ندوة (حماية المياه الجوفية)

قدم د. عصام خليفة للباحث الأستاذ جان ابي رزق مؤكداً على أهمية المياه في حضارات وحياة الشعوب. ولفت نظر الطلاب الى أهمية الحفاظ على هذه الثروة من خلال الحفاظ على نظافتها والاقتصاد في استعمالها. وربط بين الأخطار التي تعرض ويتعرض لها لبنان الدولة والاقتصاد وبين ثروته المائية التي يتقاعس السياسيون عن استغلالها كما يجب.

ثم عرض الباحث بالصوت والصورة موضوع "حماية المياه الجوفية"

فبدأ تعريف المياه الجوفية وأهميتها اذ تشكل اغلب مصادر مياه الشرب في لبنان. كما عرضنا مصادر هذه المياه حيث تأتي من مياه الأمطار وما يتسرب منها الى جوف الأرض بعد عملية التبخّر المصدر الأهم هو ذوبان الثلوج في اعالي الجبال حيث يتغلغل اغلبها الى اعماق جوف الأرض فتشكل المخزون الأكبر الذي يغذّي الينابيع.

تتم حماية المياه الجوفية ومصادرها بعدّة مراحل اولها: تحديد مصادر مياه النبع أي تحديد منطقة تغذية هذا النبع من خلال دراسات جيولوجية وهيدروجيولوجية ومن خلال اثبات هذه الدراسات على شكل تجارب تلوين ورصد هذه الألوان عند وصولها الى النبع بحيث يثبت من خلال هذه التجارب اتصال الاحواض الجوفية وسرعة انتقال المياه في جوف الأرض.

المرحلة الثانية وضع خريطة حساسية المياه الجوفية تحدد فيها المناطق الأكثر حساسية على التلوث والمرحلة الثالثة تحديد مناطق حماية مصنفة بحسب مخاطر التلوث وحساسية الأرض بحيث تحدد النشاطات المسموحة في كل من هذه المناطق.

وتم عرض اهم الملوثات التي تهدد المياه الجوفية في لبنان وتلوثها. منها مياه الصرف الصحي، الكسارات والمرامل، محطات المحروقات وسؤ ادارتها، النفايات المنزلية والصناعية والردميات والنشاطات الزراعية الغير مدروسة وغيرهما من الملوثات.

وقد تم اجراء قرعة بين طلاب المدرسة الحديثة (الفنار) الذين حضروا الندوة. وقد ربح كل من الطلاب التالية اسماؤهم جائزة من الكتب: جورج أبي دامس – ماري سعد – جاد عيد – مليسّا طربيه.

-----------------------------------------------------------------

محاضرة تمّ عرضها ضمن نشاطات معرض الكتاب للحركة الثقافية أنطلياس بتاريخ 05-03-2013 من إعداد الأستاذ جان أبي رزق، ترأس الندوة الدكتور عصام خليفة.

المياه الجوفية هي المياه التي تخرج من باطن الأرض طبيعياً على شكل نبع أو المياه التي نستخرجها من جوف الأرض على شكل بئر. أغلب مصادر مياه الشفة في لبنان ومياه الاستعمالات المنزلية تأتي من المياه الجوفيّة، وهنا تكمن اهمية هذه المياه وضرورة حمايتها من أي تلوّث لما يؤدي ذلك من أضرار صحية واقتصادية على أغلب سكان لبنان.

هذه المياه المخزّنة في باطن الأرض تتجدّد في بلادنا من خلال تسرّب بعض مياه الأمطار وذوبان الثلوج الى جوف الأرض، حيث تتنقّل في المجاري الجوفية بحسب الشروط الجيولوجية وتتوجّه نحو أحد الينابيع حيث تخرج الى سطح الأرض.

تبدأ عملية حماية مياه نبع معيّن أولاً بتحديد منطقة تغذية هذا النبع أو ما يسمّى بالحوض الصباب الجوفي لهذا النبع، أي ببساطة مصادر مياه هذا النبع من خلال وضع خريطة تحدّد هذه المصادر.

