تكريم الدكتور نخله وهبة

 

نخله وهبه كما عرفته

بقلم

د. رمزي سلامه

 

هل الفكر التربوي في الدول العربيّة في مأزق؟

هل نجرأ على مواجهة رعب السؤال أو أن نتخطّاه ونمارس ثقافة الحريّة في المؤسّسة التعليميّة؟ أم أنّنا محكومون على تعليم الجهل؟ هل باستطاعتنا الانتقال من الأسلوب التلقيني للمعارف المثبتة إلى الأسلوب التكنولوجي للمعارف المتحرّكة؟

لبنانيٌّ مميّز، مدير مركز البحوث التربويّة والتطوير. هكذا عرّفني وكيل وزارة التربية في مملكة البحرين في مطلع العام 1995 على نخله وهبه. فقصدته في مكتبه المتواضع لأطّلع على ما يفعل مزوّدًا بالحشريّة العلميّة التي تعوّدت عليها، وفي داخلي شكّ بقيمة الأبحاث التي يمكن أن تنتج عن مركز أبحاث تابع لوزارة تربية في بلد عربي، بعد ما شهدته من ضحالة في هذا الميدان في بلدان عربيّة أخرى كنت أتعرّف تباعًا على أنظمتها التربويّة بعد أن التحقت بمكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربيّة كإختصاصيّ أوّل للتعليم العالي وتدريب العاملين في التربية وكمستشار إقليمي لتطوير الأنظمة التربويّة في الدول العربيّة، بعد غياب عن المنطقة دام أربعة وعشرين عامًا قضيتها في كندا طالبًا للعلم ثمّ أستاذًا ومسؤولًا جامعيًّا ونقابيًّا.

وكم كان سروري عظيمًا عندما قدّم لي نخله دراستين قام بهما مركز البحوث التربويّة في البحرين بإشرافه ومشاركته. وكانتا تعالجان "مردود التعليم في المرحلة الابتدائيّة في مادّتي اللغة العربيّة والرياضيّات" من ناحية أداء التلامذة في هاتين المادّتين، وامتلاك المعلّمات للمعارف والمهارات نفسها التي يتوقّع أن يمتلكها التلامذة. فأعجبت أيّما إعجاب بهما ولم أصدّق بادئ الأمر أنّ بلدًا مثل البحرين يمكن أن ينتج أبحاثًا تربويّة بهذا الالتصاق بقضايا أساسيّة في التربية والتعليم، وبهذه الجودة، وبهذه النظرة الثاقبة في مدلولات النتائج التي توصّلت إليها، والاستشراف السليم للسياسات والتدابير التي من شأنها معالجة الثغرات التي كشفت عنها. وكنت في ذلك الحين أظنّ نفسي من روّاد تقييم أداء التلامذة كمؤشّر عن جودة التعليم، بعد أن كنت قد شاركت في وطني الثاني كيبك في العام 1993 في الدراسة الأولى لتقييم أداء التلامذة على الصعيد العالمي. وكنت قد حضّرت مشروعًا لتعميم هذه الممارسة في لبنان ودول عربيّة أخرى بالتعاون ما بين اليونسكو واليونيسيف، بعد أن كان الأردن البلد الوحيد الذي شارك في الدراسة الدوليّة.

لكن، أبعد من حزني على بعض ثغرات النظام التربوي في البحرين، حزنت لكون هذا الباحث الملهم من بلادي لا يمارس عبقريّته البحثيّة في بلد افتقد إلى أمثاله. ولكنّي أيضًا سررت بالتعرّف إلى شخص على قدر كبير من النبل بكلّ ما تحمله هذه اللفظة من معانٍ. صادق في عمله يعتبر أبناء البحرين أبناء بلده بل كأبنائه؛ نبيل في تعاطيه مع الجميع من حوله.

أمّا كمسؤول في منظمّة اليونسكو فوجدت فيه بشكل لا يقبل الجدل الملامح التي كنت أتوخّاها في زملائي في المنظّمة وفي الخبراء التربويّين الذين كنت أودّ التعامل معهم. وهكذا بدأت مرحلة جديدة في علاقتنا المهنيّة فما فتئت أتودّد إليه حتى قبل العودة إلى لبنان لتبوّء مركز في مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربيّة زميلًا لي بدءًا من العام 2000 لغاية العام 2006 فأصبح داخل المكتب، مع الدكتور حبيب حجّار، المعاونين الرئيسيّين في كثير من الملفّات، كما كان زميلنا وصديقنا الدكتور عدنان الأمين المعاون الرئيسي لنا من خارج المكتب.

