المؤتمر الوطني 2006
 


  كلمة افتتاح المؤتمر الوطني السنوي لأمينة المؤتمر د. تريز الدويهي حاتم

 العلاقات اللبنانية السورية في الإطار الإقليمي والدولي  حبيـب صـادق

 لبنان في اطار الصراع العربي- الاسرائيلي والصراعات الاقليمية د. عدنان السيد حسين

 من تعريب التدويل الى تدويل التعريب: لبنان الى اين؟ النائب فريد الخازن

 المنطقة في رعاية الشرعية الدولية: قرارات وتحديات د. شفيق المصري

 نحو علاقات طبيعية الطبيعية د. فاديا كيوان

 معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق: مقاربة نقدية أنطوان نصري مسرّة

 البحث عن اجندة جديدة العميد نزار عبد القادر


 كلمة السيد سيمون كرم


 تبادل التمثيل يزيل الانطباع بأن مشكلة لبنان دولة لا تعترف به ودولة لا يعترف بها. السفير فؤاد الترك

 ترسيـــم الــــحدود  د. عصام خليفة

 كلمة باسم الجسر

 المداخلة المتعلقة بالالتباس في موضوع الجنسية ايلي شحادة

 مخالفات قوانين الجنسية وسوء التطبيق. د. بشارة حنا

 الاختفاء القسري والاعتقال الاعتباطي في السجون السورية النائب غسان مخيبر

 إستعادة الارشيف من سوريا!!! بقلم العميد الياس حنّا

 لبنان وسوريا: العلاقات الثنائية التعاقدية د. انطوان سيف

 لبنان بين الاتفاقيات العربية والدولية الأستاذ نقولا صبيح

 مستقبل العلاقات الاقتصادية اللبنانية – السورية من الاستقطاعات الى المصالح المشتركة جو فضول

 مرافق لا يزال السوريون يشاركون باستغلالها المحامي جورج بارود

 العلاقات الثنائية التعاقدية اتفاقيات النقل والانتقال والمواصلات والجمارك ميشال مرقص

 العلاقات الاقتصادية اللبنانية السورية اليـاس سـابـا

 الاتفاقيات الزراعية بين لبنان وسوريا وتأثيرها على القطاع الزراعي اللبناني المهندس انطوان الحويك

 الصناعة والتجارة فـادي عـبـود

 الموقع المحوري والعلاقات المصرفية اللبنانية السورية من عمليات الاصلاح الاقتصادي والمالي في سوريا مكرم صادر

 العلاقات الثنائية التعاقدية النائب مصباح الاحدب

 "العلاقات اللبنانية السورية  في مجال المياه" لطف الله الحاج

 تنظيم اليد العاملة بين الدولتين كمال حمدان

 تلاقي وافتراق السياسات الاقتصادية شربل نحاس

 

كلمة افتتاح المؤتمر الوطني السنوي

 

للحركة الثقافية - انطلياس

العلاقات اللبنانية - السورية(2)

محاولة تقويمية واستشرافية

لأمينة المؤتمر د. تريز الدويهي حاتم

 

        يسرّني الترحيب بكم في هذا المؤتمر الذي يشرّف الحركة الثقافية - انطلياس تنظيمه، لما ينطوي عليه موضوعه من اهميةٍ، خصوصاً في هذه الايام المصيرية التي نعيشها والتي ستحدّد مستقبل لبنان وشعب لبنان لحقبةٍ طويلةٍ من الزمن.

        أيها الحفل الكريم، قبل سنوات قليلة، عندما كان الخوض في موضوع العلاقات اللبنانية - السورية أمراً خطيراً ومحظّراً على غير المؤيدين والموافقين، بادرت الحركة عام 2000، الى تنظيم مؤتمر علمي موضوعي تناول هذه العلاقات بجوانبها وأبعادها المختلفة وصدرت أعماله في مجلد، هو اليوم المرجع الاساس في هذا المجال.

        وها هي الحركة الثقافية - انطلياس تعود الآن الى معالجة الموضوع نفسه، وللعودة  مبررات منها ما استجد من اتفاقيات ثنائية بين الدولتين ما بين عام 2000 وعام 2005 وأهمها أحداث العام 2005 الذي حمل، وسط محاولات الاغتيالات، والاغتيالات، والتفجيرات والمآسي المفجعة، تحولات كبرى كان لها وسيكون إنعكاسات عميقة على العلاقات اللبنانية - السورية، مما يوجب اعادة التحليل والتقويم وضرورة استشراف علاقات مستقبلية مبنية على اسس صحيحة وصحية ننتقل معها من "العلاقات المميزة" الى "العلاقات الطبيعية". اما هذه التحولات فأخص منها ثلاثة متداخلة في سياق واحد:

-       التحوّل الأول: المتمثل في انسحاب القوات السورية من الاراضي اللبنانية بعد طول اقامة فيه كان مقدراً لها على الارجح ان تكون بلا نهاية. وقد  تم الانسحاب تحت ضغطين قويّين، شعبي لبناني من جهة، ودولي من جهة اخرى. وقد كان الانسحاب بالغ الصعوبة على الجانب السوري الذي كان ممسكاً بشدة بالوضع اللبناني ومتغلغلاً فيه الى ابعد الحدود.

-       التحول الثاني: تجسّد في انتقال قواعد شعبية لبنانية واسعة في بيروت وطرابلس وصيدا واقليم الخروب، وفي الشوف وعاليه، وفي عكار والضنية والبقاع وأنحاء اخرى، من مجال الترقّب والحيطة، الى الالتزام الشديد بالقضية اللبنانية. ممّا اعطى الكثير من الزخم للحركة الاستقلالية والدفاع عن الحريات التي كانت منطلقة ومستمرة منذ سنوات عدة بجرأة نادرة وتضحيات كثيرة، في لبنان كما في عوالم الاغتراب.       

وقد شكّل هذا الزخم الشعبي الجديد، المتعدّد الطوائف والمناطق والاصول الاجتماعية، شكّل في حد ذاته اكبر انتصار للقضية اللبنانية منذ 85 عاماً، أي منذ قيام لبنان الكبير عام 1920 وحتى اليوم.

-       اما التحول الثالث: فهو هذا الاهتمام الدولي الواسع بالمسألة اللبنانية، بحيث باتت هذه المسألة احدى اهم قضايا العالم المعاصر. وباتت "ثورة الارز" رمز التوق الى الحرية في ارجاء المعمورة. وهذا الالتفاف الدولي حول لبنان لا مثيل له هو ايضاً منذ العام 1918 عند انهيار السلطنة العثمانية والسير نحو دولة "لبنان الكبير"، حين أنقذت العناية الالهية اللبنانيين من خطر الابادة الجماعية التي قضت على ثلث سكان جبل لبنان بين العام 1915 و 1918.

        لا شك في ان هذه التحولات الكبرى الثلاثة ستلقي بظلّها على اعمال المؤتمر وتحدد جوانب مهمة من مضمونه. ورغم تركيزنا البالغ على الطابع الموضوعي والتخصصي، وعلى الدقة العلمية وتعددية الآراء في هذا المؤتمر، فإننا نودّ الاشارة في هذا الاطار الى الاعتبارين التاليين المعبرين عن موقفنا.

-       أوّلاً: تتخطى مسألة العلاقات اللبنانية - السورية الى حد بعيد هاتين الدولتين لتطول المنطقة بكاملها. خصوصاً مستقبل الحريات في المشرق التي هي مفتاح تقدمه او تخلّفه. فقضية الحرية البشرية هي الاساس في ذلك. فحيث لا حرية، لا علم، ولا معرفة، ولا ابداع، ولا ازدهار، ولا حداثة، ولا تطور، ولا قوة مجتمعية، ولا ثقل سياسي، ولا نوعية حياة. وقد شاءت معطيات التاريخ والجغرافيا ان تكون جوهرة الحرية الفريدة في هذا الشرق قائمة في الارض اللبنانية. فهل نستطيع حمايتها وتطويرها ونشرها، وتوسيع مداها في المكان، ام لا؟ هذا هو جوهر المسألة اللبنانية - السورية.

-       ثانياً: اننا نسير بتفاؤل كبير تجاه المرحلة القادمة، مهما بدت الاوقات الراهنة صعبة ومعقدة. فالطريق الذي نسير فيه الآن هو الوحيد الممكن، مهما بلغت التضحيات. ونحن نستمدّ تفاؤلنا من ادراك التاريخ اللبناني. ذلك ان مسألة العلاقة اللبنانية - السورية الحالية تذكّر، في العديد من جوانبها، بمسألة العلاقة اللبنانية - العثمانية في زمن الامارة المعنية ثم الشهابية كما في زمن المتصرفية. فعلى رغم تبدّل الظروف والمعطيات، يبقى الجوهر نفسه، وهو التالي: كيف الافلات من انظمة الاستبداد؟ وكيف رسم مسار انساني مختلف عماده الحرية والانفتاح والتقدّم؟ لقد كانت الكلمة الاخيرة، على مدى القرون الاربعة المنصرمة، للمجتمع اللبناني، في صون شخصيته وهويته وطموحاته الانسانية والمعرفيّة. ولن تختلف النتيجة اليوم عن ذلك.

 

    ان تكريس نظام الحريات ليس انتصاراً للبنان فقط بل لسوريا ايضاً، ولكل مجتمعات المنطقة العربية. وهو الانتصار الوحيد الذي يدخل هذه المجتمعات مجدداً الى حركة التاريخ، ويفتح امامها باب المستقبل.

   

المحور الأول

العلاقات اللبنانية السورية في الإطار الإقليمي والدولي

ـــــــــــــ

    حبيـب صـادق

 

ليس بدعاً أن تبادر الحركة الثقافية ـ أنطلياس، في هذه اللحظة الملتهبة الصاخبة، إلى طرح قضية العلاقات اللبنانية ـ السورية على مائدة النقاش العقلاني المسؤول. فللحركة الثقافية سجل حافل بمآثر التصدي للقضايا المعقدة الساخنة في أحلك الأوقات وأشدها صعوبة. من هنا أصابت الحركة ذلك الحظ الوافر من مشاعر التقدير لدى الناس ونالت ثقتهم الغالية.

        فشكراً للأصدقاء الأعزاء قادة الحركة الرواد ليس على تنظيم هذا المؤتمر الذي تستدعيه الضرورة فحسب بل على مجمل فصول مسيرتهم الثقافية الوطنية المنذورة لخدمة لبنان السيد المستقل الديمقراطي العربي ولتعزيز القيم الثقافية والحضارية في ربوعه..

        وبعد فماذا تُرانا قائلين في افتتاح الجلسة الأولى من جلسات هذا المؤتمر الكثيرة العدد والمتنوعة المواضيع؟؟..

        إنَّ مدى القول، في هذه الجلسة، من السعة والتشعب بحيث لا يستوعبه وعاء الوقت المحدد لها، ما يستوجب الاكتفاء بالإشارة إلى بعض العناوين وطرح بعض الأسئلة ليس أكثر..

        ثمة ما يشبه الإجماع، لدى المراقبين، على أن العلاقات اللبنانية السورية لم تصل، في ماضي أيامها، إلى ما وصلت إليه اليوم من شدة التأزُّم واحتدام التوتر بلوغاً إلى مساقط العداوة التي تشف، في خطابها، عن طيوف شوفينية تتراءى، سافرة، على الضَّفتين سواء بسواء.

        في مشهد هذه العلاقات، اليوم، يكاد الرائي لا يصدق عينيه... إنما هو الواقع ماثلاً أمامنا في تشكُّله الراهن.. وبالغ الخطورة، في هذا المشهد، أن نرى مجتمعنا يدخل مرحلة فرز طائفي ـ مذهبي مسعور يستحضر، في الذاكرة، أهوال الحرب الأهلية.. وهل ما حدث في الأشرفية، يوم الأحد الفاجع، إلاَّ النُّذر المشؤوم؟؟

        وبعد، فهل يستقيم القول في هذه العلاقات بعيداً عن المراجعة النقدية التاريخية؟ وهل

تصح قراءة هذه العلاقات في منأى عن ارتباطها الوثيق بالوضعين الإقليمي والدولي؟؟

        ففي الأساس ما انتصبت خيمة الوصاية السورية على حطام السيادة اللبنانية إلاَّ تجسيداً لتوافق دولي إقليمي وجد فيه النظام السوري، لا الشعب، ضالته في إنجاز خطته السياسية حيال لبنان، وغايته، من وراء هذه الخطة، أن يجعل لبنان موقعاً متقدماً لتعزيز نفوذه إقليمياً وإعلاء شأنه دولياً.. إضافة إلى مآرب لا حصر لها فقد أحكم هذا النظام الاستبدادي قبضته الحديد على لبنان، بتفويض أميركي عربي، فصادر منه الحياة السياسية وأمسك بإدارة الحكم وعاث فساداً في المؤسسات العامة وأخضع لإرادته هيئات المجتمع المدني، إلاَّ من عصمها شرفها الرفيع، وأمعن في انتهاك الحريات وانتهاب الثروات...الخ. بذلك كله أعطى النظام السوري أسوأ نموذج وأقبحه عن العلاقات بين بلدين عربيين. إنما تلك الآثام الجسام من إنتاج النظام الجلاد وليس من إنتاج الشعب الضحية.

        ومن أسف، حيث لا ينفع الأسف، فإنَّ شرائح واسعة من الطبقة السياسية الطائفية في لبنان سرعان ما استسلمت لإرادة الوصاية المهيمنة وانقادت لأوامرها طائعة مستخذية ثم استنصرت بها، في صراعها الداخلي، طمعاً بمنصب وازن في ديوان السلطة التابعة واصطياداً لمغنم ثمين في "دولة المحاصصة الطائفية".

        في ضوء ما تقدَّم باتت مقروءة لوحة الانهيار المروِّع الذي لحق بهيكل العلاقات اللبنانية ـ السورية عقب ارتكاب فعلتين مدمرتين متلازمتين: التمديد الإكراهي لولاية رئيس الجمهورية والاغتيال الزلزال الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه الشهداء فتأسس على ذلك واقعان غير مسبوقين: فجوة سحيقة بين البلدين وموقف دولي صارم سريع الحركة في غياب موقف عربي متكلس.. فانهيار العلاقات إذن، ما وقع إذ وقع إلاَّ بحكم الأعطاب البنيوية الفادحة التي كانت قائمة في أساس الهيكل الأمر الذي استولد، طبيعياً، وثبة استقلالية جديدة في الداخل بقيادة قوى المعارضة والذي استدرج القيام بحملة ضغط دولية في الخارج بقيادة أميركية ـ فرنسية، تولَّت إدارة مجلس الأمن واستصدار قرارات متعاقبة ذات صلة..

        يبقى أن نتساءل، في هذه العجالة، هل من فائدة تجنى من استفحال الأزمة وتصاعدها بين البلدين؟ وهل يقف السعي عند انسداد الآفاق أمام أي حوار بينهما لتسوية عادلة؟ ثم هل يتساءل أحدنا عن كلفة ذلك كله، في حساب الوحدة الوطنية واستقرار المجتمع؟

        ثمة من يقول في لبنان: "إنَّ الحوار ضروري بل مطلوب أياً تكن المواجهة السورية الدولية واستطراداً السورية ـ الأميركية. لأنَّ لبنان وسورية دولتان شقيقتان وجارتان ولأنَّ استقرار الواحدة منهما لن يتوافر إلاَّ إذا توافر عند الآخر..." (سركيس نعوم ـ النهار 4/1/2006) .

        وثمة من يقول في سورية "ومن واجبنا نحن السوريين أن نتعامل مع لبنان على أساس احترام سيادته واستقلاله، وأنَّ المشترك، اليوم، بين الشعبين هو النضال من أجل الديمقراطية لأنَّ خصمهما في البلدين مشترك وأي تقدم تحققه الديمقراطية في أي من البلدين هو تقدم في البلد الآخر..". (رياض الترك ـ ملحق النهار 22 كانون الأول 2002).

ويصدر كلام معبِّر عن مثقف سوري آخر يقول: "لبنان ضد سورية هو لبنان منقسم على نفسه وسورية ضد لبنان هي سورية غير ديمقراطية".(ياسين الحاج صالح ـ الحياة ـ 19/1/2006).

وبعد فهل من سبيل إلى كلمة سواء بيننا تدعو إلى إجراء ذلك الحوار المطلوب؟ حوار عقلاني صريح بين طرفين متكافئين يتأسس على ثوابت من التاريخ والجغرافيا والعرى الاجتماعية والعلائق الاقتصادية والأبعاد الثقافية ويرمي إلى كشف الغطاء عن الحقائق، وفي رأسها حقيقة الاغتيال الزلزال، ويسلِّط الضوء على الهواجس لمعالجتها ويحدد بدقَّة معالم المصالح المشتركة وآثار الضرر، على شتى الصعد، من استمرار الخلاف والنزاع ثم يعبر ، بالرؤية والاستخلاص، من الخاص إلى العام فيرى أن هناك، في الجوار وما وراء البحار، من يسعى إلى استغلال الأزمة اللبنانية ـ السورية لتحقيق مآربه الخاصة وتنفيذ خططه المرسومة. فالمنطقة بأسرها، انطلاقاً من العراق المحتل، مهددة بمشاريع خارجية انقلابية تستهدف إعادة النظر في الأنظمة والحدود والكيانات والثقافات وفق خارطة "الشرق الأوسط الكبير"، في حين تمضي آلة الحرب الإسرائيلية، بدعم أميركي، في استكمال مشروع الاستيطان والتوسع وفي الوثوب العدواني إلى الخارج المحيط. من هنا تبدو المنطقة للمشاهد البصير "برميل بارود بفتيل مشتعل".( تيري رود لارسن، موفد الأمين العام للأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط سابقاً ـ النهار 7/2/2006).

        نعود فنسأل: هل في وسعنا أن نطلق من هنا، من على هذا المنبر الثقافي المقدام، دعوة خالصة إلى العمل، بروية وروح مسؤولية والحرص على المصلحة وبوعي تاريخي ورؤية مستقبلية، على إعادة بناء العلاقة اللبنانية ـ السورية على أسس الندية والاحترام المتبادل لسيادة كل من البلدين واستقلاله ومراعاة خصوصيته والمحافظة على أمنه ومصالحه مع المبادرة إلى ترسيم الحدود، بينهما، وإقامة علاقات دبلوماسية ؟.

        فهل في استطاعتنا إنجاز هذه المهمة التاريخية بقدراتنا الذاتية في منأى عن دوائر التعريب أو التدويل؟

        وهل من خيار آخر أمامنا غير المجهول؟؟

        إنَّ الأجوبة عن جملة هذه الأسئلة وعن غيرها لسوف نقف عليها مرسلة إلينا فوراً، بعمق ودقَّة من قِبَل سادة هذه المنصَّة المشهود لهم في سعة العلم وغنى المعرفة واكتناز الخبرة ورصانة الرأي وهم الأصدقاء الأعزاء الأساتذة الجامعيون الدكتور عدنان السيد حسين والدكتور فريد الخازن والدكتور شفيق المصري.

                                                        وشـكراً لكــم جميعــاً

  

لبنان في اطار الصراع العربي- الاسرائيلي والصراعات الاقليمية

د. عدنان السيد حسين

علاقة لبنان باسرائيل هي علاقات حرب وليست علاقات سلام، والناظم القانوني لها هو اتفاقية الهدنة في العام 1949، التي خرقتها وتخرقها اسرائيل دائماً.

والحكمة تقتضي اليوم عند المطالبة بالغاء سلاح المقاومة السؤال عن مدى التزام اسرائيل باحترام سيادة لبنان، وما اذا حصلت الحكومة اللبنانية على تعهد اسرائيلي وتعهد دولي باحترام هذه السيادة؟

اما بشأن السلاح الفلسطيني في لبنان فإنه محكوم باتفاق الطائف ولا بد من مفاوضات تجريها الحكومة اللبنانية مع حركة حماس حول هذا السلاح بحيث تتحقق السيادة اللبنانية كاملة وغير منقوصة.

وبشأن العلاقات السورية - اللبنانية لا بد من تصحيح مسارها على قاعدة التكافؤ في المصالح، واحترام استقلال البلدين، وفصل مسار العلاقات الطبيعية عن مسار التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

بعد احتلال العراق وما نتج من تداعيات يزداد الخطر على لبنان وعلى المشرق العربي عموماً مع تنامي دعوات التطرف والعصبيات ولا بد والحال هذه من بناء صرح المواطنة في لبنان والبلاد العربية مع الانفتاح على التجارب العالمية في هذا المضمار.

  

من تعريب التدويل الى تدويل التعريب: لبنان الى اين؟

 

النائب فريد الخازن

 

منذ اندلاع الحرب في لبنان في منتصف السبعينات ومنذ انتهائها في مطلع التسعينات والازمة اللبنانية تمر بمراحل مختلفة يغلب عليها طابع التدويل حيناً والتعريب حيناً آخر ولقد بات التدويل بنظر البعض في لبنان يثير الجدل والحفيظة في احسن الاحوال والمعارضة في اسوئها. فمن رفض تدويل الازمة اللبنانية الى مطالب بها ومن مناد بالتعريب الى معارض له. الا ان التدويل ليس غريباً ولا جديداً لا في لبنان ولا في دول المنطقة اذ لا من حل لاي من ازمات المنطقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية الا واتى عبر التدويل: النزاع العربي -الاسرائيلي (قرارات الامم المتحدة ومفاوضات السلام الخيرة في التسعينات) الحرب العراقية-الايرانية, حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي التي شاركت فيها قوات عربية وغربية وامن الخليج العربي المدول منذ سنوات عديدة واخيراً الحرب السودانية.

