انطلياس في 2005/6/3

رقم الصادر 26/27

 تحيَّة إلى الشهيد سمير قصير

       الذين اختاروا أن يزاولوا الأحداث الجسام بالمراقبة والترقُّب، يسهل عليهم اعتبار اغتيال سمير قصير مجرَّد حلقة إضافية في السلسلة الطويلة من الإجرام السياسي الذي يريدونه ملازماً "جوهريا" لتاريخ لبنان! إلاَّ أن الواقعة، بفرادة مأساويتها ودلالاتها، تعصى على إدراجها في سياق المألوف التاريخي: ففي ضبابية أدغال القمع والاستبداد المعاند لمزامنة العصر، تتجاوز الشجاعة صفتها الأخلاقية المحض لتغدو، أيضاً وخصوصاً، منارة وحيدة، وربَّما يتيمة، ترشد العقل والوجدان إلى الحقيقة الوطنية الشاملة التي إسمها الديمقراطية والحرية والسيادة المنتزعة.

       شجاعاً كان سمير قصير، مثالاً نادراً من الشجاعة، مرعباً بشجاعته؛

       ناصعاً اختار عن سابق تصميم السكن في جفن الردى ولم يكن انتحارياً بل محبّاً للحياة التي لم يفصل صورتها عن طموحاته؛

       ثاقباً تتشظَّى من تحت قلمه الحقائق والوقائع بأسمائها الحقيقية؛

       "معلَّماً" جامعياً؛

       محاوراً ممارساً تبادل الأفكار والهموم والتطلعات لاستيلادها في مختبر تواصل المختلفين في التوجُّهات والمذاهب والأصقاع والأجيال؛

       أخّاذاً بحضوره، بهيَّ الطلعة، مشرقاً؛

       مؤرَّخاً (ومن ينسى تأريخه لبيروت المعشوقة بماضيها وحاضرها... والآتي؟) وبعد 14 آذار: بيروت النموذج العربي، ملمح التفاؤل الأساسي والرهان على نهضة عربية معاصرة من خيبات الانحطاط، لا تزال تعمل على تجذيرها قوى الاستبداد. وكم يبدو قاسياً تغييب "حضور" فاجعته الساخنة الدم في منازعات هي أخفت بكثير من وهج ذكراه!

       لكنَّ الحزن الهادر على امتداد الوطن، أحال قاتليه إلى حفنة على طريق الزوال تثير نحوها مزيجاً غريباً من مشاعر الغضب والشفقة والازدراء والقرف!

       سمير قصير علَم كبير في حياتنا، في الثقافة والسياسة والوطنية والقيم الكبرى، رسَّخه الاغتيال البربري عميقاً في الوجدان اللبناني والعربي، جارفاً مرتكبيه الصغار إياهم، بعد العقاب العادل، إلى الزوايا الأكثر عتمة.

                                                      

الحركـة الثقافيـة - انطليـاس