ندوة حول كتاب:  لبنان الكبير، المئوّية الأولى -  مجموعة مؤلّفين.
 

أنطلياس في 2023/3/8

مداخلة د. عصام خليفة في ندوة كتاب

"لبنان الكبير المئوية الأولى"

2023/3/8

 

في نداء الى الشعب اللبناني، بتاريخ أول كانون الأول سنة 2018، الذي أطلقه 19 مثقفاً لبنانياً من القاهرة، تم إبراز الأولويات التالية:

  • التذكير بالمساعدة على مواجهة أهوال المجاعة وإنخراط المهاجرين اللبنانيين في تحرير أرض الوطن حيث تشرق شمس الحرية التي لن يعقبها ظلام.
  • حق لبنان بالاستقلال المطلق بضمانة الدول الكبرى وكفالتها.
  • وهذه الدول الكبرى تضمن حياد دولة لبنان الكبير "بحدوده الطبيعية والتاريخية".
  • تنظيم الأمور الاقتصادية بحيث يجد المواطنون في أرضهم راحتهم وحاجاتهم ونعيمهم وحريتهم.
  • عدم الانقسام بين الطوائف والمذاهب ولا بين الأقاليم والاحزاب، والحرص على الوحدة الوطنية واليد الواحدة في العمل.
  • أولوية شعار مساواة في الحقوق ومساواة في الواجبات.
  • التوسع في الحكم الدستوري بإصلاح القضاء ونظام الانتخاب.
  • والاستقلال بضمانة الدول الكبرى يجعل من لبنان سويسرة الشرق.
  • بموازاة هذه الأولويات طرحَ البطريرك الياس الحويك جملة مبادئ يجب أن تحققها الهيئة التي ستحكم الدولة اللبنانية.
  • الدفاع عن حدود الوطن ومنع الأجانب من الاستيلاء عليه قسراً.
  • التدريب على الزراعة وإستثمار المعادن والسهر على الري والانارة والملاحة.
  • المساعدة على تصدير الحاصلات الى الخارج إنماءً للثروة.
  • نشر المعارف والفنون.
  • وضع الشرائع التي تشكل حاجزاً في وجه المظالم.

دولة لبنان الكبير، بعكس ما يزعم البعض ليس خطأ تاريخياً وجغرافياً. إنها نتيجة نضال موصول من قيادات لبنانية وإرادات شعبية محلية، ولم تأتِ هبة من جهة خارجية معينة،

في فترة الانتداب انطلقت مرحلة تنظيم المؤسسات. وفي مرحلة الاستقلال ومع بلورة الميثاق الوطني في منزل الزعيم الوطني يوسف السودا عام 1938 ولاحقاً عام 1943،

استكملت الدولة تنظيم ادارتها على الصعد كافة. وعرف لبنان تقدماً نسبياً في مجالات التربية والاقتصاد والاجتماع والثقافة وغيرها.

منذ ستينات القرن الماضي بدأت مؤسسات الدولة بالاهتزاز الى ان سقطت مع اندلاع حروب العام 1975. صحيح ان ثمة قوى إقليمية ودولية تدخلت بالمال والسلاح لتأجيج نيران الحرب. لكن الصحيح ايضاً ان ثمة قوى داخلية كانت مطية لهذا التدخل، تفكّك الشعب وكذلك السلطة وتمت استباحة الإقليم الجغرافي للدولة.

وُضعت تسوية "الطائف" لكن لم يتم تطبيقها كاملة بسبب تقاعس نظام الحرب الذي إستولى على مؤسسات الدولة وبسبب تفاقم تدخلات القوى الإقليمية والدولية. الخطر الذي داهم الإدارة الحكومية هو إغراقها بالمتعاقدين الذين لم يعودوا يخضعون لأي سلطة رقابية ومجلس الخدمة وتثبيت عناصر من غير أهل الكفاءة. وقد كانت ضغوط الزعماء وكبار الساسة وراء تعطيل هيئات الرقابة ومجلس الخدمة المدنية وأصبحت سياسة التعيين والترفيع تتم بفرض النفوذ وتثبيت عناصر من غير أهل الكفاءة. واستبيحت واردات الدولة بالسطو على مرافِقها وتوزيع تلك الواردات غنائم على الفرقاء المتصارعين في الساحة. وهكذا أصبح عدد الموظفين في القطاع العام يقارب 350ألفاً ؟

أيها السادة الكرام،

ثمة خطان تلاقيا في النتائج وأديا الى الأنهيار الذي تعيشه دولتنا اللبنانية.

