تكريم الفنّان صلاح تيزاني

 

تكريم الفنان صلاح تيزاني

2023/3/11

كلمة بريجيت كساب

 

في زمن وقد أرهقتنا هموم الحياة والصعوبات التي نعيشها، مع التفكير الدائم عن كيفية تأمين قوتنا اليومي، بتنا نعيش فقط ليومنا. نسينا كيف نحلم ونخطط لمستقبل باهر حيث يكاد ان يكون مستحيلا. نسينا كيف نبتسم ونضحك، نسينا كيف نغني، نسينا كيف نحب، واما الشيء الوحيد الذي بتنا نذكره هو القهر والياس والحزن. نقصد في هذه الحالة الهروب الى الماضي الجميل كي نعود شحن انفسنا بالقليل من الطاقة الإيجابية. هذا الماضي هو الايام التي فيها ضحكنا ولعبنا وتعلمنا واحببنا وايضا بكينا على ايام جميلة لم نكن نعلم انها سوف لن تعود. نهرب الى الماضي الجميل حيث كنا اطفالا صغارا احيانا اشقياء تربينا على تماسك العائلة. احترام الاب وسماع كلمته، حنان الام ومحبتها واهتمامها، ومحبة الاخوة وتماسكهم مع بعضهم البعض، طيبة الاصدقاء والجيران ومساعدتهم لبعضهم البعض.

في هذه الأمسية، سوف نركب واياكم عربة الزمان ونعود الى الوراء، الى سنين حيث كنا نتسمّر على شاشات التلفزيون لنضحك ونستمتع بمشاهد المسلسلات التلفزيونية اللبنانية الشيقة والمضحكة ونتكلم هنا عن مسلسلات ابو سليم الطبل وفرقته المسموح مشاهدتها من قبل الاهل قبل النوم. كانت المسلسلات التي يحق لنا مشاهدتها اطفالا، معدودة، اذ يحرص الآباء والامهات على انتقاء الجيّد منها التي لا يمكن ان تفسدنا باي شكل من الاشكال. من منّا لا يذكرسيارة الجمعية، والابواب السبعة حيث كنا ننتظر اسبوعا بكامله لنعرف ماذا وراء هذه الابواب باب تلو باب. من منّا لا يذكر أغنية " يا امة الله" و"شقرا حلوي" من الحان الفنان الراحل الياس الرحباني، "مجلخ مجلخ" "ماحدا بيعرف شو رح بيصيبو" اغنيات لا نزال نرددها لغاية اليوم. من منّا لا يذكر فهمان المحتال وأسعد المهضوم الذي ينسى كثيرا وشكري شكرالله البخيل ودرباس مع تسريحة شعره وحبيبته سهام وغيرهم من الشخصيات التي صقلها الفنان صلاح تيزاني ببساطة الكلمة والنكتة المهضومة والموقف الظريف حيث تحمل في طيّاتها الكثير من المعاني ما يمكن ان نتعلّمه من هذه الحياة على يد هذه الشخصيات الموجودة معنا وبيننا وفي كل مكان وزمان. كبرنا وما زلنا نتوق الى تلك الايام والمسلسلات والشخصيات التي رسمها لنا صلاح تيزاني ولكني شخصيا ولغاية اليوم لم أعرف لماذا اتخذ الطبل اسما مرادفا لابو سليم.

شخصيّة ظريفة، عشق للفن لا متناهي، موهبة مصقولة بشكل جميل وكامل، يفهم طباع الناس وتصرفاتهم، يستشف المستقبل، انها صفات فنان مبدع آمن بفنه وشغفه وموهبته فنقلها لنا من خلال كتاباته لمسلسلات ومسرحيات واسكتشات رسمت البسمة على شفاه الكثيرين والضحكة التي نبعت من القلب لتبعد هموم الحياة ولو لبضع دقائق او ساعات مع ما تحمله من معاني ومواقف حقيقية نعيشها في حياتنا اليومية.

في هذه الامسية سوف نحاول ان نرد البعض من هذا الجميل من خلال تكريم الفنان صلاح تيزاني او ابو سليم كما عرفناه دائما. هو من عرف كيف يضحكنا اذ ان هذه المهمة من اصعب المهام على الاطلاق. ان تتمكن من اضحاك الناس وتسليتها من خلال شخصية او موقف او كلمة او حركة، فكانت اعمال ابو سليم متماسكة مترابطة من حيث الدور والشخصية والحركة باحساس مرهف وشغف كبير لما يقوم به حيث يظهر جليا في اعماله. لم يتعلّم التمثيل والكتابة في الجامعات انما عاش بين النالس الطيبين البسطاء واستلهم منهم الطيبة والحنكة والمعرفة ووضعها بقالب هزلي كوميدي احبه الناس وعشقوه حتى انهم صاروا يقلّدونه في الواقع.

