدل أن تعتبر الكيانات المنشأة عن سايكس – بيكو على علاتها إنجازاً يجب حمايته وتطويره تحت عنوان "وحدة – حرية – عدالة إجتماعية"، أقدمت الدكتاتوريات على إلغاء السياسة والإشراف على الإقتصاد وتكميم الأفواه.

كان قادة الإنقلاب من البعثيين في سوريا والعراق يعتبرون الأيدولوجيا مجرد سلاح آخر من السعي إلى السلطة والإحتفاظ بها. وكان شعور واسع الإنتشار بأن الحزب وسيلة أيسر وسائل الإرتقاء في المجتمع.

أسس قادة الإنقلابات العسكرية في دمشق وبغداد لقاعدة في الحكم طالت إيجابية التنوع الديني والأثني في العاصمتين فقد أسسوا عصبية للنظامين قائمتين على دعم العشيرة والمذهب. وتلك ظاهرة ستتفاقم أمام العجز عن بناء الدولة الحديثة. إقترن الفشل الإقتصادي والإجتماعي وما رافقهما من قمع وبهزائم أمام العدو القومي.

لم تكن الهزائم عسكرية الطابع فقط بل هزائم إجتماعية وفكرية وسياسية، سرعة في خلخلة البنى الإجتماعية التي تعاني في الأصل من معضلة الإنقسام والتقسيم.

في ظل غياب مجتمعات عربية مدنية بقيت بنية الدول العربية عاجزة عن التكون على حساب بنى عشائرية وقبلية وطائفية السابقة لقيامها. في الماضي كما في الزمن الراهن هو إستمرار البداوة والبنى القبلية بكامل حيويتها، وأصبح بالتالي القضاء على القوى التفتيتية الشديدة التنوع والدالة على خصوصيات عديدة في طليعتها خطورة الطائفية صعبة التحقق. وفيما يتعرض النسيج الإجتماعي للدول العربية إلى هزة عنيفة يعاد فيها إكتشاف عرقياته وقومياته، تطفو على السطح مشاريع كل على حدة مدفوعة بأبعاد إقليمية ضاغطة تحكمها لغة المصالح مما أدى إلى بروز تحديات جديدة على خرائط المنطقة وحدودها، قد تعيد "هيكلتها" من جديد.

ربيع عربي أو مشروع قومي يتهاوى؟

لم يستطع دعاة التغيير في المجتمعات العربية يسارية أو رجعية تحقيق أياً من الأهداف التي أعلنتها خلال عقود عدة من وجودها في السلطة. وطالما بات إصلاحها شبه مستحيل أو دونه مخاطر وإثمان كبيرة. بقي التدخل الأجنبي هو من شروط التغيير للحصول على الدولة المأمولة. وشكل غزو العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية عام 2003 بداية لمرحلة جديدة إعتبرها الباحث في كتاب صدر له بعنوان "التدخل الأجنبي وأزمات الحكم في تاريخ العرب الحديث والمعاصر" عام 2005 "يمكن مقارنته لجهة أهميته الجيو – بوليتيكية بالزلزال الكبير في القرن الماضي: إنهيار السلطنة العثمانية والذي أدى من خلال إتفاقية سايكس – بيكو إلى تقسيم الدول الأوروبية مقاطعاتها العربية تقسيماً كيفياً... ). عام 1911 إحتلت المنطقة العربية الإهتمام العالمي، إذ بدأت ثورات ما يسمى "الربيع العربي" إنتهت بأزمات وحروب أهلية وجهادية وتدخلات خارجية متضادة. وقد دخل عدد من بلدان المنطقة جراء ذلك في تصنيف أو توصيف "الدول الفاشلة" أي إرتفاع مستوى الإضطراب الإجتماعي السياسي وعدم القدرة على تحقيق الأمن وفرض السيطرة على أراضيها، والعجز عن تطبيق القانون وتآكل الشرعية. الذي حدث ببساطة أن القوى الوطنية فشلت بالتحكم بديناميات الصراع في المنطقة، ومنع المواجهة الطائفية، وبدأ دور الشعوب يتراجع لصالح الطوائف، كما حلت المرجعيات الدينية مكان القوى الحزبية المدنية.

إستفاد التيار الإسلامي من طبيعة المجتمعات العربية المتأثرة بالدور الكبير للدين في الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية.

وما زاد من خلخلة بنية دول الربيع العربي عوامل ثلاث أساسية:

-                    مصادرة الدين الإسلامي من أكثر الفئات تخلفاً في المجتمع.

-                    كثرة فتاوي التمييز مما أدى إلى مزيد من نشر فكر الكراهية بين أبناء الوطن الواحد.

-                    تعاظم دور السلفيين في المجتمعات العربية. وهؤلاء لا يأبهون لقاعدة تغيير الأحكام بتغيير الزمان والمكان.

في ظل هذه الحالة الإسلامية تمخض ولاء سياسي أنتج تعصباً في العلن وفي الخفاء. وبدأ الإعتراض على السلطة المركزية باسم الخصوصيات الدينية. وأضحت بنية المنطقة مفقودة تماماً في غياب مجتمعات متماسكة في حدودها الجغرافية وفي هويتها المعترف بها. وظلت الذاكرة الجماعية منطوية على محدد الهوية الديني.

وسبق أن ظهرت على الساحة الإسلامية ذاكرتان جماعيتان متمايزتين لكل منهما رواية تنظم التاريخ الإسلامي. ظل التناقض مجمداً بين الذاكرتين في مرحلة النضال ضد الإستعمار ثم في مرحلة إنتظام الحركة القومية التحديثية ولم يلبث أثناء الربيع العربي أن يتبوء صورة مشهد الأحداث في عدد من البلدان العربية وبخاصة في سوريا والعراق.

وقد رأى محمد حسنين هيكل أن ما حصل في المنطقة العربية ليس ربيعاً عربياً تهب نسماته على المنطقة، هو تغير إقليمي ودولي وسياسي يتحرك بسرعة كاسحة على جبهة عريضة ويحدث آثاراً عميقة ومحفوفة بالمخاطر. ما نلحظه هو مشروع قومي يتهاوى وبقاياه تجري إزاحتها الآن، ومشروعات أخرى تتسابق إلى الفراغ بعد أن أضاع ذلك المشروع مكانه وزمانه.

إن المنحى الطائفي الذي إتخذته الأزمة السورية وإنتقال العدو المبرمج إلى العراق المجاور، وحراك الأكراد في أكثر من دولة مطالبين بدولة كردية، وقبل ذلك التوتر في العلاقة بين الطوائف اللبنانية، وحضور كل من إيران وتركيا بخطابهما المعهود في المشهد العربي، عوامل إجتمعت وبشكل مكثف وفي مرحلة قصيرة نسبياً، دفعت كلها بالساسة والمحليين إلى الإستنتاج بأن المنطقة على مشارف مرحلة جديدة، يختصرها الرئيس السابق للـ "CIA"مايكل هايذن أن "الأوقات الحالية تشهد تغيرات وصفها بـ "التكوينية" وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط على حد تعبيره.

وفي مقابلة مع "CNN"26 شباط 2016 قال الذي نراه هو إنهيار للقانون الدولي، نرى إنهياراً بالإتفاقيات التي تلت الحرب العالمية الثانية، ونرى إنهياراً في الحدود التي تم ترسيمها في معاهدات فرساي وسايكس – بيكو، ويمكنني القول أن سوريا لم تعد موجودة والعراق لم يعد موجوداً، ولن يعود كلاهما أبداً، ولبنان يفقد الترابط وليبيا ذهبت منذ مدة".