في الأوساط الدولية وبخاصة في الدوائر المتأثرة بمصالح إسرائيل، وُضع منذ الثمانينات، مخطط لتغيير حدود الدول بين البحر المتوسط وإيران. أبرز المخططين: برنارد لويس أُقرّ مشروعه التفكيكي للمنطقة في الكونغرس الاميركي وحُددت له الميزانيات في الوزارات المعنية. وقد صدرت عدة دراسات أميركية بهذا الصدد. ولبنان في هذا المخطط يتشظّى الى عدة كانتونات عرقية مذهبية ودينية.

بموازاة ذلك تلاقى مع هذا المخطط ممارسات المافيا السياسية التي حكمت لبنان وأوصلته الى الانهيار المالي والاقتصادي والسياسي الذي نعيش في جحيمه. وبدل أن يتم احترام وصايا الإمام محمد مهدي شمس الدين: "أوصي الشيعة في كل مجتمع من مجتمعاتهم، وفي كل قوم من أقوامهم، وفي كل دولة من دولهم، الا يفكروا بالحس السياسي المذهبي ابداً، وألا يبنوا علاقاتهم مع أقوامهم ومع مجتمعاتهم على أساس التمايز الطائفي وعلى أساس الحقوق السياسية والمذهبية".

الوصية الثانية:"بألا يسعى أيّ من الشيعة الى ان يُنشىء مشروعاً خاصاً للشيعة في وطنه ضمن المشروع العام ... وبأن يندمجوا في نظام المصالح العام، وفي النظام الوطني العام، وأن يكونوا متساوين في ولائهم للنظام، وللقانون، وللاستقرار، وللسلطات العامة المحترمة". (الوصايا، ص 56).

 

والوصية الثالثة: "أوصيكم بلبنان، وبحريته التي هي جوهر حرياتكم وحصن حقوقكم الملتئمة، طائفة طائفة، وإنساناً إنساناً ..." (الوصايا ،ص 14)

بدل أحترام هذه الوصايا التي تعني وحدة اللبنانيين تحت سقف سيادة الدولة اللبنانية، نجد أن قوى مسلّحة تناقض مبدأ السيادة التي وصفها كاره دي مالبرغ بقوله إنها خاصة "بالسلطان الذي لا يقرّ بسلطان أعلى منه أو مساوٍ له وهو سلطان الدولة بذاته". ومؤسسات الدولة (رئاسة الجمهورية، ومجاس الوزراء وحتى مجلس النواب شبه معطّلة؟

الانهيار المالي والتراجع المريع للعملة الوطنية، والغلاء الفاحش وهجرة زهرة شباب لبنان، ومحاولات توطين اللاجئين والنازحين، وخطر المجاعة والاطماع في ثرواتنا الغازية والنفطية، وثرواتنا المائية، كلُّها عوامل تصبّ في مخطط التفكك والتشظي للدولة اللبنانية التي بناها لنا الآباء والاجداد.

ان صدور هذا الكتاب (لبنان الكبير، المئوية الأولى) في هذا الوقت بالذات هو رسالة إلتزام باستمرار الايمان بوحدة واستقلال وسيادة وإصلاح الدولة اللبنانية. وهو نداء لكل أبناء الوطن للتشبث بالوحدة الوطنية وللتذكّر أن ثمة رمزين جوهريين يسيطران على حياة الانسان الاجتماعية، وهما رمز الخبز، الذي تتصل به أسباب الحياة واستمرارها، ورمز الحرية التي ترتبط بصيانتها كرامة هذه الحياة "على حدّ قول برادييف".

