ندوة حول

قانون الايجارات الجديد : بين النص والتطبيق

المشاركان : المحامي الأستاذ منير الحداد -  المحامي الأستاذ الياس كسبار

إدارة: الأستاذ معوض رياض الحجل

الأربعاء 25 كانون الثاني 2017

 

 

كلمة الأستاذ معوّض الحجل

في هذه الأمسية، ضمن ندوة حول قانون الايجارات الجديد: بين النص والتطبيق، يشارك في الندوة الاستاذان منير الحداد والياس كاسبار. في المحور الأول، سيتحدث الأستاذ كاسبار عن نص القانون الجديد الصادر عام 2014 من حيث صدور القانون: حسناته، سيّئاته، التعديلات التي أُدخلت عليه مؤخراً في جلسة مجلس النواب في 19 كانون الثاني 2017، ودور الحساب المقرّر إنشاؤه لدعم المستأجرين.

وفي المحور الثاني، سيتحدّث الأستاذ منير الحداد عن تطبيق القانون من قبل المحاكم، وما يعترض ذلك من مشاكل وتحدّيات وصعوبات ، مع طرح بدائل للمعالجة.

 

كلمة الأستاذ الياس كسبار

هذا القانون الذي اسمه قانون الايجارات، أعرفه واعرف تفاصيل إقراره لأنني كنت أمثّل نقابة المحامين في لجنة الادارة والعدل، عندما دُرس هذا القانون خلال 39 جلسة أي 140 ساعة عمل فعلية – هناك إحصاء لكل قانون ومقرِّر اللجنة أو الكاتب يعطي هذه المعلومات... وعندما انتهينا من القانون أعطانا هذه المعلومات كي نعرف ما هو الوقت الذي استغرقته الدراسة. هذا القانون نقولها بصراحة ، عام 1992 كانت هناك لجنة تدرس قانون الايجارات،أي أنها مقترحة من لجنة الادارة والعدل، وكانت لجنة مصغّرة مؤلّفة من كل من (رحمه الله) الأستاذ أوغست باخوس والأستاذ منير الحاج وقد انضممتُ إليهما في ما بعد ، وقمنا بإعداد مسوّدة مشروع لكنه لم يُقبل كلّه بتفاصيله، وأُقرّ القانون 160/92 بسرعة فائقة لأنهم كانوا يريدون اجراء انتخابات نيابية، فأقرّ في تموز وجرت الانتخابات في تشرين. لذلك ظهرت فيه ثغرات، ففي 1992، حصلت خطوة مهمة جداً كما نعرف، وهي القانون 159 الذي أقـــرَّ حرية التعاقد بعد سنة 1992. عندما أتى المرحوم الرئيس الحريري على رأس الحكومة – وهنا إسمحوا لي أن أعطيكم بعض المعلومات غير المنتشرة – قام اعتراض من المستأجرين غير السكنيّين لأنه في قانون 92 الأصلي، أُقرّت إضافات كبيرة مع مفعول رجعي من1987 وهذا المفعول الرجعي تبيّن أنه سيكون بمبالغ كبيرة فقام يومها وفد بزيارة المرحوم رفيق الحريري، وكان على رأسه السيد محمود مميش الذي قال لدولة الرئيس: أنا أتيت لأعطيكَ مفاتيح البيكاديللي، لأنني سأدفع بحدود المليار ليرة كمفعول رجعي. يومها أُعيد قانون 160 الى المشرحة في سنة 1994 حين كان الوزير (الله يوجّه له الخير ويطوّل بعمره) بهيج طبّارة وكانت فكرة لدى الرئيس رفيق الحريري، فدخل مرة الى اجتماع لجنة الادارة والعدل وقال للاستاذ أوغست باخوس الذي كان رئيس اللجنة: " أتعهّد لك أن هذا آخر قانون، وبعد سنوات قليلة لن يبقى مستأجر ببيته". فقال له الأستاذ أوغست (رحم الله الاثنين): "هذه المسألة أكبر منّي ومنّك ، ولا