ماذا بعد نهر البارد ؟

الأربعاء 12 كانون الأول 2007

 

كلمة الأستاذ منير سلامه

 

            ماذا بعد نهر البارد؟

عنوان ندوتنا اليوم 12/12/2007 وقد أقرت منذ أكثر من شهر وتشاء الصدف ان يكون هذا اليوم يوم استشهاد قائد مميز من القادة الذين أنقذوا لبنان من المؤامرة التي كان عنوانها "فتح الإسلام"

          وكم هي قاسية الصدف أحيانا

          السؤال الأهم أليس هذا الاغتيال رسالة إلى قائد الجيش العماد سليمان المرشح للرئاسة يشبه عملية إنقاذ.

          ورسالةً الى المؤسسة العسكرية والى اللبنانيين عموماً. بأنه ممنوع عليكم ان ترتاحوا فحتى قادة المؤسسة التي تلتقون حولها هم بمتناولنا ولن تكون هي خشبة الخلاص.

مضى ثلاثة أشهر على انتهاء معركة نهر البارد والقضاء على ما سميّ "بفتح الإسلام"، التي اثبت فيها الجيش اللبناني دوره الأساسي ومدى قدرته في الحفاظ على امن الوطن والمواطنين. كما اثبت، وفي ظل التجاذب السياسي الحاد وانعكاساته على وحدة اللبنانيين، انه ما زال جسر التواصل المتين بينهم يخافون عليه ويلتفون حوله باستثناء بعض الأصوات النشاز التي لا تريد في الأصل جيشاً لبنانياً.

          بعد ثلاثة أشهر، وفي ظل حالة الهذيان السياسية والدستورية التي ترافق استحقاق تداول السلطة وهو ما يجب ان يكون طبيعياً في الأنظمة الديمقراطية، نسي الكثيرون منا حالة الخطر التي عبرها لبنان الوطن بفضل أكثر من مئة واثنين وستين بطلاً قدّموا حياتهم قرباناً لحياته. هذه الحالة التي كانت وجهاً من وجوه المدى الذي بلغته الصراعات الإقليمية والدولية على الأرض اللبنانية التي ما زالت أطراف كثيرة داخلية تمهّدها ساحة لهذه الصراعات كما تشكّل امتداداً لسياسات تحاول ان تجعل من لبنان نموذجاً آخراً للحالة العراقية...

          أيها الأصدقاء،

          ".... من المعروف ان المخيمات الفلسطينية في شمال لبنان كانت قد سيطرت عليها منظمات فلسطينية موالية لسوريا منذ العام 1986؟؟؟ خاصة "فتح الانتفاضة" التي تتبع العقيد أبو موسى". (ص 30 من كتاب نهر البارد الصادر حديثاً للعميد الدكتور سامي ريحانا) وفي الصفحة 32 من الكتاب المذكور "في 27 تشرين الثاني 2006 فوجئ سكان مخيم نهر البارد بصدور بيان عن مجموعات فتح الانتفاضة يعلنون انشقاقهم عن الحركة باسم "فتح الإسلام" ".

          وذلك "بقيادة شاكر العبسي الذي كان موقوفاً في سوريا ومتهماً من محكمة امن الدولة الأردنية بإدارة معسكر تدريب في سوريا لإيواء وتجهيز انتحاريين للقاعدة". (ص 34 – 35).

          أيها السادة،

          لن آخذ من وقت المحاضرين الكرام وهم من ابرز المحللين العسكريين والسياسيين في لبنان والدول العربية، لكن سأطرح عدة أسئلة أتمنى ان أجد أجوبتها في كلمات المحاضرين.

1-     من منع تطبيق سلطة الدولة وفقاً لبنود الطائف سنة 1991 على المخيمات الفلسطينية ولماذا؟

2-     من سمح لقوى فلسطينية بالانتشار خارج المخيمات وبإقامة مراكز عسكرية لها مزودة بسلاح الجيوش ومن قدّم لها هذا السلاح؟

3-     من أعاد ربط الوضع الفلسطيني في لبنان بسياسة المحاور الإقليمية؟

4-     من سمح للمجموعات السلفية بالانتشار والتسلّح في شمالي لبنان وفي غيره من المناطق طوال سنوات؟

5-     من اين أتى كلّ هذا السلاح الذي قاتلت به "فتح الإسلام"؟ ولماذا تخلّت "منظمات الرفض الفلسطينية" عن مستودعات أسلحتها لهذه المجموعة؟ ومن اين كل هذا التمويل؟

6-     هل صحيح ان الذين قاتلوا في صفوف "فتح الإسلام" هم من العقائديين السلفيين ام كان بينهم ضباط وجنود مدربين تدريباً عالياً.

7-     كيف ارتفع عدد المقاتلين الى حوالي الألف؟

8-     كيف اختفى شاكر العبسي؟ ومن وراء مسرحية التعرّف على جثته ثم إنكار ذلك...

9-     هل ظاهرة "القاعدة" ومتفرعاتها من "فتح الإسلام" وغيرها عناوين لمنظمات تستخدمها مخابرات بعض الدول الإقليمية والدولية لأهداف محددة؟

10-واستطراداً ما هي الحلول والإجراءات السياسية التي يجب ان نعتمدها لتحاشي تكرار مثل هذه المأساة مستقبلاً!

هذه الأسئلة وكثير غيرها طرحها ويطرحها اللبنانيون

 

 

          أيها الأصدقاء،

          كلنا يعرف ان معالجة الأوضاع الفلسطينية في لبنان لها جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية وإعلامية تتحمل الدولة اللبنانية والمجتمعان الدولي والعربي مسؤولياتها.

          بالإضافة إلى الجانبين العسكري والأمني اللذين يجب ان يرتبطا فقط بالدولة اللبنانية وبأجهزتها العسكرية والأمنية. وذلك لحماية الفلسطينيين من استمرار القوى الإقليمية وغيرها في استغلالهم كأدوات لسياساتها وفي تغذية صراعاتهم الداخلية. فيما إسرائيل تقضم يومياً مزيداً من ارض فلسطين وتعمل على تأخير قيام الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى بلادهم.