أيها الحفل الكريم.

أباء القضية اللبنانية دافعوا عن مشروع "دولة لبنان الكبير "كضمانة لحرية الشعب اللبناني.

حرية المعتقد، حرية العبادة، حرية التفكير، حرية الكتابة والطباعة والنشر، حرية تأليف الجمعيات، حرية العمل والتجارة، الى ما هنالك من الحريات المتنوعة.

وأن جوهر لبنان الكبير "أي الحرية " مهدد بالفناء في هذه الأيام الكالحة السواد.

فهل نستسلم؟

جوابنا: مواجهة أخطار الخارج والداخل، والرهان على وعيّ شعبنا لهذه الاخطار، والاستنفار للدفاع عن وحدة الوطن وحقوق الانسان في هذا الوطن من خلال إعادة الزخم لحراك شعبنا.

والشكر كل الشكر لكل الذين ساهموا في تأليف فصول هذا الكتاب والشكر لمركز الأبحاث في البطريركية المارونية على إصداره في هذا الزمن الصعب.

 _______________________________________________________

مداخلة الدكتور أنطوان نجيم في حفل إطلاق كتاب لبنان الكبير المئوية الأولى

في معرض الكتاب في انطلياس – في 8 / 3 / 2023

 

بدايةً، مبروك يوم المرأة وعيد المعلم، وعد، أشكر إدارة الحركة الثقافية ممثّلة بالصديق المناضل الأكبر، الدكتور عصام خليفة، على تنظيمها هذه الندوةَ عن كتابِ "لبنان الكبير، المئوية الأولى". وأهنّئ الرهبانيةَ الأنطونية على مباشرتها المئويةَ الثالثةَ من الحضورِ الروحي والإنمائي في انطلياس، متمنّياً لها استمرارَ اْلإشراق واْلازدهار. 

أيها الأصدقاء، بعد مرورِ مائةِ عامٍ على إعلانِ دولةِ لبنانَ الكبيرفي 1 أيلول 1920، كان لا بدّ منَ اْلاحتفالِ بهذا الحدثِ التأسيسيِّ الذي يشكّلُ  خاتمةَ مساعٍ وبدايةَ ممارسةٍ، في مسارِ لبنان. في ضوءِ القناعةِ بوجوبِ اْلاحتفالِ بهذه المناسبةِ على الصعيدِ الوطني، اْتخذَ المجلسُ التنفيذيُّ في المركزِ المارونيِّ للتوثيقِ والأبحاثِ برئاسةِ صاحبِ السيادةِ المطران سمير مظلوم، بناءً على طلبٍ مِنْ غبطةِ أبينا البطريركِ الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، القرارَ بالمشاركةِ في إحياءِ تلك الذكرى التأسيسية.

كيف لا، والأمرُ يتعلّقُ بالموارنةِ الذين كانتْ لهمُ اليدُ الطولى في الوصولِ إلى استقلالِ لبنانَ وتحقيقِه؛ ليس فقط من خلالِ البطريركِ المكرّم مار الياس الحويك، عندما سنحتِ الفرصةُ الملائمةُ لهذا الإنجاز؛ بل من خلالِ مسيرةٍ بعيدةِ الأغوارِ في تاريخِ الكنيسةِ المارونية، يمكنُنا القولُ بدونِ مغالاةٍ إنها انطلقتْ منذ نشأة الكنيسة وتدرّجت باطّرادٍ مستمرٍ من محطّةٍ إلى محطّة، بقيادةِ بطاركةٍ عظامٍ ذوي رؤيةٍ وطنيّةٍ هادفة، تولّوا قيادةَ السفينةِ إلى شاطئِ الأمانِ وبلوغِ المَرام.  