تفتّحت براعمه الفّنية في عمر الخامسة. كان مشاغباً وكسولاً لكنه بارع في إضحاك رفاقه ومعلّميه. توفّى والده فاضطرّ صلاح تيزاني إلى ترك المدرسة والعمل في الحياكة ثمّ في صناعة الموبيليا لُيُعيل والدته وإخوته. ثمّ إفتتح معملاً خاصاً به، ومع عمّاله الأمّيين أسّس فرقة مسرحيّة جال بها مناطق الشمال اللبناني بأعمال مسرحيّة مميّزة. عُرِف لفترة كمونولوجيست يُقدم السهرات الخاصّة في المنازل والمطاعم.

 ومع نشأة "تلفزيون لبنان" إنتقل مع فرقته ليقّدم فيه أوّل الأعمال الكوميديّة المتلفزة في لبنان، ما شكّل دهشة "للجمهور الّلبنانيّ". كانت لصلاح تيزاني عدّة تجارب مع الأخوين رحباني في المسرح (إيّام فخرالدين) وفي السينما (سفر برلك) وفي الغناء مع الياس الرحباني الذّي كتب ولحّن له العديد من الأغنيات. كتب صلاح تيزاني أكثر من 2500 حلقة تلفزيونيّة وحوالي 800 حلقة إذاعيّة وما يربو على 200 مسرحيّة إضافة إلى عددٍ من الأفلام السينمائية.

ابو سليم شخص لا يتكرّر، يملؤه الحب، تسكنه الموهبة، يزيّنه الابداع. شرف لنا ان تكرّمه الحركة الثقافيذة انطلياس التي تؤمن بتكريم المبدعين أحياء، وفاء منها بما قدّموه من اعمال وانجازات على الصعد كافة، لبنيان الوطن والانسان.

أفتخر شخصيا ان اجلس اليوم الى جانب الفنان المبدع ابو سليم الذي سكن ذاكرتي طفلة واحببت أعماله المسرحية والتلفزيونية والسينمائية اعجبت بالشخصيات التي رسمها كتابة وحوارا وتمثيلا، حفظت اغانيه التي تحمل معاني جميلة ولازلت اهرب من ما نعيشه اليوم الى تلك الحقبة الجميلة، ادندن بعض اغانيه التي حفظتها لاستعيد بسمة خشيت ان افقدها وضحكة يمكن ان تعيد الالوان فرحة لايام سوداء نعيشها علّها تختفي وتموت لنحيا نحن بالحب والرجاء.

 

تقديم الدكتور جان قسيس

ومن افضل من الدكتور جان قسيس الاكاديمي والباحث في الفن وعلوم الفن ليتكلّم عن مكرمنا اليوم الفنان صلاح تيزاني؟ مؤلف كتاب صلاح تيزاني (ابوسليم) ديللارتيه لبنان

فقد شغل مناصب عدة وهي نقيب ممثلي المسرح والسينما والاذاعة، استاذ في الجامعة اللبنانية – كلية الفنون الجميلة، رئيس مجلس ادارة صندوق التعاضد الموحد للفنانين، عضو في جمعية اندية الليونز الدولية، من مؤسسي المنتدى الثقافي ديوان الكلمة وامين سره العام. مارس التعليم في المدارس والمعاهد الرسمية والخاصة، شارك في اعمال مسرحية وتلفزيونية واذاعية، عمل في حقل الصحافة المكتوبة. كان مستشارا وملحقا اعلاميا في تلفزيون لبنان. كتب العديد من المسرحيات والاعمال الدرامية واعد الكثير من البرامج التلفزيونية والابحاث لافلام وثائقية لمحطات لبننانية وعربية. له: كلمات للحب، وماحدا متلك، حلم الدني، وانتي مرا. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات والمهرجانات الادبية والمسرحية  والاعلامية في بلدان عدة نذكر منها: الاردن، العراق، قطر، الكويت، اسبانيا وايطاليا حيث راس في بعضها لجان التحكيم

_____________________________________________________

 كلمة جان قسيس

متّكئًا على سنوات العمر، ما زال على شباب العطاء، عامرًا بالفرح والحبّ. سيّد الضحكة هو، رسَمها على شِفاهنا مذ كنّا أطفالاً، وغَرَسَ في ذاكرتنا حكايات الوطن والناس، ومسح عن جباهنا ملامح التعب، ولم يتعب هو.