أحد يقدر عليها". لكنّ الفكرة ظلّت في ذهنه، اي التحرير الكامل لعقود. بعدها حصلت حرب 1996 . وفي العام 2000 عاد الى رئاسة الحكومة، ورجع الأستاذ بهيج طبارة ليقدّم مشروع قانون، أي المشروع الذي قرّرته الحكومة وأرسلته  الى مجلس النواب سنة 2002. في هذا المشروع – اقتراح القانون – يقول الوزير طبّارة إن لدى المستأجر منذ ما قبل 1953 مهلة عشر سنوات ، ومن 1953 الى 1975 ، لديه سبع سنوات،  ثم هناك ست سنوات، أي أن المشروع قسّم المستأجرين الى شرائح، لكن إذا أراد أحدهم بعد انتهاء هذه المهلة، فيكون له تعويض: تعويض 20% و10%، فصّلها بهذه الطريقة. اقتراح القانون الذي أحالته الحكومة  الى مجلس النواب، هو القانون الذي أُحيل الى لجنة الادارة والعدل سنة 2009، أي أن مجلس النواب أصبح  يمدّد قانون الـ 160 كلما انتهى مفعوله  حتى سنة 2009؛ ثمّ وُضع هذا المشروع قيد الدرس في لجنة الادارة والعدل. لجنة الادارة والعدل ألغَته كلّه، لأن اللجنة انطلقت من مبادئ أو من توجّه ذي مبادئ: المبدأ الأول ، أن المالك (صاحب الإيجارات القديمة والزهيدة) مظلوم ويجب إنصافه ، والمبدأ الثاني، أن هذا القانون يجب أن يكون آخر قانون ايجارات استثنائي... انتهى الموضوع. والمبدأ الثالث أنه يجب الحرص على عدم " رمي" المستأجر في الشارع بطريقة مؤذية وسريعة، ولا بدّ من إقامة نوع من التوازن بين المالك والمستأجر. وفعلياً، تحقّق أول هذه التوجّهات أو المبادئ ، أي أن المالك أُنصف، والدليل أن تجمّع المالكين يرحّب اليوم بهذا القانون، وهم يستعجلون فخامة الرئيس عون للتوقيع عليه، إضافة الى التعديلات، وكلّنا نعلم أن المبدأ الثاني تحقّق ايضاً. نعم هذا القانون هو آخر قانون، لأنه بعد ذلك لن يكون هناك مستأجر قديم. ثالث مبدأ، وهو اليوم على المشرحة، هو مبدأ التوزان. كيف حاولت لجنة الادارة والعدل أن تخلق التوازن: أنا لا أعطي رأيي الشخصي بل أعرض الموضوع كما هو. فالمالك يشكو من أمرين: يشكو من أن بدل الايجار متدنٍّ، ويشكو من أن المأجور يتوارثه المستأجرون ويسكنون فيه رغماً عنه وهو ليس راضياً  خصوصاً وأن الدستور ينصّ على حماية الملكية. وتعرفون الحجج التي يقدّمها المالكون... جاء القانون ليقول: حسناً سوف نعطي بدل المثل، أي أنه بمثابة ايجار جديد لكنه ليس دفعة واحدة، إنما على ست سنوات تقسيط وبعدها يخرج المستأجر. ووقع الخلاف في لجنة الادارة والعدل على التعويض. هنا لا أخفي عليكم أنّ مَن في مجلس النواب لا يتعاطفون كثيراً مع المستأجرين. هناك تعاطف مع المستأجرين بنسبة قليلة جداً. أعود لأقول أنا لا أعطي رأيي، بل أتكلم عمّا حصل معي وواكبته من وقائع. كان الرأي أنه: لماذا حتى نعطي المستأجر تعويضاً ؟ هو منذ 40 سنة على عاتق المالك ويعيش برخاء ونعود فنعطيه تعويضاً؟ التعويض يُعطى للشخص المتضرّر. ماذا تضرّر المستأجر كي نعطيه تعويضاً؟ أما رأينا فكان: لا، لا يمكن أن يعتاد الناس على تعويض لخمسين او ستين سنة وفي النهاية تطلبون منه الإخلاء... غير معقول. يجب إيجاد طريقة ما. يجب أن تكون هناك طريقة معيّنة لإرضاء المستأجر، وإلاّ فإن الأمر سيسبّب خضّة كبيرة في البلد اذا جئت تقول للمستأجر، بعد 6  سنوات أو 9، إعطنا مفتاح المأجور واتركه. فطرح أحدهم فكرة، وهو ليس نائباً، إنه يجب أن نساعد المستأجر، فبدل أن يدفع بدل المثل ليدفع أحد عنه وبما أنكم جميعاً هنا، السادة النواب، مالكين ومستأجرين، كلكم تقولون معاً إن الدولة مسؤولة – لأن الدولة لا أحد يدافع عنها في هذا البلد- (رحم الله سعيد تقي الدين الذي جاءه أحد الصحافيين ذات يوم وقال له: يا استاذ سعيد ، كتبتُ مقالاً سوف يهزّ البلد... قال له: ما هو ؟ قال: ضد الدولة. فأجابه: "اذا قبضاي يا ابني أكتب شيئاً مع الدولة)!. اذاً الدولة مستضعفة من الجميع، وهي مَن يجب أن نحمّله عبء حلّ المشكلة... قامت اللجنة بزيارة وزير المالية وكان حينها الأستاذ محمد الصفدي، وقالوا له: نريد أن نساعد المستأجرين. أنتم مستعدون كدولة لتدفعوا عنهم بدل المثل؟ الفرق؟ في ذهن النواب أننا إذا قلنا للمستأجر، سوف تبقى لتسع سنوات أو 12 سنة دون أن تدفع أي قرش إضافي من جيبك اإاّ ما تدفعه اليوم، والذي هو البدل اليسير، فسيعتبر هذا المبلغ هو التعويض!!!. عندما تُخلي إعتبره تعويضاً. إجمع البدلات المدفوعة عنك فتعادل التعويض... وبدأنا نجري حسابات بدائية. فالشخص الذي اقترح المشروع، راح يحسب على اللوح أمامنا كاننا في صف مدرسة وأفهمنا إيّاها كالآتي: لنفترض اليوم ان المستأجر يدفع مليون ليرة وأصبح بدل المثل 10 آلاف دولار. كم نوفّر عليه في 9 أو 10 سنوات، إذا ساعدَته الدولة ؟ توفّر عليه 70-80 ألف دولار ... فاذاً إعتبروا أن هذا هو التعويض... وجاء رأي يقول: أيعقل أن تدفع الدولة عن كل المستأجرين؟ لا، فقط عن  " المستأجر المعوز". لم يُسمَّ هكذا في القانون، لكنّ المقصود في التداول كان أنه المعوز. مَن هو المعوز؟ هو الشخص الذي تبلغ مداخيله ومداخيل الذين يقيمون معه في المنزل، زوجته وأولاده ومّن على عاتقه، ضعفَي الحدّ الأدنى للأجور. وهكذا، اعتمدت اللجنة معياراً ، هو الحدّ الأدنى للأجر. أي أنه اذا كانت مداخيل المستأجر أقلّ من ضعفَي الحدّ الأدنى للأجر ، تدفع الدولة عنه كل الزيادات. أما اذا كانت مداخيله 3 أضعاف الحدّ الأدنى للأجور فتدفع عنه 30 % من هذه الزيادات. وإذا كانت مداخيله أكثر من 3 أضعاف الحدّ الأدنى للأجر، فهذا المستأجر لا يحتاج للمساعدة، بل يُعتبر ميسوراً، ليس بحاجة، وهكذا دواليك... إذا أخذنا القانون الذي صدر قبل التعديل طبعاً، نرى أنه وضع معياراً هو الحدّ الأدنى للأجر. أما في التعديل الجديد، فهو يركّز على المدخول، أي أنه جاء يقول بأن المستأجر الذي يوازي مدخوله 3 أضعاف الحدّ الأدنى للأجر وما دون، تدفع الدولة عنه كل الزيادات ، وإذا كان مدخوله يراوح بين ثلاثة أضعاف وخمسة أضعاف، تدفع الدولة عنه 30%. ثم تطرّقت اللجنة الى  بدل المثل. وكيف يُحدّد بدل المثل؟ كلّنا نعرف أن بدل المثل يحدّده القضاء، يعيّن خبراء لتحديده. ولكن، جاء أحدهم بنظرية أُدرجت في القانون، وهي أن المالك يعيّن خبيرين يقدّمان تقريراً ويبلغانه الى المستأجر. والمستأجر أيضاً إذا لم يوافق، يعيّن خبيرين ويبلّغ المالك، واذا لم يوافق المالك على التخمين يذهبان معاً الى لجنة واللجنة هي التي تحدّد... نحن طبعاً كنقابة محامين عارضنا بشدّة هذا الموضوع، والمؤسف أن وزارة العدل لم تتنبّه يومها لهذا الموضوع. عارضنا لسبب بسيط: هناك 80 ألف مستأجر، فإذا حسبنا أن ثمّة حاجة الى أربع أو ست خبراء يصبح العدد 500 أو 600 ألف مهمّة. فهل يُعقل ذلك؟ ومن أين نجلب القضاة واللجان؟ وكيف نقول للمستأجر المعوز إننا ندفع عنك، وتجبره على تكليف محام ليعيّن له خبيرَين اثنين- لأنه لا يقدر أن يفعل ذلك بنفسه – ثم سيدفع أجرة  هذين الخبيرين. لِمَ كل هذا اللغط، ولمَ كل هذا التعقيد؟ صاحب الاقتراح قال إنه مأخوذ عن القانون الفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية، هكذا فعلوا. ولكن نحن رأينا أنه علينا تبسيط الأمور. أي إذا لم يتفق الفريقان، فيعيّن قاضي الأمور المستعجلة خبيراً ويحدّد بدل المثل. ولا داعي لستّ خبراء كي يحدّدوا هذا البدل ! أخيراً أُقرّت هذه الطريقة التي هي "مشربكة" أكثر من اللزوم واضّطر في ما بعد مدّعي عام التمييز الى أن يصدر تعميماً على القضاة مفاده أنه، في حال جاءكم خبير معيّن وأخبركم بما رأى، يجب أن تؤازروه اذا المستأجر عارض ، وهذا التعميم صدر بناءً على طلب النقابة. نحن قلنا: أنا كمؤجّر اذا عيّنت خبيراً وذهب عند المستأجر وقال له: لن أسمح لك بالدخول، ماذا يحصل؟ فقلنا كأنه معيّن من القضاء. بهذا المعنى يوجد لغم كبير في هذا القانون. قد لا يكون الناس منتبهين له، سوف أذكره من دون أن أذكر سببه: إنه المستأجرون حسب القانون 29/67 و10/74. فكلنا نعلم أنه سنة 1967 أُقـــرّ قانون يقضي بأنه إذا كان البناء فخماً فلا يخضع للتمديد والبناء الفخم هو ما يحتوي على مصعد وتدفئة وعلبة بريد وناطور. أما في 10/74 فقالوا الشيء نفسه. يومها نشطت حركة البناء والتأجير لأن المالك اطمأن الى أنه رجع لحرية التعاقد. ولما عادوا في العام 1977وألغوا هذا القانون، اعتبر المالكون أنهم وقعوا في خدعة (لقد خدعَنا المشترع، وليس له الحق بذلك!). مُرّر هذا النص في القانون الحالي، فإذا كنتَ مستأجراً حسب القانونين 29 و10 لا تخضع للصندوق، ولا تقدر أن تطلب مساعدة لأنك كنتَ غنيّاً في العام 1967 وما زلت غنياً الى اليوم. وأما التعويضات فتدفع النصف. معظم القانون الجديد قد عُدِّلَ، ولا أدري إذا انتبه الى ذلك أحد وتكلّم عنه ... وإذا أراد أن يدفع تعويض استرداد، فإنه يدفع نصف التعويض (أي ضعفين)– إذا كان للهدم أصبح 7 أضعاف اليوم، يدفع 3 أضعاف ونصف، وإذا للسكن 4 أضعاف فيدفع ضعفين، لا شي يُذكَر للضرورة العائلية...   

