نظمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" ندوة حول كتاب الدكتور أنطوان الدويهي "مجتمع زغرتا" La société de Zghorta الصّادر باللّغة الفرنسيّة، شارك فيها كلّ من الدكتور بطرس لبكي، و الدكتورة اليزابيت لونغونيس، والمحامي بدوي أبو ديب، وأدارها إدارة الدكتور ملحم شاوول.
رحّب الدكتور ملحم شاوول بالمشاركين في هذه النّدوة وترك المنبر للدكتورة اليزابيت لونغونيس.
ألقت الدكتورة الفرنسيّة اليزابيت لونغونيس كلمة باللغة الفرنسيّة ذكرت فيها أهمّ الأحداث التي تضمنّها كتاب "مجتمع زغرتا الذي سلّط الضوء على جذور الانقسام السياسيّ في زغرتا حول خمس عائلات هي آل فرنجيه، وآل دويهي، وآل كرم، وآل معوّض، وآل بولس، وآل مكاري. ولم ترث هذه العائلات الزعامة السياسيّة لأنّ الزّعامة في زغرتا في القرن التاسع عشر اقتصرت على آل كرم وآل دويهي. وأضافت أنّ الدكتور أنطوان الدويهي تحدّث عن خمسة مواضيع مهمّة في كتابه بغية تفسير خصوصيّة تاريخ زغرتا السياسيّ الاجتماعيّ. شملت أولاً هشاشة النّظام الإقطاعيّ في المناطق المارونيّة الشمالية مقارنة مع جبل لبنان، وثانيًا كون زغرتا جبهة مسيحيّة بإزاء الانتشار المسلم في السهل، وثالثًا حجم الديناميكيّة التنافسيّة جراء منطق الاحتكار الذي ساد في الأسواق الاقتصاديّة، ورابعًا النزاعات الداخلية العنيفة التي أضعفت زغرتا وزادت من قوّة طرابلس، وأخيرًا تمركز زغرتا في الحياة السياسيّة اللبنانيّة. وأردفت أنّ أحداث الكتاب تتوقف عند العام 1978، ولكنّ مداخلتها تتخطّى هذا التاريخ. فهي بغية فهم أثر التغيّرات الاجتماعيّة الاقتصاديّة على الحياة السياسيّة، تضع تحت المجهر ثلاثة عقود وهي انتهاء الحرب اللبنانيّة مع عقد اتفاق الطّائف وانتخاب رينيه معوّض الزغرتاويّ رئيسًا للجمهوريّة، وعقدين من الزمن ساد فيهما السلام بوجود الرئيس رفيق الحريري في سدة الرئاسة، والانقسام السياسيّ بين جبهتيّ 14 و8 آذار بعد اغتياله. فرأت أن زغرتا حاليًا تختلف تمامًا عن زغرتا ما قبل السبعينات. فاليوم باتت ضعفي المساحة، وتتمتّع بديناميكيّة اقتصاديّة لم يكن لها مثيل في السابق. وذكرت أن زغرتا تطوّرت وازدهرت بعد الأحداث التي نشأت بينها وبين طرابلس، فأصبحت قبلة العائلات المسيحيّة تقصدها لكلّ الحاجيّات، فارتفع مستوى المعيشة الاقتصاديّة، وباتت الآن تضمّ ثلاث مستشفيات، وأطبّاء عدّة. ولم يعد السكان يرحلون عنها بعد أن انتشرت المدارس والجامعات في محافظة لبنان الشماليّ. وقالت إنّ الانقسام الحاليّ بين مؤيدي 14 آذار ومؤيّدي 8 آذار ما هو إلا نقل لازدواجيّة وضعت في السابق آل فرنجيه في مواجهة مع آل دويهي، وآل معوّض لاحقًا وآنًا. وما زال الأهالي يعربون عن ولائهم للعائلات المتزعّمة. وشدّدت أخيرًا على أنّ المجتمع قد تبدّل، فهي بصفتها عالمة اجتماعيّة، تؤمن بأنّ التغيير المستمرّ هو الثبات الوحيد في المجتمع.
وذكر الدكتور بطرس لبكي أنّ الكتاب يتناول بشكل خاص خصوصية المجتمع الزغرتاوي كمجتمع طرفي على الشمال الأقصى لبلاد الموارنة، والزعامات التي تربعت على عرش هذا المجتمع، بالإضافة إلى تداول القيادة السياسية بين العائلات حتى وصول المجتمع أثناء الانتداب والاستقلال إلى مجتمع خماسي الأضلاع حول خمس عائلات أساسيّة. وهو يطرح أيضًا دور النظام البرلماني ودورات الانتخاب، والانتقال من الدائرة الكبرى إلى الدائرة القضاء ما نقل الصراعات إلى داخل، وجعل ظاهرة الثأر تتفشى. ويركز أيضًا الكتاب على نزعة القيادة الزغرتاويّة لحكم لبنان، واندماج هذا المجتمع في الحياة السياسيّة اللبنانيّة.
أما المحامي بدوي أبو ديب الذي ألقى كلمته بالفرنسية، فشكر الكاتب الدكتور أنطوان الدويهي على اختياره هذا الموضوع الذي يعنيه بشكل خاص، لكونه يتحدّر من زغرتا. فهو أكثر من يعلم أنّ زغرتا في ذاكرتنا الجماعيّة تقتصر على نساء التحفن بالسواد، ورجال تأبطوا الأسلحة. لذلك أتى كتاب الدكتور أنطوان الدويهي ليسلّط الضوء على هذا المجتمع، فيزيح عنه لقب "صقلية" الشرق. ويضيف المحامي بدوي أبو ديب أنّ الكاتب يتحدّث بموضوعيّة تامة عن أسباب تأصل العادات والنزعات الحربية داخل المجتمع الزغرتاوي، واعتماد نموذج السياسي الاجتماعي العائلي، واللجوء إلى عدالة خاصة. ولكن أكثر ما شدّه في هذا الكتاب هو وصف الدكتور انطوان الدويهي لإهدن على أنّها " رمز الصيّف المنتظر، وجنّة البشر المكتسبة". وأعرب عن ولائه لهذا المجتمع ضاربًا عرض الحائط بكل ما قيل ويُقال عنه، فهو محظوظ لأنّ أمه ولدته في هذا البلد الذي يسمح للنفس بأن ترقى نحو الأعلى. ونوّه بالدور الذي يلعبه الدكتور انطوان الدويهي، فهو من هذه النخبة التي عرفت كيف تتميّز عن الآخرين. وأنهى كلمته مصرحًا بأنّه يرتقب جديد الدكتور دويهي حتى لو عندما يغدو هذا الأخير في خريف عمره.