قُـمْ، يا أبا نجمٍ، وﭐنظرْ

(موجز شهادة الدكتور أَحمد عُلَبي في الاحتفال بمئويّة ميلاد رئيف خوري)

 

        كما هو شأن الروافد تسيل من هنا وهناك لتتلاقى في مجرى النهر الكبير، هكذا كان تدفُّق الوفود الشعبيّة، في الثامنَ عَشَرَ من تشرين الأَوّل عام 1938، وذلك من أَنحاءِ لبنان، كذلك من دمشق وحلب، حاملةً قلوبَها والرياحين، لتستقبل، عند ثغر بيروت، المناضل رئيف خوري، العائد من نيو يورك، حيث حضر المؤتمر العالميّ للشباب؛ وكان فيه ممثّلاً للشبيبة العربيّة، ومنافحاً عنيداً جَسُوراً عن القضيّة الفَلَسْطينيّة التي بدأت الأَخطار الصهيونيّة تحيق بها ويعضدها الاحتلال الإنكليزيّ الشرس.

        ليست "نابَيْه" وحدها هي التي تحتضن مئويّتك، يا رئيف؛ إنّ لبنان بأسره يحتضنها، بل العروبة أيضاً التي طالما دعوت إليها وأَشدت لها المداميك العلميّة. هذا اللبنان العربيّ الأصيل يقف اليوم متذكّراً "الفتى العربيّ" ـ الاسم المستعار الذي توسّلت به في كتابك "كفاح فلسطين" ـ وظلّ هذا "الفتى"، سحابة عمره، لا تغمض عينه عن الهدف القوميّ النبيل.

        وأكّد رئيف خوري دائماً على الدور المميَّز لهذا الوطن الصغير لبنان. إنّ بقاءه، في محيطه العربيّ، مرهون بقيام دولة لبنانيّة نموذجيّة. فكما يقول رئيف في دراسة نيّرة، نشرها في عام 1959، عنوانها "لكي يكون لبنان": "الدولة الفاسدة تؤذي جميع الأَوطان، غير أنّها في لبنان توشك أن تُوديَ بلبنان". ويقوم هذا الوطن على الحرّيّة والتسامح، فلا معنى له من دونهما. كذلك فَسِرُّ لبنان أنّه يشعّ بالثقافة، فهي علامة فارقة لهذا الكيان الطليعيّ.

        إنّ هذا الاحتفال الوطنيّ العظيم برئيف خوري ندين به لهيئتين ثقافيّتين عريقتين هما: المجلس الثقافيّ للبنان الجنوبيّ والحركة الثقافيّة ـ إنطلياس. فقد كان التعاون بينهما مثالاً وطنيّاً لامعاً، عِماده التفاهم والتحاور في جوٍّ مفعم بالإخاء والديمقراطيّة.

        وبعد، ألا يجمل ببلديّة بيروت أن تجعل أحد شوارعها أو ساحاتها أو حدائقها يزدان باسم رئيف خوري؟ إنّ رام الله فعلت ذلك، تقديراً لجهاد رئيف ومشاركته هناك في ثورة 1936، فهل القاعدة أن لا يكرّم نبيٌّ في وطنه؟!