عبد الرؤوف سنو: "لبنان الطوائف في دولة ما بعد الطائف إشكاليات التعايش والسيادة وأدوار الخارج"

 

الياس القطّار

عبد الرؤوف سنّو، أستاذ  جامعي وعالم  مميز اتصف بالصدق في البحث كما في الحياة وبالفطنة وحسن التدبير في إنتاجه التاريخي، أكاديمي يحسن تقميش المعلومات وأخضاعها للنقد وتحرّي مدى عدالتها وضبطها. يحرر معلوماته في أسلوب واضح مشبع بالمعاني دقيق المصطلحات منضبط المنهجية يؤدي المعنى بسهولة.

أتحف الدكتور سنّو التراث التأريخي بأعمال أكاديميةً راقية محورها:

1-    الإسلام والمسيحية

2-    لبنان الحديث والمعاصر

3-    العرب وقضية فلسطين

4-    الدولة العثمانية والعرب

5-    ألمانيا وروسيا وبريطانيا والدولة العثمانية

 

في محاور الابحاث هذه يقدّم عبد الرؤوف سنو قراءة جديدة للمواضيع التي دارت عليها أبحاثه على ضوء الوثائق.

الصديق الأستاذ الدكتور عبد الرؤوف سنّو باحث عقلاني، مخلص في وطنيته، ناقد جريء لما لا يلامس قناعاته متجاوز لتخلف بعض تراثه الديني. إنّه ظاهرة منيرة في شرق مصرّ على التلذذ بالروح القدرية وبقيود التراث الغيبي وبالتكفير والأصولية.

إضافة إلى عشرات المقالات باللغة العربية وبالالمانية والانكليزية والكتيبات الصغيرة والمؤلفات المدرسية الكتاب موضوع ندوة هذه الليلية هو المؤلف رقم خمسة في جعبة الدكتور عبد الرؤوف بعد:

1- المصالح الألمانية في سوريا وفلسطين 1841-1901، معهد الإنماء العربي، بيروت 1987.

2- النزعات الكيانية الإسلامية في الدولة العثمانية 1877- 1881( بلاد الشام، الحجاز، كردستان، ألبانيا)، دار بيسان للنشر، بيروت 1998.

3- ألمانيا والإسلام في القرنين التاسع عشر والعشرين، دار الفرات للنشر 2007.

4- حرب لبنان: تفكك الدولة وتصدع المجتمع، مجلد 1: مفارقات السياسة والنزاعات المسلحة والتسوية: مجلد 2: التحولات في البنى الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت 2008.

"لبنان الطوائف في دولة ما بعد الطائف إشكاليات التعايش والسيادة وأدوار الخارج، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت2014" هو تكملة لرصد مجريات الاحداث في لبنان منذ حرب 1975 . وكما يعبر عن ذلك عنوان الكتاب، إنّه رصد لثلاث اشكاليات تتآكل لبنان هي: التعايش بين الطوائف، مدى سيادة لبنان وأدوار الخارج الاقليمي والدولي في ظلّ صراعات الزعمات اللبنانية على جبنة السلطة والاستراتيجية الدفاعية والسلاح والتعايش الظاهر والعصبية الطائفية والدينية الباطنية وربط لبنان بمحاور اقليمية واحيانا أو أكثر تبعية اقليمية قاتلة للحرية.

لبنان الطائفي أو لبنان العلماني المدني خياران، ما فتىء اللبنانيون يسعون فيه للخيار الأول ويكذبون فيه في الخيار الثاني.

عندما تستقيم في لبنان وفي العالم العربي النهضة والاصلاح العقلاني وتشرق الحرية بنورها وتتلاشى الأصولية الدينية وتنتحر الحركات التكفيرية وتشرق روح "الأنسنة" بكلّ مضامينها سيتجلى النظام العلماني أو المدني ناصعاً كالثلج حاملاً الشرق العربي إلى رحاب الحضارة المنتجة والمتجددة.

--------------------------------------------------------------

لبنان الطوائف في دولة ما بعد الطائف

إشكاليات التعايش والسيادة وأدوار الخارج

د. عبد الرؤوف سنّو

دكتورة دعد بو ملهب عطالله  (أنطلياس، ١١ آذار ٢٠١٤)   

   فصول أربعة متقاطعة متكاملة تحكي وتفسّر وتضبط فتجعلك أنت القارئالباحث عن المعرفة تستزيد علماً وفهماً لمجريات ما يدور حولك. الأحداث والتطورات بجذورها وتفاعلاتها مع المستجدّات في الحاضر والمستقبل تأخذك إلى مضامين المواقف والتحدّيات.

على مدى خمسمئة وخمسين صفحة تقريباً يتابع كتاب "لبنان الطوائف في دولة ما بعد الطائف : إشكاليات التعايش والسيادة وأدوار الخارج"، للدكتور الزميل الصديق عبد الرؤوف سنّو، مسيرةً وقضايا يمتدّ بعضها قروناً، وبعضها عقوداً، وبعضها الآخر سنوات وهي تلك التي قصدها الكتاب همّاً أولَ. على هذا المدى من الكمّ الوفير من المعلومات انطلق المسار من الطائفة والطوائف ليحطّ عند الدولة المهدَّدة في أركانها. غطى الكتاب بالتفصيل الحقبة الممتدّة ما بين سنة ١٩٨٩ وسنة ٢٠٠٩.