ما إنِ اْنطلقتِ الفكرةُ حتى بادرْنا في المركزِ بعامةٍ والهيئةِ العلميّةِ بخاصة، إلى التنسيقِ معَ المكلّفينَ بالأمرِ على الصعيدِ الوطني. عملْنا على المشاركةِ في إعدادِ برنامجٍ متكاملٍ عنِ المناسبة، يتضمّنُ عناوينَ مختلفةً؛ منها تنظيمُ نشاطاتٍ عديدةٍ كان يُفترضُ بها أن تُجرى ضمنَ اْلاحتفالاتِ المتفرقةِ في المناسبةِ الوطنيةِ الجامعة. ومنها إجراءُ أكثر منْ مؤتمرٍ ولقاءٍ وطاولةٍ مستديرةٍ تتناولُ الموضوعَ بكامله، منَ الدوافعِ إليه ومراحلِ إنجازِه الفعليَّةِ، حتّى استشرافِ مستقبلٍ للبلادِ في بداياتِ المئويةِ الثانية.

ولكنْ، تفاجأنا بموانعَ عديدةٍ، منها الصحّيُّ الشاملُ على الصعيدِ الوطني، بل العالمي، وقد تمثّلَ بجائحةِ كورونا التي تسبّبتْ بما يشبهُ الشللَ فكبّلتِ القدراتِ وحدّتِ المشاريعَ والمخططاتِ وبخّرتِ الأحلام؛ ومنها السياسيُّ المحلّيُّ الناتجُ عنِ التناقضِ  في مواقفِ المسؤولينَ عنِ القضيةِ العاجزينَ، إنْ لمْ يكنِ المتعمِّدينَ، بسوءِ تصرّفِهم، اْلتسريعَ في إفلاسِ البلادِ وتيئيسِ العبادِ وتهجيرِهم، ما فاقمَ اْلانهيارَ العامَّ، وحالَ  دونَ تحقيقِ كلِّ ما كنا نسعى إليه بعزمٍ ونتمنى إدراكَه.

في غمرةِ هذه الموانعِ ووطأةِ العجزِ المتفاقم، تناديْنا في الهيئةِ العلميّةِ في المركز، وارتأيْنا استبدالِ ما لمْ نستطعْ إنجازَه، بإصدارِ كتابٍ موثقٍ جامعٍ واحدٍ، يُغطّي موضوعَ المئويةِ الأولى بكاملِه، فيتناولُ الحدثَ وكلَّ ما يمتُّ إليه بصلة، من مقدّماتٍ وحيثياتٍ، ومسيرةٍ نضاليةٍ إعداديّةٍ واكبتِ التاريخَ، متطوّرةً عبرَ التغلّبِ على التحدّياتِ والصعوباتِ حتى تحقيقِ الغايةِ المنشودة، ومن ثمَّ عبرَ ممارسةِ الحكمِ والمسؤوليةِ، وما أحرزتْه منْ إنجازاتٍ وتعرّضتْ له من عثرات، بلوغاً إلى استشرافِ المئويةِ الثانية.

عنوانُ الكتاب: "لبنانُ الكبير المئويةُ الأولى ". تولّت إعدادَه الهيئةُ العلميّةُ في المركز، فوضعتْ له تصميماً حدّد المواضيعَ ومضامينَها، في سياقِ برنامجٍ متكاملٍ من الأبحاثِ عنِ اْلمناسبةِ تندرج في أربعة أقسام.

