رئيف خوري أديبًا: رَفَعَ الالتزام إلى فضاء الحرية

 

ثمَّةَ صعوبة في الكلام على رئيف خوري الأديب، نظَرًا إلى تنوّع المواقف، والنشاطات، والمهمَّات، والكتابات، ونظرًا إلى تميّز شخصيّتِهِ، أديبًا، بالغنى والحضور، وقوة الفعل. فهو رحّالة، ومعلّم، ومسرحيّ، ومؤرخٌ، وشاعرٌ، وقاصٌّ، ولغويٌّ، ومترجمٌ، وخطيبٌ، ومتذوّقُ فلسفة وفكر، ومناضلٌ عنيدٌ من أجل الانسان والانسانية.

وإلى حمله الكلمة بما يشبه الرسولية، ورفعهِ الالتزام إلى ما يشبه الحريّة، فهو فارسٌ مدافعٌ عن القيم، لاسيّما ما له علاقة بالديمقراطية، وحقوق الانسان، والخير، والجمال. ولم يُعنَ بالحياة الدنيا تجاهلاً للحياة الأخرى، لكنّه اعتقدَ أنَّ الإيمان بالإنسان يتضمّنُ، في أعماقهِ، إيمانًا بخالقهِ، راعي الكون.

ولأنه حرص باستمرار، على حريَّة الكائن، وعدالة المجتمع، فهو استمدَّ من الماركسية ما يُرضي نزعتهُ الانسانية، والعقلانية، واستثمرَ في روحيةِ الأديان، من دون الخوض في لاهوتياتها، وفي مشادّاتها.

وحاولَ أن يقفَ حارسًا على باب العروبة الحضارية المتنوّرة، وعلى مدخل غابة الأرز، كأنهُ غلغامش، من دون التغنِّي الرومنطيقي بأيّ ماضٍ، أو أيِّ مجدٍ باطل. وبكلمة، كان الرجل يعيشُ حالة معتزلية حديثة، في زمانِ المتعارضات اليابسة، لا يتنازل في أدبهِ عن نظام العقل لتيّار الخيال، ولا يبيعُ الوضوحَ بالغوض، ولا يغامرُ بالمعنى من أجلِ فنون التعبير، ولا يستسلمُ لرتابةِ الأمس بل تراهُ حاملاً غرباله كي لا يُبقي إلّا على سُرجٍ تضيء، ومناراتٍ تشعِلُ الطريق بالابداع، والتفاهم، والحوار، والحبّ. إنّهُ في حياتنا اللبنانية والعربية، صوتٌ رائد، صارخٌ، حاضرٌ، يطرحُ أسئلته التي لا تموت، على ضمائرنا. وسؤال الأسئلة هو: ماذا فعلتم بالانسان، وخدمة الانسان أبدعُ وأعظمُ قيمة؟!

ربيعة أبي فاضل

(ملخَّص بحثه في الأونسكو-مئوية رئيف خوري- 2-11-2013-رئيف خوري أديبًا.)