الواقع أن تطورات الأمور تغري بتقديرات من هذا النوع. وإن ثمة حالة من "عدم التعيين" أو "عدم اليقين" تجاه خرائط جديدة تصدرها التنظيمات الجهادية مثل داعش وخرائط أخرى تصدرها مراكز أبحاث غربية، والتقديرات حول إحتمالات "الفوضى" و"اللا دولة" أو التقسيم... إلخ. ثمة إنطباع سوداوي مفاده أن الصراع في سوريا والعراق إنتقل إلى مرحلة يستحيل معها الحل السياسي والحسم العسكري ما يجعل سناريو التقسيم المخيف يطل برأسه. إن الخرائط يعاد رسمها وترسم خرائط جديدة للمنطقة العربية. لكن هذه المشاريع تختلف عن المشاريع الإستعمارية القديمة بطريقة التنفيذ، هذه الخرائط ينفذها سكان المنطقة بأنفسهم. اللافت أن وضع الخارطة الجديدة للمنطقة يتزامن مع قتل وتشريد يستهدفان جحافل هائلة من المواطنين العرب ومع إستباحة للمقدسات وسط صمت عربي منطبق وتواطؤ غربي غير مسبوق. وفي زحمة الإقتتال الشرس لم يتورع البعض على إثارة الضغائن وتجييش أسوأ ما في الغرائز.

السناريو المفترض لبقاء الحدود

ثمة ثلاث إحتمالات للخرائط ترسم لمستقبل المنطقة العربية:

-                    بقاء الحدود من دون تغير بل تعزيزها وتأكيد شرعيتها.

-                    تغيير الحدود، وقد برزت تقارير وتقديرات كثيرة بشأن إحتمال إنقسام عدد من دول المنطقة، كما برزت تقديرات سياسية للحاجة العميقة إلى إعادة رسم خرائط المنطقة كما برزت بالمقابل خرائط "جهادية" عدة.

-                    تغيير جزئي أو موضعي للحدود أي بقاء الأمور "بين – بين"، والتعامل مع الإنقسام أو تغيير الحدود كأمر واقع وليس الإعتراف به وبالتكوينات أو بالأوضاع المستجدة، ريثما يكون الإعلان ممكناً ومطلوباً، من الطبيعي أن حدة الحرب الأهلية في سوريا، مصحوبة بالتداعيات المستمرة في العراق والحالة السياسية المضطربة الشائعة في لبنان، ربما أدت إلى شك مفاده أن الحدود التي رسمتها معاهدة سايكس – بيكو حول المشرق العربي تسير إلى نهايتها.

إن الجواب على ذلك وبإختصار وبرأي كلا: في حين أن أياً من هذه الدول لن تتمكن من المطالبة بسلطة فعالة ضمن حدودها في القريب العاجل، فإن الحدود بحد ذاتها لن تتغير. في الحقيقة ستؤول هذه الحدود إلى ما يشير إليه خبير العلوم السياسية روبرت جاكسون بـ "شبه الدول"، المشار إليها دولياً وفقاً للقانون المعني كصاحبة سيادة رغم أنه لا يمكن تنفيذ الشروط التشغيلية الحقيقية التي تطلبها السيادة، السيطرة على الأراضي والحدود. لا شك أن السلطة الحقيقية في المشرق العربي ستصبح متاحة أمام الجميع، إلا أن الحدود نفسها ستكون آخر المتغيرات لأن أياً من الفاعلين لا يرغب بتغييرها سواءً كان ذلك على الصعد بين المحلي والدولي.

إستعمل دبلوماسيون سابقون وصحفيون وأكاديميون مرموقون مؤخراً عبارة "نهاية سايكس بيكو" للتعبير عن شكوكهم بإمكانية إستمرار الوضع الإقليمي. لكن لا بد من توخي الحذر إزاء التوصل إلى إستنتاج كهذا. تشير الإحتمالات على أرض الواقع ستحافظ الدولة المعنية دوماً على شكلها الحالي القوي. فالأمثلة على ذلك يمكن الإشارة إليها من الواقع في بلدان المشرق العربي.

 

أولاً:

لم يبدأ تفكيك الدولة العراقية مؤخراً، حيث يعود إلى العام 1991 حين تم إنشاء المنطقة الكردية في شمال البلاد وشمالها الشرقي بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في ظل حماية الغرب. أصبح هذا التقسيم السلبي للعراق عنصراً دستورياً من عناصر الدولة العراقية ما بعد صدام حسين، مع إنشاء إقليم كردستان.

على مدى أكثر من 20 عام، تميزت حكومة إقليم كردستان بمعظم سمات الدولة المسيطرة الفعالة على الأراضي وإمتلاكها قوى عسكرية خاصة بها والقدرة على إقامة العلاقات الخارجية إلا أن خريطة الدولة العراقية لا تزال على حالها ولم يشوبها أي تغيير. ولم تعترف بها أية دولة أجنبية كدولة أو حدّث إعترافاها بالدولة العراقية بالأراضي الواقعة فعلياً تحت سيطرة بغداد.إذ يبدو أن حصولها على الإعتراف الدولي أمر غير مرجح. ومن المحتمل أن تستمر حكومة إقليم كردستان بالمحافظة على كونها تشكل جزءاً من العراق رغم حقيقة أن معظم الأكراد يفضلون أن يتمتعوا بدولة مستقلة. ويعكس تصريح هيمن همراوي مستشار مسعود البرزاني هذه الرغبة "أن إتفاقية سايكس – بيكو إنتهت ونحن بحاجة إلى حدود جديدة... مضيفاً "لقد فشلت الديكتاتوريات والفيدرالية في العراق ويجب أن نبحث عن طريق آخر سلمي".

إن حالة حكومة إقليم كردستان الغريبة والتي تتمتع بسيادة فعلية وتفتقر إلى الإعتراف الدولي تؤدي عامل الضغف والأخطر من ضمن العوامل التي تشكل حجة "نهاية سايكس – بيكو".

ثانياً:

عند إندلاع الحرب اللبنانية عام 1975 لم تكن الحكومة اللبنانية قادرة على السيطرة الفعلية على أراضيها كاملة. في حين إرتفعت أصوات لبعض القوى اللبنانية تطالب بشكل من الحكم الذاتي، ومع ذلك لم تعترف أي دولة دبلوماسياً بأي كيان ضمن الدولة اللبنانية خلال الحرب الأهلية. ولم تتراجع أي دولة عن إعترافها الدبلوماسي بلبنان كدولة.

ثالثاً:

رغم أن الظروف السورية الحالية غير مؤانية للحل، ولا حل عسكري هناك، لذلك، لا بد من حل سياسي الذي لا يريده أحد، لا النظام ولا المعارضة ولا حتى الخارج الذي يتدخل في سوريا. الأزمة في سوريا تتجه إلى مزيد من الدمار والفوضى والصوملة، لا يتم إقامة كيانات رسمية منفصلة لكن هناك كيانات مسيطر عليها من دون أن تعلن إنفصالها رسمياً عن التراب السوري.

 

هذا هو الخطأ التحليلي النهائي لحجة تغيير الحدود "نهاية سايكس – بيكو". التدخل الخارجي الذي هو من شروط التغيير للحصول على "الدولة المأمولة" والذي قام برسم تلك الحدود، يبدو أن لا مصلحة له بإعادة رسمها، أو الإعتراف بإعادة رسمها في الوقت الراهن. يفترض أن نميز بين أنماط التفكير التي تسير مصالح الدول الكبرى في القرن الواحد والعشرين عن أنماط التفكير التي تسير مصالح الدول الكبرى في القرن التاسع عشر من مسألة قيام الكيانات السياسية والحافظ على حدودها. فالفئة الأولى تقدران الحفاظ على الحدود القائمة أسهل من قيام حدود أخرى لمنع إتساع النزاعات التي يصعب السيطرة عليها بخاصة من الدول الإقليمية المحيطة بخارطة الوطن العربي. هذه الدول ما زالت تتربص لإنتزاع أراض عربية. وما هو معروف تاريخياً أن الخارطة العربية كانت مطمعاً ليس فقط للقوى الغربية بل أن مطامع الدول الإقليمية لا تقل خطورة. فتركيا ذات الأطماع التاريخية في الموصل وكركوك وحلب تدفع بالمشاعر العربية نحو الأخوان المسلمين المتحالفين إيديولوجياً وسياسياً معها، وبالتالي جعل الدول العربية قابلة لأن تكون مرة أخرى تحت الوصاية العثمانية مجدداً بإطار المنطق الديني الذي حكم العرب أربعة قرون. وتمثل هذا التوجه بولادة التحالف التركي القطري والأخوان المسلمين، وهو حلف يدعم بالسلاح والمال والإعلام وبشكل أساسي للأخوان المسلمين على مساحة الوطن العربي.