          وفي الانتظار تبقى الدولة اللبنانية مسؤولة وحدها عن فرض القانون على اراضيها بما في ذلك على الفلسطينيين داخل المخيمات وخارجها. 

 


 

كلمة نزار عبد القادر

 

شكلت معركة نهر البارد اختباراً فعلياً لوحدة الجيش اللبناني ولقدراته القتالية، وقد نجح الجيش في هذا الاختبار الخطير بالرغم من الظروف السياسية والميدانية المعقدة بالإضافة الى نقص كبير في الأسلحة والذخائر والعتاد والتدريب. تصنّف العملية القتالية ضمن احد نماذج الحروب الحديثة، وهي تجمع ما بين مكافحة الإرهاب والحرب في المناطق الآهلة وضد إرهابيين متمرسين بأعمال القنص والتفجير والتفخيخ ولديهم القرار بالقتال حتى الاستشهاد.

دخل الجيش في حرب غير تقليدية، في وقت لم يمكن محضراً لها وان أفضل مقياس يمكن استعماله لتقويم قيمة الانتصار الذي تحقق يتمثل باستيعاب ما واجهته مشاة البحرية الاميركية من مصاعب في معركتين خاضهما في النجف ضد معاقل جيش المهدي – وفي الفلوجة ضد جماعة ارهابية بقيادة شاكر العبسي المعروف باسم ابو مصعب الزرقاوي. في التحليل لموضوع فتح الاسلام والذي يمكنه النظر اليه كالشقيق الاصغر لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين. والذي أسسه ابو مصعب الزرقاوي وذلك انطلاقاً من الارتباط الايديولوجي – الجهادي بين الرجلين، فانه كان يلزم العبسي فترة سنتين على الاقل من اجل بناء أرضية صلبة لتنظيم فتح الإسلام في لبنان بحيث لا تقتصر وجوده على مخيم نهر البارد بل يتمدد الى المخيمات الأخرى لينضم الى صفوفه مئات من الأصوليين الإسلاميين من لبنانيين وأغراب.

كان يمكنه انه يحظى "فتح الإسلام" خلال هذه الفترة باهتمام ايمن الظواهري بما يوفر له الدعم المالي، بالإضافة الى الدعم الذي يتلقاه من الجهات الإقليمية التي دفعته الى لبنان ودعمت إنشائه والمال والسلاح.

يبدو من مراجعة مسلسل الأحداث ان التنظيم قد تحرك (وافتعل سرقة بنك المتوسط) وفق أجندة لا تتناسب مع الروزنامة الزمنية اللازمة لبناء أرضية صلبة يرتكز عليها. بحيث يصبح من الصعب حصره وتطويقه وتدميره في بقعة ضيقة مثل مخيم البارد. هذه الأجندة التي طبقها العبسي مرتبطة بمصالح وأولويات الجهات الإقليمية التي دفعته الى لبنان ووفرت له كل الظروف والإمكانات للحلول مكان "فتح الانتفاضة". هناك اعتقاد لدى عدد كبير من المراقبين ان توقيت الأحداث يرتبط الى حد كبير بإرادة جهات خارجية كان من مصلحتها وقوع حوادث امنية كبيرة في لبنان خدمة لمصالحها ومنها الاقتصاص من الأكثرية اللبنانية وحكومة السنيورة وبقصد التعكير على اقرار مجلس الأمن للمحكمة الدولية ويعتقد ان المخطط كان يقضي ان تبدأ الأحداث في نهر البارد وتتوسع لتشمل مخيمات أخرى.

حقق الجيش بتضحياته وتماسكه انجازاً يتعدى في قيمته الوطنية كل المقاييس الأمنية والعسكرية حيث جمع اللبنانيين حول بارقة أمل وقيام وطن سيد حر وقيام دولة تمتلك القدرة على اتخاذ القرارات الأمنية الصعبة من اجل حماية المجتمع والوطن. لقد اسقط الجيش في نهر البارد كل الرهانات على انقسامه او على الأقل فشله في مواجهة متطلبات المعركة في هذه البيئة الصعبة وضد جماعة إرهابية نذرت نفسها للقتال حتى النهاية.

تخطى الجيش كل خطوط الانقسام الطائفي والمذهبي وقاتل ببساطة وان لائحة أسماء الشهداء تؤكد على حقيقة ناصعة تتمثل بإرادة اللبنانيين وقدرتهم للقتال والاستشهاد دفاعاً عن لبنان اذا ما تأمنت الظروف السياسية والعسكرية اللازمة. ان لائحة أسماء الشهداء وانتماءاتهم الطائفية تؤكد على انه ليس هناك من طوائف مستعدة للدفاع عن لبنان وطوائف أخرى ترفض المشاركة بهذه المهمة. لقد قاتل جميع العسكريين من كل الطوائف والمناطق موحدين تحت العلم اللبناني معبرين عن إيمانهم بوطنهم ومؤسستهم العسكرية.

وحد اداء الجيش في المعركة وتضحياته الكبيرة جميع اللبنانيين ويمكن القول ان الشعار القائل "في القلب يا وطن" قد تحول الى حقيقة تعبر عنه ثقة المواطنين وافتخارهم بالمؤسسة العسكرية.

لا بد من الاعتراف بالهيمنة العالية والانضباطية العسكرية اللافتة التي تميز بها اداء وحدات الجيش في الميدان، حيث ترافق حزم القرار مع الحكمة والدراية منعاً لأي توظيف طائفي او مذهبي او سياسي.

لم تنته فصول المؤامرة التي يواجهها لبنان فالحرب "غير التقليدية" التي تشن عليه ما زالت في بداياتها وان الواقعية تفترض ان يبقى الجيش على استعداد تام لمواجهة استمرار المؤامرة خصوصاً خلال هذه الفترة حيث يبدو ان المخطط يقضي باحداث فراغ في السلطة يؤدي الى شلل السلطة والدفع باتجاه حالة "اللادولة".

