الاستقلال والتحدّيات الراهنة
كلمة د. انطوان سيف
انطلياس 17-11-2021
أيهّا الأصدقاء،
دأبت الحركة الثقافية –انطلياس على إحياء ذكرى هذه المناسبة السنويّة، ذكرى استقلال الدولة اللبنانية وهي من أُولى جمهوريات الشرق الأسيوي والأفريقي، منذ تأسيس حركتنا في أواخر سبعينات القرن الماضي، بعد أربع سنوات من حرب الخمسة عشرة المديدة بويلاتها المختلفة تدميراً وقتلاً وتهجيراً وخطفاً... ولئن كانت المناسبة تنطوي على عيد وفرح عام، فهي كانت بالنسبة فرصة للتبصُّر في أحوالنا العصيبة ومناقشة قضايانا الملحّة في كل سنة، كما نفعل في هذه العشيّة، وتحت العنوان نفسه أي استقلال وتحدّيات المرحلة الراهنة،مع زملاء لنا مثقفين مواطنين يحملون الهمّ عينه من زوايا فكرية مختلفة، متنوعة باختصاصاتها ومقارباتها، مما أرسى لهذا المنبر صيتاً ديمقراطياً نادراً حتّى في أدق الظروف وأكثرها توتراً. واستكمالاً لهذا التقليد وقواعده التي أرساها على طول المراس والجُهد والجرأة برفع التحدّي، واجهتنا في هذه المناسبة بالذات، وهي الذكرى الثامنة والسبعين لاستقلال لبنان 1943 – 2021، مسألة عويصة غير مسبوقة: كيف نختزل، بمقياس الأكثر خطورةً وبالتالي إلحاحاً بمجموعة التحديات الراهنة التي تتهدّدنا على صعيد التراتب من حيث الأهمية والاختيار للطرح والمناقشة من غير أن نرتكب خطيئة إساءة تقدير جرح من جروحاتنا النازفة على حساب جرح آخر! لقد تجمّعت التحدّيات على قدم المساواة في المحن. لقد أصيب اللبنانيون في أقل من سنتين بثلاث مصائب كبرى متوازية: الانهيار الاقتصادي الرهيب لبلدهم، والوباء القاتل العام الذي تشاركوا مأساته مع كل شعوب الأرض، والانفجار الكبير لمرفأ عاصمتهم الذي لم يُعرف بقدره التفجيري أي حادث تاريخي آخرباستثناء القنبلتين الذرّيتين الشهيرتين على اليابان قبل حوالي السبعين سنة. كما عرفوا ثورة كبرى في 17 تشرين الأول 2019 استمرّت متّقدةً وواعدة باجتثاث تخلّف طبقتهم السياسية المنخورة بفساد ونهب المال العام لم يعرف بحجمه في التاريخ الحديث! وها نحن نكافح مفاعيله المتصاعدة إلى مستويات هائلة... في الغذاء، والدواء، والاستشفاء والتعليم والتربية، والبطالة والهجرة، ونهب الثروة الوطنية من الداخل ومن العدوّ الخارجي في الغاز والبترول واللعب بالحدود بتواطؤ قوى عالمية... إنّ خط الفقر بات يضم تحته غالبية الشعب اللبناني. فضلاً عن مشاكلنا الموروثة... وحَفَنَ أزماتنا بتوتّر كبير يهدّدنا بحرب داخلية تكون، كما يعرف المتخصصون بالعلوم الانسانية، تعويضاً لا واعياً عن هذا الاحتقان العام... وكل هذه الكوارث الوطنية، وهي تحديات راهنة وذات ديمومة واسعة، تمرّ بالسياسة الرشيدة المفقودة، ومع حرّاس دولة الفساد... دعونا نذكّر بأن اللبنانيين، وان هم اليوم في هذه الأوضاع المزرية التي تفوق طاقتهم، لم يألوا جهداً من المقاومة والثورة المضمرة الواعدة والمخيفة. لقد حققوا كل ما هو جدير في لبنان من انجازات اجتماعية لا يمكن إنكارها: هم الذين جعلوا دوماً بريق لبنان، في محيطه وفي العالم، يتجاوز حجمه الجغرافي والديمغرافي في الثقافة الحديثة، وفي نمط حياتهم العام المغتني من التنوّع العنصر الأساس لهامش الحرية الذي ينعمون به، بل في إنجازات هامة في العلمانية غير التامّة والتي لا عودة عنها إلى نظام مذهبي وعسكري أو ميليشياوي... بهذه المزايا تميّز لبنان في بيئته العربية ولا فضل للسياسة وأهلها وطبقتها في ذلك، التي كانت تحاول دائماً الحدّ من هذه الفضائل الشعبية اللبنانية، وإن منقوصةً. بهذا الرأسمال الباقي الزهيد، نحاول بتفاؤل كبير وبعناء أن نتجاوز معاً، بالوعي والمعرفة والارادة والشجاعة، أزماتنا، كما نفعل في هذا اللقاء، ولنا استكمالات له في برنامجنا. فأهلاَ بكم، منتدين وأصدقاء محاورين، في هذا المعترك الذي لن يستكين أبداً.