 

المقصود عملياً بالتدويل اصدار قرارات مجلس الامن والية تنفيذها او تدخل الدول الكبرى في ازمات معينة عبر مجلس الامن او خارج الامم المتحدة(العراق) وفي الحالة اللبنانية ثمة مفهومان للتدويل: المفهوم الاول يعني اهتمام الدول الكبرى بالازمة اللبنانية وتدخلها المباشر عسكرياً او سياسياً لايجاد الحل لها او سعياً لتحقيق اهداف معينة مرتبطة بلبنان او بدول اخرىفي نظامه الاقليمي. اما المفهوم الثاني فيعني تدخل الامم المتحدة عبر اصدار قرارات من مجلس الامن حول الازمة اللبنانية في اي جانب من جوانبها مثلما هي حال القرار 425  الداعي الى انسحاب اسرائيل من الجنوب في العام 1978 واخيراً القرارات الاربعة الخيرة بدءاً بالقرار 1559. وفي كلا المفهومين للتدويل الاطراف المعنية بالموضوع هي الدول الكبرى وفي الحالة اللبنانية الطرفان المحركان والاكثر نفوذاً هما الولايات المتحدة وفرنسا.

 

ثمة محطات عديدة للتدويل قبل نشوء الدولة في 1920 وبعدها.ابرز محطات التدويل في الحالة اللبنانية هي التالية:

المحطة الاولى: في مرحلة ما قبل نشوء الدولة برز التحرك الدولي على اثر احداث 1860 الدامية التي تزامنت مع احداث مماثلة في دمشق. وهذا ما ادى الى تحرك المجتمع الدولي انذاك( الامبراطورية العثمانية فرنسا بريطانيا روسيا بروسيا ايطاليا النمسا) لايجاد الحلول العملية للازمة ولايجاد الوسائل الكفيلة لعدم تكرارها ونتج عن هذا التحرك الدولي انشاء نظام المتصرفية في جبل لبنان في 1861 بعد مداولات مكثفة بين ممثلي الدول الكبرى في بيروت وهذا ما اعطى جبل لبنان السلم والامن خلال ما يزيد على نصف قرن حتى اندلاع الحرب العالمية الاولى وشكل النواة القانونية والسياسية لقيام الدولة الحديثة في 1920.

المحطة الثانية:انشاء دولة لبنان الكبير في 1920(ومعظم دول المنطقة العربية) في اطار الثنائية الفرنسية- البريطانية التي سيطرت على مناطق السلطة العثمانية.هكذا وضعت دول المنطقة العربية تحت النظام الجديد نظام الانتداب باشراف عصبة الامم وهي المنظمة الدولية الجديدة التي أنشئت بعد الحرب العالمية الاولى.

المحطة الثالثة: انجاز الاستقلال المتلازم مع الميثاق الوطني في 1943 كان نتاج التحولات الكبيرة على المستوى الدولي من جهة اي التنافس بين بريطانيا وفرنسا والتحولات الداخلية: ثنائية الصلح- الخوري) والاقليمية من جهة اخرى. لم يكن الاستقلال متاحاً في توقيته وظروفه لولا الاهتمام الدولي لا بل التنافس الحاد بين فرنسا وبريطانيا اضافةً الى الحرب العالمية الثانية التي انهكت الطرفين.

المحطة الرابعة: لازمة 1958 مستويات ثلاثة:محلي واقليمي ودولي. الا ان الطابع الدولي والاقليمي (اي الخارجي) للازمة كان طاغياً من بدايتها الى نهايتها وفي النهاية اتى الحل بتوافق بين مصر والولايات المتحدة على خيار لبناني تجسد بانتخاب قائد الجيش فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية. هكذا كان الحل للازمة مزيداً من التدخل الاميركي العسكري لوضع حد للتدخل العربي (المصري والسوري) في اطار توازنات الحرب الباردة التي شكلت المنطقة احدى ساحاتها الاولى في خمسينات القرن المنصرم.

المحطة الخامسة: الاجتياح الاسرائيلي في 1982 ادى الى تدويل الازمة عبر تشكيل القوات الدولية الاولى والثانية ومن ثم عبر تدخل اميركي سياسي وعسكري قابله تدخل سوفياتي عبر سوريا وحلفائها  في لبنان لاسقاط اتفاق 17 ايار. الا ان التدويل في 1982-1984 ادخل البلاد في مزيد من الازمات وتواصلت الحرب في لبنان حروباً متداخلة محلية واقليمية. واضيف اليها منذ الثمانينات بعداً اقليمياً جديداً تمثل بايران الاسلامية.

المحطة السادسة: تدويل حصل عبر الدعم الدولي لاتفاق الطائف برعاية عربية الدور الاميركي كان محورياً في اقرار اتفاق الطائف بصيغته النهائية التي لم تتضمن الية انسحاب واضحة وقابلة للتنفيذ للجيش السوري من لبنان (السبب الاساسي لمعارضة العماد عون) وفي قطع الطريق على الصيغة الاولى التي اقترحتها اللجنة الثلاثية العربية في مطلع صيف 1989 التي نصت على انسحاب الجيش السوري في مهلة زمنية محددة في خلال ستة اشهر.

المحطة السابعة: تدويل النزاع في الجنوب منذ قرار مجلس الامن 425 في 1978 الى العام 2000 وهذا يعني اعتراف المجتمع الدولي بحق لبنان في استرجاع ارضه من الاحتلال الاسرائيلي. الا ان التدويل الاهم حصل في التسعينات لا عبر مشاركة لبنان  في المفاوضات العربية- الاسرائيلية في اطار مؤتمر دولي شاركت فيه دول المنطقة المعنية بالنزاع ومنها سوريا بل عبر اضفاء الشرعية الدولية لاستمرار الحرب بين حزب الله  واسرائيل مع تجنب المدنيين من الطرفين كما نص تفاهم نيسان في 1996.وما تشكيل لجنة المراقبة الدولية بقيادة اميركية وفرنسية سوى تأكيد على تدويل النزاع المسلح بين الطرفين.

 

اليوم نحن امام حقبة جديدة من التدويل تختلف في الشكل والمضمون عن سابقاتها. ولقد بدأت في ايلول 2004 مع القرار 1559 وتتواصل الى اليوم. هكذا انتقل لبنان من الهامش ومن الاهتمام الدولي بالحفاظ على الوضع القائم بعدم الاهتمام بالوضع اللبناني الى صلب اهتمامات المجتمع الدولي بسرعة هائلة وبوتيرة غير مسبوقة عبر قرارات مجلس الامن الاربعة اضافة الى تقارير فيتزجيرالد وميليس. وكان آخرها القرار 1655، قارا التمديد ستة أشهر لعمل قوات الامم المتحدة في الجنوب. اسباب التغيير عديدة وهي مرتبطة بالاوضاع الاقليمية والدولية منذ اعتداءات 11 ايلول 2001 مروراً بتوقف المفاوضات العربية - الاسرائيلية وصولاً الى حرب العراق.

 

الانتقال من الهامش الى المركز حصل بفترة زمنية قياسية وادى الى خروج الجيش السوري من لبنان والى تهاوي الدولة الامنية الليبنانية - السورية والى التحقيق الدولي باغتيال الرئيس الحريري. والتطورات التي شهدتها الساحة اللبنانية (الانتخابات، عودة العماد عون، خروج الدكتور جعجع من السجن، الاغتيالات) وانعكاساتها على سوريا معروفة.

 

حصل التدويل لانه من المستوى الاعلى من الدور السياسي لدولة عظمى او لمجموعة من الدول بعد استحالة ايجاد الحلول لازمات معينة على المستويين المحلي والاقليمي. هكذا اتى التدويل بعد فشل الحلول الداخلية منذ منتصف السبعينات وبعد فشل التعريب في العقود الثلاثة الاخيرة وصولاً الى "السورنة" منذ العام 1990 الى الطريق المسدود. ولو تم تنفيذ اتفاق الطائف وانسحاب سوريا من لبنان لما كان القرار 1559.

 

والتدويل درجات: في كمبوديا وكوسوفو والبوسنه تدويل كامل تمثل بوضع ادارة البلاد في مرحلة انتقالية تحت اشراف الامم المتحدة. وفي النزاع العربي - الاسرائيلي، تدويل من نوع آخر لآلية الحل، وفي لبنان تدويل جزئي لمساعدة لبنان على استرجاع سيادته من اسرائيل اولاً ومن ثم سوريا ولاستعادة الحريات وممارستها في ظل ظروف امنية طبيعية وللتحقيق بجريمة اغتيال الرئيس الحريري.

 

ردود الفعل على التدويل عديدة، ثمة من يعتبر التدويل وصاية جديدة وثمة من يقول ان يداً اسرائيلية كانت وراء التدويل، او ام للدول الكبرى اهدافاً معينة تسعى الى تحقيقها عبر تدخلها في الشأن اللبناني. الواقع ان الامم المتحدة وهي اعلى سلطة دولية في العالم، ليست وصاية لا في الشكل ولا في المضمون، ولا يمكن مقارنتها بالوصاية التي مارستها سوريا بلا قيد او شرط. اما اسرائيل فكانت الاكثر معارضة للانسحاب السوري من لبنان في السر والعلن وكانت مرتاحة للوصاية السورية وقادة ان تتعامل معها على غير صعيد. اما القول ان غايات ومصالح معينة تتحكم بسياسات الدول الكبرى، فهذا جائز، الا انه جائز ايضاً بالنسبة الى كل الاطراف الاقليمية، عربية وغير عربية، التي سخرت لبنان لغاياتها.

 

لقد اراد المجتمع الدولي مساعدة لبنان بعد ان وصل الاهتمام بلبنان الى مستويات دنيا خلال سنوات الحرب في 1990. ازمات لبنان المتعددة الاطراف لا يمكن انهاؤها الا بدعم دولي عبر الامم المتحدة التي تجسد الشرعية الدولية. هذا هو الواقع الذي يجب التعامل معه خدمة للمصلحة اللبنانية ولعلاقات بناءة وطبيعية بين لبنان وسوريا.

 

والسؤال المطروح: هل ثمة مصلحة للبنان واللبنانيين ان يظل لبنان ساحة حرب مفتوحة بعد ان انتقل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي من لبنان الى فلسطين وانتهى الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب وانسحب الجيش السوري من لبنان؟ المصلحة الوطنية المشتركة تكمن في الانتقال من خيارات الرهان على الخارج القريب والبعيد الى الخيار اللبناني - اللبناني والحوار الداخلي المثمر خدمة لمصالحنا المشتركة لان لا خلاص للبنان الا بوحدة اللبنانيين بعيداً عن المزايدات والمراهنات ومحاولات الاقصاء والعزل. هكذا يستعاد لبنان الحر والسيد والمستقل بالكامل ولأبنائه اجمعين.

 

للتعريب محطات ايضاً نشير الى اهمها:

التعريب ونتائجه: انتهت حرب السنتين بحل عربي نتج منه انشاء قوات الردع العربية الا ان تعريب الحل للازمة اللبنانية في العام 1976 كان جزئياً نظراً الى معارضة بعض الانظمة العربية، وقبول البعض الآخر الحل المقترح على مضض، لا سيما مصر. لم ينه التعريب الحرب في لبنان اذ كان في احسن الاحوال هدنة لم تدم طويلاً، فتحولت قوات الردع العربية الى قوات سورية بالكامل بعد انسحاب الوحدات العربية المشاركة فيها، وتكرس لبنان ساحة حرب اقليمية عربية - عربية وعربية -اسرائيلية. وتعرضت الساحة اللبنانية لعملية خلط اوراق جديدة بدلت في التحالفات القائمة على اثر المفاوضات المصرية - الاسرائيلية، التي اثمرت معاهدة سلام بين مصر واسرائيل عام 1979. وزاد في تعقيدات الحروب الملبننة، في اواخر السبعينات، دخول ايران الاسلامية الساحة اللبنانية بطرح ايديولوجي اسلامي جديد واهداف اقليمية مرتبطة بالنزاع العربي الاسرائيلي، وطموحات تغيير واسعة داخل الطائفة الشيعية في لبنان، وفي عدد من الدول العربية.

 

حرب التحرير في العام 1989 استهدفت بشكل اساس الوجود السوري واعادت الاهتمام الدولي والعربي بالمسألة اللبنانية عبر تشكيل اللجنة العربية الثلاثة المنبثقة عن مؤتمر القمة العربية. وجاء تقرير اللجنة العربية ليؤكد بوضوح ان مفتاح الحل للازمة في يد سوريا، وان دمشق شكلت العقبة الاساس لايجاد تسوية للنزاع في لبنان، بعد ان اقرت الاطراف اللبنانية بالاصلاح السياسي. الا ان التعريب في العام 1989 لم يدم طويلاً في ظل معارضة اميركية قوية له وخلاف فرنسي - اميركي حول سبل تسوية الازمة. وظفت واشنطن نفوذها الكبير داخل الجامعة العربية وخارجها لاعادة عقارب الساعة الى الوراء فتراجعت اللجنة العربية الثلاثية عن موقفها تجاه سوريا، واتخذت مجريات الامور منحىً مختلفاً، وهذا ما فتح الطريق امام قرار اتفاق الطائف بدعم دولي وعربي ولكن مع التسليم بالدور السوري العسكري والسياسي في لبنان. وتمثل ذلك بالنص الملتبس في اتفاق الطائف حول اعادة انتشار الجيش السوري بعد سنتين على اقرار الاصلاحات الدستورية لكن من دون تحديد آلية واضحة لتنفيذ الانساب السوري الكامل خلال فترة زمنية محددة. هكذا حلت "السورنة" (نسبة الى سوريا) الكاملة محل التعريب، بعد ان شهد الاهتمام العربي والدولي بالازمة في لبنان تراجعاً كبيراً وباتت حرب الخليج الثانية اي الاجتياح العراقي للكويت الشغل الشاغل للعالم العربي وللدول الكبرى، وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية. هكذا اتى التعريب بدعم دولي لانهاء الحرب في لبنان في 1990 بوسيلة الحرب وليس عبر مؤتمر سلام يجمع الاطراف اللبنانية كافة. وجاء اتفق الطائف بديلاً من الحل التوافقي. الا ان انتهاكه كان القاعدة لا الاستثناء ودخل الكلام عليه في التسعينات في خانة المحظور.

 

خلال الخمس عشرة سنة الماضية (1990-2005) كانت سوريا ممسكة بالوضع اللبناني بشكل كامل اذ كان القرار النهائي في الشأنين الداخلي والخارجي في دمشق وليس في بيروت. هكذا حلت "السورنة" الكاملة في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية بأبعادها كافة، الى ان حصل الانتقال السريع منذ ايلول 2004 الى التدويل بدون المرور بالتعريب، خلافاً لما كان يحصل في مراحل سابقة. ولهذا التحول الكبير اسباب عديدة ساهمت في كسر حلقة الجمود في المنطقة وكان لها تداعيات مباشرة على الوضع اللبناني بامتداداته الاقليمية السورية والعربية بعد حرب العراق.

 

الجديد في تلك التطورات ان الازمة اللبنانية انتقلت من الهامش الى المركز وانفصلت عن الازمات الاقليمية المرتبطة بالوضع اللبناني: النزاع العربي - الاسرائيلي، الحرب في العراق، وخصوصاً العلاقات السورية - الاميركية. هكذا تحول "الملف" اللبناني المدوّل الى قضية مستقلة نسبياً بالنسبة الى الاسرة الدولية وتحديداً من مجلس الامن. وما زاد في هذا التوجه الاحداث التي شهدها لبنان منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة مروراً باغتيال الرئيس الحرير وصولاً الى اغتيال جبران تويني.

 

جرت محاولات في الاشهر الاخيرة لاستعادة الدور العربي في الازمة عبر تعريب محدود فان به امين عام جامعة الدول العربية السيد عمرو موسى والمملكة العربية السعودية ومصر. الا ان تلك المحاولات تختلف اختلافاً جذرياً عن التعريب في مراحل سابقة لا لسبب طبيعة الازمة على المستويين المحلي والاقليمي فحسب بل بسبب غياب الدعم الدولي او تغير طبيعة هذا الدعم للمبادرات العربية لايجاد الحلل للازمتين: الازمة اللنانية وازمة العلاقات بين سوريا والمجتمع الدولي. هكذا انقلبت الاوضاع رأساً على عقب: من تعريب التدويل في العقود الثلاثة الماضية الى تدويل التعريب تراجع دوره وفاعليته قياساً الى خيارات التعريب في زمن الحرب الباردة وفي المرحلة التي تلتها.

 

المنطقة في رعاية الشرعية الدولية: قرارات وتحديات

د. شفيق المصري

 

تشهد المنطقة الممتدة من ايران الى لبنان حشداً من القرارات الدولية التي تسعى لتحقيق برامج مرحلية او اقفال ملفات خطيرة، او احقاق عدالة دولية او تحقيق سيادة تامة لاحدى الدول وما الى ذلك من اغراض وهذه الرعاية يشرعها القانون الدولي كونها صادرة عن احدى آلياته اي مجلس الامن وبموجب قرارات ملزمة مبدئياً او ذاتياً.

وهي (الرعاية) كذلك غير متروكة لقرارات الدولة وامزجتها وانما مفروضة عليها بقوة مركزها القانوني واجماع الدول حولها في آن معاً.

ولذلك فإن دبلوماسية حافة الهاوية التي تمارسها ايران مثلاً او سوريا حيال هذه القرارات الدولية قد تفسح لها في المجال لارتقاب اي متغير يحول دون ملاحقتها الا ان هذه الدبلومسية تتعرض بدورها الى المزيد من الضغوط الدولية التي تجردها من اي كسب مأمول.

واذا اخذنا الملف النووي الايراني ورفض طهران التجاوب مع المطالب الدولية بصدده، فإننا نتأكد من جهة ثانية ان الولايات المتحدة واوروبا لن تسمحا بأي تسلّح نووي ايراني في اية لحظة سياسية ممكنة. وبالتالي فإن الدول معنية، قبل وبعد هذه القرارات الدولية، ان توقف بحسابات الربح والخسارة قبل اتخاذ اي قرار بهذا الصدد.

اما مسألة الدول الاخرى، كالعراق وفلسطين وسوريا فإن القرارات الدولية الصادرة حولها تتسم، في معظمها، بالطابع الالزامي القانوني الشامل. وبذلك فإن هوامش هذه الدول في التحرك تبقى ضيقة واحياناً معدومة بصرف النظر عن مدى رفضها او قبولها.

اما في ما يعود الى لبنان فلا بد من التذكير انه من المستفيدين من هذه القرارات الدولية عبر المحطات الرئيسة من تاريخه الحديث. وبذلك فإن اي نقاش لهذه القرارات نفسها، بدءاً بالقرار 1559، انما يندرج في الاطار السياسي الداخلي غالباً من دون ان يستند الى اية مرجعية قانونية. ولعل القرارات الاخيرة التي صدرت حول التحقيق الدولي والمحكمة ذات الطابع الدولي تهدف، ضمن الزاميتها القانونية الذاتية، الى توطيد الاستقلال اللبناني وتعزيز سيادته.

  

المحور الثاني

نحو علاقات طبيعية الطبيعية

د. فاديا كيوان

 

 

ان هذا العنوان يحمل المراقب على التساؤل حول ما كانت عليه العلاقات المميزة حتى جاز الكلام حول العلاقات الطبيعية أو التطبيع ؟ هل لأن العلاقات المميزة لم تكن طبيعية ؟ وعكس الطبيعي هو الاصطناعي أو المزيف أو حتى المزورّ ؟ هل كانت العلاقات اللبنانية السورية علاقات مصطنعة، مزيفة، وكيف ولماذا ؟

ومن ثم كيف تكون العلاقات طبيعية وكيف التوصل إليها ؟

 

تلك هي أسئلة بديهية لكل منا وكلنا انتباه للاستماع الى مداخلة كل من البروفيسور انطوان مسرّة حول " معاهدة الاخوة والتنسيق : مقاربة نقدية "

و العميد الركن نزار عبد القادر حول " الاتفاقيات الأمنية والبحث عن أجندة جديدة ".

 

لكن اسمحوا لي بإشارة بسيطة إلى عوامل ثلاث لها تأثيرها (في كل مرحلة تاريخية) في تشكـّل هذه العلاقات.

 

1-  العامل الأول هو المناخ الدولي في كل حقبة تاريخية وتأثيره المباشر على العلاقات الإقليمية وكذلك على العلاقات الثنائية بين الدول.

ونعرف ان الفترة التي ارتسمت فيها أو فـُرضت العلاقات المميزة تختلف تماماً عن الفترة الحالية التي نسعى فيها جميعاً إلى إيجاد الأسس السليمة للعلاقات اللبنانية السورية الطبيعية.

