الحركـة الثقافيـة – إنطليـاس

مناقشة

كتاب هيام ملاط

 

Le Liban

Emergence de la liberté et de

 La démocratie au Proche- orient

(لبنان بروز الحرية والديموقراطية في الشرق الأدنى)

كلمة جميل جبران

 

صدور كتاب عن الحرية والديموقراطية، هو بارقة أمل ونسمة منعشة، في هذا الزمن الضائع بين إستبداد يتهاوى، وظلامية تتفشى، وسياسات دولية تتصارع على ارض هذا الشرق، والثلاثة يتناوبون على تدمير شعوبه وبلدانه وتراثه وحضاراته وسرقة ثرواته.

 

وهل يمكن للحرية ان تعمل أمام تلك القوى التي تستند الى خلفية ثقافية تعيد إحياء تلك الأفكار الإحفورية، كما يسميها مالك شبل (  idées fossiles)، التي تختزن كميات هائلة من العنف إستناداً الى نص ديني أو تجربة تاريخية غابرة أو كتاب تراثي ما زال يُدرس، وتتمثل في ممارسات عملية، وإعلامية، ومؤلفات عديدة، لعل ابرزها كتاب ²إدارة التوحش²لمؤلفه أبو بكر ناجي، وهو على الأرجح اسم مستعار، حيث لم يعد التوحش، جرماً، أو نتيجة لحرب، أو ثورة، بل سياسة مقررة ومبررة ومتبعة عن سابق تصور وتصميم.

 

كل كيان سياسي، دولة أم سلطة ام حزباً، يقوم على الدين أو يتوسل الدين لتبرير وجوده. مبني على التفريق والتمييز بين من ينتسب الى هذا الدين، أو الى تفسير معين لهذا الدين والآخرين، هو قائم بنوياً على عدم المساواة، ونافٍ للحرية، فلا حرية دون مساواة ولا مساواة دون حرية. وللتعبير عن هذا الإرتباط الوثيق بين الحرية والمساواة  دمج Etienne Balibarالإثنين بكلمة واحدة       l'Egaliberté.

عنوان الكتاب وتوقيت صدوره، إستدعيا هذا التأمل السريع في الفضاء الثقافي المهيمن حالياً على شرقنا. أما قراءة الكتاب فهي رحلة ممتعة في التاريخ، أعدها هيام ملاط المثقف المتعدد المواهب، Polyvalentالمحامي والحقوقي صاحب عدة مؤلفات في هذا المضمار، ورجل الإدارة المتمكن، والباحث الدائم في الفكر والثقافة والتاريخ، صاحب مكتبة غنية، تراكمت بها المؤلفات والوثائق من جيل الى جيل، في عائلة إرتبط اسمها بالأدب والشعر والقانون والقضاء والإدارة، وإلتصق تاريخها بتاريخ لبنان منذ عهد المتصرفية حتى يومنا الحاضر.

 

ومن بين الميزات الكثيرة لمنهج هيام ملاط في البحث التاريخي بأن كتابة التاريخ ليست نظرة الحاضر للماضي فحسب بل هي ايضاً نظرة الذين عاشوا أو شاهدوا ذلك الماضي، فأورد مقتطفات من كتاباتهم أو شهاداتهم.

 

يقول A. Compte – Sponville، الحرية هي مسار أكثر مما هي إمكانية la liberté est moins une faculté qu'un processus. تمكن هيام ملاط، بأسلوب سلس، ولغة فرنسية صافية، من إظهار منطلقات ومعالم هذا المسار خلال حقبة تاريخية ممتدة من الإمارة مروراً بالمتصرفية  وما حمله القرن التاسع عشر، خاصة النصف الأخير منه، من تفاعل بين الجبل وبيروت وما شهده من نهضة مادية وفكرية.

 

ففي ظل الإمارة، التي استمرت ما يزيد عن ثلاثة قرون، شهد الجبل إستمرارية سياسية إستثنائية، une exceptionnelle continuité politique ، إذ تعاقب على السلطة 17 اميراً (8 معنيين و 9 شهابيين). بينما شهدت الولايات القريبة، ولحقبة زمنية مماثلة أو أقل، تبدلاً سريعاً بالولاة، صيدا: 92 والياً؛ طرابلس 257 والياً؛ دمشق 201 والياً.

 

ودخلت الحداثة المادية بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر وعلى الأخص من خلال المشاريع الإنشائية الكبرى، كطريق بيروت الشام، وإدخال التلغراف، وجر مياه نهر الكلب الى بيروت وتأهيل مرفأ بيروت،

 

أما الحداثة الفكرية فتمثلت على الأخص بتأسيس الجامعتين الأميركية واليسوعية ومدارس المقاصد والحكمة والثلاث أقمار والبطركية والداودية. وإنتشار الصحف والمجلات والنشاط المسرحي، وكان سبق ذلك نهضة طباعية، بدءاً من أول مطبعة في الشرق في دير قزحيا سنة 1610،

 

وعلى الصعيد الإجتماعي، تأسست الجمعيات وإنطلقت المطالبة بتعليم المرأة (محاضرة بطرس البستاني في 14/12/1849)، والثورة الطلابية، وهي الأولى في الشرق في الجامعة الأميركية 1882، والإختلاط بين الجنسين في العمل، وأن دليلاً سنوياً صادراً سنة 1890 يشير الى وجود  /14720/ طالباً من بينهم 6165 طالبة أي ما نسبته 45% تقريباً.

 

من الناحية السياسية، قرر إبراهيم باشا سنة 1833 تشكيل لجنة مؤلفة من 12 عضواً مناصفة بين المسلمين والمسيحيين تؤازر المتسلم المصري الذي لا يستطيع ان يتخد اي قرار قبل الحصول على رأي اللجنة.

 

كما اقر نظام المتصرفية مبدأ إنتخاب اللجنة الإدارية. ففي إنتخابات البترون في 9 نيسان 1881 نجح مرشح المتصرف ضد مرشح المطران بفارق صوت واحد فقط.

 

هذه بعض الإشارات السريعة لما ورد في الكتاب حول دخول الحداثة المادية والفكرية الى الجبل وبيروت والتي كونت المناخ الملائم لبروز الحرية والديموقراطية في لبنان حتى ان عائلة السلطان عبد الحميد، بعد نفيها من تركيا الكمالية إختارت الإقامة في جونية، وتلقى ابناؤها وأحفادها العلم في مدارس لبنان ومن بينهم الكاتبة الفرنسية المعروفة  ²كينزيه مراد²

 

أما مناقشة الكتاب في العمق، وما توصل اليه الكاتب من خلاصات حول عدم ملاءمة مفهوم الاكثرية، ورفض عدم التسامح والإستبداد، والتعايش الإسلامي- المسيحي، فسيتولاها تباعاً الدكتور ملحم شاوول الباحث والعالم الإجتماعي، والأستاذ الجامعي، والدكتور انطوان مسرة الباحث المعروف في النظام السياسي اللبناني، من الناحية النظرية ومن ناحية الممارسة الفعلية، صاحب نظرية الأنظمة التوافقية، ونظراً لإساءة إستعمال كلمة التوافقية أعتقد انه استُبدل الأنظمة التوافقية بالانظمة التشاركية.

 

جميل جبران