ندوة حول ديواني

المحامي الشاعر ريمون عازار

عبور الى البهاء – بين المجرة والسنابل

وكتاب الدكتور ميشال كعدي

ريمون عازار شاعر المجارات الضوئية

 

كلمة الدكتور الياس الحاج

المقدمــة :

أهلا" بكم مقاما" مقاما" ، علما" علما" ، قلما" قلما" وقلبا" قلبا" .

 

عجبت لأمر ربيب ضيعتي ، " جارة الشمس " .

 

مذ يفاعته ، حطّت به لقمة العيش عند مرافعات الحقّ والأقواس وعلى امداء عمره المثمر .

 

          رفعته لقمة الحياة الى مجرّات المدارات الضّوئية .

 

          وحيثما كان ، فهو القطب النيّر ، والسيف المجلّي ، وشمس الأبداع .

          من قبل ، " وطني الحب والجراح "  و " أجنحة الى الشمس  "  و مائدتنا في هذه العشية " عبور الى البهاء " ، و " بين المجرة والسنابل " . ليس شعره متنفسا" ، ينفث به هموم القانون ومتاعب الملفات ، ... شعره رسالة . لغاته آيات . فريمون عازار ، بالفطرة شاعر ، قبّلته فينوس ، ووافى الديار مثقلا" بالدّرر، حفّار جواهر .

          لئن حلّق تحت اقواس المحاكم ،

          فهو ، بنتاجاته القلميّة ، قد صادر مستقبل الأبداع ، وقارب حدّ الأستئثار والتمايز .

          . . . مجد الكلمة أعطي لسر ، كما لخالدين .

          تترنّح القوافي سكرى تحت اسقاطات نحت قلمه الأزميل .

          في الضاد ، بشعرها والنثّر ، امام .

          في مملكة الكلمة ، هو الأمير .

          في قطف الرّؤى ، خيّال مجنّح .

          وفي ملكوت الجماليا ، غرّيد ريمون عازار .

                                                                                                الياس الحاج

 

معالي ادمون رزق :

 

           كتب فيه سيادة المطران جورج خضر :

 

" ريمون عازار ، يترصّد اللمع المتنـزّلة عليه ،

ويلتقط البارقة تلو الأخرى .

" يصطاد المكنونات ويصوغها علامات .

" الشاعر مهووس بالضّوء ، مشدود الى البهاء ،

منجذب الى النور .

" هو كاهن المستحيل ، سارق الشعلة الألهية . "

 

          الكلمة ،

          لمعالي الأديب ادمون رزق .

 

 

النقيب عصام الخوري :

 

          في انذار مبكّر ، أطلق صرخته ريمون عازار :

" ان مسّ لبنان أضحى الشرق في خطر

                                                وإن تعافى نأى عن شرفنا الخطر

          قل للشآم ، لمصر ، للعراق ، وما

                                                شدا به العرب ، والأعجام وافتخروا

          لبناننا الشعر ، أعطى الضّاد آلهة

                                                في كل عصر جثا في قدسها البشر " ! 

          الكلمة ،

          لمعالي النّقيب ،

          المحامي عصام الخوري

د. متري بولس :

 

          في دراسته المعمّقة :

" ريمون عازار

          شاعر المجرّات الضّوئيّة ،

          كتب الدكتور ميشال كعدي :

 

          " صائغ فنّان ، يعكفّ الجواهر بقدرة قادر ،

          ويزخرف تعابيره بأقواس ذهبية .

          " لقد بلغ منتهى العناية في اختيار المفردات ،

          حتى بدا في ذروة الأناقة ، من دون تعب يذكر .

          " ريمون عازار ، ما كتب الشعر الا في كفاف النفس .

          المترعة بالسّكينة والبال المطمئن ّ " .

 

          الكلمة

          للدكتور الأديب متري بولس .

 

 

الرئيس غالب غانم :

          كتب فيه الشاعر :

 

<<    اذا قرأت فآيات مجوّدة .

          فيها الرنين ، وفيها الدّرُ والذّهب .

 

          إن جئت تسعى ، فانسى في مهابته

          أو جئت تنهل ، فالشلال ينسكب

 

علم وخلق وحزم في تواضعه

وفوق صنّين أنف دونه السحب .

 

الكلمة ،

          لسعادة رئيس مجلس القضاء الأعلى ،

          الأديب الدكتور غالب غانم .

 

 

المحامي ريمون عازار :

          في نشيد رفعه الى بلدته عينطوره ، قال :

 

" قادمون . . . قادمون . . .

من جبال الشمس ، انّا قادمون

حاملون . . . حاملون . . .

شمخة الأنجم ، فينا والحصون .

 

" نحن كالعقبان رمزّ للشجاعة

وكما الأجداد ، نحيا في المناعة ،

واذا الدنيا تخطّتنا اندفاعا"

استعدناها نبوغا" وصراعا"

قادمون . . . قادمون . . .

وسّعوا التاريخ ، إنّا قادمون . "

 

هيا مفخرة في ضيعتي والابعد ،

يا صاحب الدّيوانين ، ويا نجم اللقاء ،

 

لك المنبر . . .

 

الخاتمـة :

          خير حكمة يحمّلناها شعر ريمون عازار :

 

<< نكون ترابا" وماء"

          فينفخ فينا الأله ونحيا

          فبعض الخليقة يغدو الها"

وبعض ، يعيش ترابا" ، ويفنى . >>

                                                          د. الياس الحاج

 

 كلمة ادمــون رزق

 

العربيةُ أمانتُه

والحضارةُ رسالتُه

        ثنائية ريمون عازار الجديدة، تأكيدٌ لحضورِه الشعري المستمرّ والمتنامي. إنه، في الديوانين، صاحبُ نمطٍ تعبيريّ، دفّاقُ الأحاسيسِ، عَفْوِيُّ البوحِ، صادقٌ لا يتحرّجُ من كشفٍ، ولا يتهيّب إشهاراً، كأنْ ليسَ عندَهُ للغِوى سر...

        في "العبور الى البهاء"، متيّمٌ، أنيقُ الغَزلِ، خَفِرُ اللفظةِ، صدّاحُ النجوى، يُنشِدُ هواه. نعمةٌ ان تكونَ الحبيبَ، المُحِبَّ والمحبوبَ، المكتفيَ المستزيدَ، والمرتجى حلال، في قُدْسِ البيتِ والعائلة.