أما إيران التي لم تخف أطماعها التاريخية في العراق ويلعب دور شرطي الخليج منذ أيام الشاه، تطمح الآن بلعب دور إقليمي مهيمن عبر جعل ولاية الفقيه مشروعاً سياسياً يمتد من الخليج عبر العراق وسوريا ولبنان وإلى حدٍ ما في فلسطين على شكل "قوس شيعي". نجحت إيران الإسلامية في إجتذاب شيعة البلدان العربية وجعلهم منضوون تحت فلكها، والأهم بأنها إستطاعت نقل المرجعية الشيعية من النجف الأشرف إلى قم المقدسة وهذه المحاولة فشل الشاه عام 1920 في تحقيقها، وما يترتب على الأمر من مسك بالقرار الشيعي في العالم الإسلامي عبر تخريج رجال الدين من مدينة قم. كما نجحت بالإمساك بقرارات ثلاث عواصم أساسية في الشرق العربي وهي بغداد، دمشق وبيروت.

أما إسرائيل فتعتبر أن سقوط مشروع الأمة العربية يخفي معه خريطة العالم العربي لمصلحة نظام إقليمي جديد تصبح فيه الدولة الكبرى والمهيمنة والقائدة. وإذا كانت سايكس – بيكو الأولى شرعت الأبواب أمام ولادة إسرائيل فإن المتغيرات الإقليمية الحاصلة حديثاً في الشرق العربي من شأنها أن تحصن مواقع إسرائيل. فتقسيم المنطقة إلى كانتونات طائفية وأثنية يخدم مصالح الدولة العبرية ويجعل وجودها منسجماً مع محيطها الإقليمي.

برأي هذا هو الخطأ التحليلي النهائي لحجة "نهاية سايكس – بيكو". إذ يبدو أن الخطة المرسومة لإسقاط القومية العربية وإعادة رسم المنطقة على أساس مجموعات وإمارات مذهبية وطائفية في إطار الحدود القائمة وتعتمد الشريعة، وتتحول إلى صراع مطلق في ما بينها يستنزف طاقاتها ومواردها وإمكانياتها المادية ويخرج العالم العربي من أي دور مؤثر على الصعيد الدولي أو الإقليمي ويعمق من الكراهية الدولية للإسلام ويجعله عاجلاً أم آجلاً العدو الجديد للحضارة البشرية. وغير ذلك كيف نفسر موقف الولايات المتحدة الأميركية التي قدمت رعايتها لحكومة إقليم كردستان منذ 25 سنة، إلا أنها لم تشجع الأكراد يوماً على إعلان إستقلالهم . ولم يقترح أي قائد روسي أو صيني أو أوروبي إلى عقد مؤتمر لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على غرار ما حصل عشية الحرب العالمية الأولى. ولم تكن دعوة نائب وزير الخارجية الروسي في 29 شباط إلى قيام دولة فدرالية في سوريا تجاوزاً لحدودها. قد تنشأ سلطات "أمر واقع" حاكمة. ولكن لا يبدو أن رياح التغيير ستطال الحدود الدولية بحد ذاتها. يشهد كل عمل في الشرق الأوسط تصاعداً هاماً، مع خوض مختلف الجماعات المحلية والإقليمية المساعدة لحلفائها في هذه المعارك. ولكن يبدو أن هذه المعارك ستستمر، على الأقل رسمياً ومن حيث القانون الدولي، ضمن الحدود التي رسمت في سايكس – بيكو منذ قرن. في الواقع ستعيش هذه الإتفاقية طالما أن السلطة ضمن حدودها تتسم بالضعف.

نحن في بداية مرحلة سوف تطول لأن كل تحول تاريخي في العالم يأخذ عقوداً ولا يوجد تحول يستطيع الوصول إلى الإستقرار في فترة قصيرة. وما يكن تأكيده أن السلطة العربية المطلقة لن تستمر وأن العالم العربي يدخل في طور جديد لا توجد فيه قضية مركزية واحدة لبلد دون سواه. ولبنان في عين العاصفة لا يمكن تدارك أمر مستقبله بالحالة السياسية الراهنة التي تبدو عاجزة عن إجتراح الحلول في حين أن الوضع يتطلب المعجزات.

 

د.علي شعيب

رئيس الجامعه الحديثه للإداره والعلوم

__________________________

اتفاق سايكس – بيكو : قراءة في

النّص والتّطبيق والارتدادات

د. أنطوان الحكيّم

       

عندما طَلبَ مني زملائي في الحركة الثقافية الكريمة أن أتكلم عن اتفاق سايكس-بيكو، تردّدت في القبول، لأنّ الكثيرين يعتبرون أنّ هذا الموضوع قد أُشبع درسًا وتمحيصًا، ولكنّ حلول الذكرى المئوية لهذا الاتفاق، والمعلومات غير الدقيقة التي يدرجها البعض بشأنه في كتاباتهم، والإشارات العشوائية اليه في تصريحات العديد من رجال السياسة حملتني على قبول الطلب آملًا أن أستطيع إلقاء أضواء جديدة على الاتفاق المذكور. سأركّز في كلامي بصورة مقتضبة على أربع نقاط رئيسيّة :

1 – منطلق هذا الاتفاق

2 – المفاوضات بشأنه ومضمونه

3 – تطبيقه

4 – ارتداداته على المنطقة وعلى بريطانيا وفرنسا.

 

1 – منطلق اتفاق سايكس – بيكو

        لم يكن هذا الاتفاق الذي يعود تاريخه إلى أيار 1916 ابن ساعته. إنه نتيجة صراع بين السلطنة العثمانية والدول الأوروبية يعود إلى القرن التاسع عشر والى تنافس تلك الدول، في إطار ما كان يعرف بالمسألة الشرقية، على تركة "الرجل المريض" وهوَ اللقب الذي أطلق آنذاك على سلطنة بني عثمان.

        بعد أن دبّ الضعف في جسم هذه السلطنة، أصبحت محطّ انظار الدول الأوروبية، لا سيما بريطانيا وفرنسا وروسيا ولاحقًا إيطاليا، وكانت النزعة الاستعمارية تسيطر على السياسات الخارجية لهذه الدول، ولكنها كانت عاجزة، بسبب خلافاتها، عن التوصّل إلى اتفاق حول اقتسام الأراضي العثمانية، لذا اكتفت بسلخ الولايات الأفريقية الشمالية عن السلطنة وبتشجيع الحركات القوميّة الاستقلالية في البلقان. أمّا الولايات الأسيوية فتمّ تقسيمها في ما بينها إلى مناطق نفوذ اقتصادي، فكان لكل من بريطانيا وفرنسا وروسيا وإيطاليا وألمانيا والنمسا نصيب منها، وكانت الولايات السوريّة ومتصرّفية جبل لبنان وسنجق القدس من ضمن حصّة فرنسا ومنطقة الخليج من ضمن حصّة بريطانيا[1].

        هذه هي الجذور البعيدة لاتفاق سايكس-بيكو. أمّا الأسباب المباشرة التي دفعت إلى عقده فأهمّها دخول السلطنة الحرب إلى جانب المانيا والنمسا، ما جعل الحلفاء يعتبرون أنّه أصبح بإمكانهم وضع حدّ ٍنهائي للمسألة الشرقية والاستيلاء في آخر الحرب، إذا ما كتبت لهم الغلبة، على الأراضي العثمانية.

