كلمة بريجيت كساب في يوم تكريم الفنان مارون الحكيم

2015/3/14

بداية مع النشيد الوطني اللبناني

نرحب بكم اليوم فردا فردا في رحاب الحركة الثقافية – انطلياس بيتكم الثاني، حيث جئتم لتشهدوا للثقافة الحقيقية والحيّة وتدعّموا صرحها في مواجهة عواصف الجهل، الذي يحاول جاهداً أن يهدمها. جئتم أيها الأحبة والأصدقاء تشاركون الحركة والعائلة في تكريم أحد أعلامها الفنان مارون الحكيم، فهو العلامة المميزة بيننا اليوم ونجمة مضيئة في سماء الفن والثقافة. أهلا وسهلا بكم.

أوجد الله الإنسان وأعطاه بعضاً من صفة الألوهيّة، فكان أن ملّكه على جميع مخلوقاته من نفَس ونبات وحجر، يُنشىء بها ومعها اللوحة الأرضيّة الجماليّة بكل ألوانها وأشكالها، لتصبح حيّة تسبّح الخالق وتبعث السلام والسرور والمحبّة لكل سكّان الأرض، مرنّمة ومنشدة بأسمى الألحان والمعاني، فترفع الإنسان إلى فوق حتى يجاور الملائكة.

قليلون هم من فهموا هذه المعادلة السهلة الصعبة. وحدهم الذين أصغوا للذات الصامتة المتأملّة السامية عرفوا مصدر إلهاماتهم والموارد اللازمة للتنفيذ. وحدهم الذين آمنوا بمواهبهم التي لازمتهم منذ لحظة ولادتهم،فقدكُتب لهم أن يسيروا هذا الطريق حاملين أقلامهم وريشاتهم قناديل ومشاعلينيرون فيها سبيل كل إنسان يتوق إلى السلام الحقيقي النابع من الداخل ليتوزّع إلى من هم خارج الذات الواحدة، معمّقين بإبداعاتهم واحدة من جذور الثقافة فتعلو وتفرع أوراقها في كل اتّجاه.

مارون الحكيم هو أحد هؤلاء الذين طيّعوا الحجر والخشب ليصير لهما قلب ينبض بالحياة وروح تحاكي مشاعر كل قاصد أو ربما عابر سبيل فلا يعود الحجر حجر عثرة في الطريق والخشب خشبة عار لمصلوب.أمّا علاقة مارون الحكيم بهمافهي علاقة الإنسان العفويّة مع الأرض.  حيث حجره حجر الفكر وخشبه خشب التقوى.

علاقته باللون عطاء مستمر في التقنيّات واستنباط قدرات جديدة للمادة اللونيّة، ومحترفه حقل تجارب واختبارات للمواد وتوظيفها للتعبير عن مكنوناته الإنسانيّة.

إنّه فنّان متعدد البوح الفنّي. فعلى امتداد أكثر من أربعين سنة وهو يتنقّل بين الرسم والنحت، عارفاً مسالكهما الوعرة والثريّة، ومتمكّناً منهما بحرفيّة إبن مهنة. هو ليس رسّاماً أو نحّاتاً فقط بل الإثنين معاً. بالزيتوالأكريليك، والألوان المائيّة والغواش، ينشر مارون الحكيم الغنى الجمالي ويبعث المتغيّرات الولهة بكل مسالك روحه وفكره. في الوقت نفسه لا ينسى أبداً من خلال لعبة الخطوط والأحجام أنه نحّات أيضاً.

نكرّمه اليوم على منبر الحركة الثقافيّة أنطلياس وفي رحابها مع الأصدقاء والزملاء والعائلة ومحبّي الفن والثقافة، هو من كرّم وطنه رافعاً شأنه عالياً كما كل لبناني آمن بهذا الوطن وجوداً أزليّاً ومنارة لكل العالم. جسّده في لوحاته ومنحوتاته يتنقّل بهم في رحاب الأرض من خلال معارض في لبنان والعالم، الجماعية منهاويفوق عددها الخمسة والخمسين والفردية إثنين وثلاثين، ناهيك عن لوحاتومنحوتات زيّن بها المؤسسات والحدائق العامة والخاصة، يضيق الوقت بنا لذكرها بالإسم والتاريخ، فتجدونها مفصّله في كتاب أعلام الثقافة لهذه السنة، منشورات الحركة الثقافيّة.

