انطلياس في 2009/9/1

رقم الصادر 4/32

تحية إلى وهيب أبي فاضل

من الحركة الثقافية – انطلياس

        توفي أمس الدكتور وهيب أبي فاضل بعد صراع مرير مع مرض عضال دام أشهراً عديدة.

        ويهم الحركة الثقافية – انطلياس، في هذه المناسبة الأليمة، ان تتوقف عند جملة خصال تحلَّبها الراحل الكبير:

1- العصاميّة والكفاح:في كنف عائلة فلاحية تربّى، عمل مساعداً لأهله في الأرض لمواجهة مصاعب الحياة. وكان يتحيّن الفرص لمطالعة الكتب. وظلّ مخلصاً للأرض حتى آخر حياته، يعلّم أبناءَه انّ من لا يهتمّ بأرضه ويخلص لها، لا تاريخ لوطنه ولا مستقبل.

2- ظروف التعلُّم والعمل: برغم الظروف المعيشية الصعبة زاوج الراحل بين العمل والتعلّم، الى ان تمكّن من نيل الشهادة الجامعية في الأكاديمية اللبنانية حيث تخرّج على يد نخبة مرموقة من الأساتذة الكبار. وبرغم تقدّمه في العمر تابع أطروحة الدكتوراه عن "تاريخ تعليم التاريخ" في الكسليك بعد ان نال ديبلوم دراسات عليا من جامعة السوربون.

3- التعليم المستمر في المدرسة والجامعة: على امتداد 51 سنة ثابر على التعليم في المدارس الرسمية والخاصة. كما درّس في الجامعة اللبنانية وفي بعض الجامعات الخاصة. وكان في مسيرته التعليمية نموذج الأستاذ الغزير في عطائه، المثابر في عمله، والمحب لطلابه. ولا عجب اذا لقبه البعض بأنه "استاذ الجيل".

4- واضع المناهج الرسمية في مادة التاريخ: على امتداد نصف قرن تقريباً، كان الراحل هو رجل المهمات الصعبة، وواضع الهيكلية العامة والتفاصيل لمناهج مادة التاريخ. وطالما كان يرتاح لأدائه كل زملائه من مختلف الفئات. فروحه الوطنية، وموضوعيّته، وسِعة اطّلاعه، وتمكّنه من المراجع الأجنبية كانت تفرض احترام عمله وخبرته على جميع الزملاء.

5- رئيس لجنة التاريخ في الامتحانات الرسمية:استمرّ الاستاذ الفاضل رئيساً للجنة التاريخ في الامتحانات الرسمية. يسهر على وضع الأسئلة ويشرف على تحضير "الباريم"، ويتابع تفاصيل التصحيح بدقّة تجمع بين احترام الزملاء وجدّية العمل. ولقد اتّصفت هذه اللجنة، في ظلّ مسؤوليته، بالثقة التامة والتقدير.

6- مؤلّف الكتب المدرسية: طالما كان يعتزّ بانّه اوّل من وضع السلاسل المدرسية، في مادة التاريخ، مع بعض الأساتذة الاكفياء، وذلك للمراحل الابتدائية والتكميلية والثانوية. وكانت المراجع والمصادر التي توفّرها مكتبته الخاصة هي المورد العذب للمساعدين، وهي التي توفّر الوسائل المساعدة لصور ونصوص وإخراج هذه السلاسل (ألف اكثر من 20 كتاباً).

7- التأليف المستمر: لم يشغله التعليم وتأليف الكتب المدرسية، عن إصدار الأبحاث والمقالات وتأليف الكتب المتخصصة ووضع الموسوعات المرجعية. وما ساعده في هذا المجال توفّر مكتبة غنيّة عنده قلّما توفّر مثلها الاّ للقلائل من الباحثين. ومن الصّفات اللافتة في شخصيّته دأبه المستمر على متابعة آخر الإصدارات باللغة الفرنسية ومتابعة كل جديد باللغة العربية.

8- المساعدة لكل طالب علم: ما قصده طالب علم او باحث لبناني او اجنبي إلاّ وقدّم له كل المساعدة. من صفاته الحوار الهادئ وتوقّد الذهن وحضور الثقافة ومحبة الآخر والروح الوطنية المتعالية على كل عصبيّة.

9- اتقان فنّ الصداقة:لقد حمل راحلنا من جيل الكبار الذين رسّخوا مداميك الثقافة اللبنانية روح المودّة والاحترام لكل الأصدقاء. لقد كان وفيّاً وحاضراً دائماً لكل خدمة ومساعدة. وكان يحرص دائماً على متابعة أوضاع زملائه وطلاّبه. ولم تؤثّر فيه أجواء العنف التي عصفت بمجتمعنا فاستمرّ مثابراً على نهجه في إعلاء روح المواطنية وبثّ محبّة الوطن وترسيخ سبل الصداقة والتفاعل بين كل اللبنانيين.

10- تربية عائلة فاضلة: لقد حرص على توفير كل الشروط الملائمة لابنائه كي يتمكّنوا من اعلى درجات الاختصاص في مختلف الحقول. وقد ساعده في ذلك زوجة فاضلة وفّرت لزوجها ولأبنائها الخدمة والراحة.

        توفي وهيب ابي فاضل واستراح من عذاب المرض، لكن ذكراه باقية في ضمير كل طالب يفتح كتب التاريخ المدرسي ليحبّ مآثر الأجداد او ليتّعظ من عِبَر اخطائهم او ليكتنز خبرة وثقافة من منجزات التاريخ العربي والعالمي. وذكراه باقية في مؤلّفاته العزيزة، وفي محبّيه واصدقائه، وفي انجازاته لترسيخ المعرفة التاريخية في مجتمعنا.

        انّ الحركة الثقافية – انطلياس، اذ تتقدم من عائلته الكريمة باعمق مشاعر التعزية، تذكّر بانها سبق لها ان كرّمت الراحل في يوم المعلم، ستعمل على وفي المهرجان اللبناني للكتاب في العام 2010، وبمناسبة الاحتفال ببيروت عاصمة عالمية للكتاب، ان تفي كبيرا خدم الكتاب بعضاً من حقّه على الوطن وتاريخه وتراثه.

الحركة الثقافية – انطلياس

2009/8/31