ولا يسعني قبل محادثتكم عن إنجازات نخله في الفكر التربويّ إلا أن أذكر أنّني سأكون متحيّزًا. فكيف لي ألا أكون وقد نشأت بيننا منذ تعرّفت إليه صداقة عميقة لم تشبها يومًا شائبة من أيّ نوع كان، وظلّت بهذا العمق ولو بعد أن رجع نخله إلى البحرين ليكون بجانب ابنته وأحفاده البحرانيّين ويتولّى مركز مدير عام مدرسة البيان لبضع سنوات. ويصدق في هذا المجال القول الشائع: "ربّ أخ لك لم تلده أمّك". فنخله هو لي الزميل، والحليف، والصديق، والأخ المتجرّد، والمحفّز للتساؤلات، المزعجة أحيانًا كما سنرى، والداعي للتعمّق وسبر الخفيّ، وعدم الانقياد وراء الظواهر، وغيرها من الصفات التي قلّ أن تجدها في الشخص نفسه، بخاصّة إذا كنت تبحث عن حقائق الأمور وتنشد رقيّ المجتمع الذي تنتمي إليه بعيدًا من القناعات المعلّبة والإيديولوجيات العقيمة مهما تنوّعت مصادرها.

ماذا قدّم نخله وهبه للفكر التربوي؟

بدأ نخله رحلته الفكريّة المشاغبة وهو لا يزال على مقاعد الدراسة في كليّة التربية في الجامعة اللبنانيّة في مقتبل سبعينيّات القرن الماضي، ليس أقلّها مشاركته في صياغة تقرير تربوي لحركة الوعي التي كان يترأسّها مشاغب معروف آخر، هو صديقنا الدكتور عصام خليفه. ويذكر الدكتور عصام أنّه لا يزال يعتزّ بعمق هذا التقرير وبعد نظره. ولم تكن آراء نخله ومواقف عصام تروق للمسؤولين في الجامعة اللبنانيّة آنذاك فاضطرّ الإثنان إلى النضال من أجل أن يحظى نخله بمنحة دكتوراه لمتابعة الدراسة في فرنسا رغم نيله العلامات التي تخوّله ذلك.

التحق نخله بجامعة السوربون في باريس مع زميله في الدراسة، عدنان الأمين، وحضّر كلّ منهما، على ما اعتقد، أطروحة الدكتوراه بإشراف السيّدة Viviane Isambert Jamatiالمتخصّصة في علم اجتماع التربية. وتتلمذ نخله هناك على أيدي العديد من الأساتذة الفرنسيّين المرموقين مثل أب الانثروبولوجيا الحديثة كلود ليفي ستروس، و Georges Snydersالذي لخّص فلسفته التربويّة في الكتاب الأخير الذي نشره بعنوان j'ai voulu qu'apprendre soit une joieأي أردت أن يكون التعلّم بهجة، والأستاذ الفيتنامي Le Than Khoiأستاذ التربية المقارنة، و Antoine Leonأستاذ تاريخ التربية، كما تأثّر الإثنان بفكر Pierre Bourdieuفي علم اجتماع التربية (وأرجو ألا أكون مخطئًا في هذا الأمر). ونشر الإثنان بعد سنوات قليلة من إنهاء الدكتوراه، أي في العام 1980 كتابهما المشترك المعنون: Système d’enseignement et division sociale au Libanمن منشورات Le Sycomoreفي باريس مع تقديم من Viviane Isambert Jamati،أي نظام التعليم والانقسام الاجتماعي في لبنان.

ليس لغزارة إنتاج نخله في التربية مثيل يضاهيها سوى إنتاج عدنان الأمين، زميله في الدراسة في لبنان وفرنسا. لكنّ الفرق بين الاثنين أنّ عدنان يعمل في غالب الأحيان كرئيس فريق يصمّم مشاريع الأبحاث، ويشارك بها، ثمّ يتولّى توليف النتائج التي توصّل إليها الباحثون أعضاء الفريق، ويقدّمها في محافل ومؤتمرات. بينما نخله يُعمِل فكره وحيدًا، يستقي من خبرته الذاتيّة ما يغذّي فكره، وغالبًا ما ينشره في كتب مستقلّة. وفي ذلك حسنات ومخاطر. من الحسنات أنّه لا يقيّد فكره بأفكار الآخرين ويطلق العنان لفكره يجول ويصول في أمكنة لم يجرأ غيره على استكشافها. وهنا بالذات يكمن خطر الشطح بعيدًا والاختلاف مع مفكّرين تربويّين آخرين، وخطر الوصول إلى أبواب موصدة. لكنّ ذلك لا يقلق نخله، بل يزيده اعتقادًا بصوابيّة منهجيّة تعاطيه النقدي مع الشأن التربوي التي ترنو إلى تصارع الأفكار وإعلاء النقاش ليرقى فوق الطروحات السطحيّة، والإشكاليّات المنمّطة، والأجوبة المعلّبة.

خبرة نخله كطالب  في كليّة التربية في الجامعة اللبنانيّة من العام 1966 حتى العام 1971، ثمّ كأستاذ فيها بدءًا من العام 1978، أدّت إلى كتابه عن "وظيفة مؤسّسات إعداد المعلّمين: إعداد المعلّم الأداة" الذي كتبه في العام 1982 وصدر في العام 1986، والذي سنرجع إليه بالتفصيل.

