كلمة المحامي جورج بارود

في إدارته لتكريم الاستاذ ريمون عازار

الحركة الثقافية – انطلياس

في 2018/3/10

        أيها الكرام،

        لم يكن اختيار الاستاذ ريمون عازار للتكريم في مهرجان الكتاب لهذا العام بالامر السهل، وقد توقفت الحركة الثقافية – أنطلياس عند هذا الامر لسنوات تزيد على الثلاث قبل اتخاذ القرار، لا لان ريمون عازار ليس أهلاً للتكريم وإنما كي لا يقال بأن الحركة تكرم من خلاله نفسها باعتبارها تعتبره واحدًا من أعضائها وهو فعلاً رئيس لهيئة الاصدقاء فيها. لكننا اخيرًا اعتبرنا أن الكنيسة القريبة تشفي.

        أما الاسباب التي دعت الحركة إلى تكريمه فسأتناول في مداخلتي هذه ثلاثة منها:

الاول: لانه رجل قانون عالم ومحامٍ ممارس، امتهن المحاماة رسالة واعتمدها نافذة يطل من خلالها على المجتمع ساعيًا إلى تحقيق العدالة والانصاف.

الثاني: لانه شاعر مجدد، وضع الشعر في مصاف النبوءة التي تفجر في نفس الانسان فيضًا من الشعور العجيب الذي يخطفه إلى عالم الدهشة والرؤى على ما يقول.

أما الثالث: فلانه أديب ومثقف، وتظهر ثقافته في ما نشر من دراسات ومقالات نقدية وأدبية وفكرية، وشارك في هيئات ثقافية وحلقات شعرية رائدة.

 

        أيها الحضور الكريم،

        معرفتي الشخصية بريمون عازار ترتقي إلى اواخر السبعينات، يوم كنّا نتحيّن الظروف لحضور جلسة أو القيام بمراجعة إدارية، فكان الواحد منا يفتش عن المعابر البعيدة عن مرمى القناصة، ويسلك الطرق المنزوية البعيدة عن نيران المتحاربين، إيمانًا منا بأن أهم مقاومة يمارسها اللبناني أثناء الحرب تكمن في محاولة قيامه بدوره المهني وتأديته بصورة اعتيادية من خلال مؤسسات الدولة وقصور العدل والادارات العامة على هُزالها، نبذًا للحرب وتشبثًا بالكيان ورفضًا لقوى الامر الواقع.

        لقد آمن ريمون عازار برسالة المحاماة فمارسها بمسؤولية ولم يمتهن سواها، مجسدًا الدور المرتجى منه كمواطن مؤمن بلبنان وطنًا نهائيًا لبنيه، يرعاه القانون وتسوده العدالة والمساواة، سيدًا، حرًا، مستقلاً، رائدًا في هذا المشرق العربي ورسولاً بين الامم.

        لن ادخل في المغالاة إن اعتبرت ريمون عازار من كبار المحامين في لبنان، فلوائحه ودراساته ومرافعاته تشهد على ذلك، فهو ينكب عليها دارسًا، يدعمها بالاجتهادات وأراء الفقهاء ولا يخرج فيها عن المنحى العلمي والموضوعي، ساعيًا إلى الاقناع بالحجة والعلم دون أن يخرج يومًا عن مناقبيته.

        إنه لا يزال يواظب على عمله المهني في مكتبه وقصور العدل، كأي محامٍ ناشئ ساعيًا بصورة يومية إلى توسيع آفاقه واكتناز المزيد من الخبرة والمعرفة؛ كما إنه لم يغب عن نقابته، يشارك في نشاطاتها ولجانها، وقد تعاونّا معًا في لجنة الثقافة والتراث فيها إلى جانب زملاء أفاضل برئاسة الزميل الكبير الاستاذ إدمون رزق، وقد كلف بوضع نشيد للمهنة تفتتح فيه النقابة مناسباتها الرسمية إلى جانب النشيد الوطني اللبناني.

