أقامت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس"ندوة لمناقشة كتاب المرحوم الدكتور سليم نصرالذي يحمل عنوان: "سوسيولوجيا  الحرب في لبنان – أطراف الصراع الاجتماعي" الصّادر، بعد الوفاة، عن "دار النهار للنشر"،والّذي يتناول الحرب اللبنانية من زاوية التّمدّن اللبناني. شارك فيها معالي الدكتور شربل نحّاس والدكتور كمال حمدان، وأدارها السيِّد طلال الحسيني.

رحّب السيد طلال الحسيني بالمشاركين في الندوة ورأى أنّ كتاب "سوسيولوجيا  الحرب في لبنان – أطراف الصراع الاجتماعي" يسعى إلى فهم الحرب على ضوء التّمدّن اللبناني، علمًا بأنّها تضمّ أبعادًا غير لبنانية، كالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والعوامل العربية والدولية. وتطرّق إلى الفصل الثالث عشر الذي يعمد فيه الكاتب إلى تحليل الحرب في لبنان باعتبارها نظامًا ذا استقرار عوضًا عن حالة زائلة بموجب قرار.

وتُرك المنبرلمعالي الدكتور شربل نحّاس الذياستهلّ كلمته رابطًا عنوان الكتاب بالحرب بعد مرور خمس سنوات على وفاة الكاتب الدكتور سليم نصر. وتناول الكتابَ من ثلاثة أبعاد هي الكتاب والشخص والزمن، مشدّدًا على أنّ نظام الحرب الذي وصفه الكاتب في مجموعة من مقالاته، لا يزال قائمًا، على الرّغم من المساعي الرامية إلى تغطيته وحجبه بقوانين العفو، ذلك أنّ هذا النظام لا يزال متحكمًا بأوضاع المجتمع اللبناني وأحواله. ورأى الدّكتور نحّاس أنّه لا بدّ من قراءة الكتاب على مستويين، إذ تصف المقالات المجموعة مواقف الكاتب من الأحداث وتطوّرها بتطوّر الأوضاع الاجتماعية المختلفة. يُلحظ في هذا السياق تدرُّجٌ من مقاربة وصفيّة أتت لتخبر مجتمع السبعينات عن نفسه، ولا سيّما أنّه شهد تغيّرات سريعة ناجمة عن النزوح من الريف وتطوير التعليم وظهور نخب جديدة تسعى إلى تعديل الشّأنين العام والخاص، في ظلّ إمعان النظام القائم آنذاك بإنكار تلك التحولات. إذًا، المرحلة الأولى من الكتاب توصيفيّة سرعان ما تصبح ديناميكية عندما يحاول الكاتب نقل مسار الارتقاء الطبقي، لينتقل بعدئذ إلى مواجهة العنف، وصولاً في المحطة الرابعة إلى توصيف الحرب بأنها نظام قائم بذاته وقابل للاستمرار والتجدد.  وتحدث الدّكتور نحّاس عن العلاقة التي جمعته بالكاتب الراحل، وتولّيهما عدّة أعمال مشتركة كان آخرها في العام 2007 حين عملا على تحديد إطار فكري لمواجهة "تفتّت البلد" حيث الإطار السياسي "لا يشبه النّاس"، معتبرًا أنّ "عطلاً بنّاءً" ما قد دفع سليم نصر، المتحدّر من بيئة مدينية وبرجوازية، إلى التعبير عن رفض الواقع الذي اعتُبر طبيعيًّا ومسلّمًا به، وإلى توجيه النّقد إلى النخبة التجارية التي كانت تُحكم قبضتها على لبنان حتى سبعينات القرن المنصرم. وأشاد الدكتور نحّاس بمسيرة سليم نصر الذي عبّر عن رفضه هذا من خلال "اعتماد مهنة مثقّف محترف في مجال محدّد هو علم الاجتماع"، مع الإحجام عن نقل جهده إلى الحيّز السياسي. وقال الدكتور نحّاس في هذا الصدد إنّ سليم نصر انتقد الصورة المتوهَّمة عن الواقع، وهو عمل نقدي في صلب عمل المثقّف. وختم كلمته بالتطرّق إلى نظام الحرب الذي ما زال أبطاله هم نفسهم اليوم، بعد أن أقاموا ترتيبات تسمح بالاستعاضة عن الدولة واستقطاعها وإلغاء أيّ فرق ما بين الحيّز العام والخاص، واعتماد لعبة الانتقادات المتبادلة، "فانهار البنيان وتأصّلت الهزيمة في المجتمع"، فساد "القرف واليأس" انطلاقًا من فكرة مغلوطة مفادها أنّ نظام الحرب القائم هذا هو نظام قوي، وهو ما دحضه الدكتور نحّاس مشدّدًا أنّه نظام "فاشل بالكامل"، بيد أنّه مستمرّ لأنّ اللبنانيين على قناعة بأنّ "البديل عن هذا الوضع السيء هو الخراب المطلق".

تحدّث الأستاذ كمال حمدان عن الكتاب انطلاقًا ممّا ركّز عليه الدكتور سليم نصر في كتابه، أي حقبة السبعينات، وأقام نوعًا من المقارنة بين لبنان ما قبل الحرب الأهلية ولبنان ما بعد الحرب، إذ أصبح الشق المقيم في لبنان بعد الحرب يرتكز على الشق غير المقيم، الأمر الذي أضعف مقوّمات الإنتاج المحلي في البلد، إذ أمسى لبنان "أقلّ إنتاجًا ممّا كان عليه قبل العام 1974، وإن كان أصبح "أكثر تورّمًا من الناحية المادية". وعلى امتداد تلك الفترة، تعاظم اتّكال الناس على السياسات ذات الطابع الريعي وعلى الخدمات الآتية من مؤسّسات الطوائف على حساب الخدمات العامّة. وتساءل الدكتور حمدان عمّا إذا كانت الحرب الأهلية اللبنانية قد انتهت فعلاً، مشدّدًا على أنّ ثمّة عناصر كثيرة تظهر أنّها لا تزال مستمرّة، واصفًا النّظام القائم اليوم بالهجين. وفي هذا الصّدد، قال، تطرّقَ الدكتور نصر في كتابه إلى المسألة الطائفية، معتبرًا أنّ الطائفية أداة يتحكّم من خلالها القويُّ بالضعيف. بالإضافة إلى ذلك، ذكر حمدان أنّ لبنان يشهد اليوم أوجه هدر فائقة، إذ إنّ كلفة الطبقة السياسية "أكبر بما لا يُقاس مما كانت عليه في السبعينات". وبموازاة هذا الإنفاق العام، تضاعفت الضرائب على عاتق الطبقة الوسطى والفقراء، ناهيك عن أنّ الخلل البنيوي في لبنان يزيد اليوم عن سبعينات القرن المنصرم.

وفي الختام كانت مداخلات من الدكاترة أحمد بعلبكي وألبر داغر وأنطوان سيف ومرلين نصر وعصام خليفة وبطرس لبكي.