تعرفونه جميعًا... وربّما لا. تعرفون "أبا سليم"، لكنّكم لا تعرفون صلاح تيزاني.

في مسيرته، هو الحكاية الأولى، الأَحلى والأَغلى إبن طرابلس الفيحاء، تلك المدينة المظلومة أبدًا، الّتي من أَزقّتها المتعبة، إِنبثق أعلامٌ وانطلقت قاماتٌ، في ميادين الفكر والأدب والشعر والفنّ على أنواعه.

صلاح تيزاني، أبو سليم، واحدٌ منها.

قد تكون  الأعوام القليلة الّتي قضاها أبو سليم على مقاعد الدراسة، غير كافيةٍ ليطلعَ من إِهابها عَلَمٌ كبير، غير أنَّ ذلك الصبيَّ الصغيرَ عرف كيف يعتنق مدرسة الحياة، على قساوتها، ويغرف منها التجربة تِلوَ الأُخرى، متسلّحًا بموهبةٍ فذّةٍ حباها إِيَّاها الله.

على الفطرة نما، وعلى السجيّة الطيّبة، وإِلاّ، فكيف لإِنسان يكاد أَن يفكَّ الحرف، أَن يخطَّ لنفسه مسيرةً فنّيّةً حافلةً بالعطاءات.

في كتابه "أيَّام من ذاكرتي"، يروي صلاح تيزاني شيئًا من سيرته الذاتيّة مؤكّدًا أَنّ ميوله الفنّيَّة برزت لديه في سنّ الخامسة، حيث كان يجمع رفاقه الصغار ويدبّر لهم المقالب المضحكة. حياته لم تكن ورديَّةً، إذ توفّي والده حين كان صلاح يبلغ بالكاد السابعة عشرة، فاضطرّ إلى العمل لإعالة أمّه وإخوته. إِشتغل في الحياكة لسنتين، إنتقل بعدها إلى النجارة ليؤسّس لاحقًا معمله الخاصّ. وإِلى ذلك، إِحترف في بداياته فنّ المونولوج، متتلمذًا على كبارٍ فيه من أَمثال "رفقي الأَفيوني" و"عبدالله المدرّس" وسواهما... فنّ المونولوج هذا دفع بصلاح تيزاني إِلى كتابة الأغاني النقديّة وتلحينها بنفسه فحصد شهرة كبيرة في طرابلس والجوار، ولُقِّب حينها بـ"شيطان المسرح".

رغم نجاحاته، لم يتخلَّ صلاح تيزاني عن هوسه بالمسرح. فشكّل مع عمّاله في فبركة الموبيليا، فرقة مسرحيّة تحت إسم "فرقة كوميديا لبنان"، كان نواتها في حينه كلٌّ من "عبدالله حمصي" (أسعد)، ة"أحمد الضابط" (كوستي)، و"زكريّا عرداتي" (جميل)، و"غازي شرمند" (أمين)، لينضمّ إليها لاحقًا كلٌّ من "محمود مبسوط" (فهمان)، و"صلاح صبح" (شكري)، وسمير شمص وآخرون. فرقةٌ برع صلاح تيزاني في إدارتها وبلورة مواهب أعضائها وصقل تجاربهم وطرق أدائهم، فكان الكاتب والمخرج والممثّل ومصمّم الملابس والمموّل ومهندس الديكور والإضاءة والصوت ومسؤول العلاقات العامّة والناطق بإسم الفرقة. إختصر المهام كلّها في ذاته، لا عن أنانيّةٍ في طبعه ونرجسيّةٍ، وإنّما لأنّ الغالبيّة الساحقة من أعضاء فرقته كانوا أُمّيّين لا يقرأون ولا يكتبون. وكم كان يشقى ليجعل هؤلاء يحفظون أدوارهم إذ يلقّنهم تلقينًا. بشغفه المجنون، بلغ صلاح تيزاني في الفنّ أقصاه، فعرف كيف "ينحت" شخصيّات فرقته حتّى كرّسها أمام أعين المشاهدين وفي ذاكرتهم، شخصيّات نمطيّةً تثير العجب، مستغلاًّ ما فيهم من عيوبٍ وشوائب ومن موهبةٍ أيضًا، مطوّرًا إِيّاها في سياقٍ منهجيّ صارم، حتّى متى أطلّ مع فرقته هذه على شاشة التلفزيون، مع إنطلاقته عام 1960، أذهل الجمهور، وقضّ مضاجع القيّمين عليه ومعظم العاملين في الفنّ والمنتجين. توالت نجاحات صلاح تيزاني وفرقته على المسرح وعلى الشاشة الصغيرة، ثمَّ على الشاشة الفضّية الكبيرة الّتي خاض غمارها بثلاثة أفلام سينمائيّة "أبو سليم في المدينة" و"أبو سليم رسول الغرام" و"أبو سليم في أفريقيا".