أمّا عمله في وظيفة "خبير البحوث التربويّة" و"رئيس مركز البحوث التربويّة والتطوير" في وزارة التربية والتعليم في دولة البحرين من العام 1987 حتى العام 1997 فقد أدّى إلى تحقيقه العديد من الأبحاث والدراسات التربويّة في اللغات العربيّة والفرنسيّة والانكليزيّة قدّم البعض منها في محافل دوليّة ولاسيّما في إطار أنشطة اليونسكو، كما نشر بعضها في البحرين، وباريس، وجنيف، وفي الموسوعة الدوليّة للتربية. ومن كتب نخله المنشورة في تلك الحقبة: الصورة الجانبيّة للمواطن البحريني كما تراه كتب التربية الوطنيّة والتاريخ والجغرافيا في المرحلة الابتدائيّة الصادر في العام 1992 والذي شاركت به الدكتورة لطيفة المناعي وقدّم له وزير التربية والتعليم، الدكتور علي فخرو، وتجارب قطرية في رفع مستوى المعلمين أثناء الخدمة إلى مستوى الدرجة الجامعية الأولى: تجربة دولة البحرين، الصادر أيضًا في العام 1992،

وتوظيفات مراكز مصادر التعلم لخدمة العملية التربوية، وقضايا تربويّة بحرينيّة، الصادران في العام 1996.

لكنّ عمله كرئيس مركز البحوث التربويّة والتطوير واحتكاكه بمئات الأبحاث والدراسات التربويّة حوّله من البحث الميداني إلى الفكر المجرّد وإلى مقارعة مجموعة كبيرة من المفاهيم التربويّة بدءًا بكتابه المعنون "كي لا يتحوّل البحث التربوي إلى مهزلة" الصادر في العام 1998، الذي يقول في مقدّمته "تعمّدت الخروج بشكل واضح على قواعد الكتابة المفرطة في التهذيب المحابي والمألوفة في البحوث الشائعة. أملي أن أكون قد نجحت في خضّ مجتمع البحث التربوي (الذي ساهمت "ممارساته في تحويل البحث التربوي بحالته الراهنة في المجتمعات العربية إلى مهزلة ينبغي العمل على إيقاف فصولها") ورجّ الباحثين التقليديّين (الذين غالبًا ما يعتمدون نماذج بحثيّة جاهزة ويفرطون في البحث عن دلالات إحصائيّة عقيمة) لكي ينتبهوا إلى خطورة سلوكهم في كبح التطوير وقمع التجديد وتعقيم خصوبة المستقبل".

وبعد عمله كمستشار لرئيس جامعة البحرين للشؤون الأكاديميّة بين العام 1997 والعام 2000، أصدر في العام 2001 كتابه "رعب السؤال وأزمة الفكر التربوي" الذي قال في توطئته: "لقد شعرت خلال حياتي المهنيّة في الحقل التربوي بأنّ الفكر التربوي المنتج محليًّا عملة نادرة، الأمر الذي خلق فراغًا كان لا بدّ من سدّه بواسطة فكر غريب". ثمّ أضاف: "لقد هدف هذا الكتاب إلى تحرير السؤال من اقترانه السرمدي بالجواب".  "لقد قصد هذا الكتاب أن يعتق السؤال من عبء الامتثاليّة الصارمة لمعايير المعرفة الراهنة (ونقول المعلّبة) ويطلقه نحو آفاق جديدة قادرة على إنتاج أنواع متوالدة من القلق والتوتّر اللذين يحتضنان في أحشائهما بذور التغيّر والتقدّم والتطوّر" (ولم يقل التغيير والتطوير الآتيين من الخارج، بل التغيّر والتطوّر المنبثقين من الداخل).

ثمّ بعد انتقاله إلى مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربيّة في العام 2000 كخبير تربويّ مسؤول عن مشروع "تطوير نظم دعم القرار التربوي" في الدول العربيّة ومشارك في مشاريع أخرى من أهمّها تطوير مؤسّسات وبرامج إعداد المعلّمين في الدول العربيّة، واحتكاكه المباشر، كما يقول، "بالمفاهيم الطافية على سطح الخطاب التربوي" في تلك الفترة، مثل إلزاميّة التعليم، والتعليم الأساسي، والتعليم للجميع، وسواها، والتي يضيف "أنها جميعًا تشترك في كونها بنات للمجتمع الدولي (المنظّمات الدوليّة)"، يصدر في العام 2003 كتابه حول "مسألة النوعيّة في التربية" الذي كان لي شرف كتابة مقدّمته، ولست نادمًا على ما قلت فيها، ثمّ يلحقه بكتابه المعنون جودة الجودة في التربية الذي أصدرته مجلة علوم التربية في الرباط في العام 2005.

لكنّ نخله استفاد أيضًا من رجوعه إلى بيروت واحتكاكه المباشر بالقضايا التي كانت تثير الساحة التربويّة في ذلك الحين (مع أنّه لم يترك لبنان لا قلبًا ولا قالبًا عندما كان في موطنه الثاني البحرين)، ليجمع إرهاصاته السابقة بشأن كتابة التاريخ وتعليم التاريخ في لبنان والبحرين ويغنيها بأفكار جديدة في كتاب نشره أيضًا في العام 2003 بعنوان "أحفاد بلا جدود" والذي قدّم له الزميل العزيز الدكتور عصام خليفه والذي يندّد فيه بانسلاخ كتب تعليم التاريخ عن واقع التلامذة فيصبحوا أحفادًا لا يشعرون بالانتماء إلى الجدود الذين تتكلّم عنهم كتب التاريخ.