يتطرّق القسمُ  الأولُ، إلى المخاضِ العسيرِ الذي أعدَّ لإنشاءِ دولةِ لبنانَ الكبير. ويتناولُ القسمُ الثاني المساعي المباشرةَ التي أدّتْ إلى ولادةِ هذه الدولة وإعلانِها من قبل الجنرال هنري غورو؛ ويتطرّقُ القسمُ الثالث، إلى الممارساتِ بدءاً من مرحلةِ اْلانتدابِ وما رافقَها من مشكلاتٍ وإنجازات، ليتناولَ بعدَها مرحلةَ الاستقلالِ الناجزِ ومفاهيمَ اْلاستقلالِ والميثاقِ والجلاءِ وأبعادَها، ويحلّلَ عقبَ ذلك بعضَ المسائلِ التي اعترضتِ المسارَ، على غرارِ الطائفيةِ وجذورِها وتطوّرِها ومحاولاتِ إلغائِها؛ ولا يتوانى عن التطرّقٍ إلى بعضِ الأزماتِ التي عصفتْ بالمسارِ وأبرزتْ مواطنَ الضعفِ فيه وأسبابَها ونتائجَها. في القسمِ الرابع، يبلغُ الموضوعُ ذروتَه فيستخلصُ العبرَ من الماضي والحاضرِ ويستشرفُ المستقبلَ منزّهاً عن الإخفاقِ والنكساتِ السابقةِ، ومفعماً بالإشراقِ اْلاقتصادي والسياسي واستعادةِ الدورِ الحضاريِّ والرسالةِ الإنسانيةِ المميّزة، بل مبنيّاً على تفعيلِ هذا الدورِ وهذه الرسالةِ وتحديثِهما وتطويرِهما بما يتلاءمُ معْ تقدّمِ الإنسانيةِ في مختلفِ الميادين.

كان لا بدّ من  إيجادِ اْلاختصاصيينَ القادرينَ على إجراءِ الأبحاثِ المعمّقةِ والموضوعية. نشكرُ اللهَ ونحمُدُه على أنَّ لبنانَ لا يزالُ غنيّاً بالعقولِ النيّرة؛ فإذا بالكتابِ يَذخَرُ بإسهاماتِ إثنيْ عشرَ مفكّراً ثقةً منْ نخبةِ البحّاثةِ اللبنانيينَ الملافنةِ المُجِلّينَ، ينتسبون إلى مختلفِ مناطقِ البلادِ وأبرزِ جامعاتِها  ومكوّناتِها الروحية، إسلاميةً ومسيحيّة.

بعد مقدِّمةٍ شاملة لسيادة المطران مظلوم، قدّمَ كلٌّ مشاركٍ مقالاً، وفْقَ التصميمِ الآتي:

أ-المقدمات: من مرحلةِ الجذورِ إلى نضوجِ الفِكرة. يتناولُ القسمُ الأولُ، كما سبق وقلنا، المقدّماتِ التي أدّتْ إلى إعلانِ هذه الدولة؛ وذلك منْ مرحلةِ الجذورِ إلى نضوجِ الفِكرةِ والعملِ على تحقيقِها. منَ الأبحاثِ في هذا القسم:

-مسيرةُ الكنيسةِ المارونيةِ إلى لبنانَ الكبير- للدكتور طانيوس نجيم؛

-الخصوصيةُ اللبنانيةُ في عهدِ المعنيّينَ والشهابيّين- للدكتور مروان أبي فاضل؛

-الخريطةُ العثمانيةُ في الحساباتِ الدولية- للدكتورة دعد بوملهب عطاالله.

ب- يتناولُ القسمُ الثاني ولادةَ دولةِ لبنانَ الكبير؛ منَ الأبحاثِ فيه:

-الوفودُ اللبنانيةُ إلى مؤتمرِ الصلحِ في باريس- للدكتور عصام خليفة؛

-قراءةٌ في مواقفِ جبلِ عامل منْ لبنانَ الكبير- للدكتور منذر جابر؛

- الحويّك كرّسَ لبنانَ وطنَ الحرّيات- للدكتور سيمون سلامة.

ج- ويتطرّقُ القسمُ الثالثُ إلى مضمونِ مسارِ المئويةِ الأولى، نجاحاتِها وإخفاقاتِها؛ من أبحاثه:

-مرحلةُ اْلانتدابِ الفرنسيِّ في لبنان 1920-1943 (بالفرنسية)- للدكتور هيام ملاّط ؛

-الاستقلالُ، الميثاقُ، الجلاء- للدكتور الأب باسم الراعي؛

-الطائفيةُ السياسيةُ في لبنان، جذورُها، تطوّرُها ومحاولاتُ إلغائِها- د. أنطوان الحكيّم؛ 

-محطّاتُ اْنتحارٍ داخليةٍ -مخططاتٌ وتسوياتٌ خارجية- للدكتور عبد الرؤوف سنّو.

