"الأخطار على السلطتين التشريعية والتنفيذية"

____________________

موجز مداخلة

المحامي الدكتور بول مرقـص

رئيس جوستيسيا

www.justiciabc.com

www.justiciadh.org

 

الحركة الثقافية – أنطلياس، 2015/6/5

 

1.    "العصفورية الدستورية" على حدّ تعبير غسان تويني (سوء التفسير وسوء التطبيق):

 نشير بدءاً، إلى أن تفسير الصلاحيات الدستورية في لبنان خلال السنين اللاحقة لانتهاء الحرب في لبنان (1990-2015) وممارستها من السلطات المختصة تزدادان سوءاً سنة تلو الأخرى.

فممارسة الصلاحيات الدستورية تقوم في غالبها "خارج القانون" Hors loi. ولذلك لا يصحّ الارتكاز على نحوٍ يقين إلى الممارسة الدستورية في السنين القليلة الماضية للاعتداد بها كسابقة precedentيُركن إليها في تفسير وتطبيق مادة من الدستور يثور الخلاف حولها. كما لا يمكن ارتقاب تصرّف السلطة لأنه غالباً ما يأتي مجرّداً من القواعد الحقوقية الناظمة وأصول تفسير الدساتير normes d’interprétation.    

 

2.حدود السجال السياسي في القواعد الدستورية:

على السياسيين تطبيق القانون لا تفسيره،

لا تقبل النصوص القانونية عموماً استنسابًا سائبًا في التفسير والتطبيق. أكثر ما ينطبق هذا المبدأ على النصوص الجزائية وعلى النصوص الدستورية التي ينبغي أن تُصاغ بأكبر قدرٍ من الوضوح والإلزام على

 

متولّي السلطة حتّى لا تترك مجالاً للاجتهاد والتقدير. لذلك سمّي الدستور "القانون الأساسي" Loi fondamentaleالذي ينظم العلاقات بين السلطات في الدولة. ذلك أن اللجوء إلى القضاء لتفسيرالنصوص الدستورية في كلّ مرّة يثور خلاف حول تطبيق الصلاحيات الدستورية أو حول تشابكها يبقى أمراً عسيراًوغير عملي.

فضلاً عن أن ترك باب الاستنساب في الموضوعات الدستورية من شأنه تشريع باب آخر للاجتهاد السياسي السهل في موضوعات دستورية: صلاحيات رئيس الجمهورية، التئام مجلس النواب، استمرارية الحكومة وشرعيتها...

كل اختلاف بين سياسيين في معرض النص الدستوري لتصويره على أنه غير واضح أو قابل للتأويل هو تسييس وتلويث وليس فقهاً دستورياً. من شأن هذا النمط من الاجتهاد السياسي السائب في النصوص الدستورية، ترك فراغ وتخبّط خطير ينعكس شللاً في المؤسسات وفي المرافق العامة.

خلافاً للشائع في لبنان، قلّما أمكن الاختلاف في الفقه الدستوري المقارن على تفسير النص. تفسير النص القانوني من سياسيين هو انعكاس لأهواء سياسية ليس إلاّ. فما هو غير دستوري اليوم بنظر البعض قد يفسّر على أنه دستوري لو شاءت مصالح سياسية ذلك مستقبلاً. فضلاً عمّا ينطوي عليه ذلك من استهتار بالمخيّلة الدستورية التي أنتجت دستور الجمهورية اللبنانية وتعديلاته الناتجة عن حروب ونزاعات جاء الدستور ليضع حدّاً لها.

يجدر اقتباس مبادئ الصلاحية المقيّدة Compétence liéeفي تطبيق النصوص الدستورية ومراجعة المعايير والقواعد الدستوريةالدوليةفي أعمال السلطة حيث لا يرتبط تفسير الصلاحيات الدستورية بالمسؤول السياسي في ما خصّ المركز الدستوري الذي يشغله، سواء أكان رئيساً للجمهورية أو لمجلس النواب أو لمجلس الوزراء أو وزيراً في أي حقيبة كان... لم توضع النصوص الدستورية المتّصلة بوظيفة المسؤول كي ينظر، هو، في أمر تطبيقها أو في ملاءمتها Convenanceأو عدم ملاءمتها. وَجُبَ عليه أن يطبّقها فحسب.

كذلك يجدر إيلاء صلاحية تفسير الدستور إلى المجلس الدستوري، حتى نخرج من "العصفورية" في تفسير الدستور، وهي الصلاحية التي كانت حرصت عليها وثيقة الوفاق الوطني لكن لم يؤخذ بها عند إقرار قانون المجلس الدستوري رقم 250 عام 1993.