        الى جانبِ المرأةِ الرائعة التي أحبَّ، تسطعُ الوطنيّةُ في شعره، فلبنانُ عِشقٌّ، به يكتملُ الوَجْدُ. هذا وطنٌ آية ! كيفَ لا نُغرَم به، أرضاً وسماء، سهولاً وجبالاً ؟ أيُّ لوحةٍ أجملُ من فَجرِه وضحاه، شاطئاً وبحراً، من شروقٍ الى مَغيب ؟ حبّذا أنسامُه وَنَداه، نَفْنافُه ورذاذُه، ألوانُه وأَطيابُه وشذاه... بها يتغنّى ريمون عازار، وبالأرز والسنديان، يرقى المداراتِ، ويجولُ في العوالم، هبوباً وعصفاً؟..

        يعرفُ نعمةَ لبنان، يَرويها، يضنُّ بها، ارضاً وانساناً.

        من خلال "بينَ المجرّة والسنابل" ترى اليه مرهَفاً، وفياً، منصفاً، سخيَّ العاطفة. فإِلى المَوَدَّةِ الشخصيّة، والعلاقة الأهليّة، يُبدي تقديرَه لأعلامٍ، وإِكبارَهُ لشهداء، منطلقاً من شهامةِ المبدأ: الفضلُ يستحقُّ الإِشادة، وللتضحيةِ ثوابُها.

        رجلُ خُلُقٍ وقلبٍ... لا يستطيعُ للجَوى، ولا للرأيِ، كِتماناً. فما الصداقةُ، ان لم نجاهِرَ بها، وما الحبُّ من غيرِ شَدْوٍ وهينمات ؟! فايُّ ايمانٍ هذا الذي لا نمارسُه؟.. وما الانتماءُ الذي لا نلتزمُهُ: "نَعَم" سويّةٌ، او "لا" قويّة. ولئن يكنِ الوجودُ قَدَراً، فالنوعُ قرار !

        كريمُ المواقفِ، جَليُّ الوَقَـفات، يَفي الاشخاصَ حقَّهم، يشعرُ بمسؤوليةِ القولِ الطيّب في الطيّبين، ويضنُّ بالرفاق. لا نكرانٌ ولا جحود، لا تيهٌ أو مباهاة. حسبُه أَخذُ مبادرةٍ وإِظهارُ عاطفة.

 

        فتياناً التقينا في مدرسةِ "الحكمةِ"، منجبةِ الشعراءِ والأدباءِ؛ ثم جمعتنا "حَلْقَةُ الثريّا"، مع رفاقٍ أحبّاء، انتقل اثنانِ منهم الى جنّةِ الشعراء: ميشال نعمه وجورج غانم، وما برح شوقي ابي شقرا، ونور سلمان، وجورج شامي، وجوزف ابو جوده، وانور سلمان، يَرفِدون المكتباتِ شعراً ونثراً.

        الآن، بعد اكثرَ من خمسين سنة، نشهدُ، ريمون وانا، أَن تجربة "الثريّا" كانت رائدةً. أغْنَتْنا، طبعت بداياتِنا ورَعَتْ انطلاقتَنا، وقد تأثر بعضُنا ببعض، يجمعُنا شَغَفُ المِعماريّةِ، ومحبّةٌ صافية. ويطيبُ لي الاعلانُ أننا في صددِ إنجازِ كتابٍ عن "الثريا"، يضمّ مئةً من محاضر اجتماعاتها، باقلامِ اعضائها، مع مختاراتٍ من محفوظاتِها، ندينُ بها لشوقي ابي شقرا، ومقدِّماتٍ استعاديّة، نحاولُ استكمالَها. ويُسعدُنا أن جامعة السيدة N.D.U، ببادرة من رئيسها الأب وليد موسى، ابدت الاستعداد لتبنّي اصدار الكتاب، مَعْلَماً لحَقَبَةٍ، وموروثاً لجيل !

 

        أيها الأصدقاء،

        لا يمكنُ الكلامُ على مجموعتَي ريمون عازار، دون التوقّف عند المقدمة النفيسة التي وضعها سيادة متروبوليت جبل لبنان، المطران جورج خضر، لكتاب "العبور الى البهاء"، فأضاء على جوّانيّة الشاعر المؤمن، عمقِه الروحي، ومداه الجمالي، بالأسلوبِ الشائق الرفيع الذي تميّز به سيادتُه، أديباً متألِّقاً وحَبراً جليلاً.

 

        كما تَـلْـفِـتُـنا مقدمة الدكتور ميشال كعدي الموضوعية، لكتاب "بين المجرّة والسنابل"، والذي تشكّلُ دراستُه الخصبةُ عن "شاعر المجرّات الضوئية"، مرجعاً مكتملاً، حول شعر ريمون عازار، شاملاً ديوانَيه الأولَين: "وطني الحبُّ والجراح" (1984) و"أجنحة الى الشمس" (1988)، فحقّتْ للدكتور الباحث التحيّةُ والشكر، على عمله الاكاديمي المتقن. ولا غروى، فالحركةُ الثقافية في انطلياس، رائدةُ فكرٍ وأدب، ومقلَعُ مواهبَ، في رَهبنةِ العقلِ والوطنية.

        فاسمحوا لي أن أُبديَ اعتزازي برفقةِ ريمون عازار، بين "الحكمة" و"الثريّا"، واذكرَ بفخرٍ زَمالةَ نصفِ قرنٍ في المحاماة، جمعتنا أمام اقواسِ المحاكم، وفي منتدياتِ الدفاعِ عن حقِّ الوطنِ والشعب.

 

        وبعدُ، أيها الإِخوة،

        فيما نتسلّمُ هديةَ ريمون عازار، ونقرأُ شعرَه، نتذكّر جيداً، أن العربيةَ هي أمانةُ لبنان، وأن الابداعَ دعوتُه، والحضارةَ رسالتُه، وأنّه، في مهبِّ الرجعيّة، والأصوليّةِ، والممارساتِ الظلاميّةِ، يُصِرُّ على البقاءِ وطناً للانسان، عربيَّ القلبِ واللسان !.. وانّه، في حِطّةِ التحزّبِ والتطيّفِ والتمذهُب، ومواجهةِ العنفِ الجَهول، وارهابِ الرِدّة الوثنيّة، وقَدَريَّةِ التخلُّفِ المزمن، تبقى له رِفعةُ الشعرِ، وثقافةُ الحريّة، ومجدُ الكلمة !

        ... ويا أخي ريمون، حَسَنٌ ان نحتفلَ بتوأمَـيْـكَ، عشيّةَ عيدِ الاستقلال، مجدّدين الولاءَ المطلقَ للبنانَ الميثاق، والرهانَ على قِيَمِ الجمهورية !