نجاحات "أبو سليم" وموهبته وظاهرته حدت بالأخوين رحباني إِلى التعاون معه في مسرحيّتَي "فخر الدين" و"ناس من ورق"، وفي فيلمين سينمائيّين "سفربرلك" و"بنت الحارس"، كما مدّه الراحل الياس الرحباني بمجموعة من الأغنيات الشعبيّة الطريفة.

يطول الحديث على صلاح تيزاني، أبو سليم، الّذي رغم انهماكه في العمل الفنّي، لم يتخلَّ عن العمل في النجارة، إذ كان يوفّر من مدخولها، في المعمل وفي صالة العرض، ما يعينه على إنتاج أعماله ومساعدة زملائه في الفرقة. أبو سليم لم يحترف الفنّ طمعًا في الثروة والشهرة، بل عشقًا وهَوَسًا. وإِلاّ لكان من أثرياء البلد لو أراد، ولما أحرق ثروته من أجل الفنّ وأهله. أَمّا الشهرة فقد حملت نفسها إليه عنوةً. ولكن، في نقابة الممثّلين الّتي استضافها في بيته لسنوات قبل أن تحظى لها بمقرٍّ ثابت، فقد عاينت عن كثبٍ حرصه الشديد على مالها وموازنتها. فقد رافقني على مدى ثماني سنوات أمينًا لصندوق النقابة يوم كنت نقيبًا للممثّلين من عام 2010 ولغاية 2018، من دون أن يبخل على ممثّل محتاجٍ بمساعدة يطلبها أو قد لا يطلبها.

صلاح تيزاني، قليلون يعرفون كيف يقصد إلى اليوم، وزارة الصحّة لإدخال مريضٍ من الزملاء إلى المستشفى، أو لتأمين الدواء لآخر. ما تأخّر يومًا عن واجبٍ إِنسانيٍّ أو إجتماعيٍّ أو نقابيّ.

صلاح تيزاني إِنسانٌ كبيرٌ بقدر ما هو فنّان كبير. إنّه ظاهرةٌ إِنسانيّة وظاهرةٌ فنّيّة كما قلت عنه في كتابي "صلاح تيزاني (أبو سليم) ديلّلارتيه لبنان". والظاهرة لا يمنّ الزمان بها علينا إِلاّ نادرًا. في هذا الكتاب حاولت إِظهار عبقريّة صلاح تيزاني الّذي نَهَج في فنّه نَهْجَ "الكوميديا ديلّلارتيه" من دون أن يعرف عنها شيئًا، وهي تلك المدرسة المسرحيّة العريقة الّتي انطلقت من إيطاليا أواسط القرن السادس عشر ليعمّ تأثيرها لاحقًا على الفنّ المسرحيّ في أوروبا والعالم. ولمن يرغب في معرفة المزيد، يمكنه الحصول على هذا الكتاب الموجود في المعرض، في منصّة "أرض المبدعين"، والّذي سنوقّعه بعد انتهاء لقائنا هذا مباشرةً.

أبو سليم، مهما قلنا فيك نبقى قاصرين. أنت الّذي حبستنا في دائرتك الجميلة منذ أكثر من خمسةٍ وسبعين عامًا، ونقلتنا على أجنحة الفرح إلى عالم أحببناه وأحببناك فيه. وكم حملت في أعمالك وجع الوطن الّذي لم ينتهِ بعد. ما تركت موضوعًا لم تكتب فيه، وكأنّك شبه نبيٍّ برؤيتك الصارخة، إستشرفت المآسي الّذي عاشها هذا الوطن وما يزال، وقد أعطيته عمرك كلّه ولم يعطك شيئًا في المقابل.

 

أطال الله في عمرك، وأبقى لنا فنّك ولبنان.