        أما شعر ريمون عازار فهو متنوع المواضيع، يجمع بين الاصالة والتجدد، يفوح حيثما يتوجه كالعطر، فمن الوجدانيات إلى الحب والغزل والحكمة... كلها وقفات جمالية تتجلى في صور رائعة تتجانس مع أنواع الحياة وتمتاز بالطواعية، كأنه رسام يفصِّل بالكلمة الصورة المجسدة للانسان ويرسم القسمات بريشة خلابة.

        عُرف ريمون عازار بشاعر المجرات الضوئية، فديوانه "بين المجرة والسنابل" الذي أصدره سنة 2009، يجسد شعوره الذي انتابه بعيد انهمار النور على عينطورة – المتن جارةِ الشمس، يوم مولده، كما يقول. فاستعار من المجرات ومن تطوافه الفكري والشعري قسطًا وافرًا انعكس في قصائده رؤى وتطلعات وثوابت، استعاد من خلالها المجد واجتراحَ المكرمة.

        وتظهر اريحته وعبقريته الشعرية والوجدانية بمجرد الوقوف على دواوينه الشعرية الاخرى "وطني الحب والجراح"، و "أجنحة إلى الشمس" و"عبور إلى البهاء". أو لم يقل بأنه "يؤمن بالشعر رؤيا، ويعتبر الشاعر راءٍ والقصيدة سفرًا في آفاق الاشراق والاسرار والانخطاف، وعبورًا إلى مسافات نورانية يتلاقى فيها الماضي والحاضر والمستقبل".

        أما ريمون عازار الاديب والمثقف، فما نشره نثرًا وشعرًا يُظهر بعده الثقافي والفكري، وتُظهر مداخلاته في الندوات الفكرية تعمقه في معرفة تاريخ الحضارات وتنوع التيارات الروحية والثقافية قديمة وحديثة.

        فمن طاليس وقدموس وزينون الصيداوي إلى مدرسة الحقوق في بيروت أم الشرائع والامام الاوزاعي إلى النهضة العربية الحديثة مع اليازجيين والبساتنة والشدياق، إلى الرابطة القلمية وجبران ونعيمه والريحاني إلى شكري غانم وخير الله خير الله وجورج شحاده مرورًا بالمدرسة المارونية في روما والدويهي والسمعاني والصهيوني يتنقل ريمون عازار ليحط على ثوابت عاشها ونشرها ومارسها في وطنه الذي يتمتع بحضارة خاصة من مميزاتها: " أنه ما من مسيحي في لبنان إلاّ وفيه شيء من الاسلام، وما من مسلم في لبنان إلاّ وفيه شيء من المسيحية؛ وإن الاسلام في وطننا هو غير الاسلام في العراق أو في السعودية أو في الجزائر، وإن المسيحية عندنا هي غيرها في مصر أو في فرنسا أو في إيرلندا".

        إلى جانب هذا المكنوز الثقافي الضخم، انضم ريمون عازار إلى حلقة الثريا التي قامت على أكتاف شعراء وأدباء كبار معاصرين، كجورج غانم وميشال نعمه، وإدمون رزق وشوقي أبي شقرا ونور سلمان، وقد لعبت دورًا ثقافيًا رائدًا في القرن الماضي وأصدرت مجلة الثريا حيث تولى أمانة السر فيها.

        كذلك، يُعتبر ريمون عازار من مؤسسي مجلس المتن الشمالي للثقافة، وكان عضوًا في نادي القلم الدولي ومجمع الحكمة العلمي، وكلها هيئات تُعنى بالشؤون الفكرية والثقافية المعاصرة.

        وأخيرًا وليس آخرًا، إن الحركة الثقافية – أنطلياس تفخر إذ تكرم ريمون عازار اليوم كعلَم من أعلام الثقافة، وهي تتطلع إلى مزيد من عطاءاته وتتمنى له دوام الصحة وطول العمر.