بلغني اثناء كتابة هذا التقويم العام نبأ تعرض مدير عمليات الجيش العميد الركن فرنسوا الحاج لانفجار اودى بحياته هذه الجريمة الارهابية تؤكد ان لبنان يتعرض لحرب متعددة الوجوه وبان الارهاب لم ينته بسقوط مخيم نهر البارد. تُستخدم في الحرب المستمرة طرائق ووسائل غير تقليدية انها نوع من انواع الحرب الحديثة التي يختلط فيها الارهاب بالحرب الثورية والتي تتحول مجتمعة الى معضلة امنية معقدة يصعب حصرها في الاطار الجغرافي او الزمني وان ما يزيد من صعوبة مواجهة هذه الحرب تحول الخلافات السياسية اللبنانية الى مأزق سياسي وفراغ في السلطة تستغله قوى اقليمية وجماعات ارهابية لتستعيد حربها على لبنان.

شكلت فتح الاسلام وبعض الخلايا الاخرى المرتبطة بها احد وجوه الحرب غير التقليدية ويبدو ان هذه الحرب مرشحة للاستمرار حتى بعد سقوط مخيم نهر البارد وعلى اساس انها تشكل جزءاً اساسياً من المواجهة الأوسع الجارية بين قوى اقليمية وقوى دولية ولبنان واحد من مسارحها المتعددة تتراوح الطرائق والتكتيكات المستعملة في هذه الحرب غير التقليدية بهدف اصفاف الدولة واسقاطها.

ان كل المؤشرات وآخرها جريمة اغتيال العميد الركن فرنسوا الحاج تؤكد على استمرار هذه الحرب غير التقليدية والتي يمكن ان تتوسع لتغيير المعادلة الامنية المتمثلة بالجيش وذلك من خلال:

1-  استهداف الجيش اللبناني من اجل اضعافه وذلك على اساس ما زال يشكل العمود الفقري الذي تستند اليه السلطة لحماية المؤسسات العامة وحماية المجتمع بالحفاظ على السلم الاهلي بالاضافة الى تنفيذ المهمات المطلوبة بموجب الالتزامات الرسمية التي قدمها لبنان لتنفيذ القرارات الدولية وخصوصاً القرار 1701.

2-  شن سلسلة من الهجمات الارهابية ضد القوات الدولية العاملة في الجنوب وخصوصاً ذراعها الاوروبي والتي شهدنا في الماضي القريب بعض فصولها في مرج مرجعيون قرب نبع الدردارة وفي القاسمية من اجل ترحيل القوات الاوروبية عن الجنوب وبالتالي استكمال حدود لبنان كجبهة مفتوحة ضد اسرائيل بعد اسقاط كل الضوابط التي نص عليها القرار الدولي 1701 لقد عبّرت جهات اقليمية في اكثر من مناسبة عن تحويل لبنان الى ساحة لمواجهة اميركا واسرائيل.

3-  الاستمرار في ممارسة جميع انواع الضغوط من اجل تعطيل كل الآليات الدستورية والسياسية لمنع انتخاب رئيس للجمهورية واستعادة المبادرة في قيام حكومة وطنية قادرة على معالجة كل وجوه الازمة الراهنة تتركز الآن الحملة على لبنان ويبدو ان الهدف من الضغوط الامنية والسياسية المستمرة استنساخ سيناريو الحركة الانقلابية التي قادتها حماس في غزة وذلك ضمن مخطط عام يخدم قوى اقليمية محددة. ليس امام اللبنانيين من بديل لاعتماد سياسة الصمود الفاعل ولا يعني ذلك تحمل كل الضربات الموجعة من ممارسة كل اشكال هذه الحرب غير التقليدية بانتظار ان يأتي المجتمع الدولي لحمايتنا. ان على اللبنانيين الاعتماد على قدراته لتحقيق الصمود السياسي والعسكري والامني، ولا بد ان يترافق هذا الصمود مع سعي حثيث لاعادة بناء السلطة وبناء المؤسسات العسكرية والامنية القادرة على تحقيق السيادة والاستقلال.


 

 

كلمة الدكتور مصطفى أديب

 

في أعقاب الحرب الضارية التي خاضها الجيش اللبناني باللحم الحي , و الانتصار المدوي الذي حققه على منظمة فتح الإسلام, التي اتخذت من نهر البارد مقرا لها. أثير العديد من الأسئلة حول طبيعة هذا التنظيم و نشأته و آلية عمله و الجهات التي وقفت وراءه و أمدته بالمال و السلاح و التسهيلات, حتى وصل إلى ما وصل إليه في فترة زمنية قصيرة جدا.

و الحقيقة أن الكثير من هذه التساؤلات بقيت من دون أجوبة أو أعطيت لها أجوبة متناقضة تبعا للجهات التي صدرت عنها هذه الأجوبة و التوجهات  و الاصطفاف السياسي لهذه الجهات.

و لعل السؤال الأهم الذي بقي من دون جواب يتعلق بتوفر الإمكانية مرة جديدة لولادة و تطور تنظيمات مشابهة لهذا التنظيم في مناطق و بؤر أخرى في لبنان, أو باختصار ماذا بعد فتح الإسلام؟.

و للإجابة على هذا السؤال سنحاول من خلال السطور التالية و من خلال الوقت المتاح إلقاء الضوء على النقاط التالية:

- نشأة فتح الإسلام و العلاقة مع تنظيم القاعدة.

- التنظيم الداخلي في فتح الإسلام.

- التوجهات العقائدية و السياسية لهذا التنظيم.

- البيئة المساعدة التي وفرت حرية العمل لهذا التنظيم.

1- نشأة فتح الإسلام و العلاقة مع القاعدة :

لعل اسم فتح الإسلام مستمد في الأساس من فتح الانتفاضة ( من مقال للأستاذ غسان ريفي في السفير) .

لا يخفى على أحد أن فتح الانتفاضة هو تنظيم فلسطيني انشق عن منظمة فتح ألام في العام 1983 بتشجيع و رعاية من سوريا. إذ في تلك الفترة كانت العلاقة بين فتح و سوريا متردية جدا, و قد حاولت سوريا تفتيت منظمة فتح بقيادة ياسر عرفات و إحداث انشقاقات خطيرة داخلها. و قد قام بعملية الانشقاق و تأسيس فتح الانتفاضة نائب قائد قوات العاصفة أبو صالح و العقيدين أبو موسى و أبو خالد العملة و أبو فاخر عدلي الخطيب. و قد اتخذت فتح الانتفاضة من مخيم نهر البارد مقرا رئيسا لها. و توصلت بمساعدة من القوات السورية المتواجدة في تلك الفترة في لبنان من بسط سيطرة شبه كاملة على هذا المخيم. كما تم تزويدها بترسانة مهمة من الأسلحة و الذخائر و المتفجرات إضافة إلى السيطرة على المواقع المحصنة تحصينا جيدا داخل المخيم القديم.