        إنّ اعلان الجهاد من قِبَل السلطان الخليفة ضدّ الحلفاء في 23 تشرين الثاني 1914 أربك هؤلاء وتخوفوا من اندلاع ثوراتٍ في مستعمراتهم ومحميّاتهم في أفريقيا الشمالية ومنطقة الخليج والهند، فقرّر البريطانيّون آنذاك الاتصال بالشريف حسين الذي كان على خلاف مع الباب العالي وحثّه على الثورة ضدّ الأتراك. الهدف من ذلك بثّ الشقاق في العالم الإسلامي وتوطيد العداوة بين العرب والترك وتعطيل بالتالي مفعول الدعوة إلى الجهاد. فكانت مراسلات مكماهون الحسين الشهيرة التي انطلقت في تموز 1915 والتي تعهّدت فيها بريطانيا بمساعدة العرب، إن هم ثاروا على الترك، على انشاء امبراطورية عربية واسعة الأرجاء تضمّ الولايات العربية الآسيوية في السلطنة العثمانية، ولكنها تحفّظت بشأن منطقتين : الأولى هي الساحل السوري اللبناني – الفلسطيني لأنه جزء من منطقة النفوذ الفرنسي كما ذكرنا، والثانية هي جنوب العراق، وكانت بريطانيا ترغب في السيطرة عليه كي تمنع الخط الحديدي برلين – بغداد الذي كانت المانيا تقوم ببنائه من الوصول إلى منطقة الخليج، كي لا ينافس قناة السويس في التجارة مع الشرق الأقصى. أبلغ مكماهون الحسين في 24 تشرين الأول، في جوابه على رسالته الثانية، تحفظات حكومته بشأن المنطقتين المذكورتين ، وقد ورد في جوابه ما حرفيّته :

"إن ولايتي مرسين واسكندرونة وأجزاء من بلاد الشام الواقعة في الجهة الغربيّة لولايات دمشق الشام وحمص وحلب لا يمكن أن يقال أنها عربيّة محضة، وعليه يجب أن تستثنى من الحدود المطلوبة...".

"أمّا من خصوص ولايتي بغداد والبصرة، فإن العرب تعترف أنّ مركز ومصالح بريطانيا العظمى الموطّدة هناك تستلزم اتخاذ تدابير إداريّة مخصوصة لوقاية هذه الأقاليم من الاعتداء الأجنبي وزيادة خير سكانها وحماية مصالحنا الاقتصادية المتبادلة[2]..."

هكذا استُثني الساحل السوري – اللبناني – الفلسطيني، كما استُثني جنوب العراق من الدولة التي وُعد بها العرب. بقي على بريطانيا أن تحدّد مع حليفتها فرنسا، على الخريطة، المنطقة التي تعتبرها هذه الأخيرة منطقة نفوذها وترغب في الاستيلاء عليها، والمنطقة التي ستُعطى للعرب. نصل هنا إلى اتفاق سايكس – بيكو.

 

2 – المفاوضات بشأن الاتفاق ومضمونه.

        في الوقت الذي أبلغت فيه الحكومة البريطانية العرب تحفظاتها، اتصلت بسفير فرنسا في لندن وأخبرته أنها تنوي الاعتماد على الشريف حسين لقيادة ثورة عربيّة ضدّ الأتراك وأنها ترغب في الاتفاق مع فرنسا على تحديد المناطق التي ستعطى للعرب وتلك التي تريد فرنسا الاستيلاء عليها. عيّنت فرنسا قنصلها السابق في بيروت، فرنسوا جورج بيكو (Picot)، وكان آنذاك مستشارًا في سفارة بلاده في لندن، للتفاوض مع البريطانيين، وزوّده أريستيد بريان (Aristide Briand)، رئيس الوزراء وزير الخارجية، بتوجيهات خطيّة دقيقة تتعلّق بالحدود التي يجب أن تعطى لسوريا، مركّزًا على ضرورة توسيع مساحة هذا البلد بشكل يجعله قادرًا على أن يؤمّن لنفسه الاكتفاء الذاتي وأن يكون قابلاً للتطوّر، كي يصبح في المستقبل، بفضل جامعاته ومعاهده المختلفة مركزًا لإشعاع الحضارة في هذا الجزء من المتوسط. بهذه الشروط، يؤكّد بريان تستطيع فرنسا أن تحافظ على لغتها وعلى وضعها المميّز في الشرق[3].

        انطلقت المفاوضات في لندن في كانون الأوّل 1915 بين بيكو وممثلي الحكومة البريطانية. أصّر هؤلاء في البدء على ألاّ تتعدّى المنطقة التي ستقع تحت الإدارة الفرنسيّة المباشرة الساحل السوري الممتدّ من الاسكندرونة حتى طرطوس، على أن تُلْحَق المناطق الأخرى، بما فيها الساحل اللبناني والمتصرفيّة، بالدولة العربيّة التي سيحكمها الشريف حسين. رفض بيكو هذا الاقتراح مؤكّدًا أنّه لا يجوز أن يُعاد لبنان إلى الوراء، وهو يتمتّع بادارة ذاتية تحت الحكم العثماني، وأنّ اللبنانيين لن يقبلوا بالتخلّي عن وضعهم المميّز ولا بالتراجع عن مطلبهم الحيوي، وهو ضمّ بيروت وطرابلس والبقاع إلى الجبل[4].

        كان هدف بريطانيا إبعاد فرنسا عن مركز ثقلها في الشرق الأدنى أي عن متصرفيّة جبل لبنان التي عملت باريس على انشائها بعد أحداث 1860. لكنّ جورج بيكو الذي تابع المفاوضات مع مارك سايكس (Sykes)منفردَيْن، استطاع أن يقنع زميله الإنكليزي بوجهة نظره، فأعدّا معًا نصّ الاتفاق الذي عرف باسميهما.

        إن مضمون هذا الاتفاق معروف، سأعرضه باقتضاب[5] :

        قسمت المنطقة التي تضم حاليا لبنان وسوريا وفلسطين والأردن والعراق ومقاطعة كيليكيا في تركيا إلى خمس وحدات، تضمّ الأولى الساحل اللبناني – السوري مع متصرفيّة جبل لبنان وخليج الاسكندرونة وكيليكيا وتكون تحت الإدارة الفرنسية المباشرة وعرفت بالمنطقة الزرقاء لأنها لوّنت بالأزرق على الخارطة المرفقة بالاتفاق. تشمل الثانية جنوب العراق مع بغداد والبصرة وتكون تحت الإدارة البريطانية المباشرة وقد عرفت بالمنطقة الحمراء. الثالثة هي فلسطين وقد قرّر اخضاعها لإدارة دوليّة وعرفت بالمنطقة السمراء. أمّا الداخل فقسّم إلى قسمين، يضمّ الأوّل المدن السورية الكبرى وجزءًا من شمال العراق مع الموصل وأطلق عليه اسم منطقة "أ"، يحكمه العرب ويكون النفوذ فيه لفرنسا، ويضمّ الثاني شرق الأردن وجزءًا من صحراء النّفود والأراضي العراقية الواقعة بين الموصل وبغداد مع كركوك، وأطلق عليه اسم منطقة "ب"، يحكمه العرب ويكون النفوذ فيه لبريطانيا.

        على عكس ما تؤكّده بعض المراجع التاريخيّة، فان الحلفاء أطلعوا الشريف حسين وابناءه على هذا الاتفاق. ففي ربيع 1917، أرسلت باريس ولندن كلاًّ من مارك سايكس وفرنسوا جورج-بيكو إلى الحجاز للقاء الحسين ووضعه في أجواء الاتفاق. فوصلا إلى جدّة في 18 أيار وعقدا عدّة اجتماعات مع الملك وابنائه، ولا سيّما فيصل، أبرق على أثرها بيكو إلى حكومته يقول :

        "إنّ الملك يعرف الآن مضمون اتفاقنا ولم يبدُ متأثّرًا إلى الحدّ الذي كنّا نخشاه […]يمكننا القول منذ الآن إنّ الدور الفرنسي في سوريا سيكون في خطوطه الكبرى شبيهًا بالدور الإنكليزي في العراق. سنتعاون مع ممثلي الملك في المناطق الاسلاميّة من سوريا بواسطة مستشارينا، امّا المناطق المسيحيّة، فإن استولينا عليها […]، فسننشئ فيها دولة مسيحيّة تكون تحت حمايتنا"[6].

