ندوة حول كتاب " ايران والقنبلة النووية " للعميد الركن د. نزار عبد القادر 2008/2/6
كلمة مدير الجلسة : جميل جبران
اللواء الركن أ.د. ياسين سويد
كلمة الدكتور ميشال نعمة
منذ سنوات، تتصدر أخبار الأنشطة النووية الايرانية نشرات الأخبار والصفحات الاولى من الجرائد ، وآخرها ، كان بالأمس خبر اطلاق صاروخ يحمل قمراً صناعياً ، مما يعني ان ايران قد وصلت الى مرحلة تكنولوجية متقدمة في هذا المجال ، المكمل للمجال النووي ، والحيوي ، لولوج دولة ما في " النادي النووي ".
والأسئلة التي تطرح ، كثيرة ومتشعبة ، وتشغل مراكز الابحاث وصناع القرار في المنطقة والعالم بأسره ، و جميع المتعاطين بالشؤون الدولية على مختلف انتماءاتهم و مشاربهم واهتماماتهم.
بعد ان ثبت بشكل جازم ، ان هناك ارادة وطنية جامعة في ايران للتمكن من التكنولوجيا النووية ، بمختلف أوجهها ، ومراحلها ، ولتتمكن أيضاً من السيطرة على صناعة الصواريخ البعيدة المدى ، وهي تكنولوجياً مكملة للأولى ، فالسؤال الأساس ، الذي تتمحور حوله أو تتفرع منه بقية الأسئلة ، هو :
لماذا تصر ايران ، وهي دولة متوسطة الحجم ، على امتلاك التكنولوجيا اللازمة لصنع السلاح النووي ، بالرغم مما يترتب من مخاطر كبرى على هذا الخيار ؟. وليس أقلها شأناً التهديد الأميركي والاسرائيلي بتوجيه ضربة عسكرية ، والذي يتأرجح بين " الإحتمال الجدي جداً " ، و " الخيار الأخير " الموضوع على طاولة صانعي القرار ؟.
لقد تصدى العميد الركن الدكتور نزار عبد القادر، بكفاءة عالية ، وبمجهود أكاديمي رفيع المستوى، للمسائل الشائكة ، المتشعبة والمتشابكة ، المنبثقة من سعي ايران الحثيث والثابت لامتلاك التكنولوجية النووية ، و عالجها من مختلف أوجهها ، العلمية البحتة ، والستراتيجية ، وما يتعلق منها بالقانون الدولي ، على الأخص الاتفاقية الدولية للحد من انتشار الاسلحة النووية ، وكذلك العلاقات الدولية. كما تطرق الى محفزات ايران ودوافعها ، للسير ، بخطى ثابتة ، نحو امتلاك الدورة الكاملة للتكنولوجيا النووية ، وما تحمله من مخاطر وتداعيات ، فأحاط بالموضوع احاطة عميقة وشاملة .
فكتاب العميد الدكتور ، موضوع ندوتنا الليلة ، " ايران والقنبلة النووية " ينم عن ثقافة غنية ومتنوعة ، من العلوم العسكرية بمختلف أوجهها ومستوياتها ، الى العلوم السياسية والاقتصادية ، الى المعارف التاريخية والدينية وسواها ، الى التبحر بالقضايا النووية والصاروخية ، كعلم وكتكنولوجيا ، وما تتطلبه من اختصاص ومتابعة حثيثة نظراً لتطورها المستديم. ويمتاز المنهج الذي اتبعه المؤلف بعرض واضح للمسائل المطروحة ، ومقاربة نقدية لمصادر المعلومات التي جلها اميركية ، ثم التصدي لمختلف الإحتمالات وما يترتب عليها من مخاطر او تداعيات. كل ذلك بلغة عربية صافية ، وضعت في متناول قراء العربية العاديين ، أي من غير الاختصاصيين ، مسائل تقنية دقيقة ، ونظريات استراتيجية معقدة. قلما نجد ، في المكتبة العربية ، كتاباً مماثلاً له ، وسوف يبقى المرجع الضروري الذي لا غنى عنه للباحثين والمهتمين وصانعي القرار ، على الأقل ، في منطقتنا العربية.
فبين الطموحات الكبيرة والتحديات الخطيرة ستبقى ايران ، ولفترة طويلة ، مالئة الدنيا ، وعلى الأقل مالئة المنطقة ، وشاغلة العالم بكل تأكيد . فطموحاتها تنبع من نظرتها لذاتها بأنها " في نقطة المركز للكون " ، وكما يقول الدكتور عبد القادر (ص 151) " ... يبقى الإسلام الى جانب الشعور القومي الفارسي المصدرين الأساسيين لكل توجهات السياسة الخارجية الايرانية ".
ومن الملفت حقاً هنا ، ان الطموح الايراني النووي هو اياه ، أيام الشاه ، وفي ظل الجمهورية الإسلامية . ولا ندري ما اذا كان الإسلام هو في خدمة القومية الفارسية أم العكس ، أو ان هناك جدلية تبادل بين الاثنين ، وتفاعل مع متغيرات البيئية الجيوبوليتكية المحيطة بإيران منذ قيام الجمهورية الإسلامية ومن ثم انهيار الاتحاد السوفياتي . وربما ان الموقع الجغرافي في ايران هو الذي يعرضها للمخاطر ويملي عليها سياستها في خطوطها الكبرى.