                ادمون رزق


 

كلمة نقيب المحامين و الوزير السابق عصام الخوري

 

أيها الأصدقاء،

 

دعونا الليلة، ننسى ريمون عازار –الدعوة صعبة ومرفوضة، ولكن...لنحاول– ننسى الإنسان الطيّب المتواضع، ننسى المحاميَ القانونيَ اللامعَ، ننسى الصديقَ الوفيَ المخلص، ننسى المثقفَّ الحاملَ مشعلَ الكلمةِ والحوار،

دعونا فقط نصعد الى عينطورة، ونغني:

 

هلاَّ، هلاَّ يا تراب عينطورة             يا مَلفى الغيم وسطوحِك عيد

 

نقف على أحد السطوح، نتطلع الى هذا الشفّاف العابر الى البهاء، الى هذا الطالعِ من حلاوة السنابلِ الى سكنى المجرّات، الى هذا الشاعر الذي تصفّى، وتصفّى الى حدٍ أنَّ كلماته أصبحت من ضوء –وفاقاً لقول د.ميشال كعدي– وكمْ نحن بحاجةٍ في زمن العتمة، الى ضوءٍ وبهاءٍ وشعرٍ وسنابلَ.

 

ريمون عازار، لو سألتني رأياً، لقلت:

 

إصعدْ الى هذا المِنبر، وأسمِعنا شعراً، ودَعْ لنا فضيلة الصمت:

 

فإذا وقفتُ أمام شعرك صامتاً           فالصّمْتُ في حرمِ الجمالِ جمالُ

 

أمّا وقد سألتنيهِ كلاماً، فاعذرني إن لم يكن النثرُ بمستوى شعرك البهيّ. و ان لم يهزّك بالطريف النادرِ.

 

حبّذا هذه الأمسية العريقة بالطيبِ، نكرّمُ خلالها ألمعياً والحياةُ ملءُ برديه، لمناسبة ولادة ديوانيّ شعرٍ جديدين له: "بين المجرّةِ والسنابل" و "عبور الى البهاء"، نؤكّد خلالها، بالكلمةِ وبالحضرةِ، أنَّ مجتمعَه يُقدرهُ قدرَهُ ولم يغفلْهُ زهرةً تذوي على ذات نفسها في العَبَقِ وفي الطيب...

 

حَمَلَ ريمون عازار بجُمْعِ يُمناه ملفات الناسِ وقضاياهم الى قصور العدلِ، وبجُمْعِ اليُسرى عبوراً الى نسَقِ الدُّرّ وبهاءِ الشعرِ مروراً بالمجرّاتِ الضوئيةِ والأقوال الفصاحِ، أما أنا فلم أعرفْ أيَّ حُسنيهِ أفضَل.

 

 

وَمِنَ الطبيعيِّ بمكانٍ، أن يعيشَ هذا المحامي الشاعر في عالمين، عالمِ المحاماةِ وعالمِ الشعرِ، ولا عجبَ أن يأخذ بالناصيتين، ليُطلَّ على مشارِفِ الدُّنيا والمدنيّةِ، وإذا الأمرُ في ارتياحٍ، وقد أراه يُعالِجُ جرَّ كلامِهِ على هيئةٍ مخصوصةٍ، وإذا استُثيرَ لإساءَةٍ تشاغَلَ عنها وتمادى في رَصْفِ الحقيقةِ والحُلى حتَّى لا يفوتُهُ الحُسنُ والكلِماتُ العيناءُ والتّناهي.

 

عرفتُهُ حقوقياً مشدودَ الحُّجةِ والبيِّناتِ، والرأيِ السَّديدِ.

ميزانُهُ عَدْلٌ.لا يحيفُ، في مَشْعَبِ الصَّوابِ ، وبخاصَّةٍ إِذا ترافَعَ ، فَهوَ للآحكامِ بأَعلى مناطِها ، وهذا حالُهُ في مواقفِهِ الشِّعريَّةِ والخطابَّيةِ ، حتّى صَحَّ فيه قولُ الشاعر :

 

في كلِّ يومٍ للقوافي جولةٌ                في قلبِهِ ، ولأُذِنِه إِصغاءُ

 

لقدِ انطلقَ مِن القاعاتِ الواسعةِ ، وواقعاتِ البَشَرِ الملأى بالمختبراتِ والعلائِقِ بمتنوَّعِِِ الحالاتِ والظروفِ .

 

إِنَّهُ من الصّدورِ العارفةِ الّتي يستنزلُها الحرفُ والحقيقةُ ، والرؤيةُ الآخذةُ بالَحزْمِ إِلى الهَدَفِ ، وهذا ما عبَّرَ عنه في ديوانِهِ " وطني الحبّ والجراح ، وتحديداً في المقدِّمة:      "ان الشعر هو رؤية والشاعر هو الرائي والقصيدة ، سَفرٌ  في آفاق الإشراقِ والانخطاف".

 

وربَّ  سائلٍ ، كيفَ وَفَّقَ بين المحاماةِ والمجالِسِ  الأّدبيَّةِ والفكريّةِ التي كان في أّهمِّها مِن المؤسّسينَ  لها ، إسألوه ، فهو أمامَكُم ، ولكن كلُّ ما أُدركُهُ،  أَنَّهُ خَرَجَ مِن مَهمَّاتهِ اليوميَّةِ، بخُلاصاتٍ تمتُّ بصلةٍ كبيرةٍ إِلى الشِّعرِ والأدبِ والمجتمعِ والقانونِ، وكانَ في كلِّ ذلك في موضعِ الثقيفِ الثبيتِ، كَمَنْ يخطُرُ على المُعضِلاتِ والصِّعابِ بتؤَدَةِ النَّبيهِ، وَيلهو بالمأزِقِِ على استقامةِ المنهجِ ويقينِ الحاصلِ عن عُمقِِ بصرٍ واستدلالٍ.

 

ويوم تتلاقى المحاماةُ والشِّعرُ والأَدبُ الخلاَّقُ وموهبةُ البَيانِ والعروضِ، يعلو ويَتَنامى بناءٌ مُعافى على مستوًى عَزَّ مثيلُهُ، ويستمرُّ الكلامُ بمُنتهى الموضوعيَّةِ، لِما يَحمِلُ مِن علاقاتٍ وثيقةٍ تربُطُ الإِنسانَ بالوطنِ، من دونِ أَن يَنسى جوهرَ رسالةِ لبنانَ الحضاريَّة.

 

وما أعظمَ التركيزَ على الأخلاقِِ والانضباطِ، الّذي عُرِفَ به الشاعرُ ريمون عازار،     بل ما أروعَهُ عندما يتشبَّثُ بالمُشكِلِ الجامحِ، فينقضُّ عليه بأسلاكٍ من نظرِهِ، وأَلوانٍ      مِن عِلمِهِ، وسرعانَ ما تشقُّ المقادةُ طريقاً سهلاً، ويدنو الفرجُُ والمنال.