__________________________________________________
|
الإستقلال والحدود البحريّة اللبنانيّة، ومسار المفاوضات غير المباشرة |
العميد الركن المتقاعد خليل الجميّل |
|
|
الحركة الثقافيّة – انطلياس في 17 تشرين الثاني 2021 |
|
Table of Contents
-1إشكاليّات الحدود البريّة…………………… ….1
2-إشكاليّات الحدود البحريّة……………… 1
-إشكاليّة الحدود البحريّة للناحية الغربيّة مع جمهورية قبرص.2
-منهجيّة معيار التناسب وفق الطريقتين. 2
-إشكاليّة الحدود البحريّة الشماليّة مع سوريا4
-إشكاليّة الحدود البحريّة اللبنانيّة مع إسرائيل. 5
3-خطوات الترسيم ومسار المفاوضات البحريّة غير المباشرة.6
-ترسيم الحدود الحريّة اللبنانيّة عام 2009. 6
4- أمثلة عن أحكام صادرة عن محكمة العدل الدوليّة لجزر تمّ تجاهل تأثيرها على خطّ الحدود البحريّة 11
لماذا يجب تعديل المرسوم 6433/2011؟13
مقدمة
عرّفَت إتفاقيّة مونيفيديو بشأن واجبات وحقوق الدول عام 1933، الدولة المستقلّة، بأنها مساحة محدّدة من الأرض، تَمتلِك سكان دائمون، ولديها حكومة قادرة على المحافظة والسيطرة الفعَّالة على أراضيها، وإجراء العلاقات الدوليّة مع الدول الأخرى.
إذًا، من أجل إقامة دولة مستقلّة، يجب أن تتوفّر أربعة شروط أساسيّة هي: مساحة ذات حدود واضحة، سكان،سلطة وسيادة، وبما أن الحدود الدوليّة هي عبارة عن خطوط فاصلة بين الدول برًا وبحرًا وجوًا، ولها سمات معينة أهمّها، الثبات والوضـوح، فإنه إذا كانت حدود الدولة غير واضحة وغير ثابتة، فالسيادة تُعتبر ناقصة، وبالتالي فأن الإستقلال غير ناجز.
يُعاني لبنان من إشكاليّات حدوديّة من مختلف الجهّات البريّة/ (جنوب- شرق - شمال)، ومن مختلف الجهّات الحدوديّة البحرّية / (شمال- غرب- جنوب).
1- إشكاليّات الحدود البريّة
تقدر خسارة لبنان حوالي 486 الف متر مربّع على الخط الأزرق جنوبًا، وهي مساحات تعود للبنان وتمثِّل الفارق بين خط الانسحاب عام 2000 أو ما يسمى بالخط الأزرق، وخط الحدود الدوليّة أو خط الهدنة عام 1949، وقد تحفّظ لبنان لدى الأمم المتحدة على هذه المساحات التي يستولي عليها العدو الإسرائيلي وما يزال يطالب بها، كما تقدّر خسارة لبنان بحوالي 200كلم مربّع في مزارع شبعا، وتلال كفرشوبا والنخيلة.
بالنسبة للحدود اللبنانيّة السورية التي تبلغ حوالي48،7% من حدود الدولة اللبنانيّة، «لم تتوصل اللجان المختلفة اللبنانيّة والسوريّة إلى وضع محاضر شاملة بالنقاط الحدوديّة وأرقامها، مع الخرائط الموازية. وتاليًا لم يتمّ إرسال أي محضر إلى الأمم المتحدة يتضمّن إقرارًا متبادلًا بترسيم الحدود بين الدولتين» (كتاب الحدود اللبنانيّة – السوريّة/محاولات التحديد والترسيم 1920-2000، الدكتور عصام خليفة، الصفحة 202).
والأراضي غير المتفق عليها بين لبنان وسوريا، هيمناطق شاسعة ومتداخلة ومعظمها مساحات مملوكة لمواطنين لبنانيين بموجب صكوك شرعيّة (طابو) أو مشاعات لعشرات القرى اللبنانيّة الحدوديّة.
2- إشكاليّات الحدود البحريّة
تقدّر خسارة لبنان بحوالي 2650 كلم مربّع لجهة قبرص، و حوالي 2260 كلم مربّع لجهة إسرائيل، و حوالي 960 كلم مربّع لجهة سوريا، مما يعني إن خسارة لبنان من حقوقه في حدوده البحريّة توازي حوالي 5870 كلم مربّع، أي بنسبة أكثر من نصف مساحته البريّة.
- إشكاليّة الحدود البحريّة للناحية الغربيّة مع جمهورية قبرص.
رسّم لبنان حدوده مع قبرص عام 2007 في إتفاقيّة لم يصادق عليها البرلمان اللبناني لغاية تاريخه، وتعتبر غير نافذة، وذلك وفق منهجيّة ترسيم خاطئة إعتمدت طريقة خط الوسط، فالجزيرة المحاطة بالمياه من كل جانب لا يحقّ لها بمنطقة إقتصاديّة خالصة مثل بلد قاري له واجهة وحيدة على البحر، وبالتالي يجب إعتماد منهجيّة الترسيم وفق طريقة معيار التناسُب، وفق نسبة طول الإتجاه العام للشاطئ أو وفق نسبة الطول خط الشاطئ المتعرّج كما توضح الرسوم المبيّنة أدناه.