ولعل ما كان يردده المؤرخ الكبير جواد بولس " من ان السياسة بنت التاريخ ، والتاريخ ابن الجغرافية ، والجغرافية ثابتة لا تتبدل " ، يلقي الكثير من الضوء على هموم ايران وطموحاتها.
وتبقى علامة الاستفهام الكبرى ، فيما اذا كان الاقتصاد الايراني يتحمل الكلفة الباهظة لتلك الطموحات ، أم ان خيار الشعب الايراني سوف يتأرجح بين " القنبلة والرغيف ".
ولا بدّ ، أيضاً ، من التعبير عن بعض الهواجس التي تؤرق الشعوب العربية عامة والشعب اللبناني خاصة. فهل ان خيار الضربة العسكرية ، وتداعياتها الكارثية على المنطقة ودولها وشعوبها ، مازال قائماً لدى الولايات المتحدة الأميركية ، خاصة بعد تقرير أجهزة الاستخبارات لديها ، بأن ايران أوقفت نشاطها النووي العسكري منذ 2003 ؟.
وهل تقبل اسرائيل ، الدولة النووية الوحيدة حالياً في منطقة الشرق الأوسط ، بإعادة التوازن الى ميزان القوى من خلال القنبلة النووية الايرانية وافقادها بالتالي الميزة التي انفردت بها منذ عقود ؟ أم انها ستدفع الولايات المتحدة من خلال اللوبي اليهودي في أميركا - والأكثر نفوذاً فيه فيه مجموعة ايباك AIPAC - الى القيام بعمل عسكري ليس لأميركا فيه مصلحة قومية خاصة بها ؟ هذا الاحتمال وارد جداً بعد ان اثبت الباحثان الأمريكيان John G. Mearsheimer و Stephen M. Walt ، في كتابهما الصادر حديثاً Le lobby pro-israélien et la politique étrangère américaine ، النفوذ الواسع والحاسم الذي يتمتع به اللوبي الاسرائيلي في اميركا في تقرير سياستها في الشرق الأوسط ابتداءً من سنة 1961 دون ان يكون للولايات المتحدة مصلحة استراتيجية Intêrèt strategique ومبدأ اخلاقي معين Impératif moral ، وأحياناً كثيرة ضد مصالح الولايات المتحدة.
ويبقى السؤال الأخير : في حال حصول ضربة عسكرية أميركية أو اسرائيلية أو مشتركة ، أو في حال امتلاك ايران للسلاح النووي ، فعلى ما ستستقر أوضاع البلدان العربية وما سيكون تأثيرها على تقرير مصير المنطقة بل مصيرها هي بالذات ؟ ام سيعود تقرير هذا المصير ، كما رغبت اسرائيل دائماً ، الى الثلاثي اسرائيل وتركيا وايران ؟.
وفي الختام ، ماذا سيكون مصير لبنان ومصير شعوبه وقبائله المتناحرة ، فهل سيكون مرة جديدة وأخيرة ممراً للفيلة ؟
لقد أسعدني الصديق العميد نزار عندما دعاني لحضور مناسبة توقيع كتابه "ايران والقنبلة النووية، الطموحات الامبراطورية" الذي صدر حديثاً، فلبيت الدعوة بلا تردد، رغم اني لم أوقع كتاباً، ولم البّ دعوة لتوقيع كتاب، فانا لا أقرّ هذا النمط الشائع من التعاطي مع الكتب، ولكن لنزار منزلةً خاصةً، لديّ، لا استطيع تجاوزها.
وأسعدني نزار، مرة اخرى، عندما كتب لي، في إهدائه انني "كنت الدافع والمحرك لدفعه الى الكتابة" ويستطرد "واعتقد انك نجحت"... وشعرت، حينذاك، اني نجحت فعلاً، وان هذا النجاح كان من أهم نجاحاتي، فقد كسبت، بالاضافة الى الزميل والصديق، الكاتب والباحث الجاد في بحثه وفكره، وهذا ما جعلني اعتز بصداقته، وافتخر بزمالته.
وأسعدني، اخيراً، يوم دعاني للاشتراك في هذه الندوة، فقدم لي، بذلك، فرصة لا تعوّض، للحديث عنه من خلال هذا الكتاب.