الدكتور ميشال كعدي.

 

-         ولد الدكتور ميشال كعدي في قوسايا – قضاء زحلة عام 1944 وهو من أصل بكسنتاوي.

-         يحمل شهادة الدكتوراه في فقه اللغة العربية من الجامعة اللبنانية وإجازة في الصحافة من جامعة القاهرة.

-         انصرف إلى التعليم في المدارس والجامعات.

-         شغوف بالكتابة والخطابة وقد لقّبه الشاعر جورج شكور "بفارس المنابر وسيف الكلمة"، ولقبته الاديبة مي المر "بالخطيب المفوّه وخطيب المناسبات والجامعات" وقال فيه الشاعر الكبير سعيد عقل:" ريشتو سيف عَ منبر".

-         نال عدة جوائز أدبية لدفاعه عن اللغة العربية.

-         وله عشرات المؤلفات باللغة الفصحى واللبنانية وعدة سلاسل لكتب مدرسية.

-         ومن أجمل مؤلفاته "ريمون عازار شاعر المجرات الضوئية"، صادر عن دار نعمان للثقافة عام 2009.

-         هو عضو في أكاديمية الفكر في لبنان واتحاد الكتاب اللبنانيين وجمعية أهل الفكر ومجمع الادباء والمفكرين والفنانين والاساتذة الجامعين اللبنانيين، وعضو فخري في دار نعمان للثقافة ومستشار أول في لقاء الاربعاء الذي تنظمه هذه الدار.

إنه الدكتور ميشال كعدي، يقدم مكرمنا ريمون عازار.   

____________________________________________

كلمة الدكتور ميشال كعدي

 المحامي الشاعر ريمون عازار

ريشةٌ تُكَرَّمُ

 

       أَخذَ مكانَهُ بينَ ميزانِ الحقِّ وجماليَّةِ الكلمةِ يُريدُهُما معًا، وكأنَّ الضَّادَ أَبَتْ عليه أَن يمُرَّ عفوًا وحسب، وكأنَّ المجالَ بادرَهُ أَن يتجاوزَ إِلى أبعدَ، فإذا هو يَعمُقُ، بِقَدْرِ ما يَرِقُّ، ويصفو بِقَدْرِ ما يَبْعُدُ، ذلك المحامي والشّاعر والأديب ريمون عزيز عازار، أَو قُلْ شاعرُ المجرّاتِ الضوئيَّةِ، كما قُلتُ فيه.

 

       هذا القادرُ على القولِ، تذَكَّتْ ريشَتُهُ مِنْ طَفْحِ الدَّواةِ، ونياطِ قلبِهِ، وخبيءِ عُروقِهِ، ومعاريض المعاني، وأجنحةِ الشّمسِ، وأغوارِ الشِّعرِ والوطنِ والحُبِّ، ثُمَّ أدركَ أَنَّ الكَلِمَ مِن مَعالِمِ الجَوانيَّةِ، والشِّعرَ ضرورةٌ، فجعلَهُ سَفرًا في أَعماقٍ ضوئيَّةٍ تتلاقى فيها الرّهافةُ والرُّؤَى في مُحتَرَفِ الجَمالِ.

 

       وعندما يُقْبِلُ، عَلى وَقْعِ الحَفْرِ والوَشيِ، تَرى وَجْهًا ترتاحُ إليهِ، وإذا في يُمناهُ قصيدةٌ، وَفي يُسراهُ ملفّاتُ حقوقٍ للنَّاسِ، وأَمَّا الدُّخولُ فإلى مجذوبِ الأَخلاقِ والصِّدقِ والذّوقِ.