يقولون ليس محبّذاً الكلام عن الطائفية، ولكن هل بإمكان اللبناني، أو المتعاطي مع الشأن اللبناني وصولاً إلى الباحث في هذا الباب، حقاً ألّا يتكلم عن الطائفية عندما يتعلّق الأمر بلبنان؟ وأكثر، لنكن واقعيين، أليست الطائفية بأبعادها المختلفة من دينية وإيديولوجية أو حتى عرقية أو إقليمية هي في أساس التعاطي ما بين الجماعات؟ وهل ما زال، في أيامنا، مجتمع أحادي الطائفة يُجمع أبناؤه على رأي واحد؟ بالطبع لا. كل بلدان وشعوبِ كونِنا يقومون طوائف ويتنافسون طوائف ويتقاتلون طوائف، لكن للطوائف والطائفية في لبنان للأسف طعم مرّ علقم خاص يزعج ويؤرق ويقتل.

عمد د. سنّو مشكوراً إلى تفنيد الظاهرة الطائفية وإرهاصاتها بالعودة إلى "جبل لبنان" و"لبنان الكبير" وبعده إلى لبنان المستقل وميثاقه الذي حُبِك كما يقول على "تسوية تقوم على اعتبار الطوائف الركن الأساسي للدولة والسلطة والنظام السياسي". إنه الميثاق الذي يصفه على أنه "لا وطني" اي الميثاق "الطائفي" المبني على "الطائفية المجتمعية". هذه الطائفية المجتمعية يفسّرها سنّو على أنها ثقافة "رفض الآخر".

 

طالما لا نناقش علماً بل نستزيد معرفة، إسمحوا لي أن أقرأ على مسامعكم بعضاً مما حفظته أو توقّفت عنده من مضمون الكتاب، على طريقتي طبعاَ، فقط لأبرز عدداً من النقاط والتحليلات التي لفتتني بشكل خاص. هذا لا يعني البتّة أن هذه القراءة المجتزأة تفي الكتاب حقّه، لكن لا حول ولا، إنما  لا أريد أن أثقل عليكم بجعلكم مضطرين لمتابعة مئات الصفحات التي اعتَمدت أقصى درجات التقميش لمئات المراجع والملفات والمقالات كما التدقيق والمقارنة والتحليل وصولاً إلى الصياغة الفضلى للاستنتاج. أشير بداية إلى أن هذه المطالعة تعتمد بشكل خاص على مقطتفات قصيرة اقتبستها من صفحات الكتاب نفسه من أقوالِ وآراء واستنتاجات صاحبه.

 

توقّف الباحث في الفصل الأول، وهو الأطول بعدد صفحاته، عند المفاهيم والمصطلحات والتذكير بالمطبّات التي وقع اللبنانيون فيها في الفترة المعاصرة من تاريخهم. فتوقف في البدايات عند قصة رئاسة الجمهورية وترشّح الشيخ محمد الجسر الطرابلسي ذي "التفكير الوطني اللبناني" كما أشار إلى موقف البطريرك الماروني في حينه ومسألة "القومية المارونية" وبالمقابل موقف المسلمين "لمصلحة سورية".

أما في تحديد المسؤوليات التاريخية، فيقول د. سنّو "لم يعمل المسيحيون على تحويل لبنان إلى وطن ودولة حديثة لهم وللمسلمين...من هنا يصحّ القول إن التجربة الميثاقية حملت عوامل تدميرها". وهو يفسّر التباعد بين اللبنانيين، منذ الانتداب والاستقلال، بكون "مخططات مورنة لبنان تستفذّ المسلمين فينشدّون إلى عروبتهم...". وأما الحرب التي حلّت، في سبعينات القرن العشرين، فأتت بمثابة "رصاصة الرحمة على الميثاق الطائفي". عندها وخوفاً من تحوّل المسيحيين إلى "أهل ذمّة" كانت مطالبة القوى المسيحية بإلغاء الطائفية السياسية وعلمنة الدولة. لم تكن العلمانية مطلبأً مسموعاً إسلامياً خاصة في مقابل أصولية إسلامية (بالأخص مع حزب الله وحركة التوحيد بحسب سنّو) تسعى إلى إقامة "دولة إسلامية". وانتهى الأمر إلى "وثيقة الوفاق الوطني" في الطائف مع العلم بأنها "مجرّد تسوية لا تبني وطناً".

وينهي سنّو الفصل الأول من كتابه بأن "الحلّ هو في الدولة المدنية الديمقراطية العادلة" "دولة وطنية لجميع أبنائها". وهو يفسّر هذا الخيار على أنه يطمئن الجميع : مسيحيين ومسلمين سنّة وشيعة علماً أن "إلغاء النظام الطائفي السياسي قد لا يؤدي إلى حلّ المعضلة الطائفية ما دامت البنية الاجتماعية طائفية بامتياز".