وفي هذا السياق، ان مراجعة العقود السابقة التي نقوم اليوم باستحضارها وتحليلها وتقويمها إنما تشير إلى تشجيع دولي لتشكل الهيمنة السورية على لبنان فيما ان المناخ الدولي اليوم مختلف تماماً ويدفع ويشجع في الاتجاه الآخر.

 

 

2-  العامل الثاني هو ميزان القوى الداخلي اللبناني ومتانة المتحّد اللبناني ففي حين دخلت سوريا سياسياً وأمنياً وعسكرياً إلى لبنان من الباب العريض عندما ظهر التفسخ في المتحد اللبناني ومشى اللبنانيون عساكر عساكر نحو الحرب الداخلية فإن اليقظة التاريخية للبنانيين في شباط وآذار 2005 واتحادهم في المطالبة بإنهاء الوجود العسكري والأمني السوري في لبنان، كان لها التأثير المفصلي في مجرى الأحداث. فليس هو قرار مجلس الأمن 1559 الذي أخرج القوات السورية من لبنان بل حركة 14 آذار التي جمعت من دون أي تنظيم يذكر حوالي مليون ونصف لبناني من كل المناطق واتجاهات الرأي والطوائف.

 

3-  العامل الثالث هو طبيعة النظام السوري واستراتيجيته.  ومعلوم ان هناك ثلاثة دوافع بتأثير متفاوت كانت وراء دخول سوريا إلى لبنان - علماً ان دوافع الدخول قد تكون مختلفة بعض الشيء عن دوافع البقاء - وهذه الدوافع هي:

 

       أ‌-   شعار الوحدة العربية الذي رفعه حزب البعث منذ تأسيسه والذي يدفع إلى اعتبار كل الحدود مصطنعة بين أبناء الأمة العربية الواحدة والأقطار العربية ليست إلا أقاليم داخل الأمة. ومن هذا المنطلق نادى بعض القادة السوريين بأن لبنان كان خطأً تاريخياً (...).

 

      ب‌-  شعار المواجهة مع إسرائيل لاستعادة الأراضي العربية المحتلة ومن هذا المنطلق رفعت سوريا دائماً حجة الموقع الاستراتيجي للبنان وبخاصة للبقاع اللبناني منذ أعالي ضهر البيدر في الخاصرة السورية وبررت سوريا أحياناً دخولها الى لبنان وكذلك البنود في اتفاق الطائف المتصلة بوجود القوات السورية في لبنان، بررتها بضرورات أمنية قومية.

 

      ت‌-  الدافع التوسعي إذ أن الأنظمة العربية التي حاولت استنساخ الديمقراطيات الشعبية المستوحاة من العقيدة الماركسية، كانت دائماً توسعية أي أنها كانت عينها في كل مرة على جيرانها لجهة ممارسة وصايتها على مسارهم ومصيرهم. فتلك كانت الحال مع الناصرية أيام الرئيس جمال عبد الناصر وكانت كذلك مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وينسحب ذلك على حال النظام البعثي في سوريا الذي ما برح يبحث عن توسيع دائرة ممارسة وصايته و "استـذته " في العقيدة الوحدوية، التحررية، على أي جزء كان من أجزاء الأمة العربية. انه النهج السلطوية - اليعقوبي - الذي يستند الى الفكرة القائلة بأن قلة متنورة تحمل رسالة خالدة هي رسالة إنارة الجموع وإرشادها.

 

ولا يسعني إلا وأن أتوقف عند دافع رابع استجد وجعل النظام السوري يسعى للبقاء في لبنان وهو فرادة الوضع اللبناني بالمقارنة مع الوضع الداخلي في سوريا مما شكل صمام أمان ومورد استثنائياً لبعض أركان النظام.

 

العامل الأول أي المناخ الدولي تغير بين ألامس واليوم من النقيض الى النقيض.

 

والعامل الثاني أي وضع المتحد السياسي اللبناني فقد تحوّل بشكل ملفت منذ بدء سلسلة الاغتيالات وإعادة تشكيل التحالفات الداخلية اللبنانية.

 

أما العامل الثالث وهو وضع النظام السوري واستراتيجيته فهو اليوم تحت ضغط تسارع الأحداث دولياً ولبنانياً، محكوم بالتكيف مع كل ذلك عبر إعادة النظر في استراتيجيته. فإلى أي مدى سيقوم بذلك وبأي وتيرة؟

علينا، من جهتنا ان نمعن النظر بهدوء بعيد عن الأهواء والانفعالات، في الحال التي آلت إليها اتفاقيات العلاقات المميزة بين البلدين وأن نفكـّر معاً وبالهدوء نفسه في كيفية تأسيس علاقات طبيعية بين لبنان وسوريا، مستفيدين من هذه التجربة، على مرارتها وفداحة خسارتها.

 

فلنستمع إلى مداخلة الدكتور انطوان مسرّة وهو المعروف بحكمته وعلمه وخبرته الواسعة ولا بد ان يكون في كلامه إضاءة على هذا الموضوع...

 

 

معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق: مقاربة نقدية

أنطوان نصري مسرّة

 

يقتضي عدم صياغة قوانين وابرام معاهدات ثنائية اذا لم تتوفر الشروط الحقوقية والديمقراطية الدنيا لفعالية النصوص وحسن تطبيقها. يستعمل القانون بشكل اداتي- بدلاً من ان يكون معياراً نافعاً - في الانظمة الاجتماعية حيث تستغل رمزية القانون لشرعنة اجراءات مخالفة للعدل ولللعلاقات المتوازنة بين الدول واستقلالها وسيادتها. تكمن ثانياً الاشكالية في هذه الحالات في الحماية من "القانون" الذي ينحرف عن صفتها كقاعدة حقوقية règle de droit / rule of law ناظمة للعلاقات السياسية والديمقراطية بين الافراد وبين الدول.

ان "معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق" بين سوريا ولبنان التي ابرمت بموجب القانون رقم 57 تاريخ 21/5/1991 كانت مدخلاً لسلسلة من الاتفاقات السورية-اللبنانية التي فاق عددها العشرين بين 1991 و2005.

ان التوقف عند الدراسة القانونية النصية للمعاهدة والاتفاقات اللاحقة قد يطمس جوهر الموضوع وهو التقيد بالقواعد الحقوقية الدنيا التي ترعى صياغة المعاهدات والاتفاقات بين الدول.

يقتضي قراءة  المعاهدة والاتفاقات اللاحقة انطلاقاً من خمس ملاحظات:

1.     فاعلية المعاهدات: ترتبط فاعلية المعاهدات بين الدول في التفسير وحسن التطبيق بدرجة التزام الدول بالقواعد الديمقراطية الدنيا ومبادئ الشرعية الدولية في العلاقات بين الدول. في حال عدم توفر الحد الادنى من هذه القواعد تتحول النصوص الى وسيلة اداتية لتبرير ممارسات مخالفة لقواعد العلاقات بين الدول.

2.     الصياغة التشريعية: ان الصياغة التشريعية légistique للمعاهدة وللاتفاقات اللاحقة تطرح تساؤلات عديدة حول قواعد الصياغة التشريعية والمعاهدات والاتفاقات بين الدول يبدو احيانا من قراءة بعض الاتفاقات انها من نوع صياغة قانون موجبات وعقود او قانون ايجارات.

3.     تضخم تشريعي في العلاقات الثنائية: ان التضخم التشريعي في علاقات ثنائية بين الدول قد يكون وسيلة لاستعمال اداتي للقانون في سبيل توسيع التدخل في كل الشؤون الداخلية.

4.     توغل التعاون والتنسيق داخل كل الادارات من خلال لجان ادارية الطابع: ان مطالعة مختلف الاتفاقات التي تبعت المعاهدة توحي بأنها نصوص في القانون الاداري الداخلي او مذكرات ادارية.

5.     هيمنة او اضطراب امني: ان الخيار بين استمرارية تواجد القوات السورية في لبنان او الانهيار الامني في لبنان بعد هذا الانسحاب كما يظهره الواقع وتصريحات رسمية عديدة هو مؤشر على ان التنميق لم يكن تنميقاً بل ادارة مباشرة للامن لاغراض ترتبط "بامن نظام" وليس بالامن - الحماية.

 

ورد في مقدمة المعاهدة: "تحقيق اوسع مجالات التعاون والتنسيق" (...) وحماية امنهما القومي والوطني (...) وتحقيقاً للميثاق الوطني اللبناني الذي صدقه المجلس اللبناني بتاريخ 5/11/1989.

وتنص المادة الاولى: "تحقيق اعلى درجات التعاون والتنسيق في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والامنية والثقافية والعلمية وغيرها..."

وتنطلق المعاهدة من التعاون بين "الدولتين" الى تعاون على مستوى "لجان" ادارية. وتعيد المادة الرابعة ذكر بند الطائف حول اعادة تمركز القوات السورية في لبنان.

وتنص المادة الخامسة بند (د) : على ان "قرارات المجلس الاعلى الزامية ونافذة المفعول في اطار النظم الدستورية في كل من البلدين". وينص البند (ه) : يحدد المجلس الاعلى المواضيع التي يحق للجان المختصة اتخاذ قرارات فيها تكتسب الصفة التنفيذية بمجرد صدورها عنها وفقاً للنظم والاصول الدستورية في كل من البلدين او في ما لا يتعارض مع هذه النظم والاصول.

وفي بند "احكام ختامية" ورد ما يلي: "تعقد اتفاقيات خاصة بين البلدين في المجالات التي تشملها هذه المعاهدة كالمجالات الاقتصادية والامنية والدفاعية وغيرها وفقاً للاصول الدستورية في كل من البلدين وتعتبر جزءاً مكملاً لهذه المعاهدة".

تؤسس وتوطد عملياً المعاهدة والاتفاقات اللاحقة نظاماً فدرالياً حيث لبنان مقاطعة في نظام مركز غير محدد وحيث مقتضيات الامن والسيادة مذكورة دون تحديد مضامينها.

الاتفاقيات الامنية بين لبنان وسوريا

البحث عن اجندة جديدة العميد نزار عبد القادر

 

يبدو من خلال تفحص الاحداث والتطورات الامنية التي رافقت الوجود السوري في لبنان منذ عام 1976 وحتى نيسان 2005 ان سوريا قد تصرفت بهدف وضع اليد على لبنان. لم تتعامل سوريا مع لبنان كدولة مستقلة ذات سيادة. بعد توقيع اتفاق الطائف كان يفترض ان يطبق هذا الاتفاق برعاية عربية وكانت التطورات الاقليمية قد دفعت بالجامعة العربية المكلفة بذلك، بالتنازل عن دورها في مهمة الاشراف على تنفيذ اتفاق الطائف لسوريا.

استغلت سوريا هشاشة الاوضاع السياسية والامنية اللبنانية لفرض هيمنتها على الحكم وعلى الاجهزة الامنية مما مكنها من التملص من تنفيذ نصوص الطائف العائدة لموضوع تحقيق سيادة الدولة اللبنانية على جميع اراضيها، وبالتالي عدم انسحاب القوات السورية باتجاه البقاع بعد سنتين من تنفيذ الاصلاحات الدستورية وتأليف حكومة وفاق وطني.

عمدت سوريا الى الضغط على الدولة اللبنانية ودعوتها الى توقيع معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق ومجموعة من الاتفاقيات بما فيها اتفاقية للدفاع والامن. لم تراع المعاهدة والاتفاقيات المتفرعة منها مبدأ المساواة والندية بين البلدين، فجاءت جميعها تكرس سلطة الوصاية السورية على كل وجوه الحياة السياسية والامنية والاقتصادية. ونتج من ذلك ان أخضعت سوريا لوصايتها وسيطرتها الكاملة مؤسسات الدولة الرئيسة  بما فيها مجلس النواب والحكومة والقضاء والمؤسسات الاقتصادية الرئيسة.

من خلال مراجعة بعض مواد اتفاق الطائف ومعاهدة الاخوة والاتفاقية الامنية وتحليلها وعرضها على مقياسين نظريين لكل من أنغريد دالوييس حول عدم شرعية المعاهدات التي تفرض عن طريق الضغط والقوة القاهرة، وروبرت كايوهان حول سلوكية الهيمنة لدولة ما على دولة أخرى، ووجدنا ان المعاهدة والاتفاقيات قد فرضت على لبنان وهو في حالة من الضعف بحيث لا يستطيع رفضها في ظل انتشار 35000 جندي سوري على اراضيه. كذلك ثبت ان سوريا كانت تمتلك كل عناصر الهيمنة التي جعلتها تربطه باتفاقيات تخالف الدستور والقوانين اللبنانية، وان تعتمد استراتيجية عشوائية تؤكد من خلال هيمنتها على جميع آليات صنع القرار في لبنان، وان تستغل موارده الاقتصادية وان تعتدي على الحريات العامة بالسجن والخطف لعدد كبير من اللبنانيين.

فوصلت في نهاية البحث الى طرح مجموعة من الاستنتاجات والتوصيات ابرزها:

-       اولاً: لم تحترم سوريا الآليات التي حددتها المعاهدة والاتفاقيات واستعاضت منها باعتماد التدخل العشوائي في علاقاتها مع لبنان بشكل غير مشرّف.

-       تبرز الحاجة الماسة لاعادة تنظيم العلاقات السورية - اللبنانية وخصوصاً لما يعود لشؤون الدفاع والامن مع ضرورة المحافظة على استقلال وسيادة كل من الدولتين وعلى اساس مبدأ المساواة والندية.

-       يفترض البحث عن صيغة جديدة لهذه العلاقات الامنية تكون مرنة وغير مقيّدة وليس فيها غلبة لارادة وصرة وقرار اي بلد على البلد الآخر.

-       لا بد من مواجهة مسألتي الدفاع والامن في لبنان من خلال استراتيجية توفق ما بين مطلب السيادة والاستقرار ومتطلبات الاتحاد الاقتصادي والاجتماعي وذلك انطلاقاً من ان هناك تلازماً بين النمو والاستثمار واستتباب الامن والاستقرار.

 سيمون كرم

 

بعد الانسحاب العسكري السوري من لبنان وضمن اطار سياسة محورها العودة بالعلاقات الى سوية طبيعية بين البلدين الجارين، فإن مسألة اقامة علاقات دبلوماسية طبيعية بينهما وترسيم الحدود تختصر البرنامج المطلوب الاتفاق عليه بين الحكومتين اللبنانية والسورية والمباشرة بتطبيقه.

ولكن واقع العلاقات راهناً هو اكثر تعقيداً وخطورة. فسوريا حتى هذه اللحظة لم تستوعب احداث 2005 التاريخية ولم تتقبل نتائجها. والخطابان اللذان تطرق الرئيس السوري من خلالهما لعلاقات بلده مع لبنان اعطيا الرأي العام انطباعاً قوياً أن اعتماد لبنان سياسة اليد الممدودة، الداعية الى طي صفحة الماضي وما حفلت به من مآسٍ، والتركيز على بناء العلاقات على اساس استقلال لبنان وسيادته انطلاقاً من واقع المصالح المشتركة لا تلاقي قبولاً يذكر في دمشق.

ولم يقتصر الرفض على مقابلة زيارة رئيس الحكومة اللبنانية دمشق في او تحرك خارجي له بالصد والاهانة، ولا دعوة البطريرك صفير الى اقامة افضل العلاقات بين البلدين بإدراج اسمه على لائحة الاغتيال، بل تعدى الامر ذلك الى متابعة سياسة الاغتيالات التي كان آخر ضحاياها شهيد انتفاضة الاستقلال جبران تويني، فضلاً عن فتح الحدود امام تدفق السلاح والعملاء والايعاز الى قوى في الداخل ممن كانوا يتحركون تحت تسمية الحلفاء في زمن الوصاية ولا يزالون في الخدمة، بتعطيل مؤسسات دولة الاستقلال الثاني الوليدة.

مجمل هذا النهج يعادل اختيار سوريا ساسة العداء مع لبنان بعد اخراجها منه، فإذا لم تكن هذه عداوة، فكيف تكون تلك بين الدول؟ حال العداء هي الآن في أوج تأججها وهي مرشحة للاستمرار في المستقبل القريب.

ازاء هذا الواقع يصبح واجب الحكومة اللبنانية اعتماد سياسة قوامها الدفاع عن لبنان، واتخاذ الخطوات التي تجسد هذا الدفاع في مجالات السياسة الخارجية والامن والدفاع الوطني. وهذا لن يكون متاحاً للقوى التي حققت الاستقلال الثاني الا بالانعتاق من التحالف الرباعي اولاً والاقلاع عن نهج الاستئثار والاقصاء ثانياً والعودة اخيراً الى حال التضامن الواسع التي اتاحت للنضال الطويل في سبيل الاستقلال بأن تتوجه لحظة 14 آذار المجيدة.

لقد انشأ التحالف الرباعي سلطة تنفيذية نقيضة للاستقلال الثاني الذي حققه اللبنانيون. وهذا الضد اوشك ان يقوض الانجاز العزيز قبل ان تتثبت اركانه. وهو ادى في لحظة العودة اليه على مستوى الحكومة بعد انفراطه الى غزوة الاشرفية ونتائجها المريعة على مستوى الوحدة الوطنية. ولا تزال مفاعيله واعدة بمزيد من التردي السياسي والانكشاف امام الاستهداف الخارجي.

ولا يملك اللبنانيون نهجاً بديلاً لتحصين استقلالهم الثاني الا ذلك الذي ارساه القانون الدولي بمجموع القرارات الدولية واولها 1559، الذي اكد مضمون الوفاق الوطني كما جاء في اتفاق الطائف ورفعه الى مرتبة القانون الدولي الضامن في وجه تقلبات السياسة الاقليمية والدولية.

هذه في تقديري الخلفية التي يجب ان يندرج في اطارها تمسك اللبنانيين بمسألتي العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسوريا وترسيم الحدود بين البلدين. انها مطالب رموز تتعدى السياسة لترتدي طابعاً كيانياً واكاد اقول وجودياً بالنسبة الى اكثرية اللبنانيين. هذه المسائل تشكل نقاط ارتكاز اساسية في ما ينبغي ان يعتمده لبنان من سياسة قوامها الدفاع الوطني ازاء حالة العداء التي انتجها انسحاب الجيش السوري من اراضيه.

يشرفني في هذه الامسية ان اقدم علماً من اعلام السياسة الخارجية في مرحلة استقلالها الاول سعادة الامين العام السفير فؤاد الترك، متحدثاً عن افق العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسوريا في حقبة الاستقلال الثاني.

واشعر بفرح خاص عندما اقدم الصديق الدكتور عصام خليفة الذي يعادل دفاعه عن حدود لبنان حتى اقصى حبة تراب جنوباً وشرقاً وشمالاً، دفاع جيش بكامل عتاده، متحدثاً في مسألة ترسيم الحدود.

كما يسرني ان اهنئ الحركة الثقافية على المؤتمر الثاني الذي تخصصه لموضوع العلاقات اللبنانية السورية الحساس في مطلع حقبة الاستقلال الثاني، مستذكراً ومذكراً الرأي العام بشجاعتها الموصوفة في طرح الموضوع وجرأتها في تحديد موضوعاته وذلك عندما عقدت المؤتمر الاول تحت وطأة ليل الوصاية الذي انعتق منه لبنان.

 

 العلاقة الطبيعية اولاً ثم الممتازة والمميزة

تبادل التمثيل يزيل الانطباع بأن مشكلة لبنان دولة لا تعترف به ودولة لا يعترف بها.

 

 السفير فؤاد الترك

السفير فؤاد الترك الامين العام السابق لوزارة الخارجية والمغتربين ورئيس منتدى سفراء لبنان، عرض لموضوع التمثيل الدبلوماسي بين لبنان وسوريا مستهلاً حديثه بلمحة عن التعريف بالدبلوماسية التي حددها بأنها فن ادارة وتوثيق العلاقات بين الدول والدفاع بكفاءة وخلقية وشرف عن حقوق البلاد ومصالحها وذلك عن طريق الاتصال الدائم والتفاوض والحوار بالطرق السلمية من استخدام العنف والقوة في اي نوع من انواع الاشكال العدائية.

مضيفاً ان الوظيفة الدبلوماسية تكرست في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية عام 1963 واتفاقية امتيازات وحصانات الامم المتحدة عام 1964.

واشار الترك الى ان كل دول العالم وعددها تجاوز المايتين تتبادل التمثيل الدبلوماسي فيما بينها ما عدا الوضع القائم بين اكثر البلدان العربية واسرائيل وإن الحالة السورية اللبنانية هي حالة استثنائية وعزا ذلك الى:

-       الحلم الذي يراود بعض الذين يسعون الى وحدة بين البلدين.

-       الحجج القائلة بأن لا لزوم لعلاقات دبلوماسية اذ يمكن حل اية مشكلة بينها اما بالهاتف او تبادل الزيارات في اي وقت نظراً لقرب المسافة.

-       انه ثمة من لم يعترف بكيان لبناني مستقل قبل عام 1943 ومن لا يزال يشكك بهيكلية هذا الكيان.

