عن أي موريس معلوف أتكلّم؟

مي منسى

سؤال سها عن بالي  يوم طلبت من  صديقي موريس معلوف أن ينعش  ذاكرتي  بعناوين من سيرته المديدة  في التمثيل  والأخراج فأستمد منها ما يليق بي أن أقوله عنهفي مشاركتي بهذا التكريم.

أجل! لقد سها عن بالي يا موريس أن أسالك إذا كانت ثمة شخصية من  بين عشرات المسرحيات التي مثلت فيها ما زالت  حتى اليوم تنضح من عرقها فيك وإذا كان  هنالك عمل إخراجي من بين العديد من المسرحيات التي أخرجتها  بقي نابضا في ذاكرتك تحلم به مجددا على الخشبة...

مساء الخير. في هذه المناسبة الراقية التي شاءتها حركة أنطلياس الثقافية، إنارة على مثقف راق، عجن أخلاقه وأحلامه وسني عمره في تربة المسرح،أجد نفسي أمام واجب كبير،  ألا  وهو  التعبير أولا عما أكنه لحركة المسرح في لبنان  من وفاء وتقدير، بمسيرتها الجماعية  الرائدة  وذلك الفوران المتنوع الباحث عن الخلق والأبداع  لدى رؤيويين هبوا  بسواعد فكرهم وطموحهم وأحلامهم، لأطلاق مغامرة  رائعة بدأت ثمارها تتفجر  في أوائل الستينات ، طيبة، يستشف منها عشاق المسرح بأن هذا الفن منسوج على نول من المشاركة الأخوية كما بإرادة  تنافسية  بما  تحتويه المنافسة من خيرات إيجابيات على البعد الأبداعي والأنعاشي لمسيرةضمت كتّابا مسرحيين ومقتبسين ومخرجين و ممثلين أضرموا نار المسرح في لبنان وخارجه  ولم تنل الحرب البغيضة من صراخهم.

موريس معلوف ولد من رحم مسرح الستينات، مصابا بدائه، فتيا، يحلم  بدور  يصبغه بمصير شخصيات الروايات ومن قدرهم قدره، يموت ميتتهم ويعود من كيميائية المسرح العجيبة إلى الحياة.  و تحقق الحلم   إذ أصبح موريس معلوف  ممثلا محترفا في حلقة المسرح اللبناني مع أنطوان ملتقى وريمون جبارة وغيرهما، لكن داء المسرح بقدر ما كان يتفشى فيه، كان في آن يحثه على تحصيل أكاديمي يجمع فنون المسرح من أطرافها .

هذا العطش كان لا شك يشعر به حاجة  لبلوغ الينبوع  ليرتوي، لذا مضى  إلى صميم التخصص  في أوروبا إلى أن  حاز على  دبلوم دراسات عليا في الأخراج التلفزيوني في لندن، وماجيستير دراما من جامعة كاليفورنيا وماجيستير تمثيل وإخراج من جامعة "بازادينا بلايهاوس" في لوس أنجلوس كما دبلوم للتمثيل من معهد ستراسبورغ  ، خبرات واسعةكانت لموريس معلوف البذور التي جاء بها إلى بيروتيزرعها موادا مسرحية عامة، في طلاب الجامعات فينهل الجيل من تجاربه عشقا وطموحا  لصناعة خلية فتية من شهد العسل المسرحي.

 موريس معلوف وإن بدأت سيرته المسرحية مع بدايات المسرح في بيروت غير أنه لم يدخل في خانة زمنية أم تصنيفية، فهو مشى مع قافلة المرصودين للأستمرارية، فارشا ذراعيه كقائد أوركسترا على التمثيل والأخراج ، والتدريس الجامعي . وتاريخه  في التمثيل والأخراج متمدد على نصف قرن  من الترهّب في هيكل المسرح   والولادات العجيبة  من رحمه  والتنكر  في شخصيات مختلفة، متىعددة ،لم تنده موريس معلوف ليصنع من هذا الفن الزائل، مهنة  بل ليلبي شغفا يبرر غريزة الوجود، وارتقاء في أسطورة المسرح التي مازالت منذ قرون تنبض بالسحر والخيال ، فلعله في استيطانه عالم المسرح ممثلا أولا ثم مخرجا ومدربا ظل على يقينبأن بين الخيال والواقع   ينسج الممثل أسطورته وحقيقته معا.

