تحيّة إلى أنطوان مالك طوق

 

مع رحيل الصديق والرفيق أنطوان مالك طوق تخسر التربية والثقافة والوطنيّة واحدًا من فرسانها الكبار.

 

منذ انتسابه لقسم الفلسفة في كلّيّة الآداب-الجامعة اللبنانيّة، كان أنطوان من الأركان المؤسّسين لحركة الوعي، وقاد مع رفاقه التحرّكات المطلبيّة الّتي كانت مجال درس لأهمّيّتها في تاريخ الحركة الطلاّبيّة في لبنان. وكان مميّزًا في كتابة وتصميم المنشورات والشعارات المختلفة الّتي كنّا نوزّعها ونرفعها إبّان التظاهرات.

كانت أطروحته، عند التخرّج، بعنوان (النقد الاجتماعيّ في أدب جبران)، وقد اتّصفت بالعمق والدقّة على صعيديّ الشكل والمضمون.

من والده الأستاذ مالك حمل شعلة العمل التربويّ فَدَرّس مادّة الفلسفة في ثانويّة بشرّي الرسميّة وفي مدارس القضاء كراهبات السانت تريز-حدشيت، ومدرسة السيّدة للرهبنة الأنطونيّة في حصرون، وكان مديرًا لدار المعلّمين في بشرّي. وقد تخرّج على يديه الأفواج المتواليّة من الطلبة والمعلّمين.

ومن الوالد أيضًا ورث حسّ القيادة على صعيديّ العائلة والبلدة. فانتخب رئيسًا لجمعيّة الشبيبة البشرّاويّة ورئيسًا لحركة شباب بشرّي، ورئيسًا لرابطة آل طوق. وقد خاض بهذه الصفات تحرّكات مطلبيّة دافعت عن حقوق بشرّي عمومًا وآل طوق خصوصًا على كافّة أصعدة الإنماء.

كان عضوًا فاعلًا في لجنة جبران الوطنيّة، وكان المحرّك لتنظيم "ليلة شعر وموسيقى وكاس نبيذ"، الاحتفال السنويّ، في أوتيل شباط، حيث تمّ تكريم أسعد السبعلي، وزكي ناصيف ووليد غلميّة ومالك طوق وصحيفة النهار في ذكرى مرور 70 سنة على ولادتها. وكانت هذه الليلة محطّة ينتظرها المثقّفون من مختلف المناطق اللبنانيّة.

كان، مع كاتب هذا المقال، وراء فكرة إنشاء الهيئة الدائمة لتاريخ جبّة بشرّي. وقد أشرفا على تنظيم وطباعة ثلاثة مجلّدات ضخمة عن أعمال ثلاثة مؤتمرات حملت عنوان "جبّة بشرّي في المرحلة العثمانيّة" . وهذه المؤتمرات عُقدت في أوتيل "بالاس" عام 1994، وأوتيل "شباط" عام 1997، وعام 2003.

لقد درست محاضرات هذه المؤتمرات التاريخ الديمغرافيّ، والاقتصاديّ، والاجتماعيّ، والديني، والسياسي، والتربويّ والثقافي، والحضارة الماديةّ لجبّة بشرّي بين  1516      و 1918.كذلك نظّمت الهيئة الدائمة مؤتمرًا عن "حدث الجبّة في التاريخ". وكانت التوصيات الصادرة عن هذه المؤتمرات لا تقلّ أهمّيّة عن جدة أبحاثها. ولا يمكن دراسة تاريخ الجبّة في هذا المرحلة دون العودة إليها.

أصدر أنطوان مالك طوق ستّة دواوين شعر بالفصحى والعامّيّة، وهي على التوالي :

- فليخنق الراوية وليرجم السحار، 1982، بالفصحى.

- مرا إلّا نتفة، 1996، بالعاميّة.

- ميرا، 1999، بالعامّيّة.

- خيّال عَ ضهر الفرس، 2002، بالعامّيّة.

- امرأة متعدّدة، 2011، بالفصحى.