أما الفصل الثاني الذي خصّصه د. سنّو ل"تحليل الوجود السوري في لبنان" فاعتبر سنة ٢٠٠٠ مفصلية على صعيد الموقف السنّي (انطلاقاً من موقف رفيق الحريري) مما اصبح يسمّيه "الاحتلال السوري". لقد بدأ تحليله للاحتلال السوري للبنان مما أسماه "الاستفراد" بعد الطائف حيث "إمساك سورية بمؤسسات لبنان وبطوائفه" وحيث مارس المحتلّ "ترهيب اللبنانيين" و"اختراق المؤسسات والسيادة". وكان "تشريع  الاحتلال السوري للبنان" بحيث إن "الصوت الإسلامي يوجَّه إلى صندوق الاقتراع وفق أهواء سورية وأتباعها اللبنانيين"، وقد "تلاشت -عملياً- المناصفة بين المسلمين والمسيحيين التي تحدّث عنها اتفاق الطائف" مع "وصول نواب مسيحيين ... لا علاقة لهم ببيئتهم المسيحيية الناخبة ولا بتطلّعاتها".

يتوقف التحليل خصوصاً عند المفارقة المحورية أي أن الاستقلال والسيادة كانا مجرّد "قضية مسيحية" عندما كان المسلمون، سنّةً وشيعةً ودروزاً،  يدافعون في سنة ٢٠٠٠ عن الوجود السوري ويعلنون تمسكّهم به ردّاً على نداء "مجلس المطارنة الموارنة" الشهير. وكان السوريون يريدون إظهار "لبنان منقسم بين مسلم عروبي ومسيحي غير عروبي". في هذا الجو بالذات "أدرك رفيق الحريري وإن متأخراً أن الوجود السوري كان كارثياً على لبنان" وبذلك كان "بدء تحوّله تدريجياً إلى جانب قوى قرنة شهوان" لكنه "لم يجرؤ على القيام بأي خطوة لمكافحة الفساد". وكان اغتياله بحدّ ذاته دلالة على المواقف والحسابات المطروحة، وكانت نهاية الاحتلال المباشر للبنان.

ختم د. سنّو تشريح الجسم اللبناني من خلال "الوجود السوري" المتحوّل بالنسبة إلى المسلمين اللبنانيين، وبالأخص السنّة منهم، في أوائل القرن الحالي، إلى "احتلال". على هذه الملاحظة القائلة بوعي السنّة مع رفيق الحريري لخطورة الوضع على لبنان الكيان. فانتهى الفصل تاركاً للفصل التالي تشريح الأسباب والمخاوف على الذات التي كانت وراء هذا الوعي وإن بشكل غير مباشر.

في الفصل الثالث، عالج د. سنّو "الحرب الإسرائيلية على لبنان" مفنّداً "خلفياتها ومسبّباتها ونتائجَها وتداعياتها". وهنا دخل في خضمّ المصالح والأهواء والطموحات والحسابات الدولية والإقليمية الخاضعة عموماً وأصلاً لقواعد جيوسياسية أصبح متعارف عليها بين القوى المختلفة.

طبعاً، أتى تحليل الوضع اللبناني المستجدّ بعد اغتيال الحريري وافياً لجهة عرض وتقويم الحدث وما أعقبه على الساحة اللبنانية من تطوراتٍ وبخاصة "ثورة الأرز" ومفاعيلها المحلية وبالدرجة الأولى قيام تحالف ١٤ آذار وهو "عبارة عن تحالف سنّي- درزي- ماروني". وهو توقف هنا أيضاً عند الانسحاب العسكري السوري من لبنان ومبرراته الدولية.

ومن جهة أخرى، عالج د. سنّو برويّة مسألة التفاعل الدولية والإقليمية المحيطة بالتطورات على الساحة اللبنانية. بين أميركا وإسرائيل وإيران وسوريا، ومع "الشرق الأوسط الكبير" والحسابات الكبرى كما الصغرى، كانت حرب ٢٠٠٦ وبعدها أيار ٢٠٠٨. "إيران وسوريا تقرران تغيير المعادلات في الشرق الأوسط انطلاقاً من لبنان"، بينما "اعتبر الأميركيون أن إيران هي أكبر تحدّ عالمي لهم".

التقارب السوري الإيراني بعد الحرب على العراق ساهم في توضيح خطوط ستراتيجية الرئيس السوري الجديد بشار الأسد فبحسب ما حدّدها د. سنّو هي "تقوم على الاستفادة من مقاومة حزب الله وحماس ضدّ إسرائيل" و"نقل المعركة إلى داخل الكيان الصهيوني". بينما "طهران كانت تدير اللعبة في الشرق الأوسط من خلال حزب الله" في حرب ٢٠٠٦.

رأى د. سنّو أن تلك الحرب في النهاية "كانت تقتضي سحق حزب الله لتبيان عجز إيران عن دعمه" بعد أن تأكد غربياً أن "الرهان على دور إيجابي لطهران في الصراع الدائر سرعان ما تبيّن أنه رهان خاسر". وكان البحث في مبرّرات وظروف ومنطلقات القرار الدولي ١٧٠١ و"حساسيّة الوضع اللبناني" ودبلوماسية واشنطن القاضية ب"إبعاد طهران عن الحلّ وقبول مشروط بدور سوري". لكن اشتراط فرط تحالف سوريا مع إيران لفكّ عزلتها الدولية لم يلقَ آذاناً صاغية في دمشق.