لقد صدر قرار عن المجلس الدستوري قضى باعتبر التمديد صحيحاً بحد ذاته؟ فكيف يكون ذلك، إنه يتعدّى على حق الملكية. واعتبر أننا سوف نمرّ بفترة انتقالية حالياً، أي أن هذا القانون قد صُمّم لفترة انتقالية، وهي مسموحة. لذلك لم يتصدَّ لهذه المسألة. وبعدما صدر قرار المجلس الدستوري نشأت خلافات حول ما إذا كان هذا القانون سيُطبّق أم لا. فوضى وكل يعطي رأيه. وكلّنا نعلم أن الرئيس الأول لمحكمة التمييز – رئيس مجلس القضاء الأعلى-  جمع القضاة المنفردين وقضاة الاستئناف والتمييز وقال لهم: إتّفقوا على رأي، فلا يأتي أحد غداً ويقول لي إنه يطبّق القانون وآخر لا يُطبّقه، وكان الرأي الغالب أنه سيُطبّق. ظهرت تعليقات لكن هناك مثلاً على صعيد التطبيق(سوف أترك هذه لزميلي منير الذي سيتكلّم عن التطبيق) أكتفي بلفت النظر الى أن محكمة استئناف المتن قد أصدرت قراراً مفاده نّه لا يُطبَّق، ومحكمة استئناف بعبدا قالت إن حق الاسترداد يُطبَّق عليه القانون الجديد، ومحكمة استئناف بيروت قالت لا. إذاً نشأ هذا الخلاف، لذلك حصلت تعديلات ولم تأتِ هذه التعديلات قوية، عدة تعديلات بسيطة في رأيي ، تعديلات لم تطل جوهر القانون، والصراع مستمرّ بين مالكين ومستأجرين. ماذا سيحصل?نلتقي بعد 9 سنوات.