رسم يوضح طريقة الترسيم التي أعتُمِدَت في الإتفاقيّة اللبنانية القبرصيّة عام 2007
- منهجيّة معيار التناسب وفق الطريقتين:
الطريقة الأولى:نسبة طول الإتجاه العام للشاطئ وتقدّر خسارة لبنان بحوالي 2634،85 كلم مربع.
الطريقة الثانية: نسبة طول الشاطئ وتقدّر خسارة لبنان بحوالي 1620،11 كلم مربع.
إن هذه المساحات الضائعة تتضمّن أجزاء من أربعة بلوكات نفطيّة قبرصيّة، في منطقة غنيّة جدًا بالغاز الطبيعي .
1
رسم يوضح خسارة لبنان في منهجيّة الترسيم وفق طريقة معيار التناسب
رسم يوضح خسارة لبنان وفق معيار التناسب/ طريقة نسبة طول الإتجاه العامللشاطئ
- إشكاليّة الحدود البحريّة الشماليّة مع سوريا
رسّم لبنان حدوده البحريّة من الجهّة الشماليّة مع سوريا من طرف واحد عام 2011، وذلك وفق طربقة خط الوسط المُعتَمَدة عالميًا بين بلدين متلاصقين متجاورين، وصدرت إحداثيّات النقاط الحدوديّة بموجب المرسوم 6433/2011.
إعترض الجانب السورري عام 2014 لدى الأمم المتحدة على هذا الترسيم وإعتبره غير مُلزم بتاًتا لسوريا، وهو تدبير داخلي لبناني.
لم ترسّم سوريا حدودها البحريّة مع لبنان، ولكن من طريقة تلزيم البلوكات النفطيّة السوريّة، ومن ردّات فعل البحريّة السوريّة على مراكب الصيد اللبنانيّة، نستنتج أن سوريا قد حدّدت حدودها البحريّة مع لبنان ضمنيّا، وفق خطّ موازي لخطوط العرض (270 درجة)، ينطلق من مصبّ النهر الكبير الجنوبي حتى حدودها البحريّة مع قبرص
وفق وجهة النظر السوريّة في الترسيم، فأن خسارة لبنان نقدّر بحوالي 962 كلم مربع، في منطقة غنيّة أيضًا بالنفط والغاز الطبيعي، وفق ما يوضحه الرسمان أدناه.
رسمان يوضحان الفارق بين طريقتي الترسيم اللبنانيّة والسورية
- إشكاليّة الحدود البحريّة اللبنانيّة مع إسرائيل
إن مشكلة ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة مع إسرائيل، تعود بالتحديد لوجود وموقع (صخرة) تخليت على مسافة حوالي 1800 متر جنوب غرب رأس الناقورة، حيث يَعتبر لبنان أن ترسيم الحدود البحريّة يجب أن يتمّ بطريقة خط الوسط دون الأخذ بالاعتبار وجود الصخرة، وبالتالي يَربَح لبنان مساحة حوالي 1400كلم مربع بالإضافة الى الحدود التي أعلنها بموجب المرسوم 6433 عام 2011، والذي صَدَرَ دون الأخذ بالمعطيات المتوفّرة لصالح لبنان في حينه. في المقابل إعتَبَرَالجانب الأميركي (خط هوف) أن الترسيم يجب أن يتم بطريقة خط الوسط مع الأخذ بالإعتبار التأثير الكامل لصخرة تخليت، وبالتالي يخسر لبنان حوالي 392 كلم مربع من الحدود التي أعلنها عام 2011. بينما تعتبر إسرائيل أن حدود لبنان البحريّة تبدأ من النقطة رقم 1، وبالتالي يخسر لبنان حوالي 862 كلم مربع عن حدوده التي أعلنها عام 2007.
إن "تخليت" وهي عبارة عن صخرة بحريّة لا تزيد مساحتها عن 500 متر مربّع، تغمرها المياه وغير مأهولة كما يوضح الرسمان أدناه.
تنصّ إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار /جامايكا 1982 في المادة 121 الفقرة 3، على أنه " ليس للصخور الّتي لا تُهيّئ الإستمرار السكني للبشرية أو إستمرار حياة إقتصادية خاصّة بها، منطقة إقتصادية خالصة أو جرف قاري"، علمًا أن وجهة النظر الإسرائيليّة تدّعي عكس ذلك، وتعتبر أن لهذه الصخرة تأثير كامل يُفقد لبنان مساحة بحريّة تزيد عن 1800 كلم مربع غنيّة بحقول الغاز الطبيعي.
3- خطوات الترسيم ومسار المفاوضات البحريّة غير المباشرة.
- ترسيم الحدود الحريّة اللبنانيّة عام 2009
عام 2009 قامت اللجنة المشتركة بتحديد حدود لبنان البحرية لجهة الجنوب مع فلسطين المحتلة من جانب واحد إنطلاقًا من نقطة قرب النقطة: B1 رقمها (18) في رأس الناقورة، حتى النقطة رقم (23). ومع سوريا في الشمال إنطلاقاً من مصبّ النهر الكبير الجنوبي من لنقطة رقم (17) حتى النقطة رقم (7)، وتم وصل هذه الحدود مع الحدود البحرية التي تمّ الإتفاق عليها مع قبرص عام 2007 كما يوضح الرسم أدناه.