أيّها الأصدقاء،

نظرًا لما يجري في الدول العربيّة اليوم ولما تدلّ عليه مختلف المؤشّرات المعتمدة دوليًّا، لا يمكننا إلا أن نعترف أن الفكر التربويّ في الدول العربية يمرّ في أزمة متمادية لم يجد بعد منها مخرجًا بل مخارج ملائمة. فهل نتخاذل عن البحث عن هذه المخارج أم نتحاشى "رعب السؤال"؟

نجد أوّل سؤال مرعب في عنوان الكتاب الأوّل الذي بين أيدينا والذي كتبه نخله في العام 1982 ولم يتسنّى له نشره إلا في العام 1986 تحت عنوان: وظيفة مؤسّسات إعداد المعلّمين: إعداد المعلّم الأداة. ولو كنّا نستطيع العودة بالفكر (وليس بالواقع المرير) إلى تلك الحقبة لكنت اقترحت على نخله أن يضيف إلى العنوان علامة الاستفهام لكي يصبح العنوان: وظيفة مؤسّسات إعداد المعلّمين: إعداد المعلّم الأداة؟ إذ أنّ هذا بيت القصيد في الأطروحة التي يعرضها نخله في هذا الكتاب انطلاقًا من فرضيّة مثلّثة الجوانب قوامها أنّ "النظام التعليمي يدجّن المعلّم عبر مناهج مؤسّسات الإعداد وتنظيم هذه المؤسّسات:

‌أ.        عن طريق إقناع المعلّم بأنّ للمدرسة دورة عمل قائمة بذاتها ومستقلّة عن الأنظمة الاجتماعيّة والسياسيّة؛

‌ب.   عن طريق تشريب المعلّم مفاهيم نفسيّة قائمة على الإيمان بالفروقات الفرديّة والاختلاف بالقدرات والذكاء والموهبة، وبالتالي بفرص النجاح المدرسي؛

‌ج.    عن طريق إقناع المعلّم بأنّ الإصلاح في المدرسة والتعليم يتمّ عبر التحديث في طرائق التدريس والوسائل التعليميّة" دون غيرها من ضرورات الإصلاح.

قد يفاجئنا هذا الطرح عند من تخرّج من كليّة التربية في الجامعة اللبنانيّة في بداية سبعينيّات القرن الماضي، عندما كانت هذه الكليّة في أوجها ومحطّ أنظار الشباب الطامحين إلى الدخول في سلك التعليم الثانوي الذي ظلّ لسنوات طويلة مفخرة التعليم الرسمي في لبنان. لكن، هل يفاجئنا هذا الطرح فعلًا عندما نعلم أنّ من يقدّم هذه الأطروحة قد تتلمذ في باريس في أعقاب ثورة الطلبة في أيار 1968، على يد بيار بورديو ثمّ عرّب في ما بعد كتابه الشهير الذي ألّفه مع جان كلود باسرون والذي حمل عنوان "إعادة الإنتاج: عناصر لنظريّة نظام التعليم"؟

هل وفّق نخله في الدفاع عن أطروحته؟ لكي تعرفوا ذلك، أدعوكم إلى قراءة هذا الكتاب الذي يبدو لي وكأنّه كتب اليوم لا قبل البارحة. فما أشبه اليوم بالأمس! ففي الفصل الثالث من الكتاب مثلًا، يعالج نخله شروط القبول في كليّة التربية التي قرّرت السلطة السياسيّة آنذاك، أي في العام 1979، رفع شرط القبول في الكليّة من مستوى الشهادة الثانويّة إلى مستوى الإجازة المسمّاة على خطأ تعليميّة، مع كلّ ما يتبع ذلك من مفاعيل تربويّة واجتماعيّة وارتدادات على الطبقات الفقيرة حتّى في ما يخصّ الالتحاق بالتعليم الثانوي. وأؤكّد لكم أنّنا اليوم ننظر بريبة إلى هذا القرار وما تبعه من قرارات أدّت إلى الانفلاش الكبير في المتعاقدين في التعليم الأساسي والتعليم الثانوي بدلًا من ارتكاز التعليم على معلّمي وأساتذة الملاك المعدّين أكاديميًّا وتربويًّا قبل الولوج إلى مهنة التعليم.

أمّا في الفصل الرابع من الكتاب فيوجّه نخله أصبع الاتّهام إلى علم النفس التربوي الذي يسلّح المعلّم بمفاهيم ونظريّات تبرّر الاصطفاء والاستبعاد على نسق ما قال به بورديو وباسيرون أو ما ذهب إليه روزنتال وجاكوبسون بشأن التوقّعات التي تحقّق نفسها والتي أسمياها "بيغماليون في غرفة الصف".