 

3.أخطار على "النظام الدستوري" برمته

لجعله غير قابل للحكم Ingouvernable،

يحكمه مسؤولون غير مسؤولين،

 

 

لكن: المسؤولون مواطنون قبل أن يصبحوا مسؤولين، فهل تكون مصادر أزمة الحكم تربوية قبل أن تكون سياسية؟

ثم، إن ثقافة التعطيل هي بالمعنى المقصود، بالمعنى الإرادي،

وهي ناتجة عن سوء إدراك للمصلحة العامة perception de la chose publiqueبل أحياناً من باب العداء للمصلحة العامة (أمثلة: لمبة البلدية، العين، البناء المشترك...).

ثمة أزمة "تفريغ" وليس "أزمة فراغ" في النظام الدستوري (المواد 49 و73 و74 و75 أشبه بنظام متكامل يقتضي قراءتها بتمعّن).

لا يُعقل لمشترع أن يتصور سوء نية لدى المخوّلين إعمال الدستور.

 

4.  نموذج عن فلسفة "النصاب" والحكمة من وراء وضعه

لماذا وجد النصاب؟ هل وُضع كوسيلة لتعطيل التئام الجلسات أم لضمان فاعلية الجلسات؟

ولماذا ثمة نصابQuorum مختلف عن الغالبية أو الأكثرية Majority؟

يجدر التأكيد أولاً على أن النصاب ليس حكراً على جلسات المجلس النيابي. فهو قاعدة عامة تحكم كيفية انعقاد الهيئات المعنوية من أشخاص القانون العام (مجلس نيابي، مجلس بلدي...) والقانون الخاص (الجمعيات والشركات).

يدخل النصاب في إطار شكليات انعقاد الجلسة ولو كانت شكلية النصاب من المعاملات والصيغ الجوهرية في القانون (أي المهمة ولو كانت شكلية).

تكمن فلسفة النصاب في أن واضعيه توخّوا حكمةً أساسية وراءه ألا وهي ضمان عدم تفرّد قلّة قليلة من أعضاء الهيئة الناخبة- في حالات الانتخاب- بانعقاد الجلسات خوفاً من تعسّف الأقلية Abus de minorité. إلا أن القصد من ورائه، على السواء، ليس تحكّم الأكثرية- أي أكثرية- في انعقاد أو عدم

انعقاد الهيئة الناخبة هي الأخرى حتى لا ينقلب الأمر إلى تعسّف الأكثرية Abus de majorité. وهذه قاعدة مقتبسة من القواعد العامة للشركات وتنسحب على سائر الهئيات والمجالس. والأمر عينه ينطبق على قاعدة "الأكثرية" المطلوبة للانتخاب.

 

5.    هل المشكلة في النصوص؟

هي في الأخلاقيات السياسية Ethics

على طريقة كتاب غسان تويني لعام 1994: "Démocratie sans democrates"

وأساسها: فقدان معنى القواعد الحقوقية (الخلط بين النصاب والأكثرية) وغياب سلطة المعايير

 

 

 

من هي السلطات الناظمة للمعاييرAutorités productrices des normes؟  السلطات الدينية، الأحزاب، النقابات، الجمعيات، الهيئات الاقتصادية (أرغمت الرئيس بشارة الخوري على العدول عن التمديد بسبب إضرابها بضعة أيام آنذاك).

***

جمهورية بلا رئيس لما يناهز السنة... حتى اليوم.

عدد جلسات الانتخاب تجاوزت 20 ... دون أفق.

الحكومة تمارس الحكم بحدّه الأدنى وعقدها قابل للانفراط في أي لحظة.

مجلس نواب ممدِّد لنفسه لا يلتئم، والتشريع متوقف من سنين، ومعه الموازنة منذ نحو عشر سنين.

المنطقة مشتعلة. والنار تقترب...

لا ملامح تغيير...

عدد من النواب يحضرون جلسات الانتخاب والبقية لا تحضر. التعميم والسويّة بينهم سائدة، ومحاسبة المتغيبين غائبة.

 

نوصي بطرح الأسئلة التالية على النواب المقاطعين:

1.    هل تدرك ما هو تأثير عدم انتخاب رئيس، على الجمهورية وشعبها؟

2.    كنائب، هل تعرف ما هو نص المادة /49/ من الدستور الخاصة بدور رئيس الجمهورية؟

3.    هل تعرف ما هو نص المادة /74/ من الدستور التي تحكم كيفية انتخاب رئيس؟

4.    هل تُدرك أهمية كون رئيس الجمهورية ممثلاً للمسيحيين في السلطة ورمز وحدة الوطن؟

5.    هل فعلاً أنتَ تمتنع عن تلبية دعوة رئيس مجلس النواب إلى عشرات جلسات انتخاب الرئيس؟