واسترجع الترك اتفاقية انشاء الهيئة الدائمة السورية اللبنانية عام 1970، والتي نفذها الطرف اللبناني فقط. وخلص رئيس منتدى سفراء لبنان الى اعتبار:

ان انشاء علاقات دبلوماسية بين بلدين امر بديهي وضروري وهو بات اليوم اكثر قبولاً من قبل من قبل الفئات التي كانت تعارضه في الماضي.

وان العلاقة بين بيروت ودمشق يجب ان تبدأ طبيعية اولاً ثم تتحول بعدها الى مميزة وممتازة.

وان تبادل التمثيل يعني اعترافاً متبادلاً ويزيل الانطباع السائد عند البعض بأن مشكلة لبنان مع دولتين: واحدة لا تعترف به وأخرى لا يعترف بها.

   

ترسيـــم الــــحدود

 عصام خليفة

يقسم البحث الى عدة اقسام:

1-    مدخل حول اهمية الحدود وارتباطها بمفهوم السيادة للدولة. (حد الدولة هو الخط الذي يميّز حدود الاقليم الذي تمارس عليه الدولة حقوق السيادة) ثم تطرق الى اهمية ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا مشيراً الى مواقف سورية غير معترفة بوجود الدولة اللبنانية، ثم ذكّر بمواثيق الامم المتحدة والجامعة العربية.

    ثم حدد مصادر البحث: ارشيف "نانت" بفرنسا، ارشيف وزارة الخارجية اللبنانية، وارشيف      مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني وارشيف الخارجية الفرنسية باريس- والارشيف العسكري - فنسين - وارشيفات خاصة.

2-    في الجزء الثاني من البحث تناول د. خليفة عمليات التحديد والترسيم خلال فترة الانتداب الفرنسي بين عامي 1920-1939 عارضاً:

‌أ- القرارات المتعلقة بعملية التحديد والترسيم.

‌ب-                        الاسس المعتمدة

‌ج-   مواقف الاطراف اللبنانية والسورية وموقف سلطة الانتداب.

‌د-      المشاكل المطروحة وبخاصة (سهل البقيعة، أكوم وأكروم، القاع، راس بعلبك عرسال مع قارا السورية. مجدل عنجر مع جديدة كفريابوس، دير العشاير ومزرعة دير العشاير) ثم توقف عند مزارع شبعا عارضاً 8 وثائق جديدة مع خرائط من ارشيف "نانت" الفرنسي تؤكد لبنانية قرية النخيلة والمزارع.

3-    في الجزء الثالث من البحث تمّ التركيز على انطلاق عملية الترسيم بعد العام 1963 وعرض مضمون الاجتماعات للجان الفنية اللبنانية - السورية التي ارتكزت على القرارات المتخذة في فترة الانتداب. ( L5, 318, 27/LR, 153/RL) وكان اتجاه لاعتبار خراجات القرى اساساً في رسم خط الحدود. كما كان هناك اتفاق على بعض المناطق وخلاف في مناطق اخرى (والخلاف أحيل على قاضيين عقاريين لدرس المشكلة مع رفع تقرير للجنة العليا للحدود).       
وفي عام 1967 تم الاتفاق على وضع نقاط حدودية كما تم الاتفاق على شكلها وحجمها على طول الحدود (عدد النقاط الاساسية ألف، والثانوية 8 آلاف). واعتبار حدود القرى هي الحدود الدولية (تلك التي لم ينتهِ التحرير والتحديد فيها). كما وضع كالك خريطة بقياس 1/50.000 يبيّن الحدود وفقاً للخرائط المساحية المنفذة من قبل "ديرافور" و"دي جاردان".      
ثم تم اقرار مبدأ تلزيم اعمال تخطيط الحدود لقطاع خاص. واقرّ مجلس الوزراء اللبناني (23/2/1971) وضع دفتر شروط للتلزيم كما أقرّ في اجتماع لاحق (18/8/1971) أسس تخطيط الحدود. وقد لاحظ المحاضر ان الحكومة السورية لم تكن متحمسة لانجاز عملية التخطيط والترسيم، كما يتحمل الجانب اللبناني بعضاً من المسؤولية.

4-    وفي القسم الأخير طرح الباحث بعض الاقتراحات:    
منها ما ورد في اتفاق الطائف حول العلاقات اللبنانية السورية وتكوين ملف كامل عن الموضوع ووجود ارادة سياسية داخلية وعلاقات دولية لانجاز عملية الترسيم. مع التذكير بقرارات مجلس الامن بضرورة انجاز عملية الترسيم. وحل بعض الخلافات الحدودية (القاع راس بعلبك عرسال، المصنع، مزارع شبعا) بما يتفق مع الوثائق التاريخية وتعميق التعاون والتحالف بين الدولتين التوأمين. مع العلم ان هناك ضرورة للتفريق بين لبنانية المزارع ووسائل استعادتها، وكذلك من المفترض ان ترسل الحكومة السورية والحكومة اللبنانية محضراً مشتركاً مع خريطة الى الامم المتحدة باعتبار ان سوريا ارسلت الى الامم المتحدة خرائط تضع المزارع والنخيلة ضمن الاراضي السورية (عام 1974).

    كذلك طرح الباحث ضرورة تفرّغ مجموعة من الاختصاصيين في كل المجالات تسعى لتكوين حلف كامل عن موضوع الحدود، واعتماد الضغط الدبلوماسي عربياً ودولياً، وبث الوعي الشعبي بأهمية ترابط مفهوم الحدود وترسيمها مع السيادة الوطنية.

كلمة باسم الجسر

معظم العلاقات بين الدول المتجاورة شابتها ولا تزال تشوبها الصعوبات والازمات. فتجاور بلدين الذي يفترض مبدئياً ان تقوم بينهما علاقات مودة او اخوة وتعاون كثيراً ما يولّد الخلافات والازمات انطلاقاً من تباين في النظرة الى التاريخ او من خلاف جغرافي على الحدود او تناقض الانظمة الحاكمة فيهما او لاسباب اقتصادية او سياسية.

ولكن تاريخ العلاقات اللبنانية - السورية في ايجابيته وسلبياته، يبقى مميزاً من غيره في اكثر من جانب او بعد، فسوريا، في كيانها الوطني الراهن منذ 1936 لم تعترف او تسلم بالكيان اللبناني المستقل، الا "من طرف الشفاه" عام 1943، لمساعدته على التخلص من الانتداب الفرنسي وبقي اعترافها به مشوباً بالتحفظ ومشروطاً بالتدخل المباشر في شؤونه السياسية الداخلية وفي تحديد لون انتمائه الى العروبة. وليس ادلّ على هذا الموقف السوري من رفض دمشق اقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان او ترسيم الحدود معه ومن السياسة التي اتبعتها في الحرب اللبنانية وبعدها خلال السنوات الخمس عشرة الاخيرة.

اما بصدد محور هذه الجلسة الرابعة من المؤتمر والمتعلق بالجنسية والموقوفين في السجون السورية واستعادة الارشيف اللبناني فإنني اترك للاساتذة الكرام الكلام عليها مكتفياً بالملاحظات التاريخية والقانونية - السياسية التالية:

أولاً: ان هوية اللبنانيين والسوريين قبل اعلان "الكيانات السورية" الاربعة (دولة دمشق، دولة حلب دولة جبل الدروز ودولة العلويين وسنجك الاسكندرون) وكيان "لبنان الكبير" المستقل عام 1920 كانت هوية "عثمانية".

ثانياً: رفض قسم من اللبنانيين حمل الجنسية اللبنانية بعد اعلان دولة لبنان الكبير ولكن هذا الرفض راح يتراجع تدريجياً بعد اعلان الجمهورية اللبنانية الى ان الميثاق الوطني اللبناني وحقق لبنان استقلاله عام 1943 واعلنت دولة الاستقلال انتماء لبنان الى الاسرة العربية.

ثالثاً: سلمت سوريا باستقلال الكيان اللبناني سياسياً وبصورة غير مباشرة عام 1957 عندما وقعت المعاهدتان اللبنانية - الفرنسية والسورية - الفرنسية وبصورة رسمية - وطنية عام 1943 ولكنها بصرف النظر عن الانظمة التي حكمت في دمشق لم توافق على انشاء علاقات دبلوماسية مع لبنان وتحفظت على ترسيم الحدود ولا تزال على هذا الموقف حتى الآن.

رابعاً: كان اللبنانيون والسوريون يعبرون الحدود بين البلدين وما زالوا - بالهوية لا بجواز سفر. ويعمل السوريون في لبنان بدون حاجة الى اجازة عمل وعلى رغم كل الاتفاقات التي عقت بين البلدين لا سيما في السنوات الاخيرة، فإن كفة الافضلية والامتازات في العلاقات الاقتصادية وحق العمالة كانت راجحة لسوريا.

خامساً: كثيرون هم السوريون ولا سيما من ابناء الطبقات الميسورة المسيحية والمسلمة طلبوا وحصلوا على الجنسية اللبنانية منذ الخمسينات ومنذ اختيار سوريا للنظام الاقتصادي الموجه والاشتراكي واقاموا في لبنان ولم يحدث العكس.

سادساً: جرى تجنيس عشرات الالوف من السوريين في التسعينات بمرسوم من وزارة الداخلية اللبنانية طعن فيه امام مجلس شورى الدولة ولا يزال تنفيذه او وقف تنفيذه موضوع جدل قانوني وسياسي.

سابعاً: قد دخل او ادخل الى العلاقات السورية - اللبنانية في سنوات "الوصاية" الخمس عشر الاخيرة من العوامل والمعطيات والتداخلات السياسية والقانونية والاقتصادية التي كان من شأنها رهن المصير اللبناني مباشرة بقرار الحكم السوري واذا كان الانسحاب العسكري السوري من لبنان قد اعاد الى بيروت والى حد ما، حق الحكم والقرار الى اللبنانيين الشعور بالاستقلال والسيادة فإن كل شيء يدل على ان دمشق "لم تنفض" يدها من لبنان وأن نظام الحكم السوري ما زال يعتبر لبنان "منطقة حرة" تابعة له وخطاً امامياً للدفاع عن نفسه.

تلك هي في نظري الخطوط والمحطات الكبرى التي تؤمّن او توّه ملابسات مواضيع الجنسية بين لبنان وسوريا وتحدد عناوينها وابعادها.

 

المداخلة المتعلقة بالالتباس في موضوع الجنسية

 

ايلي شحادة

سوف نتناول المواضيع التالية:

1-    القواعد المعتمدة لتحديد الجنسية

2-    الجنسية في الامبراطورية العثمانية

3-    قيام دولة لبنان الكبير والدولة السورية

4-    نشوء الجنسية اللبنانية والجنسية السورية

5-    النصوص القانونية التي ترعى شؤون اكتساب الجنسية اللبنانية والجنسية السورية وفقدانها

6-    الثغرات التي أدت الى سوء تطبيق القوانين المتعلقة بالجنسية

المقترحات للطرق المتوجب اعتمادها لسد الثغرات ومعالجة انعكاسات التجاوزات السابقة على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

  

مخالفات قوانين الجنسية وسوء التطبيق.

د. بشارة حنا

المختصر:

1-    الجنسية وعمليات التجنس وعلاقتهما بسوق العمل.

2-    عمليات التجنس الواسعة منذ نشوء دولة لبنان عام 1920.

1)     تجنس الارمن

2)     تجنس اهالي سنجق اسكندرون

3)     عمليات التجنس الحاصلة بعد حوادث 1958

4)     عمليات التجنس الواسعة خلال العام 1994

3-    توزع المستفيدين بالارقام تبعاً للدول او المناطق التي تنتمي اليها مجموعة المستفيدين.

4-    الثغرات في المعايير المعتمدة في عمليات التجنيس.

5-    خاتمة عن اثر عمليات التجنيس الاخيرة على الواقع الاقتصادي الحالي والمستقبلي وعلى العمالة في لبنان.

 

الاختفاء القسري والاعتقال الاعتباطي في السجون السورية

النائب غسان مخيبر

 

        حاضر النائب غسان مخيبر في موضوع الاختفاء القسري والاعتقال الاعتباطي في السجون السورية  قال ان هذا الملف كان برمته مخفيا وممنوعاً من الصرف انما اليوم وقد بات في المناقشة العلنية وذلك بفضل الجهود التي بذلها أهالي المعتقلين والجمعيات الأهلية المعنية وقد اصبحت المطالبة اليوم في صلب البيان الوزاري للحكومة وضمن الأدبيات السياسية لعدد من القوى كان آخرها في ورقة التفاهم بين العماد عون والسيد حسن نصرالله وأوضح الأبعاد القانونية المترتبة على أفعال الاختفاء القسري التي هي من الجرائم المتمادية التي لا تسقط بمرور الزمن او بالعفو وهي في حالة المعتقلين في السجون السورية تقع ضمن وصف الجرائم ضد الإنسانية. واستعرض النائب مخيبر الوقائع التي باتت ثابتة وتؤكد على وجود عدد كبير من حالات الاختفاء القسرية في السجون السورية وقد ناهزت الطلبات المقدمة بشأنها في خيمة اعتصام الأهالي ما يزيد 640 ملف منها عدد كبير من الحالات التي تشير القرائن والأدلة بأن المخفيين ما زالوا على قيد الحياة. ويمكن اختصار المطلب بعودة الأحياء وإلا عودة الرفات من قضى ومحاكمة المسؤولين عن تلك الجرائم وإقامة المصالحة بين الدولتين والشعبين بعد تبيان الحقائق والمسؤوليات. واعتبر ان آليات المعالجة المحلية حتى اليوم كانت سيئة وغير ذات فعالية منها اللجنة الأولى المشكلة برئاسة العميد ابو اسماعيل واللجنة الثانية برئاسة الوزير فؤاد السعد كما أسف لغياب أي تحرك ذات جدوى للقضاء المختص، بما في التحقيق بالجرائم المرتبطة بالمقبرة الجماعية التي كشف النقاب عنها مؤخراً في منطقة عنجر. وأكد بأن المسؤولية جسيمة على كل من السلطات اللبنانية وبالأخص السلطات السورية التي لا يمكنها التلطي وراء اللجنة المشتركة اللبنانية السورية التي باتت غير ذات جدوى في الوصول الى الحقيقة المطلوبة جراء استمرار الجهة السورية في رفضها التعاون الجدي وإعطاء جميع المعلومات المتوفرة لديها خاصة بعد فضيحة قائمة الأسماء 88 التي سلمت اخيراً والتي تمت بأية صلة الى حالات الاختفاء القسري والعديد منها كان اخلي سبيله. وأكد انه اذا استمر الحال بعدم التجاوب السوري على ما هو عليه فلا حل سوى عن طريق تشكيل لجنة تحقيق دولية يطالب الحكومة بدعوة مجلس الأمن الدولي الى إقرارها وإحالة الملفات برمتها الى المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ذات الصلاحية.

   

إستعادة الارشيف من سوريا!!!

بقلم العميد الياس حنّا

        تتناول الورقة اهميّة الارشيف في حياة الامم. كما تتناول، انواع الذاكرة- التاريخيّة، الشخصيّة، الجماعيّة الاجتماعيّة والذاكرة الارشيفيّة. وكيف تشكّل كلّ هذه الامور هويّة الامّة وخصوصيّتها.

        تقارن ايضا الورقة بين سرقة الارشيف اللبناني عند الدخول السوري العسكري، وبين الدخول العراقي إلى الكويت وسرقة الارشيف ايضا. كما تتناول سرقة ونهب الارشيف العراقي بعد احتلاله من الولايات المتحدة الاميركيّة عام 2003. كما تركّز الورقة على التماثل بين حالتي الكويت مع العراق، ولبنان مع سوريا. فنظام البعث هو مشترك بين سوريا والعراق. ونظرة العراق للكويت على انه المحافظة ال " 19" المسلوخة عنه، ونظرة سوريا التاريخيّة للبنان على انه ايضا سُلخ عنها من خلال اتفاقيّة سياكس بيكو.

        حُرّرت الكويت بسرعة، رضخ لبنان تحت الاحتلال. لم يُستعاد الارشيف الكويتي، ولم يُستعاد الارشيف اللبناني. لكن الفارق بين احتلال الكويت، واحتلال لبنان. هو ان احتلال الكويت، لم يكن بطلب من الحكومة الكويتيّة، وذلك بعكس لبنان، إذ اتى طلب التدخّل والدخول العسكري السوري، عبر طلب رسمي من حكومة الرئيس الياس الهراوي.

        تطرح الورقة اسئلة عدّة حول الارشيف، منها:

1.     هل لدى لبنان ثقافة متقدّمة في التعامل مع الارشيف، كما في البلدان المتقدّمة؟

2.     وهل ان الارشيف المسروق، لا يزال مفيدا بعد مرور اكثر من 15 سنة على الاستيلاء عليه؟

3.     وهل كان الارشيف المسروق، فعلا ارشيفا سريّا؟ أم انه كان بمتناول السوريّين، خاصة في الشقّ الامني منه؟ وخاصة ان سوريا كانت تسيطر على ثلاثة ارباع لبنان؟

4.     إذا كان الارشيف المسروق مٌعتبرا مسروقا، لماذا لم تُطالب به الحكومات السابقة - اي قبل الخروج السوري؟ وهل ستطالب به الحكومات القادمة؟ وهل هو امر موضوع على سلّم الاولويّات؟

5.     هل تنصّ الاتفاقات اللبنانيّة - السوريّة على استرداد الارشيف؟

6.     هل تعرف الحكومة اللبنانيّة حجم الارشيف المفقود كي تطالب به؟ وهل ستردّه سوريا؟

  

لبنان وسوريا:

العلاقات الثنائية التعاقدية

د. انطوان سيف

 

        تخضع العلاقات الثنائية التعاقدية بين الدول لمبدأ المصالح، وهي شبكة معقدة من الحاجات العامة يقتضي تقديرها والتماس تراتبها والتفاوض عليها وتحقيقها مستوى عالياً من العقلانية وحرية الخيار.

        ومع كل الحيطة والدراية المقدرة لحساب المكاسب والأرباح، فإن هذه الثنائيات تخضع ايضاً لشروط الضرورة وضغوطها الملحّة التي تندرج فيها ظروف إبرامها وخلفياتها التاريخية التي تكون دائماً حاضرة في خلفية كلا علاقات. وهي نادراً ما تكون متوازنة وعادلة إذ تمتحن فوائدها لكل طرف بالتجربة والاختبار وتخضع بالتالي للتعديل او الإلغاء.

        لم يتسنَّ للدولتين اللبنانية والسورية في تاريخهما الحديث ظروف مؤاتية لإقامة علاقات ثنائية تعاقدية بينهما، ندَّية متحررة من خلفيات إيديولوجية شكلّت دائماً عائقاً أساسياً بوجه الحوار العقلاني الذي يحكم العلاقات الدولية والعلاقات العربية. وبالمقابل، فإنَّ العلاقات اللبنانية السورية على المستوى الشعبي كانت دائماً ارقى وأفعل من العلاقات الدولية؛ وتلك لا هذه، أظهرت نموذجية تُحتذى للعلاقات البينيَّة العربية، على العكس ممّا يعتقده رئيس الجمهورية العماد اميل لحود.

        لم ينجُ اتفاق الطائف نفسه من "وفاق الضرورة" بشقه المتعلق بالعلاقة مع سورية الدولة، والذي على قاعدتيه الناظمة للحياة السياسية والوطنية في لبنان، افتتح في هذا الشق منه عهد الوصاية السوري على لبنان الذي انتهى في نيسان 2005، والذي اتَّسم بهيمنة النظام الأمني الاستخباراتي على لبنان (كما هو حاله في سوريا نفسها) والذي شهد سلسلة من "الاتفاقيات" في الأمن والاقتصاد والانتقال بين البلدين والموارد المائية والتربية والاعلام والنشر... تمّت على شكل سيل متسارع، بعيداً عن "فضول" هيئات المجتمع المدني، وعن المناقشات العلنية حتى في مجلس النواب (الذي يستطيب تخصيص جلسات مناقشة لقضايا أخرى، ببثٍ تلفزيوني حيّ!) لم تطرح في نقاش علني واسع مسألة عدالة هذه "الاتفاقيات" وجدواها للطرفين المتعاقدين وليس لطرف على حساب الآخر، بخاصة عندما تتمّ بين نظامين سياسيين مختلفي البنية ينتميان الى ايديولوجيَّتين ومعسكرين متعاديين على طرفي نقيض! لقد بدت هذه الاتفاقيات التي تمت بهرولة قياسيّة، وبالتسلُّل  بعيداً عن المناقشة والمساءلة، وكأنها محاولة استغلال ظرف تاريخي لن يتكرَّر، يتمثل بدولة لبنانية واقعة برمّتها في قبضة وصاية سورية مدعومة دولياً.

