مؤتمـر

الأخطار المحدقة بالدولة اللبنانية وسبُل مواجهتها

الجلسة الافتتاحية

كلمة أمينة المؤتمر الدكتورة تراز الدويهي حاتم

 

 

تحيّة صباحية وأهلاً بكم ،

حضرات المشاركين في أعمال المؤتمر الوطني لهذا العام، أنتم مرجعيّات في الثقافة والعلم والفكر، وتتميّزون كلّ في مجال اختصاصه بالرصانة والجديّة والموضوعيّة. نرحّب كذلك بالحضور الكرام ونشعر بالفخر لوجودكم النخبوي بيننا، مفكّرين ومسؤولين في مختلف المجالات والقطاعات، كما نتطلّع الى مشاركتكم بفعاليّة في أعمال هذا المؤتمر، تعقيباً على المداخلات واغناءاً للنقاش حول المواضيع المطروحة، في الأوقات المخصّصة لذلك تتويجاً لكلّ جلسة.

أيهــا الســادة،

يندرج المؤتمر الوطني في اطار الأنشطة السنويّة الثابتة, شأنه شأن "ذكرى الاستقلال" و"المهرجان اللبناني للكتاب". ثلاثيّة تنظمها الحركة الثقافية - انطلياس في كلّ دورة من سنيّ عمرها المديد. وما تسمية المؤتمر "بالوطني" الاّ للدلالة على التزام الحركة بالقضايا الوطنية الكبرى، تلك المتّصلة بالانسان والأرض والدولة، بعيداً عن اي التزام آخر سياسياًّ كان أم فئوياًّ. والجدول، الذي ضُمّ الى الملفات التي بين أيديكم، بعناوين المؤتمرات التي نظمتها الحركة وصدرت أعمالها الكاملة في كتب ومجلّدات، يؤكّد ثبات هذا النهج.

أيهــا الســادة،

مسوّغات انعقاد هذا المؤتمر هي المرحلة الدقيقة، الحرجة والخطيرة التي يمرّ بها الوطن الصغير الذي طالما شُبِّه بقاربِ تتقاذفه اليوم، وأكثر من أي وقتِ مضى، الأمواج العاتية. خارج الحدود، في المنطقة ودول الجوار، صراعات وحروب. استبداد وتطرّف دينيّ وتكفيريّ وتخلِّ عن القيم الانسانيّة الكبرى. وأبشع وسائل العنف والتنكيل والقتل تمارس بحقّ الآخر المختلف بالرأي، بالمعتقد أو بالانتماء. أما في مراكز القرار، فترسم خرائط جديدة للمنطقة تُنفَّذ على أرض الواقع بالدّمار والدّم والنّار.
أما في الداخل فأخطار وجوديّة على مختلف الصعد: فراغ في سَدّة الرئاسة الأولى، شللٌ في مجلس النواب، حكومة تعمل بالحد الأدنى ضمن توازنات معروفة. أما الادارة العامة فتعاني من التسيّب والزبائنية والفساد. أوضاع البلاد الأمنية تهتزّ تحت وطأة ارتدادات الصراعات الاقليمية، والمخاطر على الأمن والسلم الأهلي تتعاظم. كذلك الأخطار الاقتصادية والمالية تتفاقم مع  تعاظم عجز الخزينة وتصاعد الدين العام. والمجتمع يئن تحت وطأة البطالة والهجرة، كما يعاني انعكاسات المشاكل الناجمة عن النزوح السوري واللجوء الفلسطيني. والأرض سلعة في سوق التداول. وما هو أخطر من كلّ ذلك هو الانقسام العامودي في المجتمع والذي تعود جذوره الى أكثر من مئة عام. كلها أمراض تؤول بالأمم الى الانقراض والعدم تذكّر "بالأضراس المسوّسة" في كتاب العواصف لجبران: " أضراس مسوّسة وقد نخرتها العلّة حتى بلغت عظم الفك، غير أن الجامعة البشرية  لا تستأصلها لترتاح من اوجاعها بل تكتفي بتمريضها وتنظيف خارجها وملء ثقوبها بالذهب اللّماع" متغاضية عن البحث في الاسباب الحقيقيّة وماهية المعالجة.