توضع هذه الخريطة بناءً على معطيات وتفاصيل جيولوجية أولاً تحدّد فيها الطبقات الحاملة للمياه والطبقات العازلة، كما تحدّد الالتواءات والفوالق التي تشكّل حاجزاً للمياه الجوفية فتحدّد مسارها، وتحدّد أيضاً انحناء أو ميلان الطبقات الجيولوجية التي توجّه جريان المياه في جوف الأرض.

يخرج العلماء الهيدروجيولوجيون بعد جمع المعلومات المذكورة سابقاً بفرضيات لرسم حدود الحوض الجوفي للنبع، لكنّ بعض هذه الفرضيات تحتاج الى تجارب لإثباتها، وذلك عن طريق حقن فتحات في الأرض بمواد ملوّنة طبيعيّة وضخ كميات كافية من المياه فوق هذه المواد، وتجهيز النبع والاماكن الأخرى حيث من الممكن وصول هذه الملونات بمعدات لرصدها، وفي حال وصولها الى أماكن او ينابيع غير النبع المقصود، موضوع الدراسة، أو عدم رصد الألوان في اي من الاماكن المراقبة، تكون النتيجة سلبية، وتكون المنطقة الخاضعة لهذه التجربة خارجة عن منطقة التغذية للحوض الجوفي موضوع الدراسة. وفي حال رصد الالوان في النبع موضوع الدراسة تكون منطقة التجربة من ضمن حوض تغذية النبع.

تمكننا هذه التجارب بالإضافة الى تأكيد الإتصال الهيدروجيولوجي من تحديد سرعة جريان المياه الجوفي بين نقطة التجربة والنبع ونسبة مساهمة هذه المنطقة في مياه النبع.

يبرز أيضاً عامل إضافي مرتبط بالجيولوجيا والهيدروجيولوجيا الا وهو عامل الكرستة، فأكثر من 70% من صخور لبنان هي صخور كلسية كارستيّة أظهرت فيها عوامل الطبيعة ظواهر كرستة متقدّمة جدّاً. فمن بين الطبقات الجيولوجية الموجودة والظاهرة في الاراضي اللبنانية نعرف الطبقات الكارستية التالية:

-         J4الجوراسي المتوسط  تصل سماكة الطبقة الى أكثر من 1000 م

-         J6أيضاً جوراسي، تبلغ سماكتها 50 م

-         C2aكريتاسي تبلغ سماكتها 50 م

-         C2bالمعروفة أيضاً بحائط بلانش، هو جرف صخري مميز تصل سماكة هذه الطبقة الى 50 م تقريباً

-         C4أيضاً كريتاسي شديد الكرستة خاصةً على قمم الجبال، تبلغ سماكة هذه الطبقة حوالي 500 م

تشكّل هذه الطبقات الكلسية الكارستيّة أهمّ الطبقات الحاملة للمياه، وأهمّها طبقتا J4و C4التان تؤمّنان المخزون الجوفي من المياه لأبرز ينابيع لبنان وأغزرها.

تكمن اهمّية الطبقات الكارستية بانها تحتوي على الكثير من الفجوات والممرات الجوفيّة حيث تتنقّل وتتخزّن المياه، من هنا نسميها الطبقات الحاملة للمياه. ومن جهة أخرى تظهر على السطح بأشكال كارستيّة سطحية، مثال الهوّات والجُوَر والشقوق الكبيرة والشخاريب والمغاوِر والكثير غيرها من الأشكال، الظاهرة أو حتى الغير ظاهرة مباشرةً على السطح، التي تشكّل الفتحات التي تساهم بتسرُّب المياه السطحية من أمطار أو ذوبان ثلوج أو أي جريان سطحي الى باطن الأرض لتشكِّل المياه الجوفية.

بناءً على ذلك اعتبرنا ان عامل الكرستة يشكّل نقطة حساسية للمياه الجوفيّة تجاه مصادر التلوث، فتلك الفتحات التي يؤمّنها الكارست تصبح اسرع طريق للتلوث في حال قام الانسان بنشاطات ملوّثة في نطاق حوضها.