في تشرين الأول من العام 2006 فصل أمين سر الحركة أبو موسى مساعده أبو خالد العملة على خلفية اتهامه بارتباطه بانشقاق أصولي سمي "فتح الإسلام". و فيما قامت السلطات السورية باحتجازه, أصدرت الحركة بيانا عزت فيه سبب الفصل إلى التصرف الفردي المسيء لسمعة الحركة, من خلال إدخاله في قواعده, و دون علم القيادة تنظيمات تكفيرية مشبوهة و إمدادها بالسلاح و بطاقات الحركة و تمكينهم من السيطرة على بعض مواقعها مما ترتب عليه نتائج مسيئة للحركة و مقاتليها و تحالفاتها.

و قد اعتبر الكثير من المراقبين أن هذا البيان كان مجرد قنبلة دخانية الهدف منها التغطية على تسليم مقدرات فتح الانتفاضة إلى فتح الإسلام. خصوصا و أن زعيم فتح الإسلام شاكر العبسي و هو من مواليد أريحا في العام 1955 كان قد هرب من الأردن و غادر إلى سوريا بعد الحكم عليه بالإعدام على خلفية اغتيال الدبلوماسي الاميركي لورنس فولي في تشرين الأول 2002 , و قد القي القبض عليه في سوريا بتهمة نقل أسلحة إلى الجولان السوري للقيام بعمليات مقاومة ضد إسرائيل و حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات, ثم أطلق سراحه في العام 2005 و قبل انتهاء مدة محكوميته, انتقل إلى معسكر تدريب لفتح الانتفاضة في منطقة حلوى في البقاع و من ثم إلى قوسايا حيث تولى تدريب مجموعات عسكرية تجمعت تباعا في مخيم نهر البارد, حيث أعلن الانفصال عن فتح الانتفاضة و تشكيل فتح الإسلام و السيطرة على جميع مواقع فتح الانتفاضة و مقدراتها العسكرية.

لم يتبين من خلال مسار الأحداث و ما رشح عن التحقيقات التي أجرتها القوى الأمنية وجود ترابط عضوي بين فتح الإسلام و القاعدة, و إن كان الخطاب الرسمي لفتح الإسلام كان يحاول الاقتراب قدر الامكان من الخطاب السياسي للقاعدة. و لم يثبت أن تنظيم القاعدة تبنى تنظيم فتح الإسلام في بيانات علنية كما حدث بالنسبة إلى تنظيم الزرقاوي في العراق أو التنظيم الإسلامي في المغرب العربي.

و الحقيقة أن تنظيم القاعدة ليس تنظيما مترابط الأجزاء و الهياكل و إنما يشكل مظلة واسعة ينضوي تحتها العديد من التنظيمات الإسلامية.

و جميع التنظيمات الناشئة تعمل بجد لكي يتم تبنيها من قبل تنظيم القاعدة و ذلك من خلال اعتماد خطاب عقائدي و سياسي مشابه إلى حد ما للخطاب العقائدي للقاعدة. و لا تتوصل هذه التنظيمات إلى تحقيق هدفها إلا بعد أن تكون قد قطعت شوطا كبيرا في العمل و التقرب من سياسات القاعدة, الأمر الذي لم يتح لتنظيم فتح الإسلام نظرا للفترة العمرية القصيرة نسبيا لهذا التنظيم.

2-التنظيم الداخلي لفتح الإسلام:

و لعل أبرز ما لجأ إليه تنظيم فتح الإسلام للإيحاء بأنه احد تشكيلات القاعدة هو اعتماد هيكلية مشابهة إلى حد بعيد لهيكلية القاعدة و تسميات مأخوذة من قاموس القاعدة. فقد اعتمد مبدأ الإمارة حيث كان شاكر العبسي هو الأمير الذي بايعه جميع القادة و المقاتلين على السمع و الطاعة و النصر, و يأتي بعده في الترتيب نائباه أبو مدين و صهره أبو الليث و من ثم مجلس القيادة المؤلف من أبو هريرة و أبو يزن و أبو سلمى و أبو سليم طه و أبو رياض و طلحة السعودي و للمجلس هيئة شرعية مؤلفة من أبو بكر (سوري) و أبو الحارث (سعودي) و أبو السعيد (فلسطيني) و تتولى هذه الهيئة إعداد المناهج و تدريسها و إصدار الفتاوى و الأحكام القضائية داخل التنظيم. و بعد ذلك يأتي قادة المجموعات و المقاتلين. و قد أمكن الوقوف على حقيقة الهيكلية التنظيمية لفتح الإسلام بعد اعتقال أبو سليم طه الذي وفر للقوى الأمنية معلومات على جانب كبير من الأهمية.

3-التوجهات العقائدية و السياسية لهذا التنظيم:

كما أن ابرز أوجه الشبه بين تنظيم القاعدة و تنظيم فتح الإسلام كانت التوجهات العقائدية لهذا التنظيم إذ بات من المعروف انه كان يسعى إلى إقامة إمارة إسلامية في شمال لبنان و السيطرة على المقدرات الاقتصادية فيه و السعي بعد ذلك إلى التوسع إلى مناطق أخرى و أخذ البيعة لشاكر العبسي.

كما أن أساليب و آلية العمل التي اتبعها هذا التنظيم تشبه إلى حد بعيد أساليب العمل المتبعة لدى القاعدة من خلال بث الدعاية عبر الانترنت و استقطاب "المجاهدين" و الدعم المادي و اللوجستي, و القول بأن هذا التنظيم ليس وليد تعليمات مباشرة من المخابرات السورية. تماما كما حاول البيان الصادر عن فتح الانتفاضة المذكور سابقا, الإيحاء به.