رسم يوضح كيفيّة تعديل لبنان لحدوده البحريّة
- ترسيم إسرائيل حدودها البحرية مع قبرص عام 2010، ثم مع لبنان من طرف واحد عام 2011
مع قبرص: أقدمت إسرائيل على الإنطلاق من النقطة رقم 1 (اللبنانيّة) حتى النقطة رقم 12 (الحدود البحرية بين إسرائيل ومصر) واعتبر الطرفان ان النقطة رقم واحد يُمكن مراجعتها..
مع لبنان: أقدمت إسرائيل على الإنطلاق من النقطة 31 (إسرائيليّة) حتى النقطة رقم 1 (لبنانيّة).
وذلك كما يبيّن الرسم أدناه
رسم يوضح كيفيّة ترسيم إسرائيل لحدودها البحريّة مع لبنان وقبرص
بناءً على طلب الحكومة اللبنانيّة أعدّ المكتب الهيدروغرافي البريطاني المتخصص بالشؤون الجغرافيّة البحريّة، دراسة حول حقوق لبنان البحريّة الجنوبيّة، وأكد أن الحدود اللبنانيّة البحريّة يجب أن تصل إلى ما يُعرف اليوم بالخط 29. لم تأخذ الحكومة اللبنانيّة بهذا الخط إنما إعتمدت الخط رقم 23.
الخريطة المرفقة بتقرير المكتب الهيدروغرافي البريطاني الذي قدّم للحكومة اللبنانيّة في 17 آب 2011
لم تُعرَف الأسباب التي أدّت إلى تجاهُل تقرير المكتب الهيدروغرافي البريطاني، وبعد حوالي شهر ونصف، أي بتاريخ 2011/10/1 صدَرَ المرسوم رقم 6433 الذي يحدّد حدود لبنان البحريّة الجنوبيّة بالخط 23 كما يوضح الرسم أدناه. وإحتفظ لبنان بحقّه في المادة الثالثة منه، بتعديل حدوده البحريّة في حال توفُّر معطيات أكثر دقة، وعلى ضوء المفاوضات مع الدول المعنيّةّ.
رسم يوضح حدود لبنان البحريّة وفق المرسوم 6433 تاريخ 1/10/2011
في العام 2012 اقتَرَحَ السفير الاميركي فردريك هوف ، خطاً ينتهي بالنقطة (H) إقتَرَحَ فية تقسيم المنطقة الواقعة بين النقطة رقم 1 والنقطة رقم 23 والبالغة 860 كلم مربع على الشكل التالي:
خلال العامين 2012 – 2013 أعدّ الجيش اللبناني (العقيد الرّكن البحري مازن بصبوص عضو الوفد اللبناني الحالي إلى المفاوضات غير المباشرة)، دراسة إقترح فيه تعديل لبنان لحدوده البحريّة الجنوبيّة وإستعادة حوالي 1400 كلم مربع تقع جنوب النقطة 23، وإنشاء مصلحة هيدروغرافيا شبيه بالمكتب الهيدروغرافي البريطاني UKHOلتحديث الخرائط البحرية، وللتمكّن من ترسيم الحدود البحرية بصورة أدق ووفقا للمعايير الدولية.
قام الجيش اللبناني بإنشاء مصلحة هيدروغرافيا شبيه بال UKHOلتحديث الخرائط البحرية، وفي حزيران 2018، قامت مصلحة الهيدروغرافيا في القوات البحريّة اللبنانية بمسح خط الأساس للشاطئ اللبناني الجنوبي في منطقة الناقورة بدقّة عالية مستخدمةً الأجهزة اللازمة ووفقاً للطرق المعتمدة دولياً، وبنتيجة هذا المسح توفَّرَت بيانات أكثر دقة مقارنةً مع ما كان متوافراً في السابق (2002 - 2009)، وبالتالي أصبحت هناك معطيات جديدة تستوجب تعديل المرسوم رقم 6433/2011 بالاستناد الى المادة الثالثة منه.
في شهر كانون الاول 2019 أحال الجيش اللبناني ملف ترسيم الحدود البحريّة بموجب كتاب رقم 5918/غ ع/و تاريخ 27/12/2019 صادر عن وزير الدفاع الوطني الياس بو صعب الى رئاسة مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب.
تم التأكيد على الكتاب السابق من قبل وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر بموجب كتاب آخر تحت رقم 780/غ ع/و تاريخ 9/3/2020.
بتاريخ 1/10/2020 أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري إتفاق الإطار، وسلّم الملف الى رئيس الجمهورية لبدء التفاوض بهدف الوصول الى الحلّ العادل والمُنصِف.
بدأت المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل بتاريخ 14/10/2020، وتمّ عقد خمسة إجتماعات بوساطة الولايات المتحدة الاميركية ورعاية الامم المتحدة، كان آخرها بتاريخ 4/5/2021 واجتماع آخر بتاريخ 14/6/2021 مع الوسيط الأميركي.
بيّن الوفد اللبناني وفق القانون الدولي، بأن المنطقة التي كان يُدَّعى أنه مُتنازع عليها، والبالغة 860 كلم مربع، غير صحيحة وبالتالي أصبحت غير موجودة، وهي من الماضي.