انتهى الفصل المركّز على حرب صيف ٢٠٠٦ وما يتعلّق بها من ظروف وتداعيات وصولاً إلى القرار الدولي الذي أدّى إلى فصل القوات الدولية ما بين إسرئيل وحزب الله في الجنوب اللبناني. ومفاد ذلك القرار بشكل خاص أنه "لم يعد سلاح الحزب لمحاربة إسرائيل، من ثمّ تحوّل إلى الداخل اللبناني".

وحلّ أخيراً الفصل الرابع من الكتاب ليبحث في أعماق المسألة اللبنانية المحورية أي في العلاقة ما بين موضوع الطوائف في لبنان وتفاعلات الساحة اللبنانية مع المحيط الإقليمي. انطلق الفصل من "مفهوم الوصاية" بمعنى أن ارتباط الأطراف اللبنانية بقوى خارجية مختلفة، لا بل متنافسة عموماً خاصة على الصعيد الإقليمي، يساهم في تدخّل هذه القوى في الشؤون الداخلية اللبنانية. هذه الظاهرة تجعل من لبنان ساحة تتفاعل فيها العناصر والعوامل المختلفة لا بل المتصارعة ما يوّلد عموماً أزمات لبنانية متكرّرة. ويأتي التوقف عند الدورين السوري والإسرائيلي في سياق ما يصفه د.سنّو ب"توافق سورية وإسرائيل حول لبنان" وبالتالي "لمدى خضوع لبنان لتأثير الجيوسياسة".

هو يفنّد بالتفصيل هنا شارحاً علاقة الأفرقاء اللبنانيين مع القوى الخارجية من إقليمية ودولية بحيث يصبح كلٌ من هؤلاء الأفرقاء امتداداً لهذا أو ذاك من الخارج ما يرتد نزاعات داخلية تريح الخارج وتؤمّن مصالحه على حساب لبنان. فسّر د. سنّو في هذا الفصل تأرجح المصلحة اللبنانية، على مدى عقود، بين محاولة الهيمنة الفلسطينية والاحتلال السوري والاجتياحات الإسرائيلية والاتفاقات مع الخارج، على غرار اتفاق أيار أو معاهدة الأخوة والتنسيق، أو اتفاقات بين أطراف لبنانيين برعاية خارجية، على غرار الاتفاق الثلاثي.

بين دمشق التي "تمسك بورقة حزب الله" ونيّة إسرائيل في "فصل المسار السوري عن اللبناني" عبر الانسحاب من الجنوب في سنة ٢٠٠٠، أصبحت مزارع شبعا بالنسبة لسورية "ورقة من أوراقها االإقليمية" بواسطة حزب الله الذي حظي بالمناسبة بتأييد "سنّة رفيق الحريري ودروز وليد جنبلاط". ولما لم تنجح الدبلوماسية الغربية، وبخاصة الأميركية، في إفهام دمشق بمدى المصالح الجيوسياسية الكبرى التي تتعدى لبنان طبعاً، كان القرار الدولي ١٥٥٩ الذي أتى في سياق الحرب على العراق "موجّهاً ضدّ سورية" التي لم تستوعب خطورته ظنّاً منها بأن "العرب والأوروبيين لن يتخلّوا عن سورية" .

وكان اغتيال رفيق الحريري، ف"بدأ النضج الوطني يتبلور في مشروع سيادي شعبي للتخلّص من الوجود السوري في لبنان"، وحصل اجتماع في دارة الحريري عقب الاغتيال وطالب المجتمعون "بوضوح للمرة الأولى بخروج الجيش السوري من لبنان" وأخذ السنّة "يرفعون الصوت عالياً دونما خوف...". والأهم أن "اغتيال الحريري أزاح الستار عن وحدة وطنية غير مسبوقة في تاريخ لبنان" و"أصبح لبنان أولاَ لدى السنّة...يتقدم على عروبتهم أو على أي شيء آخر". "ربما هي المرّة الأولى في تاريخ لبنان المعاصر التي تقف فيها كتلتان متباعدتان سياسياً في وجه بعضهما على أساس غير طائفي بل محض سياسي".

 

وبينما كان الاحتلال السوري يؤمّن مصلحة إيران وبالطبع حزب الله وبالتالي المحور الإيراني-السوري الذي اشتدّت أواصره منذ حرب العراق، أصبح على حزب الله نفسه أن يؤمّن مصلحة هذا المحور وهو قد أصبح علناً امتداداً لإرادة "الولي الفقيه" في المنطقة تحت عنوان محاربة إسرائيل و"جبهة الممانعة". فسرعان ما استقطب الحزب أحد أفرقاء ثورة الأرز المسيحيين أي العماد ميشال عون باتفاق سمح لهذا الأخير بفرض هيبته بقوة على الساحة الإسلامية بعد المسيحية وليتكرّس الانقسام الوطني غير الطائفي. لكن بالأخص، اعتبر د. سنّو زيارة عون إلى طهران، في سنة ٢٠٠٨، حدثاً يقوّي "مركز إيران ويزيد تدخلها في لبنان" خاصة في ظلّ الشائعات القائلة بأن "تيار المستقبل يريد أسلمة لبنان". وكذلك، فإن "التناقضات بين أتباع المذهبين (السنّي والشيعي) على الأرض كانت كبيرة وتتعمق" خاصة مع حدث أيار ٢٠٠٨.