 

أَمَّا الشِّعرُ فَخُذْ نموذجاً منه من ديوان "بين المجرَّةِ والسّنابلِ" ومِن ديوان "عبورٌ إِلى البهاء"، فريمون تراهُ مأخوذاً بمجلوبِ الذّوقِ والأناقةِ وبهاء الأَداءِ، وإِن وجدتَ الصَّفحاتِ في دواوينِهِ الأربعةِ، مُشبَعَةً بالطلاوةِ، وَضَنى الصَّنيعِ فأنتَ حُكماً مع المحامي الشّاعرِ والأديبِ ريمون عزار الذي ما عَرَفَ العِثارَ، أمَّا الدِّقَّةُ والبراعةُ فمِن أَعدالِهِ ولا جدال.

 

هذا الشَّاعرُ مُعَدٌّ للمُعتَزمِ النَّبيلِ، وقد أُثقِلَ كاهلُهُ بالأَصالةِ، حتّى زَكا شِعرُهُ بالحركةِ وأهواء المعادلةِ، تَوفيةً للمعنى والمُرسَلِ إِليه، وكأَنَّ العملَ يُرسَمُ بتسوية المفاهيمِ كافَّةً في إِطارٍ مُذَهَّبِ الجَنَباتِ ، و مطيَّبٍ بمعاريضِ المعاني، و رصينِ التراكيبِ، و أَوزانِ الخليلي ، و العباراتِ التي يُلبِسُها في كلِّ مرَّةٍ حُلَّةً ِمن الأُرجوانِ و الأرديةِ الُمترفَةِ بالخزِّ و بطائِنِ الدّيباجِ . إقرأ ما قاَلهُ بصديقهِ الرّئيس الدكتور غالب غانم في ديوان              " بين المجرَّةِ  و السنابل " الذي قَدَّم له الدكتور ميشال كعدي ، رجلُ الفقهِ و اللُّغةِ :           

 

الحقُّ نحنُ، و نَحنُ السّيفُ و الغضبُ          إِنْ مُسَّتِ الأرضُ، أو إن مُسَّتِ الكًتُبُ

نستنهضُ الشَّعبَ ، نمشي في طلائِعِهِ            فيسقطُ  القَهْرُ ، و التِّنّينُ  يرتعبُ

... إِنَّ  العدالةَ  بعضٌ   مِن   تأُّلقنا             والشَّرعُ بعضٌ ، و منَّا القادَةُ النُّجُبُ

 

ويقولُ في ديوان "عبور إِلى البهاء" ، الذي قَدَّّمَ له سيادة المطران جورج خضر،      وَهُوَ من هو في علمِ البيانِ والدِّينِ ، واللاّهوت:ِ

 

أُحبُّ فأغدو الوجودَ البهيَّ

ويُشرِقُ نورٌ عظيمٌ عليَّ

أُحبُّ وأُعطي، فيفرحُ قلبي

ويملأُ خيرُ السَّماءِ يَديَّ

أُحبُّ... أُحِبُّ...

وأَبذلُ ذاتي

فلستُ بدونِ المحبَّةِ شَيَّا.

 

مع ريمون عازار كم يصحُّ قولٌ مأثور لكاتبٍ صينيّ " لو جي" : الكتابة مِتعة لذلك يمتهنها القدّيسون و المفكرون.

 

على أَنَّ الشاعرَ ريمون عازار الذي أَصوغُ فيه اليومَ، يُفرِحُنا أَن نلتقيَهُ في مجالاتِ العطاءِِ والفكرِ، وَلَكَم أَراهُ أَكثرَ من ذلكَ، وَهُوَ الوقَّاعُ على زَخمِ التعابيرِ بتناظمِ المقاييسِ، وتناسُقِِ الصُّوَرِ. و كأنّ كلماتُهُ فضّة قد مسّها ذهبٌ.

هذا الشاعرُ سَلَّمَ منظومَهُ من المعايبِ، ووقَّى منثورَه مِن الشّوائِبِ، وهكذا لم يذهبْ صفاءُ قولِهِ المنَغَّمِ، ولا جَفَّ بهاءُ نثرِهِ.

 

نداءُ الحياةِ فيه ، ندِاءُ سَخاءِ القَلمِ الُمجيدِ ، الَّذي لا يتراجعُ عن مِدادٍ إِلا إِذا اكتفى   بالإبداعِ، و الحيويَّةِ الضاجَّةِ بمنسوبِ الأَفلاذِ التي توِلمُ في الرَّقاعِ ، و مِساحاتِ الصِّياغةِ في دنيا الإِجاداتِ.

حَسْبُ قصائدِهِ تتهادى ولعاً وتيهاً. "يحسبُ الفجرُ قبسةً من سناها و نجومُ السماءِ بعضُ حلاها". و الشعر لايليا أبو ماضي.

 

موهبةُ هذا الكادحِ في مُتحفِ الكلمةِ و القانونِ ، بَدأَتْ باكرًا على مقاعدِ مدرسةِ الحكمةِ، ثمّ تألَّقتْ ، و تلألأَت بأَوليَّاتٍ مِن الشِّعرِ ، و النَّثرِ فوق المنابرِ ، و مِن مخبّآتِ ذاتِهِ الإرادةُ و العفَويَّةُ الصَّارخةُ والحاجةُ إِلى التعبيرِ الملحاحِ ، أَمَّا الوقفةُ فمن راهنِ الحِرْصِ على جامعِ الكَلِمِ و الاكتمالِ .

 

إِنَّ شِعرَهُ يمتازُ برضَى الشِّعرِ. قطرةُ ندى و كانت القصيدةُ ! 

فهو بعيدٌ عن السَّرْدِ الجَهيضِ.

إِذا قالَ ، تَفَتَّقتِ المعاني من بعضِها واحلولَتْ ، و مع هذا فإِنَّ الأَمكنةَ تبقى فوقَ مُحتملاتِ اللَّفظِ.

 

قصائِدُهُ في دواوينِهِ الأَربعةِ ، " وطني الحبّ و الجراح " و " أجنحةٌ إِلى الشَّمسِ "       و"بين السنابل و المجرّة " و " عبورٌ إِلى البهاء " . تمتازُ بالرؤيةِ و الشّفافَّيةِ الُمضيئةِ ، كأنَّما ريمون الشّاعرُ ، مُلقًى على أضواءٍ قُدَّتْ مِن ضياءٍ ، و قُصّبَتْ مِن مقالعِ النّجومِ          و المجّراتِ ، و كلٌّ ذلك لتستقيمَ الحروفُ و الأَوزانُ على الأَوتارِ ، و الشِّفاهِ. و عندما تُؤخذُ بحرارةِ السِّياقِِ، تشعرُ كأَنَّهُ مِن الاستوائيّينَ في المُناخِ الشِّعريِّ ، أَمَّا الشجوُ فمن العذوبةِ و الجُودةِ و الارتياحِ.