لم يبتعد مارون الحكيم أو ينزوي في محترفه الفني كما البعض من الفنّانين الذين يجدون في عزلتهممتنفّساً وراحة، بل كان رائداً في العمل النقابي والتعليم الأكاديمي والجامعي، يزرع معرفته في قلوب الطلاب ويناضل مع النقابيين كي لا ينطفىء مشعل الجمال.

لم يبخل على الحياة من عطائه الأبوي والروحي، فهو أب لثلاثة أبناء: سماح، الخوري ميراب ونيكولا،تقدّموا لخدمة هياكل الرسموالفن واللاهوت والفلسفة.

-       سمر ناهض، زوجة مارون الحكيم، توأم روحه ورفيقة دربه. هي شاعرة، ناقدة، إعلاميّة وأستاذة جامعيّة في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية. رافقت الفنان مارون الحكيم في الحياة والفن وهي الشاهد الأوّل لولادة أغلبيّة أعماله الفنيّة رسماً ونحتاً. وضعت عنه دراسة فنيّة قدّمتها كرسالة بحثية لنيل شهادة الماجستير في اللغة الفرنسية وآدابها. كما تناولت أعماله أيضاً في اطروحتها لنيل الدكتوراه بنفس الإختصاص وطبعت هذه الأطروحة كتاباً باللغة الفرنسية في دار ارماتان في باريس. بهذه الكلمات فقط أرادت أننعرّف عنها وبإيجاز، وقد اختارها المكرّم لكي تقدّمه في هذا الإحتفال لأنّها خبيرة به وبخبايا فنّه. فلتتفضّل.

-       لابد لنا من الإصغاء للمكرّم مارون الحكيم لما سيقوله لنا في يوم تكريمه. تفضّل

-       وفي لفتة مُحبّة من زملاء واصدقاء وأبناء أرادوها شهادة صادقة في مارون الحكيم يشاركونه فرح اللقاء ويصفقون له إعجاباً من على هذا المنبر. ومع حفظ الألقاب  نبدأ مع

(كلود عبيد)

نقيبة الفنانين التشكيليين اللبنانيين، فنّانة تشكيلية حائزة على دراسات عليا في التربية الفنية. وهي أيضاً كاتبة باللغة العربية نشرت عدة مؤلفات فنية ونقدية في مجال الفنون التشكيلية. صديقة الفنان مارون الحكيم وزميلته في العمل النقابي ينسّقان معاً في شؤون النقابة لما فيه مصلحة الفنانين التشكيليين في لبنان. كلود عبيد تفضّلي

(عقل العويط):

شاعر، ناقد وإعلامي. حائز على دكتوراه في اللغة العربية وآدابها. صديق الفنان ورفيق دربه منذ أوائل الثمانينات. خمسة وثلاثون عاماً من المودة بين الفنان وآل العويط جعلت من عقل العويط مرجعاً مقرّباً جدّاً من الفنان ومن انتاجاته الفنية المتنوعة. لذلك فإن شهادته تعكس صورة حقيقية للفنان في شخصه وعمله. عقل العويط تفضّل

(محمد الرواس)

رفيق مارون الحكيم على مقاعد معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية منذ العام 1971. محمد الرواس فنّان تشكيلي وأستاذ جامعي رافق المكرّم زميلاً وصديقاً على مدى خمسة واربعون عاماً. علاقتهما لم تنقطع. قريب جدا من الفنان الحكيم واكب انتاجاته الفنيّة نحتاً ورسماً وتلويناً. شهادته تنم عن دراية وصدق خالصين. محمد الرواس تفضّل

(أنطوان شربل)

رئيس اتحاد المعماريين العرب. دكتور في الهندسة المعمارية ومدير سابق لمعهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية. عرف انطوان شربل الفنان مارونالحكيم كتلميذ أولا وكزميل له فيما بعد. صارا صديقين قريبين وتحملا معا ورز الشؤون الأكاديمية والإدارية في المعهد. علاقتهما اعتمدت المصارحة والصدق لذلك فإن شهادة أنطوان شربل تكشف عن أوجه جديدة في مسيرة مارون الحكيم. أنطوان شربل تفضّل

(عايدة سلّوم)