        ولم يكن لهذه الاتفاقات العرجاء ان تخفي أيضاً وقائع غير مكتوبة وغير مبرمة بين البلدين تمّت بشكل نهب منظّم اختصرته العبارة المرَّة "وحدة الفسادَين" التي هي الصورة الفعلية لشعار "وحدة المسارَين"! ان مصلحة لبنان هي حقّ وطني لا يعلوه أي حقّ في أية علاقة تعاقدية ثنائية دولية او عربية. فلنتعلم لغة المصالح العقلانية بدل لغة  العلاقات العاطفية المموهة. ان العلاقات العربية البينية غير المتوازنة ليست مضرة بالطرف الأضعف فحسب، بل هي مضرة بالمصلحة العربية عموماً، اذ تقدّم أسوأ النماذج للعلاقات العربية "الاخوية"، وما من علاقات صحية الا تلك التي تمتحن على ضوء المصالح الوطنية للمتعاقدين التي تبلورها عقلانية قائمة على قواعد العلاقات الدولية ومبادئها.

        لم يُقم لبنان علاقات متوازنة مع سورية في ظل نظام الوصاية السورية لأن هذه "الاتفاقيات" لم تناقَش بعقلانية على ضوء مصالح الطرفين. ولذا ينبغي أن تخضع، الآن ودائماً، لحوار عقلاني حرّ لا تؤمنه سوى الشروط الديمقراطية التي هي إشارة انخراطنا في التقدُّم والإسهام في مسيرة العالم.

        هدف هذا المؤتمر تقييم العلاقات اللبنانية السورية، وتقويمها، لمصلحة لبنان العامة ولمصلحة سورية العامة على السواء، وقضاياهما المشتركة.

 

لبنان بين الاتفاقيات العربية والدولية

الأستاذ نقولا صبيح

 

تربط لبنان بدول العالم مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية، لعلّ اهمها اثنتان : عربية واوروبية.

 

1-  اتفاقية التبادل الحر العربية: من ميزاتها انها تسمح مبدئياً بتصدير معظم اصناف منتجاتنا الغذائية والزراعية وبعض الصناعيّة دون عوائق جمركية وبحد ادنى من العوائق غير الجمركية. انما عمليّا، تسعى بعض البلدان العربية الى الحد من هذا التصدير بجملة اجراءات غير منصوص عليها. كما تدعم بعض البلدان صناعاتها وزراعاتها بشكل مكثف مما يعيق تنافسية منتجاتنا. ولا توجد في هذه الاتفاقية وسائل مراجعة كافية لدراسة وتصحيح هكذا اخلال بالتبادل الحر.

2-  اتفاقية الشراكة المتوسطية-الاوروبية: تفتح هذه الاتفاقية مبدئيا كامل اسواق دول الاتحاد الاوروبي (25 بلداً) امام الانتاج الزراعي والغذائي والصناعي اللبناني دون عوائق جمركية، مع بعض الاستثناءات. انما لم يستفد لبنان بعد كليّاً من مفاعيل هذه الاتفاقية لاسباب عديدة، اهمها مسألة المعايير، وهي مهمة اذ لا يمكن تصدير اي منتج ما لم يحظ على شهادة مطابقة للمعايير الاوروبية الموحدة. وهذا ما سيسعى اليه برنامج دعم الصناعة الذي يموّله الاتحاد الاوروبي. انما، بالرغم من ذلك، تبدو هذه الاتفاقية ذات تأثير ايجابي على المدى المتوسط على لبنان، على غرار الدول التي سبقتنا في هذا المجال، كتونس والمغرب والاردن و غيرها.

بين هذين الاتفاقين، تبرز جملة الاتفاقات التي وقعها لبنان وسوريا، تنفيذاً للاتفاقية - الام المسماة "الاخوة والتعاون والتنسيق". ودون ان ندخل في تفاصيلها، نورد ازاءها الملاحظات الآتية:

1-  تم توقيع هذه الاتفاقات في ظل احتلال عسكري، بالتالي ليس هناك بعد تقييم لمندرجاتها بشكل موضوعي ومفصّل (حتى ولو لم نأخذ بين الاعتبار الرأي القانوني القائل ببطلانها اصلاً وفق القانون الدولي)

2-  لا حاجة لمعظم هذه الاتفاقات في ظل وجود الاتفاقية العربية الموحدة. ويكفي بالتالي عقد الاتفاقات الضرورية لبلدين متجاورين (المراكز الجمركية، تقاسم المياه المشتركة،الخ)

3-  ما زالت سوريا بلداً يتميز باقتصاد موجه يختلف عن جوهر الاقتصاد اللبناني، مما يعيق التبادل الحر.

4-  الناتج القومي السوري يقارب 20 مليار دولار، و بالتالي فمجرد مقارنته بالدول الخليجية او بالدول الاوروبية (التي تجمعنا بها الاتفاقات الواردة اعلاه)، تدفعنا الى عدم اعطاء اولوية للعلاقات الاقتصادية مع سورية ونكتفي بالتالي بعلاقات "طبيعية" دون ان تكون "مميزة".

5-  النظام والاداء السياسيان في سوريا، حتى ولو استثنينا الوضع المتأزم الحالي، يؤديان الى بروز عنصر مجازفة كبير، يسمى "مخاطر الدولة"، وتنطبق هذه المجازفة على لبنان اكثر مما تنطبق على بلدان اخرى (او فعاليات اقتصادية تابعة لبلدان اخرى)، بسبب العلاقات غير المستوية تاريخيّا بين لبنان وسوريا. وبالتالي من الافضل تجنب توقيع اتفاقيات "تكامل" او "استثمار مشترك"، ما لم تكن فوائدها مجزية جدا، بسبب عنصر المجازفة العالية المذكور.

  

مستقبل العلاقات الاقتصادية اللبنانية - السورية

من الاستقطاعات الى المصالح المشتركة

جو فضول

 المقدمة: سأحاول في هذه المداخلة ان استعرضَ اولاً اهم الاستقطاعات التي كان يمارسها النظام السوري او من كان ينوب عنه في بلدنا. وبعد محاولة تقييم حجم تلك الاستقطاعات ساحاول توصيقَها لان توصيفَها في غاية الاهميّة لتحديد الشروط اللازمة لتغيير نمط العلاقات الاقتصادية اللبنانية السورية.

ساحاول لاحقاً ان احدد مقوّمات ومحتوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

أما الشق الثالث من العرض سيتضمّن محاولة استعراض اكثر دينامكية لجدليّة هذه العلاقات.

أ- أهم استقطاعات الفترة الفائتة.

ان أهم الاستقطاعات حجماً تتمثل بالتالي:

1- تحويل او قرصنة المخابرات الدولية الواردة وقد قدرها وزير الاتصالات انذاك
ب .3 مليون دقيقة في الشهر اي ما يوازي مجموع الاتصالات الواردة من خلال وزارة الاتصالات. ان قيمة خسارة الادارة اللبنانية من قرصنة الاتصالات كانت تصل الى 290 مليون دولار سنوياً. أترك لكم ان تقدروا الرقم على 15 سنة بحدود 4 مليارات دولار فيما عدا الفوائد.

ان هذا الوضع ذكر في احدى مداخلات المرحوم الرئيس الحريري في مجلس النواب وسمى انذاك طرفين من اصل ثلاثة يتعاطون هذا التحويل.

ب- احتكار استيراد بعض المشتقات النفطيّة.

ان استيراد بعض المشتقات النفطيّة تم خلال تلك الفترة بهوامش تفوق العشرين بالمئة فوق الاسعار العالمية. ومن المعروف انه مثلاً فيما يتعلق باستيراد احتياجات مؤسسة كهرباء لبنان كان قسم من الهامش يذهب الى بعض الاحزاب المتنفذة انذاك بمعدل دولارين لكل طن محروقات والقسم الاكبر الى المتنفذين السوريين.

ان المرحوم بيار حلو قدر قيمة الخسارة السنوية من جرأ الاحتكار الى 500 مليون دولار. استناداً الى المعطيات التي بحوزتي اقدرها ب 250 مليون دولار وكما فعلنا بالنسبة لقرصنة المخابرات الدولية اذا عدّلنا هذا الرقم على 15 سنة نصل الى 3,7 مليار دولار فيما عدا الفوائد.

ج- كازينو لبنان

كان يتردد في الفترة السابقة ان سيارات الاجهزة من لبنانية و سورية كانت تتردد باكراً الى الكازينو وتقتطع "حصتها" اذا صح التعبير من وارداته. ان بعض الوقائع تساعد على فهم ما الذي كان يجري.

 

1- ان سهم الكازينو قبل اغتيال الرئيس الحريري كانت قيمته 156 دولار اميركي. ان سهم الكازينو بعد خروج الجيش السوري وقبل فورة بورصة بيروت التي نشاهدها الان اصبحت بحدود 350 دولار بالرغم من توزيع ارباح بحدود 50 دولار للسهم الواحد وبالرغم من تضاؤل عدد السياح الاجانب بحدود 11% الى 15% وبالرغم من انكماش اقتصادي يشهد عليه تدني الاستيراد.

2- ان حسابات الكازينو لم تدقق منذ اكثر من ثلاث سنوات.

3- ان السجالات بين وزير المالية انذاك - الرئيس السنيورة وادارة الكازينو معروفة وكان موضوعها ال Slot machine, Machines à sous وكان موقف ادارة الكازينو ان تلك الماكينات غير خاضعة للاتفاقية المعقودة بين الدولة والكازينو بينما موقف وزارة المالية كان العكس.

ان جمعنا هذه الوقائع نستخلص ان عائدات تلك الماكينات كانت تحوّل من الدولة الى الاجهزة والى بعض المتنفذين السياسيين.

ان التقديرات الاكثر واقعيّة تذكر اقتطاع 50 مليون دولار سنوياً. اذا ضربناه ب 15 سنة وزدنا الفوائد نصل الى مليار دولار تقريباً.

هناك عناوين اخرى لن ادخل بتفاصيلها نظراً لضيق الوقت واذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: ادخال البضائع من المرفاء والمصنع بدون دفع الرسوم (من المفارقات انه بعد عودة المرحوم الحريري الى الحكم في سنة 2000 وتخفيض الرسوم الجمركية تعالت اصوات الصناعيين وهذا طبيعي ومفهوم وتعالت ايضاً اصوات معترضة في سورية وهذا لا يفهم الا اذا اخذنا بعين الاعتبار انه عندما تنعدم او تنخّفض التعرفة الجمركية تنعدم منفعة "الخدمة" التي يؤديها المتنفذون بادخال البضاعة بدون دفع الرسوم.)

اعطاء التزامات اشغال عامة لمؤسسات سورية كطرق واوتوسترادات الجنوب، تحويل تخابر تبادل المعلومات الى طرطوس ومن ثم الاسكندرية الى اوروبا، وغيرها.

يمكننا القول ان تلك الاستقطاعات المباشرة كانت تصل الى المليار دولار سنوياً.

اما الاستقطاعات غير المباشرة فهي تتمثل "بالسماح" للحلفأ ببناء محسوبيات على حساب الدولة ومن اوجه الامثلة:

-       غض النظر عن دفع فواتير الكهرباء.

مثلما تعلمون هناك 25% من انتاج الكهرباء يجري دفعه تقريباً. اي ان 15% يضيع "تقنياً" (هذه النسبة 5% في معظم البلدان) وحوالي 35% يجري سرقته مباشرة (التعليق) و50% يجري اصدار فواتير بحقه. وهذه الفواتير تقبض بنسبة 50%.

اي ان 75% من الطاقة المنتجة توزع مجاناً او تهدر.

وعندما يدوم هكذا وضع 15 عاماً من الصعب وصفه بسوؤ ادارة اوما اشبه. ان هناك نيّة سياسية واضحة بدعم شرائح معينة من الناس على اساس تبادل خدمات سياسية. ولكي لا يفسر هذا الكلام على اساس طائفي او مذهبي دعوني اوضحّ بانه بالاضافة الى استحالة الجباية بالضاحية الجنوبية هناك بؤر في زغرتا وطرابلس وكسروان وغيرها من الآماكن معفيّة عن الدفع.

-       ابتزاز الدولة لصالح مؤسسات حزبيّة.

هناك مستشفيات مجهزة في بعلبك والهرمل وغيرها لكنها مقفلة. ان نتيجة الاقفال هي بتوجيه المواطنيين الى المستشفيات والمستوصفات الحزبية خالقة ومعمّقة رباط المحسوبيّة بين المواطن والجهة الحزبيّة مع العلم ان تلك المستشفيات هي بدورها تستفيد من اعانات الدولة. اي ان الدولة مجبرة بدعم مؤسسات استشفائية حزبية لا لعدم وجود بديل من قبل الدولة ولكن لان الارادة السياسية آنذاك كانت بخلق وتعميق علاقات محسوبية بين المواطنين وجهات سياسية معيّنة.

-       ابتزاز الدولة لصالح مؤسسات حزبية وهميّة.

لقد اشرنا سابقاً الى مؤسسات حزبية موجودة. هناك مؤسسات وهميّة او شبه وهميّة تستفيد من اعانات الدولة.

-       الاستملاكات الوهمية: اننا نذكّر على سبيل المثل لا الحصر مجموعة الاستملاكات التي حصلت في محيط مستشفى بيروت الحكومي وفي محيط مطار بيروت الدولي والنقار على بناء الجسر بجانب المطار.

-       لا لزوم بالتذكير بفضيحة المقالع التي ما زالت تتوالى تفاعلاتها على صفحات الجرائد.

-       الاستئثار بالالتزامات المهمة.

ان ارساء التزام الهاتف الخليوي على اول شركتين اتى بناء على تدخل مباشر من ابن مسؤول سياسي سوري وابطال هذين العقدين وابرام عقدين جديدين مع شركتين جديدتين اتى ايضاً بعد افول نجم هذا السياسي وتصاعد نفوذ افراد العائلة الحاكمة في دمشق.

وكما تعلمون اتى الحكم على الدولة بحوالي 600 مليون دولار من جراء فسخها العقدين الاساسيين. اي ان مجرّد تغيير مراكز نفوذ في سوريا كاد يكلف الدولة
600 مليون دولار وسيكلفها عملياً 200 مليون دولار فيما عدا الخسارات الجانبيّة من مصداقية وغيرها.

-       الاستئثار بالسلطة لاغراض شخصيّة:

ان وزير عمل سابق لم يكتفي بفرض عمولة على كل عامل اجنبي من خلال رخصة العمل بل ابتكر قوانين جديدة. كما تعلمون ان الترخيص لشركات التأمين هو من صلاحيّة وزارة الاقتصاد. وكما تعلمون ايضاً ان العامل الاجنبي يفرض عليه او على رب العمل للحصول على رخصة عمل ان يغطى بتأمين استشفائي. ولكن اذا ارادت شركة تأمين ان تصدر بوليسة تأمين بهذا الشأن فترخيص وزارة الاقتصاد لا يكفيها بل يجب عليها ان تحصل على ترخيص من وزارة العمل وقد اتت النتيجة العملية لهذا المرسوم حصر معظم عمليات التأمين على العمال الاجانب بشركة تأمين يظهر ان للوزير مصلحة في ازدهارها.

ومن الملفت للنظر حسن تنظيم هذه العملية اذ ان عدد كبير من المخاتير عين وكيلا او مروّجاً لتلك الشركة مع العلم ان معاملات رخص العمل للعمالة الاجنبية تمر عبر المخاتير.

وعندما حاول وزير الاقتصاد آنذاك اثارة الموضوع في مجلس الوزراء طلب منه رئيس الجمهورية الا يفعل.

من السهل البرهان أن الإستقطاعات غير المباشرة تصل أيضاً إلى مليار دولار سنوياً (عجز الكهرباء وحده قبل فورة أسعار النفط كان بحدود 500 مليون دولار سنوياً وقد وصل في 2005 الى 800 مليون دولار)

هذه الأرقام أي ملياري دولار سنوياً على 15 سنة زائد فوائد متوسطة ب10% على فترة متوسطة من7,5 سنوات تصل إلى حدود 50 مليار دولار أي أكثر من الدين العام. إن هدفنا ليس الدخول في نقاش حول الأرقام - نحن نعرف أنها تقريبية إذ لا أحد من الذوات الذين مارسوا أو يمارسون هذه الأنشطة مستعدّ أن يعطينا ميزانيته المدققة وليس هدفنا هنا والآن مقاضاة النظام السوري أو المتعاونين معه بل نريد أن نلفت النظر إلى أن حجم الإستقطاعات ليس هامشياً بل يمثل الآن مشكلة أساسية ستؤثر نتائجها على أجيال من اللبنانين.

إذن أن حجم الإستقطاعات ضخم جداً.

كيف يمكن توصيف هذه الإستقطاعات؟

إذا كان هدفنا الإنتقال من حالة إستقطاع إلى حالة مصالح مشتركة وكان علينا تصحيح مسار ما، علينا أولاً أن نجري توصيف لما جرى.

إن التوصيف الأكثر رواجاً لهذه الحالة الشاذة كان الفساد والهدر.

عندما يدفع مبلغاً من المال إلى موّظف ليسرع بتنفيذ معاملة فهذا فساد. عندما يدفع مبلغاً من المال إلى وزير للحصول على التزام فهذا أيضاً فساد وإذا سلمنا جدلاً أن كل الوزراء وكل الموظفين فاسدون فتكون هذه حالة فساد أيضاً ولكن عندما يسمح فقط لجهات سياسية معينة أن تمارس الفساد وعندما تتقاسم هذه الجهات مردود الفساد مع جهات هي في السلطة في بلد آخر وهذه الجهات هي التي أوصلت الجهات الفاسدة المحلية إلى السلطة المحلية فهل هذا الوضع يقتصر على الفساد؟

لا نعتقد ذلك.

هل هو إستعمار؟ عندما تستقطع خيرات بلد لصالح بلد اخر يمكن أن نصف هذه الحالة بالاستعمار خاصة وأن المستعمر كان يتعاون معه عملاء في البلد المستعمَر. من الصعب أن نصف هذه الحالة بالإستعمار لعَدة أسباب:

1- في حالة إستعمارية أن البلد المستعمر يستفيد من إقتطاعاته في البلد المستعمر. في حالتنا هذه لم تستفد سوريا كبلد من الإقتطاعات. أن الإقتطاعات لم تصل إلى خزينة الدولة السورية ولا حتى إلى مؤسساتها الإقتصادية بل إلى الحسابات المصرفية للنافذين ولاصحاب السلطة وفي حالات عديدة إلى حساباتهم في المصارف اللبنانية.

2- هناك دلائل عدة تشير إلى أن هناك استقطاعات لصالح نفس المتنفذين يستقطعونها من سوريا وطبعاً ليس هناك أمثلة عن بلد يستعمر نفسه.

 

إن الحالة التي نتكلم عنها تحتوي على المقومات التالية

1- إستقطاعات منظّمة تفرض بصورة مستمرّة على بعض التدفقات المالية المحددة.

2- اعادة توزيع حسب نسب مئوية واضحة لاطراف محددة ومعروفة.

إن هذه الحالة تعرف بالجريمة المنظّمة Organized Crime أو Crime Organisé وتستعمل بالعامّية كلمة مافيا والجديد بالوضع أنه في كل الحالات المعروفة ولاسيما في ايطاليا او في شيكاغو الثلاثينات كان هناك طرف المافيا من جهة وطرف السلطة السياسية التي تقاوم المافيا من جهة أخرى مع وجود عملاء للمافيا في السلطة السياسية.

أما في حالتنا فهناك مافيا هي بنفسها السلطة السياسية وهذا لاشك أنه إبتكار جدير بالدرس المعمّق.

إذا يمكننا أن نستخلص مرحلياً إننا كنا نواجه إستقطاعات كبيرة جداً دامت 15 سنة تعدّت حجم الناتج المحلّي العام بأكثر من الضعفين وأتت هذه الاستقطاعات ليس على يد السلطة السورية بمعناها المؤسساتي بل على يد مافيا حاكمة في سوريا وهي تستقطع في سوريا كما تستقطع في لبنان.

أما الآن فلننتقل إلى العلاقات الإقتصادية اللبنانية السورية

ما هي المقومات الاساسية لتلك العلاقات؟ هناك:

1- التبادل التجاري

2- العمالة السورية في لبنان

3- النقل والترانزيت

1- التبادل التجاري

إن حجم التبادل التجاري بين لبنان وسوريا أتى في سنة 2004 كالاتي:

استيراد من سوريا: أكثر من 400 مليون دولار(1)

صادرات إلى سوريا: 145 مليون دولار(2)

من جهة ثانية أتى لبنان بالمرتبة الرابعة عالمياً من المستوردين من سوريا بعد ألمانيا وايطاليا والإمارات. اي ان الميزان التجاري هو لمصلحة الاقتصاد السوري بصورة واضحة.

2- العمالة السورية في لبنان

ان تقديرات عدد العمال السوريين في لبنان تختلف حسب المصادر لقد اخترنا مصدرين.

1-- London - Economist Intelligence Unit  آب 2005 يذكر عدد ما بين 300,000 و 800,000 عامل

ب- ان الأستاذ نصري خوري أمين عام المجلس اللبناني السوري ذكر مؤخراً - منذ بضعة أشهر - رقم 400,000 عامل. سنعتمد رقم 500,00 عامل.

ان الاموال المرسلة إلى سوريا من جراء العمالة السورية هي بحدود 1,5 مليار دولار سنوياً.