ازاء كل هذا الواقع الخطير، ولأنّ الحركة الثقافية – انطلياس وضعت في أولويات عملها الدفاع عن سيادة الدولة اللبنانية واستقلالها ووحدتها، كان اختيار موضوع هذا المؤتمر لتسليط الضوء على الأخطار المحدقة بالدولة اللبنانية وسبل مواجهتها.

طموحنا العمل لاعادة لبنان الى اطاره الطبيعي كدولة ذات سيادة، تبسط سلطتها على كامل أراضيها بقواها الأمنية الذاتية، دولة مرتبطة عضوياًّ بالعالم العربي ومنفتحة كما كانت دوماً على العالم الأوسع. لذلك نتساءل معاً:

-   كيف يمكن فهم التعاطي مع انتخابات رئاسة الجمهورية، وقد انقضت سنة على الفراغ في أمّ المؤسسات؟ وهل الصراع على رئاسة الجمهورية اللبنانية ما زال كما في الأربعينات وبداية الخمسينات هو عملياًّ صراعٌ دولٍ على لبنان؟

-       من سيكافح بكل الوسائل المتاحة لمنع انهيار الدولة؟

-       ماذا عن الصيغة اللبنانية النموذجية التي يثمنها العالم أجمع؟

-       ماذا عن الأسس والمواثيق التي قام عليها لبنان ولا يمكن أو يجوز تجاهلها؟

-       من سيتمسك بوجود لبنان؟ وأيّة حلول سترعى مصيره؟

هذه بعض من أسئلة كثيرة نتمنى أن تأتي المداخلات والتوصيات ببعض الاجابات عنها. توصيات سنعمل على تفعيلها بإيصالها لكل القطاعات الفاعلة في المجتمع وللمراجع الدولية أيضاً. هكذا نستمرّ بالمقاومة الثقافية وبالتّغيير من خلال الثقافة، نرفض الفوضى والتشرذم والاستبداد، نرفض العنف والقمع والتطرّف والأخطار الديموغرافية المهددة للصيغة والكيان اللبناني. نحن مع وحدة الدولة واستقلال لبنان. نحن مع الحفاظ على المؤسسات الدستورية. نحن مع الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان ومع الصيغة اللبنانية التعددية الفريدة. نحن مع المؤسسات الأمنية وعلى رأسها الجيش اللبناني سياج الوطن وحاميه.

في الختام، شكراً للمشاركين وللحضور،
شكراً لمؤسسة فريدريش ايبرت بشخص مدير مكتبها في بيروت السيد أخيم فوكت وطبعاً لمديرها السابق الأستاذ سمير فرح لمشاركتهم في التفكير والتحضير لهذا المؤتمر وتمويله.

شكراً لوسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة لمواكبتهم هذا الحدث الثقافي الوطني.

شكراً لزملائي في الحركة الثقافية – أنطلياس وخاصة للجنة المؤتمر: د. أنطوان سيف، الأمين العام، د. عصام خليفة الذي يحمل برنامج هذا المؤتمر بصماته، د. نجاة الصليبي الطويل أمينة النشاطات وللأستاذ جورج أبي صالح، أمين العلاقات الخارجية.

أتمنى لكم مؤتمراً موفقاً وأناشدكم الالتزام بالوقت المحدّد للمداخلات كما أتمنى على الحضور المشاركة بالمناقشة والاقتراحات. فاسهامكم ربما يفتح كوة في مجال البحث عن حلول. علنا نشهد معاً على انتصار المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية والفئوية وعلى انتصار العقل على الغرائز المتفلّتة.