موريس معلوف تابعت تألٌقه في الأدوار التي لعبها على الخشبة  منذ الستينات حين كانت الخلية المسرحية تزداد يوما عن يوم بصانعي النحل. عرفته متعريا من إنسان الحياة  متخاويا  بإنسان الحكاية، ممثلا في مسرحيات أصبحت تاريخا في ثقافة الوطن،وصناعة وطنية بحتة، " من قطف زهرة الخريف" لريمون جبارة و "الأزميل" لأنطوان معلوفو" محاكمة يسوع" و"صانع الأحلام" لريمون جبارة، و"أماريس" لموريس عواد ... كما  انتحل عشرات الشخصيات المقتبسة حكاياتهمعن كبار مسرحيي العالم، يكتسي بهم، يتلوّن بمصيرهم، و يبقى بعد أن يعم الصمت على الخشبة وتعلو هتافات الجمهور،  مسكونا بخرافتهم   موسوما بطلاسمهم.  فبين المسرح والحياة  معجزة تتكرر تحت الأضواء،أمسك موريس معلوف بمقاديرها  السحرية جاعلا من  كل دور  ولادة ، باقية  ليس فقط في ذاكرته بل في ذاكرتنا  نحن أيضا كذخيرة تحرسها من النسيان.

-------------------------------------------------
 

يوم موريس معلوف

كلمة: د. نجاة الصليبي الطويل

الاثنين 3 آذار 2014

أيها الحفل الكريم،

 

أرحبُ بكم باسمي وباسم الحركة الثقافية- انطلياس في الحلقة الاولى من سلسلة تكريم أعلام الثقافة في لبنان، وقد كُرِّم في الأمس الدكتور خير الدين حسيب وهو عراقي، كأحد أعلام الثقافة العرب.

دأبت الحركة الثقافية منذ ثلاثة وثلاثين عاماً على ترسيخ المناخ الثقافي وتفعيله بكل ما يتطلب ذلك من انفتاح وتفاعل مع الآخرين من جهة ومع العوامل الأخرى من سياسية واجتماعية وتربوية واقتصادية وغيرها... من جهة أخرى، مع التمسك الدائم بالدستور اللبناني والمواثيق والمعاهدات الدولية.

ويأتي تكريم اعلام الثقافة المميّزين في هذا الاطار فهؤلاء المثقّفون هم بناة الوطن وتراث حضارته. وتسعى الحركة لترجمة هذا الاحترام والتقدير بإبراز نجاحاتهم وعطاءاتهم والاعتراف لهم بالتميّز والغنى والنضال من اجل العلم والثقافة. ولا تغفلها اهمية الفنون وبالأخص الفن المسرحي الذي هو انعكاس للفكر الاجتماعي وتطوّره، فكما يقول يونيسكو ان المسرح هو صورة مصغّرة عن العالم أجمع. 

 

أما مكرّمنا اليوم هو موريس معلوف.

ارتبط اسمه بالمسرح إخراجاً وتمثيلاً وتدريساً. تُعَدّ سيرته الذاتية الغنيّة والمتنوّعة مرجعاً لمعظم عناوين الأعمال المسرحية والاتجاهات المختلفة، في الحقبة الممتدة من الستينات حتى يومنا هذا.

عايش مهنة المسرح منذ حلقة المسرح اللبناني والمسرح الحرّ مع كبار المسرحيين المعاصرين. أسّس مسرحا للأطفال وكان لافتاً تأسيسه لفرقة المسرح الايمائي اللبناني والمسرح الاختباري.

 

 

كما عُرف بتمثيل شخصيات عديدة وبالتعاون مع الكثير من المخرجين. وكان لافتاً انتقاله الى ادوار تلفزيونية وسينمائية طبعت ذاكرة المشاهد اللبناني والعربي.

وقد اخرج وساعد في اخراج العديد من المسرحيات.

وعُرِف بتأسيس المهرجان الدولي للمسرح الجامعي.

 

على الصعيد الاكاديمي فقد كان استاذاً ديناميكياً في معهد الفنون الجميلة – الجامعة اللبنانية، ثم التحق بالجامعة اللبنانية الاميركية وكان مؤخراً عميداً في الجامعة الاميركية للتكنولوجيا.

شارك في مهرجانات عديدة وكان عضواً فاعلاً في الكثير من المراكز والمؤسّسات والمؤتمرات الفنية.