أمّا في الفصل الخامس من الكتاب فيعالج نخله وظيفة مقرّر المنهج والطرائق العامّة الذي يهدف حسب قوله إلى "إقناع المعلّم بقدسيّة المضمون وبأنّ التطوير يتمّ عبر الوسائل والطرائق التعليميّة فقط".

ويخلص نخله، بعد ثمانية فصول قاتمة ومتشائمة، إلى خاتمة وجيزة مشبعة بالسخرية، إذ يعلن أنّ "من حسنات مؤسّسات إعداد المعلّمين أنّها لا تستطيع تحقيق وظائفها المرجوّة بدرجة عالية من الدقّة".

أيّها الزملاء الكرام،

إنّني لن أتمادى في شرح كلّ كتاب من الكتب التي ألّفها نخله أو ذكر مختلف المحاور التي تناولها في العشرات من المقالات والتقارير التي كتبها. لقد أردت من التوسّع بعض الشيء في مضمون هذا الكتاب أن أعطيكم فكرة عن عمق الفكر التربوي الذي يتحلّى به نخله وعن أنّ هذا الفكر عبّر ولا يزال يعبّر عن وقائع راهنة لم تتبدّد غيومها مع مرّ الزمن. سأكتفي إذًا في ما سيأتي بشهادات حول بعض الكتب التي نشرها في السنين القليلة الماضية.

في "مسألة النوعيّة في التربية: الجودة؟" الصادر في العام 2003 قلت: "هذا كتاب كبير لمفكّر تربويّ كبير، وكلاهما يتمتّع بالجاذبيّة والعمق ويتميّز برؤاه وإثاراته الفكريّة وبكونه يتطرّق إلى موضوع محوريّ في التربية عالجه المؤلّف بمجمل أبعاده وتفصيلاته النظريّة والتطبيقيّة استنادًا إلى ثقافة معرفيّة ثريّة وممارسة نقديّة خلاقة" بالرغم من "أنّه لا يتوانى في بعض الأحيان عن الغمز من قناة مستخدمي بعض المفاهيم" التي تروّج لها المنظّمات الدوليّة ومنها المنظّمة التي كنت أنتمي إليها في ذلك الحين.

عن "جودة الجودة في التربية" الصادر في العام 2005، كتب الأستاذ الدكتور عبدالفتاح أحمد حجاج من كلية التربية في جامعة الإسكندرية في مجلة الطفولة العربية العدد 35 الصادرة في الكويت ما يأتي: "إن هذا الكتاب يمثل محاولة جادة قام عليها باحث جاد ومتميز توافرت له من أدوات ومهارات وكفايات التحليل ما لا يتوافر لكثيرين من غيره، محاولا استجلاء المفهوم من مختلف جوانبه فى صورة تأصيلية، فضلا عن التأكيد على الجوانب التطبيقية والقيم العملية المتضمنة فى ذلك المفهوم، وهذا أمر أعطى الكتاب قيمة مضافة في المكتبة العربية".

عن "تكوين المعلّمين في العالم العربي: مقاربة من خارج الطقوس" الصادر في العام 2010، والذي سبقته دراسة "من داخل الطقوس" عن مؤسّسات تكوين المعلّمين في بلدان أفريقيا الشماليّة قام بها الزملاء عدنان الأمين ونخله وهبه ورفيقة حمود بتكليف من مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربيّة الذي كنت أرأسه آنذاك، نشرت جمعيّة العمل الوطني الديمقراطي في البحرين مقالًا جاء فيه ما يأتي: "لا ريب أنّ ما يتناوله الكتاب استفزازي يهزّ القناعات ويحفّز الدافعيّة لإعادة النظر في وضع المعلّم في مجتمعنا،  (فلا يكون) أداة لغسل الأدمغة، جامد الفكر، محدود المعرفة، وغير متجدّد".

وإذا كان ما يتناوله هذا الكتاب استفزازيًّا، فماذا عن كتاب نخله الأخير "تعليم الجهل" الصادر في العام المنصرم والذي يعالج مأزق المدرسة مع التربية الحديثة؟ لا تطلبوا منّي أن أوجز ما قاله في هذا الكتاب الزملاء عصام خليفه، ونمر فريحه، وخيريّة قدوح، وعدنان الأمين، في الندوة التي خصّصها له معرض الكتاب العربي بعيد نهاية العام الماضي. فكلّهم أجمعوا على جرأته وإن لم يشفِ غليل عدنان في بعض الأمور. والأمر متروك للقارئ المتنوّر ليحكم إذا كان نخله أصاب الهدف من كتابة هذه الأطروحة.