وفي نهاية الفصل، كانت وقفة عند اتفاق الدوحة وأبعادِه اللبنانية والدولية حيث إنه جيوسياسياً بعد الدوحة "فقدَ المحورُ الأميركي-الفرنسي-السعودي في لبنان والمنطقة فعاليته، وأخذ التعامل مع دمشق باعتبارها مفتاح الحلّ والربط في لبنان". هكذا "كانت الانتخابات (٢٠٠٩) أولاً وأخيراً معركة سعودية-أميركية غير معلنة ضدّ سوريا وإيران حول مستقبل توجّه لبنان" في وقت "ظهر نظام الأسد...على أنه حاجة إقليمية ودولية".

كانت هذه مطالعة سريعة جداً لوضعكم في أجواء الكتاب الذي لا نقع دوماً على ما يشبهه بحثاً ودقّة وعمقاً في الفهم والاستنتاج القويم عموماً. وجب أن يكون بيننا د. سنّو ليتكفّل بالمهمة فيجرؤ بعد التحليل ويسمّي باسمائها أموراً محورية غالباً ما يُستهاب البحث الموضوعي فيها. وإن كان لي عليه عتب فهو مزدوج أي تحميل المسيحيين، وبالدرجة الأولى الموارنة دون سواهم، وزر فشل بناء الدولة أساساً من جهة واختصار المسيحيين عموماً بالموارنة من جهة ثانية. وفي هذا الصدد، أتمنى على صديقنا د. سنّو التفكير ببلورة ما يتعلق بهاتين النقطتين. وبالأخص، هل كان الشركاء الآخرون في الوطن فعلاً غائبين أو مغيّبين كلّياً عن السلطة والقرار؟ يبدو أن هذا الموضوع اقد استُغلّ بأشكال مختلفة وطويلاً على الساحة اللبنانية الداخلية.

آمل، في النهاية، ألّا يعتب علي د. سنّو بدوره كوني قد أكون مسخت كتابه بعض الشيء بمطالعتي هذه. فبلا أيِّ شكّ، يستحق الكتاب أكثر مما قدّمت عنه كمحتوى. وأما الشكل والتنظيم فلم أتعرّض لهما لسببين : طغيان المضمون العلمي والفكري، وأناقة الهندسة تصميماً وعناوين. وأخيراً، أعتذر أولاً من الصديق الباحث العالِم إذا كنت قد قصّرت بشيء في تقديم كتابه ، وثانياً أعتذر من الحضور الكريم لتحميله عناء متابعتي.

--------------------------------------------------------

الأستاذ يوسف دياب

أيها الحضور الكريم.

إنه لشرف عظيم لي أن أقف في هذا المكان .. وفي حضرة كبار من لبنان.. تميزوا بالفكر والعلم والمعرفة، وأن أتحدث عن علمٍ من أعلام لبنان عنيت به الدكتور عبد الرؤوف سنو، الذي شرفني مع القيمين على هذا المركز الكريم، بالدعوة الى المشاركة في هذه المناسبة المحببة الى قلبي .. بقدر محبتي لصاحبها. وأن أشارك في مناقشة كتاب يصلح برأيي أن يكون هو كتاب التاريخ الحديث للبنان الذي يتصارع الساسة والمسؤولون ليس على مراحله وحقباته ومحطاته، إنما حتى على مفرداته.

صدقاً لا أعرف من أين أبدأ، لكني وأنا أقلّب صفحات هذا الكتاب وأتمعن في سطوره، رادوني سؤال أجده جوهرياً أقلّه وفق منطقي وفهمي للأمور. إذا كان في لبنان رجالات على هذا القدر من العقل والفهم وتشخيص داء هذا الوطن، لماذا هم الآن بعيدون عن السلطة، لا بل مبعدون عن موقع القرار؟. هل لأن أمثالهم قادرين على فضح عيوب من يحكمنا إما بإرادتنا التي أوصلتهم الى موقع الحكم، أم بإرداة وصاية من هنا وإحتلال من هناك، كان ينصّب لنا حكامنا وفق قاعدة"لا تفكّر .. نحن بنفكّر عنك؟".