د- ويعالجُ القسمُ الرابعُ، انطلاقاً من خبرةِ المئويةِ الأولى، استشرافَ المستقبلِ ضمانةً للمئويةِ الثانية؛ منَ الأبحاثِ فيه:

-لإعادةِ النظرِ بنظامٍ اقتصاديٍّ مولّدٍ بنيويّاً للأزمات- للدكتور إبراهيم مارون؛

-حِيادُ لبنانَ الدائمُ استكمالٌ للْاعتراف به وطناً نهائيا- لمعالي الوزير سجعان قزّي.

فألفُ شكرٍ للمشاركين، أُحيّيهم جميعاً على الجهودِ التي بذلَوها وعلى ما أغنَوا به الكتابَ من آراءٍعلميةٍ قيّمة، جعلتْ منَ المؤلَّف بكاملِه دُرّةً فكريّةً متكاملةً، غنيّةً بالحقائقِ الموضوعيةِ الدامغة، البعيدةِ عنِ التبعيّاتِ المحوريةِ، والمجرّدةِ عنِ اْلنزْعاتِ المتحيّزةِ والأنانية. وأغتنم الفرصة لأشكر أيضاً، المحامي الأستاذ عزيز طربيه على دعمه المادي الذي أتاح إنجاز هذا المشروع التاريخي.

أمّا صورةُ الغلافِ، فلا يجافي الحقيقةَ القولُ إن ما ترمزُ إليه هو بالذات المسيرةُ النضاليةُ والمتدرجةُ من محطّةٍ إلى محطّة، منَ الجذورِ في عمقِ التاريخِ والتراثِ المتمثِّلِ بنضالِ البطاركةِ والشعبِ الملتفِّ حولَهم، بِدءاً منَ البطاركة دانيال الحدشيتي وجبرائيل حجولا وموسى العكاري ويوحنا مخلوف وجرجس عميرة والمكرّم اسطفان الدويهي، مروراً بالبطاركة يوسف حبيش وبولس مسعد ويوحنا الحاج، بلوغاً إلى اكتمالِ العِقْدِ معَ اْلمكرّمِ البطريرك الياس الحويك الذي دُعيَ بحقٍ عرّابَ لبنانَ الكبير، هو الذي عَرّفَ عن ذاته وموقعه بهويّةِ وطنِه، مُجيباًعلى سؤالٍ من كلمنسو  (Clemenceau) : من أنت؟ بالقول بافتخار واعتزاز: أنا بطريركُ لبنان".

واسمحوا لي، في هذا الصدد،  بالإشارةِ إلى أنَّ التنويهَ بدورِ البطاركة، لاسيّما دور المكرّمِ البطريرك الياس الحويّك الذي نبرز في الملحق مذكّرة الوفد الذي ترأّسه إلى مؤتمر الصلح بالفرنسية والعربية، لا يعني الانتقاصَ منْ دورِ الفعالياتِ الأخرى، خصوصاً الأمراءَ على امتدادِ الإمارتيْنِ المعنيةِ والشهابية، والرجالاتِ منْ سائرِ العائلاتِ الروحيةِ اللبنانية، دعاةِ الاستقلالِ على مرِّ التاريخ، في كلِّ مراحلِه.