بعد جمع كلّ هذه المعطيات والمعلومات يقوم الخبراء بوضع خارطة حساسية للمياه الجوفية لمياه النبع (موضوع الدراسة) على التلوّث. تعتمد هذه الخريطة على معايير محدّدة مثل نسبة التسرّب، طبقة التربة السطحية الحامية، الطبقات العازلة، نسبة انحدار السطح والطوبوغرافيا، سرعة جريان المياه الجوفية وغيرها من المعطيات التي بعد عملية حسابية مجالية تحدّد نسبة الحساسية أو الخطر من النشاطات الملوثة.

بعد خريطة الحساسيّة يعمد الخبراء بالتعاون مع السلطات المحلّية الى وضع خريطة مناطق حماية المياه الجوفيّة وتكون عادةً مقسّمة الى ثلاث مناطق مختلفة.

-         المنطقة الأولى على مخرج النبع بدائرة قطرها 15 م تسيّج ويمنع دخول أيٍ كان اليها عدى الموظفين المولجين العمل هناك.

-         المنطقة الثانية تحدّد بحسب سرعة انتقال الملوثات الى النبع، بحدود 50 يوم (رقم معتمد عالمياً لكنّه غير قابل للتطبيق في لبنان وفي المناطق الكارستيّة حيث تنتهي منطقة تغذية النبع فبل بلوغ 20 يوم على الاكثر) لذلك تعتمد في المناطق الكارستية مسافات أقرب الى النبع حيث الكارست المفتوح. في هذه المنطقة تتم معالجة كل مصادر التلوث وتوضع شروط صارمة على المنشئات والاستثمارات الموجودة لتكون غير مسبّبة لاي تلوّث ويمنع انشاء صناعات او استثمارات ملوثة جديدة.

-         المنطقة الثالثة تكون كل ما تبقّى من مساحة الحوض المغذي للنبع. تسمح في هذه المنطقة كل النشاطات البشرية شرط ان تحترم مبدأ حماية البيئة والمياه الجوفية

عند تطبيق هذه الخريطة على ارض الواقع تسيّج المنطقة الاولى وتقفل كما توضع لافتات معدنية ثابتة على كافة الطرقات على حدود المنطقة الثانية تنذر بذلك وتشير الى النشاطات الممنوعة والى التصرّفات الفضلى التي يجب اتِّباعها.

تجدر الاشارة بان المياه الجوفيّة في لبنان تعاني من مصادر تلوّث عديدة يجب معالجتها بشكل جذري أهمها: مياه الصرف الصحّي المنزلية والصناعية (غياب الشبكات ومحطات التكرير في أغلب المناطق)، تسرّب المشتقات النفطية من محطات الوقود ومشاغل السيارات وآليات الحفر في الورش والمقالع، نفايات مزارع الدواجن والحيوانات، اساليب التخلّص من النفايات والردميات، المقالع والكسارات ومعامل الأحجار، الاستعمال الزائد للمبيدات الزراعيّة والأسمدة الكيماوية، وغيرها من الملوثات.

خلُص هذا اللقاء بعد المناقشة مع الطلاب وباقي الحضور الأعزاء الى التوصية بالحلول الضرورية كخطوة اولى في طريق حماية المياه الجوفية في لبنان لما تشكله من ثروة حيوية واقتصادية للوطن، من خلال تعميم انشاء شبكات الصرف الصحي ومحطات تكريرها، ومراقبة المصانع وإلزامها بتكرير ميه الصرف الصحي لديها قبل ادخالها الى الشبكة العامة، متابعة ومراقبة محطات الوقود وكلّ من يتعامل مع المشتقات النفطية لمنع التسرّب الى جوف الأرض، مراقبة المزارع وتغيير اساليب التخلّص من ما يصدر عنها من نفايات أقلّه من خلال تخميرها (composting)، تحسين إدارة النفايات ومراقبة مكبات الردميات والتوجّه الى اعادة تدوير هذه المواد، مراقبة وتنظيم عمل المقالع والكسارات ومتابعة ما يتم اكتشافه من مغاور وفجوات خلال عملها، تغيير عادات المزارعين وتدريبهم على استعمال مقادير كافية وغير مضرّة بالصحة والبيئة.

أهمّ ما خلصت اليه النقاشات كان بتغيير عاداتنا الفرديّة وزيادة حسّ المسؤولية لدى المواطن الفرد لتحويل تصرفاته الى صديقة للبيئة وصديقة للمياه الجوفيّة.