تكريم أعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي

في يوم المعلم

الدّكتور أنطوان خاطر

قدّمه المطران مارون ناصر الجميّل

والدّكتور شاكر جبران

قدّمه الدكتور جورج يونس

أدار اللقاء: الأستاذ منير سلامة

في يوم المعلّم، كرّمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" علمين من أرباب العلم والتعليم، هما: الدّكتور أنطوان خاطر الذي قدّمه سيادة المطران مارون ناصر الجميّل،والدّكتور شاكر جبران الذيقدّمه الدكتور جورج يونس، وأدار الأستاذ منير سلامة هذا الاحتفال التّكريمي أمام حشد غفير من المعلّمين والمهتمِّين والأصدقاء والأهل.

 

تساءل مدير الندوة الأستاذ منير سلامة عمّا إذا كان يوم التاسع من آذار قد تحوَّلإلى مجرّد ذكرى سنوية يُطلق عليها اسم "عيد المعلّم" في هذا الزمن الرديء، وعمَّا إذا كان التعليم في لبنان لا يزال باقة من القيم المجتمعيّة والوطنيّة التي يتولّى المعلّم حراستها، قبل أن يعرّف بالمكرّمَين اللذين عبّدا دروب العلم أمام آلاف الطلاب على مرّ السّنين، وهما: الدكتور أنطوان خاطر، الأديب والأستاذ واللغوي والباحث والمؤلّف والمترجم والعارف الضليع بعدد كبير من اللغات والعالم في اللاهوت، والدكتور شاكر جبران، عالِم الرياضيات، الأستاذ والمشرف على تعديل المناهج الدراسية، في المدارس والجامعات، ومؤلف كتبها التي لا يزال طلاب لبنان ومعلموه يستعملونها ، وبصيغها المجدَّدة، على مدى نيف وأربعة عقود .

 

في تقديم الدكتور أنطوان خاطر، كانت الكلمة لسيادة المطران مارون ناصر الجميّلالذي عبّر عن امتنانه وتقديره "للحركة الثقافية" التي أفسحت له مجال التكلّم في تكريم الدّكتور خاطر، وسمّاه الرّسول مستعيرًا بيتًا من قصيدة أحمد شوقي التي يقول فيها:    

قم   للمعلم   وفِّه     التبجيلا        كـادَ المعلِّمُ أنْ يكونَ رسولا

أرأيتَ أكرمَ أو أحب من الذي        يبني  ويُنشئ أنفساً  وعقولا

فالدكتور خاطر رسول بكلّ ما للكلمة من معنى. وخير شاهد على ذلك مسيرته الدراسية والأكاديمية، ابتداءً من مدرسة الرعيَّة ومدرسة المرسلين اللبنانيِّين، إلى الجامعة الحبريَّة في سلمنكا وجامعة غرناطة  في أسبانيا بحيث غدا من أبرع اللبنانيين، وربما العرب أيضاً، في تعليم اللغة الأسبانية والترجمة منها وإليها بخاصة إزاء العربية، مدعماً في ذلك بمعرفته المعمَّقة باللغات القديمة وبلأخص اللاتينية والسريانية، فمعهد الآداب الشرقيَّة في بيروت، ثمّ تحصيل إجازة وماجستير في اللاهوت، وفي العلوم الشرقيَّة، وفي الدراسات العربيَّة والساميَّات، ووصولاً إلى نيله الدكتوراه في اللاهوت من جامعة الروح القدس – الكسليك، وكان قد تجاوز الثمانين من عمره، وقد اقترحتُ عليه بأن يقوم بإجراءات تبليغ لجنة كتاب غينيس الشهير للأرقام القياسية بهذه المأثرة الفريدة التي أنجزها هذا العلَم اللبناني المميز الدكتور أنطوان خاطر، ولا زلت ألحُّ عليه للمبادرة إلى ذلك من غير تأخر. وقد كان لي شخصياً شرف الاشراف على هذه الأطروحة الجامعية المميزة بمضمونها، وبمؤلفها، وبظروف إعدادها، وبثراء منهجها ولغاتها، والتي أعتبرُها من أهم ما قمت به من إشراف على مدى مسيرتي كأستاذ جامعي. وتشهد على ذلك أيضًا أنشطته المِهْنيَّة في مدارس الحكمة ودار المعلِّمين ومدرسة الرابطة اللبنانيَّة ومدرسة سيِّدة الجمهور وكليَّة الآداب في الجامعة اللبنانيَّة، فضلاً عن إنتاجه الكتابيّ في التأليف والترجمة ومقالاته وبحوثه ومحاضراته،  ناهيك عن تنشئته الإيمانية والفكرية والأخلاقية وتحلّيه بكلّ خصال المعلّم النّاجح، إذ كان صبورًا وملمًّا بمادّة التعليم ومنضبطًا ومخلصًا ومثقّفًا ومحبًّا وعادلاً ورصينًا ومتواضعًا ومعطاء.