4- في ما يلي، أمثلة عن أحكام صادرة عن محكمة العدل الدوليّة لجزر تمّ تجاهل تأثيرها على خطّ الحدود البحريّة
- أبو موسى (دبي /الشارقة)،١٩٨١.
- جربة (ليبيا \ تونس)، محكمة العدل الدولية، ١٩٨٢.
- فيلفلة (ليبيا \ مالطا)، محكمة العدل الدولية، ١٩٨٥.
- جبل الطير وزبير (اليمن \ اريتريا)، تحكيم، ١٩٩٩.
- قطعة جرادة وفشط الجارم (قطر/ البحرين)، محكمة العدل الدولية، ٢٠٠٠.
- الرمال (نوفا سكوتيا \ نيوفوندلاند ولابرادور)، تحكيم ، ٢٠٠١.
- الثعابين (رومانيا /أوكرانيا)، محكمة العدل الدولية، ٢٠٠٩.
- ساينة مارتن (بنغلاديش \ ميانمار)، المحكمة الدولية لقانون البحار، ٢٠١٢.
- لوو كاي، كيتاسوينيو وسيرّانا (نيكاراغوا / كولومبيا)، محكمة العدل الدولية، ٢٠١٢.
في إجتهادات المحاكم الدولية وأهمها محكمة العدل الدولية، فأن الصخور أو الجزر التي لديها تأثير غير تناسبي على ترسيم الحدود البحرية، لا يؤخذ تأثيرها بالإعتبار، أو على الأقل تُعطى تأثيرًا نسبيًا، وغالبا ما يكون هذا التأثير نصفي. إلا أنه بالاستناد الى قرار محكمة العدل الدولية في مسألة كينيا الصومال هذا العام، فإن صخرة تخيلت لا يجب أن تُعطى أي تاثير.
في ما يلي رسوم توضيحيّة عن حكم محكمة العدل الدوليّة بين كينيا والصومال بتاريخ 12 تشرين الأول 2021 في قضيّة مشابهة تمامًا لقضيّة صخرة تخليت
- لماذا يجب تعديل المرسوم 6433/2011.
1- يُجبر إسرائيل للعودة الى المفاوضات دون شروط مسبقة.
2- عدم تعديل المرسوم يعني البقاء ضمن 860 كلم مربع وبالتالي عدم التوصّل الى حلّ.
3- حماية حقل قانا، وبالتالي تشجيع شركة توتال على متابعة عملها في البلوك 9 وتسريع العمل.
- في علم المفاوضات: الوسيط يحاول الحصول على نقاط القوة لكل طرف، للضغط بها على الطرف الآخر.
- لبنان الرسمي يُطالب رسمياً في الأمم المتحدة بالخط 23.
- الوفد المفاوض يطالب بالخط 29 وحماية حقل قانا المُحتَمَل.
كيف يستطيع الوسيط إقناع الإسرائيلي بإعطاء لبنان بأكثر مما يطالب به رسمياً في الأمم المتحدة؟
كيف يستطيع المفاوض الإسرائيلي إذا إقتنع قانوناً بحق لبنان، أن يقنع سلطته بإعطاء لبنان أكثر مما يطالب به رسمياً في الأمم المتحدة؟
حدود بريّة مُنتهكة أوغير محدّدة، يقضمها العدو بكل خبثٍ وبطء من جهة، أو من جهة أخرى تسودها آفة التهريب، التي تستنزف اقتصاد الدولة اللبنانيّة، وثغراتُ مفتوحة يتسلّل منها الإرهاب ويهدّد أمن البلاد، وتتدفق منها الهجرة غير الشرعيّة، من كل الدول المجاورة وغير المجاورة.
حدود بحريّة غير مرسّمة ومُنتهكة، وبالرغم من أن القانون الدولي إلى جانبنا، ولكن من الغريب فقد تبيّن أن ثبيت حقوقنا البحريّة والبريّة،هي مسألة داخلية قبل أن تكون شأنًا خارجيًا.
كل إستقلال ولبنان بخير.
______________________________________
أمين صالح:
- إذا القدر أدمعت عينه على لبنان، فكيف هي حال الرقم؟
آخر الأرقام عن الواقع في لبنان.
السلطة في لبنان لا تعاني في خلاف طائفي. هناك دولة قوية، متّحدة واستبدادية بالتحالف مع الرأسمال الريعي. نحن في صراع بين الناس ككل وبين سلطة متحكّمة أدّت إداراتها إلى هذا الانهيار.
- عندما استقل لبنان كان له وظيفة: مصرف، مستشفى، ترانزيت وسياحة الشرق. هذه الوظائف لم تعد موجودة وإلا نحن محكومون بالانحلال. فقدنا وظيفتنا. علينا ان نفكر ونُبدع حلاّ لأزمتنا.
- اعتمدت الدولة على اقتصاد الاستيراد والتصدير وهذا اقتصاد غير منتج. الصراع في العالم هو حول الإنتاج والتصدير. قوة الإنتاج في الصين تواجه الواقع الاقتصادي في اميركا.