قد أكون متطفلاً وربما متطاولاً، إذا قلت أنني اليوم أقف هذا الموقف لأناقش معكم كتاب "لبنان الطوائف في دولة ما بعد الطائف" من باب النقد أو التصحيح أو التصويب، الا أني أطلب أن تعذروني، إذا قلت لكم إنني في أيام قليلة من قراءتي السريعة لهذا الكتاب، إستشرفت حقبات من عقود عايشت بعضها وقرأت بعضها الآخر، وسمعت ببعض وفير منها من قصص وروايات الآباء والأجداد، لكن في كلّ منها كان يعتصرني ألم فقدان الحلم الضائع.. حلم الوطن الذي عمل من أجله زعماء من وطني .. ضحوّا بأرواحهم من أجله.. لكن حلمهم بقي حلماً، ووطنهم لم يرق الى مشروع وطن، إنما كان ولا يزال صندوق بريد للرسائل الإقليمية والدولية .. تارة بطبعة سياسية.. وتارة أخرى بصبغة دموية.. لأنه الضحية الدائمة للعبة الأمم، والساحة المفتوحة أبداً لحروب الآخرين على أرضه كما قال المرحوم غسان تويني ذات يوم.

لقد أنعشهذا الكتاب ذاكرتي وأعادني الى سنوات خلت ظننت أن مآسيها إندثرت.. لا سيما في الحقبة السوداء من تاريخ لبنان..بدءاًالعام 1983 الذي تلا الإجتياح الإسرائيلي للبنان، حيث بدأت أشعر بالملموس تطاحن مصالح الدول الكبرى على أشلاء وطني، وصولاً الى العام 1989 الذي ظننا في نهايته نهاية للمأساة مع التوصل الى وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، التي أضحت دستور لبنان.. فكان المؤلف موفقاً في تسليط الضوء بشكل كبير على الرعاية السورية للأزمة اللبنانية، وسهرها الدائم على توسيع الشرخ بين أبناء البلد الواحد، ليس بين مسلميه ومسيحييه فحسب.. إنما بين أبناء الطائفة الواحدة .. المذهب الواحد، وحتى في مراحل كثيرة بين العائلة الواحدة على قاعدة فرّق تسد.

لا خلاف على أن قراءة الماضي والإعتبار من تجاربه، هي افضل الهدي لإستشراف المستقبل، ولعلّ إحاطة هذا الكتاب بمرحلة ربما  كانت غائبة بتفاصيلها عن كثير من اللبنانيين، حيث أمسك النظام السوري بالملف الأمني ليس فقط من باب رعاية الإقتتال بين المليشيات المتحاربة.. وتوسيع رقعة التوتر بينها..  إنما وقوفها وراء الإغتيالات التي طالت القادة اللبنانيين ... من قادة سياسيين وروحيين ومن أصحاب الفكر والرأي،فضلاً عن إمساك نظام الوصاية بملف الرهائن الأجانب، الذي سمح له بالتكافل والتضامن مع النظام الإيراني بإبتزاز الغرب .. وفرض نفسه كلاعب اساسي في المنطقة..وربما فرض بالقوة مسألة تفويضه الإمساك بالملف اللبناني.

طبعاً كلنا نتفق مع الدكتور سنّو على أن تراكمات الأخطاء السورية في لبنان... وتمادي آل الأسد في السيطرة على القرار السياسي .. ومصادرة الإرادة الشعبية اللبنانية، حتى وصل به الأمر الى إغتيال القادة السياسيين والتجرؤ على إغتيال شخصية بحجم رفيق الحريري.. أدى الى خروج الجيش السوري من لبنان. وكلنا يتفق معه أيضاً على أن ثمة قراراً عربياً ودولياً ساعد ثورة الأرز على إخراج السوري من لبنان بعد ثلاثة عقود من الإحتلال والهيمنة على كل شيء... الا أنني أسمح لنفسي أن أضيف وبحكم معايشتي القريبة ومواكبتي لهذا التحوّل المصيري في تاريخ لبنان... بأن القرار الخارجي لم يكن يوماً بهذا التأثير والحسم، لو لم يصل الى قناعة بأن الشعب البناني هو من يفرض هذه المرة خياراته وليس الحكام.

من هنا ليس من باب المغالات القول أن ثورة الأرز كانت هي الشعلة التي أطلقت شرارة الربيع العربي.. وأوقدت جذوة الثورة في قلوب الشباب العربي.. بغض النظر عن المرحلة التي حاولت إجهاض ما حققته ثورة 14 آذار أم لا. وليس أدل على ذلك من مشاهدتنا للقرار الدولي كيف تبدل عندما إشتعلت ثورة شعبية حقيقية في تونس وفي مصر وليبيا واليمن ... وفرضت على دول القرار الإستجابة لخيارات الشعوب ... وكيف أرغمت حكامها بدءاً من زين العابدين بن علي الى حسني مبارك وعلي عبدالله صالح الذين رسّخوا دعائم حكمهم بالقرار الأميركي، أن يتنحوا ويستجيبوا لنداءات الشعوب.
طبعاً بخلاف ما يحصل اليوم في سوريا، حيث لا يزال العالم يتفرّج على ذبح الشعب السوري يومياً .. تارة بالمجازر الوحشية، وتارة أخرى بالسلاح الكيميائي.. وطوراً بالبراميل المتفجرة والصواريخ البالستية والطائرات الحربية... لا شكّ بأن الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية يدركون بأن الشعب السوري إتخذ قراراً لا رجعة فيه باالتخلص من حكم الديكتاتور...  الا أن التردد رهن بالقرار الإسرائيلي الذي حتى الآن لم يرفع الغطاء عن الأسد حامل لواء الممانعة... لأن هذا النظام وحده القادر على إبقاء جبهة الجولان هادئة لأكثر من أربعة عقود، ولأن الدولة العبرية تخشى نظاماً يخلف الأسد ويفرض تغييراً في قواعد اللعبة في الجولان المحتل.

