انطلياس في 2014/10/13

رقم الصادر 7/37

 

بيان صادر بمناسبة غياب المفكر الصديق منح بك الصلح

 

        مع غياب منح الصلح تفقد بيروت جزءاً عزيزاً من ذاكرتها التاريخية، وروحها النابضة، وعقلها المتنور. انها تفقد قائداً طليعياً عرف جيداً، وانطلاقاً من إرث عائلي عريق، دقائق القضية اللبنانية، ومثقفاً من نوع خاص فهم الثقافة معاناة يومية مع ابناء وطنه الصغير لبنان، ومع ابناء وطنه الكبير العالم العربي.

        لقد كان منح بك امتداداً للمدرسة الصلحية ومجدداً لها في آن. ومن ابرز مرتكزات هذه المدرسة، الجمع بين العروبة واللبننة. فمنذ منتصف الثلاثينات تبلورت معادلة كانت في اساس الميثاق الوطني اللبناني: التسليم بالانتماء العربي للبنان وتحالفه مع هذا المحيط، مقابل احترام الدول العربية لاستقلال لبنان وسيادته التامة وسلامة حدوده.

        لقد كرّس الراحل حياته لخدمة جملة من المبادئ والقيم الكبرى من ابرزها:

1-  العصرنة في ممارسة الاسلام، ومن هذا الموقع كان يحذّر من المثقف الذي يعتقد ان لا سبيل الى التقدم الا على انقاض الاسلام، ومن المثقف الذي يتوهم بان لا سبيل الى التقدم الا بالعودة الى مؤسسات الماضي تحت زعم أن هذه هي الاسلام بالحقيقة، ولا إسلام إلا هي.

2-  الحوار والتعاون بين المسلمين والمسيحيين في لبنان، وبالعالم العربي أيضاً وخصوصاً، في اطار المواطنية والعدالة والتوازن.

3-  اعلاء راية الفكر النقدي الجريء. فقد اعتبر ان "الفكر هو قيادة"، ولقد دعا الى عدم التساهل مع الذات والوقوف ضد التعصب والاحتكام الى سلاح النقد المستمر البنّاء. وفي ظروف الحروب القاسية التي عاشها الوطن، كان لمنح الصلح ودار الندوة، والمنتديات الثقافية المدنية التي انطلقت منها وحليفاتها، الدور الرائد في مواجهة كل تيارات التعصب، والتأكيد باستمرار على قيم الوحدة اللبنانية والاستقلال والحوار والسيادة والعروبة النهضوية الأداة الأفعل للتحرر ودحر الاحتلال.

4-  كان يعتبر ان لبنان يبقى بين المجتمعات العربية الأكثر شبهاً وتعلقاً بتطلعات النهضة العربية، كالتمسك بالحريات الشخصية والعامة، والانفتاح على منجزات الحضارة الكونية، والمساواة والنظرة المتقدمة لمعنى الوطن ومعنى الدين الجامع.

5-  في هذا السياق اعتبر ان عهد اللبنانية السهلة قد انقضى ليبدأ عهد اللبنانية الصعبة التي تتطلب من التضحية والاتكال على النفس وفهم الذات والآخر فوق ما يتطلبه الكثير من الوطنيات في العالم.

6-  مع دعوته للمتنورين والمخلصين من اللبنانيين للقيام بالاصلاح وترسيخ الدولة اللبنانية على اسس العدالة والانماء والتقدم، فانه كان يحذر، في الآن نفسه، من كل القوى التي كانت تخطط للانهيار ليس فقط للبنان وانما لمجمل المنطقة العربية.

7-  عام 1982، ابان الحصار الاسرائيلي للعاصمة، بقي منح الصلح في بيروت، وكان قطباً بارزاً في الاجتماعات الاسلامية والوطنية التي كانت تعقد في منزل الرئيس صائب سلام، وكان احياناً كثيرة يكلف بصياغة البيانات الصادرة عنها واعلانها.

    في زمن انفلات غرائز التعصب وأخطارها، ونماذجها "الداعشية" بالافكار والمسالك البربرية، على المشرق العربي وعلى لبنان، يغيب وجه دعا دائماً، على غرار اللبنانية الصعبة، إلى العروبة الصعبة التي تتطلب من التضحية والاتكال على النفس وفهم الذات والآخر فوق ما تتطلبه الكثير من الوطنيات في العالم.

       ان الحركة الثقافية – انطلياس التي كان لها شرف تكريم منح الصلح عام 1995 في المهرجان اللبناني للكتاب كأحد اعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي، والتي تآزرت دوماً مع "دار الندوة" وهيئات  مدنية لبنانية أخرى،  دفاعاً عن القيم الوطنية الكبرى، تتقدم من اقاربه واصدقائه ومحبيه الكثر باعمق مشاعر التعزية، وهي على يقين من ان امثاله الكبار يستمرون خالدين في ضمير الشعب والوطن.

 

                                            الحركة الثقافية – انطلياس

2014/10/13