- العجز في الميزان التجاري بحدود 15-16 مليار دولار. نحن لدينا استهلاك تفاخري، ومحاكاة. في المقابل الإنتاج الصناعي قليل. هذه مساوئ الاقتصاد الريفي 178 مليار دولار حجم الودائع 50 مليار دولار 2018 الودائع شكلت عبئاً. سياسة البنك المركزي أدّت الى إفلاسه. 15/11/2021 – 2.750.000 دولار أميركي لشركة التدقيق
- 67 مليار دولار خسائر المصرف المركزي
- الدين العام 98 مليار دولار شهر أيار 2021
- التحدّي النقدي – المالية العامة في عجز.
- نسبة الاقتطاع الضريبي تتراوح بين 16 و 17 % في باقي الدول بين 30 و 50%
- 77% من الضرائب هي على الاستهلاك يدفعها الفقراء، الأغنياء يدفعون 6.5% من واردات الموازنة. الواردات لا تغطي النفقات.
- مصروف الكهرباء: مراقب مالي في الكهرباء: معالجة الفيول: طن من 8 الى 50 مليار دولار. من 1993 – 2020 حصلت الدولة 250 مليار دولار أين ذهبت؟ 72 مليار دولار كل القطاع العام – رواتب، أين ذهب الباقي: 94% من الانفاق العام فوائد على الدين العام.
- 99% يملكون 94% من الودائع.
- 23 مودع يملكون 4 مليار 861 مليون دولار. 1% متحالفون مع الزعماء.
- زعماء الطوائف وأصحاب الرأسمال اتفقوا "نلغي الدين العام بخفض سعر الصرف. 15 – 17 سنت.
- 1816% تضخم مواد الغذائية.
1- خفض سعر العملة الوطنية – رفع الأسعار سيستكملان – زيادة الضرائب والرسوم: الدولار الجمركي – 14 مرة الضرائب سوف تزيد.
2- حل الناس: لا حل مع هذه الحكومة: فرض حكومة مستقلّة لها برنامج محصور بالانقاذ من الانهيار. الحل هو داخلي: كابيتال كونترول- اعتماد برنامج استعادة برنامج فوائد الدين العام – ارجاع الفوائد الزائدة للاغنياء – التحويل الى الخارج 18 مليار $ (4 مليار الى البيوت – 4 الى الخارج إعادة هذا المبلغ)
استرجاع الأموال المنهوبة وفوائد الدين العام.
__________________________________________
وسام سعادة:
- التطرّق للموضوعات ذات الصلة في الراهن اللبناني. أين ذهبت نضالات الشباب؟ اكثر ما يثيرني وأكثر ما يزعجني هو ان لبنان يعيش منذ سنوات في حركة انفصال عن العالم. الفجوة مدمّرة لمجتمع بأكمله وبشكل أساس للفئات العمرية التي ولدت بعد الحرب. هذا الانفصال المتمادي المرشح لأن يزداد عمقاً هو حركة انفصال عن العالم لا تجعل للأمل الى مسالك الرياد، واليأس الفعل الواقعي الوحيد. اليأس، يحث على القتال بحرية. منذ عامين ونيّف 2019، قامت انتفاضة في الوقت عينه في تشيلي ضد الفساد. النتيجة مختلفة في تشيلي: تشكيل دستور جديد. اما في لبنان فالأمور هي أصعب. لا يمكن اختصار المشكلات في لبنان الى مشكل واحد – نموذج الاقتصاد – تسيير أمور الدولة – مسار النزعات التغلّبية في لبنان. التغلّبية الفئوية المنهجية لم وتواجَه إلا بالارادوية والضبابية والتعلّق ببعض الصور المبثوثة من الماضي. البلد واقع في الألغارشية المدمّرة – عودة الناس الى اشكال بدائية للتداول بالعملة في عصر الثورة الرقمية والاقتصاد المعرفي – نعود الى كهف بدائي.
- لا يمكن للبنانيين ان يحرروا انفسهم بأنفسهم لن مشكلتهم تتعدّى قدرتهم ان يقوموا لوحدهم بالفعل الانقاذي.
- دعوة مراكمة من دون أوهام. انفصال البلد المتمادي عن العالم: إعادة البلد الى القرن 21 لا يمكن ان تكون مهمة لبنانية لبنانية فقط.
- البلد بحاجة الى اساطير جديدة. كلٌّ يغني اسطورته الإقرار بأن هناك شيئاً غير راكب في البلد. المشكلة ليست فقط في المنظومة. المشروع التغلّبي الفئوي يحمل مسؤولية الوضع، وهناك الاعتراف بما هو غير راكب في البلد من الأساس ويجعله سريع العطب. البلد غير راكب: لا بدّ من الاعتراف بهذا الواقع. البحث عن اساطير جديدة، لكن الدولة المركزية لا تفي به.
- الفرار خلاص فردي سهل
- لا يمكن ان يخرج كل الناس من هنا.
- ليس هناك من إمكانية لحلول سحرية.
- هذه الحاجة الى اساطير جديدة بدلاً من الدولة المركزية الجديدة.
- الخروج من الدولة المركزية والطائفية يتطلّب الاعتراف بما هو غير راكب، والوصول الى تفاهمات شاملة. هناك مرحلة مريرة ستسهلك عمر جيل كامل. التحدي الأساس: كيف يمكن ان نصل الى 2030؟ الخروج يستدعي التفكير في أسرع وقت هو اضمحلال العقد الاجتماعي. المشكلة مشكلة كيان.