      

       هذا الطوَّافُ في أروقةِ العدلِ، وهياكِلِ الشِّعرِ، عَرَفَ كيفَ يُعَكَّفُ الجَوهَرُ، فشالَ به إِلى أَبعادِ الجماليَّةِ، ثُمَّ حَمَلَ بِجُمعِ يَدَيهِ الأَصالةَ، وانطلَقَ يَلُمُّ مِنَ الشِّعرِ والنَّثرِ التَّجَدُّدَ والتَّجديدَ، وحينَ شعرَ بالخوفِ على أصيلِ الكلامِ والقوافي، رَفَعَ صوتَ المحامي ضِدَّ الفَوضى، وقالَ بالفَمِ الملآنِ، نَحنُ معَ التّفعيلَةِ الخليليَّةِ، والويلُ لليَدِ المُبَدِّلَةِ، فَهِيَ مردودَةٌ شَلاَّءُ لأَنَّ الشِّعرَ في نظرِهِ، فَنٌّ جميلٌ، يَنمو في الأُصوليَّةِ، ويموتُ في الفَوضى.

 

       المُبدِعُ ريمون عازار.

       تَوَافرَتْ فيه أَطرافُ النِّعَمِ، وَلَعَلَّهُ وُجِدَ لِلشَّأنِ الأَروعِ، فَسَمَتْ يَراعَتُهُ، وَمَضَتْ لِلخَلْقِ مِن دونِ تَرَدُّدٍ أَو تعوُّجٍ، وقد قالَ في أكثرَ من موقِفٍ، إِنَّ الشِّعرَ حاجةٌ مِلْحاحٌ للتَّبادُعِ والوطنيَّةِ والحُبِّ وغيرِ ذلكَ مِن المواقفِ.

 

       غيرَ مرَّةٍ وصفتُهُ بالمحظوظِ، إِزاءَ ملامحِ الانتقالِ المرسومةِ أَبدًا في عطائِهِ المُتنامي.

       وغيرَ مرَّةٍ، وصفتُهُ بِمَنْ يَتَشَبَّثُ بِلُمَعِ نثيرِ الذَّهَبِ، والتِّبْرِ على مائِدَتِهِ، وفي قبضتِهِ عقودٌ منسوجةٌ مِن القلائِدِ، والبرفير والأرجوانِ، أَمَّا التَّناغُمُ ففي أرديتِهِ الَّتي مِن خَزٍّ وحريرٍ وبطائِنِ الدِّيباجِ.

 

       كما أنَّني وجدتُ نماذِجَ لِنَفَثاتِ ريمون عزيز عازار النَّثريَّةِ المُتَّقدَةِ بإيمانِ الكلمةِ الَّتي حملَها إِزميلاً يُقَصِّبُ في مَقْلَعِ الفَنِّ والفِكْرِ، وبريقًا في العيونِ والأرواقِ، وهمسًا في طرَفِ الرّيشَةِ والشِّفاهِ.

 

       وعندَما نَجُدُّ في أَعمالِ وأَدبِ ريمون عازار، تَمْثُلُ لِلْعِيانِ محطَّاتُ البَصَرِ، وروافِدُ الإنسانيَّةِ، وهنا أُسرِعُ لأَقولَ، إِنَّ ريمون عازار المحامي والشَّاعر، لا يَقِلُّ عن شُعراءِ وأُدباءِ جيلِهِ تحسُّسًا بأُمورِ الأَدَبِ، وهمومِ الانتِماءِ والهُويَّةِ، وقد رأَيناهُ مِن أَكثرِ النَّاسِ التفاتًا، بتتبُّعِ الأَخبارِ الأَدبيَّةِ والفِكريَّةِ وأَلوانِ المعرفةِ، مِن هُنا عَرَفناهُ في كُنْهِ الكلامِ على ماضياتِ الأيَّامِ، وآتياتِ اللَّيالي.

 

       قَلَمُهُ يُبحِرُ دائِمًا وَسْطَ الإِعصارِ.

       إِذا قالَ أَنصَفَ.