- قبيلة وما حدا، 2014، بالعامّيّة.

وضع وشارك في تأليف سيناريوهات لأفلام بارزة. ومن أهمّها :

- قنوبين وتاريخ بشرّي.

- صوت، عن الإنسان والأرض في بشرّي نال جائزة برغمن في فنلندا.

- عرس، فيلم روائيّ طويل، قيد التنفيذ.

- قريبا من السّماء، وبين السّماء والأرض بالتعاون مع الأستاذ ميلاد طوق.

حقّق وأشرف على طبع ديوان شاعر العتابا الياس النجّار فقام بتفريغ ألف شريط كاسيت لإنقاذ هذا العبقريّ الشعبيّ من النسيان.

وحمله إخلاصه لوالده على جمع أبرز إنتاجه وإصداره في مجلّدين كبيرين، عام 2018، رغم وطأة الألم من المرض العضال الّذي كان يعاني منه.

كان أنطوان، خلال كلّ مراحل حياته، يهتمّ بالأرض ويزرع بستانه، في "الربعة" بكلّ أنواع الخضار والأثمار. ويُتقن شيل العرق المثلثّ، والخلّ من التفّاح.

كان يُتقن فنّ الصداقة والحوار مع الشعراء والأدباء والمثقّفين من كل ّالطوائف. وكان يحرص أن يعطي لمدينة المقدمين صورة مشرقة في احترام الآخر. وكم كان حضور عبّاس بيضون ومحمّد العبد الله وشوقي بزيع وجودت فخر الدين وغيرهم محطّ تكريم ومحبّة في المناسبات  الثقافيّة البشرّاويّة الّتي كان أنطوان لولبها.

ويا صديقي أنطوان،

رفاقك في حركة الوعي، وفي الحركة الثقافيّة – انطلياس، وكلّ محبّيك وقادريك، يعيشون صدمة الفراق. كلّهم يعرفون عمق وطنيّتك وثقافتك والتزامك الثابت بمصالح الشعب والوطن ونضالك الموصول لانتصار العدالة في مجتمعنا.

أيّها الفارس الشجاع الّذي ترجّل والمعركة ضدّ ناهبي شعبنا وسارقي اقتصادنا ومخرّبي دولتنا ومزوّري شهاداتنا التربويّة والعاملين بكلّ الوسائل المشبوهة لانهيارنا، هذه المعركة لا تزال في أوّلها.

يا صديقي أنطوان، نمّ قرير العين قرب جبران النابغة الّذي أحببت، ومالك الوالد الّذي ترسّمت خطاه. فعائلتك الصغيرة، والعائلة الكبيرة، وكلّ المخلصين والأحرار في بشرّي ولبنان، في ذكرى مرور مئة عام على إعلان لبنان الكبير، سيبقون أمناء على الرسالة الّتي نذرت حياتك لخدمتها. سيبقون أمناء ومدافعين أشدّاء عن استقلال الدولة اللبنانيّة وعن  أنواع الخضار والأثمار. عضال الّذي كان يعاني منه. ات الحقوق الإنسان في هذا الدولة. وسيستمرّون في نضالهم من خلال الثقافة وغير الثقافة، دفاعًا عن الوطن الّذي بناه لنا الأجداد. ويحاول المخرّبون والعملاء اليوم من خلال الإغراق الديمغرافي الخارجيّ والتسويات المشبوهة والخريطة الجديدة للمنطقة أن يمرّروا الحلول على حسابنا.

في آذار القادم، في المهرجان اللبنانيّ للكتاب، المناسبة الّتي كنت لا تفوّتها كلّ عام، سنعدّ ملفًّا مفصّلًا عن إنجازاتك المميّزة، وسنلتقي في حوار واسع حول تجربتك وتجربة جيلك الغنيّة.

إنّ أمثالك سيبقون خالدين في ضمير شعبهم ووطنهم وسيبقون النموذج والمثال لأجيال شعبنا الآتية.

 

في، 6/8/2019

د. عصام خليفة

الأمين العام للحركة الثقافيّة-انطلياس