        نذكّر أيضًا بأن الحلفاء عقدوا في ما بينهم اتفاقين آخرين حول اقتسام أراضي السلطنة، الأوّل في العام 1915 مع روسيا القيصرية وقد تعهّدوا فيه بإعطائها مدينة القسطنطينية عاصمة الارثوذكسيّة السابقة مع ضفّتي البوسفور والدردنيل كي تستطيع التحكّم بالملاحة بين البحر الأسود والمتوسط، والثاني مع إيطاليا في العام 1917 وهو المعروف باتفاق سان جان دو موريين (Saint-Jean-De-Maurienne)، أعطيت إيطاليا بموجبه، على غرار ما جرى مع فرنسا وبريطانيا، منطقة إدارة مباشرة في جنوب الأناضول تضمّ ولاية أضاليا وجوارها، والى الشمال منها منطقة يحكمها الأتراك ويكون النفوذ فيها للايطاليين وأطلق عليها اسم منطقة "ج".

 

3-تطبيق اتفاق سايكس-بيكو.

        وُضع اتفاق سايكس-بيكو بذهنيّة القرن التاسع عشر الإستعمارية التي كانت تُجيزُ للدول المنتصرة في الحروب الاستيلاء على أراضي الدول المغلوبة. إنّ عوامل عديدة حالت دون الأخذ بهذه النظرية وعطّلت بالتالي تطبيق الاتفاق كما كان يأمل واضعوه.

أ – العامل الأول هو التحوّل في سياسة بريطانيا تجاه الشرق الأدنى :

        ففي نيسان 1917، أوكلت حكومة لويد جورج إلى لجنة خاصة وضع دراسة تحدّد المناطق التي يجب أن تُلحق بالإمبراطورية البريطانية. رفعت هذه اللجنة تقريرها إلى الحكومة في أيار 1917، فطالبت فيه بأن تبسط بريطانيا رقابتها على فلسطين والعراق وأن تفرض تعديلًا لاتفاق سايكس-بيكو يجعل من فلسطين محميّة بريطانية تمتدّ حدودها حتى الليطاني وشمال حوران[7].

        بعد هذا التقرير ولدت عند بعض المسؤولين البريطانيين فكرة ربط مصر والعراق بشبكة من الخطوط الحديديّة وإخضاع المنطقة بكاملها للسيطرة البريطانية وإبعاد فرنسا عنها كليّةً[8]. هنا بدأ صراع خفيّ بين الدولتين المتحالفتين.                          

ب – العامل الثاني : دخول الحركة الصهيونية على الخط.

        ألحّ الصهيونيّون على بريطانيا كي تساعدهم على انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، فكان وعد بلفور الصادر في 2 تشرين الثاني 1917، تعهّد فيه وزير الخارجية البريطاني، باسم حكومته، بالعمل على انشاء هذا الوطن. شكّل وعد بلفور أوّل خرق واضح لاتفاق سايكس-بيكو.

ج- العامل الثالث هو الضغط الذي مارسه الرأي العام العالمي :

        لقد ارتفعت في أواخر الحرب في عدد من الدول الأوروبية وفي أميركا أصوات تندّد بالاستعمار وتعارض ضمّ أراض جديدة إلى الامبراطوريات الاستعمارية القائمة، ما أربك حكومتي لندن وباريس ووضع على المحك اتفاق سايكس-بيكو.

د – العامل الرابع هو مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها الذي نادى به الرئيس الأميركي ولسون.

        دخلت الولايات المتحدة الحرب في نيسان 1917. وفي 8 كانون الثاني 1918، ألقى الرئيس ولسون خطبة في مجلس الشيوخ حدّد فيها في 14 نقطة الأهداف التي تبغي الولايات المتحدة تحقيقها من دخولها الحرب، وقد عُرفت هذه النقاط بمبادئ ولسون الأربعة عشر، وأهمها على الاطلاق مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها. تطرّق المبدأ الثاني عشر إلى مستقبل الأراضي العثمانية التي تسكنها شعوبٌ غير تركيّة العرق، فأكّد أنّه يجب أن تؤمّن لهذه الشعوب إمكانية العيش بسلام وإمكانية التطوّر الذاتي، دون أن تتعرّض لأيّة ضغوط[9].

        تشكّل مبادئ ولسون إشارات واضحة إلى رفض الاتفاقات السرّية الحليفة وعلى رأسها اتفاق سايكس-بيكو.    

       

ه – العامل الخامس هو التقسيم الذي اعتمده اللنبي (Allenby)للأراضي العثمانية المحتلّة في 23 تشرين الأوّل 1918.

        بعد انسحاب الجيش التركي وسيطرة الحلفاء على المنطقة، أعلن الجنرال اللنبي القائد الأعلى للجيوش

الحليفة، تقسيمًا عسكريًا مؤقّتا للأراضي المحتلة، فأوكل بإدارة المنطقة الجنوبية، أي فلسطين إلى البريطانيّين، وبالساحل السوري اللبناني مع المتصرفية وسهل البقاع إلى الفرنسيّين، وبالمنطقة الشرقيّة أي سوريا الداخلية مع مدنها الكبرى إلى الأمير فيصل قائد القوات العربيّة. أمّا العراق بجنوبه وشماله فظلّ في قبضة بريطانيا. هكذا تبخّرت منطقتا "أ" و "ب" من اتفاق سايكس-بيكو وكانتا تضمان قسمًا كبيرًا من شمال العراق مع مدينتي الموصل وكركوك.

 

و – العامل السادس هو تخلّي فرنسا على كُرهٍ منها عن فلسطين والموصل وتكريس التقسيم الذي قام به اللنبي.

        في لقاءٍ خاص عُقد في لندن بين كليمنصو ولويد جورج (Lloyd George)في أواخر العام 1918، أي قبل انعقاد مؤتمر الصلح بأسابيع، أصرّ لويد جورج على زميله الفرنسي كي يتخلّى لبريطانيا نهائيًا عن فلسطين والموصل. قَبِلَ كليمنصو مكرهًا. لم يكن باستطاعة فرنسا آنذاك الوقوف في وجه بريطانيا لأنها كانت بحاجة إلى دعمها ضدّ المانيا في مؤتمر الصلح ، ولأن لندن كانت تحشد في الشرق الأوسط، على مختلف جبهات القتال، ما لا يقل عن المليون جندي وكانت تحظى بتأييد واسع في صفوف العرب وفي صفوف الحركة الصهيونيّة. أمّا فرنسا فلم تشارك في القتال إلّا بسبعة آلاف جندي على جبهة فلسطين، وهذا الوجود العسكري الضعيف والدعاية التي وجهتها ضدّها الاستخبارات البريطانية والموقف العدائي الذي اتخذه منها الملك حسين وابناؤه واتخذته الحركات القوميّة العربيّة والمنظّمة الصهيونية ضيّقت أمامها مجال المناورة.

 

ز – العامل السابع هو إقرار مبدأ الانتداب في مؤتمر الصلح.

        مع معاهدة فرساي (Versailles)، صدّق مؤتمر الصلح على ميثاق عصبة الأمم في حزيران 1919. وقد نصّت المادة 22 منه على ولادة نظام الانتداب وأطاحت بجوهر اتفاق سايكس-بيكو الذي يندرج في سياق الاتفاقات الاستعمارية. اعترفت هذه المادة باستقلال الولايات العربية المسلوخة عن السلطنة العثمانية بشرط أن تساعدَها دولةٌ متقدّمة في إدارة شؤونها ريثما تُصبح قادرةً على ادارتها بنفسها. وقد ورد في الفقرة الرابعة من هذه المادة ما حرفيّته :

        "إن بعض المجموعات التي كانت خاضعة في السابق للسلطنة العثمانية بلغت درجةً من التطوّر تسمح بالاعتراف بها أُممًا مستقلة، شرط أن توجّه ادارتها نصائحُ دولةٍ منتدبة ومساعدتُها، إلى أن تصبح قادرة على إدارة شؤونها بنفسها"[10].

        نذكر هنا بأنّ مجلس الحلفاء الأعلى الذي انعقد في سان ريمو في إيطاليا في نيسان 1920 أقرّ الانتداب الفرنسي على سوريا ومن ضمنها لبنان والانتداب البريطاني على فلسطين والعراق.