 

كلمة المحامي منير حداد

أنا في الواقع لا أقدر إلاّ أن أبدأ بالقول: ما هذا القانون الاستثنائي في الدرجة الأولى كي نتكلّم على قانون صدر في 2014. إن القانون الاستثنائي أُدخل الى التشريعات اللبنانية سنة 1939 إبّان الحرب العالمية الثانية، ونظراً للأوضاع الاستثنائية التي استجدّت في تلك الحقبة ونزوح اللبنانيّين من الجبل الى الساحل للعمل والسكن، اضطرّ المجلس النيابي في حينه الى التشريع. سُمّي استثنائيّاً: حدّد المدة، حدّد البدل، حدّد عقد الإيجار بحيث أن هذا الاستثناء قد وضع قيداً على الملكية. وإذا عدنا الى محاضر مجلس النواب سنة 1939، نلاحظ أن هناك تمنّياً بأن يُرفع هذا الاستثناء عندما ينتهي الوضع الاستثنائي ويُعاد العمل بما يُسمّى حرية التعاقد، أي الموجبات والعقود. بكل أسف، انتهت الحرب وانتهت الأوضاع الاستثنائية في العام 1945، وكان من المفروض في المجلس النيابي أن يوقف العمل بهذا القانون الذي سُمّي استثنائياً لأنه ظاهرة غريبة، ويقوم بتشريع للخروج منه بطريقة تدريجية ومرحلية. لكن ما رأيناه هو أن مجلساً نيابياً وراء مجلس نيابي راح يمدّد هذا الاستثناء 5 سنوات بعد خمس بعد خمس سنوات بشكل أنه لم يعد ثمّة اعتبار لواقع أن هذا الاستثناء هو قيد على الملكية ومخالف للدستور اللبناني، لأن المجلس النيابي اليوم كمشرّع عليه أن يطبّق القانون ويطبّق الدستور أولاً. استمرّ الوضع على حاله ، ولم يُشر أحد للمجلس النيابي الى أن هذا الأمر لا يجوز أن يستمرّ وأن المالكين لا يقدرون أن يتصرّفوا بملكيتهم نتيجة هذا القيد. وأكثر من ذلك، كما قال أستاذ الياس، وجدنا في العام 1972 تشريعاً لتحويل البناء العادي الى بناء فخم وإخضاعه لحرية التعاقد، فإذا رمّمتَ وأضفت مصعداً وعيّنتَ ناطوراً الخ... يصبح التعاقد حرّاً، فصدّق المالكون وقاموا بهذه الإضافات، ولكن صدر تشريع لاحق أخضع هذه العقارات هي أيضاً للتمديد و"قامت القيامة وقتها"... فما معنى ذلك؟ ولمّا كانت هناك مطالبات من رجال قانون وكنت واحداً منهم: بوجوب إلغاء هذا القانون الاستثنائي وبوضع بديل له – أنا شخصياً طرحت بديلاً. والبديل هو الخيارات القانونية التي تؤدّي ، باختصار، الى حرية التعاقد بالممارسة، وإعطاء السكن للمستأجر والخروج من القانون الاستثنائي في آن واحدً. أي أن آلية هذه الأحكام للخيارات القانونية تؤدّي الى الأمور الثلاثة التي ذكرتها. سوف أتطرق الى هذا الموضوع إنما سوف أكمل سياق الاستثناء. طبعاً في 1992 كنا نتمنّى أن يصدر شيء جديد ... لم يصدر. ظلّ القانون الاستثنائي ساري المفعول: قيد على الملكية وقيد على حرية المالك في التصرّف بملكه، مخالفة للمادة 15 من الدستور الى ما هنالك... استمرّ أيضاً 15 سنة ثم توقّعنا أن يصدر شيء جديد في العام 2014 ، قانون بديل، وإذ صدر مجدداً قانون استثنائي. بعد 70 سنة - ظاهرة غريبة في التشريع- بعد 70 سنة، نجد أن المجلس النيابي استفاق، فتقدّم عشرة من السادة النواب بطعن أمام المجلس الدستوري على كل القانون أي أنهم أرادوا أن يُلغى هذا القانون. المجلس الدستوري كما نعلم كلّنا أبطل  ثلاثاً أو اثنين وربع من المواد، وكنا طبعاً متوقعين أن يقوم المجلس الدستوري بحركة في اتجاه قانون جديد. أما القانون الذي صدر الآن، فلن أدخل في تفاصيله. لن أدخل في تفاصيل "خبير من هنا وخبير من هناك أو 3 أضعاف و4 أضعاف" ، أريد أن أشير الى شوائب، شوائب قانونية لأن دورنا نحن كمحامين أن نبيّن اين هي الشوائب كي تُزال. نلاحظ أن أول شائبة في النص: المستأجر ومَن معه من شاغلين للمأجور (زوجته، اولاده...)، كل هؤلاء لهم صفة للاحتساب. ونلاحظ في أول القانون ان صفة المستأجر هي لمَن يوقّع عقد الايجار فقط ؟!. لِمَ أدخلوها ؟ أدخلوها كي يصبح دخل المستأجر الأساسي محتسباً مع مداخيل الشاغلين وأجورهم، بحيث تصبح أكثر من 3 أضعاف الحدّ الأدنى للاجر، وبالتالي لا يستفيد شيئاً. هذه شائبة قانونية. لماذا؟ لأنه كما نعرف في قانون العام 1992 والقوانين السابقة ، قال النص: المستأجر، ومَن هم معه زوجته وأصوله و... يصبحون جميعاً مستأجرين، إذا توفي هذا المستأجر أو ترك المأجور، أي زال ، اعتبروا الوفاة مثل الترك والترك مثل الوفاة أي انعدام الوجود، يصبح للباقين صفة المستأجر بينما في القانون الجديد، هو ما زال حيّاً وقد زيدت مدفوعاته. هذا شيء غير صحيح. ونلاحظ إضافة الى ذلك في مادة لاحقة أن الإحتساب يشمل المستأجر وزوجته فقط. فماذا نطبّق ؟ إذاً اليوم، أصبح هناك تعديل وأشرنا اليه، أستاذ الياس وأنا والزملاء الكرام الموجودين هنا وفي النقابة، فالرجاء أن يكون التعديل الذي قمتم به تعديلاً عملياً مفيداً. لو كنتُ قاضياً فماذا أُطبّق: الرجل وزوجته أو الرجل ومَن معه؟