 

أترك للكاتبة والصحافية السيدة مي منسّى تقديمه بصورة أدقّ. كما تستطيعون الاطلاع على الكم الهائل من اعماله في كُـتَـيِّـب أعلام الثقافة الموجود عند المدخل.

 

واسمحوا لي أن أدلي في هذه المقدمة بنوع من الشهادة الموجزة، فقد عرفتُ موريس معلوف استاذاً في معهد الفنون ومن ثم زميلاً وصديقاً.

انصهرت الشخصيات المركّبة في شخصيته واندمج عالمه والمسرح مبلوراً مقولة Jouve: "تبتدئ الحياة عندما ترفع الستارة". لم يبعده ذلك عن الواقع وعن الآخرين بل ساعده هذا التفاعل على النفاذ الى قلوبهم وافكارهم والبحث عن التواصل والتفاهم المنعتق من اي شروط.

انه مشاكس ساخر ولاذع، يصدم احياناً بمواقفه المغايرة للنمطيّ، البعيدة عن التقليدي والمتداول.

أبيّ النفس فخورٌ "بمسرحه" يمتنع عن طلب الدعم والمساعدة. فلا تقل امامه ان الدولة او الوزارة مسؤولة عن تراجع المسرح، ينبري يورد لك الوسائل لنجاح المسرح ودعمه من قِبَل المؤسسات والمسرحيين انفسهم.

لا ينتقد غيره من المسرحيين ويعطي لكل نوع مسرحي حقه. لكن لا ينكر ضرورة تواجد كل الأنواع على الساحة الفنية وليس اختزال كل اتجاهات المسرح بالـ vaudeville  مثلا.

أنيق ليس بمظهره فقط وانما بتفكيره ولغته وتعابيره.

 

 

 

 

نظيفُ اليدين والفكر والممارسة.

حالمٌ كبير، عصاميّ في المحافظة على عالم تراءى له منذ سنوات شبابه الأولى العابقة بالألوان والآمال. يؤمن بان كل شيء ممكن وانه "لا بد"... فاستمر يحاول اللحاق بهذا العالم الافتراضي، مرتفعاً عن اليومي والمألوف. فلا تفاجئك جرأته وبعض مقولاته الخاصة به، فهو يريد دوماً اثبات حريته وحرية تفكيره والتمسك بالقدرة على القيام باي عمل او تصرف. فكل شيء قابل للاختبار وهذا ينبع،بالنسبة له، من قدرات الانسان العالية وقابليته للتغيير والتسامي نحو الأفضل بحثاً عن جوهر حياته ومعناها.

ولا يخدعُك تشاؤمه وتبرّمه مما حوله، فهو شغوف بالحياة وبعناصرها المادية، يعشق التربة والزرع ويتفاعل مع كل مكونات العالم ويعيد تركيبها حسب هواه. فاله ايمانه، كمسرحه، لا يثبت على حال، يرافقه دوماً في رحلته الانسانية المترفة بالفن والجمال العابقة بموسيقى الأحاسيس والأحلام.

فهنيئاً له عالمه العالق عالياً وهنيئاً لنا وجود امثاله من المبدعين بيننا يروون توقنا الى الحب المطلق والى خفر الجمال.

-------------------------------------------------
 

كلمة موريس معلوف

سئل أحد كبار الممثلين في هوليوود، في لقاء مع وسائل الاعلام. الى ما تتوق من خلال أعمالك التمثيلية التي أبدعت فيها؟ أجاب: الـ three G’s  ثلاث كلمات بالانكليزية تبدأ كلها بحرف Girls – Gold – Glory- G. طبعًا  كل ممثل في داخله سعي ليحقق على الأقل واحدًا من هذه  النجاحات، غالبًا اثنان، او حتى الثلاثة معًا.

أليست  هذه حال كبار الممثلين المبدعين في العالم؟

أنا الطالع من الشرق. من لبنان. أبحث منذ صغري ومازلت، عن الـ Gالرابعة. وهي كلمة God، الذي لم نكتشفه بعد ولا نعرفه. نقف باجلال وبدهشة امام عظمة خلقه وابداعه. هو خلق الانسان – الممثل ايضًا يخلق انسانًا؟ - كلما مثّل دورًا. او كما نقول احيانًا. تقمّص شخصية. يتحوّل تلك الشخصيّة، جسدًا، عقلاً، وروحًا. قد تقولون هذا مبالغ فيه. لا يصدق. ولكنها الحقيقة. انها أرفع مرتبة في الخلق والابداع عند الممثل. الممثل يخلق من ذاته انسانًا آخر. من جسده وصوته واحاسيسه. من عقله وروحه. انه بذلك يحاكي الله.