        صحيحٌ أنّ سلطات الانتداب تصرّفت أحيانا وكأنها تحكم مستعمراتٍ، ولكنّ المسؤولين في باريس ذكّروا المندوبين الساميّين أكثر من مرّة أن مهمّة الدولة المنتدبة هي التوجيه والإرشاد وليس الحكم المباشر. فجورج لايغ (Leygues)، رئيس الوزراء ووزير الخارجية مثلًا، كتب إلى غورو (Gouraud)في كانون الثاني 1921 يقول : "علينا أن نُنظم إدارتي سوريا ولبنان طبقًا لروح ميثاق عصبة الأمم ، أي علينا أن نبتعدَ عن كلّ ما يعطي انطباعا بأنّنا نسعى إلى تحويل سوريا إلى محميّة"[11].

        وبعد عشرة أيام كرّر بريان (Briand)، خليفة لايغ على رأس الحكومة، التوجيهات عينها اذ كتب إلى غورو ما يأتي : "إن الفرق بين نظام الحماية ونظام الانتداب هو أنّه في الأوّل، تُحِلُ الدولة الحامية سيادتها محلّ سيادة الدولة المحميّة، أمّا نظام الانتداب، فهو في جوهره مؤقّت ويهدف إلى جعل سكان الدولة المنتدب عليها قادرين على إدارة شؤونهم بنفسهم. إن دور الدولة المنتدبة اذًا هو إيصال الدولة الواقعة تحت الانتداب إلى الاستقلال"[12].

        يثبتُ هذان الاستشهادان وعشرات النصوص الشبيهة الصادرة عن رجال سياسة ومسؤولين فرنسيين أن الذهنيّة التي أمْلت اتفاق سايكس-بيكو قد سقطت، أقلّه في النصوص أمّا الممارسة، فغالبًا ما كانت مغايرة، ولكن هذا موضوعٌ آخر.

 

ح – العامل الثامن هوَ الضغط الذي مارسه مصطفى كمال على الفرنسيين في كيليكيا.

        كانت كيليكيا تقع، بحسب اتفاق سايكس-بيكو، ضمن المنطقة الزرقاء، أي منطقة الإدارة المباشرة الفرنسيّة. سيطرت عليها القوات البريطانية في أواخر الحرب ثم انسحبت منها ومن المنطقة الساحلية بكاملها لتحلّ محلّها قوّات فرنسيّة. تعرّض الفرنسيون في كيليكيا لضغط عسكري كبير من قِبَل أتباع مصطفى كمال. قرّروا في النهاية الانسحاب منها والتخلّي عن مشروع تحويلها إلى وطن قومي للأرمن الناجين من مذابح الحرب. فعقدوا مع ممثلي مصطفى كمال اتفاقين بهذا الخصوص، الأوّل في لندن في آذار 1921[13] والثاني في أنقرة في تشرين الأوّل 1921[14] أدّيا إلى انسحاب كامل للقوات الفرنسيّة من كيليكيا وتهجير عشرات الآلاف من الأرمن ومن الطوائف المسيحيّة الأخرى.[15]

        على أثر هذا الانسحاب وجّهت بعض الأوساط الأميركية انتقادات إلى فرنسا واتهمتها بعدم القيام بالتزاماتها الدوليّة بتخلّيها عن كيليكيا بدون العودة إلى عصبة الأمم. ربّما استطاعت العصبة، تقول هذه الأوساط، أن تعيّن دولةً أخرى منتدبةً على كيليكيا.

        ردّت وزارة الخارجية الفرنسية على هذه الانتقادات مذكرةً بأن فرنسا لم تكن منتدبةً على كيليكيا وبأنّ الانتداب الذي حصلت عليه كان محصورًا بسوريا، وبأنّ وجودها في هذه المنطقة من الأناضول كان مؤقتًا ويعتبر احتلالًا لأرضٍ معادية، وبأنّها وقّعت اتفاق أنقرة لتُحلّ السلام على حدود سوريا الشمالية وبأنّه من غير المعقول أن تقبل دولة أخرى بالوصاية على كيليكيا في ظلّ مقاومة الكماليين الشرسة[16].

        لا ذكر في هذا الجواب لاتفاق سايكس-بيكو على الرغم من أنّه كان المبرّر الاوّل للوجود الفرنسي في هذا الجزء من آسيا الصغرى، وكأنّي بوزارة الخارجيّة الفرنسيّة أرادت أن تتجنّب التذكير بهذا الاتفاق الذي لم يجلب لفرنسا الّا الويلات.

 

4 – ارتدادات اتفاق سايكس-بيكو على الشرق الأدنى وعلى الدولتين البريطانية والفرنسية.

        إنّ الاتفاق السرّي الأوّل المتعلّق بالقسطنطينية وبالمضائق الذي عقده الحلفاء مع روسيا في العام 1915 سقط مع سقوط الحكم القيصري وسيطرة البولشفيك على البلاد بعد ثورة 1917. وإنّ اتفاق سان جان دو موريين الذي أعطى إيطاليا ولاية أضاليا وما جاورها لم يُطبّق هو أيضًا بسبب تصدّي مصطفى كمال لأيّة تجزئة لهضبة الأناضول.

        يبقى اتفاق سايكس-بيكو، لم يُطبّق إلّا جزءٌ يسير منه بعد أن توشّح بوشاح الانتداب : تحوّلت فلسطين إلى وطن قومي للشعب اليهودي، وضُمّ إلى العراق الجزءان العراقيّان من منطقتي "أ" و "ب" مع مدينتي الموصل وكركوك، ما تبقّى من منطقة "ب" توزّع بين شرق الأردن وسوريا والعراق والحجاز، أمّا كيليكيا فاستعادها الكماليّون.

        سرعان ما تخلّت بريطانيا عن العراق وسلّمته إلى فيصل بن الحسين كما سلّمت أخاه عبدالله إمارة شرق الأردن وفصلتها عن فلسطين في العام 1922، واستطاعت أن تحقّق ما تعهّدت به للحركة الصهيونية في وعد بلفور. إنّها تتحمّل مسؤولية زرع الوطن القومي اليهودي الذي تحوّل إلى دولة إسرائيل في قلب العالم العربي، ومسؤولية ما نتج عنه من حروب وويلات وتهجير لمئات الآلاف من الفلسطينيين.

        لننتقل إلى المناطق التي وقعت تحت الإدارة الفرنسيّة.

        رأينا أنّ فرنسا فشلت في كيليكيا. أمّا في سوريا ولبنان فتخبّطت في سياسات متناقضة ولم تستطع منذ البدء أن تفرض رؤيتها لمستقبل هذين البلدين. فحتى أواخر العام 1919، كان همُّها الوحيد التصدّي لبريطانيا التي عملت جاهدةً على التنصّل من اتفاق سايكس-بيكو وعلى ابعاد فرنسا عن المنطقة. ولكنّ إصرار الفرنسيين على ما كانوا يسمّونه "حقوقهم التاريخيّة في الشرق"، أرغم بريطانيا على التراجع وعلى الطلب من فيصل أن يتفق مع الفرنسيين بشأن سوريا.

        إن الحِقْبَة الممتدة من خريف 1919 حتى تموز 1920 هي مهمّة لأنّها شهدت مفاوضات جدّية بين فيصل وكليمنصو (Clemenceau) أسفرت عن توقيع اتفاق بين الطرفين في 6 كانون الثاني 1920 [17]، اعترفت فيه فرنسا باستقلال سوريا وبوحدة أراضيها ، واعترف فيصل بالانتداب الفرنسي على لبنان وتعهّد بطلب المساعدة التقنيّة والمستشارين من فرنسا وبإعطائها الأولويّة في المشاريع والقروض التي تحتاج اليها سوريا. في اليوم الذي وُقّع فيه على الاتفاق وجّهت الخارجيّة الفرنسيّة إلى فيصل رسالة أدرجت فيها إيضاحات حول حدود لبنان التي ستُرسم وفقًا لحقوق اللبنانيين التاريخيّة ولمصالحهم الاقتصادية ولخيارهم الحُرّ. وتؤكّد الرسالة أيضًا على ضرورة الاعتراف بالوضع المميّز لدروز حوران وإعطائِهم استقلالاً ذاتيًا ضمن الدولة السورية.