أما الشائبة الثانية وباختصار: كما نعرف كلّنا، عادةً يكون القانون ملزِماً، احكامه مُلزِمة ولا أريد أن أنتظر ما هو رأي فلان من الفرقاء أو أيّ أحد آخر. لديّ نَصّ قانوني وأريد تطبيقه. نلاحظ أن هذا القانون فيه أحكام تتعلّق بالعرض والطلب. أي إذا كنتُ مالكاً وأريد أن أستردّ المأجور لغير الضرورة العائلية والهدم والبناء،  يجب أن أقف على خاطر المستأجر. أطلب منه ، أعطيه .. هذا المستأجر قد يقول نعم وينتهي الأمر. أما إذا قال لا.... فتصبح المادة كأنها لم تتغيّر.

 ونلاحظ في أحكام لاحقة : المواد 35-36-37، تقول إنه بين المالك والمستأجر هناك امكانية البيع والشراء – وأدخلوا البنوك في الأمر- هذه الأحكام الثلاثة تشبه أحكام االخيارات القانونية، سوف أتطرق إليها أيضاً باختصار. هنا إذا كنتُ مالكاً وأريد أن أبيع أو إذا أراد المستأجر أن يشتري ولم نتّفق ... أيضاً المواد عرض وطلب، لا تكون قائمة. فإما أن تُلزمني بشيء معيَّن أو لا تضع هذا القانون. في آخر المطاف، وضعوا أن الايجار تملّكي وحق السكن وحقّ ... في التعديل وقبل التعديل لم نجد شيئاً ذا صلة بحقّ السكن. اليوم نريد أن نتطلّع من التشريع الى التوازن وإعطاء كل طرف حقّه، حقّ المالك في أن يسترجع ملكه- ولكن بعد 6 و 7 سنين أو 9 سنين – هذا شيء غير مقبول أن يصبح بدل الإيجار 10 آلاف أو 15 ألف أو 20 ألف دولار  فيما كان مليون أو مليون ونصف ليرة ، هذا شيء غير مقبول ونعيشه اليوم. بعد سنتين، بدأنا نرى المعاناة خلالها، أنا أريد أؤمّن السكن للمستأجر، ليس فقط في القانون، حقّ السكن مقدس، في التشريع الدولي، وفي شرعة حقوق الإنسان، السكن يجب أن تؤمّنه للمستأجر، لا يمكن أن تشرّده، ولا يمكن أن تقول له: أنت خلال 70 سنة لديك تمديد أما الآن فيجب أن تُخلي المسكن. وبالنتيجة، نجد المالك والمستأجر على خلاف دون أي سبب. أنا كمالك أجّرتُ برضاي والمستأجر استأجر برضاه. أنا مستأجر بحكم القانون، فمن أين يأتي الخلاف؟ من القانون والتشريع، من الغموض وعدم التوازن. أريد ّأن أتطرّق بإيجاز الى البديل الذي أراه مناسباً. ما البديل عن القانون الاستثنائي - لأنه يجب أن يكون لدينا الذهنية الرفضية – هذا القانون ظلّ قائماً 70 سنة، يكفي، ويجب أن نفتّش عن بديل. قد يُقال لي إن الخيارات القانونية تشكّل بديلاً؟ أو لا تشكّل بديلاً ؟ حسناً، يجب أن نسعى كلّنا، كلّنا كي نصنع البديل عن القانون الاستثنائي، لأنه يُنفّـــر المستثمرين  العقاريّين ويُبعد الأموال ويخلق المشاكل. نحن اليوم نعاني في المحاكم من أعداد هائلة من الدعاوى، وإضافة الى ذلك نرى تناقضات في الأحكام: قاضٍ يحكم هكذا وقاضٍ يحكم  خلاف ذلك... نحن كمحامين، أنا منذ 42 سنة كمحامٍ لم أشهد هذا التخبّط  في الأحكام... كيف يحصل في القضاء أن يحكم أحدهم بشيء ويحكم الآخر بالعكس... الناس ضائعة، وهذا أمر لا يجوز. هذا أمر مرفوض. لقد كان  الأحرى بالمجلس النيابي الذي انعقد مؤخراً من أجل التعديل أن يدرس بعمق وبمسؤولية هذا الموضوع، فهذا أمر لا يمكن ولا يجوز أن يبقى ويستمرّ. طبعاً، الخيارات القانونية، بعدما أُعلن عنها في عدة مؤتمرات صحافية لاحظنا أن المالكين والمستأجرين تبنّوها بصورة رضائية، أصبح كل مالك يبيع وكل مستأجر يشتري من أمواله الخاصة. نلاحظ أن هذا المشروع أدخل الى التشريع اللبناني المؤسسة العامة للإسكان التي أعطت مادة من موادها (المادة 16 على ما أعتقد) المستأجر حق الاقتراض من المؤسسة ليشتري المأجور خاصته. هذا واحد من أحكام الخيارات القانونية. سنة 1997، قدّم وزير العدل آنذاك الاستاذ بهيج طبّارة اقتراحه حول نسبتيْ 40-60 الذي نعرفه جميعاً، وهو شبيه للخيارات القانونية. في 2001، أجرينا