منذ طفولتي. نمت عندي موهبة تقليد ومحاكاة مخلوقات هذا العالم. لمعرفة مكنوناتها والولوج الى جوهرها. كان السؤال دائمًا عندي:

كيف يعيش الانسان ويتصرف ويعبر؟ كانت عندي رغبة قوية لمعرفة الآخر. وجدت نفسي ممثلاً أدوار بعض الأشخاص في المناسبات الاجتماعية. محاطًا بالأقارب والأصحاب. كنت أفرح كثيرًا من دهشتهم. من صمتهم وهم يلاحقونني بعيونهم باهتمام وأعجاب. كيف كنت اتحوّل الى هذا الآخر؟

خلال دراستي الابتدائية في مدرسة الحكمة. اكتشف أمري. عرفوا اني ضليع بأمور التمثيل. فأسندوا اليّ تمثيل الأدوار في المشاهد والمسرحيات التي كانت تقدم في الاحتفالات والمناسبات. كانت النتيجة: حب الجمهور لي. التهاني – الفرح والعناق من ناس لم أكن أعرفهم. شعور جميل. انك ناجح – يحبك الناس ويقدّرون أعمالك. ولكن ما سرّ وحقيقة هذا الآخر؟

جاءت السنة الأخيرة من المرحلة الابتدائية. وكانت في مدرسة دير مار مارون، مجد المعوش. القسم الداخلي. مدرسة للصبيان فقط! في نهاية السنة، وقع عليّ تمثيل دور الفتاة «رنا» في مسرحية لم أعد أذكر اسمها. عرفوا ان خبرتي في التمثيل أكثر من بقية الرفاق. ولكن لأوّل مرّة دور فتاة! صدمت. رفضي للدور قد يسبب لي مشكلة مع الادارة. قبولي به خلق عندي قلقًا عظيمًا. بدأ يخف عندما صار التحدّي يقوى ويكبر. انا اتحوّل الى فتاة؟ من سيصدق؟

قبل يومين من العرض وصل الثوب (الفسطان) والحذاء ( السكريبينة) أعجز عن وصف ما شعرت به. باختصار. عرضت المسرحية وكانت ناجحة جدًا. عند دخولي القاعة الكبرى حيث كان الأهالي والأساتذة ( طبعًا بعد أن بدلت ملابسي ) اقترب مني المدير طالبًا من الحضور الانتباه وقال:

هذا موريس معلوف الذي مثل دور الفتاة. علا التصفيق وهجم عليّ البعض ليشبعونني ضمًا وتقبيلاً. وانا جامد في صمت رهيب، أتساءل من أنا ؟ خفت. صدقوا اني فتاة. انا موريس الصبي. انا تحوّلت – تمثيلاً .. الى فتاة. وصدقوا. يا الله ما سرّ هذا الفن الذي انعمت عليّ به؟

هذا النجاح قادني في ذلك الوقت الى اتخاذ القرار: اكرس حياتي لهذا الفن. أليس هذا ما كنت أحلم به كلما حضرت فيلمًا لـ James Dean , Gerard philippe  Marlon Brando Rock Hudson ، Yves Montand ، - آه كل هذا السحر!!

ان أكون الآخر. ان أتحوّل الى شخص آخر في كل مسرحية أو فيلم. حدث رائع !! أنك خلال أيام تصبح : ملكًا- بطلاً أسطوريًا – قائد عسكر – قاضيًا – كاهنًا- تاجرًا مشهورًا – مجرمًا – عشيقًا لأجمل ممثلات العالم .. ان أكون كل هؤلاء متخطيًا حدود الزمان والمكان. وكل القواعد والموانع. الى ان كانت مرحلة المراهقة.

موريس لا يتصرّف كبقية الناس. يلبس مثل هودي. الممثلين في الأفلام السينمائية. يتصرف وكأنه يعيش في عالم آخر. لكنه لذيذ. الناس يحبونه. انا الذي لم يكن سلوكي كبقية الشباب من جيلي نعتوني بالجنون. شخص يحلم بهوليوود في ذاك الوقت. مجنون!!

