انطلياس في 2014/2/19

رقم الصادر 23/36

تحية إلى انسي الحاج

 

        كلما اغتصب منا الموت جبلاً شعرنا ان جبالنا هي نحن. تحنو ويبتلعها الأزل ليخلدها في مساكن الروح حيث لا وجع ولا فرح ولا كآبة ولا حزن ولا ألم ولا قلق ولا يأس ولا أمل ولا سعادة، حيث العراء الكلي في حرية الألف والياء.

        واليوم ننعي لأهل الشعر والأدب والإعلام كبيراً أسقطه الموت غير ان سقوطه سيبقى سراجاً في قلوب وعقول عارفيه وللأجيال الآتية حيث النور المنتظر.

        انسي الحاج نفذ الى الآفاق الأعم وسيعرف اهل لبنان والمحيط العربي ان مرافقته كانت لأَغنى وأَلمع حقبة في تاريخ الوطن الحديث. من الستينات الى العشرينات هذه الحقبة لم يأتِها الحج من الخارج بل من الداخل، نظراً لموقعه في الحركة الفنية والأدبية والشعرية والصحفية. انها مرافقة شغوفة لا حيادية متطرفة ولا تسجيلية، حتى اذا هي صورت الحدث او عكسته فليس ليكون تصويراً تقريرياً بل عبره يعيد خلقها من خلالها مصفاته المشخصنة.

        يلتمس المتعمق في قراءة انسي ان ثمة تياراً تفاؤلياً محْرَكه الأساسي تفاؤل يرفض الاستسلام، بل هو ايمان حتى في حالة الكفر. ايمان باجتياز الضعف والمآزق والمآسي والفواجع. حتى عندما كان يصاب بنوبة قرف كان لا يلبس ان يعود الى التمالك وتعود كلماته مغسولة ببريق الامل وروح التجدد. ففي مجلة شعر حرّك الحماسة النثرية وشعرنها من خلال تجربة ذاتية وجودة مفتوحة الامداء على الرؤيا. وهذا ما كان يحميه من النزعة التشاؤمية التي كانت احياناً تفور في قلبه اذ كان يحسن الجمع بين الفن والكلية والخلق.

        حين كان يكتب شعراً يصرخ وحين كان يكتب نثراً يتوجع غضباً وبراءَة وتمرداً. انها صورة الزمن الذي نحن فيه. سنشتاق الى مرآة ثورته في الثبات والتجدد والصورة المنبعثة والحلم. كانت مقالاته في ملحق النهار دليلاً لجيلنا في بناء الغد الافضل وحملنا تلك المقالات في شوارع بيروت وفي الجامعة وفي المدرسة ابان تظاهراتنا الكبرى دفاعاً عن ديمقراطية التعليم وعن استقلال الوطن وعن العدالة فيه.

        حاولت حركتنا مرات عدة ان تكرمه كعلم ثقافة في المهرجان اللبناني للكتاب فلم تنجح.

ولئن استطاع الموت من الجسد فالروح ابقى وروح انسي الحاج ستحمي الحركة الثقافية في انطلياس وتحفزها لتبقى رسولة الينابيع رائدة ومثالاً.

        انسي لك محبتنا

                                                                الحركة الثقافية – انطلياس