في الختام، يقول نخلة " كل شيء يتعبني إلا الكتب. منحتني أمانًا لا يمكن أن يتخيله أحد". أمّا أنا فأقول: ماذا فعلت بنا يا نخله؟ كلّ كتاب تنشره يشكّل إعصارًا يطيح بالمسلّمات ويقلب المفاهيم من جذورها ويقعدها في غير مكان. فدعوتك في جميع كتاباتك إلى الخروج من الطقوس الفكريّة والبحثية وإلى إعمال العقل والتفكير الناقد والالتزام بالشكّ المنهجيّ الذي قد يؤدّي أو لا يؤدّي إلى يقين وإعادة النظر بأيّ يقين والعودة إلى إعمال العقل وما يستتبعه من عمليّات فكريّة، يصيبنا بالأرق؛ فلا يهدأ لنا بال ونحن نبحث عن قواعد صلبة لمجابهة التحدّيات الفكرية التي تطلقها. ما لك تقضّ مضاجعنا بينما أنت تنعم بالأمان؟

لكن، أقول لكم ألم يتتلمذ جميعنا على الغزّالي وديكارت وغيرهما من حيث أنّ الشكّ هو مفتاح اليقين؟ ألا نوافقك الرأي على أنّ التقدّم والتطوّر لا يمكن أن يتمّا إلا من خلال عمليّات حلزونيّة متشابكة ومتتالية يؤدّي فيها الشكّ المنهجيّ دورًا أساسيًّا؟

صديقي العزيز، بوركت خطواتك ولا تبخل علينا بعصارة أفكارك، مهما كانت مزعجة وتدعو إلى الشكّ بتصوّراتنا ومعتقداتنا وممارساتنا الفكريّة والبحثيّة.

والله يطوّل عمرك وتظلّ محافظًا على قدراتك.

 

_________________________________________________

 

كلمة د. عصام خليفة في يوم تكريم

د. نخله وهبة في المهرجان اللبناني للكتاب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

          ابن كفريا القرية الوادعة شرق صيدا،

الطالب الجامعي المتفوق دائماً في كلية التربية – الجامعة اللبنانية،

خريج جامعة السوربون، عام 1974، حاملاً دكتوراه مميزة في موضوع بالغ الأهمية لا يزال حتى اليوم شغلنا الشاغل (حول إشكاليات تعليم التاريخ في وطننا).

الأستاذ المشاغب صاحب الأبحاث العميقة في كلية التربية في الجامعة اللبنانية على امتداد عشرين سنة (1975 – 1995).

والعالِم الذي احيل على التقاعد قسراً دون راتب تقاعدي، فاستفادت من مواهبه الاستثنائية مملكة البحرين،

والباحث المجدد الذي ما انفك يغذي مكتبتنا التربوية بالدراسات القيمة،

والصديق والانسان الطيب والمحب للعطاء الدائم، 

هذا بعض من نخله وهبة الذي تتشرف، اليوم، الحركة الثقافية – انطلياس بتكريمه علماً للثقافة في لبنان والعالم العربي.

1-    ابن الريف الجنوبي:

في كنف عائلة متواضعة تعيش من جهد أبنائها في زراعة الأرض، ومن كد افراد العائلة في حرفة انجاز سلال القصب، عاش مكرمنا طفولته. ومن هذه البيئة استقى قيم الاستقامة، واهمية العمل، ومحبة الآخر، وسلوك سبل المعرفة. ومع رائحة الاكي دني وعبق زهر الليمون تفتحت مواهبه في مدرسة كفريا ذات الغرفة الواحدة لجميع صفوف المرحلة الابتدائية.

          في مدرسة الاخوة المريميين، وفي المدرسة الثانوية الرسمية في صيدا، تفاعل علِمنا مع رفاق طيبين وتشرب من أساتذة كبار. وفي هذا المناخ تبلورت شخصيته الفريدة في مهاراتها ودوافعها والانماط التي تؤثر في تكيفها مع بيئتها الطبيعية والاجتماعية والثقافية. ويبدو ان نخله قد حمل منذ تلك المرحلة ملكة حب الفكر النقدي والتمكن من اللغة الفرنسية.

2-    الطالب الجامعي المتفوق في كلية التربية:

على امتداد خمس سنوات كان نخله الأول بين رفاقه. وفي هذه الكلية تعرفت عليه عند دخوله السنة الأولى لي في اختصاص التربية بعيد حرب حزيران. كان هادئاً ورصيناً ولا أذكر انه كان يشارك معنا في جدالات الجمعيات العمومية التي كانت تستغرق الساعات الطوال حول قضايا الجامعة والتربية والوطن. ولا أزال احتفظ في ارشيفي الشخصي بمساهمته في صياغة تقرير تربوي لحركة الوعي ينم عن عمق تفكيره وبعد نظره وامتلاكه لفهم دقيق للواقع، وتمكنه من تيارات الفكر التربوي المعاصر.

ولان نخله ما تعوّد ان يلوذ بأي من سياسيي تلك الأيام، حاولوا ان يخرقوا نظام المنح الى الخارج ويحرموه من منحة الدكتورا. واذكر انني خضت معركة، من موقعي كمسؤول في الحركة الطلابية، أوائل السبعينات – وكنا قد حققنا مبدأ المشاركة – لتطبيق قانون المنح الى الخارج وإعطاء مكرمنا حقه في منحة دكتورا الى فرنسا. سقى الله تلك الأيام ورحم الله د. ادمون نعيم الذي كان، مع عمداء كبار، الضمانة الحصينة للحفاظ على القانون في الجامعة.