3- النقل والترانزيت لم نتمكّن من الحصول على أرقام ولو تقريبّية في هذا المجال في ما عدا النسبة التي تتردد دائماً على لسان أصحاب الشأن ومن بينهم رئيس إحدى غرف التجارة والصناعة وهي ان 20% من البضائع المنقولة بعمليات الترانزيت تنقل بواسطة الشاحنات اللبنانية والبقيّة اما بشاحنات سورية او بشاحنات من البلد المستورد.

اذاً من الواضح ان العلاقات اللبنانية السورية بوضعها الحالي هي لصالح سوريا ولا مشكلة في ذلك طالما قوى السوق او على الاقل نفس الاجراآت مطبقة على اللاعبين من جهتي الحدود.

ولنلقى الآن نظرة في دينمامكية تلك العلاقات.

ما هي التحركات الاساسية التي حاولت التأثير على تلك العلاقات؟

ان التحرك الاساسي الذي حاول التأثير على تلك العلاقات في السنة المنصرمة هي إغلاق الحدود من الجانب السوري بحجج مختلفة. ان النظرة اللبنانية الى هكذا تحرّك هي عادة نظرة يأس وخوف على الاقتصاد اللبناني وخلاصة هذه النظرة هي ان القسم الاكبر من صادراتنا الى البلدان العربيّة تمر عبر سوريا فمثلاً في سنة 2004 صدرنا نحو البلدان العربية من خلال سوريا ب 778 مليون دولار (مقارنة بمجمل صادرات يفوق 1 مليار دولار) فاغلاق الحدود يعني الموت الحتمي لصناعات عديدة ولبعض الانشطة الزراعية وأيضاً ابطال حركة الترانزيت. لننظر بدقة أكثر الى ميزان القوى الاقتصادي بين البلدين وكيف يستطيع لبنان ان يواجه هكذا ضغوطات:

1- اغلاق الحدود اذا تم ايضاً من الجانب اللبناني يعني خسارة 400 مليون دولار صادرات سورية الى لبنان (المرتبة الرابعة في الصادرات السورية)

2- اغلاق الحدود يعني خسارة حركة الترانزيت للشاحنات السورية التي تؤمن حوالي 80% من تلك الحركة

3- ولننظر الآن الى العمالة السورية في لبنان

ان 500,000 عامل سوري في لبنان يعني مليونين ونصف المليون سوري في سوريا على الاقل يعيشون من جراء عمل هؤلاء العمال اي ان 15% من السوريين يعتاشون من العمالة السورية في لبنان.

من اجل تقويم ادق لهذه الارقام لننظر الى وضع العمالة في سوريا.

ان السلطات السورية تعترف ب 800,000 عاطل عن العمل في سوريا (1) (وهذا الرقم هو دون الواقع) اي ان زيادة 500,000 عامل فقدوا فرصة عملهم في لبنان يعني ازدياد حجم البطالة في سوريا 62%

آب 2005 لندن(1) Syrian Organization for Combating Unemployment EIU -

 

وايضاً من المهّم ان نعرف ان مجموع فرص العمل الجديدة التي استحدثت في سوريا في 2004 هي بحدود 35,000 فرصة عمل. اي ان خسارة 500,000 فرصة عمل تعني ما يعادل 14 سنة من الجهد لخلق فرص عمل جديدة. لنضف على ذلك ان حوالي 200,000 شخص يصل كل سنة على سوق العمل السورية.

طبعاً ان الاقتصاد اللبناني بحاحة الى عمالة رخيصة ولكن، وهذه نقطة بغاية الاهميّة، ان لبنان يستطيع الحصول على يد عاملة رخيصة من عدة مصادر (مصر، جنوب شرق آسيا، لاجئين فلسطنيين...) بينما سوريا لا تستطيع ان توظف فائضها من العمالة الا في لبنان.

خلاصة موضوع العمالة انه يمكن ان يكون عامل تفاوضي مهم جداً في يد المفاوض اللبناني.

نستخلص من هذا العرض ان اجراآت من نوع اغلاق الحدود تلحق الضرر بالاقتصاد السوري أكثر بكثير ممن تلحقه بالاقتصاد اللبناني. ضف على ذلك ان هناك اجراآت يستطيع اللجوء اليها لبنان لايصال صادراته الى البلدان العربية من خلال البحر او الجو. طبعاً الاعتراض على هكذا وجهة نظر هي الكلفة الاضافية. لقد احتسبنا هذه الكلفة وتبّين لنا انها معادلة لرسم قيمته 78 دولار يفرض على كل عامل اجنبي في لبنان.اي انه إذا فرض لبنان هكذا رسم على العمالة السورية او العمالة التي جاءت محلّها بامكانه تمويل الكلفة الإضافية لشحن صادراته بواسطة البحر والجو.

لقد رأينا

- ان استقطاعات مافيوية فرضت على لبنان بعشرات المليارات من الدولارات

- ان ملأة السوق اللبناني وحيويته يضع لبنان في مركز القوة التفاوضي مع سوريا اقتصادياً

- ان العلاقات الاقتصادية الطبيعية (اي الغير مافياوية) اللبنانية السورية تفوق حجماً ال2 مليار دولار سنوياً اي ان هناك فرصاً عديدة لكلاّ البلدين.

كيف يمكن ان تتطور تلك العلاقات ايجاباً

- لقد بدأنا نرى ماذا يمكن ان يحدث ان انفتح الاقتصاد السوري فمثلاً المصارف الخاصة التي ابتدأت تنشط في سوريا استعانت بموظفين لبنانيين. كذلك الامر بالنسبة لشركتي الخليوي في سوريا.

اي ان اعادة تأهيل الاقتصاد السوري وتحويله من اقتصاد موّجه من قبل بيروقراطية الدولة الى اقتصاد حر يمر غالبا من خلال المهارات اللبنانية. لا بل ان الفرصة الذهبية للاقتصاد اللبناني ستبدأ عند اتخاذ قرار جدي بتحديث واصلاح الاقتصاد السوري.

وتبقى العقدة الاساسية

-       هل سيتخذ النظام الحالي في سوريا هكذا قرار مع العلم ان هناك شبه حتمية انهاء النظام في حال تم هكذا انفتاح اي هل سينهي النظام السوري نفسه بنفسه؟

 

مرافق لا يزال السوريون يشاركون باستغلالها

المحامي جورج بارود

لم يعد هناك من شك بأن السوريين انسحبوا من لبنان مع احترام رأي من يقول بأن بعض روافدهم لا تزال تؤمن مصالحهم وتروّج لسياستهم

لكن هل انقطع من كان منهم يجني المنافع بصرف النفوذ عن استغلال المرافق اللبنانية واستثمارها وقد وجد بين اللبنانيين من هو على استعداد لمشاركته تأميناً لمنفعة مشتركة.

مغارة جعيتا هي المثل الحيّ على ذلك لأن استثمارها تم خلافاً للدستور الذي الزم منح استغلال اي مورد او مصلحة ذات منفعة عامة بقانون والى زمن محدود.

على رغم ذلك، منح وزير السياحة في حينه نقولا فتوش استثمار المغارتين السفلى والعليا بقرار، سانده بعد ذلك مجلس الوزراء بمنحه صلاحية تمديد العقد الى مدة غير معينة. وقد اعطى الاستثمار لشركة صورية سجلت في لبنان بعد يومين تحديداً من منحه، موضوعها استيراد قطع سيارات، وبعد افتضاح الامر، بادر صاحبها ومديرها الوحيد الى تعديل موضوعها بعد ثلاثة اشهر من العقد.

في الحقيقة، منح معاليه الاستثمار الى شقيقه بيار فتوش المعروف بشراكته مع سوريين مقربين ممن كانوا يمسكون بالسلطة في لبنان. وقد اضاع الاستثمار ولا يزال يضيع على الخزينة اللبنانية وبلدية جعيتا ملايين الدولارات سنوياً تذهب الى جيوب المستثمرين.

ومن اجل حمايتهم شارك وزير الدولة للشؤون المالية ووزير السياحة في حينه بإصدار قرار يحرم الخزينة اللبنانية من الرسوم التي خصمها بها القانون، دون احترام للدستور الذي حصر فرض اية ضريبة او رسم تعديلهما او الغاءهما بالسلطة التشريعية او بمن تفوضه بذلك.

الى جانب مغارة جعيتا، فالسوريون لا يزالون يشاركون باستثمار مرافق عديدة في لبنان منها ما يتعلق بالنادي الوحيد لالعاب الميسر (كازينو لبنان) بعدما تم استثناء صالة الآلات من رقابة وزارة المالية، وعائداتها من المحاسبة العامة للشركة، الى جانب استثمار مقربين من السوريين تولي وظائف في الشركة برواتب خيالية لا يقل الواحد منها عن مئة الف دولار أميركي سنوياً.

كذلك لا يزال السوريون يشاركون باستغلال قطاعات اخرى منها: الاشغال العامة والماقصات العامة والصفقات بالتراضي، والصناعة والاتصالات والنفط والغاز والكهرباء والطاقة بوجه عام... مما يثبت انهم لا يزالون يعتبرون المرافق اللبنانية مورداً لهم يؤمنون استثمارها بوساطة لبنانيين يشاركونهم الانتفاع منها.

وقد تأكدت هذه الوقائع بالتصاريح المتعددة والقرائن منها ما يجمع عليه سياسيون لبنانيون على اختلاف مآربهم، ومنها ما نجده في اسئلة موجهة من كتل نيابية الى الحكومة، واتهامات مساقة ضد بعض الشركاء تطالعنا بها الصحف بصورة دائمة.

وأخيراً وليس آخراً، المقابلات التلفزيونية والتصاريح التي ادلى بها نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام مؤخراً حتى بات المطّلع على هذه الوقائع يتساءل حول ربط بعض ما يحصل في لبنان اليوم بمحاولات وضع حد لعملية النهب هذه.

الحل يكمن أخيراً بعودة دولة المؤسسات ووضع حد لهذه المخالفات الفاضحة واستبعاد كل مَن شارك او ساهم او سكت عنها دون اغفال ما يكمن ان يكلف ذلك من تضحيات.

 

العلاقات الثنائية التعاقدية

اتفاقيات النقل والانتقال والمواصلات والجمارك

 

ميشال مرقص

 

لا يمكن إخضاع، نتائج الاتفاقات الثنائية، في العلاقات اللبنانية - السورية، لعملية تقويم، بالمعنى الإيجابي أو السلبي، لأن مثل هذه الاتفاقات، أبرم في مناخ من عدم تكافوء القوى، وغالباً جاءت ثمناً أو فاتورةً لمنفعة ذاتية، قبل ان تكون لمنفعةٍ عامة بين دولتين.

العلاقات الثنائية، أو المتعددة الطرف، تصير سيادية، بعد أن تسقط الأطماع السياسية أو الأمنية أو الجغرافية. أوروبا لم تتوحد وتصير عملاقاً اقتصادياً و/أو سياسياً وعسكريا، إلا بعد أن سقطت الأطماع التوسعية، وأفل ظلّ الأمبراطوريات والقوميات وشهوة التوسعات الإقليمية، وشبق السيطرة والطغيان.

فجميع الدساتير، والقوانين، والأنظمة، الإجراءات التي اتخذت في ظل الاجتياحات والتوسعات التي حصلت منذ القرون الوسطى وإلى نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تدم إلا بدوام أسيادها في مركز القوّة والسيطرة. وحدها الاتفاقات التي تمّت وتتم في إطارٍ ديموقراطي سليم، يحترم خصوصية كل دولة شريك، هي التي استمرّت وتستمر، وتؤدي النتائج المرجوة من الاتفاقات، ويصار إلى تقويمها وتعديلها بما يتوجب.

في ضوء هذه المقاربة السريعة، كيف تبدو نتائج العلاقات الثنائية، بين بلدين، يربط بينهما ما هو أعمق بكثير من الروابط بين أية دولتين اوروبيتين، في حين تباعد بينهما أطماعٌ يزيدها الإمعانُ في التسلّط، فبدل أن تتكاملا في المجالات كافّة، ضمن إطار الاحترام السيادي المطلق، نجد أن الأطماع تهدم أسس التوافق والاتفاقات المبنية على خلل تعاقدي بيني ؟

في النقل والانتقال والعبور والاتصالات والجمارك، الكثير الكثير من الاتفاقات والبروتوكولات ومذكرات التفاهم واللجان العليا والوسطى والصغرى والفرعية والتنفيذية والرقابية، وكأن ركاماً من التعقيد الإداري، والواجهة الإعلامية، طغى على بريق الإيجابيات التي كان يمكن أن تطفو على سطح مياه العلاقات، لكنها خبتت بفعل التعقيدات، من الجانب السوري، لأنه هوى الأقوى تبعا لموقعه السياسي والعسكري، ولأن الجانب اللبناني، كان الضعف، نظراً لأنه في الغالب تصرّف بالتبعية وبطلب النفعٍ الذاتي للأشخاص.

تخضع اتفاقات النقل والانتقال والمواصلات والجمارك، كغيرها من الاتفاقات، إلى أحكام معاهدة الأخوة والتنسيق ، التي أبرمها المجلس النيابي اللبناني في 15/11/1989، وتعنبر أبجدية الاتفاقات الثنائية كلّها، خصوصاً في المجالات التي نصّت عليها المادة الثانية ومنها النقل والمواصلات والجمارك. لكن حرية انتقال الأشخاص بين البلدين، فقد نص عليها اتفاق التعاون والتنسيق الاقتصادي والاجتماعي، المعقود في 22 أيار 1991، إلى جانب حرية تبادل البضائع والمنتجات الوطنية، وحرية انتقال رؤوس الأموال، وحرية النقل والترانزيت واستعمال وسائل النقل في البلدين وبينهما.

أولاً: في الاتفاقات

لقد تكرّرت الإشارة إلى عدم التزام الدولتين بمضمون أحكام اتفاق التعاون والتنسيق الاقتصادي والاجتماعي، سواء لناحية توحيد أكلاف الإنتاج، أو سواء لناحية تحرير التبادل التجاري من القيود الإدارية. إذ تلحظ،الاتفاقات والبروتوكولات والمذكرات، وما تبعها ولحق بها من متممات، عبارة " وفق القوانين والأنظمة النافذة في البلدين" فتعيق مفاعيل التكامل والاتجاه نحو تعميق العلاقات الاقتصادية في جوانبها المتنوعة، ، رغم أنها في مضمونها ومحتوياتها، ترمي إلى تيسير العلاقات بين لبنان وسوريا.

ثانياً : في الوقائع

        لم تفضِ اتفاقات تسهيل النقل والانتقال والعبور، إلى تحقيق الغاية الاساسية، ففي العموم، بقيت سلوكية الإدارة السورية في شرنقة الروتين الإداري، وفي شبكات عنكبوت الرشوة والمنفعة الشخصية، وأحياناً تخضع السلوكية الإدارية إلى إفراز أدب الإقهار والتسلّط الفوقي. ولوحظ ان هذه السلوكية ليست واحدةً تجاه الشركاء الآخرين، من تركيا أو الأردن أو العراق، أو أية دولة عربية، رغم أنها لا ترتبط مع سوريا، باتفاقات مماثلة لتلك التي عقدتها مع لبنان. وإن كان يرجى، بعد أكثر من عشرة أعوام على توقيع أكثر الاتفاقات، ان تتحول العلاقات الثنائية، إلى ما يميّزها عن غيرها، إذ بها لا ترقى إلى مستوى العلاقات مع سائر الدول، لاسيما الأوروبية والأميركية.

الاستشراف المستقبلي

يرى الجانب اللبناني في الاتفاقات وسيلةً لتسهيل ترجمة علاقاته التبادلية، ليس مع سوريا وحسب، بل وايضاً مع سائر الدول العربية والشرق أوسطية، عبر سوريا.

وهو، وإن كان موقعه، في خانة المحاصرة من العدو أولاً، والشقيق ثانياً، فإن ما يقدم عليه لتحقيق التكامل الاقتصادي، إنما يقبل عليه باقتناع. هذا الاقتناع يلجمه التحكم السوري، سواء لمصالح اقتصادية، أو لمصالح سياسية، أو لمصالح أمنية، وأحياناً للاقتصاص وفرض العقوبات، أو لتحقيق تبادل منافع.

المستقبل

لا يبدو المستقبل واضحاً بالنسبة للعلاقة الثنائية بين البلدين. لا على الصعيد السياسي، ولا على الصعيد الاقتصادي، أو تبادل الخدمات. وحدها العلاقات التي تكون مفيدة لسوريا، يتم تيسيرها، أما الأخرى فتخضع لتحقيق كسب منفعةٍ.

إن غموض العلاقات، أو إبقائها أسيرة التجاذب السياسي، أمرٌ مؤسف بين دولتين، بينهما من ميزات التقارب واللقاء، اكثر مما يفرّق. وتالياً لبنان أمام أمرين:

1-     في انتظار ثبات العلاقات السياسية، ضمن الأطر المطروحة : سيادة كاملة، علاقات دبلوماسية، ترسيم للحدود. من ثم طرح الاتفاقات الثنائية، بما فيها حرية انتقال البضائع والناس. ويتطلب الأمر مستقبلاً متوسط المدى.

2-     العمل على تحقيق خيار آخر، اي اعتبار لبنان جزيرة، والتصرف على هذا الأساس، بما يحمل سوريا على إعادة النظر في سلوكيتها.

 

العلاقات الاقتصادية اللبنانية السورية

                                        اليـاس سـابـا

 

1-شكّـل لبـنان وسوريا خلال مرحلة الانتداب الفرنسي وحدة اقتصادية كاملة ناجزة، هي ارفع مرتبة واقوى اواصر حتى من الاتحاد الاوروبي في حالته الحاضرة، بعد مرور حوالـي نصف قرن على اتفاقية رومـا. ومن المؤسف ان هذه الوحدة التي قامت في ظـل الانتداب الفرنسي بدأت بالتفكك ما ان نال البلدان استقلالـهما سنة 1943. ففي البدء كان اتفاق 1 تشرين الاول/اوكتوبـر 1943 الذي اقتصر نصّـه فقط على الوحدة الجمركية Customs Union  بيـن البلديـن، دون ان يُعيـر اهتماماً لسائر القضايا الاقتصادية والمالية المشتركة، وكأن المسؤولين في البلديـن لم يكن يستأثـر باهتمامهم في تلك المرحلة سوى مشكلة ادارة مصلحة الجمارك، وبالتالي تقاسم الرسوم الجمركية التي كانت تشكّل المورد الاهم للخزينة. فكان الاتفاق بين البلدين على ادارة ما كان يُعرَف حينذاك بالمصالح المشتركة Interets Communs  (واهمـها الجمارك ومراقبة القطع والشركات ذات الامتياز واحتكار التبـغ وخدمات البريد والبرق والـهاتف). وفي قناعتنا ان واضعي اتفاق 1/10/1943 لم يكن قصدهم الواعي ان يُنـزلـوا مرتبة  التعاون الاقتصادي بين البلدين من مستوى الوحدة الاقتصادية الكاملة الى مجرّد وحدة جمركية فقط. بل ان وهـج وجاذبية واهمية الرسوم الجمركية حـدا بـهم الى التركيز عليها وحصر الاتفاق بـها. وهكذا قامت الوحدة الجمركية بين البلدين رسمياً بتاريـخ 3 كانون الثانـي/ينايـر 1944.

2-بعد ذلك بدأت سلسلة من المشاكل والخلافات بين البلديـن، رافقتها سلسلة من الاجتماعات ومشاريع الاتفاقات الموضوعة بتسرع ادى الى اجهاضـها، فنتج عن ذلك شعور بالاحباط والمرارة والاستغلال وحتى الحقد احياناً، ولدى الطرفيـن. وبقي الامر على هذا المنوال في مـدٍّ وجزر الى ان تلقت العلاقات المشتركة ضربة موجعة تمثلت بعقد لبـنان اتفاق مالـي مع فرنسا بتاريخ شباط/فبرايـر 1948 نتج عنه انفصال النقديـن اللبناني والسوري وظهور الفارق في سعر الصرف Agio  بين الليرة اللبنانية والليرة السورية لاول مرة. وكان طبيعياً ان لا تصمد الوحدة الجمركية طويلاً بعد ذلك. فأُعلِنَت القطيعة بقرارٍ من مجلس الوزراء السوري بتاريخ 13 نيسان/ابريـل 1950. وتمكن البلدان منذ ذلك التاريخ ان يسير كل منـهما في المسار الاقتصادي الذي يفضل، فاختار لبـنان النـهج السوبـر ليبرالـي، الاباحي، والمتفلت من كل قيد، بالفعل ان لم يكن بالنص، فيما اختارت سورية ان يكون للقطاع العام فيها دور اساسي في مجال الاقتصاد وحتى قبل ان اعتمد النـهج الاشتراكي.