فنانة تشكيلية، استاذة جامعيّة، صديقة الفنان مارونالحكيم وعائلته ورفيقة له في الهيئة الإداريّة لجمعيّة الفنّانين اللبنانيين للرسم والنحت إبتداء من العام 1998 ومن ثم في مجلس نقابة الفنانين التشكيليين ابتداءً من العام 2002. أستاذة في قسم الفنون التشكيلية في الجامعة اللبنانية الذي ترأّسه مارون الحكيم مدّة ثلاثين عاماً متتالية نستمع إلى شهادتها الخاصة بالفنان وفنّه. عايدة سلوم تفضّلي

(فادي مطر)

فنان تشكيلي وأستاذ جامعي في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية. تتلمذ على يد الفنان مارون الحكيم ونال شهادة الدراسات العليا في الرسم ومن ثم ماستر في الفنون التشكيلية. صديق الفنان ومقرّب منه. في شهادته بوح شخصي. فادي مطر تفضّل

(إلسا غصوب)

فنانة تشكيلية وأستاذة جامعية في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية. حائزة على دكتوراه في تاريخ الفن. عرفت الفنان أستاذاً ومن ثم زميلاً هي مقرّبة منه ومن عائلته. نستمع إليها في شهادة خاصة.

(سماح الحكيم)

فنان وأستاذ جامعي في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية وفي كلية الفنون في جامعة الروح القدس. حائز على ماستر في الفنون الزخرفية. إبن الفنان البكر. نشأ على فن والدع وتشرّب روح أعماله وهو ضليع بشخصيّة والده وخباياها الفنيّة كما انه مدير لأعماله. في شهادته نكهة مميزة. سماح الحكيم تفضل

(ميراب الحكيم)

الخوري ميراب الحكيم متخصص في اللاهوت والفلسفة. حائز على ماستر في الإدارة التربويّة من جامعة الروح القدس – الكسليك. إبنالفنان الأوسط وحبيبه. يتشابهان في الشكل والمضمون كل على طريقته: ميراب في التقوى والإيمان ووالده يعشق الفن ومحبة الجمال. كلاهما يسيران في طريق الرب واحد بالصلاة والآخر بالخلق الفني. فلنستمع إليه وكيف سيشهد لوالده. أبونا ميراب تفضّل

 

_____________________________

 

كلمة عقل العويط

 

أقرأ أعمالكَ، يا عزيزي مارون، نحتاً ورسماً، بعين الفنان، بقلبه، بخياله، وبهندسته للبنيان التكشيلي.

بسببٍ من ذلك، يمكنني أن أزعم أن المسافة بين الشعر والفن ليست بين عالمَين متناقضَين ومختلفَين، إلاّ من حيث الأدوات والتقنيات، والافتراض.

المعيار الجمالي، هو الذي يحكم عندي الرؤية والمقاربة والتأويل، وخصوصاً عندما تتداخل المسافة بين عالمَي الأدب والفن.

هذا المعيار الجمالي هو الذي جعلني، منذ البداية، أتفاعل مع منحوتكَ، ومع لوحتكَ.

أيها الأصدقاء،

عرفتُ مارون الحكيم منذ لوحته المنحوتة في العام 1978، وهي مختبر لتجربته المشتركة بين الرسم والنحت.

لهذا التأريخ الفني أهمية مفصلية في قراءتي لتجربة مارون الحكيم، لأنه يعكس جوهره الاختباري البحثي التأليفي. يجمع المتباعدات والمتفارقات، ليضعها على مائدة واحدة، منسجمة العناصر والتكوينات، متناغمة، متآلفة، حتى ليبدو العالم كلّه موجوداً في هذا التصوّر التأليفي المشترك.

قبل ذلك، أي قبل تحقيق هذا الاختبار التوليفي التشكيلي الصعب، والشاق، كان الفنان مدعوّاً إلى اختبار أول، يتمثل في العمل التأسيسي المتماسك والمتين، في مادة الحجر، وفوق سطح اللوحة، كلّ على حدة.

وقد نجح في هذين الاختبارين، المتوازيين، والمتداخلَين، وهو يواظب على هذا الفعل ، منذ ذلك التاريخ، بصلابة، ومهنية، وتبصر، وهدوء، ومثابرة، وبحث، واستكشاف.

أيها الأصدقاء

الأدب، عملٌ عقلي. أرغب في أن أقول هذا الرأي بصوت جهير، لكي يسمعني المهتمون والمعنيون.