أما تجربتنا الداخلية فهي تجربة من لا يقرأ التاريخ ليكون منطلقاً لبناء المستقبل. لقد إستفادت أوروبا من تجارب حروبها، وتعلمت من أخطائها لتؤسس مستقبلاً واعداً لشعوبها، فإتخذت من مآسي تلك الحروب عبرة لتتجنّب تكرارها والإنزلاق الى أتونها من جديد.. فإختارت البناء عوضاً عن الإقتتال... والتطور بدلاً من التزمّت... والإنفتاح مكان الإنغلاق والتقوقع... لقد أسست لدول ديمقراطية وحديثة، وهيأت مجتمعاتها على الإنفتاح...وبنت إقتصاداً هائلاً مرتكزاً على العلم والمعرفة والإختراع والصناعة... وصوبت الإهتمام الى مصالحها ومصالح شعوبها المشتركة... فكانت ثمرة تلك النجاحات الإتحاد الأوروبي، الذي بات قوة سياسية وإقتصادية وعسكرية هائلة لها كلمتها المؤثرة في المجتمع الدولي، وغيرت في القرار الدولي الذي بقي في القعدين الماضيين حكراً على الأحادية القطبية... خصوصاً بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي، ومرحلة ما بعد الحرب الباردة.

أما نحن في لبنان، فلم نتّعظ من حروبنا ومآسيها وويلاتها... لم نتعلّم تجاوز الإنقسامات فإتخذنا من إتفاق الطائف الذي أوقف المدفع، مجرّد هدنة أو إستراحة محارب... لنؤسس الى حروب جديدة أكثر حقداً وبغضاً، اين منها ما كان يعرف بالشرقية والغربية، حرب تُرفع اليوم متاريسها النفسية بشكل مخيف...وتشحن فيها الناس مذهبياً بشكل غير مسبوق.. فلم تقتصر هذه المتاريس على المناطق إنما إنتشرت في الأحياء والأزقة وحتى بين البيوت.. إن أمراء الحرب الأهليةيستنسخون الماضي الأليم بصورة أكثر بشاعة وأشدّ سواداً. كنا نعتقد أن دماء رفيق الحريري التي وحدتهم يوماً ما وجمعتهم على طاولة حوار واحدة...بدأت تؤسس لبناء وطن يحلم به شباب لبنان...  فإذا بخلافات زعماء المصالح وأدعياء النضال المزيف، تمعن في هدم ما صوّر لنا على أنه مشروع دولة... أو صحوة قد تؤسس لإزالة الفوارق وبناء جسور التواصل ... والتسليم بأن لبنان لا يبنى الّا بسواعد كلّ بنيه...  وعودتهم جميعاً الى كنفه، بدل التبعية والإستتباع والإستلحاق بالمحاور الخارجية.

لقد تعمّق الدكتور سنّو في معالجة هذه الأخطاء والخطايا التي إرتكبها اللبنانيون بحق أنفسهم أولاً ... وبحق وطنهم ثانياً...  وأصاب في تأكيده أن الخارج أي خارج سواء كان شقيقاً أو صديقاً أو عدواً... لا يقدّم خدماته لهذا الفريق أو ذاك أو لهذه الطائفة أو تلك مجاناً...مطلبه مقابل ذلك أنيجعل من لبنان ساحة لتصفية حساباته، سواء كانت إقليمية أم دولية... لبنان لم يعد في هذه المرحلة التي نعيش مجرد ساحة.. لقد تحوّل ويا للأسف الى محرقة وقودها أبناؤه، وأكثرهم على وجه التحديد من لا ناقة لهم ولا جمل في صراعات المحاور والأحلاف... وبهذا لم يرتكب حكام لبنان خطأهم الفادح كما يقول الدكتور سنو فحسب، إنما يرتكبون خطيئة تاريخية افقدت شعبهم حلم الوطن الذي أرادوه على قدر طموحاتهم وآمالهم... وطن لا فضل فيه لطائفة على أخرى أو لفئة دون سواها ... ولا لمواطن على آخر، الا بقدر ما يعطي هذا الوطن، لا بقدر ما يسلب وينهب ويكدس ثرواته ويوسّع محمياته الطائفية والفئوية البغيضة.