يطرق نزار، في هذا الكتاب، باب قضية تشغل، ليس الشرق الأوسط فحسب، بل العالم كله، ويلج المسألة من بابها الأوسع: إيران والقنبلة النووية، فإيران دولة "شرق أوسطية" جغرافياً، مسلمةٌ اجتماعياً، إلا انها تختلف عن دول الشرق الأوسط والدول الاسلامية بما تكتنزه من طموحٍ علمي، وسياسي، بحيث يطاول طموحها العلمي أهم الحقول العلمية واخطرها وهو الحقل النووي، لعلها، في ذلك، تعبّر عن أهم طموحاتها السياسية واخطرها، وهو طموحها الامبراطوري الذي يكاد يبلغ الاسطورة، في تاريخها الفارسي، ألا يقول نزار في ذلك: "يبقى الإسلام، الى جانب الشعور القومي الفارسي، المصدرين الأساسيين لكل توجهات السياسة الخارجية الإيرانية"؟ (ص 15)، إلا أن الإسلام المؤثر، في هذه السياسة، ليس الإسلام كله، بل هو الإسلام الشيعي الذي لا تتورع إيران عن أن تدعم حركاته في كل من "العراق والبحرين ولبنان والكويت والمملكة العربية السعودية" (ص 153). ويحضرني، هنا، سؤال كنت اتمنى أن أجد في الكتاب جواباً عليه، وهو: لماذا اطلق مؤسس الثورة الإيرانية، الإمام الخميني، على إيران اسم "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" وليس "الجمهورية الإسلامية الفارسية"؟
2
وهل يمكن أن يعتبر خياره هذا دليلاً على ابتعاده عن العنصرية الفارسية والمذهبية الشيعية؟ وهل ان ما جرى في إيران، بعد غياب المؤسس، لا ينسجم مع تطلعاته للجمهورية الناشئة؟
لم يترك المؤلف شأناً يتعلق بموضوع البحث "إيران والقنبلة النووية" إلا وغاص فيه تفصيلاً وتوثيقاً، مستنداً على مصادر ومراجع وافرة، معظمها باللغة الانكليزية، (الأميركية)، معتمداً التحليل والتفصيل والتوثيق، ولم يقتصر، في بحثه، على الموضوع العلمي الذي هو بصدده، وانما جاوزه الى السياسة والاقتصاد والاستراتيجية، مدركاً، وبحق، أن أية أمة لا تستطيع أن تتقدم، علمياً، إلا اذا أدركت، وبعمقٍ ووعي كبيرين، ان تقدمها العلمي العلمي لا يمكن أن يقوم إلا على أسس سياسية واقتصادية متينة، ووفق استراتيجية واضحة، وذلك قاده، وهو صحيح، الى دراسة احوال الدول المجاورة لإيران وعلاقة هذه الدول بالبلد الحدث (إيران)، وخصوصاً: العراق، واسرائيل، وروسيا، والولايات المتحدة الأميركية واوروبا والصين وباكستان (الدولة المسلمة الوحيدة التي استطاعت امتلاك القنبلة النووية)، والخليج العربي، (حيث تسبب إيران، بتحريض من الولايات المتحدة، قلقاً مستمراً لدول هذا الخليج)، ثم يتحدث عن الخطر الذي يمكن أن تتعرض إيران له بسبب طموحها النووي، هذا الخطر الناشئ مما تعتبره الولايات المتحدة تحدياً لها، وتعتبره اسرائيل خطراً عليها، ويعالج، من خلال ذلك، مسألة وضع حدٍ لطموحات إيران هذه بضربها، إما على يد الولايات المتحدة أو على يد اسرائيل، وهو ما تستعد إيران لمواجهته والتصدي له.
ويتحدث المؤلف عن الخيارات المتوافرة لدى الأميركيين لمعالجة المسألة النووية الإيرانية، ومنها: الخيار الأميركي، حيث يضع "سيناريو" للهجوم الأميركي على المواقع النووية، في إيران، كما يضع "سيناريو" للهجوم الاسرائيلي عليها. وهو يلاحظ الصعوبات التي تعترض اسرائيل اذا ما حاولت القيام بضربة جوية للمنشآت النووية المتعددة في إيران، معتبراً، وبحق، ان استعادة عمليتها ضد المفاعل النووي العراقي "تموز" عام 1982 لن يكون بالسهولة نفسها "بسبب وسع الأراضي الإيرانية وانتشار هذه المنشآت على مواقع عديدة والمسافات الطويلة فيما بينها" (ص 34)، متوقعاً أن تقوم أميركا بضرب هذه المنشآت "قبل نهاية رئاسة بوش" (ص 40)، ونحن، إذ نوافق المؤلف على تحليله، نرى أن بامكان اسرائيل أن تصل الى إيران، بهجومها الجوي، كما سبق ووصلت الى العراق، يساعدها على ذلك الوجود الأميركي الكثيف في العراق، ومشاركتها، هي نفسها، بهذ الوجود، إلا أن ما تخشاه اسرائيل هو قدرة إيران على أن تطالها، بدورها، سواء بصواريخها، أم بحلفائها المنتشرين على حدودها، في سوريا ولبنان وفلسطين، إلا اننا لا نوافقه على توقعه هجوماً أميركياً على إيران فيما تبقى من رئاسة "بوش"، وإن تمّ ذلك، فستكون مغامرة غير مأمونة العواقب بالنسبة الى أميركا، وذلك بسبب وجود 140 ألف عسكري أميركي منتشرين في العراق، على مقربة من إيران، وبين مئات الآلاف من العراقيين الشيعة الموالين لإيران، والذين لن يوفروا جنود الاحتلال الأميركي إن تعرضت أميركا، للبلد الشيعي الأكبر، بأي سوء.