 

و في أَيِّ حالٍ . الصّديقُ ريمون عازار. هو من شُعراءِ السِّلكِ ، الذين لهم ذاتيَّةٌ ، فإن أَعْوَزَها الحالُ ، تفرَّعَتْ مِن الأَصلِ لتَجِدِّ صوبَ شمولٍ و اتّساعٍ، وَ بَعْدُ لا تَسَلْ عن سَماحةٍ في العطاءِِ   و رخامةٍ في الأَداءِ ، مِن دونِ تقبُّضٍ أَو غرابةٍ أَو غموضٍ.

ريمون عازار المحامي والأديب يراعة من منابت الملائكة، فما جرت على قرطاسٍ     إلا رسمت ألف لونٍ ولون وانهمرت الجمالات إنهمار الشعاع من الفجرِ. و القلمُ في يده صولجان. 

يا ريمون.

مَن كَثُرَ شعرُهُ الجماليُّ ، عَمَّهُ الفَرَحُ ، و بقيَ لديهِ النَّعيمُ أَبداً ، و لا يطولُهُ قضاءٌ ،       و هنيئاً لمن ضَمَّ بينَ مقتنياتِهِ اللُّعبةَ الصَّنعانيَّةَ و الكلمةَ التي قامَتْ على رنينِ الأَزاميلِ.

 

بشعركَ البهيّ، بدّلتَ عزيزي ريمون، من حولِنا القبحَ جمالاً، و نشرتَ على دربنا النورَ و نثرتَ الوردَ، استعد فسحة الوردِ فشهرُ الورد- كما تقولُ أنتَ- "يُطوى و يُعاد". وَ نِعْمَ النتاجُ.

حسبُكَ منَّا التقديرُ ،

"و حسبُك المجد أن ترى كلَّ يومٍ            لأغانيكَ عندَهُ مهرجانا  "

 

                                                         عصــــام الخـــوري

                                                       نقيب المحامين و وزير سابقاً

 

كلمة متري سليم بولس

 

" ديوان بين المجرة والسنابل "

للشاعر : ريمون عازار

 

ديوان " بين المجرة والسنابل " ينتمي الى شعر المناسبات ، وخلافا" للشائع المتداول ، ارى ان لشعر المناسبات قيمة كبرى ، شرط ان يحسن الشاعر اختيار المناسبة المؤاتية ، اذ ان للأختيار بحد ذاته دلالة اجتماعية ، ووجدانية ، وفكرية ، فشتّان بين اختيار الشاعر مناسبة مأدبة يقول فيها شعر طعام ومناسبة صدور ديوان شعر قيّم يبدي فيه رأيه ويحدّد منه موقفه المؤتلف معه او المختلف ،وكما ان لأختيار المناسبة دلالة فكذلك للمعالجة دلالة ، فإذا تمكّن الشاعر من استنطاق المناسبة واستبطانها تخطاها وبذلك جاوز جاوز العارض الطارىء الى الباقي الدائم ، فكانت في شعره عبرة تدوم وتستفيد وتفيد . قل لي اي مناسبة تختار اقل لك من أنت ، وأظهر لي طريقة معالجتك اقل لك ما اذا كانت قصائدك ستطوى مع المناسبة او ستنقلها من العابر الى الدائم ومن الطارف الى التالد ومن الكلام الى التجربة ، ومن الحدث الى الفن .

 

وننظر في المناسبات التي اختارها الشاعر الأستاذ ريمون عازار فإذا هي مناسبات جليلة ذات قيمة بذاتها ولذاتها ، فليس من مألوف العادة ان نتذكر الدكتور البير مخيبر ، والشاعر ايليا ابو شديد ، والشاعر جورج غانم ، والمحامي جوزيف باسيلا ، والرئيس رفيق الحريري ، والشهداء ، والفنان عاصي الرحباني ، والمحامي عبد الله القبرصي ، والأستاذ كرم ملحم كرم ، والفنان منصور الرحباني ، والمحامي موسى تامر ، والسيّد ادمون تامر ، وتوجيه تحية  الى الرئيس اميل لحود ، والقاضي جوني القزي ، وتكريم الشاعر رياض المعلوف ، والأب صبحي حموي ، وتحية الى القاضي غالب غانم ، والمحامي فارس الزغبي ، والأحتفال بيوبيل مدرسة الحكمة ، وتكريم الشاعر منيف موسى .

 

        وأبدأ من حيث بدأ الشاعر ، بذكرى الدكتور البير مخيبر ، وقد خاطب الدكتور مخيبر كأنه ماثل امامه ، بل كأنه حي ، وهو كذلك في وجدان عارفيه ومحبيه من الذين يعتبرون التراث استمرارا" ودواما" يستذكران ، لا احوالا" تمضي ويطويها النسيان ويطوي الناسين معها ، قال الشاعر مخاطبا" الدكتور مخيبر :

                       

                                بالفقر تغني ، بالمحبة تغتني

                                وغناهم مالّ تكدس في الجيوب

 

                                لم تسأل الساعي اليك مؤملا"

                                أمن البقاع ام الشمال ام الجنوب

 

                                فالأرض واحدة ، وشعبك واحد

                                وعليه تمطر مزنة الخير السكوب

 

 

                                الاّ لأجله ما اتخذت مناسكا"

                                آمنت ان الله يعبد في الشعوب . 1

 

قلت ان المناسبة هي ذكرى غياب الدكتور البير مخيبر ، ولا شك في ان الدكتور مخيبر مثّل وما يزال يمثل للذين لا ينسون الرجال المنارات في اوطانهم قيّما" جلّي ، لحظ منها الشاعر انعدام المصلحية ، والأثرة ، وايثار الفقر على جني المال ، ووحدة الأرض ورفض المناطقية والتجزئة،والسعي الى  الخير وسيادة الشعب ، وان الأيمان الحق يعني تجسّد الدين في الشعوب، وهذه القيم تذكّر بفضائل الدكتور مخيبر وبما اختاره الشاعر منها اي بما يمثل عقيدته هو وبما يريد ان ينقله منها الى المتعظين الآملين في استرجاع القيم وخلودها وتخليدها والأرتقاء اليها بالتذكير والتفكير والتبصر والوعي .

 

        وأنتقل الى محور الصداقة والشاعر ريمون عازار صديق صادق ، والأحباب الذين تذكر خلّص اوفياء ما شابت محبتهم شائبة ، وزان ودّهم صفوّ دائم ، ومنهم الشاعر ايليا ابو شديد، واياه يخاطب :

 

قيل الصداقة ، قلنا انت سيدها

وقيل في النبل : فيك النبل يختتم

 

 

يا راسخ الرأي لا تخفى مقاصده

يا ثورة الحق لا تنفك تقتحم . . .