        كانت مساحة سوريا الفيصليّة المنبثقة من هذا الاتفاق قريبة من مساحة سوريا الحالية، مضافًا اليها لواء الاسكندرونة الذي أُلحق بتركيا في العام 1939.

        تصدّت لاتفاق فيصل – كليمنصو العناصر الوطنيّة المتشدّدة في سوريا التي اعتبرت أنّه بمقدورها رميَ الفرنسيين في البحر، ولم يستطع فيصل كَبْحَها، فأرغمته، في آذار 1920، على التخلّي عن الاتفاق المذكور وعلى إعلان استقلال سوريا الكبرى ووحدة أراضيها بما فيها فلسطين والأقضية الأربعة والمنطقة الساحلية، على أن يحتفظ لبنان بحدود المتصرفية، وايضًا اعلان استقلال العراق ووضع حدٍّ للحكومات العسكرية[18].  أثارت هذه القرارات حفيظة الحلفاء الذين كانوا يعتبرون أنه من حقّهم تقرير مصير الأراضي التي حرّرتها جيوشهم من السيطرة العثمانية، فرفضوها وتوتّرت العلاقات بينهم وبين السوريين، فوقعت معركة ميسلون في تموز 1920 وانتهى معها الحكم الفيصلي في سوريا.

        بعد ميسلون، أعلن الفرنسيون قيام دولة لبنان الكبير بحدوده الحالية وقسّموا سوريا إلى أربع دويلات: دولة دمشق ودولة حلب ودولة العلويّين وأخيرًا دولة الدروز التي أبصرت النور في آذار 1921. أمّا لواء الاسكندرونة، فأعطي استقلالاً ذاتيًا في اطار دولة حلب.

        نزولاً عند رغبة دعاة الوحدة، أنشأ الجنرال غورو في حزيران 1922 الاتحاد الفدرالي السوري الذي ضمّ دول دمشق وحلب والعلويّين وبقي لبنان وجبل الدروز خارجَه. ظلّ الاتحاد الفدرالي قائمًا حتى كانون الأوّل 1924 حين حلّه الجنرال ويغان (Weygand)وأنشأ دولة سوريا التي جمعت دولتي حلب ودمشق بينما استعاد العلويّون استقلالهم الذي احتفظوا به حتى العام 1936 حين ضُمّت دولتهم مع دولة جبل الدروز إلى الوحدة السوريّة، على أثر المفاوضات التي جرت بين الوطنيّين السوريين والحكومة الفرنسيّة لعقد اتفاقية بين الطرفين. أمّا لواء الاسكندرونة فالحق بتركيا كما ذكرنا في العام 1939.

في لبنان الكبير ظلّ الوحدويّون يطالبون بلا هوادة بالانضمام إلى سوريا حتى العام 1936 حين ظهر، في مؤتمر الساحل الذي عُقد في منزل سليم علي سلام في بيروت، تيارٌ بقيادة كاظم الصلخ وعادل عسيران أعلن قبوله بالكيان اللبناني شرط أن يتخلّص من الانتداب. وقد نشر الصلح مقالاً مُسهبًا في الصحف عنوانه: "مشكلة الاتصال والانفصال في لبنان" جاء فيه : "لست أرى من الكوارث الكبرى أن يظلَّ لبنان على شكله الحالي إلى الأجل الذي يُريد (على فرض أنّه متحرّرٌ من السيطرة الأجنبيّة) شريطة أن يعتنقَ منذ اليوم الفكرةَ والقوميةَ العربيّتين. فإنّ انفصاله عن سورية الكبرى العربيّة هوَ عندي كانفصال سورية العربيّة عن العراق العربي؛ أي إنّني لا أجد في الانفصال بأسًا ما دامت تلك القومية تترعرع وتُصان في كلّ قُطْر إلى أن تَثْبُت لهذه الأقطار مصلحتها في الاتحاد فتتحد"[19].

        منذ ذلك الحين بدأت تتبلور الأسس التي قام عليها الميثاق الوطني والتي تتلخّص بتخلّي المسيحيّين عن الحماية الأجنبيّة وبتخلّي المسلمين عن المطالبة بالوحدة.

        أختم بالإجابة على السؤال التالي : لماذا لم تُنشئْ فرنسا منذ البداية دولةً سوريّة موحّدة وانتظرت حتى العام 1936 للقيام بذلك، ولماذا أنشأت دولة لبنان الكبير على الرغم من رفض قسمٍ من أبنائه لهذا الكيان؟

        أُلخصّ جوابي بالآتي :

1.   لم يكن خيار فرنسا في الأساس تجزئةَ سوريا، بل انشاءَ دولة سوريّة موحّدة واسعة المساحة تكون تحت حمايتها. وقد حقّقت هذا الخيار، ولو بصورة غير كاملة، مع سورية الفيصليّة التي نصّ عليها اتفاق فيصل – كليمنصو في 6 كانون الثاني 1920، ولكن السوريّين هم الذين أسقطوا هذا الخيار كما رأينا، ما دفع بالفرنسيّين إلى انشاء كيانات صغيرة على أساس ديني أو مذهبي أو مناطقي تسهُلُ ادارتُها. ولكن علينا أن نذكّر بأنّ العلويين هم الذين طالبو بدولة مستقلّة عن سورية الداخليّة وهم الذين أسقطوا الاتحاد الفدرالي ولم يقبلوا في النهاية بالوحدة إلاّ مكرهين. إن موقف الدروز لا يختلف كثيرًا عن موقف العلويّين وحتى سكّان حلب، العاصمة الاقتصادية لسورية آنذاك. لم يكونوا جميعهم متحمّسين للوحدة. يضاف إلى ذلك أنّ هناك موقف مبدئي أخذت به بعض الفاعِليّات الفرنسيّة والدوليّة يقضي بالدفاع عن حقوق الأقليّات وبالحيلولة دون إخضاعها لحكم مركزي تسيطر عليه أكثريّة دينيّة معيّنة كما كان الوضع في الدولة العثمانية.

        تبقى مسألة لبنان الكبير : إنّ وضعَه يختلف كليًّا عن وضع العلويّين والدروز. كان له كيانٌ خاص تضمنه الدول الكبرى منذ بروتوكول 1861 – 1864. انحصرت المسألة بالنسبة اليه بتوسيع الحدود. وقد أثارها سفراء الدول في استنبول أكثرَ من مرّة قبل سايكس – بيكو بسنين ولكنّهم كانوا يواجَهون دائمًا بالرفض من قِبَل الباب العالي. إنّ المجاعة التي فتكت بسكان المتصرفيّة خلال الحرب دفعت بالبطريرك الماروني وبزعامات أخرى إلى الإصرار على ضمّ البقاع والمدن الساحلية إلى الجبل. أمّا خيار المسؤولين الفرنسيين فكان غير ذلك – ففي مفاوضات فيصل – كليمنصو، رُسمت حدودٌ لم تُدرج في الاتفاق النهائي، أبقت طرابلس خارج لبنان وقسّمت البقاع إلى قسمين بحسب خط يتكوّن من مجرى العاصي ويمتدّ جنوبًا ليتصل بمجرى الليطاني، وأُلحق ما يقع إلى شرقه بسورية وما يقع إلى غربه بلبنان[20]. ووضع روبير دوكاي (Robert de Caix)، الأمين العام للمفوّضيّة العليا في بيروت عدّة تقارير يطالب فيها بإعادة النظر في حدود لبنان. ان المفوّض السامي هنري دو جوفنيل (Henry de Jouvenel)الذي أشرف على وضع الدستور اللبناني كان ينوي تصغير حدود لبنان. وبعد عودته إلى باريس، كتب بهذا الخصوص، في آب 1926، إلى وزير الخارجية الفرنسي[21].