3
على أي حال، ليس هذا، فقط، ما يعالجه المؤلف في كتابه القيّم، بل يتعداه الى مناقشة مسألة إمكانية انتشار اسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، حيث تتميز اسرائيل، وبغطاء أميركي كاسح، بامتلاكها مئات الرؤوس وعدداً من المنشآت النووية، دون حسيب أو رقيب، بينما تفتقر البلدان العربية، من اصغرها الى أكبرها، (مصر مثلاً)، الى مثل هذا السلاح الذي تحرّم أميركا اقتناءه من قبل هذه الدول، بينما تتيح للدولة العبرية الحرية المطلقة في ذلك. ويتناول المؤلف، كذلك، مختلف اسلحة الدمار الشامل، كالاسلحة البيولوجية والكيماوية (بالاضافة الى النووية) وصعوبة الحصول عليها من قبل هذه الدول، باستثناء اسرائيل، مما يجعلنا، نحن العرب أجمعين، اشبه بقطيع من الغنم، في عهدة راعٍ (غير مسؤول) مدجج بمختلف انواع الاسلحة.
واذ يعتبر المؤلف إيران (في عداد الدول الكبرى)، يتحدث عن سياستها الخارجية والأمنية وعلاقة هاتين السياستين بمشروعها النووي الطموح، ثم يتحدث عن برنامجها النووي، جذوره ومصادره ودوافعه، ويبادر الى الحديث عن الموقف الدولي من جهود إيران النووية (أوروبا، أميركا، اسرائيل، وكالة الطاقة الذرية، والرد الإيراني على هذه المواقف).
لا يمكننا، في هذه العجالة أن نتوقف عند كل المواضيع التي أفاض المؤلف في بحثها، بهذا الكتاب، فهي عديدة ومتنوعة وتلمّ بكل السيناريوهات العسكرية التي يمكن أن تنفذ ضد المنشآت النووية الإيرانية (أميركية واسرائيلية خصوصاً) والرد الإيراني عليها، وتداعيات ذلك على المستوى الدولي، والصناعة الصاروخية الإيرانية، والاستراتيجية النووية الإيرانية، ودور مجلس الأمن اذا ما تعرضت إيران لضربة أميركية أو اسرائيلية، والاستراتيجيات الأخرى المتنافسة، وخيار الحرب على إيران، وما يقف في مواجهتها من صعوبات اقليمية ودولية الخ...
إلا اننا نستطيع القول، وبكل صدق وتجرد، إن هذا الكتاب نادر في المكتبة العربية، بموضوعه واسلوب بحثه، وهو ما يدفعنا الى حث المؤلف على السعي لنقله الى اللغتين الفرنسية والانكليزية، كما يدفعنا الى تحريض الدار الناشرة على السعي لتسويقه في كل البلدان العربية، لعل هذا الكتاب يشكل للأجيال العربية المقبلة "دفعاً للخروج من حالة الضعف والوهن، واستشراف آفاق المستقبل بثقة وقوة، رافضاً كل اشكال الهيمنة"، كما جاء في إهداء المؤلف للكتاب.
فيا أخي نزار، إن كتابك هذا، وما سوف تقدمه للمكتبة العربية، من إنتاج فكري لا بد أن يكون على هذا المستوى من الجدّية والرصانة العلمية، سوف يصنفك باحثاً مميزاً بجهده الصادق والمثابر، وهو ما نتوخاه، لهذا الوطن العربي المتخلف، من تقدم في طريق العلم والحداثة.
4
وانت، إذ تقول، في ختام إهدائك للكتاب، إنه "التحدي الحقيقي الذي تواجهه الأجيال المقبلة، عسى أن تنجح حيث فشلنا نحن"، انما تعبّر عن الجذوة القومية التي تخالج ضميرك، خصوصاً ان الفشل لا يقتصر على كيان واحد من كيانات هذه الأمة الممزقة والمشرذمة والمتخاذلة، كما أنه يجسد الصورة الحقيقية المرعبة لما نحن عليه اليوم، في لبنان.
وختاماً، دعوني أشير الى بعض الاخطاء اللغوية في الكتاب، اختار بعضها فقط، باعتبارها شائعة عند معظم كتّاب العربية، وفي الإعلام خصوصاً، وهي:
1- تقويم وتقييم: يكتبون "تقويم" بمعنى "تقييم" والصحيح أنها "تقييم" من "قيمة"، وليس "تقويم". حدثني العلامة المرحوم الشيخ عبد الله العلايلي عن ذلك، قال: أصل الكلمة "قِوْمة" وقد قلبت الواو ياءً للثقل، فقيل "قيمة" واختصت كلمة "قيمة" لمعرفة قيمة الشيء، ومن هنا كانت كلمة المصدر "تقييم"، أما "تقويم" ومعناها تصحيح الإعوجاج، فتعاد الى أصل الكلمة "قِوْمة"، لذا، لا يجوز أن نستخدم كلمة "تقويم" للمعنين معاً: معرفة القيمة وتصحيح الإعوجاج، وإلا كان علينا أن نستخدم كلمة "قِوْمة" وليس "قيمة" لمعرفة قيمة الشيء.
ويبدو أن كلمة "قيَم" لم تدرج في الموسوعة اللغوية العربية الاكثر شهرة وانتشاراً، وهي "لسان العرب" لابن منظور، حيث وردت كلمة "قوم" بمعانيها ودلالاتها المختلفة.
إلا اننا نجد، في القرآن الكريم، ما يبرر توجهنا نحو "قيمة" إذ قال تعالى "وذلك دين القيّمة" أي "الأمة القيمة"، كما قال: "ديناً قيماً ملة ابراهيم" (أي مستقيماً) وقد ورد ذلك في "لسان العرب" نفسه (مادة: قوم).