مناقشة لهذا المشروع – كان ممثل نقابة المحامين حضرة النقيب عصام كرم، ومثّل المجلس النيابي الأستاذ ايلي عون ومثّل القضاء الأستاذ عفيف شمس الدين- وحصلت المناقشة من خلالهم ومعهم بحضور ممثل رئيس الجمهورية آنذاك الاستاذ سمير الجسر، وكان هناك تأييد وترحيب بهذا المشروع. وواصلنا نطرحه نحن كبديل، لم نتراجع، بقينا على هذا الطرح وإذ بنا نلاحظ أن هذا المشروع في مواده رقم 35 و36 و37 قال: لمَ لا تكون مبادلة بين المستأجر والمالك بوجود المصارف التي تموّل الشراء والمبيع أو التعويض؟ لآلية القانون 3 خيارات: بدءاً بالمالك إذا أراد، يعرض على المستأجر أن يشتري، ثم المستأجر إذا كانت لديه الإمكانية يدفع ثمن الشقة للمالك، وإذا لم يكن بمقدوره، يقترض من بنك الإسكان أو المؤسسة العامة للإسكان، والمصارف التجارية كما نعرف فتحت المجال لهذا الأمر، ويقسّط على 30 سنة. فيكون القسط موازياً للإجار المدفوع، فيشتري المستأجر الشقّة ويبقى فيها. هذا إذا رغب المالك أن يعرض عليه، وإذا رغب المستأجرفي التملّك. أما اذا كان المستأجر لا يريد أن يشتري، فيعرض عليه المالك أن يدفع له تعويضاً، ويطلب منه أن يُخلي المأجور، لا للضرورة العائلية ولا للهدم والبناء، لأني كمالك إذا كان لديّ المال أدفع وإذا لم يكن لديَّ أقترض أيضاً من المصارف وأدفع وأقسّط. وإذا قال المستأجر، أنا لا أريد أن أترك المأجور، عندها وبعد هذه المرحلية العادلة إذا صحّ التعبير، يصبح لدى المالك الحقّ بأن يقول له: لا تريد أن تشتري ولا أن تأخذ تعويضاً، اذاً ستخضغ لحرية التعاقد وبدل المثل والبدل العادل. هنا يقدر المالك بكل راحة ضمير أن يفرض البدل العادل بعد هذه المرحلية التي قدّمها، فلا يكون عندها المالك مرهقاً ولا المستأجر مرهقاً أيضاً. وهذه الخيارات إذا لم يمارسها المالك يمكن للمستأجر أن يمارسها. والمالك يكون حراً في أن يوافق أو لا. هنا نريد أن نبني للإلزامية التي تكلّمنا عنها. إذا قال المستأجر أنا أريد أن أشتري فيقول المالك : أريد أو لا أريد، تُطبّق الآلية التي ذكرناها. إذا طلب المستأجر تعويضاً، أيضاً  تُتبع الآلية نفسها. أما إذا لم يقدر المالك أن يدفع له أو يبيعه، عندها يخضع الزامياً للقانون الاستثننائي (ولا يوجد مالك يقبل باستمرار القانون الاستثنائي). وبالتالي، يجب أن يدفع تعويضاً أو يبيعه. وهنا ألفت النظر الى أن إحدى مواد الخيارات القانونية أشارت الى أن التعويض الذي يدفعه المالك يجب أن تتحمّل الدولة 75% من قيمته، لأن هذا المالك ليس له علاقة بالحجم أو بمبلغ التعويض لأن التعويض في المفهوم القانوني هو موازٍ للخطأ – لكنَّ المالك لم يُخطئ حتى يدفع تعويضاً – فهذه الدولة التي استمرّت 70 سنة  تمدّد لقانون استثنائي لا يجب أن تحمّل المالك وِزْرَ هذا الوضع، فلتدفع الدولة 75 % عنه. في الخيارات الثانية، ننتهي من القانون الاستثنائي، وفي الخيارات الأولى نتوصّل الى حرية التعاقد وبدل المثل وحق السكن للمستأجر.

أتمنّى طبعاً أن يصبح هذا المشروع- الذي نلاحظ أن في كل القوانين هناك نوعاً من التبنّي لبعض أحكامه بصورة جزئية- معتمداً وأن يتمّ تبنّي أحكامه بصورة كليّة. وأذكر هنا أن لا قانون أو مشروع يصدر وتتوافر فيه صفة الاكتمال أو الكمال. نحن لن نتوقّف عن طرح المشروع، ونحن في لجنة التشريع في نقابة المحامين، سوف نرفع اقتراحاً الى مجلس النقابة وحضرة النقيب بغرسال هذا المشروع الى  لجنة الادارة والعدل، وإن شاء الله ، نقدر في هذا المشروع أو في سواه على الخروج من الاستثناء، بحيث يرجع للمالك حقّه في التصرف بملكه ورفع القيد عن ملكيته ويكون للمستأجر أيضاً الحق  في السكن لأن السكن يحفظ كرامته، وهذا موجب علينا، وشكراً...