3-    خريج جامعة السوربون عام 1974:

انكب في باريس على التعمق في نظريات كبار التربويين، وما ادخله كبار في علم الاجتماع، على هذا الاختصاص، أمثال بورديو وكانت ايسامبار جاماتي هي الأستاذة المشرفة. وعمل على تطبيق تقنيات تحليل المحتوى (analyse de contenu) على مناهج مادة التاريخ عندنا. والحقيقة انه انجز أطروحة مميزة، كانت بعنوان (تشكيل ذهنية المواطن اللبناني عبر كتب التاريخ). لقد كان الاستنتاج الأساسي الذي توصل اليه انه لا وجود لبطل مشترك بين مختلف مكونات المجتمع اللبناني. وقد توصل الى ذلك من خلال تحليل مدقّق لكل كتب التاريخ المدرسية التي يتم استعمالها في المدارس الرسمية والخاصة.

4-    الأستاذ المشاغب:

منذ العودة الى الوطن التحق د. نخله بكلية التربية، مدرّساً وباحثاً. ومنذ بدء المهنة عرف عَلَمنا بروحية العمل للخدمة العامة التي تتطلب دراية متعمقة ومهارات متخصصة يتم اكتسابها والمحافظة عليها عن طريق دراسات وبحوث صارمة ومستمرة. لقد كان هاجسه مصلحة الطلاب ومستواهم العلمي والالتزام بمعايير مهنية عالية. كان يشجع التبادل الحر للأفكار بينه وبين طلابه.

في نفس العام الذي التحق فيه علمنا بالجامعة، أي العام 1975، اندلعت الحروب المركبة. وما لبثت الجامعة ان تفرعت بعد سنتين. وقد استمر نخله، بحكم مسكنه، بالتعليم في الفرع الثاني حتى العام 1981.

ومن ذكريات تلك الأيام السوداء ان مدير كلية التربية (الفرع 2) استدعانا مرة (هو وانا بحكم اننا كنا في مكتب واحد) وقال لنا: من المفترض ان تغادرا معاً فرعنا الى الفرع الأول.

وقد ذكّرني الصديق نخله انني جاوبت ذاك المدير المتطاول بكلام يناسب المقام، اذ قلت له: نحن هنا في هذه الكلية قبلك، ونحن سنبقى فيها بعدك. لا يليق بالجامعة ان يكون فيها امثالك. لقد كان موقفنا يرتكز على شرعة حقوق الانسان وعلى مبدأ الحريات الاكاديمية حيث يجب ان يتمتع جميع أعضاء هيئات التدريس في التعليم العالي بحرية الفكر والوجدان والدين والتعبير والاشتراك في الاجتماعات والجمعيات وكذلك بالحق في الحرية وفي الأمان على اشخاصهم وفي حرية التنقل. ولا ينبغي ان يكون هناك أي عائق امام ممارستهم لحقوقهم المدنية كمواطنين، بما فيها حقهم في الاسهام في التحول الاجتماعي من خلال التعبير الحر عن آرائهم.

ما لبث نخله ان ضاق ذرعاً بمؤشرات الاكراه والتقييد من قبل قوى الامر الواقع. فانتقل الى الفرع الأول وانتقل دوامي كاملاً الى كلية الآداب (الفرع 2) حيث أصبحت ممثلاً دائماً للأساتذة في الانتخابات التي حصلت، بنسبة 80% من أساتذة الكلية.

مع انتهاء الحرب عام 1990، وبدل ان يُكلّف الزميل نخله بإدارة مركز الأبحاث في كلية التربية، ليدرس من خلاله مناهج وزارة التربية لمعالجة الانقسام في ذهنيات الطلاب اللبنانيين، واجه صديقنا العراقيل نفسها التي واجهها في الفرع الثاني (في الفرع الثاني اتهم انه يساري يجيب ان يذهب الى الفرع الأول، وفي الفرع الأول اتهم انه مسيحي ويجب ان يلتحق بالفرع الثاني). وقد وصلت وقاحة الإدارة في الجامعة الى انهاء خدمته كإجراء تأديبي دون سبب عادل وكافٍ يتعلق بقواعد السلوك المهني مثل الإهمال للواجبات او الافتقار الفادح الى الكفاءَة، او اختلاف نتائج البحوث او تزييفها، او المخالفات المالية الخطيرة، او افساد العملية التعليمية بطرق مختلفة. أُنهيت خدمة د. نخله دون تعويض ودون ان يتم استئناف قرار انهاء الخدمة امام هيئة مستقلة.

لان علَمَنا كتب عن الانماء التربوي الحقيقي، وعن المعلم الأداة، وعن الامية في العالم العربي، وعن حاضر ومستقبل التعليم الابتدائي في العالم العربي بتكليف من الاونسكو، كوفئ من إدارة الجامعة التي كانت تزور شهادات الضباط السوريين والملحقين بهم في الداخل، الإدارة التي كانت تبدد موازنة الجامعة على شركات أبناء اهل الحل والربط. وكانت تدخل متدكترين شبه اميين مشكوك في ملفاتهم لتعليم الجهل في الجامعة وفي غيرها.