إذا التوجهات العقائدية لتنظيم فتح الإسلام و الخطاب السياسي الذي اعتمدته شبيه إلى حد بعيد بالخطاب المعتمد لدى القاعدة, بالرغم من أن بعض التوجهات السياسية لهذا التنظيم لا تعترف بها القاعدة و إنما جاءت وليدة الظروف السياسية السائدة في لبنان.

 

4- البيئة المساعدة التي وفرت حرية العمل لهذا التنظيم:

و من هنا يمكن الولوج إلى العوامل المساعدة التي أمنت لهذا التنظيم الوليد السيطرة السريعة على مخيم نهر البارد الفلسطيني, كما أمنت له البيئة المناسبة للعمل في لبنان, و لعل أبرز هذه العوامل: الانقسام السياسي الحاد في لبنان, و التدخلات الإقليمية و الدولية في هذا البلد حيث اتخذت منه معظم أجهزة المخابرات العالمية ساحة للصراعات الإقليمية في المنطقة.

كما اتخذ منه المحوران الأساسيان: المحور السوري الإيراني و المحور الغربي الاميركي نقطة تجاذب أساسية و منطقة تصفية حسابات, الأمر الذي أدى إلى غياب السلطة السياسية في هذا البلد عن الإمساك بالساحة اللبنانية. و من هنا أهمية الانتصار الذي حققه الجيش اللبناني في غياب التوافق السياسي, و أثر هذا الانتصار في إعادة النظر بالمخططات الموضوعة لهذا البلد و مستقبله أو على الأقل تأجيل السير بها.

أن وجود بؤر مسلحة خارجة عن سيطرة السلطة السياسية في البلد و الانقسام الداخلي الحاد ¸و التسيب الحاصل على الحدود اللبنانية السورية و التدخلات القوية و الحادة في الشؤون اللبنانية الداخلية و استغلال هذه الخلافات و الانقسامات, أدت كلها إلى توفر بيئة

مناسبة لتواجد هذا التنظيم, و وفرت له حرية عمل واسعة الأمر الذي أدى إلى نشوب حرب نهر البارد.

و يبقى السؤال الأخير و الأهم, ماذا بعد نهر البارد؟ هل هناك من إمكانية لتكرار ما حدث في نهر البارد؟.

لقد شكل انتصار الجيش اللبناني في معركة نهر البارد الحاجز الأساس في تشظي هذه الظاهرة و انتقالها إلى أماكن أخرى, و لعلنا لا ننسى أنه أثناء معركة نهر البارد سرت شائعات كبيرة حول إمكانية انتقال المعارك إلى مناطق أخرى مثل: قوسايا و حلوة في البقاع , و مخيم برج البراجنة و في الناعمة في ضواحي بيروت, و مخيم عين الحلوة في ضواحي صيدا, و إن يكن من شبه المتعذر حدوث ذلك في مخيم عين الحلوة نظرا لاحتفاظ فتح بتواجد عسكري قوي داخل هذا المخيم و مخيمات الجنوب عامة, و التوجه المعتمد لدى السلطة الفلسطينية بالتنسيق مع السلطة اللبنانية و عدم الدخول في المنازعات السياسية للأطراف اللبنانيين.

إن تواجد منظمات مثل الجبهة الشعبية القيادة العامة, و هي منظمة ترتبط ارتباطا و وثيقا بسوريا, و كذلك استمرار الفلتان على الحدود السورية اللبنانية مع تعذر التوافق السياسي بين أطياف المجتمع اللبناني, إضافة إلى الصراع الإقليمي حول لبنان , كلها عوامل مساعدة. و ما لم تتم العودة إلى النصوص الدستورية و التوافق الداخلي بين مكونات المجتمع و تطبيق ما اتفق عليه على طاولة الحوار الشهيرة فان هذا البلد سيظل عرضة لخضات أمنية كبيرة.

إلا انه يبقى أن نشير إلى انعدام الإرادة الدولية في تفجير الأمور في لبنان و كذلك التمسك الشديد من قبل المجتمع الدولي و الأمم المتحدة بوحدة و استقرار و استقلال لبنان كلها عوامل مساعدة يجب أن يستفيد منها اللبنانيون طالما أنها متوافرة و الخوف كل الخوف من انصراف اهتمام المجتمع الدولي عن لبنان و التخلي عنه و بذلك تصبح جميع العناصر لحرب أهلية تنطلق من التجمعات الفلسطينية متوافرة، كما أن العامل الدولي لا يشكل ضمانة دائمة و أكيدة, و يبقى العامل الداخلي هو المعول عليه. 

 


 

كلمة العميد الياس حنّا

فتح الاسلام، ظروف التشكّل، وإمكانيّة إعادة التجربة!!!

مقدّمة:

لا يمكن الحديث عن ظاهرة فتح الاسلام بمعزل عن واقع وشكل الصراعات بعد انهيار منظومة الحرب الباردة. فهي ليست ظاهرة نمت في الفراغ، خاصة وان الطبيعة تكره الفراغ.

يُخطىء الكثير من المحلّلين والباحثين الاستراتيجيّين عندما يعتبرون ان طبيعة الحرب تبدّلت. فهي ثابتة تبات الطبيعة البشريّة. فهي – اي طبيعة الحرب- تسعى لتحقيق الهدف السياسي دائما. هكذا هي طبيعة الحرب. الم يقل كارل فون كلوزفيتز، ان الحرب هي السياسة بوسائل أخرى؟ مع ان الكثير مما كتبه هذا المفكّر قد عفا عليه الزمان.

إذا اين المتغيّرات؟

يقول المفكّر الاميركي كولين. أس. غراي، وبعد الافتراض ان طبيعة الحرب ثابتة، انه يجب النظر إلى أيّ صراع دموي من خلال ابعاد ثلاثة هي:

  1. البُعد السياسي
  2. البُعد الاقتصادي
  3. والاهمّ البُعد الاجتماعي – الثقافي الحضاري

يتمثّل البُعد السياسي في سقوط الاتحاد السوفياتي وفي التداعيات التي خلّفها – اعاد خلط الاوراق في النظام العالمي ودون خلق بديل جاهز.