__________________________________________________
كلمة البروفسور زهيدة درويش جبور
الإستقلال والحوار الوطني
يطيب لي بدايةً أن أتوجه بالشكر للزملاء في الحركة الثقافية-أنطلياس- وللصديق أنطوان سيف على تنظيم هذا اللقاء ونحن في خضم أزمة غير مسبوقة يتخبط فيها البلد. وهذا ما ليس غريباً على الحركة التي لطالما شكلت منبراً حراً للتداول في قضايا الوطن والفكر والثقافة والتي لم تتخل عن دورها في إطلاق الحوار وترسيخه بين اللبنانيين، على مدى عقود، فكانت السباقة إلى عقد مؤتمر الإنصهار الوطني، في الثمانينيات بينما كان الوطن لا يزال يعاني من التمزق والانقسامات.
لا أدعي أنني عالمة اجتماع ولا أن لي معرفة عميقة بعلم السياسة لكنني مجرد إنسانة فيهذا الشرقالمعذّب ومواطنة في بلد منكوب منذ ما ينيف عن 40 عاماً تتساءل لماذا وصل بنا الحال الى ما نحن عليه اليوم؟ هل بسبب النزاعات بين الأديان والطوائف والمذاهب، مما يحتمّ علينا إيلاء عناية كبرى لإرساء قواعد متينة لمنطق الحوار، وهذا ما لم تقصّر به الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني فتعددت المؤتمرات والندوات وكثر التنظير في الحوار وحوله. مع ذلك لم يؤد ذلك إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع. بل على العكس، تزداد العصبيات وتتفاقم الطائفية والمذهبية وتنغلق كل جماعة على نفسها خوفاً من الجماعة الأخرى التي تهدد وجودها كما يزعم البعض. ثمة، إذن، مدعاة للاستغراب والتساؤل عن مصدر الخلل.
أزعم أن أسباب الصراعات بين الطوائف والجماعات ليست عقائدية دينية، بل سياسية وإيديولوجية بامتياز. الحرب الأهلية في لبنان كانت في ظاهرها حرباً بين مسلمين ومسيحيين، لكنها في جوهرها نتيجة لصراعات عربية وإقليمية على أرض لبنان حيث وجدت مسرحاً مؤاتياً بسبب الترابط الذي كان قائماً ولا يزال، للأسف، بين تنوع الانتماءات الطائفية والمذهبية، والولاءات الإقليمية. لكن رغم ذلك، وفيما كان الاقتتال على الجبهات، بقي السواد الأعظم من اللبنانيين خارج منطق الحرب. ثمة مرويات كثيرة عن مسلمين حموا مسيحيين وعن مسيحيين أجاروا مسلمين بينما كان القتل على الهوية جريمة سائدة. وحبذا لو يلتفت المؤرخون لهذه المرويات التي تشكل جزءاً من التاريخ الحقيقي للحرب.
العلة الأساسية في رأيي هي في بنية النظام الطائفي التي يراد منها ظاهرياً الحفاظ على حقوق الجماعات وفعلياً الحفاظ على سلطة الزعامات الطائفية والسياسية المتوارثة، أضيفت إليها في فترة ما بعد الحرب سلطة المليشيات الحزبية، والتروستات المالية. مما يحملني على القول إن نظامنا على الرغم من كل ما ندعيه من تقدم لا يزال بطركياً عشائرياً إقطاعياً بامتياز، وهذه مفارقة كبيرة نظراً للكم الهائل من المثقفين والمتعلمين والمبدعين الذين يعيشون في هذا البلد، ولكنهم للأسف يجدون أنفسهم عاجزين عن إحداث التغيير، فظل منطق التبعية والزبائنية والاستزلام هو السائد. لقد قام نظام الطائف، كما صيغة 43 على توافقية أثبتت هشاشتها، وعلى ديموقراطية زائفة فبقي الاستقلال مهدداً، والسيادة منتهكة، تارةً من الشقيق، وتارةً من العدو، وراهناً من الغريب وريث تاريخ طويل من التوسع الإمبراطوري.
إن ضمان الاستقرار في مجتمع تعددي كالمجتمع اللبناني لا يتم إلا في إطار المواطنة والمشاركة الديموقراطية. لقد خرج اللبنانيون منذ 17 تشرين الى الشوارع ليعلنوا إرادتهم بالتغيير. إلا أن انتفاضتهم ما لبثت أن تعثرت حين نجح الممسكون بالسلطة في تفخيخها فطفت على السطح الانتماءات الى الزعيم والطائفة، فيما انكفأت غالبية الذين يرفضون تغليب الانتماء الجماعاتي على الانتماء الوطني الجامع. ومع ذلك لا بد من التأسيس على هذه الانتفاضة التي تجلت نتائجها في الانتخابات الطالبية في مختلف الجامعات، وفي انتخابات النقابات المهنية، مما يؤشر إلى نمو وعي مستقل لدى شرائح كبيرة من الشباب نأمل أن يتجسد في الانتخابات النيابية المقبلة، مع علمنا بأن النظام الانتخابي المعتمد إنما فصل على قياس أهل السلطة الذين يحكمون قبضتهم على البلد.
