تكريم أعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي

الدّكتور جورج قرم

قدّمت التّكريم:الأستاذة بسكال لحّود

أدار اللقاء: الدكتور عصام خليفة

       كرّمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" علم الثقافة اللبناني ووزير الماليّة السّابق، الدكتور جورج قرم، الأستاذ المتميّز في الجامعات اللبنانية وجامعات ومعاهد أخرى والأكاديمي الذي فرض حضور لبنان في أعرق جامعات الغرب، مكرّمةً من خلاله عائلة حملت همّ الثقافة والوطنية. وعرّف به الدكتور عصام خليفة، الأمين العام "للحركة الثقافية-أنطلياس"، قائلاً إنّه في طليعة المثقّفين اللبنانيين، باعتباره مثقّفًا موسوعيًّا واقتصاديًّا مخضرمًا ومؤرّخًا وأستاذًا وإننساناً صادقًا وشفّافًا وملتزمًا، ومناديًا بعلمانيّة الدولة والمجتمع والثقافة والتربية، ومدافعًا صلبًا عن مصالح لبنان وعن القضيّة الفلسطينيّة. وأمل الدّكتور خليفة أن يستمرّ الدّكتور قرم في عطائه وفي مسعاه إلى مخاطبة العقلين الغربي والشرقي، قبل أن يترك المنبر للأستاذة بسكال لحّود، نائب رئيس الجامعة الأنطونية للشؤون الثقافية.

 

        أعربت الأستاذة بسكال لحّود عن وقوفها عاجزة أمام شخصيّة الدّكتور جورج قرم المتشعّبة، هذا "المثقّف التنويري" الذي "قاد الكتابة حربًا على التعميم" كما وصفته، فأصبح "علمًا في ثقافة المقاومة الفكرية" وفي طليعة الدّعاة إلى تجديد علم الاقتصاد والعودة إلى قيم الأخلاق الاقتصادية. وقدّمت قراءة وافية لمؤلّفات الدكتور قرم التي تربو على الثّلاثين، وتحدّثت عن الأسباب التي دفعته إلى الكتابة، مشدّدةً على أنّ "مؤلّفات قرم جميعها هي حرب على السّذاجة". فهو يكتب أوّلاً ليصبح هو نفسه ممكنًا، وثانيًا ليرتّب العالم من حوله ولكي "يجعل الأحلام التي انكسرت ممكنة مجدّدًا"، وثالثًا لكي يتغلّب على عدوّين لدودين، هما: الفشل والسّذاجة، فيستنهض قرّاءه ويحرّضهم على ديناميكيّة الفشل، ويقدّم لهم "تاريخًا أكثر ذكاءً وأجوبة أقلّ سذاجة" وتاريخًا "لاهيغليًّا لا تحدّه فطرة الأجناس إلاّ بقدر ما تصبح الحتميّات التاريخية شرطًا لممارسة الدّيموقراطيّة"، ويقارع السذاجة الماكيافيليّة بسذاجة إنجيليّة. فمن أقوال الدّكتور قرم حول السبب الذي يدفعه إلى الكتابة: "أكتب لأضع رحمةً حيث الكلمات يمكن أن تفتعل مجازر. أكتب من أجل دين توحيديّ متسامح."

 

        أما المحتفى به فشكر في بداية كلمته "الحركة الثقافية-أنطلياس" لتكريمه، ثم تحدّث عن بعض الأشخاص الّذين أثّروا فيه مثل الصحافي جورج نقّاش، والأب يواكيم مبارك، والدكتور حسن صعب،  وشخصيّات أدّت دورًا فاعلاً في تاريخ الجزائر مثل محمّد يازيد وعبد المالك تمّام، رئيس البنك الوطني الجزائري سابقًا، الذي قال للدكتور قرم ذات يوم في سبعينات القرن المنصرم إنّ الكتابة لا تنفع في زمن العواصف، وإنّ مقالة صحافية لا يمكنها تغيير الواقع. وعلى صعيد الفلسفة السياسية، تأثّر جدًّا بالدّكتور ناصيف نصّار واعتبر أنّ كتاباته "منارة كبيرة". وكوّن أفكاره الإسلامية من خلال قراءات مؤلّفات أحمد الأمين وطه حسين وعلي عبد الرازق، وقرأ أيضًا لمشايخ الأزهر وكتّاب مدنيّين مثل ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران، وانتقد ما سمّاه "تزّمت" الأخيرين و"الثّنائيّة القاتلة" لديهما في الفصل بين الشرق والغرب. بالإضافة إلى ذلك، تحدّث الدّكتور قرم عن تأثّره بالتّنويريّين العرب والتّنوير الأوروبي والقيم الجمهوريّة الاكثر تألقاً وحضوراً في عالمنا المعاصر. وتطرّق أيضًا إلى رسالة الدكتوراه التي أعدّها بعنوان: "تعدّد الأديان وأنظمة الحكم" التي أنهى كتابتها في العام 1969، معتبرًا أنّها ساعدته على "كسر النّرجسيّة اللّبنانيّة" والصّور النّمطيّة القائلة إنّ لبنان وحده بلد التّعايش والتّسامح، ولا سيّما أنّ هذا التّعايش لا يظهر راهنًا في ظلّ هذا الانقسام المذهبيّ والطّائفيّ الحاصل، وثمة بلاد كثيرة متعددة في شرقنا، الهند نموذجها الاسطع.

         وكانت شهادات بالمحتفى به ألقاها كل من الدكاترة ناصيف نصَّار، ومهى نعمة، وزياد حافظ، وفاديا كيوان، ويحيى الحكيم، ونجيب عيسى.

 

        وفي الختام قدّمت المحامية حياة هاشم والدكتور أنطوان سيف باسم " الحركة الثقافية- أنطلياس" شعار "الحركة" إلى المحتفى به مع نسخة عن "النصّ الأصليّ لعاميّة أنطلياس الشهيرة، عاميّة 1840.