2- خريطة وخارطة: يكتبون "الخريطة" بمعنى "الخارطة" كما جاء في "محيط المحيط" للمعلم "بطرس البستاني" (انظر: خرط)، إذ جاء: "الخارطة، مؤنت الخارط، وعند أهل الجغرافية، رقعة مرسومٌ عليها صورة الأرض أو قسم منها، معرّب كارتا باللاتينية، ومعناها: ورقة، جمع: خارتات، ويعرف المجموع من الخارطات بالأطلس" (محيط المحيط، ﺠ1: خرط).
أما "الخريطة" فهي وعاءٌ من أَدَم وغيره، يُشرّج على ما فيه، كخريطة "بزر القزّ"، وجمعها: خرائط (محيط المحيط، ﺠ1: خرط).
والأدم: ما يؤكل مع الخبز.
وشرَّج: نضّد وضم البعض الى البعض الآخر وشدّه، (والعامة تقول: سرّج).
3- نفس الشيء، والشيء نفسه: لا تسبق "النفس" أية كلمة، في أية جملة، إلا اذ عبّرت عن "النفس" بمعناها الحقيقي، فيقال: نفس الانسان، ونفس الحيوان، أما اذا أتت بمعنى "ذاتها"، فتكتب بعد الكلمة التي تعبّر عنها، وليس قبلها، حيث يقال: الشيء نفسه، وليس: نفس الشيء، والطاولة نفسها، وليس: نفس الطاولة (لأن الشيء والطاولة لا نفس لهما).
5
4- الهامّة والمهمة: الهامّة: الدابّة، والهامّة: الحية، والعقرب، والقمل في الرأس، قال النبي لكعب بن عُجرة: ألا يؤذيك هوامّ رأسك؟ أراد بها القمل، وسماها "هوامّ" لأنها تدب في الرأس وتهمّ فيه. (لسان العرب: همم). والمهمة: الأمر الشديد، والمُهمات من الأمور: الشدائد (لسان العرب: همم).
وهمّ الأمر فلاناً: أقلقه، واهتم بالأمر: عني به وقام به واقدم عليه.
5- توفّر وتوافر: هناك تقارب كبير في المبنى بين الكلمتين، إلا انهما تختلفان في المعنى، إذ يقال: توفّر عليه توفراً: أي رعى حرماته وصرف إليه همه، ويقال: توافر المال والمتاع توافراً: بمعنى وَفُر، أي ازداد (لسان العرب ومحيط المحيط).
6- الأزْمة: وهناك خطأ شائع نسمعه جميعاً، كل يوم، حيث يقال "أْزَمة" والصحيح: "أَزْمَة"، والأزْم: شدة العضّ بالفم كله، وقيل: بالأنياب، والأنياب هي الأوازم. والأزْمة: الشدة والقَحط، وجمعها "إِزَم" (ولم يأت لسان العرب على جمع "الأزْمة" بالأزْمات، كما درجت العادة اليوم)، وقيل: إشتدي أزْمةٌ تنفرجي (لسان العرب: أزَم).
أشكر القيمين على الرابطة على الثقة التي أولوني إياها بدعوتي لمناقشة كتاب (إيران والقنبلة النووية - الطموحات الإمبراطورية) لمؤلفه العميد الركن نزار عبد القادر كما أني أشكر سلفاً رئاسة الجلسة الممثلة بالأستاذ المحامي جميل جبران.
ويسرني أن أُعبر في هذه المناسبة عن علاقات الود والصداقة والتفاعل الفكري مع العميد الركن عبد القادر الذي عرفته منذ ما يقارب عقدين من الزمن بنشاطه اللافت في مجال الأبحاث السياسية والإستراتيجية والأمنية وفي مجال الإعلام.
ولا يقتصر نشاط العميد عبد القادر على ممارساته التي نشهدها في الإعلام العربي وفي منابر الفكر العربية سواء من خلال كتاباته أو مشاركاته في البرامج والندوات السياسية على أقنية التلفزة اللبنانية أو الفضائيات العربية بل يتعدى ذلك إلى مساهماته القيمة في كتابه دراسات ومقالات معمقة باللغة الإنكليزية نشر في أبرز المجلات والصحف العالمية والتي تتركز في مجملها حول بحث المواضيع والمسائل السياسية والإستراتيجية والأمنية المعقدة في ظل هذه الفترة العصيبة التي تمر فيها منطقة الشرق الأوسط عامةً ولبنان خاصةً.
من موقعي كعضو في اللجنة الاستشارية في مجلة الدفاع الوطني (والتي يشاركنا الآن العميد عبد القادر في عضويتها) يمكنني أن أوأكد أن العميد الركن عبد القادر قد قدم للمجلة مجموعة من الأبحاث المعمقة حول مجموعة كبيرة من المسائل السياسية والإستراتيجية المعاصرة خلال فترة وجوده في الخدمة العسكرية وبعد خروجه منها، كما يسرني أن أقدمه قبل الشروع في مناقشة كتابه كمشارك ومحاضر في ندوات عالمية تعقد خارج لبنان وتنظمها أبرز مؤسسات البحوث والأكاديمية العالمية.