6.    لماذا؟

7.    هل استمعت إلى تصريحات بطريرك الموارنة المتتالية بالخصوص؟

8.    لماذا تتمسك بالنيابة دون مزاولة النيابة؟ لماذا لا تستقيل إذاً؟

9.    هل تعرف ما الفرق بين "نصاب" Quorum  و " أكثرية" Majority؟

10.هل تعرف لماذا يفرّق الدستور والقانون بين هذين المفهومين؟

11.هل تعرف سوابق تاريخية مشابهة؟

12.هل سألت ماذا يحصل في الأنظمة الديموقراطية في مثل هذه الحالة من المقاطعة؟

13.هل سألت علام ينصّ الدستور الفرنسي الذي اقتبس منه الدستور اللبناني أحكامه في مثل هذه الأحوال؟

 

 

 

6."موضة" عقد الاتفاقات في الخارج وإملائها على الداخل- نموذج اتفاق الدوحة:

 حميد ولكن غير دستوي

صيغَ ولم يُملَ. هكذا يمكن وصف إتفاق الدوحة قياساً على عدد من المواثيق التي وقّعها سياسيون لبنانيون خارج لبنان خلال أزماتٍ كبرى، كمثل وثيقة الوفاق الوطني (إتفاق الطائف). ذلك أنّ إتفاق الدوحة، وإن كان برعايةٍ عربية وقطرية تحديداً، إلاّ أنّه صنيعة أعضاء طاولة الحوار الوطني التي كان دعا إليها رئيس مجلس النواب.

ما يميّز إتفاق الدوحة عن إتفاق الطائف مثلاً الذي قيلَ الكثير حول أنّ دولاً خارجية ساهمت في فرض نصوصه التي – بالمناسبة - جاء العديد منها خلاّقاً مبدعاً من الناحية الدستورية والميثاقية.

يندرج إتفاق الدوحة في إطار البناء المستمر للميثاق الوطني حيث أنّ هذا الأخير لا يقتصر على ميثاق 1943 ولا على الإتفاقات التي دأب اللبنانيون على إبرامها تباعاً أو محاولة إبرامها أثناء الحرب التي خيضت على أرضهم (إتفاقات جنيف، لوزان...).

قبل التوصيف الدستوري والقانوني، نتوقف عند أبرز بنود إتفاق الدوحة وهي التالية:

- إنتخاب رئيس للجمهورية.

- تأليف حكومة مشاركة وطنية.

- التوافق حول قانون الإنتخابات النيابية.

- إعادة إطلاق الحوار وعدم استعمال العنف لتحقيق غايات سياسية.

- الركون إلى مرجعية الدولة.

 

اللافت أنّ إتفاق الدوحة، وخلافاً لإتفاق الطائف، لا يقتصر على النواب بل أنّ ممثلي السلطة التنفيذية وقّعوا عليه إضافةً إلى النواب ورؤساء الكتل النيابية، فضلاً عن رؤساء الأحزاب والتيّارات السياسية من رسمييّن وغير رسمّيين. وبهذا ضرب الاتفاق مبدأ الفصل بين السلطتَيْن التشريعية والتنفيذية. ومَحَضَ حصّة وزارية لرئيس الجمهورية هي – وبصرف النظر عن نجاح بعض الوزراء الذين صار تعيينهم في ما بعد وأبرزهم الوزير زياد بارود- مخالفة للدستور من حيث مبدأ تخصيص رئيس الجمهورية بعدد من الوزراء.

 

 

 

 

 

 

تبقى الأسئلة العريضة التي تظلّل خشية اللبنانيين الدائمة:

هل نبقى رهن العنف المسلح الذي يجب أن يندلع في كلّ مرة، حتّى يقوم إتفاقٌ بين اللبنانيين كمثل إتفاق الطائف وإتفاق الدوحة؟

حتاّمَ نحن بحاجة إلى تدخل الآخرين لحل مشكلاتنا؟

حتاّمَ نحن بحاجة إلى السفر إلى الخارج، قريبٍ أو بعيد، للإتفاق؟

حتاّمَ نحن بحاجة إلى الإتفاق على هامش المؤسسات الدستورية، لا نعود إليها إلاّ تكريساً لإتفاق جرى خارجها؟

حتّامَ نعلّق المؤسسات إلى حين الإتفاق، خارجها، على إعادة العمل بها؟

وهل يجوز – خلافاً للدستور – توزيع الوزراء حصصاً لرئيس الجمهورية والمرجعيات والأحزاب بصرف النظر عن شخص بعض الوزراء ونجاحاتهم؟

تساؤلاتٍ نخشى تكرارها.

 

***

 

 

إقتراحات:

-         مُهل دستورية لتشكيل الحكومة، لانتخاب الرئيس، لانعقاد المجلس النيابي تحت طائلة اعتباره منحلّاً ودعوة الهيئات الناخبة.

-         تفسير الدستور.