في البُعد الاقتصادي، تمثّل العولمة اهم ظاهرة عرفها تاريخ الانسان. وهي، وإن كانت على الاقلّ في المفهوم – Concept– موجودة منذ امد بعيد. هي اليوم، اشمل، اسرع واكثر تأثيرا نظرا لتاثيرها في عمليّة تغيير وعلاقة الوقت بالمسافة – Time & Space.

ام البُعد الاجتماعي – الثقافي، فإن ظاهرة الوعي - اليقظة الاسلاميّة في كلّ تشكيلاتها، ومذاهبها، تشكّل اليوم اهمّ تحوّل – خاصة بعد كارثة 11 ايلول.

إنطلاقا من هذه الفرضيّة، كان تنظيم القاعدة، وكانت كارثة 11 ايلول.

بعد كارثة 11 ايلول، وضرب الطالبان في افغانستان. تبدّل تشكيل القاعدة، كما تبدّلت آليّة عملها، كما التركيبة. فبدل ان تبقى تنظيما – Organization  - هي اليوم تنظيما منتشرا حيث الممكن، دون قيادة مركزيّة، ودون عقل مُدبّر واحد. بكلام آخر، هي اليوم حركة – Movement. وقد قال البعض بعض ضرب القاعدة في الطالبان، ان الولايات المتحدة الاميركيّة، قد فتحت صندوق الشرّ على العالم  - Pandora’s Box.

لكن، وبالرغم من تشتّت القاعدة، يبدو ان هذه القاعدة لا تزال تقوم على منظومة فكريّة – World View. كما لديها هدف استراتيجي كبير جدّا.

تقوم المنظومة الفكريّة على الاسس التي كان سيّد قطب قد وضعها في كتابه معالم في الطريق وهي:

  1. الحاكميّة لله فقط
  2. جاهليّة البشر – لانهم سرقوا الحكم، إذا هم كُفّار حتى من هم مسلمين منهم
  3. وأخيرا وليس آخرا، جواز الجهاد واستعمال العنف- حتى ضدّ المسلمين كما افتى يوما ابن تيميّة

امّا الهدف، فهو يقوم على طرد الكفّار من ارض الاسلام، وإعادة قيام الخلافة، كما إعادة امجادها.

فتح الاسلام في هذا الاطار!!!

إذا، لا يمكن النظر إلى ظاهرة فتح الاسلام إلا من ضمن هذا البُعد الديني – الايديولوجي، أو بالاحرى اليقظة الاسلاميّة – في شقّيها الشيعي والسنّي – اي البّعد الاجتماعي المذكور اعلاه.

وعند الحديث عن الثورة لاسلاميّة العالميّة المقاومة – Global Insurgency-  حسب ما سمّاها الكولونيل الاسترالي ديفيد كولكولن، فإنما نعني بشكل اساسي تنظيم القاعدة، كارثة 11 ايلول، ومن ثم الحروب التي تبعتها، اي الحرب العالميّة على الارهاب.

من المركزيّة إلى اللامركزيّة المُفرطة!!!

من الاكيد انه وبعد ضرب نظام الطالبان، اصبحت القاعدة مُشتّتة في كلّ ارجاء العالم. ولم تعد القاعدة مركزيّة القرار والتنفيذ. وإذا كانت كارثة 11 ايلول قد حُضّرت، خُطّطت ونُفّذت تحت إدارة القيادة المركزيّة للتنظيم – اي تحت قيادة بن لادن، الظواهري وغيرهم- فإن كلّ العمليّات الارهابيّة التي تلت 11 ايلول، لم تكن تحت إذارة القيادة المركزيّة. وبذلك، تكون القاعدة قد اصبحت حركة، ظاهرة، مشتّتة في العالم ولا يجمع بينها سوى تلك الايدولوجيّة التي تحدّثنا عنها اعلاه. بكلام آخر، اصبحت حركة دون رأس – Leaderless Resistance- وهذا مفهوم كان قد اطلقه ثائر اميركي على الحكومة الفدراليّة الاميركيّة - Col. Ulius Louis Amoss-والذي لم يكن مؤمن بالدولة، وكان يخاف من ملاحقة الاف.بي.آي.

إذا بعد افغانستان، اصبحت الآليّة العملانيّة للقاعدة تقوم على الامر التالي:

  1. لا مركزيّة للقرار أوالتنفيذ وكلّ ما يتعلّق بهما
  2. كلٌّ فيما خصّه، وفي محيطه، وإذا كان مؤمنا بالايديولوجيّة القاعديّة، وإذا شعر انه قد يخدم القضيّة، وإذا كان من الممكن مساعدته من المركز والذي بدوره خائف، مُختبىء ومشتّت، فقد يمكن تنفيذ عمليّة إرهابيّة معيّنة، على ان تتبنّاها القاعدة لاحقا.
  3. لذلك كنّا نسمع في فترة معيّنة رسالة من قيادات القاعدة – خاصة الظواهري. وبعد فترة كنا نعايش تفجيرا في المكان الذي ذكره الظواهري – تندرج عمليّة اسبانيا، لندن ولبنان ضد، قوات الامم المتحدة في هذا المجال.

من المركزيّة المُفرطة إلى الاقليميّة!!!

وبعد فترة وعدّة عمليات من هذا النوع. بدأت القاعدة تنظّم قياداتها الاقليميّة. فكانت التنظيم في المغرب العربيّ – ضرب مقرّ الامم المتحدة في الجزائر مؤخرا. كذلك الامر كان التنظيم الاقليمي في بلاد ما بين النهرين مع ابو مصعب الزرقاوي. وقد يمكن القول، ان القاعدة قد نجحت اكثر ما نجحت في العراق.

في هذا المسار، قد يُمكن وضع ظاهرة فتح الاسلام، لكن مع تشعّبات وتعقيدات كثيرة لم تظهر فصولها حتى الآن، وذلك بسبب السريّة المُطلقة التي تكتنف التحقيقات مع عناصر فتح الاسلام.