يعتبر كتاب "إيران والقنبلة النووية - الطموحات الإمبراطورية" من الدراسات العلمية القليلة الصادرة باللغة العربية التي تتناول المشروع النووي الإيراني وسياسات إيران الخارجية وتطلعاتها لممارسة دورها في المجالين الإقليمي والدولي. قليلةٌ هي الكتب التي تصدر بالعربية والتي تتناول بشكل علمي وموضوعي وباستقلال تام الشؤون السياسية والعسكرية والإستراتيجية حول الصراع الدولي للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط والتحكم في ثرواتها النفطية وموقعها في الجيوبولتيك الدولي.
هناك كتب عديدة صدرت باللغة العربية حول برامج تطوير التكنولوجيا النووية في دول منطقة الشرق الأوسط ودولة إسرائيل ولكنها كانت عبارة عن مجموعة من المقالات أو المداخلات التي تقدم بها أصحابها في ندوات دراسية حول قضايا الأمن والإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط ولكن لم يكن هناك أي بحث منهجي متكامل وموحد الأهداف في أي من هذه الكتب.
كتاب إيران والقنبلة النووية هو أول بحث متخصص يتناول المشروع النووي الإيراني بشكل مفصل ومتكامل وهو بحث موجه إلى القارئ العربي من صناع القدر وأصحاب الاختصاص في المجال العلمي والدبلوماسي والإستراتيجي. ويمكن تصنيفه دون شك كبحث أكاديمي موثق ومكتوب باحتراف وبعمق وبموضوعية واستقلالية عاليتين.
يقع الكتاب في قسمين يخصص القسم الأول منه لعرض شامل لموضوع انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط والتي تعتبر أكثر منطقة في العالم معرضة للحروب والصراعات سواء بسبب مشاكلها وخلافاتها الموروثة أو بسبب ديناميات التغيير المتفجرة من داخلها أو بسبب وقوعها على خط الزلازل للصراعات الدولية منذ منتصف القرن الماضي وحتى وقتنا الراهن.
يقدم الكاتب في القسم الأول عرضاً شاملاً للبرامج الخاصة لكل دول منطقة الشرق الأوسط في سعيها لإنتاج أسلحة الدمار الشامل النووية والبيولوجية والكيماوية وبنظم الأسلحة اللازمة لنقلها إلى أهدافها، كما يناقش الدوافع والأسباب الكاملة وراء هذا السعي الحثيث لامتلاك أسلحة الدمار الشامل من قبل مختلف الدول، ويتعرض للمخاطر والتهديدات التي يمكن ان تدفع المنطقة نحو مواجهة مدمرة في أي نزاع مستقبلي. ويركز القسم الثاني من الكتاب وهو القسم الأوسع حيث يتضمن ثمانية فصول ومجموعة من الملاحق على المشروع النووي الإيراني وسياسة إيران الخارجية والأمنية.
لن استعرض بإسهاب مضمون الفصول كافةً ولكني سأحاول أن أعرض أمامكم الأفكار الرئيسية والمقاربات المميزة التي اعتمدها المؤلف في تقديمه لهذا البحث العلمي والدبلوماسي والاستراتيجي.
يقدم العميد عبد القادر في بداية الكتاب بحثاً عن سياسة إيران الخارجية والأمنية وعلاقاتها بالدول المحيطة بها وبالدول الكبرى سواء تلك التي ترتبط معها بعلاقات صداقة وتعاون كروسيا والصين أو تلك التي تختلف معها حول برنامجها النووي أو سياستها نحو جيرانها أو تلك التي في حالة صدام معها كالولايات المتحدة الأميركية.
يمثل الحكم الراهن بقيادة أحمدي نجاد مرحلة جديدة من الحكم المتشدد الذي عرفته إيران في مرحلة الإمام الخوميني وخصوصاً لجهة التشدد في حق إيران في امتلاك ا الأوروبية الثلاثية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) حول المشروع النووي الإيراني وتحديداً لما يعود لوقف برنامج تخصيب اليورانيوم في فترة زمنية محددة أما الموقف من إسرائيل فقد نادى أحمدي نجاد بضرورة محو إسرائيل عن الخريطة كما شكل بالمحرقة النازية ضد اليهود.
يقدم العميد عبد القادر تحليلاً مفصلاً للعناصر المؤثرة في صنع السياسة الخارجية والأمنية والإيرانية مركزاً على عنصري القومية الفارسية وعلى روح المغامرة وعلى الوهج الإسلامي المتشدد الذي أنتجته الثورة مع الأخذ بعين الاعتبار متغيرات الجيوبولتيك المحيطة بإيران والتعددية الاسمية للمجتمع الإيراني ومتطلبات النهوض بالاقتصاد الإيراني بالإضافة إلى الاحتفاظ بروح العداء لأمريكا.
ويرى العميد عبد القادر ان جميع متطلبات السياسة الخارجية الإيرانية تؤكد على طموحها للعب دورٍ مهيمن في منطقتي الخليج والشرق الأوسط وهذا ما تؤشر إليه جميع البرامج الخاصة بوزارة الدفاع وبالحرس الثوري كما تؤشر إليه طبيعة العلاقات التي ترتبط بها إيران بالدول الإقليمية وبالدول الإسلامية والدول الكبرى.