3- كانت العلاقات الاقتصادية المشتركة خاضعة دوماً للعلاقات السياسية بين البلديـن، التي قلما عرفت بدورها مرحلة خالية من التوتر وعلى الجانبيـن. والسبب في ذلك يعود الى امريـن: اولاً: الخوف التاريخي والمتأصل لدى العديد من اللبنانيـين من "طمـع" سوري في لبـنان من جهة، والحسد التاريخي والمتأصل لدى العديد من السوريـين من "نجـاح" لبـنان واللبنانيـين رغم ضعف الموارد والامكانيات اللبنانية مقارنة مع الامكانيات السورية، من جهة ثانية. ثانياً: اما السبب الثاني فيعود الى الفشل الذريـع في مقاربة القضايا الاقتصادية المشتركة سواء من قبل المسؤولين اللبنانيـين او من قبل المسؤولين السوريـين .وفي قناعتنا الجازمة ان التعاطي مع ملف العلاقات الاقتصادية المشتركة نادراً ما كان تعاطياً جديـاً، مـهنياً محترفاً، حتى  في ظل افضل مستويات التقارب السياسي بين البلديـن!!!

4-نظريـاً، إن مجال الاستفادة من التنسيق والتعاون والتكامل الاقتصادي بين البلدين كبيـر، وكبيـر جداً، رغم اختلاف نظاميـهما الاقتصادي كما يظـن العامة، وبسبب هذا الاختلاف كما نقول نحـن:

                أ-الاعتبار الاول هو اعتبار محض اقتصادي يعود الى ما هو متعارف عليه بوفورات الحجم Economies of Scale  . اي انه مع زيادة حجم الانتاج (او التبادل) تنخفض الكلفة وترتفع الانتاجية والقدرة التنافسية فترتفع مستويات الرفاه الاقتصادي الاجمالي. كذلك ايضاً فان حجم السوق، المعبّـر عنه بالقدرة الشرائية، يزداد عن طريق التكامل والتعاون والتنسيق.  ولا يخفى ما لحجم السوق من تأثيـرات مباشرة وغير مباشرة على المكاسب الاقتصادية التي يمكن لبلد ان يجنيـها او يتمتّع بـها. وهذا الامر صحيح خاصة بالنسبة الى لبـنان لان السوق اللبنانية صغيرة وضعيفة في اكثر من مجال.

                ب-إن تكبير حجم الاقتصاد يندرج في نفس السياق العام الذي يسير فيه النظـام الاقتصادي العالمي. فالنظام الذي قام بعد الحرب العالمية الثانية اعطى الافضلية للدول الكبيرة والغنية. اما النظام الجديد فانه يستند الى وحدات اقتصادية عملاقة، سواء على صعيد المؤسسات الخاصة المتمثلة بالشركات عابرة القارات، او على صعيد التكتلات الاقتصادية القارية، مثل الاتحاد الاوروبي والآسيان والنافتا الــخ.... في ظـل هكذا اوضاع، لا يعود من مجال للدول الصغيرة والفقيرة والتي لا قدرة لـها على استغلال التكنولوجيا الحديثة. ( وفي هذا المجال فان التنسيق والتعاون الاقتصادي اللبناني السوري يبقى مقصـراً وقاصراً، ويفترض ان يتسع ليشمل في حده الادنى الاردن وفلسطين والعـراق ...) ذلك ان توسيع وتكبير وتعميق حجم الاقتصاد يزيد من القدرة على الاستفادة من النظام الجديد المعولـم، او، في اسوأ الاحوال، يزيد من مناعة الاقتصاد في مقاومة مخاطر العولمة والحد من مساوئـها.

                ج- إن المنطقة قادمة على مرحلة تسوية للصراع العربي الاسرائيلي لا بـدّ وان يكون من مرتكزاتـها رفع المقاطعة الاقتصادية العربية لاسرائيل. نحن يجب ان لا نخشى المنافسة الاسرائيلية شرط ان تكون مبادئ وشروط المنافسة المتكافئة متوافرة. وهي ليست كذلك قطعاً الآن، ولا يبدو انـها ستكون كذلك عندما ستُفرَض التسوية. لذلك، وفي مثل هذه الظروف، نخشى متى رفعت المقاطعة ان تصبح اسرائيل  نقطة الجذب الاقتصادية الاولى في المنطقة، فيما تتحول الدول العربية (او اكثرها) الى مجرّد اطراف وضواحي. كما نخشى ان يصبح الاقتصاد العربي مربوطاً الى حدٍّ بعيد بالاقتصاد الاسرائيلي، وعبره، بالاقتصاد العالمي. فنكون قد انتقلنا من مرحلة التبعية للاقتصاد الاجنبي الى مرحلة التبعية للاقتصاد الاسرائيلي وعبره للاقتصاد العالمي.

5-بديهي انه من غير الممكن ان ننتظر تحسن مستوى العلاقات الاقتصادية اللبنانية السورية للاستفادة من المكاسب الممكنة نظرياً في ظل الاوضاع الحالية المتأزمة بين البلدين . من هنا فان أي بحث في العلاقات الاقتصادية الثنائية  لا بـدّ وان ينتظر تحسين العلاقات السياسية بين البلدين، وايضاً هدوء العاصفة الغربية (والاميركية تحديداً) التي ما زالت تـهب على المنطقة منذ ما بعد احداث 11 ايلول/سبتمبـر 2001. ومتى تـمّ ذلك ، فمن الواجب مقاربة الملف الاقتصادي بكثير من التعقل، والبرودة الحيادية، والتقنـية، والاحترافية المـهنية، آخذين بعين الاعتبار دائماً ان اي تقارب اقتصادي لا بـدّ وان يكون له انعكاس على وتأثير في المجال السياسي، ومدركين ان السياسة بعد التكامل الاقتصادي لن تكون هي نفسها كما كانت في مرحلة ما قبله.

6-ختـاماً لا بـدّ من التنويه بحقيقة بديهية. اذا شاء بلدان ان يوسّعا رقعة تعاونـهما الاقتصادي، وكان احدهما يتبع نظاماً اقتصادياً حراً والآخر يتبع نظاماً اقتصادياً خاضعاً للتوجيه والضوابط والعوائق والكوابـح، فبديهي ان تكون استفادة البلد ذي الاقتصاد الحـر اكبر من استفادة البلد ذي الاقتصاد الموجه. اللهـم، هذا اذا تـمّ الالتـزام بقواعد اللعبة !

 

الاتفاقيات الزراعية بين لبنان وسوريا وتأثيرها على القطاع الزراعي اللبناني

المهندس انطوان الحويك

 

نصت معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق بين الجمهورية اللبنانية والجمهورية العربية السورية وفي المادة الثانية على ان تعمل الدولتان على تحقيق التعاون والتنسيق بين البلدين في المجلالات الاقتصادية الزراعية والصناعية والتجارية وتنسيق خطط التنمية...".

بتاريخ 16/9/1993 تم توقيع اتفاق للتعاون والتنسيق الاقتصادي بين لبنان وسوريا بهدف الوصول الى التكامل الاقتصادي بين البلدين وقد تم وبنفس التاريخ توقيع اتفاق بشأن اوجه التنسيق والتعاون في المجال الزراعي بين لبنان وسوريا ونصت المادة الثالثة منه على وضع خطة للتكامل. بتاريخ 7 نيسان 1994 تم توقيع بروتوكول تعاون في مجال الزراعة بشقيها النباتي والحيواني بين لبنان وسوريا تضمن مجالات البحوث العلمية الزراعية والانتاج الزراعي والانتاج الحيواني. في 11/10/1999 تم توقيع اتفاقية اطلاق حرية تبادل المنتجات الزراعية بين البلدين من ضمن اتفاقية التيسير العربية. ولاحقاً تم عقد اتفاقيات تتعلق بالحجر الصحي الحيواني والحجر الصحي الزراعي واستيراد وتداول ومراقبة المبيدات الزراعية والتعاون البحثي العلمي. ولكن لم يتم فعلياً تنفيذ بنود هذه الاتفاقيات سوى في ما يتعلق بحرية تبادل المنتجات الزراعية وبعض مشاريع ابحاث زراعية مشتركة يوجد تحفظ على بعضها.

بتاريخ 5/1/2004 عقدت اول ورشة عمل حول التكامل الزراعي بين لبنان وسوريا في بيروت ليليها ورشة اخرى بتاريخ 2/12/2004 في دوما - الشام. في 9 كانون الاول 2004 قرر مجلس النواب اللبناني تكليف وزارة الاقتصاد والتجارة الطلب خلال اجتماعات المجلس الاقتصادي والاجتماعي في جامعة الدول العربية اعطاء لبنان فترة سماح بشأن تطبيق اتفاقية التيسير العربية. في 11 كانون الاول 2004 اكدت الحكومة السورية على لسان وزير الزراعة السوري تأييدها لطلب لبنان المقدم الى المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي السماح للبنان بتأجيل تطبيق بنود اتفاقية التيسير العربية في ما يتعلق بالقطاع الزراعي. وتقرر ايضاً ان تقوم اللجنة المختصة بمراجعة الاتفاق لتبادل المنتجات الزراعية بين لبنان وسوريا.

في اول كانون الثاني 2005 تم تنفيذ المرحلة النهائية من اتفاقية التيسير العربية فتم تحرير التبادل الزراعي بين الدول العربية وألغيت كافة الروزنامات الزراعية وازيلت كافة الرسوم الجمركية على استيراد السلع الزراعية العربية الى لبنان. ولكن وعلى رغم قرار مجلس الوزراء لم تقدم وزارة الاقتصاد اللبنانية طلب لفترة سماح من اتفاقية التيسير العربية.

في ورشة عمل الخطوط التوجيهية للتكامل الزراعي السوري اللبناني التي انعقدت بتاريخ 2 كانون الاول 2004 وفي المحور الاول الذي ناقش "الخطوط التوجيهية لتطوير وتنمية القطاع الزراعي بين البلدين" صدرت توصية للحكومات بضرورة تأمين الدعم المباشر والمادي للمزارعين في القطاعات الاستراتيجية اقتصادياً واجتماعياً والتي تشكل عنصر استقرار اجتماعي للمناطق التي تتواجد فيها والتي تتعرض للمنافسة من جراء تحرير التبادل. ولكن هذه التوصية اختفت من مقررات اللجنة المشتركة اللبنانية السورية.

في الورشة نفسها واثناء النقاشات تم التحفظ على المشروع المشترك لانتاج بذار البطاطا لاسباب عديدة وتم الطلب بتوقيف المشروع وباعادة دراسة جدواه، ولكن التوصيات والمقررات الرسمية التي صدرت عن هذه الورشة اعلنت وفي البند الثاني منها الاستمرار بالمشروع المشترك لانتاج بذار البطاطا لعام 2005.

هكذا كانت تدار الامور وما تزال بين الجهات الرسمية اللبنانية وأية جهة خارجية أكانت سورية او غيرها من الدول.

في دراسة لف الانتاج بين البلدبن يتبين ان تكاليف الانتاج في سوريا هي بحدود نصف الكلفة في لبنان، بالاضافة الى الفوارق الكبيرة بمستوى المعيشة والرواتب والاجور بين البلدين بسبب النظام الاشتراكي في سوريا والاقتصاد الليبرالي في لبنان. ان اتفاق اطلاق حرية تبادل المنتجات الزراعية الذي تم في 11/10/1999 وفي ازالة الرسوم الجمركية نهائياً عن عشرات السلع الزراعية السورية في استيرادها الى لبنان منذ ذلك التاريخ قد اثر بشكل سلبي ودمر العديد من القطاعات وتضررت بشكل ظاهر قطاعات اخرى. كما ادى هذا الاتفاق وبشكل خاص ابتداءً من سنة 2004 عند تحرير استيراد كافة السلع الى الحاق اضرار فادحة بقطاعات اخرى.

اما في ما يخص الصادرات الزراعية اللبنانية الى سوريا على اثر هذه الاتفاقات فإن الصادرات تركزت على ثلاث سلع هي: البطاطا والحمضيات بتصدير والموز. كل ذلك دون ان تتخذ الدولة اللبنانية اي اجراء تسمح به القوانين التجارية العالمية ان لناحية مكافحة الاغراق او وضع رسوم تكافئية للسلع المدعومة في دول انتاجها او وضع مواصفات وشروط صارمة على استيراد السلع الزراعية الى لبنان او تأمين مراقبة على المنتجات المستوردة الى لبنان.

 

الصناعة والتجارة

فـادي عـبـود

باسم جمعية الصناعيين اللبنانيين، يسرني ان اشارك معكم في هذا المؤتمر الوطني البالغ الاهمية.

كما يسرني ان اشكر الحركة الثقافية في انطلياس على دعوتها الكريمة وعلى تنظيمها لهذا النشاط حول موضوع يجسد ويختزن مجموعة واسعة من القيم والمصالح والارقام والاخطاء والفرص والفرص المهدورة، اضافة الى تشابكه مع الهم الاقليمي والدولي.

انه موضوع شائك ومعقد ويشكل تحدياً لكل ما نملك من طاقات وصفات ووعي ورصانة.

انطلاقا" من كل ذلك، سعت جمعية الصناعيين اللبنانيين منذ سنوات الى ابراز اهمية توطيد العلاقات الاقتصادية بين لبنان وسوريا لما فيه مصلحة الدولتين. وقد ميزت الجمعية نفسها عن غيرها عبر التشاور الصريح والهادىء والمسؤول والموضوعي مع المعنيين بالمواضيع الاقتصادية في الدولتين، اي الوزارات المختصة وغرف التجارة والصناعة والمجلس الاعلى اللبناني السوري.

ومنذ توقيع معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق في العام 1991، وما تلاها من اتفاقيات اقتصادية وزراعية واجتماعية وصحية ونقل وقعت عام 1993، سعت الجمعية باستمرار ودون كلل الى تفعيل الاتفاقيات، وخاصة تلك المتعلقة بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي وبحرية تبادل البضائع والمنتجات الوطنية وبالنقل والترانزيت. وكانت البدايات صعبة، الا ان الجمعية مارست دورها الطبيعي في السعي الى حسن تطبيق الاتفاقيات بما فيه مصلحة الصناعيين اللبنانيين.

وعلى سيرة الاتفاقيات، تعتبر الجمعية انها (اي الاتفاقيات) مؤشر هام لنضج السياسيين والشعوب وادراكهما لمصالح دولهم وحتى لو كانت بعض الاتفاقيات مجحفة بحق طرف او آخر، يفترض ان تعالج بشكل مسؤول وحازم ورصين لانها تمس بالمصالح ولا يمكن التعامل معها الا عبر هذه الصفات.

ومن الواضح ان للبنان مصالح اقتصادية مع سوريا. واذا لم نشأ ان نغوص في مسألة التكامل في هذه الاجواء غير الصحية، فلا مفر من ذكر حجم التجارة البينية بين لبنان وسوريا لادراك اهمية هذه العلاقة.

ففي العام 2005، صدّر لبنان بقيمة 187 مليون دولار الى سوريا و 178 مليون دولار الى العراق عبر سوريا. استورد ما قيمته 196 مليون دولار من سوريا. اضافة الى ذلك صدّر لبنان الى سوريا والدول العربية عبر الحدود اللبنانية السورية ما قيمته 641 مليون دولار (35% من مجموع الصادرات اللبنانية) واستورد من سوريا وعبرها من الدول العربية ما قيمته 580 مليون دولار. بالتالي، ان التجارة(استيراد، تصدير وترانزيت) بين لبنان وسوريا تفوق المليار ومايتا مليون دولار اميركي, وهذا يعني ان لبنان وسوريا محكومان بالتوافق.

تؤمن الجمعية ان العلاقة بين لبنان وسوريا لا يمكن ان تخضع لمنطق " يا طخو يا كسرلو مخو "، اي اما التزلف والوصاية او انعدام العلاقات. ان مصالح لبنان لا تسمح بهكذا منطق.

ايها السادة،

لقد سعت الجمعية منذ سنوات الى ابراز اهمية توطيد العلاقات الاقتصادية بين لبنان وسوريا وكنا ولا نزال بكل صدق الهيئة الاقتصادية الوحيدة التي لم تغير خطابها بوجود او عدم وجود القوات السورية في لبنان.

لقد ميزت الجمعية نفسها عن غيرها عبر التشاور الصريح والهادىء والمسؤول والموضوعي مع المعنيين بالمواضيع الاقتصادية.  وسمينا الاشياء بأسمائها.

منذ البدء في تنفيذ التخفيض التدريجي على الرسوم الجمركية بنسبة 25% سنة 1999 ظهرت عراقيل وقيود في عمليات التبادل التجاري وبدأت معها الاتصالات لتذليل هذه العراقيل التي أثرت سلبا" على انسياب السلع بين لبنان وسوريا نذكر منها:

-       الاستمارة الاحصائية وهي بالفعل ترخيص بالاستيراد.

-       رسوم متعددة تحت تسميات مختلفة تفرض على السلع اللبنانية.

-       حصر استيراد العديد من السلع بمؤسسات عامة فقط.

-       شكوك سورية بشهادات المنشأ اللبنانية.

-       كلفة نقل وعبور باهظة.

-       تأخير في معاينات البضائع (فحوصات مختلفة مع كلفة عالية).

-       قيود نقدية (تعدد اسعار الصرف - اجراءات التحويل - تشديد اجراءات الائتمان).

-       شروط دلالات المنشأ.

-       اشتراطات فنية ومواصفات.

-       المبالغة في اساليب الكشف والمعاينة.

من هنا بدأت الجمعية الاتصالات واللقاءات مع غرفتي صناعة دمشق وحلب حيث تم التداول في العلاقات الاقتصادية وتم انشاء لجان قطاعية للعمل على حلحلة العقد والمعوقات الموجودة. الا ان هذه الجهود وبالرغم من اللقاءات المتعددة لم تأت بالثمار المرجوة. فقد تم حلحلة بعض العراقيل وتم الوعد بدراسة ما تبقى من امور عالقة.

والواقع ان اختلاف الانظمة الاقتصادية في البلدين بالرغم من البدء في تطوير بعض الانظمة والتشريعات الاقتصادية والمالية في سوريا لعب دورا" اساسيا" في عدم التقدم المطلوب يضاف اليها بيروقراطية في الدوائر ساهمت مساهمة مباشرة في خلق الكثير من العوائق امام انسياب السلع بين البلدين.

نعطي مثالا" على ذلك ان السلع اللبنانية المصدرة الى سوريا تخضع الى كشف على الحدود في جديدة يابوس ومن ثم تحّول الى نقطة جمارك دمشق حيث يتم تفريغ الشاحنة والتصريح عن البضاعة والقيام بالتفتيش والفحوصات المطلوبة مما يشكل عبئا" اضافيا" على سعر السلع المصدرة.

والغريب ان التدقيق في الجمارك السورية وطلبات الفحوصات المتعددة للسلع اللبنانية (مع ما يعنيه من كلفة اضافية) لا يواجه بالمثل في لبنان، اي لا تعامل السلع السورية المصدرة الى لبنان مثل ما تعامل السلع السورية المستوردة. بل ان العديد من السلع السورية تدخل الى لبنان بشهادة منشأ واحدة لسلع سورية منتجة في اكثر من مصنع وفواتير بكميات واسعار مخفضة تهربا" من دفع ضريبة TVA.

 

الواقع ان خلال التجربة لعدة سنوات مضت في الانفتاح وتحرير التجارة بين البلدين اظهرت ان المشكلة ليست في نصوص الاتفاقيات الموقعة بل في تطبيق النصوص وفي خلق عوائق جمركية وغير جمركية ادت الى صعوبة في انسياب السلع بين البلدين بالرغم من زيادة حجم التبادل.

المطلوب تحاور شفاف وصادق لازالة جميع العوائق وتطبيق النصوص لتفعيل العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

ايها السادة،

لقد تعودنا على مخاطبة الاخوة في سوريا بكل صراحة، فاذا تصارحنا ستكون المعادلة ربحا" للفريقين Win - Win Situation  واذا كان عكس هذه المعادلة فالفريقان خاسران.

وبالرغم من المصاعب والاتهامات، لا بد من عودة المياه الى مجاريها.

 

الموقع المحوري والعلاقات المصرفية اللبنانية السورية

من عمليات الاصلاح الاقتصادي والمالي في سوريا

مكرم صادر

بعد ان توقف مطولاً عند متانة العلاقات المصرفية اللبنانية السورية وعراقتها ومرتكزاتها وصمودها وتطورها خلال ما يزيد عن نصف قرن وضع الدكتور مكرم صادر الامين العام لجمعية مصارف لبنان العلاقة المصرفية اللبنانية - السورية في موقع محوري بل في قلب عملية الاصلاح الاقتصادي والمالي القائمة حالياً في سوريا وفي موقع محوري كذلك بالنسبة للمصارف اللبنانية.

رأى الدكتور صادر ان هذه العلاقات تمتد الى عشرات السنين وأنها صمدت وتقوّت بعد الاتصال المصرفي بين البلدين مطلع الخمسينات وبعد تأميم المصارف في مطلع الستينات في سوريا وتعايشت مع الانظمة السياسية والاقتصادية كافة التي تولت على حكم سوريا. واستمرت كثيفة قبل الحرب اللبنانية وقبل دخول الجيش السوري الى لبنان وفي ظلهما. وها هي تصمد بل تتعمق بعد خروجه. وتشكل بذلك مثالاً لما يجب ان تكون عليه مجمل العلاقات الاقتصادية والمالية اللبنانية - السورية فليس عيباً تغليب منطق المصالح بل ان المصالح الاقتصادية المشتركة يجب ان تشكل عائقاً امام تدهور العلاقات السياسية خصوصاً في زمن العولمة المالية والاقتصادية التي تدمج في حركتها قارّات واسواقاً عالمية بكاملها.