ان لبنان مهدد اليوم ليس في استقراره وامنه الاقتصادي والاجتماعي بل في هويته نفسها. لقد لعب بلدنا نظراً لما يتميز به من انفتاح تاريخي على الغرب وثقافته، ومن انتماء أصيل للعروبة لغة وثقافة وهوية، دور الوسيط بين شرق وغرب. وثمة سعي من البعض لأن يفقد هذا الدور. لهؤلاء نقول أن من مصلحة لبنان أن يحافظ على التوازن في علاقاته الدولية، وعلى ترسيخ انتمائه للعالم العربي الذي يشكل امتداداً طبيعياً له، وعلى عدم السقوط في فخ سياسة المحاور خاصةً في ظل التحولات الراهنة في السياسات الدولية والإقليمية والتي لم تظهر نتائجها بعد. إلا أن النأي بالنفس ليس مجرد شعار نحمله بل يجب أن يترجم إلى مواقف واضحة وحازمة يبدو أن الدولة عاجزة عن اتخاذها في ظل المنظومة المسيطرة على مختلف مؤسساتها بما فيها القضاء للأسف، وهو آخر حصن للديموقراطية. إن غالبية الشعب اللبناني هي اليوم رهينة لفئة لا تتردد عن إعلان تفوقها استناداً إلى قوة السلاح، لكن التاريخ علّمنا أن البلد لا يحكم بمنطق الغلبة وأنه لا بدّ من الاحتكام لمنطق الحوار وصولاً إلى تفاهم ممكن. قد يقول قائل، وعن حق، كيف يمكن الحوار في ظل السلاح؟ هذا صحيح. ولكن ما هو البديل عن الحوار؟ إما الحرب وإما الإذعان. وفي الحالين القضاء على لبنان.
لكن من يتحاور مع من؟ الفرقاء المتنازعون الذين يتناهشون السلطة منذ عقود ويسرقون ثروات البلد ثم يجلسون على طاولة مستديرة ويتنافقون ويتكاذبون ليصلوا إلى مصالحات هشة وحلول تضمن لهم ولأبنائهم من بعدهم الاستمرارية والبقاء؟ إذا كانت النظرة الواقعية الى الأمور تفضي إلى التسليم بحتمية هذا الحوار، إلا أن البناء على المدى الأبعد يقتضي حواراً من نوع مختلف يجمع أوسع شريحة من اللبنانيات واللبنانيين الذين يجدون أنفسهم خارج الاصطفافات السياسية والمذهبية والطائفية، والذين يحركهم توق واحد لبناء دولة المواطنة حيث الولاء أولاً وآخراً للوطن، فينكبون على بلورة بدائل عن نظام طائفي تجاوزه الزمن ليصنعوا لبناناً جديداً يليق بشاباته وشبانه الذين لا يزالون يدهشون العالم بإبداعاتهم ونجاحاتهم، بينما لم يجدوا لهم مكاناً في وطنهم. إن الحاجة اليوم، ونحن على أعتاب انتخابات تشريعية، نأمل أن لا ينجح أهل السلطة في تأجيلها أو إلغائها، إلى حوار حقيقي يبدو أنه بدء بين مختلف مكونات المجتمع المدني ومجموعات انتفاضة 17 تشرين للاتفاق حول لوائح موحدة على مساحة الوطن فيقدمون للبنانيين نماذج تتمتع بالكفاءة والنزاهة. الانتخابات لحظة مصيرية، فإما أن يبدأ المشوار الطويل نحو لبنان المستقبل، وإما أن ينتهي البلد الذي أحببناه ولا نرضى عنه بديلا. ثمة انتقادات كثيرة ومحقة للنظام الانتخابي الحالي، ومع ذلك إن توحدت قوى المعارضة ستحقق اختراقات جيدة في بنية نظام المحاصصة القائم. إن التخاذل عن أداء واجب الاقتراع هو اليوم بمثابة خيانة، كما إن التخاذل خيانة لأنه يخدم منطق التأييس الذي تروج له السلطة. كل منا يستطيع في مجاله أن يبث جرعة من الأمل وأن يعزز الثقة بأنه يمكننا أن نفعل شيئاً. هذا على المستوى القصير، أما على المستوى البعيد فيجدر العمل من خلال المدارس والجامعات على إيقاظ الوعي النقدي وبناء الفكر المستقل، فلا ينقاد شبابنا للشعارات الجوفاء، ولا ينضوون تحت لواء أحزاب هي أدوات لأجندات خارجية، أو تيارات مسخرة لتحقيق مصالح زعاماتية. لا استقلال دون مستقلين، ولا تغيير دون تغييريين، كما أن التغيير في الفكر يبدأ بتغيير اللغة وربما قد بدأ يتجلى في التخلي عن ألقاب طنانة رنانة موروثة من العهد العثماني، يتباهى بها السياسون ولا وجود لها إلا الدول المتخلفة.
أخيراً يقول أحد الشعراء: "ليس أصعب من اليأس إلا التمسك بالأمل"، لكننا نقول ليس من سلاح أقوى في وجه الظلم والظلامية من العزيمة والثبات وسرهما الأمل.