 

أخي ، ذكرتك ، كم عانيت من ألم

وكم تمزّقت والأحداث تحتدم.  

 

وهذه الصفات ، الصدق في الصداقة ، والنبل في التعامل ، والثبات في الرأي ، والجرأة في الثورة ، والمعاناة والتمزّق ، على اهميتها ركنا" ساميا" في علاقة الأنسان بأخيه الأنسان ، يشفعها تدفق من شاعرية سمتها الأيمان ، والفن روعتها ، والأرض والأنسان يجمعهما الحب ويرعاهما الخلود :

قالوا مضيت ! فأهل الأرض ما خلدوا

قلت الخلود بما خطوا وما نظموا

يمضي الزمان ويبقى في ملاعبه

من ساحة الشعر ، او من ساحه القلم . 3

 

والصديق بالصديق يذكر كما المحبة تستدعي المحبة ، والقلوب المتآلفة ينبوع خير وارتقاء ، هكذا تطل صورة صديق آخر هو الحبيب جورج غانم ، وكان واسطة الخير والتعارف بيني وبين ريمون عازار ، قال مناجيا" اياه :

 

كنا الأخوة تصفو في تواصلنا

كخمرة عتقت ما شابها زغل 

 

        ان مسك الجرح مرّ السيف في كبدي

وان فرحت فقلبي الطائر الجذل . . .

 

توحد الراي حتى قيل ايهما

كأن عن واحد لا عنهما سألوا . 4

 

فيا طيبها اخوة صفوها صفو ، وجرحها واحد ، وكذا فرحها ، والرأيان رأي واستمرارها بعد الرحيل موكب خلود سبقه ما قيل من شعر قبل الفراق وما تلاه من شعر عقب الموت المخلّد :

 

        ما فرق الموت ، نحن الموت نسقطه

        الشعر أقوى به نحيا ونتصلّ

        من الثريا انطلقنا أنجما سطعت

        في كل أفق ففاض الحب والغزل 5 .

 

وأصل الى محور الوطن ، ولا اقف طويلا" عند الوطنية ، فهي في عقيدتي من المسلمات ، بل من الأيمانية ، تحب وطنك اساء ام احسن اليك ، وتنتشي به أفي النور ام في الظلمة ، في الري ام في الجفاف ، في الحفر ام في المسالك والمعابر ، حب الوطن ايمان مطلق لا يقبل الشرك والشك الزوغان . آمنت بالله ، آمنت بلبنان وبرسالة لبنان وبلبنان الرسالة ، ورسالة لبنان ثقافة وفن ، وفي ذكرى جوزيف باسيلا قال الأستاذ الشاعر ريمون عازار :

                قل للثقافة ، ما لبنان منغلق

                والمقفلون ثغور النور ما ولدوا

                هنا اللغات ، ومذ كنا نجسدها

                نغني ونغنى ، فما للنور معتقد

                الضاد نحن ، لها لبنان معتصم

                ودون لبنان لا ضاد ولا عضد 6 .

 

        ورسالة لبنان غير قاصرة على صون العربية ، فتطول الفن مع الرحابنة :

        لا يسبر الكون الا ومضى اغنية

        والخلق ، لا المال ، يعلو زرقة  النجم 7 .

 

        ورسالة لبنان شمولية في الأدب والفن والخطابة والقانون والحرب :

        في الشعر ، في النثر ، في العلياء منبرهم

        في الفن ، في الحكم ، في الأخطار تقتحم 8 .

 

        وتبقى رسالة لبنان ، تجاه لبنان ، وهي رسالة الشاعر في شعره ، والمؤمن في ايمانه ، والمحب في محبته ، والمزارع في زراعته ، والصانع في صناعته والحر وان في معتقله ، وقد اطلقها الشاعر في يوبيل مدرسة الحكمة بصائب حكمته ، فقال :

 

اعطيتنا الله ، ما عدنا لطائفة

لا للمذاهب ، فالأنسان يحترم

من ذا يفرق ، فالأديان واحدة

انا جميعا" ب" بحبل الله نعتصم "

هدي الكنائس والخلّوات في دمنا

مثل المساجد يدعونا فننسجم

لبنان يجمعنا والكون ملعبنا

كل الطوائف في أفلاكه نجم 9  .

                                                                متري سليم بولس

                                                                20/11/2009

 

 

 

                            ـــــــــــــــــــــــ

1 - ريمون عازار ، بين المجرّة والسنابل ، جونية ، دار نعمان للثقافة ، 2009 ، الصفحة 20.

2 - ريمون عازار ، بين المجرّة والسنابل ، الصحفة 28 .

3 - ريمون عازار ، بين المجرّة والسنابل ، الصفحة 31 .

4 – ريمون عازار ، بين المجرّة والسنابل ، الصفحة 33 .

5- المصدر نفسه ، الصفحتان 33- 34 .

6 - ريمون عازار ، بين المجرّة والسنابل ، الصفحة 6 .

7 – ريمون عازار ، بين المجرّة والسنابل ، الصفحة 56 .

8- المصدر نفسه ، الصفحة 123 .

9- ريمون عازار ، بين المجرّة والسنابل ، الصفحتان 124- 125 .

                                       


كلمة غالب غانم

ريمون عازار في مجموعتيه الشعريتين

تراب الأمس والدنيا الجديدة

 

 

القراءة في ريمون عازار ، في مراياه وفي طواياه ، لا تقل لذة عن القراءة في جنائن اوراقه ، ومواجيد قلمه ومواليده ، من جهات صنين والعلى . . . من جيرة الصخر والوعر والعصيّ ، ومن هضبات تجري من تحتها الأنهار في مساحب عينطورة ، . .. تحدّر الفتى الطمّاح الى حبيبة المتوسط وام الشرائع،  والى "حكمة " الضاد وأرزة الأشرفية الكبرى ، ثم نهل النهلة بعد النهلة من موارد الأدب والقانون ومن طوالع الثقافة في شعابها ورحابها . . . وشق له طريقا" في صخرة العصامية ، وكانت له صدارات في مهنة الحرية ، واكبها تألق في دنيوات البهاء . فما احيلاها روضة الأدب هذه تختال في مقاصير العلم وفي مناطق اليباب . وما ابلغها هذه الأضمامة من ابياتك تشهد لأبناء الحق انهم كذلك ابناء جمال :

        سيف المحامين اقلام مسننة

                                        وصرخة توقظ الدنيا فتنقلب

ان شئت تدفع عن قوم ظلامتهم

                                        بالنص ندلي ، وبالقانون نعتصب

او شئت في ليلة العشاق اغنية

                                        نحن الحساسين والعشّاق والطرب  .