وفيما خصّ ماهية ومضمون هذه العلاقات المصرفية اللبنانية - السورية قد اوضح الامين العام لجمعية المصارف انها تتمحور حالياً حول ثلاثة مستويات. يتمثل اولها في الخدمات المصرفية التقليدية والحديثة التي توفرها المصارف في لبنان لزبائنها السوريين افراداً ومؤسسات. وتمتد على مساحة واسعة من الانشطة كتمويل التجارة الخارجية بحجم عدة مليارات من الدولارات واجراء المدفوعات وتعبئة وتثمير المدخرات بشكل ايداعات في المصارف في لبنان ايضاً حجمها بضع مليارات واستفادات من الفوائد المرتفعة التي ميّزت لبنان خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية. وتلعب المصارف اللبنانية ثانياً دور الوسيط مع الاسواق العالمية لمصلحة الزبائن السوريين بحجم من المطلوبات على النظام المصرفي العالمي يفوق دوره عدة مليارات من الدولارات متواجدة في المراكز المالية العالمية كباريس ولندن وجنيف وغيرها. وتوقف المحاضر عند المستوى الثالث من العلاقات والذي ادرجه تحت عنوان من توريد الخدمات الى تأسيس المصارف معبّراًً ان فتح المصارف اللبنانية في سوريا هي في بعض معانيها التاريخية رد لدين السوريين على لبنان. فقد ساهمت عائلات سورية عريقة في النهضة المصرفية اللبنانية (صحناوي, عبجي, ازهري, عشي,...) وها هم اللبنانيون يساهمون في انجاح عملية الاصلاح والانفتاح المصرفي في سوريا على طريقة "هذه بضاعتنا ردت الينا". والانتشار المصرفي اللبناني في سوريا والذي تمثّل حتى الان بأربعة مصارف (لبنان والمهجر, عوده, بيبلوس, بيمو) والمرشح للزيادة قريباً (بنك بيروت, الاعتماد اللبناني, السوسيتيه جنرال وربما فرنسبانك وغيرها...) يشكل مصلحة استراتجية للصناعة المصرفية اللبنانية التي تطلع الى الاسواق الاقليمية لتتمكن من الاستمرار والتوسع وتحقيق معدلات ربحية مقبولة. علماً ان المصارف اللبنانية باتت جاهزة لهذا التوسع بعد ان استكملت خلال عقد ونصف من الزمن ورشة التحديث والتطوير بشرياً وتقنياً وادارياً ورقابياً.

بعد ان استعرض بايجاز واقع العلاقات المصرفية اللبنانية - السورية وحجمها ومضمونها تساءل الامين العام للجمعية عن مستقبل هذه العلاقات. فتوقع دون تردد بل باقتناع قوي بأنها ذاهبة الى مزيد من التوسّع والتكثّف. ذلك أنها حاجة لبنانية بقدر ما هي حاجة سورية. فرأى في تبيان هذه القناعة ان الاصلاح الاقتصادي والمالي في سوريا هو حتميّة لا مفر منها وقد انطلق. فالمعضلة الاقتصادية البنيوية في سوريا والمتمثلة في ضعف معدلات النمو وثانياً النقص الفاضح في خلق فرص عمل كافية لاستيعاب العمالة الوافدة الى سوق العمل وفي توفير مستوى معيشة لائق للفرد، هذه المعضلة لا يتم تخطيها الا بحجم ضخم من الاستثمارات الداخلية والاجنبية في الاقتصاد السوري. مما يستدعي تعبئة نشطة للمدخرات السورية في سوريا اولاً ومعظمها في البيوت والخزائن ويستدعي استنفاراً للمدخرات الوطنية السورية التي هربت الى الخارج وهي بالمليارات ونقدرها بعشرة مليارات. ويستدعي اجتذابا للرساميل العربية والاجنبية لكي توسع قاعدة الانتاج وتوسع الصادرات السلعية والخدماتية غير النفطية. وحده اليوم الاصلاح المصرفي الجيد والسريع يستطيع ان يعالج فجوة الادخار والاستثمار المطلوب زيادتهما سوية. وكل مقاربة مغايرة يخشى في ظلّ تراجع انتاج وصادرات وعائدات النفط اما ان يؤدي الى تضخم متسارع وضغط متزايد على معدلات صرف الليرة السورية اذا تقرّر المحافظة على موجودات سورية الهامة من العملات الصعبة والبالغة 18 مليار دولار. واما اذا تقرّر استعمال هذه الموجودات والحفاظ على استقرار النقد والصرف ان تؤدي الى عجز متزايد في الميزان الخارجي يستدعي تمويله الاستدانة ودخول الحلقة المفرغة من المديونية العامة وخدمتها والمزيد من استنزاف الموجودات الاجنبية.

اذاً الاصلاح الاقتصادي يبقى الخيار الافضل والاقل ثمناً اقتصادياً واجتماعياً مع الوقت والمدخل اليه  في الاقتصادات الحديثة هو الاصلاح المصرفي. وليس اقدر اليوم واقول احق من المصارف اللبنانية لتواكب مسيرة الاصلاح الاقتصادي والمالي في سورية. فمصرفيّونا لهم جذورهم في القطاع الخاص السوري. وصناعتنا المصرفية حديثة وتجعل كلفة الاصلاح المصرفي في سوريا ادنى بالمال وبالوقت.

وانهى الدكتور صادر مداخلته منبهاً من جهة الى تحديات الاصلاح الاقتصادي والمالي في سوريا الكبيرة والمتنوعة. ومحذراً من دقة الاصلاح المصرفي في ظلّ العولمة المالية Globalisation financière. فليس سهلا ادارة الاصلاح المصرفي مع قواهر  constraintes تتمثل اولاً في كون التدفقات المالية حالياً هي من فعل القطاع الخاص بشكل استثمارات اجنبية مباشرة FDI وليس ديون من الحكومات او صناديق التنمية كما في ستينات وسبعينات القرن الماضي وليست سهلة مع سرعة حركة هذه الرساميل دخولاً وخروجاً الى الاسواق مما يتطلب ممولاً في المقام الاخير  (Last Resort Financier)تعجز المصارف المركزية على لعب هذا الدور لسيادتها شبه معدومة على العملات الصعبة. وليس الاصلاح المصرفي سهلاً في ظلّ متطلبات واضعي اللعبة المالية عالمياً  (Standards setters)وليس آخرها ما يعود منها للنسب الاحترازية والحد الادنى من الرسملة ومكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب ومتطلبات الحكم الرشيد للمؤسسات وقواعد المحاسبة وادارة المخاطرة والاصلاح والشفافية.

لدى سوريا اليوم ثلاثة مكامن قوة يمكن ان يستند اليها الاصلاح المنشود: عجز خارجي (الميزان الخارجي) شبه معدوم ولن يبقى طويلاً هكذا. ومديونية خارجية (وحتى داخلية) متدنية جداً ويتوقع تسارعها اذا لم ينجح الاصلاح. واخيراً موجودات خارجية هامة على المستوى العربي تأتي في المرتبة الثالثة صافية بعد السعودية والإمارات. ويتوقع استقرارها ثمّ تراجعها على ضوء تباطؤ وتراجع صادرات وعائدات النفط.

سوريا تحتاج السير جدياً بالإصلاح ومصارفنا الأقرب لمواكبة هذه المسيرة.

 

 العلاقات الثنائية التعاقدية 

النائب مصباح الاحدب

 

اشكر المنظمين لنشاطهم الدائم والمستمر وايضاً لتنظيم هذه الندوة، فالبرنامج جداً مهم لانه يطال مواضيع مهمة جداً نحنا مارقين بمرحلة انتقالية ولكن انا برأيي موضوع العلاقات اللبنانية السورية اللي انطرح هو سنة 2000 فهو مهم وعلينا ان ننظر له بطريقة واقعية بعيد عن العناوين الطنانة الرنانة واللي بالنهاية بتبقى فارغة بطريقة من الطرق، ففي مضمون اساس في قاعدة وهيهي القواعد مهمة جداُ اذا بدنا يكون فيه علاقات صحية ونقية بين لبنان وسورية اللي هو العمق الاساسي للبنان بالعالم العربي، اليوم الوضع متل ما منعرف مانو وضع متأزم والازمة مش مقياس ولازم تتعالج. بتمنى الواحد يحط اسس كنا عم نحكي عنا، قائمة على عدة نقاط اول شي لازم يكون فيه اعتراف انه اذا كان هناك من خطأ تاريخي ما ندخل بالهنقاط اتفاقية سايكس بيكو. فمن العشرينات لليوم مرق 80 سنة وصار فيه مقومات لبلد اسمو لبنان وهيدا من المسلمات وهيدا بلد عندو استقلاليتو بإدارة شؤونه الداخلية كمان يعني ما في دولة اذا ما عندا سياسة خارجية، نحنا بمرحلة طويلة كنا عم نواجه عملية تخوين كل مرة اجتمع لبناني مع حدا جايي من اي منطقة بالعالم واجتمع مع اللبناني هاللبناني بصير تحت الشك، بحين اذا اجتمع بمحل تاني بالشام مثلاً بوقتا فكان من الطبيعي ان يصير في اجتماعات لتنبتّ بعض الامور بالنسبة للبنان. انا بريد ارجع لخطاب الرئيس الاسد سنة 2000 بيقول: "يجب معالجة الاخطاء القائمة بالعلاقات بين لبنان وسوريا حتى تصبح العلاقات نموذجية كما يجب ان تكون بين بلدين عربيين".

فمن 2000 لليوم ما صار في تصحيح لهذه الاخطاء صار في فعل ورد فعل. الفعل كان سيئ ورد الفعل كمان غير كافية لازم يكون في معالجة بالاساس بالمضمون وهيدي المعالجة طبعاً بتكون عبر كل النقاط. هل العمل اللي صار على مدى يومين، ما رح كون طويل بالكلام لاترك المجال ليللي بدن يتكلموا اليوم. الموارد المائية مع الدكتور لطف الله.

 

"العلاقات اللبنانية السورية  في مجال المياه"

لطف الله الحاج

 يشترك لبنان وسوريا في مياه نهر العاصي، شمالي البقاع، ومياه النهر الكبير الجنوبي بالنسبة لسوريا، والشمالي بالنسبة للبنان، ومياه نهر يحفوف وينطا الى الشرق، ونهر الحصباني- الوزاني الذي يمربمحاذاة الحدود اللبنانية السورية في الجنوب قبل ان يقطع الجدود الى فلسطين المحتلة ليصب في مجرى الاردن، فضلاً عن مياه جوفة منتشرة مبدئيا على طول سلسلة جبال لبنان الشرقية.

وقد جرى توقيع اتفاقيتين عائدتين لنهر العاصي ونهر الكبير واعتمد الاتفاق الاخير مبادىء "اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية" كما استمدت اتفاقية العاصي على مبادىء هلسنكي التي كانت منطلقاً لاتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية التي تشدد على الاستعمال العادل والمنصف للمياه بين الدول المشاطئة، وعدم الحاق الضرر بدول المجرى، والحفاظ على المصالح الحيوية كما ادخلت المياه الجوفية في تعريف المجرى المائي الدولي. بينما تنص اتفاقية العاصي على تحديد حصة كل طرف، فإن اتفاقية النهر الكبير تنص اضافة الى تقاسم المياه، على انشاء سد مشترك وعلى لجنة مشتركة لادارة الحوض مع آلية محددة لذلك.

اما بالنسبة الى يحفوفا وينطا، فقد طلبت من لبنان الجهات الممولة الحصول على موافقة الدولة المشاطئة للنهر اي سوريا قبل البدء بدراسة سد ماسا الذي كانت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تنوي انشاءه، وقد جاءت الموافقة السورية بذلك.

في ما يعود للوزاني فإن الحديث عنه يطول، ونتمنى استرداد لبعض حقنا الذي حرمنا منه لعقود من الزمن في الجنوب بفعل الاحتلال الصهيوني.

تنظيم اليد العاملة بين الدولتين

كمال حمدان

 

1-    ترتدي ظاهرة تدفق اليد العاملة السورية الى لبنان طابعاً تاريخياً وهي بدأت تشكلها منذ المراحل الاولى للحقبة الاستقلالية وخصوصاً غداة الانفصال الجمركي بين البلدين عام 1950. وقد لازمت هذه الظاهرة مسيرة تطور الاقتصاد اللبناني على امتداد هذه الفترة، وتأثرت - صعوداً وهبوطاً -  بطبيعة الاوضاع السياسية والاقتصادية السائدة في البلدين.

2-    ان ما حكم تطور هذه الظاهرة ارتدى سمة موضوعية بنيوية، كمحصّلة لفعل "عوامل طاردة" سورياً و"عوامل جاذبة" لبنانياً. اما العومل السورية الطاردة، فأهمها: ابنية الديمغرافية وفتوة الهرم العمري للسكان، ضخامة التدفقات السنوية في عرض العمل وضعف القطاعين العام والخاص على استيعاب هذه التدفقات وعجز المدن والمساحات المدينية السورية عن استقبال الهجورات الكثيفة من الارياف واهم من هذا كله - وارتباطاً به - ضعف نصيب الفرد من الدخل مقابلةً بما هو محقق في لبنان... وفي المقابل فإن العوامل اللبنانية الجاذبة برزت على غير صعيد:  القرب الجغرافي، المناخ الاقتصادي الحر وهيئة القطاع الخاص؛ "اشباه" ازدهار اقتصادي قبل الحرب؛ احجام اللبنانيين عن العمل في انشطة توصف بكونها "رثة"؛ وبشكل عام زيادة مستويات دخل وحد ادنى للدخل تزيد بما لا يقاس عن مستوياتها حيث سوريا اضافة الى ضعف متمادٍ - مقصود او غير مقصود - في اجهزة الرقابة على آليات سوق العمل وأدائه في كلا البلدين سيما لبنان.

3-    ان الاحاطة الاقتصادية بحجم ظاهرة العمالة السورية في لبنان تصطدم بصعوبات كأداء والمشكلة على هذا الصعيد قائمة بل مستفحلة على حد سواء مع لبنان في لبنان كما في سوريا. واذا كان لبنان يشكو بشكل عام من ضعف قواعده الاقتصادية الوطنية المتحدة فإن الشكوك والضبابية والملابسات تصل الى ذروتها عندما يتعلق الامر بالقياس الاحصائي لحجم وبنية حركات الهجرة في البلد واليه. وسوريا، ليست في وضع الفصل على هذا الصعيد بحسب ما يمكن استخلاصه من منظومة ارقامها الاحصائية المنشورة. وجل ما يمكن واستنتاجه من اتجاهات في هذا المجال ينطوي على الآتي: ان الهجورات السورية (هجورات اليد العاملة) قد بلغت ذروتها في اواسط التسعينات مع تعاظم عملية تنفيذ اعادة الاعمار في لبنان ثم ما لبثت ان اتجهت نحو التراجع بدءاً من العام 1997 بالتلازم مع ميل معدلات النمو الاقتصادي في لبنان نحو الانخفاض والاستنفاد التدريجي للمشاريع الاعمارية الاساس. وعشية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لم يكن حجم العمالة السورية الوافدة الى لبنان يزيد عن نصف (حتى لا نقول ثلث) مستواها المسجل في اواسط التسعينات. اما في الفترة التي تلت هذا الاغتيال فقد تراجعت هذه النسبة الى حد 20 في المئة من ذلك المستوى القياسي المسجل في ذروة الحقبة الاعمارية. وتتطابق تقديرات عدة على تأكيدها صحة  هذه الاتجاهات التي حكمت تطور حجم هذه الظاهرة.

4-    يصعب من الناحية العلمية - ازاء موضوع على هذا القدر من القابلية للتسييس - وصف ظاهرة تدفق العمالة السورية الى لبنان بصفتها تعبيراً عن "عقد إذعان" مفروض على الطرف اللبناني. واذا كان التقاضي - في وجهه الحر والقسري - من هذا الطرف يفسر جزءاً من استفحال هذه الظاهرة وفلتانها الا ان الجزء الاهم لا يمكن تفسيره الا باعتبارات موضوعية حقة محكومة بمنطق العرض والطلب على العمل على غرار ما يحصل في العديد من حالات البلدان المتجاورة، وان بسبب واشكال متفاوتة من حالة الى اخرى. فهذا الجزء الاهم من مسببات تدفق العمالة انما يعود الى واقع اقتصادي حميم يغزيه "حب من طرفين": حاجة السوريين الى فرص عمل ومستوى دخل اعلى نسبياً من جهة، حاجة اللبنانيين لا سيما كبار اصحاب العمل وصغارهم، الى عمالة رخيصة وفاعلة للاستثمار من دون اي حماية اجتماعية او شبكات امن، من جهة ثانية. واياً تكن محاولات لتهويل من جانب هذا الطرف او ذاك لتعظيم المنافع وتعظيم الخسائر المتصلة بحسابات الربح والخسارة الوطنية المتأتية عن تدفق هذه العمالة، فإن هذه المحاولات لن تقلل بصورة حاسمة من اهمية فصل القوانين الاقتصادية المتحكمة بهذا التدفق حتى ولو نجت في ترشيد بوطن من آلياته.

5-    هل ممكن تنظيم حركة اليد العاملة بين الدوليتن لا سيما ما يتعلق منها باليد العاملة السورية الوافدة الى لبنان؟ بالتأكيد يمكن التقدم على الطريق عبر اجراءات متدرجة تقتضي بإخضاع هذه العمالة الى المعايير نفسها التي تخضع اليها القوى العاملة لا سيما الوافدة منها وإن بشروط تفصيلية مقابلةً بأنواع العمالة الاخرى غير اللبنانية. وتشمل هذه المعايير اجازات الاقامة والعمل والاشتراك - بالشروط السائدة - في نظم التأمينات الاجتماعية وشبكات الامان والخضوع للضريبة والانتفاع من الخدمات العامة الاساسية. ومثل هذا التوجه من شأنه ان يحقق هدفين اساسين: ترشيد المنافسة بين هذه العمالة والقوى العاملة الوطنية وجعلها اكثر انتظاماً وانسجاماً مع آليات السوق والمعايير الاقتصادية البحتة من جهة وتوفير الحد الادنى من شروط العمل والحياة البشرية السوية لافواج العمالة الوافدة من جهة ثانية، مع ما يعنيه ذلك من تكريس للحقوق واعتراف صريح بها ولانتفاع هذه العمالة من شبكة من الضمانات في مواجهة المخاطر.

6-    بيد ان مرد التفكير بإقرار مثل هذه التوجهات يتطلب تحقيق شروط مسبقة أهمها وضع ملف العلاقات السورية اللبنانية على طريق الحل بالتزامن مع انجاز ملف التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، ثم اتخاذ الطبقة السياسية اللبنانية قرارات محددة وواضحة بشأن تنظيم آليات سوق العمل لا سيما ما يتعلق منها بالعمالة الوافدة وخصوصاً السورية منها مع ما يستلزمه ذلك من اختلافات واسعة في نسق ادارة لبنان لهذا النوع من المرافق البشرية بدءاً من الشأن الاداري البحت ومن الاطار المؤسسي ومروراً بالموارد البشرية الكفوءة وانتهاءً بنظم وقواعد المعلومات المطلوبة. وغني عن البيان ان الشروع في هذه التوجهات مفترض ان يتزامن - بل ان يكون مسبوقاً - مع ترتيب "البيت الداخلي اللبناني" في ذلك الحيّز الحيوي والاوسع نطاقاً لامتعلق بترشيد أداء سوق العمل اللبنانية نفسها وبالاطر الادارية والمؤسسية البشرية والمعلوماتية القادرة على افساح المال فعلاً وليس قولاً امام الحاح عملية الترشيد هذه.

 

تلاقي وافتراق السياسات الاقتصادية

 شربل نحاس

 تناولت مداخلة الدكتور شربل نحاس "تلاقي وافتراق السياسات الاقتصادية" بين سوريا ولبنان. وقد ركّز على تأثير المعطيات الاجتماعية والتاريخية في كل من البلدية في مجال تحديد السياسات المتبعة في كل منهما وفرض توجهها.

بدأ بالتذكير بنقاط الاختلاف التي ميّزت كلا من مشروعي الدولتين اللبنانية والسورية عند انطلاقهما بعد الحرب العالمية الاولى لينتقل الى استعراض اوجه الخلاف في السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة منذ استقلال الدولتين. وقد ربط توجه هذين المسارين بمفاضلة رئيسة اعطت الاولوية في سوريا لتقوية الدولة وفي لبنان للمحافظة على الخصائص المتميزة. واعتبر ان هذين المسارين مأزومان اليوم.

ميّزت المداخلة بين شكلين من التكامل الاقتصادي: شكل يؤدي الى تأييد الاختلالات الاقتصادية والسياسية الحاصلة في كل من البلدين وشكل يسهل تصحيح هذه الاختلالات في كل منهما. لكن الانتقال من الشكل الاول الى الشكل الثاني تقف دونه عقبات جدية لا تختصر بتلبد جو العلاقات بين الدولتين بل تطاول المصالح الفئوية والطبقية في كل من المجتمعين.