       وإِن انتقدَ رَجَّحَ كَفَّةَ العاطفةِ في الحُكْمِ، أَمَّا أُسلوبُهُ في هذا المِضمارِ، فيتبدَّى في كلِّ التجلِّياتِ الإبداعيَّةِ، ولكم إِخالُهُ كمزيِّنٍ يعالِجُ بمروَدِهِ الكُحْلَ ليزيدَ في حُسْنِ الرُّموشِ والأَهدابِ، على كثيرٍ مِن الوضوحِ ولا سيّما على المنابِرِ، الَّتي ارتفعَ عبرَها، كسفيرٍ ورائِدٍ لأَهلِ المُحاماةِ والنَّشَقِ الأَسودِ والدّرايَةِ في حطِّ اليَراعَةِ على الورقِ، وإِذا الحُروفُ مُدَّتْ ورُشَّتْ بوهجِ الوَجْدِ.

 

       أيُّها النَّاسُ.

       قلَّما قرأنا له موقِفًا، أَو طالَعْنا له دِراسَةً أدبيَّةً أو قانونيَّةً، مِن دونِ أَن نَجِدَ صدًى لِحالةٍ أخلاقيَّةٍ تمتُّ للنُّبلِ بصلةٍ.

 

       وأَنَا أَبحثُ في مؤلَّفاتِهِ، وجدتُهُ ثورَةً مغلَّفَةً بالحِكمةِ والرَّصانَةِ والإِصلاحِ ناهيكَ بالجُرأةِ والإخلاصِ في قضايا النَّاسِ وَرُفقاءِ الدَّرْبِ، وممَّا قالَهُ لي مرَّةً في معرِضِ ثورتِهِ على الأَقلامِ الَّتي تعيشُ الضَّياعَ:

 

" يجبُ على الأقلامِ أَن تكونَ حرَّةً، وأَن تلينَ في موضِعِ اللِّينِ، وأن " تَرِقَّ عندما تقضي الضّرورة...

" لا عرشَ إِلاَّ للحقِّ، وما التّاجُ إِلاَّ للقولِ القويمِ، والصِّدقِ، لأنَّ "القَلَمَ كالقانونِ، فهُما يُمثِّلانِ لسانَ الصَّوابِ، وَسَدادَ الرَّأي، "والاستقامة.

       في أيّ حالٍ.

       حصادُهُ وفيرٌ.

       أعمالُهُ بالغةُ المَضَاءِ والنَّفاذِ، أَمَّا ابتداعُهُ فإِلى وصولٍ، حيثُ المُغامرةُ في الرِّقاعِ والأَبعادِ، واختراقِ ذُرى المجرَّاتِ الضوئيَّةِ،

 

       ولا عَجَبَ، أن تُجَسِّدَ دُنياهُ خيالاً ورؤًى، وأَرضَ بلادِهِ كَمالاً، ورشيحَ جباهٍ، ومنبسطاتٍ أَخمَلَتْ، وسنديانًا، وشموسًا، وما أنعمَ اللَّهُ على لبنانَ. وإِذا سألتَهُ إِلى أينَ؟ أَجابَكَ:

 

              دعوني هناكَ فأَحيا

              ويحيا ترابُ بلادي.[1]

 

       وفي مكانٍ آخرَ مِنَ القصيدةِ يقولُ:

 

              أَنا سنديانهْ

              أَنا رمزُ شعبٍ

              وقِصَّةُ أرضٍ

              أَنا سنديانهْ...

           ...جُذُورُ بلادي جُذوري

              فلا تقطعوني،

              ولا تنقلوني إِلى أيِّ أرضٍ سِواها...

              بلادي.[2]

 

       صديقي ريمون.

       اسمحْ لي أن أُخاطِبَكَ بما لا تَرضاهُ، في يومِ تكريمِكَ، ولكن شهوةُ الإِفصاحِ في هذه المُناسبةِ دَعَتْني لأَقولَ للملإِ، ما يتفاعَلُ في خاطري الذَّاكرِ.

 

       أيُّها النُّجُدُ.