فهل كانت ظاهرة فتح الاسلام، تنظيما اقليميّا في المشرق العربيّ؟

في الشكل:

  1. اعتمدت فتح الاسلام تسميّة الامارة. وإذا صحّ التقدير، فقد يمكن للقاعدة ان تكون على تماس مباشر مع فلسطين المحتلّة. كذلك الامر، قد يُمكن استعادة الدور السنيّ من حزب الله الشيعي، حول من هو رأس الحربة في الصراع العربيّ- الاسرائيلي.
  2. كذلك الامر، اعتمدت فتح الاسلام التركيبة – Structure- المناسبة للامارة. فشاكر العبسي هو الامير. يليه نواّبه، بعدهم مجلس القيادة، الهيئة الشرعيّة واخيرا قادجة المجموعات والمقاتلين.
  3. كما يُقال ومما سُرّب من اخبار، ان المدعو طلحة – اسمه الحقيقي عبد الرحمن اليحي- كان قد أُرسل إلى لبنان لدرس حالة فتح الاسلام، تقييمها، ومن ثمّ القرار فيما إذا كانت تطابق المواصفات اللازمة والمطلوبة للانضمام إلى تنظيم القاعدة كتنظيم اقليميّ. وحسب نفس المصادر، لم تكن فتح الاسلام متطابقة مع شروط القاعدة. لكن الاكيد، وإلى جانب فتح الاسلام، انه كان في لبنان خلايا تابعة للقاعدة، كانت مهمّتها تجنيد الشباب وإرسالهم إلى العراق – بسّام حمّود + نبيل رحيّم مثلا.
  4. وأخيرا وليس آخرا، غيّرت فتح الاسلام الاسم والتسمية. فمن تنظيم فتح بقيادة ابو عمّار، القومي العلماني، او فتح الانتفاضة مع ابو موسى الثائر على ابو عمار. تبدّلت التسمية إلى فتح الاسلام بقيادة العبسي. وقد يدلّنا هذا الامر إلى التحوّل الجذريّ في ايديولوجيّة الصراع ضدّ إسرائيل. فمن الغطاء العلماني – القوميّ، اصبح الصراع اليوم تحت العباءة الاسلاميّة – وحتى ليس تحت العباءة المذهبيّة بسبب التاثير الايراني.

في المضمون:

قد تُطرح هنا عدّة اسئلة في هذا المجال، ومنها:

  1. من هو شاكر العبسي؟ تاريخه الجهاديّ؟ لماذا اوقف في سوريا ومن ثمّ أُخلي سبيله وهذا امر نادر وغير منطقي في العقل الامني السوري؟
  2. كيف استطاعت فتح الاسلام إيجاد الملاذ الآمن، الجاهز، المُحضّر، والمُسلّح، فجأة هكذا؟
  3. لماذا إختيار مخيّم نهر البارد دون غيره؟ فهل لانه اقرب إلى الحدود السوريّة؟ وهل لانه في منطقة اسلاميّة سنيّة تدين بالولاء لتيّار المستقبل؟ وهل لانها بعيدة عن مناطق تواجد، ومناطق نفوذ حزب الله؟
  4. وهل كانت الخطّة لبناء الامارة في عزل الشمال كلّ الشمال بهدف تبرير التدخّل السوري العسكريّ تحت شعار الحرب على الارهاب، حيث لا يمكن لاميركا الاعراض؟ ام ان هناك الكثير من القطب المخفيّة لم تتظهّر بعد؟
  5. وإذا اعتبرنا ان فتح الاسلام هي تنظيم جهاديّ، تكفيريّ. فلماذا لم يعتمد هذا التنظيم ال Modus Operandi، الخاص بالقاعدة - العمليّات الانتحاريّة؟ ففي خلال المعارك - وبإستثناء حادثة عين علق، هذا إذا اعتبرنا حسب ما سُرّب من اخبار، ان فتح الاسلام هي المُنفّذة – قبلها، وحتى بعدها، لم نشهد من هذا التنظيم أيّة عمليات انتحاريّة. حتى ان عمليات التفجير ضدّ قوات اليونيفيل في جنوب لبنان، كان عبر تفجيرات عن بُعد.

إذا ما هو التفسير لهذه الظاهرة؟

من خلال السرد اعلاه. ومن خلال التسريبات الامنيّة. قد يمكن القول، وحتى التظهّر الحقيقي لهذه الظاهرة، واستنادا إلى ظروف الصراعات التي تحدّثنا عنها اعلاه – سياسيّة، اجتماعيّة واقتصاديّة – قد يمكن القول ان هذه الظاهرة قد تشكّلت تحت بُعد اجتماعيّ – ايديولوجي إسلاميّ، تكفيريّ، جهاديّ في شقّ منها.

كذلك الامر، لقد استغلّت هذه الظاهرة تحت بُعد سياسي – استراتيجي من قبل دول اقليميّة، فقط بسبب الصراع الدائم بين الولايات المتحدة وبعض الدول الاقليميّة – سوريا + ايران. لكنه قد يمكن القول ان هذا البُعد، هو الطاغيّ في هذه المقاربة على باقي الابعاد.

لكن الاكيد في هذه المعادلة، أن لبنان هو دائما الساحة.

دمّر الجيش اللبناني هذه الظارهة عن بكرة ابيها, وقد يمكن القول، ان الجيش اللبناني، هو الجيش الوحيد في العالم الذي استطاع تحقيق هذا الانجاز.

بعد هذا الانجاز، تحوّل الجيش إلى ظاهرة وطنيّة كبيرة جدّا، يتعلّق بها اللبنانيّيون، كلّ اللبنانيّين.

لكن السؤال يبقى، بربط الحرب بالاهداف السياسيّة، والتي من اجلها تُخاض الحرب. فهل استطاع البُعد السياسي في لبنان ترجمة هذا النصر على الارهاب إلى البُعد السياسي؟ حتى الآن كلاّ. لا بل على العكس، وبعد اغتيال الشهيد اللواء فرنسوا الحاج، قد يمكن القول ان الجيش اليوم قد اصبح مستهدفا بعد الفشل السياسي.