إن فكرة التعايش بين اللبنانيين لم تكن ولن تكون خياراً... إنما هي قدر لا مفرّ منه ... ولو كانت مجرّد خيار يرتضيه من يشاء ويلفظه من يشاء... سنبقى في دوامة الصراعات، وداخل حلبة الإستنزاف... وستبقى فكرة الغالب والمغلوب سمة الطوائف حتى الكبرى على أقليتها... ولبقينا في حروب مفتوحة لا مستقبل فيها لأحد مهما كبرت سطوته أو قوي سلطانه، أو زادت ترسانته، ومهما هدد وتوعّد... وما المشاهد الدموية التي نعيشها اليوم بالتفجيرات المتنقلة، والقلق الذي يطارد الناس في الشوارع والإحياء الا نتيجة حتمية لخيارات مدمرة إتخذها البعض... وظنّ نفسه أنه أكبر من الدولة وأقوى منها.. وبإمكانه أن يخوض حروبه في الداخل والخارج وأن يساهم في إشعال الحريق في بيت جاره من دون أن يتوقعإمتداده الى داره ويلتهم بيته وأطفاله أيضاً.

نعم أيها السادة.. ما أشبه اليوم بالأمس.. ها هو التاريخ يعيد نفسه.

صحيح أن مشكلة لبنان بدأت منذ منتصف القرن الماضي مع السلاح الفلسطيني الذي لم يكن فقط سلاحاً مخلاً بالتوازنات الدقيقة.. أو لأنه سلاح مرتبط بالقرار الإقليمي أو لأنه كان يرى أن طريق القدس تمرّ في جونيه أيضاً...  بل لأنه علاوة على كل تلك الموبقات... كان يحلّ مكان الدولة اللبنانية ويغتصب سيادتها ويهيمن على قرارها... ولأنه كان يقهر جزءاً كبيراً من اللبنانيين الذي رفضوا إستقواءذاك السلاح عليهم... بحجة القضية الفلسطينية التي كانت يومها وما تزال اليوم ذريعة دول وتنظيمات تمارس التخوين والقتل والإرهاب بإسم هذه القضية.

وها هي المشكلة تتجدد اليوم مع سلاح "حزب الله" الذي مهما حاول القيمون عليه تقديس دوره ... وتصويب وجهته ... وتبرير أدائه... ومهما قدموا من ذرائع لتشريع إستمراره وديمومته الى أن يرث الله الأرض ومن عليها كما يشتهون... فإنه سيبقى سلاحاً فئوياً ليس مخلاً بالتوازنات أيضاً، إنما مهيمناًعلى الدولة... سالباً لقرارها السياسي... مستقوياً على سلطاتها الأمنية والعسكرية... ومصادراً للإرادة الشعبية التي تفرزها صناديق الإقتراع... هذا السلاح الذي تجاوز خطايا السلاح الفلسطيني الى حدود كثيرة، يشقّ في هذه المرحلة طريقه الى القدس أيضاً... عبر إجتياح بيروت في السابع من أيار 2008 ... يتمدد الى الجبل وطرابلس وعرسال ... ويغزو سوريا فيحتلّ القصير ويدمرها ... ويسفك الدماء في دمشق والغوطة... ويزهق الأرواح في حمص وحماة وحلب... ويتحضّر لمذابح جديدة في القلمون وعلى إمتداد الأراضي السورية .. كلّ ذلك تحت شعار "الواجب الجهادي المقدس"... ومن دون الإلتفات الى إرادة الجيش والشعب اللذين حملهما وزر شراكته لهما في البيانات الوزارية.. بينما هم من يحصد نتائج خياراته الكارثية.

إذا كان السلاح الفلسطيني سبباً في سقوط أكثر من مئتي ألف قتيل في لبنان... وعشرات آلاف المعوقين والمفقودين ... وأضعافٍ مضاعفة من المهجرين داخل الوطن وخارجه... فهل نحتاج الى مئات آلاف الضحايا أيضاً يريد "حزب الله" أن يقدمهم قرابين على مذبح المصالح الإقليمية... وفي بيزار صفقات البرنامج النووي الإيراني... ليقتنع بعدها هذا الحزب أنه دخل وأدخل لبنان وجمهوره وبيئته في حريق كبير... شهدنا وجهاً من وجوهه في حرب تموز 2006 المدمرة... ونشهد اليوم الوجه الآخر منه عبر التفجيرات الإرهابية وإستيراد ظاهرة الإنتحاريين، ولا نعرف غداً ماذا يتربص بوطننا... نتيجة هذه المغامرات التي لا يحصد اللبنانيون نتائجها الا شلالات من الدماء والدموع.

أيها السادة

إسمحولي في الختام وليسمح لي الدكتور سنّو أن أستعير العبارة التي ختم فيها هذا الكتاب الموسوعة... لأقول معه وبقين صادق أنه "لن يرسّخ أي حلّ للأزمة في لبنان، ولن يتحقق أي إستقرار سياسي أو أمني.. ولن ينعم هذا البلد بأي سلم أهلي أو إستقلال حقيقي أو إزدهار إقتصادي.. ما لم يحدد اللبنانيون خيارهم الوطني ...وما لم يجدوا بأنفسهم حلولاً لمشاكلهم... ويتجهوا الى بناء دولة مدنية ديمقراطية... وقبل كل هذا وذاك ما لم يتصالحوا مع وطنهم.

شكراً لكم جميعاً

شكراً للدكتور عبد الرؤوف سنو

عشتم وعاش لبنان

 

الصحافي يوســـف دياب