       هذا المُتنكِّبُ عنِ التَّرَفِ والعنجهيَّةِ، أخذَ دربًا في حياتِهِ لقضيَّةٍ حقوقيَّةٍ وأدبيَّةٍ وأخلاقيَّةٍ، وكانَ عونًا لليدِ الغازلةِ، وَصِنوًا للنَّحلةِ العاسلةِ، وَقَلَمًا نَجيدًا، يَحْلَولي فوقَ مُحتَمَلاتِ اللَّفظِ.

 

       شاعرُ الوَفاءِ والصَّدْقِ هذا.

       ما كانَ بالعَجْلانِ لِنَيلِ مَثوبةٍ، بِقَدْرِ ما كانَ طَموحًا على شَقِّ الغَزَّارةِ.

       وعندما تَشَوَّفَتْ عينُهُ إِلى زَهْوِ الأمداءِ، قُلنا، أَعانَ اللَّهُ القَلَمَ الَّذي يُولِمُ للإِبداعِ والعطاءِ، والسُّنبُلَةَ الَّتي مُلِئَتْ بحبوبِ الخيرِ والبركةِ، فَنِعْمَ السَّاقُ الحاملة.

 

       يا شاعرَ المجرَّاتِ الضَّوئيَّةِ.

       مِن حَقِّكَ علينا أَن نُكّرِّمَكَ.

       ومِن حقِّكَ على الحركةِ الثَّقافيَّةِ في أنطلياس، أَن تُكرِّمَكَ – مشكورة – لأَنَّها أدرَكَتْ محبَّتَكَ لها، في زمنٍ ما غابَ عنكَ اعتدالٌ، وأنتَ تخدُمُ عددًا مِن أُولي الشَّهامةِ، وخادمي الحرف، وحَسْبُكَ ما قالوا بِصُنعِكَ ونِتاجِكَ.

 

       أَمَّا نحن، فقد عَرَفْناكَ، ماءً نميرًا، وكوكبًا متألقًا، وسَيّدًا مِنْ أَسيادِ الشعرِ والنثرِ والمحاماة.

 

                                                       د. ميشال كعدي

                                                       10/آذار/2018


 

[1]- من ديوان، عبور إِلى البهاء، ص 28.

[2]- المصدر نفسه، ص 27،28.

 

______________________________________

 

 

                                          كلمة المحامي الشاعر ريمون عازار
                                      أنطلياس في : 2018/3/10

 

أيها الكرام ،

 

        إنهمرت عليَّ الليلةَ النعمُ الفيّاضة ، والأوصاف السّخية ، كأنها الأنجم المتناثرة من أديمِ سماءٍ صافية ، ما جعلني أتساءل في نفسي ، هل قد بلَغتُ حقا" هذا المستوى الراقي ؟ أم أنها تمنيات صادقة لكي اتابع المسيرة: محاماةً ، وشعرا"، وأدبا" ، لاصل الى ما يُرسم لي، وما  أتوق اليه ؟

 

        إنني أعتبرها تمنياتٍ ، وأتلقفها شاكرا" ، وأعد ، ولو كنت قد بلغت من العمر عتيا" ، بأن استمر في الجُهد والعطاء ، حتى الرمق الأخير ، عملا" بالحكمة القائلة : إعمل لآخرتك كأنك تموت غدا" ، واعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا" .

 

        ذلك ان المعادلة الصحيحة عندي هي التالية : أنا أعملُ وأشاركُ في الخلق والإبداع ، فإذاً أنا موجود، والا فأنني الحيّ الميت .

 

        وبعدُ ، ما لي وللتنظير الآن ، فالمناسبة للشكر . وبالشكر تدوم النعم .

 

        أشكر أولا" هذا الدير ، الذي نَشَأتْ وترعرعت الحركة الثقافية – أنطلياس في رحابه ، ديرَ اول ميثاق وطني في لبنان ، ديرَ الإشعاع الروحيّ والحضاريّ والحداثة والانفتاح ، الذي انتميت اليه ، كراهب عِلماني ، منذ أن توطنتُ في بلدتي الثانية أنطلياس، وأسهمت في نشاطاته الروحية والثقافية كافة ، فأعطيت القليل ، وأخذت منه الكثير واغتنيت .