وإذا اعتبرنا ان لكلّ ظاهرة ظروفها الخاصة بها. فإن إمكانيّة تكرار ظاهرة فتح الاسلام ممكنة، لكن ليس بنفس الظروف، وليس بالضرورة لنفس الاهداف، وليس بالضرورة في نفس المكان. وقد يمكن القول هنا، وحسب الرحابنة، كوننا في انطلياس بلد الرحابنة، ان " مفهوم راجح"  قد خُلق، ومن خلاله وتحت اسمه قد ترتكب الكثير من الآثام ضد لبنان. وإذا انتهى شاكر العبسي، فقد يكون هناك الآلاف منه، لكن تحت معطيات وتسميات جديدة.

ماذا عن المستقبل؟

انا اقول في هذه الورقة، واستنادا لتاريخ لبنان والنمط الذي ابتعته الحروب الاهليّة، ان هناك معادلة ثابتة ثبات جبل صنّين، لكن المعطيات – المتغيّرات- هي التي تتبدّل فيها. لكن كيف؟

تقوم المعادلة لفهم تاريخ لبنان على دوائر ثلاث هي – Three Rings Model:

  1. الدائرة الكبرى حيث القوى الكبرى
  2. الوسطى حيث القوى الاقليميّة – وهي متبدّلة حسب ظروف المنطقة
  3. اما الصغرى، فهي تتالّف من التركيبة اللبنانيّة – خاصة الدينيّة، واليوم المذهبيّة

إن التفاعل بين هذه الدوائر، يقوم ويتمّ كما قلنا اعلاه حسب الابعاد الثلاثة – الاجتماعيّة، السياسيّة ومن ثم الاقتصاديّة. ففي الحرب الباردة كان هناك نظاما عالميّا له امتداداته إلى المنقطة وبالتالي إلى لبنان. سقط الدبّ الروسي، تبدّلت السياسة، الاقتصاد كما الاجتماع، وتبدّلت ميازين القوى العالميّة، فكانت التاثيرات على الساحة اللبنانيّة.

بعد 11 ايلول، تبدّى وتظهّرت ابعادا جديدة – اقتصاديّة، اجتماعيّة وسياسيّة.

لكن الفارق بين ما قبل 11 ايلول، وما بعده، هو في ان الدائرة الكبرى حيث القوى الكبرى – هنا نقصد اميركا- قد اصبحت في الدائرة الوسطى، اي في العراق، اي اصبحت دائرة اقليميّة مع ما تجلب معها من متغيّرات وقلق من القوى الاقليميّة.

كذلك الامر، هناك متغيّر جديد دخل على المعادلة اللبنانيّة الثابتة التي تحدّثنا عنها اعلاه، الا وهو العامل الايراني والذي كان غائبا قبل الثورة الايرانيّة، وقبل الاجتياح الاسرائيلي، وقبل التعثّر الاميركي في العراق.

ما هي نتيجة التفاعلات بين الدوائر الثلاث؟

حسب ما علّمنا التاريخ، فإن للبنان دور مهمّ في المنطقة، الا وهو انه يشكّل مساحة ومسرح التنفيس للمنطقة – Buffer State. وقد يُخطىء البعض عندما يقول مثلا ان اميركا كانت قد تخلّت عن لبنان لفترة 30 سنة، وهي اليوم تعود لتهتمّ به. فالصواب القول، انه كان للبنان في الثلاثين السنة الماضية دورا مهمّا لاستيعاب مشاكل المنطقة. وهو اليوم مع العودة الاميركيّة مهم لهدف آخر، قد يكون لمنعه من ان يكون الساحة - ممكن.

انتج التفاعل بين الدوائر الثلاث وفي كلّ الظروف والاوضاع، ومنذ الحقبة العثمانيّة وحتى اليوم النمط التالي:

  1. قلاقل داخليّة، وإضّطرابات
  2. حرب اهليّة تأكل الاخضر واليابس
  3. واخيرا وليس آخرا، كان الحلّ السياسي يُفرض فرضا على لبنان – القائماقاميّة، المتصرّفيّة، العام 1958، الطائف...ومن يدري؟

استنادا إلى هذا النمط، نحن نعيش اليوم في المرحلة الثانية – اي القلاقل الداخليّة، وقد ننتقل إلى الحرب الاهليّة، وذلك في حال فشل فرض الحلّ السياسي. لكنه يمكن، للبنان ان يتجنّب الحرب الاهليّة، إذا كان هناك حلاّ سياسيّا، مفروضا من الخارج، او من صنع لبنان. فننتقل بذلك من المرحلة الاولى إلى الثالثة مباشرة.

إذا كيف يمكن لبننة الحلّ؟

نحن من الباحثين الذين يؤمنون باللحظة التاريخيّة – Strategic, historical Momentفماذا تعني هذه الكلمة؟

بعد الاعتراف بالنمط المذكور اعلاه. قد يمكن للبنان البدء من مرحلة فرض الحلّ السياسي عليه بعد ان تكون الحرب قد أدّت مهمتّها. فبالنسبة لنا، تكون اللحظة التاريخيّة هي لحظة فرض الحلّ. ففرض الحلّ على اللبنانيّين، قد يعني ان كلّ الذين يلعبون بالامن القومي اللبناني، قد اتّفقوا فيما بينهم – تقاطع مصالح- لفرض هذا الحلّ، والعكس قد يعني استمرار الحرب الاهليّة او القلاقل.

وإذا اتّفق الكلّ على الحلّ في لبنان، فما على اللبنانيّين بعد هذه المرحلة إلا العمل على اخذ العبر والدروس، لخلق مرحلة جديدة تحصّن لبنان ن القلاقل القادمة.

فوّت اللبنانيّيون مرحلة ما بعد الميثاق الوطني. فوّت اللبنانيّيون مرحلة ما بعد الطائف. فوّت اللبنانيّون مرحلة ما بعد الانسحاب السوري عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وبذلك، نكون قد فوّتنا ثلاث لحظات تاريخيّة لمنع لبنان من ان يكون ساحة. فإلى ماذا يعود السبب؟ منهم من يقول بعودة السبب إلى عوامل خارجيّة كبيرة جدّا على قدرات الداخل. اما نحن فنقول، ان السبب يعود إلى النقص في القيادات التاريخيّة. فهل يمكن نسيان مرحلة الاستقرار مع الرئيس فؤاد شهاب؟