أودُّ الإشارةَ أيضاً – في سياقِ البحثِ الذي أسهمْتُ به شخصيّاً -  إلى أن بلوغَ ما تحقّقَ بإعلانِ دولةِ لبنانَ الكبير لم يكنْ بالأمرِ السهلِ، كما تودُّ الإيعازَ به بعضُ الأقلامِ المرتهنةِ؛ بلِ اْنطبعتِ المسيرةُ اْلاستقلاليةُ بالنضالِ والتضحياتِ والمعاناةِ على أنواعِها، منْ تحمّلِ اْلاضطهاداتِ القاسيةِ ومظالمِ اْلاستبدادِ التعسّفيِّ وكبتِ الحرّياتِ وضروبِ الأطماعِ الجشعةِ، كما حصلَ على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ منْ جرّاءِ مخططات العثمانيّين واقتطاع أجزاء من رقعة الأرض اللبنانية التاريخية وممارسة الحصار والتسبّب بالمجاعة وتعليق المشانق في أثناء الحرب العالمية الأولى. كلّفت نشأة الدولة اللبنانية أجدادَنا وأهلَنا وقادتَنا الروحيّين والمدنيّين الكثير الكثير؛ فهي لم تكن هبة ولا منّةً من أحد، بل تحقّقت بالنذور والصلوات، بالشهادة والتضحيات، وبالنضال المستمرّ وعرق الجبين. فما أحرى بنا ألاّ نفرّط بالوديعة الغالية والإرث الثمين والإنجازات المميّزة!

أشرتُ في بحثي إلى محطّاتٍ، على امتدادِ تاريخِ الكنيسةِ المارونيةِ، ممثّلةٍ ببطاركتِها  ومسيرتِهمِ النضاليةِ، بدءاً من يوحنا مارون حتّى المكرّم الياس الحويك. لبنانُ الكبير؟  استحقًه آباؤُنا وأجدادُنا بنضالِهم وقيادةِ بطاركتِنا القديسينَ والميامين. فهل ننجحُ نحنُ اليومَ في الحفاظِ على الوديعةِ الأمانةِ وتطويرِها وإغنائِها؟! 

يجبُ ألاّ تتوقّفَ المسيرةُ. صحيحٌ أنها تكلّلتْ بإسهامِ البطريرك الحويك الحاسم وتمثيلِه جميعَ اللبنانيينَ وحملِه مطالبَهم إلى مؤتمرِ الصلحِ في فرنسا وإلحاحِه على الفعالياتِ الدوليةِ لتحقيقِها، ما أفضى في خاتمةِ المطافِ إلى اْلاستجابةِ لهذه المطالب؛ لكنَّ حرصَه على الوطن والخير العام قد استمرّ إلى آخر رمق من حياته. قُبيل وفاته أصدر منشورَه الأخير بعنوان "محبّة الوطن". ممّا يقول فيه: " قُصارى الكلام، لِندعْ محبّتنا للّه تمتدُّ إلى محبّة الوطن (فقرة 26). " فضيلة محبّة الوطن توجب علينا أنْ نسعى ونرغب َ رغبةً حقيقيّةً، بأن يكون وطنُنا أعظم َ ممّا هو، وأكثرَ رُقيّاً ممّا هو عليه الآن، وأشدَّ تعلّقاً بالله، وأنقى آداباً ممّا هو الآن. (فقرة 27). "العدلُ العامّ يقتضي منّا التضحيةَ بالحياة إذا لزم الأمر، وذلك في جانب الوطن والدين. (فقرة 41)".

وعليه، يسعنا القول: إنَّ  العنايةَ البطريركيةَ قدِ اْستمرّتْ معْ قيامِ الدولة، وإنْ ببعضِ التغييرِ في مواقعِ المسؤوليةِ بين القادةِ الروحيينَ والقادةِ المدنيينَ الذين تسلّموا مقاليدَ الحُكْمِ. مسؤوليتنا جميعاً كبيرة. طبعاً لا يُضير للمئوية الثانية؛ بل يفيد، وقد يكون العلاج الشافي للعديد من الأزمات والعثرات التي اعترت مسار المئوية الأولى، أن  يُعمل على تحديث النظام وإصلاحه وتطوير صيغة الحكم، بحيث تتمّ المحافظة على وحدة البلاد وتعدّدية مكوّناتها البشرية في الوقت عينه، فضلاً عن الجمع بين حرّية سائر المواطنين  والمساواة بينهم واحترام كافة حقوقهم الإنسانية.