 

        وأقرأ أقرأ اكثر . . . وفي خاطري انّ هذا الأمير من امراء النصّ القانوني واللائحة المثقلة بسنابل العقل وضروب المنطق وألوان المجادلات ، لا يطمئن له بال الا اذا جاور الرقراق واللألاء وذا

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة 20/11/2009 ، الحركة الثقافية انطلياس ، عبر ندوة حول ديواني ريمون عازار :

عبور الى البهاء ، وبين المجرّة والسنابل .

 

الليان . والا اذا جعل قلمه يراقص القصيدة / العروس ، والقصيدة / النهر ، والقصيدة / الأصالة ، والقصيدة / الصفاء ، والقصيدة / الأبحار ، والقصيدة / المرآة ، والقصيدة / الدنيا الجديدة . وها هو يصدّر مولوده الشعري المسمى " عبور الى البهاء " بما يعكس ما نذهب اليه ، وبما يدلّ على التطابق الكامل ما بين مذهبه في الشعر ومذهبه في الحبّ وغبطة الحياة :

 

        ما هو الشعر ؟ سألت

ولمن ابهى قصيده ؟ . .

فهببيني ان أغنّي

منك بحر الشعر ، والأبحار منّي

واغرسيني في تراب الأمس

في الدنيا الجديدة

انشد الخالق في البدء ، فكنت

اوّل الشعر ، وفي أبهى قصيدة .

 

XXXX

 

          تراب الأمس ، والدنيا الجديدة ، كيف اجتمعا في حقل واحد ، وفي مذهب واحد ؟

لست من الظانين انهما متضادّان وغريبان التقيا صدفة في مفازة مضّلة ، وفي مفترق طرق .

        انما لديه اكتمال تجربة وتواصل خطّ ونمط .

 

        تراب الأمس هو الحنين ، والدنيا الجديدة هي الحبيب .

 

تراب الأمس هو أعراق اللغة ، والدنيا الجديدة هي اوراقها وأزهارها .

 

تراب الأمس هو طرف الشعر الأول ، والدنيا الجديدة هي طرفه الآخر .

 

تراب الأمس هو سياج القصيدة ، والدنيا الجديدة هي رداؤها .

 

تراب الأمس هو ما كان كنوزا" لم يفرّط بها آباء النهضة ، والدنيا الجديدة هي الخزائن المرمرية التي سيكتشفها أبناء اليوم والغدّ .

 

تراب الأمس هو الأصالة ، والدنيا الجديدة هي الحداثة . . .

 

على ثنائية هذا الأيقاع وارنانه ، لاعب ريمون اوتار عوده ، فشدّها شدّا" لتكون أصالة ، ثم ليّنها تليينا" لتكون حداثة شدّها كربّان له سلطانه ، وليّنها كمسافر زاده الخيال . شدّها كعوّاد ذي مراس ، وليّنها كشاعر وعاشق ومصعّد زفرات وآهات . . شدّها كخبير من خبراء العزف وليّنها كشاد من شداة الشعر الجميل . . .

 

XXXX

 

 

في كلّ ما نظم من قصائد ونثره على ثرى المصقول من أوراقه . . . في الأويقات الحميمة التي غادر فيها نصّ المقاييس الى نصّ الأحاسيس ، ونصّ البراهين والأسباب والنتائج الى نصّ الترميز والطراوة والشرود الحرّ . . . في كلّ ما حواه ، على الأخصّ ، " عبور الى البهاء " . . . في قصائد الألفة العائلية والتأجج العاطفي والتماهي الوطني والنزوع الأنساني ، لاحت ظلال الأمس واصالاته ، وعلامات الدنيا الجديدة وكشوفاتها .

 

في باب الألفة العائلية وأيام الطيب وأحضان الرحمة اقرأ ايها الباحث عن ذاتك وعن مكانك في جنّة الأمومة ، قصيدة " أمي الألف والياء "  . . . ما اجمل عنوانها وسحب الحنين الماطرة في مقاطعها :

 

أمي

وتنطلق الجداول والعنادل

ان انا ناجيت أمّي . .

أمّي

ويسطع كلّ شعر في لغات الأرض

إن غنيّت أمي

أمي تضمّ حروفها

 

كلّ الحروف ،

فإن نطقت

وان كتبت

فباسم أمّي  .

 

وفي باب التأجّج العاطفي الذي كاد ان يجعل من صفحات الكتاب " عليقات مشتعلة " – والتعبير لشاعرنا – أقرأ رباعيّة  " هواك الذرى " ومنها :

 

سيبقى حبنا الأبديّ أقوى

من الشك المدمّر والأيادي

وانشر حبك الخمريّ شعرا"

نناقله الروائح والغوادي .

 

وفي باب التّماهي الوطني قصّة سنديانة تقول :

 

انا سنديانة

جذور بلادي جذوري

فلا تقطعوني

ولا تنقلوني الى أيّ ارض سواها

بلادي ،

دعوني هناك فأحيا

ويحيا تراب بلادي .

 

وفي باب النزوع الأنساني اقرأ قصيدة " سراب المشارق " حيث الصغير المراهق يعشق الزنابق والوردة وفرح الدنيا قبل ان تهبّ رياح الضلال ، وقبل ان يطل الغول ، وتشاد حرب المجاهل والجاهليات، وتصير الأرض وقد زلزلت زلزالها ، ويقوّض سقف السماوات . . . وكاد الطفل يتحوّل الى مغوليّ صغير ويذبح الوردة والوطن ، لو لم يناده صوت من أعمق الأعماق . .. وهنا اتابع كلامه شعرا" لا نثرا":

 

وذات هزيع

شحّذت يديّ

لأذبح مثل الكواسر ورده

ولكنّ صوتا" اضاء سبيلي . . .

تذكرت انّي قبيل الصباح كفرت ثلاثا"

فعادت يداي سلاما" وبردا .

وخبأت ذاتي بجرج التراب

لأنبت بين الخمائل ورده . . .

 

في كل ّ هذه القصائد كنت يا أخي ريمون تغطّ ريشتك في محابر الأمس لا لأنها عتيقة بل لأنها معتقة ، وكانت خيولك تسرح في ملاعب الدنيا الجديدة ، لا لأنها مباحة لهجين القصائد وضامرها وادعياء الجدّة فيها ، بل لأنها متجددة بالروح ، وبكنوز لغتنا الحسناء ، وبكل ّ برّاق ودفّاق !