لا أدب حقيقياً وقابلاً للعيش والصيرورة، خارج الرؤية العقلية. هندسة القلب، والروح، والعاطفة، والوجدان، لن تصل إلى مبتغاها الجوهري، خارج هندسة العقل.

وكما أزعم هذا الزعم على مستوى الأدب، أزعمه بكل قوة في تجربة مارون الحكيم.

لولا الهندسة العقلية التي تحكم أعماكَ، ما كان لكَ أن تصل إلى ما أنتَ عليه.

وأنتَ، تبني عمارتكَ الفنية المتألقة هذه، حجراً بعد حجر. ولوحةً بعد لوحة.

عمارتُكَ هذه، مكانتُها محفوظة ومكرّسة في الحياة التشكيلية اللبنانية والعربية. فلنفتح لها عقولنا والقلوب.

 

عقل العويط

 


_________________________________

كلمة عائدة سلوم

مارون الحكيم : بين الإزميل والريشة، عطاء متجدد

 

بداية، أود أن اشكر الحركة الثقافية في انطلياس التي أتاحت لنا فرصة تكريم الفنان مارون الحكيم. هذه المؤسسة الثقافية العريقة والرائدة في نشر الثقافة التنويرية وفي احتضان الكتاب والشعراء والفنانين والإضاءة على مبدعينا.

في المقابل أشعر بالأسف والأسى لأن الجامعة اللبنانية لم تقم هي بهذا التكريم. وكذلك نحن الأساتذة زملاؤك في قسم الرسم التصوير في معهد الفنون، فاتنا أن نقول لك شكرا على عطائك على امتداد أربعة عقود. فشكرًا لكم، وعذرًا مارون الحكيم.

كيف لنا أن نختصر إنساناً وفناناً كمارون الحكيم ببضعة سطور وكلمات، وكم من الصعب أن نعبّر عن صداقة امتدت على مساحة كبيرة من العمر، صداقة بدأت أواخر تسعينات القرن الماضي. توطدت معه ومع العائلة من خلال مسار عملنا المشترك في جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت، في نقابة الفنانين التشكيليين اللبنانيين، وفي معهد الفنون في الجامعة اللبنانية.

والواقع أن مارون الحكيم هو من الأشخاص الذي يعتبر زملاءه الفنانين والأساتذة في الجامعة جزءًا من عائلته، ويعمل معهم ويعاملهم كأنهم أخوته أو أولاده. وهو من طينة البشر الذين لا يعرفون الهدوء ولا السكينة إلاّ في العطاء المستمر، فكأنما لا يسعد إلاّ بإسعاد الآخرين، ولا يرتوي ويتجدد إلاّ بهم ومعهم.

كيف لهذا الفنان المشغول بالقلق والشغف بفنه أن يجد تلك الطاقة للاهتمام بقضايا الفن والفنانين داخل المعهد وخارجه؟ فهو من ذلك الطراز الذي يحول القضية العامة إلى هم خاص على المستويين الشخصي والعملي، يسكنه حماس كبير ووضوح في الرؤية والرأي، كلمته إزميل يترك أثرًا، وعاطفته لون يختبئ خلف نكتة ساخرة.

وإذ جئنا إلى هنا اليوم، فلنحييك بأقل ما يمكن، ولنشكرك بأقل ما يقال، نحن هنا لنقول إننا أصدقاؤك، وإذا ابتعدت عن الجامعة والتدريس، فلكي تتوحد بالفن وتنصرف إلى العطاء الأكبر عطاء الذات إلى الذات. وإذا كان التكريم يذكرنا بأن هذا الصديق وصل إلى ضفة معينة من العمر، وإننا نحن أيضاً نكبر، فعزاؤنا أن المحبين كثر، وأنه ما يزال هناك من يقدّر، وهذا ما يرد شيئاً لماء الروح. فالفنان لا يتقاعد، ففي داخله يسكن أبدًا ذلك الطفل المملوء دهشة وحباً للمعرفة والاكتشاف.

وأخيرًا أريد توجيه تحية محبة وتقدير خاصة لعائلتك، أولادك  سماح وميراب ونيكولا، الذين، بالأمس عرفتهم صغارًا، وأصبحوا اليوم رجالا يستلهمون مسيرتك. وتحية إعجاب وتقدير للزميلة والصديقة سمر التي لم تكن أبدًا خلفك، بل هي دائما أمامك وإلى جانبك في رحلة العطاء هذه. 

 

في 14 – 3 – 2015                                عائدة سلوم