 

        شكرا" للحركة الثقافية – أنطلياس ، التي ولدت من رحِم الأحداث في سنة 1978، لتشهد ان الخلاص بالثقافة ، وتنتصر بالحرف على الحرب ، وتصبحَ رمز لبنان الحضارة والإبداع ، وواحة العاميّة الثقافية، والأشعاع ، والسلام ، فلا يُؤرخُ ، بعد اليوم ، لبنان الثقافة ، الا وتكون هي الشاهدة والتاريخ .

 

        ويوم كان مِهرجان الكتاب يتصدى في تلك الأيام الحالكة للقذائف ، ويفتح أبوابه ، وينتصر ، نظمت في ليلة ليلاء قصيدة : حرف وحرب ، قلت فيها :

 

يَهْدِمُ المِدْفَعُ قَصْرًا

فَنُعَلِّي لِلحَضَاراتِ قُصُورَا

تُوغِلُ الحَرْبُ بِلُبنانَ جِراحا"

فَنُحِيلُ الجُرْحَ إبْداعا" ونورَا.

 

قُلْ لِشَعْبٍ يُسْقِطُ الفِتْنَةَ بالحُبِّ وبالحَرْفِ الحُرُوبَا

يَكْسِرون القَلَمَ الحُرَّ فَيَأْبى القَلَمُ الحُرُّ السُكوتْ

قُلْ لَهُ – وَلْيَفْتَحِ الزهرُ الدُرُوبا –

أنْتَ شعْبٌ وُلِدَ التاريخ فيهِ ،

سَرْمديٌّ لا يَموتْ .

 

       وقلت مرة ، واكرر ذلك الآن :

              نحنُ السلامُ به نختالُ من قِدَمٍ

نبني الحواضِرَ ، قُلنا للدُنى انوجدي

 

 

سِلاحُنا الحرفُ حِيكَتْ منه قِصّتُنا

وجيشُنا الكُتْبُ في زَحْفٍ الى الخُلُدِ

 

ألحرفُ أمضى ، وإِنْ أسْيافُنا دُعِيَتْ

خُضْنا الغِمارَ ، كما في صَوْلَةِ الأُسُدِ.

 

        وشكرا" لأمير كبير من أمراء المنابر ، فقيها" مفردا" ، وأديبا" متألقا" ، وشاعرا" ملهما" ، يكتب ويبدع ، فتنحني له الأقلام إجلالا" ، الدكتور ميشال كعدي ، الذي سلط عليّ الليلة أنواره من مجراته الضوئية ، فأسبغ عليّ بهاء كثيراً، أرجو ان اكون له أهلا" .

 

        شكرا" للزميل الصديق الأستاذ جورج بارود ، ركنا" متينا" من أركان الحركة الثقافية – أنطلياس ، وعلما" خفاقا" في ساحة المحاماة ، قدّمني فوشاني ، بفيض من محبته وريشته المشرقة ، وعكس عليّ الكثير من فضائله .

        وشكرا" لكم ايها الحضور النخبة ، من أمراء الكنيسة، والشعر والأدب، والرموز الوطنية والإجتماعية ، وانصار الثقافة ، والأصدقاء الأوفياء ، شرفتموني بمواكبتكم ومحبتكم، فزدتموني قوة وإيمانا" برسالة المحاماة ، وبعظمة الشعر والأدب .

 

        ولن ادع هذه المناسبةَ تمر ، الا وأن أشهد لملهمتي الأولى ، والنجمة الهادية ، في دروبِ الحق والخير والجمال والنجاح ، زوجتي البهية العزيزة كارمن .

 

        والى اللقاء أيها الكرام ، في حَلَقَات تكريم تعقد حول الكثيرين الكثيرين منكم ، وإنكم لمستحقون .