يستعرض العميد عبد القادر في حديثه عن البرنامج النووي الإيراني جذور الأزمة النووية مع إيران كما يفصل مصادر نقل التكنولوجيا النووية إلى إيران معتبراً ان البرنامج النووي الطموح الذي كان معتمداً أيام الشاه كما يحظى بمباركة وتعاونٍ كاملين من كل القوى الأوروبية والولايات المتحدة. وكانت الخطة تقضي ببناء 23 محطة نووية تتوزع على كل الأراضي الإيرانية وأن تكون جاهزة للعمل في منتصف التسعينات وخططت إيران لشراء مفاعلات نووية وإقامة دولة تكنولوجيا متكاملة تضعها على طريق صنع السلاح النووي. ويؤكد الخبراء ان طموحات إيران لامتلاك السلاح النووي قد بدأت في تلك الفترة حيث عملت وبشكلٍ مخالف لاتفاقية منع الانتشار النووي على برنامج لتطوير قنبلة نووية من خلال السعي لتخصيب اليورانيوم بواسطة أشعة الليزر.
توقفت الجهود الإيرانية بعد عام 1979 إلى أن اعاد إحيائها الإمام الخوميني في عام 1984 حيث تفيد تقارير عن تسلم إيران لمساعدات ومعدات ذات علاقة بالتكنولوجيا النووية من ألمانيا والأرجنتين وفي مرحلة لاحقة من كل من باكستان والصين.
بدأت الشكوك حول سعي إيراني حثيث لاستكمال كل عناصر المشروع النووي مع بداية التسعينات ولكنها أنكرت دائماً ذلك حتى العام 2003 حيث نقلت بعض الجهات المعارضة الإيرانية معلومات تفيد ان إيران جادة من أجل بناء سلاح نووي وهكذا تحولت مسألة امتلاك إيران لتكنولوجيا تخصيب اليورانيوم إلى قضية محورية وعلى اعتبار انها تشكل المدخل الفعلي لامتلاك إيران للسلاح النووي ضمن برنامج سري لا يخضع لأية رقابة دولية.
يحلل العميد عبد القادر الدوافع الإيرانية لامتلاك السلاح النووي ومن أبرزها طموحات الجمهورية الإسلامية للعب دور قيادي وأساسي في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم الإسلامي من خلال امتلاك السلاح النووي وخلق معادلة إستراتيجية جديدة، كما تعتقد إيران ان دورها التاريخي في غرب آسيا والشرق الأوسط يحتمان عليها تصحيح موازين القوى مع كل من الهند وباكستان وإسرائيل والتي تملك جميعها السلاح النووي، وتريد إيران الإفادة من دروس الحرب الأميركية على العراق حيث تعتقد انه لو امتلك العراق سلاحاً نووياً لما تجرأت الولايات المتحدة على حشد جيوشها لمهاجمته واحتلاله وتدغدغ بعض الأحلام والطموحات الإيرانية مخيلة القيادات المتشددة بإمكانية استعادة مجد الماضي وبناء إمبراطورية إسلامية حديثة على أنقاض الإمبراطورية الفارسية القديمة. وترى إيران أخيراً ان هناك ضرورة لامتلاكها سلاحاً نووياً من أجل إيجاد معادلة تمكنها من الإمساك بقواعد اللعبة في مسألة أمن الخليج وجنوب غرب آسيا.
يستعرض الكتاب أيضاً وبطريقة تحليلية تستمد منهجيتها من أصول وعمق علم الدبلوماسية والعلاقات الدولية الموقف الدولي من جهود إيران النووية حيث يحلل الموقف الإيراني اتجاه مطالب وكالة الطاقة الذرية وفي مواجهة المبادرات الأوروبية والضغوط الأميركية والإسرائيلية الساعية إلى وقف البرنامج النووي الإيراني. ويحلل العميد عبد القادر الرد الإيراني على هذه المحاولات حيث يجد أن هناك إجماع في صفوف الحكم وعلى مستوى المجتمع ككل حول ضرورة حصول الجمهورية الإسلامية على كل مكونات التكنولوجيا النووية وبشكل يعطيها القدرة لكي تصبح عضواً أساسياً في النادي النووي الدولي. ويرى أن المحافظين في الحكم قد قرروا ركوب المغامرة وتحمل الجميع النتائج المترتبة لمواجهة الضغوط بما فيها اللجوء إلى الخيار العسكري من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل.
من أبرز عناصر البحث الذي يقدمه العميد عبد القادر يتمثل بالمقارنة الإستراتيجية التي وضعها حول احتمال قيام الولايات المتحدة أو إسرائيل لمهاجمة إيران من أجل تدمير منشآتها النووية والحؤول دون حصولها على القنبلة.
وضع العميد عبد القادر الخطوط الكبرى لمقاربة هجومية إسرائيلية أو أميركية من أجل تدمير البرنامج الإيراني وهي تصلح دون شك لأن تدرس كنموذج استراتيجي للحرب الجوية التي يمكن ان تشنها قوى كبرى كالولايات المتحدة أو قوى متوسطة مثل إسرائيل.