 

        في كل هذه الحسناوات ، وفي سواها ، تؤاخي الجملة المعنى ، وتتكتّف الرموز دون ان تحجب   " نفناف " الكلام ، ويجلس الشعر على اريكته غير لاهث ، ويتمسّك كلّ من السنديانة والوطن بجذور الآخر ، حتى لا تقتلع اعاصير ، ويتبدّل تاريخ وجغرافيا ، وتنهار ممالك بناها الأجداد الرجال بزنودهم واقلامهم واحلامهم .

 

XXXX

 

          وهاءنذا ، اذ أشارك في الأحتفاء بديوانيك يا أخي الأستاذ ريمون عازار ، أزداد غبطة لأن ثمّة من طوّف في " مجراّتك الضوئية " ، عنيت الدكتور ميشال كعدي ، بريشته الهيفاء ، وطوالع فكره المنوّر.

 

        وتذكر ! تذكّر أنّ ما بيننا هو أبعد من هنيهة احتفاء ومن كلمة عابرة . . . كنّا : تأتي اليّ وآتي اليك في افراح الكلمة وفي أتراحها . . . ما أشدّ تواضعك وما أحلاك كلّما حملت ضمة من ضمم قصائدك لتطلعني عليها . وما كنت فاعلا" غير ذاك في اوراقي الأدبية . ولا نزال على هذه الحال ، كلّما دعا داعي القلم المنعتق من المقيّد والمفروض ، وصبّت النفس الى نجيّ وشريك . . . وتذكر كذلك انّ ما بيننا هو اواصر روح ، وارث وداد ، وعقود وفاء ، بدأت مع العندليب الأب ، وترسّخت مع رفيقك نجم

 

 

 

الثريّا جورج . . . الذي وافق رأيك رأيه في الشعر وفي الحياة حتى قيل انكما واحد ، كما أنشدت في ذكراه :

 

إنّ مسّك الجرح مرّ السيف في كبدي

                                                وان فرحت فقلبي الطائر الجذل

 

حدّثت عني فغار الزهر من أرج

                                                وجلت فيك فراحت تزدهي القلل

       

توحّد الرأي حتى قيل أيهما ؟

                                                كأن عن واحد لا عنهما سألوا ! .

 

                                                                        غالب غانم

 

 

 

 

 

 

                                                               

                                     

كلمة المحتفى به المحامي ريمون عازار

 

                                               

 ايها الاصدقاء،

اؤمن بان الشعر رؤيا، والشاعر هو الرائي، و القصيدة سفر في آفاق الاشراق والاسرار والانخطاف ، عبور في مسافات نورانية يتلاقى فيها الماضي والحاضر والمستقبل . الشعر وحده، يستطيع أن يفجر في النفس، ذلك الفيض من الشعور العجب، ويخطفها الى عالم الدهشة والرؤى، ويقف بالانسان على مشارف النبوءة.

 

        وأؤمن ، بأنّ المرأة هي القصيدة الأولى ، ألأجمل والأبهى ، أنشدها الله ، الشاعر الأول ، عندما خلقها في اليوم الثامن ، فأكتمل بها الوجود .

 

        وأعترف بأنّ المرأة هي ملهمتي الكبرى : المرأةَ الأم ، المرأة الزوجة ، المرأة الوعد والانتظار ، والعشق الروحيّ الذي لا ينتهي ولا يشيخ .

 

        وأعترف امامكم بأنني لم أكن عادلا" بين الشعر والمحاماة ، فطغت رسالة المحاماة في مسيرتي على الشعر، ولم يكن لي في ذلك الخيار ، فواجب الرسالة ، أقدس وأولى .

 

        لن أسهب ، فالموقف للشكر لا للتنظير .

 

أقول ، مع حفظ الألقاب،  شكرا" للأقطاب الذين تناولوا شعري بأقلام المحبة ، ورأوا فيه ، بعض ما في نفوسهم من جمال .

 

        شكرا" لمن ترعرعت في منزله ، وتوهّجت ، حلقة الثريا . فإذا قيل ادمون رزق ، قلت البلاغة والبيان ، الأبداع والتألق في كلّ مقام ومكان وزمان ، والمنابر والمواثيق والحكم والبرلمان، وقلت الثريا ، وقلت لبنان .

 

        شكرا" لعصام الخوري ، هذا الذي تغصّ به ساحات الكلمة والقانون وقصور العدل ، هذا الحشد الفريد من الصفات الحسنى ، والمناقب العليا ، يسخو بها من دون حساب ، فيشفّ ويفيض ، ويتلألأ في البهاء.

 

        شكرا" لمتري بولس ، البحر الزاخر ، والناقد القادر ، والنجم الساطع في سماء العلم والمعرفة ، الذي اذا كتب او تكلم ، يقال فيه : أيفتى ومالك في المدينة ؟

 

        شكرا" لغالب غانم . ولج الأدب فأبدع ، واعتلى المنابر فرفع وارتفع ، ودخل القضاء فحصد الرئاسات كلّها ، ولم يبق أمامه بعدها ، سوى القليل ، وإننا لمنتظرون .

 

        شكرا" للياس الحاج ، الأديب الكبير ، الآتي على صهوة تسعة عشر كتابا" . قدّم الندوة وأدارها بحضوره المميز ، وبقلمه الذهبي  ، فوهّجها وتوهّج .

 

        شكرا" لميشال كعدي ، المتوج فقيها في اللغة لا يشق له غبار ، وأميرا" في النقد والأدب ترنو اليه الأبصار ، يقلدني بكتابه النفيس وساما" اتمنى ان اكون له مستحقا" ، وأن يكون قد أحسن الأختيار .

 

        شكرا" لمن بنت على القيم والفضيلة والأيمان ، فرسّخت البنيان ، وكانت الهدي ، والغارسة المثال ، زوجتي وملهمتي كارمن ، التي لولاها ، لما استطعت ان اكون ما أنا عليه في الشعر والمحاماة .

 

        شكرا" لهذا الدير ، دير عامية انطلياس ، مهد اول ميثاق وطني . دير الحركة الثقافية ، حيث كتب للتاريخ الميثاق الثقافي الوطني الأول،  وحيث شعرنا ، في أحلك الايام ، أنّ لبنان الوطن ، ولبنان الحرف والكلمة ، عصيّ على التقسيم والزوال .

 

        شكرا" لها ، ولنادي القلم الدولي ، والنادي اللبناني للكتاب ، دعوتهم الى هذه الندوة ، ليس تكريما" لي ، وللدكتور ميشال كعدي ، بل تكريم للشعر والشعراء والأدب والأدباء .

 

        وشكرا" لكم أيّها الأصدقاء الأصفياء ، اغنيتم ندوتنا بمحبتكم ، وأضأتم،  بحضوركم، هيكل الكلمة والشعر .

 

        فبالمحبة نحيا ، ويحيا لبنان .

                                                                        المحامي ريمون عازار