لكنَّ التطويرَ أيّاً كانتْ هويّةُ دعاتِه وفرسانِه، ما كانَ لِيعفيَ الدولةَ الناشئةَ من رعايةٍ بطريركيةٍ دائمةٍ وحرصٍ على تصحيحِ كلِّ خللٍ يشوبُ التطبيقَ والممارسة؛ لم يتخلَّ قادةُ الكنيسةِ عن دورِ العنايةِ والرقابةِ والحرصِ على صوابِ المسيرةِ والْالتزامِ بقضايا الوطنِ والناسِ المُحِقَّة. حسبُنا التذكيرُ، بمواقفِ البطريرك أنطون عريضة الذي أسهمَ هو أيضاً، بمطالبتِه الحثيثةِ، في الحصولِ على اْلاستقلالِ الناجزِ، على الرغم مما اعترى المسيرةَ من عثراتٍ وشوائب، وقد كلّفَه ممثّلون عن جميعِ اللبنانيّينَ، على اختلافِ مذاهبِهم، في مؤتمرِ بكركي سنة 1941 وفي اللقاءِ الذي تبعَه سنة َ1942، بتحقيقِ اْلاستقلالِ؛ الأمرُ الذي عملَ على إنجازِه بكلّ صدقٍ ومسؤولية، فدُعي بحقٍّ أبا الاستقلال.

والجديرُ بالذكرِ في الماضي القريبِ وقوفُ البطريرك نصرالله صفير ببساطتِه وصلابتِه وانفتاحِه على جميعِ اللبنانيّينَ، سدّاً منيعاً أمامَ عبَثِ الطامعينَ وهيمنةِ الغرباءِ المحتلّين. كذلك، تقضي الموضوعيةُ والإنصافُ، الآنَ، في غمرةِ اْلانهيارِ الداهمِ يوماً بعد يوم، تقديرَالمواقفِ الصائبةِ والجريئةِ لغبطةِ البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وثباتِه على قولِ الحقَّ والتنديدِ بالفسادِ على أنواعِه بوجهِ المسؤولينَ، كلِّ المسؤولين المتخلّينَ عن أبسطِ واجباتِهمِ الوطنيةِ، في حفظِ المواثيق الوطنيةِ والعملِ على تقدّمِ البلادِ وسؤدُدِ العبادِ والتزامِ الحِيادِ في غمرةِ اْلإنحيازاتِ المحوريَّةِ واْلارتهاناتِ الخارجيةِ والتبَعيّاتِ المشبوهةِ، والمحاصصاتِ الشخصيةِ، على حسابِ الخيرِ العامِّ وأحكامِ الضميرِ والكرامةِ الوطنيةِ والإنسانية. منْ نِعَمِ الله التي نستمطرُها علينا في هذه المحنة الوجودية، أنْ يوجدَ بينَنا رجالاتٍ على قدْرِ طموحاتِنا، مدنيّين في أعلى مواقعِ المسؤوليةِ الرسميّة، وقياداتٍ دينيّةٍ روحيّةٍ على غرارِ بطريركِ الحِيادِ ومحاربةِ الفسادِ.

بعد تهاوي سائرِ المرجعيّات أو انحرافها عن رسالتها، ندعوك يارب، من عمق الانهيار، أبقِ لنا، على رأسِ المسيرة، للنهوض اليومَ وفي الغد، الصخرةِ البطرسيةِ، مرجعيةً  وطنيّةً جامعة، صامدةً صمودَ الأرزاتِ العليّةِ وذُرى جبالِنا العتيّةِ: بوجهِ السوءِ المستشري والأخطارِ المُحْدِقة. هذا أملُنا ورجاؤنا ولنْ نألوَ جهداً وصلاةً وبحثاً، لتستمرَّالمسيرةُ مشرقةً ويستعيدَ لبنانُ زخمَه الإبداعيَّ ورسالتَه الحضاريّةَ الرائدة.