ويميز العميد عبد القادر بين الإستراتيجية الجوية التي يمكن ان تعتمدها إسرائيل بقدراتها المحدودة نسبياً بالمقارنة مع الإستراتيجية التي يمكن ان تلجأ إليها الولايات المتحدة والتي تتعدى بشكل واضح المنشآت النووية الإيرانية لتشمل كل البنى الأساسية والأهداف الحيوية العسكرية والصناعية والتجهيزات الأساسية للدولة والمجتمع الإيرانيين.
قد لا تتمكن إسرائيل من ضرب أكثر من ستة أهداف نووية إيرانية بينما يمكن للولايات المتحدة ان تشن هجوماً مدمراً ضد مئات الأهداف النووية والعسكرية والبنى الأساسية الإيرانية. ستكون إسرائيل بحاجة إلى مساعدات عسكرية وأسناد لوجستي وتكنولوجي وأذونات بالعبور فوق أراضي بعض الدول التي تفصلها عن إيران، وذلك من اجل تحقيق النجاح في مثل هذه المهمة المعقدة. بينما تستطيع الولايات المتحدة من خلال انتشارها في المنطقة وإبحار أساطيلها في المحيط الهندي والبحر المتوسط وبحر العرب بالإضافة إلى ما تملكه من قدرات إستراتيجية عابرة للقارات ان تنفذ حرباً جوية تستمر لعدة أسابيع وتغطي كامل الأراضي الإيرانية.
ويحلل العميد عبد القادر جميع ردود الفعل الإيرانية في مواجهة الضربة الأميركية أو الإسرائيلية سواء بوسائل إيران الخاصة أو بواسطة بعض حلفائها وخصوصاً "حزب الله".
لا يترك العميد عبد القادر أي من عناصر الاعداد لتنفيذ السيناريو العسكري للصرف بل يدرس ويحلل بعمق كل العناصر وصولاً إلى تحليل كل المصاعب والتداعيات التي يمكن ان تنتج عن تنفيذ السيناريو الإسرائيلي أو السيناريو الأميركي.
في الاستنتاج العام يمكن اعتبار هذا الجزء من الكتاب نموذج لحرب جوية حديثة وهو يصلح في تدريسه كسيناريو عسكري افتراضي في معاهد ومراكز دراسات الاستراتيجيا العسكرية.
ويطرح العميد عبد القادر دراسة تحليلية لما يمكن أن تكون عليه الإستراتيجية الإيرانية بعد حصول إيران على القنبلة النووية كما يحاول ان يستقرء الفكر العسكري الإيراني من أجل وضع عقيدة إيرانية لاستعمال السلاح النووي وذلك بالقياس مع ما هو معتمد في دول نووية متوسطة كالهند وباكستان وإسرائيل. وهنا لا بد من لفت النظر إلى اعتماده على أن الرفض الدولي لامتلاك إيران القنبلة النووية سيدفعها إلى اعتماد (عقيدة الغموض) التي تعتمدها إسرائيل لجهة امتلاك واستعمال السلاح النووية.
ويتضمن الكتاب أيضاً فصلاً عن تطور البرنامج الإيراني لصنع الصواريخ المتوسطة المدى والذي يبدو انه سبق بمراحل سعيها لامتلاك أول سلاح نووي.
ويختم المؤلف كتابه بفصل حول الاستراتيجيات المتنافسة وخيار الحرب حيث يجد أنه ليس هناك في الأفق ما يؤشر على إمكانية تراجع إيران عن برنامجها النووي وخصوصاً ما يعود لإنتاج الوقود النووي من خلال تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم كما انه من المستبعد حصول اختراق دبلوماسي يسهل قيام حوار أميركي إيراني للخروج من المأزق الحالي. يبدو بوضوح ان الرئيس بوش لم يقدر بعد اعتماد مقاربة المفاوضات المباشرة مع إيران تفادياً لأية مواجهة عسكرية وهذا ما يفسر الرفض المتواصل لإجراء أية اتصالات بين الإدارة الأميركية والجمهورية الإسلامية.
إن اقتراب الأوروبيين من الموقف الأميركي بعدما رفضت إيران كل العروض المقدمة لها سيجعل من الصعب وقف مسلسل العقوبات الدولية ضد إيران حيث يبدو بوضوح ان هناك جهوداً تبذل لإضافة قرار دولي ثالث على القرارين رقم 1737 و1747 من أجل تشديد العقوبات ضد إيران.
لكن لا يمكن لاستراتيجية الولايات المتحدة الهادفة إلى تشديد العقوبات ان تنجح إلا إذا حظيت بموافقة روسية وصينية.
بشكل كتاب العميد الركن عبد القادر مرجعاً متكاملاً لفهم الواقع السياسي الإيراني ماضياً وحاضراً. من المؤكد ان إيران تحاول الاستفادة من المتغيرات الكبيرة الحاصلة على المستويين الإقليمي والدولي وخصوصاً تلك التي نتجت عن امتلاك العراق أو تلك التي جاءت كحصيلة لهجمات أيلول سنة 2001 ويعتبر هذا الكتاب مرجعاً أساسياً لكل الباحثين في التعقيدات التي تواجهها إيران على كل المستويات التقنية والدبلوماسية والسياسية والاقتصادية من أجل استعادة دورها الإقليمي المهيمن وتحقيق طموحاتها الإمبراطورية وفق ما ورد في عنوان هذا الكتاب.