بدل ان تستفيد الجامعة والدولة والمجتمع من أكاديمي استثنائي شهدت اكبر المؤسسات الدولية بسلطته المعرفية، قامت بالاقتصاص منه لأنه حرّك المستنقع "برعب اسئلته"، ولأنه عمل دائماً لتحقيق "جودة التربية" والتزم "بمسألة النوعية في التربية"، ولأنه بقي مشاغباً على مأساة الواقع من "خارج الطقوس".

وهكذا استفادت من خبرته الاستثنائية مملكة البحرين، التي سلمته رئاسة مركز البحوث التربوية والتطوير، واستفاد رئيس جامعة البحرين منه كمستشار تربوي. كما عين منسقاً فنياً في المكتب الإقليمي للاونيسكو.

5-    منطلقات في نقده لتعليم الجهل:

في كتابه الأخير تعليم الجهل طرح علمنا عصارة نظرته النقدية التي تتمثل بالنقاط التالية:

‌أ-       هو لا يدعو الى الغاء المدرسة او المؤسسة التعليمية بل يسعى الى وضع الاصبع على الوظائف الحقيقية للإجراءات والممارسات التي تجذرت في الثقافة المدرسية فدنست سمو الغاية التي طالما صنعت وقار المؤسسة التعليمية.

‌ب-  يهدف الى تظهير الآليات المتراكمة في المؤسسة التعليمية حيث تعقد في زواياها صفقات المصالح الخاصة التي يتقاسم نواتجها المادية والمعنوية الطلبة والاهل والإدارة التربوية.

‌ج-    يفضح بعض تفاصيل عملية اختطاف المدرسة من محيطها الطبيعي والاحتفاظ بها رهينة فكرية تلبس ثوب الحداثة لتغطية وظائفها الحقيقية.

‌د-      يسعى الكاتب الى تفكيك سلوك المدرسة ومحاولة تظهير الآليات التي تستخدمها هذه المؤسسة التعليمية لتنفيذ تعهير الشعارات التربوية لتغطية التواءات القنوات التي يتم تمرير أفعال التجهيل عبرها.

‌ه-       يكبر المؤلف صورة المؤسسة التربوية في فضح غسل ادمغة الملتحقين بها، علها تنجح في ان تصنع منهم افراداً يتقبلون الجهل ويتعاونون لصيانته.

‌و-     كتاب تعليم الجهل هو وجهة نظر تكونت عبر ممارسة ميدانية للمؤلف في التدريس ومراكز الأبحاث وتقديم الاستشارة فضلاً عن إدارة المدارس والعمل في مكتب الاونسكو الإقليمي في بيروت. ويعتبر المؤلف القولبة الذهنية خطوة أولى على طريق "تعليم الجهل".

‌ز-     لا يقصد الباحث توجيه اللوم الى مؤسسة تعليمية بعينها بقدر ما يهدف الى نقد يطال الأغلبية الساحقة منها.

‌ح-    لا ينتقد د. وهبه المؤسسة التعليمية في لبنان او العالم العربي فحسب، بل في مجمل بلدان العالم الثالث حيث التعليم يعزز الجهل في اكثر من وجه من وجوهه.

‌ط-    عملياً عبارة "تعليم الجهل"، بالنسبة للمؤلف، لا تنفي وقوع فعل تعليمي ينفذه ممثل السلطة المعرفية (المعلم) ويشرّب التلميذ آليات افساد تلك المعارف وتحويلها قاطرة للجهل بدل ان تكون رافعة للعلم.

‌ي-   ان عملية التجهيل مكون أساسي ورئيسي من مكونات تدريس التاريخ في المدرسة، ولا يمكن لتدريس التاريخ ان ينفد وظيفته ويبلغ أهدافه بدون ممارسة التجهيل بمعناه الواسع.

ومن اجل صيانة الجهل عمدت بعض الأنظمة السياسية الى توحيد كتاب التاريخ المدرسي على أساس ان كتاب التاريخ الموحد (يصبح) الوكيل الحصري للتعرف على الماضي، ويحتوي ما يجب معرفته ويهمل تماماً كل ما يراد من التلميذ جهله.

6-    الصديق والانسان الطيب والمحب الدائم للعطاء:

يتمتع مكرّمنا بكثافة إنسانية قل نظيرها، ما شاهدته الا هادئ الطباع رزيناً رصيناً. ما سمعت طالباً الا يشيد بكفاءَته الاستثنائية ومحبته وتواضعه، وما عرفت استاذاً الا يشيد بزمالته.

ورغم هذه الخصال الوادعة عنده، فهو يتمتع بأسلوب نقدي كمبضع الجراح.

ويا صديقي نخله،

الحجر الذي رذله البناؤون كان هو بالفعل حجر الزاوية. والأستاذ الذي فصلته إدارة قصيرة النظر كان يجب ان يكون مديراً او عميداً او رئيساً.

          اتمنى لك كل الصحة والعافية لتستمر في ابحاثك وفي نقدك البنّاء بمساعدة العزيزة كلودين. الم تقل الآية الشهيرة في القرآن الكريم: "واما الزبد فيذهب جُفاءً واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"؟

_____________________________________________