        إن موقف سنّة لبنان الرافض للكيان اللبناني نابعٌ عن فقدانهم السلطة التي كانت بين أيديهم في العهد العثماني، لقد وجدوا أنفسهم معزولين عن إخوانهم وعن مداهم الحيوي في الداخل. يضاف إلى ذلك أن دولة دمشق ومن بعدَها دولة سورية حُرمتا حتى العام 1936 من منفذٍ على البحر. إذا وُضعت الأمور في إطارها التاريخي الصحيح نفهم الدوافع التي جعلت زعماء السنّة في لبنان الكبير يرفضون الكيان الجديد كما رفضوا الدولة العلويّة والدولة الدرزيّة ووعد بلفور.

        بالنسبة إلى فرنسا، فان سايكس – بيكو وبعده الانتداب سمحا لها بالولوج رسميًّا إلى الشرق الأدنى، إلى منطقة كانت في العهد العثماني منطقة نفوذ لها، ولكنّ الارتدادات كانت كارثيّة عليها. كلّفتها حرب كيليكيا والحروب السوريّة الآلاف من القتلى، ما لا تعوّضُ عنه بعض المكاسب الماديّة التي جنتها شركاتها. وقد خرجت من كيليكيا أوّلاً ثمّ من سورية ولبنان في آخر الحرب العالمية الثانية، مهزومةً مهانة، مطأطِئة الرأس، وقد طاردها السوريّون لسنواتٍ بغضبهم وانتقامهم حتى أنّهم أغلقوا في بلادهم المدارسَ الفرنسيّة كافةً.

        وأخيرًا، هل من سايكس – بيكو جديد للشرق الأوسط ؟  انتقلت أوروبا في تطوّرها من الدولة الدينيّة إلى الدولة القوميّة فإلى الاتحادات الواسعة العلمانية. أمّا العرب، فخاضوا بعد الحرب العالمية الأولى تجربة الدولة القومية وفشلوا فيها، وها هم اليوم، بعد الربيع العربي، يتعرّضون لخطر العودة إلى الوراء، إلى الدولة الدينيّة.

إن الصراعات المذهبيّة والإتنيّة الدمويّة التي تشهدها المنطقة والتضييق على الحريّات في المجالات كافةً، والتصفيات المبرمجة التي تتعرّض لها الأقليّات، والتهجر المبرمج أيضًا لمئات الآلاف من السكان إلى أوروبا والفرز المذهبي أو الاتنيّ الذي يتعرّض له آخرون والتدخلات الخارجيّة الجشعة والمشبوهة من قِبل الدول الكبرى ومن قبل بعض الدول الاقليميّة المتنفّذة وغير العربيّة تدفعنا إلى الاعتقاد أنّ هناك شيئًا ما يُعَدّ لإدخال تعديلات على خارطة المنطقة. فلا عجب والحالة هذه أن نشهد في سورية مثلاً ولادة كونفدرالية أو فدرالية شبيهة بالتي انشأتها فرنسا بين 1922 و 1924. ولكنّنا نعتبر أنّ الحل الجذري يكمن في الفصل الكامل بين الدين والسياسة والتركيز على المواطنة والمساواة وحقوق الانسان.

 

 

       

  

         

     

 

 


 

 



[1]راجع حول الهيمنة الأوروبيّة على السلطنة العثمانية وتنافس الدول الكبرى على تركة الرجل المريض :

أنطوان الحكيّم، "الإطار الدولي لولادة لبنان الكبير"، في اليوبيل الذهبي لاستقلال لبنان، مجموعة باحثين، منشورات الجامعة اللبنانية، 1996، ص. 125 – 166.

[2]راجع النص كاملاً في أنطوان الحكيّم وماري كلود بيطار، السلطنة العثمانية، العرب والدول الكبرى، 1914 – 1920 (سلسلة التاريخ بالوثائق، الجزء السادس)، الدار اللبنانية للنشر الجامعي، بيروت، 1981، القسم العربي، ص. 9 – 11.

[3]راجع نص توجيهات بريان إلى جورج – بيكو في المصدر نفسه، القسم الفرنسي، ص. 36 – 43.

[4]لمزيد من التفاصيل راجع محضر اجتماع 21 كانون الأوّل 1915 في المصدر نفسه، ص. 43 – 47.

[5]راجع نص اتفاق سايكس – بيكو كاملاً في المصدر نفسه، القسم الفرنسي، ص. 51 – 55، الوثيقة رقم 6B، وفي :

A.HOKAYEM, D. BOU MALHAB ATALLAH, J. CHARAF, Le démantèlement de l’Empire ottoman et les préludes du mandate : 1914 – 1919 (CollectionDocuments diplomatiques français relatifs à l’histoire du Liban et de la Syrie à l’époque du mandat : 1914 – 1946, t.I.), Les Editions Universitaires du Liban, Beyrouth, l’Harmattan, Paris, 2003, p. 138 – 140, doc. n° 117.

[6]إن برقية بيكو إلى حكومته مؤرّخة في 14 أيار، راجع النص في :

Ibid., p. 227 – 229, doc. n° 198.

[7]راجع حول هذا الموضوع :

Jon KIMCHE, Le second réveil arabe, Paris, R. Laffont, 1970, p. 63 – 65.

[8]Nadine PICAUDOU,La décennie qui ébranla le Moyen-Orient, 1914 – 1923, Ed. Complexes, Bruxelles 1992, p. 82.

[9]راجع النص الكامل لمبادئ ولسون الأربعة عشر في :

E.PRECLIN et P. RENOUVIN, Textes et documents d’histoire, t.4, L’époque contemporaine (Clio XI), Paris, P.U.F., 1957, p. 311 – 313.

[10]راجع نص المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم في :

أنطوان الحكيّم، ماري كلود بيطار، المصدر المذكور، القسم الفرنسي، ص. 304 – 306.

[11]راجع نص برقية لايغ إلى غورو في :

Archives du ministère des Affaires étrangères, France, série E-Levant 1918-1940, Syrie – Liban, v. 35, f° 106-108, télégr. N° 40 – 43 de Georges Leygues au général Gouraud, Paris, 9 janvier 1921.

[12]Ibid., série Papiers d'Agents, Papiers du général Gouraud, P.A., AP399, carton 55, dossier 3 : dépêche n° 95 de Briand à Gouraud, Paris, le 20 janvier 1921.

[13]النص في :

Ibid., serie S.D.N., v.565, f° 82-85.

[14]النص في :

Archives diplomatiques, Nantes, Mandat, Syrie-Liban, Cabinet politique, Carton 1748 ; copie dans Arch. du ministère des A.E., France, P.A., AP399.  

[15]راجع

Arch. du ministère des A.E., France, série E-Levant 1918-1940 , Syrie-Liban, v.169,fe96, télégr. no.58 de Jusserand, amb.de France à Washington, au département des A.E., Washington, le 22 Janvier 1923.     

[16]         Ibid, f° 103-104, télégr. n° 49-50 du Département à l’amb. français à Washington, Paris, le 23 janvier 1923.

[17]راجع نص هذا الاتفاق في :

Antoine Hokayem, Les bouleversements de l’année 1920 au Proche-Orient : le sort des territoires ennemis occupés, (Collection Documents diplomatiques français relatifs à l’histoire du Liban et de la Syrie à l’époque du mandat : 1914 – 1946, t.II), Beyrouth, les Editions Universitaires du Liban, Paris, l’Harmattan, 2012 , p.9-11 , doc.n° 9.        

[18]راجع نص القرار الذي اتخذه المؤتمر السوري العام في 7 آذار 1920 في أنطوان الحكيّم، ماري-كلود بيطار، المصدر المذكور، القسم العربي، ص. 34 – 38، الوثيقة رقم 18C.

[19]كاظم الصلح، مشكلة الاتصال والانفصال في لبنان، (كرّاس من 16 صفحة)، بيروت 1937، ص. 12.

[20]راجع النص قبل الأخير لهذا الاتفاق وهو يحمل تاريخ 30 كانون الأوّل 1919، في :

Antoine HOKAYEM et al  , Le démantèlement…op.cit., p. 783 – 785, doc. n° 700.

[21]راجع الرسالة التي وجّهها جو فنيل إلى وزير الخارجيّة بريان في 3 آب 1926 في :

Arch. Diplomatiques, Nantes, Mandat, Syrie – Liban, Cabinet et Politique, carton 453, dossier “Evolution des institutions libanaises sous le mandat”.