 

        وتُرك المنبر للمحتفى به الدكتور أنطوان خاطر الذي تحدّث عن المبادئ التي لطالما كانت المحرّك الأوَّل لسلوكه طوال السنين، وعلى رأسها  الإنسان الذي هو "أسمى قيمة في الكون" استثمرها في سعي دؤوب إلى كمال النفس وخير الإنسان ونفع بني جنسه. ثمّ قال إنّ فخر المعلّم-المربّي يكمن في الطلاب الذين يساعدهم على شقّ دروبهم وكشف إمكانات مهاراتهم لهم والمشاركة معهم في تنميتها للانطلاق في مجالات الحياة كافّة. وفي ختام كلمته، توجّه بالشكر إلى أركان "الحركة الثقافية-أنطلياس" وسمّا العامَّينَهم رسلاً في التربية والتعليم العامَّين وتعميم الثقافة.

 

أمّا في تقديم الدّكتور شاكر جبران، فقد تُرك المنبر للدكتور جورج يونس، المدير العام الأسبق لوزارة التربية الوطنية، الذي أعرب عن سعادته للمشاركة في حفل تكريم اثنين من دعاة العقل والعلم والأخلاق، شاكرًا وافر الشكر "الحركة الثقافية-أنطلياس" لمواظبتها الدائمة على تعويض التقصير الفاضح من قِبل المراجع الرسمية وغيابها شبه الدائم عن واجب تكريم من ضحّى بإخلاص في سبيل المصلحة العامة. وتحدّث عن مسيرة الدكتور جبران التعليمية، فقال إنه  تخرّج في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية حاملاً شهادتين في الرياضيات وفي الفيزياء، ونال شهادة الكفاءة للتعليم الثانوي من كلية التربية قبل أن يتابع الدراسات العليا في فرنسا ويتوّجها بدكتوراه في الرياضيات التطبيقية. وخاض غمار تجربة مهنية غنية تمحورت حول التدريس الثانوي في عدد من المدارس الخاصة والرسمية، والجامعي في كليّتَي العلوم والهندسة في الجامعة اللبنانية، وفي الكلّيّة الحربية، إلى جانب إسهامه في إعداد المناهج الجديدة التي اعتمدتها كلّيّة إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية، وفي إنشاء أوّل تعاونية لأساتذة الجامعة اللبنانية. ثمّ قدّم الدكتور يونس لمحة عن العلاقة الشخصية التي جمعته بالمحتفى به وأشاد بتفانيه في خدمة رسالة التعليم التي كانت، بخاصة عشية الامتحانات الطالبية تبلغ حدّ "التنسك" برفقة الكتب والمناهج، منقطعاً كلياً عن الجميع، للاختلاء بنفسه لوضع أسئلة الامتحانات، التي، عند عرضها لاحقاً على زملائه أعضاء لجنة الامتحانات الرسمية المدرسية والجامعية لم تكن تجد منهم دائماً إلاَّ الموافقة التامة والاطراء على جهد معدِّها ودقَّته ومهارته التي لم تخطئ مرِّةً علم مدى نيِّف وأربعة عقود! وشدّد الدكتور يونس أخيراً على أنّ لبنان بحاجة دائمة إلى أمثاله من ذوي الرصانة والتضحية ونكران الذات.

 

 وترك المنبر للمحتفى به الدكتور شاكر جبران الذي شكر الالتفاتة السخية التي خصّته بها "الحركة الثقافية-أنطلياس"، مؤكّدًا على أنّ هذه "الحركة" هي علامة فارقة على هامة الثقافة في لبنان. وتحدّث عن شغفه الدائم بـ"معضلات العقل ومعارجه"، وبـ"الوجدان ومنبسطاته"، ساعيًا إلى التوفيق ما بين الاثنين، فلا يسيطر واحدهما على الآخر. وشارك المجتمعين بعضًا من أبرز المواقف التي صادفته في خلال حياته المهنية الطويلة والمعطاءة، وبخاصة خلال الحرب الطويلة التي جاهد فيها للابقاء على وحدة الجامعة اللبنانية والمحافظة على  الامتحانات الرسمية موحدة وواحدة ومتزامنة في كل المناطق اللبنانية، وقد اقتضاه ذلك أحياناً استعمال طائرات الهليكوبتر للجيش اللبناني لتنفيذ هذه المهمة التربوية الوطنية.

وكانت كلمات مداخلات-شهادات في المعلِّمين ألقاها على التوالي الأساتذة: طلال نادر ومفيد سكاف وشربل كفوري  وميشال معلولي واسعد الاتات  وراغدة جبور ومحمد زعيتر. 

 

    وفي ختام هذا الاحتفال الكبير بعيد المعلم ، قدّم الدكتور عصام خليفة والاستاذ جوزف هيدموس باسم "الحركة الثقافية – أنطلياس" إلىكل من المعلِّمَين العلَمين المكرِّمَينالمحتفى بهما، الشعار التكريمي الخاص بالحركة، ونسخة عن النصّ الأصليّ لعاميّة أنطلياس الشهيرة، عاميّة 1840.