جمعتني الصدفة، بواسطة صديق، بالفنان المسرحي انطوان ملتقى وبأعضاء حلقة المسرح اللبناني. ودخلت عالم المسرح من بابه الواسع.  كانت البداية مساعد مخرج لأنطوان في مسرحية «جريمة وعقاب» قدمت في راشانا تمثيل ريمون جباره ومجموعة كبيرة من الممثلين. وكرت سبحة الأعمال حتى مسرحية «لعبة الختيار». في مسرح بيروت عين المريسة. انتاج المسرح الحر اخراج برج قازليان وتمثيل : اندره جدعون، ريمون جباره، رضى خوري، مادونا غازي – نبيه ابو الحسن وغيرهم وأنا في دور «ناهوم».

اسمحوا لي ان أروي باختصار فضل «ناهوم» عليّ كيف لعبت الظروف لتفتح لي باب السفر الى عالم الفن التمثيلي الواسع.  لأحقق حلمي. (قراءة المقطع عن جورج شحاده).

خمس سنوات ونصف في فرنسا وأميركا كانت كافية. ومن أروع سنوات حياتي. تدريبًا وتمثيلاً مع كبار الفنانين في معهد ستراسبورغ حيث تخرّج  روجيه عسّاف وفي معهد باسادينا – لوس انجلوس حيث تخرّج يوسف شاهين – دوستن هوفمان وغيرهم من نجوم المسرح والسينما.

 

بعدها في لبنان

أعمال كثيرة. تمثيل في عدّة مسرحيات، واخراج عدد منها، تمثيل في السينما والتلفزيون. سأتوقف عند واحدة. لأنها تكمل مسيرتي مع الآخر، في خلق الشخصية. روعة الفن التمثيلي. هذا السحر!

«موسم الهجرة الى الشمال» مسرحية للطبيب صالح أعدها وأخرجها يعقوب الشدراوي. عرضت في مسرح بعلبك – بيروت.

«أنا منصور» سوداني أسود. شعر أجعد. لم تكن التدريبات سهلة. لأن المسرحية في مناخ سوداني صرف. احضر لنا يعقوب الملحق الثقافي في السفارة السودانية ومعه زميل له للأشراف على حواراتنا باللهجة السودانية. عملت جاهدًا من غير ان يلاحظني أحد، على مراقبة تصرفاتهما وحركاتهما طيلة فترة التمارين.

ليلة الافتتاح. وفي نهاية العرض، كنت في الكواليس ازيل الماكياج عن وجهي. نادوني مرات من الصالة.

«عجّل موريس في ناس ناطرينك»

عندما خرجت كان الملحق الثقافي ينتظرني وحوله مجموعة من الشباب السودانيين.

«هذا منصور». قلت لكم انه لبناني. وليس سودانيًا والتفت الي قائلاً: الشباب طلاب في الجامعة الأميركية. سألوني خلال العرض:

من هو هذا السوداني في بيروت ولا نعرفه؟

لم يصدقوا انني انا اللبناني كنت ذاك الأسود. صدقوا انني «منصور» السوداني. كم كانت فرحتي كبيرة انه السحر!!  متعة الفنّ التمثيلي.

 

أكملت المشوار. لا أرتاح الا لمثل هذه الأدوار – طبعًا ظروف الحرب في لبنان جعلتني احيانًا أقوم بأعمال مختلفة، غير ما كنت أتمنى. كانت ايام صعبة عوضت عنها بالتدريب والتدريس في الجامعات مع جيل الشباب الموهوب، النابض بالحياة والأمل الواعد. ساهمت في تدريب واعداد عدد كبير منهم. والحمد الله  اكثرهم حققوا نجاحات كبيرة في المسرح والسينما والتلفزيون. آخرهم «ايميه صيّاح» في مسلسل وأشرقت الشمس.

 

أنا أمامكم الآن. موريس معلوف الحقيقي. لست رنا ولا ناهوم ولا منصور ولا مبارك  في مسلسل مبارك ولست الموسيقار في مسرحية  - من قطف زهرة الخريف -  انا امامكم في عريي الانساني الوجداني. ولكن على خشبة المسرح وأمام الكاميرا. انا في صمت النساك وارتقاء القديسين الى ان تأتي ساعة الخلاص.

لكم مني الشكر الكبير على حضوركم.

وكل المحبة والاحترام

في 3 آذار 2014

 موريس معلوف.